إيجاز البيان عن معاني القرآن

مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)

ومن سورة طه
2 لِتَشْقى: تتعب بقيام جميع اللّيل «1» . وقيل «2» : لتحزن على قومك بأن لا يؤمنوا.
7 يَعْلَمُ السِّرَّ: ما يسرّه العبد عن غيره، وَأَخْفى: ما يخطر بالبال.
ويهجس في الصّدر، أو هو ما يكون من الغيب الذي لا يعلمه ولا يسرّه أحد «3» .
12 فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ: ليباشر بقدمه بركة الوادي «4» ، أو هو أمر تأديب وخضوع عند مناجاة الرّب «5» .
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 8 عن مجاهد.
وانظر تفسير الفخر الرازي: 22/ 4، وتفسير القرطبي: 11/ 168. [.....]
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 8 عن ابن بحر، وذكره الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 4، وقال: «وهو كقوله: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ الآية، وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ.
(3) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 16/ 140 عن ابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 9، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 271 عن ابن زيد أيضا.
قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: 16/ 141: «والصواب من القول في ذلك قول من قال: معناه: يعلم السر وأخفى الله سره، لأن «أخفى» فعل واقع متعد، إذ كان بمعنى «فعل» على ما تأوله ابن زيد، وفي انفراد «أخفى» من مفعوله، والذي يعمل فيه لو كان بمعنى «فعل» الدليل الواضح على أنه بمعنى «أفعل» . وأن تأويل الكلام: فإنه يعلم السر وأخفى منه ... » اه.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: (16/ 143، 144) عن مجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 9 عن علي بن أبي طالب، والحسن، وابن جريج.
وذكره الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 17 عن الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد.
(5) نص هذا القول في تفسير القرطبي: 11/ 173 دون عزو.
وأورد نحوه الماوردي في تفسيره: 3/ 9، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 10.
وذكر الفخر الرازي وجها آخر فقال: «أن يحمل ذلك على تعظيم البقعة من أن يطأها إلّا حافيا ليكون معظما لها وخاضعا عند سماع كلام ربه، والدليل عليه أنه تعالى قال عقيبة:
إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وهذا يفيد التعليل، فكأنه قال تعالى: اخلع نعليك لأنك بالوادي المقدس طوى» اه.
ينظر تفسيره: 22/ 17.

(2/545)


إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)

طُوىً: اسم عجميّ لواد معروف، فلم ينصرف للعجمة والتعريف، أو للعدل عن «طاو» معرفة «1» .
15 أَكادُ أُخْفِيها: أريد أخفيها «2» .
لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ: لأنّ من شرط التكليف إخفاء أمر السّاعة والموت.
17 وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ: السؤال للتنبيه «3» ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها.
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 351، وقد ورد هذا التوجيه لقراءة من لم ينوّن «طوى» ، وهذه القراءة لابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، كما في السبعة لابن مجاهد: 417، والتبصرة لمكي: 259، والتيسير للداني: 150.
وانظر توجيه هذه القراءة أيضا في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 34، والكشف لمكي:
2/ 96، والتبيان للعكبري: 2/ 886.
(2) ذكر الطبري هذا الوجه في تفسيره: 16/ 151، وقال: «وذلك معروف في اللّغة، ثم أورد الأدلة والشواهد على ذلك» .
وانظر هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 11، وتفسير البغوي: 3/ 214، والمحرر الوجيز: 10/ 15.
(3) تفسير الطبري: 16/ 154، وتفسير البغوي: 3/ 214، والمحرر الوجيز: 10/ 17.
قال الزجاج في معانيه: 3/ 354: «وهذا الكلام لفظه لفظ الاستفهام ومجراه في الكلام مجرى ما يسأل عنه، ويجيب المخاطب بالإقرار له لتثبت عليه الحجة بعد ما قد اعترف مستغنى بإقراره عن أن يجحد بعد وقوع الحجة، ومثله من الكلام أن تري المخاطب ماء فتقول له: ما هذا؟ فيقول: ماء، ثم تحيله بشيء من الصبغ فإن قال إنه لم يزل هكذا قلت له: ألست قد اعترفت بأنه ماء؟!» اه.

