إيجاز البيان عن معاني القرآن

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)

ومن سورة الأنبياء
1 اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ: لقلّة ما بقي بالإضافة إلى ما مضى «1» ، أو لأنّ كلّ آت قريب. وحساب الله العبد إظهاره تعالى ما للعبد وما عليه للجزاء.
2 مُحْدَثٍ: أي: في التنزيل «2» .
3 لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ: مشتغلة، من لهيت ألهى لهوا ولهيّا «3» .
أو طالبة للهو، من لهوت ألهو، وإذا تقدّمت الصّفة انتصب، كقول الشّاعر «4» :
لميّة موحشا طلل ... يلوح كأنّه خلل
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى: تمّ الكلام عليه، ثم كأنه فسّره فقال: هم الذين
__________
(1) ذكر الماوردي هذا القول والذي يليه في تفسيره: 3/ 36، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 339.
وانظر تفسير القرطبي: 11/ 267، والبحر المحيط: 6/ 295.
(2) تفسير الطبري: 17/ 2، وتفسير الماوردي: 3/ 36، والمحرر الوجيز: 10/ 122.
قال القرطبي في تفسيره: 11/ 267: «أي ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث، يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة، وآية بعد آية، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت، لا أن القرآن مخلوق» .
(3) اللسان: 15/ 258 (لها) ، وانظر تفسير القرطبي: 11/ 267، والبحر المحيط: 6/ 295.
(4) هو كثيّر عزّة، والبيت له في الكتاب لسيبويه: 2/ 123، وخزانة الأدب: 2/ 211.
وهو في مغني اللبيب: 1/ 85، واللسان: 11/ 220 (خلل) دون نسبة.
قال الأستاذ عبد السلام هارون- رحمه الله- في هامش تحقيقه لكتاب سيبويه: «والشاهد فيه نصب «موحشا» على الحال، وكان أصله صفة ل «طلل» ، فتقدمت على الموصوف فصارت حالا» .

(2/556)


لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)

ظلموا، كقوله»
: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ.
أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ: أفتقبلونه «2» ؟.
10 فِيهِ ذِكْرُكُمْ: شرفكم «3» إن [عملتم] «4» به.
12 يَرْكُضُونَ: يسرعون ويستحثون.
13 لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ: لتسألوا عما كنتم تعملون «5» .
15 حَصِيداً خامِدِينَ/: خمدوا كالنّار وحصدوا كما يحصد الزّرع.
19 لا يَسْتَحْسِرُونَ: لا يتعبون ولا ينقطعون عن العمل، من البعير الحسير.
21 يُنْشِرُونَ: يحيون. أنشر الله الموتى فنشروا.
29 وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ: قيل «6» : إنّه إبليس في دعائه إلى طاعته.
30 كانَتا رَتْقاً: ملتصقتين، ففتق الله بينهما بالهواء «7» ، أو فتق السّماء بالمطر والأرض بالنبات «8» .
__________
(1) سورة المائدة: آية: 71.
(2) في تفسير الطبري: 17/ 3: «قال بعضهم لبعض: أتقبلون السحر، وتصدقون به وأنتم تعلمون أنه سحر؟ يعنون بذلك القرآن» .
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 200، وتفسير الطبري: 17/ 7، ومعاني الزجاج:
3/ 385، وتفسير البغوي: 3/ 239.
(4) في الأصل: «علمتم» ، ولا يستقيم به السياق.
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 39 عن ابن بحر.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 17 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 625، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة أيضا. [.....]
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 18 عن الحسن، وقتادة، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 42 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(8) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 201، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 37، واليزيدي في غريب القرآن: 254، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 286.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 19 عن عكرمة، وعطية، وابن زيد.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 382، كتاب التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» .
وفي إسناده: طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي. قال عنه الذهبي في التلخيص: «واه» .
ووصفه الحافظ في التقريب: 283 بقوله: «متروك، من السابعة» .
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات: 1/ 61 عن ابن عباس، وفي إسناده طلحة بن عمرو أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 625، وزاد نسبته إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ورجح الطبري هذا القول فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا من المطر والنبات، ففتقنا السماء بالغيث، والأرض بالنبات. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك لدلالة قوله:
جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ على ذلك، وأنه جلّ ثناؤه لم يعقب ذلك بوصف الماء بهذه الصفة إلا والذي تقدمه من ذكر أسبابه ... » .

