إيجاز البيان عن
معاني القرآن وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ
شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ
تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ
السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي
رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ
مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ
وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى
أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ
شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا
عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ
كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
ومن سورة الحج
«الزّلزلة» «1» : شدّة الحركة على الحال الهائلة «2» ، من:
«زلّت قدمه» ثمّ ضوعف لفظه ليتضاعف/ معناه «3» .
3 شَيْطانٍ مَرِيدٍ: أي: «مارد» «4» ، وهو المتجرد للفساد.
4 كُتِبَ عَلَيْهِ: الشّيطان، أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ: اتبعه.
فَأَنَّهُ: فإنّ الشّيطان، يُضِلُّهُ «5» . وفتح «أن» عطفا على
الأولى للتوكيد «6» ، أو التقدير: فلأنه يضله.
5 مُخَلَّقَةٍ: مخلوقة تامّة التصوير «7» .
لِنُبَيِّنَ لَكُمْ: بدء خلقكم وترتيب إنشائكم «8» .
__________
(1) من قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [آية: 1] .
(2) ينظر تهذيب اللغة: 13/ 165، والكشاف: 3/ 3، وتفسير البغوي:
3/ 273.
(3) المفردات للراغب: 214، وتفسير القرطبي: 12/ 3، واللسان:
11/ 308 (زلل) .
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 410.
(5) معاني القرآن للفراء: 2/ 215، وتفسير الطبري: 17/ 116،
وتفسير البغوي:
3/ 275.
(6) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 411.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 86، ومشكل إعراب القرآن: 2/
486، والبيان لابن الأنباري: 2/ 168.
(7) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 290، وتفسير الطبري: 17/
117، وتفسير الماوردي:
3/ 67.
(8) ينظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 17/ 118، وتفسير
الماوردي: 3/ 67.
(2/569)
ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ
لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي
الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي
الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ
الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ
اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
هامِدَةً: غبراء يابسة «1» ، همدت النّار
«2» ، وهمد الثّوب: بلي «3» .
اهْتَزَّتْ: استبشرت وتحركت ببنائها، والاهتزاز شدّة الحركة في
الجهات «4» ، وَرَبَتْ: انتفخت فطالت «5» .
مِنْ كُلِّ زَوْجٍ: نوع أو لون، بَهِيجٍ: يبهج من رآه «6» .
6 هُوَ الْحَقُّ: المستحق لصفات التعظيم.
9 ثانِيَ عِطْفِهِ: لاوى عنقه تكبّرا «7» .
10 ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ: ذلِكَ مبتدأ، والخبر بِما
قَدَّمَتْ، وموضع «أنّ» خفض على العطف على «ما» «8» .
لَيْسَ بِظَلَّامٍ: على بناء المبالغة، وهو لا يظلم مثقال ذرة،
إذ أقلّ قليل الظّلم- مع علمه بقبحه واستغنائه- كأكثر الكثير
منّا.
وسبب النزول أنهم لم يعرفوا وجوه الثواب وأقدار الأعواض في
الآخرة، ولا ما في الدنيا من ائتلاف المصالح باختلاف الأحوال
فعدّوا شدائد الدنيا ظلما.
__________
(1) عن تفسير الماوردي: 3/ 68.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 290، والمفردات للراغب:
545.
(2) أي: طفئت.
المفردات: 545، واللسان: 3/ 436 (همد) .
(3) اللسان: 3/ 437 (همد) .
(4) عن المبرد في تفسير القرطبي: 12/ 13، وانظر اللسان: 5/ 424
(هزز) . [.....]
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 68، وقال: «فعلى هذا الوجه
يكون مقدما ومؤخرا، وتقديره: فإذا أنزلنا عليها الماء ربت
واهتزت، وهذا قول الحسن، وأبي عبيدة» .
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 290، وتفسير القرطبي: 12/
13، واللسان:
14/ 305 (ربا) .
(6) ينظر هذا المعنى في تفسير القرطبي: 12/ 14.
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 45، وغريب القرآن لليزيدي:
259، وتفسير الطبري: 17/ 121.