(2/546)


قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)

18 أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها: أعتمد، وَأَهُشُّ: أخبط الورق للغنم «1» .
23 آياتِنَا الْكُبْرى: الكبر، فجرى على نظم الآي. / أو هو من آياتنا [61/ أ] الآية الكبرى.
39 مَحَبَّةً مِنِّي: من رآك أحبّك «2» .
وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي: تغذّى وتربّى بإرادتي ورعايتي.
صنعت الجارية: تعهّدتها حتى سمنت «3» ، وهو صنيعه: تخريجه وتربيته.
40 وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً: بلوناك بلاء «4» بعد بلاء، أو خلّصناك تخليصا «5» ،
__________
(1) في غريب القرآن لليزيدي: 244: «خبطت وهششت واحد» .
وانظر المعنى الذي ذكره المؤلف في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 17، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 278، وتفسير الطبري: 16/ 154، والمفردات للراغب: 543.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 14 عن ابن زيد.
وأورد نحوه السيوطي في الدر المنثور: 5/ 567، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 179، وتفسير الطبري: 16/ 161، وزاد المسير:
5/ 284.
(3) تهذيب اللغة: 2/ 38، واللسان: 8/ 210 (صنع) .
(4) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 19، والطبري في تفسيره: 16/ 164، والزجاج في معانيه: 3/ 357.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 14 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 569، وعزا إخراجه إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم.
(5) عن تفسير الماوردي: 3/ 14، ونص كلامه: «خلصناك تخليصا، من محنة بعد محنة، أولها أنها حملته في السنة التي كان يذبح فيها فرعون الأطفال ثم إلقاؤه في اليم، ومنعه الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم جره بلحية فرعون حتى همّ بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل التمرة فدرأ ذلك عنه قتل فرعون، ثم مجيء رجل من شيعته يسعى بما عزموا عليه من قتله» .
وأورد ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 31 القول الذي ذكره المؤلف، ثم قال: «هذا قول جمهور المفسرين» .

(2/547)


فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)

من فتنت الذهب بالنار «1» .
عَلى قَدَرٍ: موعد ومقدار الرسالة وهو أربعون سنة «2» .
44 لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ: على رجاء الرسل لا المرسل، إذ لو يئس الرسول من ذلك لم يحسن الإرسال، أو الكلام معدول إلى المرسل إليه، كأنه: لعلّه يتذكّر متذكر عنه وما حل به.
45 نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا: يعجل بقتلنا «3» .
47 وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى: أي: سلم من العذاب من اتبع الهدى.
50 أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ: صورته التي لا يشبهها فيها غيره «4» ، أو المراد صورة الأنواع المحفوظة بعضها عن بعض، أو أعطى كل شيء من الأعضاء خلقه، فأدرك كلّ حاسة بإدراك، وأنطق اللسان، ومكّن اليد من البطش والأعمال العجيبة، والرّجل من المشي، خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا «5» .
__________
(1) في تهذيب اللغة للأزهري: 14/ 296: «فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجيد ... » .
وانظر الصحاح: 6/ 2175، واللسان: 13/ 317 (فتن) .
(2) ينظر تفسير الطبري: (16/ 167، 168) ، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 357، وتفسير الماوردي: 3/ 15. [.....]
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 180، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 19، وغريب القرآن لليزيدي: 246.
وقال الطبري في تفسيره: 16/ 170: «وهو من قولهم: فرط مني إلى فلان أمر: إذا سبق منه ذلك إليه، ومنه: فارط القوم وهو المتعجل المتقدم أمامهم إلى الماء أو المنزل ... » .
(4) نقل البغوي نحو هذا القول في تفسيره: 3/ 220 عن مجاهد.
وذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 291، وقال: «رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 582، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن مجاهد.
(5) تفسير القرطبي: 11/ 205.