(2/557)


وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)

38 يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ: يعيبهم.
37 خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ: فسر بالجنس، أي: خلق على حبّ العجلة في أمره «1» ، كقوله «2» : وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا: وفسّر بآدم «3» - عليه السلام- وأنّه لمّا نفخ فيه الرّوح فقبل أن استكمله «4» نهض.
وقال الأخفش «5» : معناه: خلق الإنسان في عجلة.
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 45، وذكر نحوه الطبري في تفسيره: 17/ 26.
(2) سورة الأسراء: آية: 11.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 26 عن السدي، ونقله البغوي في تفسيره:
3/ 244 عن سعيد بن جبير، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 630، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، عن عكرمة.
(4) في «ك» : فقبل استكماله.
(5) الأخفش: (- 215 هـ) .
هو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، الإمام اللّغوي النّحويّ المشهور، أصله من «بلخ» .
لازم سيبويه وروى عنه كتابه.
أخباره في: إنباه الرواة: 2/ 36، ومعجم الأدباء: 4/ 242، وإشارة التعيين: 131.
ونص كلامه في معانيه: 2/ 633 كالتالي: «من تعجيل الأمر، لأنه قال: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ، فهذا العجل كقوله: فَلا تَسْتَعْجِلُونِ.
وانظر قوله في تفسير القرطبي: 11/ 289، والبحر المحيط: 6/ 313.

(2/558)


بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)

وقيل العجل: الطين «1» وتلفيقه «2» بقوله: فَلا تَسْتَعْجِلُونِ أن من خلق الإنسان مع ما فيه من بديع الصّنعة لا يعجزه ما استعجلوه من الآيات.
40 فَتَبْهَتُهُمْ: فتفجؤهم أو تحيّرهم «3» .
46 نَفْحَةٌ: دفعة يسيرة «4» . وقيل «5» : نصيب، نفح له من عطائه «6» .
47 الْمَوازِينَ الْقِسْطَ: أي: ذوات القسط، والقسط: العدل، مصدر يوصف به، يكون للواحد وللجميع «7» .
58 جُذاذاً: قطعا، جمع جذاذة، ك «زجاجة» وزجاج.
__________
(1) ذكره اليزيدي في غريب القرآن: 254، وأورده ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 151، ونقل القرطبي في تفسيره: 11/ 289 عن أبي عبيدة وكثير من أهل المعاني أن العجل الطين بلغة حمير.
وعقب ابن عطية على هذا القول بقوله: «وهذا أيضا ضعيف مغاير لمعنى الآية» .
(2) كذا في الأصل، ولعل المناسب للسياق هنا: «وتعقيبه» ، لدلالة: فَلا تَسْتَعْجِلُونِ عليه.
(3) في تفسير البغوي: 3/ 245: «يقال فلان مبهوت، أي: متحير» .
وقال القرطبي في تفسيره: 11/ 290: «يقال: بهته يبهته إذا واجهه بشيء يحيره. وقيل:
فتفجأهم» .
(4) قال القرطبي في تفسيره: 11/ 293: «والنفحة في اللغة الدفعة اليسيرة، فالمعنى: ولئن مسهم أقل شيء من العذاب لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ، أي: متعدين، فيعترفون حين لا ينفعهم الاعتراف» .
(5) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 32، ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 246 عن ابن جريج، وكذا القرطبي في تفسيره: 11/ 293.
(6) في اللسان: 2/ 622 (نفح) : «ونفحه بشيء، أي: أعطاه، ونفحه بالمال نفحا: أعطاه» .
(7) معاني القرآن للزجاج: 3/ 394. [.....]