(8) معاني القرآن للزجاج: 3/ 414، وإعراب القرآن للنحاس: 3/
88.
(2/570)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ
اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى
وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ
الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا
لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ
الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ
نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ
أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ
فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
11 عَلى حَرْفٍ: ضعف رأي في العبادة مثل
ضعف القائم على حرف «1» ، وباقي الآية أحسن تفسير للعبادة على
حرف.
13 يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ: تقديره:
تأخير «يدعو» ليصحّ موضع اللام «2» ، أي: لمن ضرّه أقرب من
نفعه يدعو، أو يَدْعُوا موصول بقوله: هو الضّلال البعيد يدعوه،
ولَمَنْ ضَرُّهُ مبتدأ وخبره «3» لَبِئْسَ الْمَوْلى.
15 أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ: أي: محمدا «4» ، فليتسبب أن
يقطع عنه النّصر من السماء.
وقيل «5» : المعنى المعونة بالرزق، أي: من يسخط ما أعطى وظنّ
أنّ الله لا يرزقه فليمدد بحبل في سماء بيته من حلقه ثم ليقطع
الحبل حتى يموت مختنقا.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 69 عن علي بن عيسى.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 411، وقال: «وبيان هذا أن
القائم على حرف الشيء غير متمكن منه» .
(2) قال العكبري في التبيان: 2/ 934: «هذا موضع اختلف فيه آراء
النحاة، وسبب ذلك أن اللام تعلّق الفعل الذي قبلها عن العمل
إذا كان من أفعال القلوب، و «يدعو» ليس منها ... » اه، وأورد
وجوه الإعراب التي قيلت في هذه الآية.
(3) عن معاني القرآن للزجاج: (3/ 415، 416) .
وانظر مشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 488، والبيان لابن الأنباري:
2/ 170، والتبيان:
2/ 935.
(4) ومعنى هذا القول كما في تفسير الطبري: 17/ 125 أن من كان
يحسب أن لن ينصر الله محمدا في الدنيا والآخرة فليمدد بحبل
إليّ، وهو «السبب» إلى سماء بيته، وهو سقفه ثم ليقطع الحبل ...
» .
وقد أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (17/ 125- 127) عن ابن
عباس، وقتادة، وابن زيد.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 137 عن مجاهد، وهو
معنى قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 46.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 70، وتفسير البغوي: 3/ 278، وتفسير
الفخر الرازي:
23/ 18.
(2/571)
إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى
وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ
بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ
مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ
وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ
عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ
مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) هَذَانِ
خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا
قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ
رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي
بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ
حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ
غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا
وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ
مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ
سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
17 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا: خبره إِنَّ
اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ.
19 هذانِ خَصْمانِ: أهل القرآن وأهل الكتاب «1» .
وقيل «2» : الفريقان من المؤمنين والكافرين يوم بدر.
[64/ ب] قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ: أي: يحيط بهم/
النّار إحاطة الثياب «3» .
20 يُصْهَرُ: يذاب.
22 كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا: النّار ترميهم إلى
أعلاها حتى يكادوا يخرجوا فتقمعهم الزّبانية إلى قعرها.
25 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ: عطف المستقبل على
الماضي لأنّه على تقدير: وهم يصدّون، أي: من شأنهم الصد «4»
كقوله «5» : الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ.
سَواءً «6» الْعاكِفُ فِيهِ: سَواءً رفع بالابتداء. والْعاكِفُ
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 132 عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
ونقله الواحدي في أسباب النزول: 357 عن ابن عباس، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 20، وزاد نسبته إلى عبد بن
حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(2) ثبت هذا القول في أثر عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أخرجه
الإمام البخاري في صحيحه:
5/ 242، كتاب التفسير، باب قوله: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا
فِي رَبِّهِمْ.
وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 4/ 2323، كتاب التفسير، باب في
قوله تعالى:
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.
وانظر تفسير الطبري: (17/ 131، 132) ، وأسباب النزول للواحدي:
356، وتفسير ابن كثير: 5/ 401.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 72، والبغوي في تفسيره: 3/
280.