(2/548)


قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)

ثُمَّ هَدى: للمعيشة في الدنيا والسعادة في الآخرة.
51 فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى: حين حذّره البعث، فقال: ما بال الأمم الخالية كيف يبعثون ومتى وهم رمم بالية؟.
58 مَكاناً سُوىً: المكان النّصف بين الفريقين يستوي مسافته عليهما «1» .
59 يَوْمُ الزِّينَةِ: ارتفع يَوْمُ لأنّه خبر مَوْعِدُكُمْ، على أنّ الموعد اسم زمان الوعد أو مكانه، ومن نصب «2» نصبه على الظرف للموعد، وجعل الموعد حدثا كالوعد لئلا يتكرر الزمان.
61 فَيُسْحِتَكُمْ: يستأصلكم «3» . سحت وأسحت، وسمّي السّحت لأنّه مهلك «4» ، ودم سحت: هدر «5» .
63 إِنْ هذانِ لَساحِرانِ: قال أبو عمرو «6» ، إني لأستحي أن أقرأ: إِنْ هذانِ والقرآن أفصح اللّغات.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 181، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 20، وغريب القرآن لليزيدي: 247، ومعاني الزجاج: (3/ 360، واللسان: (14/ 413، 414) (سوا) .
(2) تنسب قراءة النصب إلى الحسن رحمه الله تعالى، كما في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 42، والبحر المحيط: 6/ 252، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 248.
وانظر توجيه هذه القراءة في معاني الزجاج: 3/ 360، ومشكل إعراب القرآن لمكي:
2/ 464، والتبيان للعكبري: 2/ 892، والبحر المحيط: 6/ 252.
وقال ابن الأنباري في البيان: 2/ 144: «ولا يجوز أن يكون يَوْمُ ظرفا لأن العرب لم تستعمله مع الظرف استعمال سائر المصادر، ولهذا قال تعالى: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ اه.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 182، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 280، ومعاني الزجاج:
3/ 361، والمفردات للراغب: 225.
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 21.
(5) اللسان: 2/ 41 (سحت) .
(6) قراءته في هذا الموضع: «إنّ هذين» .
ينظر السبعة لابن مجاهد: 419، وحجة القراءات: 454، والتبصرة لمكي: 260.

(2/549)


وأمّا خط المصحف فروى عيسى «1» بن عمر أنّ عثمان- رضي الله عنه- قال: أرى فيه لحنا ستقيمه العرب بألسنتها «2» .
[60/ ب] وقرأ ابن كثير «3» : إِنْ هذانِ فهي ضعيفة في نفسها خفيفة/ من المثقلة، فلم تعمل فيما بعدها، فارتفع ما بعدها على الابتداء والخبر، ودخل اللام الخبر فرقا بينها وبين إن النافية، أو هي بمعنى «ما» نافية واللّام في
__________
(1) هو عيسى بن عمر الثقفي البصري، كان صديقا ملازما لأبي عمرو بن العلاء.
وصفه الذهبي بقوله: «العلّامة، إمام النحو ... » ، توفي عيسى بن عمر سنة 149 هـ.
أخباره في طبقات النحويين للزبيدي: 40، وسير أعلام النبلاء: 7/ 200، وتقريب التهذيب: 440.
(2) ذكر الفراء الرواية المنسوبة إلى أبي عمرو بن العلاء عن عثمان رضي الله عنه، لكنه لم يصرح بذكر عثمان، وإنما قال: «عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ... » .
معاني القرآن: 2/ 183.
وأورد الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 74، والقرطبي في تفسيره: 11/ 216، نص الرواية التي وردت عند المؤلف هنا.
ودافع الفخر الرازي عن قراءة الجمهور، ونقد الرواية المذكورة عن عثمان رضي الله عنه، فقال: «إنه لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يفضي إلى القدح في التواتر وإلى القدح في كل القرآن وأنه باطل، وإذا ثبت ذلك وامتنع صيرورته معارضا بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة.
وثانيها: أن المسلمين أجمعوا على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى، وكلام الله تعالى لا يجوز أن يكون لحنا وغلطا، فثبت فساد ما نقل عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما أن فيها لحنا وغلطا.
وثالثها: قال ابن الأنباري: إن الصحابة هم الأئمة والقدوة، فلو وجدوا في المصحف لحنا لما فوضوا إصلاحه إلى غيرهم من بعدهم مع تحذيرهم من الابتداع وترغيبهم في الاتباع ... » .
وينظر نقد هذه الرواية عن عثمان رضي الله عنه في مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله (15/ 250- 254) .
(3) هو عبد الله بن كثير الداري، أحد القراء السبعة، توفي سنة 120 هـ.
ترجمته في: معرفة القراء الكبار: 1/ 86، وغاية النهاية: 1/ 443.
وانظر قراءته في السبعة لابن مجاهد: 419، وحجة القراءات: 456، والتبصرة لمكي:
260.