(2/559)


قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)

و «جذاذا» «1» جمع جذيذ «2» ، ك «خفيف» وخفاف.
63 بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ: أي: يجب أن يفعله كبيرهم أن لو كان معبودا لئلا يعبد معه غيره على إلزام الحجة لا الخبر، أو هو خبر معلق بشرط لا يكون، وهو نطق الأصنام فيكون نفيا للمخبر به «3» .
وإذا وقفت على بَلْ فَعَلَهُ «4» كان المعنى: بل فعله من فعله، ثم الابتداء بقوله: كَبِيرُهُمْ هذا.
68 حَرِّقُوهُ: قاله رجل من أكراد فارس «5» ، ولم تحرق النّار إلّا وثاقة «6» ، ولما أوثقوه قال: لا إله إلّا أنت سبحانك ربّ العالمين، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك «7» .
69 كُونِي بَرْداً: قيل: أحدث فيها البرد بدلا من الحرّ.
__________
(1) بكسر الجيم المعجمة، وهي قراءة الكسائي كما في السبعة: 429، وحجة القراءات:
468، والتبصرة لمكي: 264.
(2) قال اليزيدي في غريب القرآن: 255: «و «جذيذ» بمعنى مجذوذ كالقتيل والجريح» .
وانظر المعنى الذي أورده المؤلف في معاني الفراء: 2/ 206، ومعاني القرآن للزجاج:
3/ 396، والكشف لمكي: 2/ 112.
(3) ينظر هذا المعنى في تفسير الماوردي: 3/ 47، وتفسير البغوي: 3/ 249، وزاد المسير:
5/ 359.
(4) وقد نقل عن الكسائي أنه كان يقف على قوله تعالى: بَلْ فَعَلَهُ.
ينظر تفسير البغوي: 3/ 249، وتفسير القرطبي: 11/ 300، والبحر المحيط: 6/ 325.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 43 عن مجاهد.
(6) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 341، والطبري في تفسيره:
17/ 44 عن كعب الأحبار.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 639، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن كعب أيضا.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 45 عن أرقم، وذكره ابن كثير في تفسيره:
5/ 345 دون عزو.

(2/560)


وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)

وقيل «1» : حيل بينها وبينه فلم تصل إليه.
71 إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها: أرض الشّام «2» . وبركتها أنّ أكثر الأنبياء منها، وهي أرض خصيب يطيب فيها عيش الغنيّ والفقير.
74 الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ/ الْخَبائِثَ: قرية سدوم «3» ، وخبائثهم إتيان الذكران وتضارطهم في أنديتهم «4» .
78 نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ: رعت ليلا «5» ، نفشت الغنم، ونفشها أهلها، وأسداها أيضا باللّيل، وأهملها بالنهار «6» .
79 فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ: دفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بدرها ونسلها ودفع الحرث إلى صاحب الغنم، وجعل عليه عمارته حتى إذا نبتت في السنة القابلة ترادّا «7» .
78 وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ: جمع في موضع التثنية لإضافته إلى المحكوم لهم ومن حكم.
__________
(1) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 189.
(2) ورد هذا القول في آثار أخرجها الطبري في تفسيره: (17/ 46، 47) عن أبيّ بن كعب، والحسن، وقتادة، والسدي، وابن جريج، وابن زيد.
وأورد ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 368 القول الذي ذكره المؤلف، ثم قال: «وهذا قول الأكثرين» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 642، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب.
(3) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 49، والماوردي في تفسيره: 3/ 50، والبغوي في تفسيره:
3/ 252، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 370.
(4) المصادر السابقة.
(5) غريب القرآن لليزيدي: 256، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 287، وتفسير الطبري:
17/ 53، والمفردات للراغب: 502، واللسان: 6/ 357 (نفش) .
(6) الهمل، بالتحريك: الإبل بلا راع، مثل النّفش، إلّا أن الهمل بالنهار والنّفش لا يكون إلّا ليلا. يقال: إبل همل وهاملة وهمّال وهوامل، وتركتها هملا أي: سدى إذا أرسلتها ترعى ليلا بلا راع.
ينظر اللسان: 11/ 710 (همل) .
(7) تفسير الطبري: (17/ 51- 54) ، وتفسير البغوي: 3/ 253، وتفسير ابن كثير: 5/ 349. [.....]