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: (2/ 220، 221) ، ومعاني القرآن
للزجاج: 3/ 420، وإعراب القرآن للنحاس: (3/ 92، 93) ، والتبيان
للعكبري: 2/ 938.
(5) سورة الرعد: آية: 28. [.....]
(6) بالرفع والتنوين، وهي قراءة السبعة إلا عاصما في رواية
حفص، فإنه قرأ «سواء» بالنصب والتنوين.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 435، وحجة القراءات: 475، والتبصرة
لمكي: 266.
(2/572)
وَإِذْ بَوَّأْنَا
لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي
شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
خبره وصلح مع تنكيره للابتداء لأنّه كالجنس
في إفادة العموم الذي هو أخو العهد فكان في معنى المعرفة «1» .
والْعاكِفُ: المقيم «2» ، ووَ الْبادِ «3» : الطارئ، ولهذه
الآية لم نجوّز بيع دور مكة «4» .
وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ: أي: من يرد فيه صدا،
بِإِلْحادٍ: ميل عن الحق «5» ، ثم فسّر الإلحاد بظلم إذ يكون
إلحاد وميل بغير ظلم.
وقال الزّجّاج «6» : المعنى من إرادته فيه بأن يلحد بظلم.
26 وَإِذْ بَوَّأْنا: قرّرنا وبيّنا «7» .
__________
(1) هذا قول الزجاج في معانيه: 3/ 420.
وذكره النحاس في إعراب القرآن: 3/ 93، وذكر وجهين آخرين هما:
«أن ترفع «سواء» على خبر «العاكف» ، وتنوي به التأخير، أي:
العاكف فيه والبادي سواء، والوجه الثالث:
أن تكون الهاء التي في «جعلناه» مفعولا أول و «سواء العاكف فيه
والبادي في موضع المفعول الثاني ... » .
وقال أبو حيان في البحر المحيط: (6/ 362، 363) : «والأحسن أن
يكون «العاكف والبادي» هو المبتدأ، و «سواء» الخبر، وقد أجيز
العكس.
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 221، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/
48، وغريب القرآن لليزيدي: 260، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 291.
(3) البادي- بالياء- قراءة ابن كثير وقفا ووصلا، وقرأ بها أبو
عمرو ونافع في رواية ورش في حالة الوصل فقط.
السبعة لابن مجاهد: 436، والتبصرة لمكي: 268، والتيسير للداني:
158.
(4) مذهب الإمام أبي حنيفة في ذلك الكراهة، وذهب الإمام مالك
إلى أن دور مكة لا تباع ولا تكرى، ومذهب الشافعية والجمهور على
جواز ذلك.
ينظر أحكام القرآن للجصاص: (3/ 229، 230) ، وأحكام القرآن
للكيا الهراس:
4/ 236، وأحكام القرآن لابن العربي: 3/ 1274، وتفسير القرطبي:
(12/ 32، 33) .
(5) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 291، وتفسير الماوردي: 3/
74.
(6) معاني القرآن: 3/ 421.
(7) اللسان: 1/ 38 (بوأ) .
.
(2/573)
وَأَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ
يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا
مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ
مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ
الْفَقِيرَ (28)
قال السّدي «1» : كان ذلك بريح هفافة كنست
مكان البيت يقال له:
الخجوج.
وقيل «2» : بسحابة بيضاء أظلّت على مقدار البيت.
27 وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ: قام إبراهيم في المقام
فنادى: يا أيها النّاس إنّ الله دعاكم إلى الحج. فأجابوا ب
«لبّيك اللهم لبيك» «3» .
رِجالًا: جمع «راجل» .
يَأْتِينَ: على معنى الركاب، أو كُلِّ ضامِرٍ: تضمّن معنى
الجماعة.
و «الفجّ» : الطريق بين الجبلين «4» ، و «العميق» : البعيد
الغائر «5» .
28 أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ: أيام العشر. عن ابن عبّاس «6» ،
والنّحر ويومان
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 143.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 31، وزاد نسبته إلى ابن
أبي حاتم عن السدي.
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 74 عن قطرب، والبغوي في
تفسيره: 3/ 283 عن الكلبي.