(2/550)


خبرها بمعنى «إلا» ، أي: ما هذان إلّا ساحران «1» ، كقوله «2» : وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ.
وأما القراءة المعروفة «3» فهي على لغة كنانة، وبلحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومراد، وبني عذرة، فالتثنية في لغاتها بالألف أبدا «4» .
وقيل «5» : معنى إِنْ نعم، وقيل «6» : هو على حذف الهاء بمعنى «إنه» . وزبدة كلام أبي عليّ «7» أنّ هذانِ ليس بتثنية «هذا» «8» لأنّ «هذا» من أسماء الإشارة، فيكون معرفة أبدا، والتثنية والجمع من خصائص النكرات لأنّ واحدا أعرف، فلما لم يصح تنكير هذا لم يصح [تثنية] «9» «هذا» [وجمعه] «10» من لفظه.
__________
(1) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 23، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 467، والبحر المحيط:
6/ 255.
(2) سورة الشعراء: آية: 186. [.....]
(3) يريد قراءة الجمهور بتشديد «إنّ» و «هذان» مرفوعا.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 419، وتفسير الطبري: 16/ 180، وإعراب القرآن للنحاس:
3/ 43، والبحر المحيط: 6/ 255.
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 184، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 362، والكشف لمكي:
2/ 99، والمحرر الوجيز: (10/ 49، 50) ، والبحر المحيط: 6/ 255.
(5) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 22، والزجاج في معانيه: 3/ 363، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 48، وأبو حيان في البحر: 6/ 255.
(6) في معاني الزجاج: 3/ 362 عن النحويين القدماء.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 46، وحجة القراءات: 455، والمحرر الوجيز:
10/ 50.
(7) يريد أبا علي الفارسي.
(8) هذا معنى قول الفراء في معانيه: 2/ 184، ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 50 عن الفراء أيضا.
(9) في الأصل: «تثنيته» ، والمثبت في النص عن «ك» .
(10) ما بين معقوفين ساقط من الأصل، والمثبت عن «ك» .

(2/551)


فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

ألا ترى أنّ «أنت» و «هو» و «هي» لما كانت معارف لم تثنّ على لفظها، فلا يقال: «أنتان» و «هوان» ، بل يصاغ لها أسماء مبنيّة في التثنية لا يختلف أبدا على صورة الأسماء المثناة، وهي «أنتما» و «هما» ، فكذا صيغ ل «هذا» عند التثنية لفظ مبنيّ، ألا ترى كيف فعلوا في «الذين» هكذا.
وقيل «1» : إنّ الألف لما حذفت عوّضت منها ألف التثنية فلم تزل على حالها.
64 فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ: إجماع الأمر بمعنى جمعه، وبمعنى اجتماع الرأي والتدبير «2» .
ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا: مصطفين جميعا، والصفّ مجتمع القوم «3» .
67 فَأَوْجَسَ: أسرّ وأخفى «4» .
69 تَلْقَفْ ما صَنَعُوا: تأخذه بفيها وتبتلعها «5» .
77 لا تَخافُ دَرَكاً: منصوب على الحال، أي: اضرب لهم طريقا غير خائف «6» .
أو على نعت الطريق، أي: طريقا مأمونا غير مخشيّ فيه الدرك.
87 ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا: بطاقتنا «7» ، أو بملكنا
__________
(1) يريد أنه حذف ألف «هاذا» الأخيرة ثم عوض عنها بألف التثنية فقامت مقامها وسدت مسدها ولزمت حالها وأخذت حكمها فلم تتغير ألف البناء.
(2) اللسان: 8/ 57 (جمع) .
(3) ينظر تفسير البغوي: 3/ 223، واللسان: 9/ 194 (صفف) .
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 23، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 280.
(5) تفسير الطبري: 16/ 186، وتفسير الماوردي: 3/ 21، وتفسير البغوي: 3/ 224.
(6) إعراب القرآن للنحاس: 3/ 50، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 3/ 470، والبيان لابن الأنباري: 2/ 150، والتبيان للعكبري: 2/ 899. [.....]
(7) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 281، وأخرجه الطبري في تفسيره: 16/ 198 عن قتادة والسدي.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 314 عن قتادة والسدي أيضا.