(2/561)


فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)

79 وَكُنَّا فاعِلِينَ: نقدر على ما نريد.
82 وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ: كثّف أجسام الجن حتى أمكنهم تلك الأعمال معجزة لسليمان «1» .
وسخّر الطير له بأن قوّى إفهامها كصبياننا الذين يفهمون التخويف.
83 أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ: لم يكن ما نزل به من المرض فعلا للشّياطين كما ذكره في سورة «ص» «2» ، ولكن إنّما آذاه «3» بالوسوسة ونحوها.
84 وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ: ابن عباس قال «4» : أبدل بكل شيء ذهب له ضعفين.
«ذو الكفل» «5» رجل صالح كفل لنبيّ بصيام النّهار وقيام اللّيل وألّا يغضب ويقضي بالحق «6» .
وذَا النُّونِ «7» صاحب الحوت، إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً: أي:
__________
(1) تفسير الفخر الرازي: (22/ 202، 203) .
(2) قوله تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [آية:
41] .
(3) في الأصل: «إنما وإنما آذاه ... » ، ولا يستقيم به السياق.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 72 بسند فيه: محمد بن سعد عن أبيه عن عمه ... وقد سبق بيان ضعفهم ص (135) .
(5) في قوله تعالى: وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ [آية: 85] .
(6) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: (17/ 74، 75) عن أبي موسى الأشعري، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 661، وزاد نسبته إلى ابن حاتم، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وعبد بن حميد عن مجاهد رحمه الله.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 5/ 357: «الظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي.
وقال آخرون: إنما كان رجلا صالحا، وكان ملكا عادلا، وحكما مقسطا، وتوقف ابن جرير في ذلك، فالله أعلم» اه.
(7) في قوله تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ... [آية: 87] .

(2/562)


وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)

مغاضبا لقومه حين استبطأ وعد الله، فخرج بغير أمر ولم يصبر بدليل قوله «1» : فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ.
87 فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ: لن نضيّق «2» ، كقوله «3» : وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أو فظنّ أن لن نقدّر عليه البلاء من القدر «4» لا القدرة، كأنه: فظن أن لن نقدر عليه ما قدرنا من كونه في بطن الحوت، أو هو على تقدير الاستفهام «5» ، أي: أفظنّ؟.
فِي الظُّلُماتِ: ظلمة اللّيل والبحر وبطن الحوت «6» .
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ: أي: لنفسي في خروجي قبل الإذن.
90 وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ: كانت عقيما فجعلها الله ولودا «7» .
وقيل «8» : كان في خلقها سوء فحسّن الله خلقها.
__________
(1) سورة القلم: آية: 48.
(2) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 287، وذكره الطبري في تفسيره: 17/ 78 ورجحه.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 57، والمحرر الوجيز: 10/ 196، وتفسير القرطبي:
11/ 329.
(3) سورة الطلاق: آية: 7.
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 402.
(5) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 79، والماوردي في تفسيره: 3/ 58، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 196.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 80 عن ابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي، وقتادة، وعمرو بن ميمون.
وذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 209، والزجاج في معانيه: 3/ 402، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 197.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 83 عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة.
وذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 210، والماوردي في تفسيره: 3/ 59، ورجحه ابن كثير في تفسيره: 5/ 364. [.....]
(8) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 83، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 59 عن عطاء، وابن كامل.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 670، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» ، وابن عساكر عن عطاء بن أبي رباح.
وعقّب الطبري- رحمه الله- على القولين اللذين تقدما بقوله: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أصلح لزكريا زوجه، كما أخبر تعالى ذكره بأن جعلها ولودا حسنة الخلق، لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها، ولم يخصص الله جل ثناؤه بذلك بعضا دون بعض في كتابه، ولا على لسان رسوله، ولا وضع على خصوص ذلك دلالة، فهو على العموم ما لم يأت ما يجب التسليم له بأن ذلك مراد به بعض دون بعض» .