(3) أخرج- نحوه- ابن أبي شيبة في المصنف: 11/ 521، كتاب
الفضائل حديث رقم (11875) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا
الطبري في تفسيره: (17/ 144، 145) عن ابن عباس، ومجاهد، وسعيد
بن جبير.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: (2/ 388، 389) ، كتاب التفسير عن
ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 5/ 176، كتاب الحج، باب «دخول
مكة بغير إرادة حج ولا عمرة» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 32، وزاد نسبته إلى ابن
منيع، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) المفردات للراغب: 373، واللسان: 2/ 338 (فجج) .
(5) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 49، وغريب القرآن
لليزيدي: 261، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 292، والمفردات
للراغب: 348.
(6) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 76 عن ابن عباس رضي الله
عنهما، وزاد نسبته إلى الحسن رحمه الله تعالى.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 37، وعزا إخراجه إلى أبي
بكر المروزي في كتاب «العيدين» عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[.....]
(2/574)
ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
بعده عن ابن عمر «1» .
29 ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: حاجتهم من مناسك الحجّ «2» من
الوقوف، والطواف، والسّعي، والرّمي، والحلق بعد الإحرام من
الميقات.
وقيل «3» : هو تقشّف الإحرام لأن «التفث» الوسخ «4» ، وقضاؤه:
التنظف بعده من الأخذ عن الأشعار وتقليم الأظفار «5» .
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ: من الطّوفان «6» .
__________
(1) أورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 38 وعزا إخراجه إلى ابن
أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما. وأورد
الحافظ ابن كثير رواية ابن أبي حاتم عن ابن عمر وصحح إسناده.
ينظر تفسيره: 5/ 412.
(2) ذكر المؤلف- رحمه الله- هذا القول في كتابه وضح البرهان:
2/ 86 عن مجاهد، وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: (17/ 149، 150)
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(3) في النهاية: 4/ 66: «القشف: يبس العيش. وقد قشف يقشف ورجل
متقشّف، أي: تارك للنظافة والترفّد» .
وانظر اللسان: 9/ 282 (قشف) .
(4) الكشاف: 3/ 11، وزاد المسير: 5/ 427.
وفي تفسير القرطبي: 12/ 50 عن قطرب قال: «تفث الرجل إذا كثر
وسخه» .
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 149 عن ابن عباس رضي الله
عنهما.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 77 عن الحسن.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 40، وزاد نسبته إلى سعيد
بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن
عباس رضي الله عنهما. ورجح ابن الجوزي هذا القول في زاد
المسير: 5/ 427.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 224، ومجاز القرآن لأبي عبيدة:
2/ 50، وغريب القرآن لليزيدي: 261.
(6) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 424 بصيغة التمريض فقال: «وقيل:
إن البيت العتيق الذي عتق من الغرق أيام الطوفان، ودليل هذا
القول: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ، فهذا
دليل أن البيت رفع وبقي مكانه» .
وأورد السيوطي في الدر المنثور: 6/ 41 القول الذي ذكره المؤلف،
وعزا إخراجه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
ونقله ابن كثير في تفسيره: 5/ 414 عن عكرمة.
(2/575)
ذَلِكَ وَمَنْ
يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ
رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى
عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ
وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)
أو من استيلاء الجبابرة «1» .
أو «العتيق» : القديم «2» ، وهو أول بيت وضع للنّاس «3» ، بناه
آدم ثم [65/ أ] جدّده إبراهيم عليهما السّلام «4» . / وهذا
طواف الزيارة الواجب «5» .
30 إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ: أي: من الصّيد «6» .
__________
(1) يدل على هذا القول ما أخرجه الإمام البخاري في تاريخه: 1/
201 عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «إنما سمى الله البيت العتيق لأنه أعتقه من
الجبابرة» .
وأخرج- نحوه- الترمذي في سننه: 5/ 324، كتاب تفسير القرآن، باب
«ومن سورة الحج» عن عبد الله بن الزبير، وقال: «هذا حديث حسن
صحيح وقد روي هذا الحديث عن الزهري عن النبي صلى الله عليه
وسلم مرسلا» .
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 389، كتاب التفسير، وقال: «هذا
حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه» .
