إيجاز البيان عن
معاني القرآن غُلِبَتِ الرُّومُ (2)
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ
سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ
(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ
ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ
هُمْ غَافِلُونَ (7)
ومن سورة الروم
2 غُلِبَتِ الرُّومُ: غلبتهم الفرس في زمن «أنو شروان» «1» ،
فأخبر الله رسوله أنّ الروم ستدال «2» على فارس فغلبوهم عام
الحديبية «3» .
3 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ: في الجزيرة «4» ، وهي أقرب أرض الروم
إلى فارس.
4، 5 وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ:
الروم على فارس لتصديق الوعد.
أو لأنّ ضعف فارس قوة العرب» .
7 يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا: أي: عمرانها
«6» ، متى يزرعون
__________
(1) ذكر السهيلي في التعريف والإعلام: 134 أن كسرى الفرس حين
غلبوا الروم كان أبرويز بن هرمز بن أنو شروان.
وذكر الطبري في تاريخه: 2/ 154 أن مولد النبي صلى الله عليه
وسلم كان في عهد أنو شروان، وأنه مات وعمر النبي صلى الله عليه
وسلم ست سنوات.
وانظر أخباره في تاريخ الطبري: (2/ 98، 154، 172) ، والمعارف
لابن قتيبة: 663.
(2) في «ك» : «ستبدل» ، وفي «ج» : «يدال» .
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 256، وانظر زاد المسير: 6/
289، وتفسير القرطبي:
14/ 4.
(4) الجزيرة: موضع بين العراق والشام، ويطلق على البلاد العليا
التي ما بين النهرين الجزيرة.
معجم ما استعجم: 2/ 381، ومعجم البلدان، 2/ 134، وبلدان
الخلافة الشرقية: 40.
(5) عن تفسير الماوردي: 3/ 257، وانظر تفسير الطبري: 21/ 17،
وتفسير البغوي:
(3/ 475، 476) .
(6) أخرج عبد الرزاق نحو هذا القول في تفسيره: 2/ 102 عن
قتادة.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 21/ 22 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 484، وزاد نسبته إلى ابن
أبي حاتم عن ابن عباس.
(2/653)
أَوَلَمْ
يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا
بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ
بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا
الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا
وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ
كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ
(10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ
إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ
شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ
(13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ
(14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ
فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحَانَ
اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ
الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ
تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ
تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ
(22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ
الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)
ويحصدون، وكيف يبنون، ومن أين يعيشون.
8 إِلَّا بِالْحَقِّ: إلّا بالعدل، أو إلّا للحق، أي: لإقامة
الحق «1» .
10 السُّواى: أي: النّار «2» .
15 يُحْبَرُونَ: يسرّون «3» . والحبرة كل نعمة حسنة «4» .
17 فَسُبْحانَ اللَّهِ: سبحوا الله في هذه الأوقات، وهو مصدر
عقيم بمعنى تسبيح الله وتنزيهه.
21 مِنْ أَنْفُسِكُمْ: من شكل أنفسكم.
لِتَسْكُنُوا إِلَيْها: سكون أنس إذا كانت من جنسها.
24 وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ: تقديره: ومن آياته
البرق يريكم، أو آية يريكم البرق فيها «5» .
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 178، وانظر تفسير الطبري: 21/
24، وتفسير الماوردي:
3/ 258، وتفسير البغوي: 3/ 478.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 25 عن قتادة، وذكره
الفراء في معانيه:
2/ 322.
وانظر هذا القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 340، ومعاني
الزجاج: 4/ 179، وتفسير القرطبي: 14/ 10.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 120، وغريب القرآن
لليزيدي: 297، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 340، وتفسير
الطبري: 21/ 27.
(4) هذا قول الزجاج في معانيه: 4/ 180، وانظر المحرر الوجيز:
11/ 436، وزاد المسير:
6/ 293، واللسان: 4/ 158 (حبر) .
(5) جاء في وضح البرهان: (2/ 166، 167) : «ولم يجيء «أن» في
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ لأنه عطف على وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ
السَّماواتِ فكان المعطوف بمعنى المصدر، ليكون عطف اسم على
اسم. وقيل: تقديره: ويريكم البرق خوفا وطمعا من آياته، فيكون
عطف جملة على جملة» اه.
وانظر تفسير الطبري: 21/ 33، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 182،
والبيان لابن الأنباري:
2/ 250.
(2/654)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ
تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا
دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ
(25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ
قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ
الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (27)
خَوْفاً: للمسافر، وَطَمَعاً: للمقيم «1» .
أو خَوْفاً: من الصّواعق، وَطَمَعاً: في الغيث «2» .
25 إِذا دَعاكُمْ: أخرجكم بما هو بمنزلة الدعاء «3» .
27 وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ: أي: عندكم «4» ، أو أهون على
المعاد لأنّه في الابتداء ينقل حالا فحالا «5» .
وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى: الصفة العليا، أي: إذا كان من بنى
بناء يهون «6» عليه إعادته مع نقصه فمن لا يلحقه النقص والعجز
أحق بالإعادة لما خلق.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 32 عن قتادة، ونقله
الماوردي في تفسيره:
3/ 263 عن قتادة.
وكذا ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 444، والقرطبي في تفسيره:
14/ 18.
وعقب عليه ابن عطية بقوله: «ولا وجه لهذا التخصيص ونحوه، بل
الخوف والطمع لكل بشر» . [.....]