(2/552)


فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)

الصّواب «1» .
أو لم نملك اختيارنا، أو لم نملك أنفسنا «2» .
وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ: إذ السّامريّ قال لهم: إنّها أوزار الذنوب والمال الحرام فانبذوه في النّار، وكان صائغا «3» .
88 فَنَسِيَ: ترك السّامريّ إيمانه «4» ، أو هو قول السّامريّ: / نسي [62/ أ] موسى إلهه عندكم فلذلك أبطأ «5» .
96 فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ: من تراب حافر فرس الرسول، فحذف المضافات.
97 فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ: أمر موسى بني إسرائيل أن لا يقاربوه ولا يخالطوه «6» . وقيل: هرب السّامريّ وتوحش في البراري خوفا، لا يماسّ أحدا «7» .
لَنَنْسِفَنَّهُ: نذرّينّه، نسف الطعام بالمنسف ذرّاه ليطير قشوره «8» .
__________
(1) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 189، والزجاج في معانيه: 3/ 371.
(2) ينظر تفسير البغوي: 3/ 228، وزاد المسير: 5/ 314، وتفسير القرطبي: 11/ 234.
(3) نقله القرطبي في تفسيره: 11/ 235 عن قتادة.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 201 عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 372، وتفسير الماوردي: 3/ 25، والمحرر الوجيز: 10/ 78.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 16/ 201 عن قتادة، ورجح هذا القول.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 25 عن قتادة، والضحاك.
(6) ذكره الطبري في تفسيره: 16/ 206 دون عزو، وكذا الماوردي في تفسيره: 3/ 28، والبغوي في تفسيره: 3/ 230، والقرطبي في تفسيره: 11/ 240.
(7) تفسير الماوردي: 3/ 28، وتفسير البغوي: 3/ 230.
(8) تهذيب اللغة: 13/ 6، والصحاح: 4/ 1431، واللسان: 9/ 328 (نسف) .
قال الجوهري: «والمنسف» : ما ينسف به الطعام، وهو شيء طويل منصوب الصدر أعلاه مرتفع» .

(2/553)


يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)

102 زُرْقاً: عميا «1» . وقيل «2» : عطاشا لأنّ سواد العين من شدّة العطش يتغيّر حتى يزرق.
103 يَتَخافَتُونَ: يتناجون «3» .
106 صَفْصَفاً: مستويا «4» .
107 عِوَجاً: غورا، أَمْتاً: نجدا «5» .
108 هَمْساً: صوتا خفيّا، وهو هاهنا صوت وطئ الأقدام «6» .
111 وَعَنَتِ الْوُجُوهُ: ذلّت وخشعت، والعاني: الأسير «7» .
114 وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ: لا تسأل إنزاله قبل الوحي إليك، وقيل «8» :
كان يعاجل جبريل في التلقن حرصا عليه.
__________
(1) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 191، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 282، والزجاج في معانيه: 3/ 376، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 29 عن الفراء.
(2) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 376.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 191، وتفسير الطبري: 16/ 210، وتهذيب اللغة للأزهري: 8/ 428.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 29، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 282، والمفردات للراغب: 152.
(4) في المفردات: 282: «والصفصف المستوي من الأرض كأنه على صف واحد» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 29، وغريب القرآن لليزيدي: 250، وتفسير القرطبي: 11/ 246.
(5) أي مرتفعا، والأمت ما ارتفع من الأرض.
معاني القرآن للفراء: 2/ 191، واللسان: 2/ 5 (أمت) . [.....]
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 192، وغريب القرآن لليزيدي: 251، والمفردات للراغب:
350.
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 30، وغريب القرآن لليزيدي: 251، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 282، واللسان: 15/ 101 (عنا) .
(8) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 32 عن الكلبي.
وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 232، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 98 دون عزو.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 602، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن السدي.

(2/554)


فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)

121
فَغَوى: ضلّ عن الرأي.
124 وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى: لا حجة له يهتدي إليها «1» .
128 أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ: فاعل يَهْدِ مضمر يفسره كَمْ أَهْلَكْنا: ولا يجوز رفعها ب يَهْدِ، لأنه على طريق الاستفهام بمنزلة: قد تبيّن لي أقام زيد أم عمرو.
129 وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ: تقديره: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمّى لكان لزاما، أي: عذابا لازما.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 228، 229) عن مجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 33، والبغوي في تفسيره: 3/ 235 عن مجاهد.

(2/555)