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة: 1/ 125، والطبري في تفسيره:
17/ 151.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 41، وزاد نسبته إلى ابن
مردويه، والطبراني عن ابن الزبير أيضا.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 17/ 151 عن ابن زيد،
وعزاه الزجاج في معاني القرآن: 3/ 424 إلى الحسن. ورجحه
الطبري، وكذا القرطبي في تفسيره: 12/ 52.
وانظر أخبار مكة للأزرقي: 1/ 280، والعقد الثمين: 1/ 35، وشفاء
الغرام: 1/ 48.
(3) قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ [آل
عمران:
96] .
(4) ينظر تفسير القرطبي: 2/ 120، وتفسير ابن كثير: 1/ 259،
والدر المنثور: 1/ 308.
(5) وهو طواف الإفاضة.
قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: 17/ 152: «عني بالطواف الذي
أمر جل ثناؤه حاجّ بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة
الذي يطاف به بعد التعريف، إما يوم النحر، وإما بعده، لا خلاف
بين أهل التأويل في ذلك» .
وانظر أحكام القرآن لابن العربي: 3/ 1284، وزاد المسير: 5/
427، وتفسير القرطبي:
12/ 50.
(6) لعله يريد: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا
ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ
حُرُمٌ.
وقد ذكر هذا القول الماوردي في تفسيره: 3/ 78، وابن الجوزي في
زاد المسير:
5/ 428، والقرطبي في تفسيره: 12/ 54.
وجمهور المفسرين على أن المراد: «إلا ما يتلى عليكم من:
المنخنقة والموقودة والمتردية ... » .
ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 224، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 292، وتفسير الطبري: 17/ 153، ومعاني الزجاج: 3/ 424،
وتفسير الماوردي: 3/ 78، وزاد المسير:
5/ 428، وتفسير القرطبي: 12/ 54.
(2/576)
حُنَفَاءَ لِلَّهِ
غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ
أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ
وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى
الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ
اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ
الْمُخْبِتِينَ (34)
مِنَ الْأَوْثانِ: «من» لتلخيص الجنس، أي:
اجتنبوا الرجس الذي هو وثن «1» .
31 حُنَفاءَ لِلَّهِ: مستقيمي الطريقة على أمر الله «2» .
32 وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ: مناسك الحج «3» ، أو
يعظّم البدن المشعرة ويسمّنها ويكبّرها «4» .
33 إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: إلى أن تقلد أو تنحر «5» .
34 جَعَلْنا مَنْسَكاً: حجا «6» . وقيل «7» : عيدا وذبائح.
وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ: المطمئنين بذكر الله.
__________
(1) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 425، وذكره
النحاس في إعراب القرآن:
3/ 96، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 428 عن الزجاج.
(2) تفسير الماوردي: 3/ 78، والمفردات للراغب: 133، وتفسير
القرطبي: 12/ 55. [.....]
(3) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 17/ 156 عن ابن زيد.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 79، والمفردات للراغب: 262، وزاد
المسير: 5/ 430.
(4) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 17/ 156 عن ابن
عباس، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 56، وزاد نسبته إلى ابن
أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله
عنهما.
(5) ينظر تفسير الطبري: 17/ 158، وتفسير الماوردي: 3/ 79،
وتفسير البغوي: 3/ 287.
(6) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 80 عن قتادة، وكذا
القرطبي في تفسيره:
12/ 58.
(7) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 426، والماوردي في تفسيره: 3/
80، ورجحه القرطبي في تفسيره: 12/ 58.
(2/577)
الَّذِينَ إِذَا
ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى
مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا
لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا
وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ
وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (36)
35 الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ
قُلُوبُهُمْ: الوجل يكون عند خوف الزّيغ والتقصير في حقوقه،
والطمأنينة عن ثلج اليقين وشرح الصّدور بمعرفته، فهما حالان،
فلهذا جمع بينهما مع تضادّهما.
36 وَالْبُدْنَ: الإبل المبدّنة بالسّمن، بدّنت النّاقة:
سمّنتها «1» .
مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ: معالم دينه «2» .
صَوافَّ: مصطفة معقولة «3» ، وصوافي «4» : خالصة لله.