(2/563)


وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)

91 فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا: أجرينا فيها روح المسيح كما يجري الهواء بالنّفخ «1» .
[63/ ب] 92 إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ: دينكم «2» ، أُمَّةً واحِدَةً: دينا واحدا، ونصبه على القطع «3» ، أو أنكم خلق واحد فكونوا على دين واحد «4» .
93 وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ: اختلفوا في الدين وتفرقوا «5» .
95 وَحَرامٌ: واجب «6» ، عَلى قَرْيَةٍ: على أهل قرية،
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 60، وانظر زاد المسير: 5/ 385.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 85 عن مجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 60 عن ابن عباس، وقتادة.
(3) أي على الحال، وهو اصطلاح جرى عليه الفراء.
ينظر معاني القرآن له: 2/ 210، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 79، والتبيان للعكبري:
2/ 926، ومعجم المصطلحات النحوية: 188.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 60.
(5) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 288، وتفسير الطبري: 17/ 84، وتفسير البغوي:
3/ 268، وتفسير القرطبي: 11/ 341.
(6) نقل الزجاج هذا القول في معانيه: 3/ 405، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 387 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 672، وعزا إخراجه إلى الفريابي، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «الشعب» عن ابن عباس أيضا.
وفي توجيه هذا القول ذكر الفخر الرازي في تفسيره: 22/ 221: أن الحرام قد يجيء بمعنى الواجب، والدليل عليه الآية والاستعمال والشعر.
أما الآية فقوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وترك الشرك واجب وليس بمحرم، وأما الشعر فقول الخنساء:
وإن حراما لا أرى الدهر باكيا ... على شجرة إلا بكيت على عمرو
يعني: وإن واجبا. وأما الاستعمال فلأن تسمية أحد الضدين باسم الآخر مجاز مشهور، كقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.
إذا ثبت هذا فالمعنى أنه واجب على أهل كل قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ... » اه.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 204: «ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن، وذلك أنه ذكر من عمل صالحا وهو مؤمن، ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى ربّ، ولا يرجعون إلى معاد، فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم، فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء، أي: ممتنع على الكفرة المهلكين أنهم لا يرجعون، بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه» .

(2/564)


حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)

أَهْلَكْناها: بالعذاب، أو وجدناها هالكة بالذنوب، كقولك: أعمرت بلدة وأخربتها: وجدتها كذلك، أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ: لا يؤمنون.
96 حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ: أي: جهة يأجوج.
و «الحدب» : فجاج الأرض «1» .
يَنْسِلُونَ: يخرجون ويسرعون «2» ، من نسلان الذئب.
98 حَصَبُ جَهَنَّمَ: حطبها «3» . وقيل: يحصبون فيها بالحصباء «4» .
__________
(1) المفردات للراغب: 110، واللسان: 1/ 301 (حدب) .
(2) قال اليزيدي في غريب القرآن: 256: «والنسلان والنسول مشي سريع في استخفاء مثل نسلان الذئب» .
وانظر تفسير الطبري: 17/ 91، ومعاني الزجاج: 3/ 405، والمفردات للراغب: 491، واللسان: 11/ 661 (نسل) .
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 212، وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 94 عن مجاهد، وقتادة، وعكرمة.
(4) أي: يرمون فيها بالحصى، وفي تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 288: «وأصله من الحصباء، وهي: الحصى. يقال: حصبت فلانا: إذا رميته حصبا- بتسكين الصاد- وما رميت به: حصب، بفتح الصاد ... واسم حصى الحجارة: حصب» .
وانظر تفسير الطبري: 17/ 94، واللسان: 1/ 320 (حصب) .

(2/565)


لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)

