إيجاز البيان عن معاني القرآن

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)

سورة السجدة
في الحديث «1» : أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يأوي إلى فراشه حتى يقرأ تنزيل السجدة وتبارك الملك.
3 أَمْ يَقُولُونَ: فيه حذف، أي: فهل يؤمنون به أم يقولون «2» ؟ أو معناه: بل يقولون «3» .
5 يُدَبِّرُ الْأَمْرَ: معناه يدبّر الأمر من السّماء ثم ينزل بالأمر الملك إلى الأرض «4» .
__________
(1) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن: 184 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وكذا الإمام أحمد في مسنده: 3/ 340، والإمام البخاري في الأدب المفرد: 414، والدارمي في سننه: 2/ 547، كتاب فضائل القرآن، باب «في فضل سورة تنزيل السجدة وتبارك» والترمذي في سننه: 5/ 165، كتاب فضائل القرآن، باب «ما جاء في فضل سورة الملك» ، والنسائي في عمل اليوم والليلة: 431، وابن السّني في عمل اليوم والليلة: 318، والحاكم في المستدرك: 2/ 412، كتاب التفسير، «تفسير سورة السجدة» ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
(2) تفسير البغوي: 3/ 497.
(3) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 130، وقال الزمخشري في الكشاف: 3/ 240:
«وهذا أسلوب صحيح محكم أثبت أولا أن تنزيله من رب العالمين، وأن ذلك ما لا ريب فيه، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، لأن «أم» هي المنقطعة الكائنة بمعنى «بل» ، والهمزة إنكارا لقولهم وتعجيبا منه لظهور أمره في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه، ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك ... » .
وانظر هذا المعنى ل «أم» في كتاب حروف المعاني للزجاجي: 48، ورصف المباني:
179، والجنى الداني: 225، واللسان: 12/ 35 (أمم) .
(4) تفسير الماوردي: 3/ 291، وزاد المسير: 6/ 333. [.....]

(2/662)


اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)

ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ: إلى المكان الذي أمر أن يقوم فيه.
فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ: أي: الملائكة التي تصعد بأعمال العباد في يوم واحد، تصعد وتقطع مسافة ألف سنة «1» ، أو الله يقضي أمر العالم لألف سنة في يوم واحد ثمّ يلقيه إلى الملائكة «2» .
4 ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ: ب «ثمّ» صح معنى استولى على العرش بإحداثه «3» ، كقوله «4» : حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ حتى يصح معنى نَعْلَمَ، أي: معنى الصفة بهذا.
7 أحسن كل شيء خلقه «5» : خلقه بدل من كُلَّ شَيْءٍ بدل الشيء من نفسه، أي: أحسن خلق كل شيء حتى جعل الكلب في خلقه حسنا.
ولفظ الكسائي: أحسن ما خلق، وقول/ سيبويه «6» : إنه مصدر من
__________
(1) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 21/ 93 عن ابن زيد، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 292، والقرطبي في تفسيره: 14/ 87 عن ابن شجرة.
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 292 عن مجاهد، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير:
6/ 334، والقرطبي في تفسيره: 14/ 87.
وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: (21/ 92، 93) عن مجاهد. ثم قال: «وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه في يوم، كان مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الأمر إليه، ونزوله إلى الأرض ألف سنة مما تعدون من أيامكم، خمسمائة في النزول، وخمسمائة في الصعود، لأن ذلك أظهر معانيه، وأشبهها بظاهر التنزيل» اه.
(3) تقدم بيان مذهب السلف في الاستواء، وأنه معلوم والكيف مجهول.
ينظر ص 79.
(4) سورة محمد: آية: 31.
(5) بإسكان اللام، قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر.
السبعة لابن مجاهد: 516، والتبصرة لمكي: 296، وانظر توجيه هذه القراءة في معاني الزجاج: 4/ 204، وحجة القراءات: 568، والكشف لمكي: 2/ 191.
(6) ينظر قول سيبويه في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 292، ومشكل إعراب القرآن لمكي:
2/ 567، والبحر المحيط: 7/ 199.