وصوافن «5» : معقّلة في قيامها بأزمّتها.
وَجَبَتْ: سقطت لنحرها «6» .
وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ: الْقانِعَ الذي ينتظر
الهدية، وَالْمُعْتَرَّ من يأتيك سائلا «7» ،.....
__________
(1) ينظر الصحاح: 5/ 2077، واللسان: 13/ 48 (بدن) .
(2) تفسير القرطبي: 12/ 56، واللسان: 4/ 414 (شعر) .
(3) ورد هذا المعنى على قراءة الجمهور كما في معاني القرآن
للفراء: 2/ 226، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 50.
(4) بكسر الفاء وبعدها ياء، ونسبت هذه القراءة إلى الحسن، وأبي
موسى الأشعري، ومجاهد، وزيد بن أسلم، والأعرج، وسليمان التيمي،
وهي من شواذ القراءات.
ينظر تفسير الطبري: 17/ 165، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 99،
والمحتسب: 2/ 81، والبحر المحيط: 6/ 369.
(5) نسبت هذه القراءة إلى ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس،
وقتادة، ومجاهد، وعطاء، والضحاك.
ينظر تفسير الطبري: 17/ 162، والمحتسب: 2/ 81، والبحر المحيط:
6/ 369، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 275.
(6) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 51، وغريب القرآن
لليزيدي: 262، وتفسير الطبري:
17/ 166، والمفردات للراغب: 512.
(7) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 51، وأخرجه الطبري
في تفسيره: (17/ 167، 168) عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 82 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 54، وزاد نسبته إلى ابن
أبي حاتم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(2/578)
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ
لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى
مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ
عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) إِنَّ
اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
وقيل «1» على العكس.
وفي الحديث «2» : «لا تجوز شهادة القانع مع أهل البيت لهم» ،
وهو كالتابع والخادم.
37 لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها: لن يتقبل الله اللّحم
والدماء ولكن يتقبّل التقوى.
39 أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ: أول آية في القتال «3» .
__________
(1) أي أن القانع هو الذي يسأل، والمعتر الذي لا يتعرض للناس.
وهو قول الفراء في معانيه: 2/ 226، وابن قتيبة في تفسير غريب
القرآن: 293.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 168 عن الحسن، وسعيد بن جبير.
ورجح الطبري هذا القول.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 2/ 204 عن عبد الله بن عمرو
مرفوعا، وصحح الشيخ أحمد شاكر رحمه الله إسناده في شرح المسند:
11/ 122.
وأخرجه الترمذي في سننه: 4/ 545، كتاب الشهادات، باب «ما جاء
فيمن لا تجوز شهادته» .
وأخرج- نحوه- أبو داود في سننه: 4/ 24، كتاب الأقضية، باب «من
ترد شهادته» .
وفي معالم السنن للخطابي: «ومعنى رد هذه الشهادة: التهمة في جر
النفع إلى نفسه، لأن التابع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم
من نفع، وكل من جر إلى نفسه بشهادته نفعا فهي مردودة ... » .
وانظر النهاية لابن الأثير: 4/ 114. [.....]
(3) ثبت ذلك في أثر أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 1/ 216 عن ابن
عباس رضي الله عنهما، وصحح الشيخ أحمد شاكر إسناده في شرح
المسند: 3/ 261.
وأخرجه- أيضا- عبد الرزاق في تفسيره: 325، والنسائي في تفسيره:
6/ 2، كتاب الجهاد، باب «وجوب الجهاد» ، والطبري في تفسيره:
17/ 172، والحاكم في المستدرك:
2/ 390، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 9/ 11، كتاب السير، باب
«مبتدأ الإذن بالقتال» .
وانظر أسباب النزول للواحدي: 357، وتفسير ابن كثير: 6/ 430،
والدر المنثور:
6/ 57.
(2/579)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا
مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا
رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ
وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ
كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ
فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ
فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ
(42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ
مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ
أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ
قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ
عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ
يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا
لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي
فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ
يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ
كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ
قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا
وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
40 وَبِيَعٌ: كنائس النّصارى «1» ،
وَصَلَواتٌ: كنائس اليهود «2» ، وكانت «صلوتا» : فعرّبت «3» .