100 لا يَسْمَعُونَ: أي: لا يسمعون ما ينتفعون به وإن سمعوا ما يسؤوهم «1» .
101 إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى: الطاعة لله «2» .
وقيل «3» : إنّهم عيسى وعزير والملائكة عبدوا وهم كارهون.
و «الحسيس» «4» : الصوت الذي يحسّ «5» .
103 الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ: النفخة الأخيرة «6» . وقيل «7» : إطباق باب النّار على أهلها.
__________
(1) ينظر تفسير الفخر الرازي: 22/ 225، وتفسير القرطبي: 11/ 345، والبحر المحيط:
6/ 341.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 96 عن مجاهد.
(3) ورد هذا القول في أثر طويل عن ابن عباس رضي الله عنهما، في سياق المناظرة بين أحد رؤوس الشرك في مكة- وهو ابن الزّبعرى- وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أخرجه الطبري في تفسيره: (17/ 96، 97) ، والطبراني في المعجم الكبير:
12/ 153، حديث رقم (12739) ، والحاكم في المستدرك: 2/ 385، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الواحدي في أسباب النزول: (353، 354) عن ابن عباس أيضا.
وانظر تفسير ابن كثير: (5/ 374، 375) ، والدر المنثور: 5/ 679. [.....]
(4) من قوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ [آية: 102] .
(5) غريب القرآن لليزيدي: 357، وتفسير الطبري: 17/ 98، واللسان: 6/ 49 (حسس) .
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 99 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق محمد بن سعد عن أبيه عن عمه، وهو إسناد مسلسل بالضعفاء، تقدم بيان حالهم ص (135) .
ونقل الماوردي في تفسيره: 3/ 62 هذا القول عن الحسن رحمه الله تعالى.
(7) أخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 98 عن سعيد بن جبير، وابن جريج.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 63 عن ابن جريج.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 394، وقال: «رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الضحاك» .

(2/566)


وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)

كَطَيِّ السِّجِلِّ: الصّحيفة «1» : فيكون «الكتاب» «2» مصدرا كالكتابة.
كَما بَدَأْنا: العامل في كَما ... : نُعِيدُهُ، أي: نعيد الخلق كما بدأناه «3» .
وَعْداً: مصدر، والعامل فيه معنى نُعِيدُهُ «4» .
105 وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ: الكتب المزبورة المنزلة على الأنبياء.
والذِّكْرِ: أم الكتاب «5» .
109 آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ: أمر بيّن سويّ «6» ، أو سواء في البلاغ، لم أظهر بعضكم على شيء كتمته عن غيره «7» ، فيدلّ على إبطال مذهب الباطنية «8» لعنهم الله.
111 لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ: أي: إبقاؤكم على ما أنتم عليه كناية عن مدلول غير مذكور.
__________
(1) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 213، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 288، وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 100 عن ابن عباس، ومجاهد.
ورجح الطبري هذا القول.
(2) بالتوحيد على قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية شعبة.
كما في السبعة لابن مجاهد: 431، 471، والتبصرة لمكي: 264.
وانظر الكشف لمكي: 2/ 114، والبيان لابن الأنباري: 2/ 166، والبحر المحيط:
6/ 343.
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 213، والتبيان للعكبري: 2/ 929.
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 406، والتبيان للعكبري: 2/ 929، وتفسير القرطبي: 11/ 348.
(5) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 17/ 103 عن مجاهد، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 63 عن مجاهد.
(6) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 64 عن السدي.
(7) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 64 عن علي بن عيسى. وذكره الفخر الرازي في تفسيره:
22/ 233، والقرطبي في تفسيره: 11/ 350.
(8) تفسير النسفي: 3/ 91.

(2/567)


قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)

وعن الرّبيع بن أنس «1» أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به رأى فلانا- وهو بعض بني أميّة على المنبر يخطب النّاس- فشق عليه، فنزل: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ.
112 رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، بحكمك الحق «2» ، أو افصل بيننا بإظهار الحق «3» وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا شهد حربا قرأها «4» .
__________
(1) أورد الشوكاني هذا الأثر في فتح القدير: 3/ 433، وعزا إخراجه إلى ابن أبي خيثمة، وابن عساكر عن الربيع.
وذكر نحوه القرطبي في تفسيره: 11/ 351 دون عزو.
(2) ذكره الطبري في تفسيره: 17/ 108 فقال: «وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ قل: ربّ احكم بحكمك الحق، ثم حذف «الحكم» الذي «الحق» نعت له، وأقيم «الحق» مقامه ... » . [.....]
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 64، وقال: «هذا معنى قول قتادة» .
(4) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 345 عن قتادة، وكذا الطبري في تفسيره: 17/ 108، وعزاه ابن كثير في تفسيره: 5/ 383 إلى زيد بن أسلم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 689، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رحمه الله.

(2/568)