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 263 عن الضحاك، وكذا
ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 445، والقرطبي: 14/ 18.
(3) عن تفسير الماوردي: 3/ 263، واللفظ هناك: «أنه أخرجه بما
هو بمنزلة الدعاء، وبمنزلة قوله: كُنْ فَيَكُونُ. قاله ابن
عيسى» .
(4) في تفسير البغوي: 3/ 481: «قيل: هو أهون عليه عندكم» ،
ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 11/ 450 عن الحسن، ثم قال:
«وقال بعضهم: وهو أهون على المخلوق أن يعيد شيئا بعد إنشائه،
فهذا عرف المخلوقين، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب
الخالق؟» .
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 264، وقال: «وهذا مروي عن ابن
عباس» ، وأورده البغوي في تفسيره: 3/ 481، وقال: «وهذا معنى
رواية ابن حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس» .
قال ابن عطية- رحمه الله- في المحرر الوجيز: (11/ 450، 451) :
«والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى، ويؤيده قوله: وَلَهُ
الْمَثَلُ الْأَعْلى، لما جاء بلفظ فيه استعارة واستشهاد
بالمخلوق على الخالق، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم، خلص
جانب العظمة بأن جعل له المثل الذي لا يصل إليه تكييف.
(6) في «ج» : «فيهون» .
(2/655)
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا
مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ
فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ
أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ
اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا
تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا
دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ
فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا
رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ
رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا
فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ
تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ
يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ
لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ
فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا
آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ
رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ
شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي
النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ
أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ
الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ
مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)
28 ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ
أَنْفُسِكُمْ: أي: لستم تجعلون عبيدكم شركاءكم فكيف «1» ؟.
كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ: معناه أن للسيد سلطانا على عبده/
وليس للعبد ذلك عليه، فلا يجوز «2» أن يستويا في الخوف إذا
أجريت الأمور على حقها، وأنتم قد جعلتم الخيفة من العبد
كالخيفة من مالك العبد إذ عبدتموه كعبادته «3» .
32 وَكانُوا شِيَعاً: صاروا فرقا.
38 فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ: من البرّ وصلة الرحم.
41 ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: أجدب البر
وانقطعت مادة البحر «4» .
وقيل «5» : البرّ مدائن البلاد والبحر جزائرها.
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا: أي: جزاءه، أقيم السبب
مكان المسبّب «6» .
43 فَأَقِمْ وَجْهَكَ: قصدك، أو اجعل وجهتك للدين القيّم «7» .
يَصَّدَّعُونَ: يتفرقون «8» ، فريق إلى الجنّة وفريق إلى
النار.
__________
(1) على حذف المستفهم عنه لدلالة ما قبله عليه.
(2) في «ك» : «فلا يجب» ، وأشار إليه ناسخ الأصل في الهامش.
(3) ينظر ما سبق في تفسير الطبري: 21/ 39، ومعاني القرآن
للزجاج: 4/ 184، وزاد المسير: 6/ 299.
(4) هذا قول الفراء في معانيه: 2/ 325.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 269 عن الضحاك. ونقل ابن عطية
في المحرر الوجيز:
11/ 465 عن الحسن أنه قال: «البر والبحر هما المعروفان
المشهوران في اللغة» .
قال ابن عطية: «وهذا القول صحيح» ، وانظر تفسير القرطبي: 14/
40.
(6) البحر المحيط: 7/ 176.
(7) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 188، وذكره ابن عطية في المحرر
الوجيز: 11/ 466، ونقله القرطبي في تفسيره: 14/ 42 عن الزجاج.
(8) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 325، ومجاز القرآن لأبي
عبيدة: 2/ 123، وتفسير الطبري:
21/ 51، والمفردات للراغب: 276، والبحر المحيط: 7/ 176.
(2/656)
وَإِنْ كَانُوا مِنْ
قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ
(49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا
رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ
يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا
تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)
وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ
تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ
(53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ
مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ
الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ
الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا
يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى
يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ
كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56)
49 وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ
يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ: الأول من قبل الإنزال،
والثاني من قبل الإرسال «1» .
50 آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ: آثار المطر الذي هو رحمة.
51 وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا: أي:
السّحاب، وإذا كان مصفرا لم يمطر «2» ، ولام لَئِنْ للقسم،
ولام لَظَلُّوا جواب القسم «3» .
55 ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ: أي: من حين انقطاع عذاب القبر.
56 لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ: في علم الله «4» ،
أو ما بيّن في كتابه «5» .
__________
(1) نقله الزجاج في معانيه: 4/ 189 عن قطرب.
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: 3/ 487، وزاد المسير: 6/
309، وتفسير القرطبي:
14/ 44. [.....]
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 271، وقال: «حكاه علي بن
عيسى» ، ونقله أبو حيان في البحر المحيط: 7/ 179 عن ابن عيسى،
وضعفه. ثم قال: «والضمير في (فرأوه) عائد على ما يفهم من سياق
الكلام، وهو النبات، وقيل إلى الأثر، لأن الرحمة هي الغيث
وأثرها هو النبات» اه.
وانظر تفسير القرطبي: 14/ 45.
(3) البحر المحيط: (7/ 179، 180) .
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 192، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 273 عن الفراء، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 312.
(5) تفسير الماوردي: 3/ 273 عن ابن عيسى.
(2/657)
|