والمراد من ذلك في أيام شريعتهم.
وقيل «4» : وَصَلَواتٌ مواضع صلوات المسلمين.
45 وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ: أي: أهلكنا البادية
والحاضرة، فخلت القصور من أربابها والآبار من واردها «5» .
والمشيد: المبنيّ بالشّيد «6» .
46 وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ: لبيان
أنّ محلّ العلم القلب، ولئلا يقال إنّ القلب يعنى به غير هذا
العضو على قولهم: القلب لبّ كل شيء.
والهاء في فَإِنَّها للعماية، وهو الإضمار على شريطة التفسير
«7» .
51 مُعاجِزِينَ: طالبين للعجز كقوله: غالبته «8» ، أو مسابقين
«9» كأن المعاجز يجعل صاحبه في ناحية العجز منه كالمسابق.
__________
(1) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 227، وابن قتيبة في تفسير
غريب القرآن: 293، وأخرجه الطبري في تفسيره: 17/ 176 عن قتادة.
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 227، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 293، وتفسير الطبري:
17/ 176، ومعاني الزجاج: 3/ 430.
(3) ينظر المعرّب للجواليقي: 259، والمهذّب للسيوطي: 107.
(4) أخرج نحوه الطبري في تفسيره: 17/ 177 عن ابن زيد.
(5) تفسير الطبري: 17/ 180.
(6) وهو الجصّ كما في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 53، وغريب
القرآن لليزيدي: 262، ومعاني الزجاج: 3/ 432، واللسان: 3/ 244
(شيد) .
(7) تفسير القرطبي: 12/ 77، والبحر المحيط: 6/ 378.
(8) ذكره البغوي في تفسيره: 3/ 292، وابن عطية في المحرر
الوجيز: 10/ 302.
(9) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 294، ونقله
القرطبي في تفسيره: 12/ 79 عن الأخفش.
وذكر الزمخشري في الكشاف: 3/ 18، وقال: «وعاجزه: سابقه، لأن كل
واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل:
أعجزه وعجزه» .
(2/580)
وَمَا أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا
تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ
اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ
آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
52 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ
رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ: الرسول الشّارع، والنّبيّ:
الحافظ شريعة/ غيره «1» ، والرسول يعمّ البشر والملك «2» .
إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ:
كلّ نبيّ يتمنى إيمان قومه فيلقي الشّيطان في أمنيته بما يوسوس
إلى قومه ثم يحكم الله آياته «3» ، أو يوسوس إلى النبي
بالخطرات المزعجة عند تباطئ القوم عن الإيمان، أو تأخر نصر
الله.
وإن حملت الأمنية على التلاوة فيكون الشّيطان الملقي فيها من
شياطين الإنس، فإنّه كان من المشركين من يلغوا في القرآن «4» ،
فينسخ الله ذلك فيبطله ويحكم آياته.
وما يروى في سبب النزول أنّه- عليه السّلام- وصل وَمَناةَ
الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «5» ب «تلك الغرانقة الأولى «6» ، وإنّ
شفاعتهن لترتجى» . إن
__________
(1) ذكر الماوردي نحو هذا القول في تفسيره: 3/ 87 عن الجاحظ.
وأورد الفخر الرازي- رحمه الله- عدة فروق بين الرسول والنبي،
فقال:
«أحدها: أن الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة الكتاب
المنزل عليه، والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب، وإنما
أمر أن يدعو إلى كتاب من قبله.
والثاني: أن من كان صاحب المعجزة وصاحب الكتاب ونسخ شرع من
قبله فهو الرسول، ومن لم يكن مستجمعا لهذه الخصال فهو النبي
غير الرسول.
والثالث: أن من جاءه الملك ظاهرا وأمره بدعوة الخلق فهو
الرسول، ومن لم يكن كذلك بل رأى في النوم كونه رسولا، أو أخبره
أحد من الرسل بأنه رسول الله فهو النبي الذي لا يكون رسولا.
وهذا هو الأولى» اه.