(2/663)


وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)

غير صدر أي: خلق كل شيء خلقه، وعلى قراءة خلقه «1» الضمير في الهاء يجوز للفاعل وهو الله، وللمفعول [وهو] «2» المخلوق.
10 إِذا «3» ضَلَلْنا: هلكنا وبطلنا «4» ، وصللنا «5» : تغيّرنا أو يبسنا والصّلّة: الأرض اليابسة «6» .
13 لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها: بالإيحاء «7» . أو إلى طريق الجنّة «8» .
16 تَتَجافى جُنُوبُهُمْ: تنبو وترتفع «9» . وعن أنس «10» : أنها نزلت فينا
__________
(1) بفتح اللام، قراءة عاصم، ونافع، وحمزة، والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 516، والتبصرة لمكي: 296، والتيسير للداني: 177.
(2) ما بين معقوفين عن «ك» .
(3) هكذا في الأصل، وهي قراءة ابن عامر كما في السبعة لابن مجاهد: 516، وقرأ الباقون:
أَإِذا ضَلَلْنا.
(4) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 346، وتفسير الطبري: 21/ 97، والمفردات للراغب:
298، وتفسير القرطبي: 14/ 91.
(5) في الأصل: «وضللنا» بالضاد المعجمة، والصواب بالصاد المهملة عن معاني الزجاج:
4/ 205.
وهي قراءة شاذة نسبت إلى علي وابن عباس، وأبان بن سعيد بن العاص، والحسن، والأعمش.
ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 331، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 293، والمحتسب لابن جني: 2/ 173، والبحر المحيط: 7/ 200.
(6) ينظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 205، والصحاح: 5/ 1744، واللسان: 11/ 384 (صلل) .
(7) في «ج» : بالإلجاء.
(8) ينظر تفسير الماوردي: 3/ 295، وتفسير القرطبي: 14/ 96. [.....]
(9) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 132، وغريب القرآن لليزيدي: 300، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 346، وتفسير الطبري: 21/ 99، واللسان: 14/ 148 (جفا) .
(10) أخرجه الواحدي في أسباب النزول: 404، وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 500، بغير سند.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 546، وعزا إخراجه إلى ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه.

(2/664)


وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)

معشر الأنصار، كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء.
21 مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى: مصائب الدنيا «1» .
27 الْأَرْضِ الْجُرُزِ: اليابسة، كأنها تأكل نباتها «2» . رجل جروز: لا يبقي من الزاد شيئا «3» .
23 وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ: أي: بعد الموت «4» .
أو لقاء ربه «5» .
قال الحسن «6» : آتيناه الكتاب فلقي من قومه أذى، فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ أذى مثله.
28 مَتى هذَا الْفَتْحُ: فتح الحكم بيننا وبينكم، ويوم الفتح: يوم القيامة «7» .
30 إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ: الموت الذي يؤدي إلى ذلك، أو سيأتيهم ذلك فكأنهم ينتظرونه.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (21/ 108، 109) عن ابن عباس، وأبي بن كعب، وأبي العالية، والحسن، والضحاك.
(2) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 211.
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 133، وغريب القرآن لليزيدي: 300، وتفسير غريب القرآن: 347، والمفردات للراغب: 91.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 333، واللسان: 5/ 316 (جرز) .
(4) لم أقف على هذا القول، وأورد الماوردي في تفسيره: 3/ 299 قولا لم ينسبه، وهو: «فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها» .
وذكره- أيضا- القرطبي في تفسيره: 14/ 108.
(5) أي من لقاء موسى عليه السلام لربه. وأخرج الطبراني في المعجم الكبير: 12/ 160 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ، قال: «جعل موسى هدى لبني إسرائيل، وفي قوله: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ قال: «لقاء موسى ربه عز وجل» .
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 299، وزاد المسير: 6/ 343، وتفسير ابن كثير: 6/ 372.
(6) ينظر قوله في تفسير الماوردي: 3/ 299، والمحرر الوجيز: (11/ 550، 551) ، وزاد المسير: 6/ 343، والبحر المحيط: 7/ 205.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 116 عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 557، وزاد نسبته إلى الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا.

(2/665)