ينظر تفسيره: 23/ 50.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 86 دون عزو.
(3) ذكر المؤلف- رحمه الله- هذا القول في كتابه وضح البرهان:
2/ 91، وعزاه إلى جعفر بن محمد.
(4) واستدل قائلو هذا القول بقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ
لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26] . [.....]
(5) سورة النجم: آية: 20.
(6) في «ك» : «تلك الغرانيق العلى» .
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 307: «واختلفت الروايات
في الألفاظ ففي بعضها: «تلك الغرانقة» ، وفي بعضها: «تلك
الغرانيق» ، وفي بعضها: «وإن شفاعتهم» ، وفي بعضها: «فإن
شفاعتهن ... » .
(2/581)
وَلَا يَزَالُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ
(55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا
لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ
لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا
يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ
وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ
عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ
غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي
النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ
وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ
أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ
الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ
اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي
فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ
عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ
لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ
(66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ
فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ
إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ
فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)
ثبت «1» لم يكن ثناء على أصنامهم إذ مخرج
الكلام على زعمهم، كقولهم «2» : يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ
عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ، أي: نزل عليه الذكر
على زعمه وعند من آمن به، ولو كان عند القائل لما كان عنده
مجنونا.
55 يَوْمٍ عَقِيمٍ: شديد لا رحمة فيه «3» ، أو فرد لا يوم مثله
«4» .
68 وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ: أي: جادلوك مراء
وتعنتا كما يفعله السّفهاء فلا تجادلهم وادفعهم بهذا القول،
وينبغي أن يتأدّب بهذا كلّ أحد.
__________
(1) لكنه لم يثبت، وقد رد الأئمة العلماء هذه الرواية من
أساسها، وأوردوا الأدلة على بطلانها نقلا وعقلا.
قال القاضي عياض رحمه الله في الشفا: 2/ 750: «يكفيك أن هذا
حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل،
وإنما أولع به ويمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب،
المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم» اه.
ثم أورد القاضي عياض طرق الحديث وكشف ضعفها وبطلانها، ثم قال:
«أما من جهة المعنى فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى
الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن
ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله، وهو كفر، أو أن يتسور
عليه الشيطان، ويشبّه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه،
ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى
ينبهه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه
وسلم، أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا،
وذلك كفر، أو سهوا، وهو معصوم من هذا كله ... » .
وأشار الحافظ ابن كثير في تفسيره: 5/ 438 إلى الروايات التي
وردت في سياق هذه القصة ثم قال: «ولم أرها مسندة من وجه صحيح»
.
وممن رد هذه الرواية ابن العربي في أحكام القرآن: (3/ 1300-
1303) ، وابن عطية في المحرر الوجيز: 10/ 305، والفخر الرازي
في تفسيره: 23/ 51، والقرطبي في تفسيره:
12/ 80.
(2) سورة الحجر: آية: 6.
(3) نقل- نحوه- الماوردي في تفسيره: 3/ 88 عن الحسن رحمه الله
تعالى.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 88، والبغوي في تفسيره: 3/
295.
(2/582)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ
ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ
اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا
يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا
وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ
مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ
تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا
الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي
اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ
إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ
وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ
وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ
فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
73 وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ: بإفساده
لطعامهم وثمارهم «1» .
76 ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: أول أعمالهم، وَما خَلْفَهُمْ:
آخرها «2» .
78 مِلَّةَ أَبِيكُمْ: أي: حرمة إبراهيم- عليه السلام- على
المسلمين كحرمة الوالد على الولد، وإلّا فليس يرجع جميعهم إلى
ولادة إبراهيم.
لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ: بالطاعة والمعصية
في تبليغه.
وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ: بأعمالهم فيما بلّغتموهم
من كتاب ربّهم وسنّة نبيهم.
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 89.
وذكره القرطبي في تفسيره: 12/ 97، وقال: «وخص الذباب لأربعة
أمور تخصه: لمهانته وضعفه ولاستقذاره وكثرته» .
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: (3/ 89، 90) عن الحسن
رحمه الله، وكذا البغوي في تفسيره: 3/ 299.
(2/583)
|