إيجاز البيان عن
معاني القرآن يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ
وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ
لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ
أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ
أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ
ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ
الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
سورة الأحزاب
1 اتَّقِ اللَّهَ: أكثر من التقوى، أو أدمها «1» .
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ: فيما سألته وقد ثقيف أن يمتّعوا
باللّات سنة «2» .
4 ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ: في رجل قال: لي
نفس تأمرني بالإسلام ونفس تنهاني [عنه] «3» .
وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ: في زيد بن حارثة كان
يدعى ابن النبي «4» صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) معاني القرآن للزجاج: 4/ 213، وتفسير الماوردي: 3/ 301،
وتفسير البغوي: 3/ 505، وزاد المسير: 6/ 348.
(2) لم أقف على هذا القول في سبب نزول هذه الآية، وذكر الواحدي
في أسباب النزول: 407 أن الآية نزلت في أبي سفيان، وعكرمة بن
أبي جهل، وأبي الأعور السلمي، قدموا المدينة بعد قتال أحد،
فنزلوا على عبد الله بن أبي، وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه
وسلم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي
سرح وطعمة بن أبيرق، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعنده
عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة، وقل: إن
لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها، وندعك وربك. فشق على النبي صلى
الله عليه وسلم قولهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن
لنا يا رسول الله في قتلهم فقال: إني قد أعطيتهم الأمان، فقال
عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه، فأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم عمر أن يخرجهم من المدينة، وأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وأورده الحافظ في الكافي الشاف: 132، وقال: «هكذا ذكره الثعلبي
والواحدي بغير سند» .
(3) ما بين معقوفين عن «ج» و «ك» .
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 118 عن قتادة، ونقله
الماوردي في تفسيره:
3/ 302 عن الحسن، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 561،
وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن الحسن.
(4) ينظر صحيح البخاري: 6/ 22، كتاب التفسير، باب قوله تعالى:
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، وصحيح
مسلم: 4/ 1884، كتاب الفضائل، باب «فضائل زيد بن حارثة وأسامة
بن زيد رضي الله عنهما» ، وتفسير الطبري: 21/ 119، وأسباب
النزول للواحدي:
408.
(2/666)
النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ
أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى
أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ
مَسْطُورًا (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ
مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا
غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ
وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا
وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرًا (9)
6 النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ: من بعضهم ببعض، أو أولى بهم فيما يراه لهم منهم
بأنفسهم.
ولمّا نزلت قال- عليه السلام «1» -: «أنا أولى بكل مؤمن من
نفسه، فأيّما رجل توفي وترك دينا، أو ضيعة فإليّ ومن ترك مالا
فلورثته» .
وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ: في التحريم والتعظيم.
إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ: أي: لكن فعلكم
إلى أوليائكم معروفا جائز، وهو أن يوصى لمن لا يرث.
8 لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ: الله كان أم
للناس، أو ليسأل الأنبياء عن تبليغهم تبكيتا «2» لمن أرسل
إليهم «3» .
9 إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ: لما أجلى النبيّ- عليه السلام-
يهود بني النّضير/ قدموا مكة، وحزّبوا الأحزاب، وتذكّر قريش
طوائلهم «4» ، وقائدهم أبو سفيان، وقائد غطفان عيينة بن حصن،
وصار المشركون واليهود يدا واحدة، وكان النبيّ صلى الله عليه
وسلم وادع بني قريظة وهم أصحاب حصون بالمدينة،
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 22، كتاب التفسير، باب
قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ عن أبي هريرة مرفوعا واللفظ عنده: «ما من مؤمن
إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم:
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فأيما
مؤمن هلك وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو
ضياعا فليأتني فإني مولاه» . [.....]
(2) التبكيت: التقريع والتوبيخ.
الصحاح: 1/ 244، واللسان: 2/ 11 (بكت) .
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 126 عن مجاهد، ونقله
الماوردي في تفسيره:
3/ 307 عن النقاش.
(4) الطوائل: الأوتار والذحول، واحدتها طائلة، يقال: «فلان
يطلب بني فلان بطائلة، أي بوتر، كأن له فيهم ثأرا ... » .
اللسان: 11/ 414 (طول) .
(2/667)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ
فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ
الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ
بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
فاحتال لهم حييّ بن أخطب ولم يزل يفتلهم في
الذّروة والغارب «1» حتى نقضوا العهد، فعظم البلاء. فأشار
سلمان بالمقام بالمدينة، وأن يخندق «2» .
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً: كانت ريح صبا «3» [تطير] «4»
الأخبية.
10 إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ: عيينة في أهل نجد،
وأَسْفَلَ مِنْكُمْ:
أبو سفيان في قريش «5» .
وزاغَتِ الْأَبْصارُ: شخصت «6» ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ
الْحَناجِرَ:
لشدّة الرعب والخفقان.
ويروى «7» أن المسلمين قالوا: بلغت الحناجر فهل من شيء نقوله؟.
__________
(1) هذا مثل يضرب في المخادعة، يقال ذلك للرجل لا يزال يخدع
صاحبه حتى يظفر به.
جمهرة الأمثال للعسكري: 2/ 98، ومجمع الأمثال: 2/ 436،
والنهاية: 3/ 410.
(2) ينظر خبر هذه الغزوة في السيرة لابن هشام: (2/ 214، 215) ،
وتفسير الطبري:
(21/ 127، 128) ، ودلائل النبوة للبيهقي: 3/ 392، وفتح الباري:
(7/ 453، 454) ، وعيون الأثر: 2/ 55.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 21/ 127 عن
مجاهد وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 573، وزاد نسبته إلى
الفريابي وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي
الشيخ والبيهقي عن مجاهد.
ويدل عليه الحديث المرفوع: «نصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدبور»
.
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 2/ 22، كتاب الاستسقاء، باب
«قول النبي صلى الله عليه وسلم:
نصرت بالصبا» .
وأخرجه- أيضا- الإمام مسلم في صحيحه: 2/ 617، كتاب صلاة
الاستسقاء، باب «في ريح الصبا والدبور» .
(4) في الأصل: «نظير» ، والتصويب من نسخة «ج» ، ومن كتاب وضح
البرهان للمؤلف.
(5) تفسير الطبري: 21/ 129، وفتح الباري: 7/ 462.
(6) تفسير الطبري: 21/ 131، والمفردات للراغب: 217، واللسان:
8/ 432 (زيغ) .
(7) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 3/ 3، والطبري في تفسيره: 21/
127 عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه مرفوعا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 573، وزاد نسبته إلى ابن
المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي سعيد أيضا.
(2/668)
وَإِذْ يَقُولُ
الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا
وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ
قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ
لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ
النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ
بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ
دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا
الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا
يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ
لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ
مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ
فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا
تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي
يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ
أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ
الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ
هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا
(18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ
رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ
كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ
الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى
الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ
أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
فقال عليه السلام: «قولوا: اللهم استر
عورتنا وآمن روعتنا» .
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا: الألف لبيان الحركة «1» ،
إذ لو وقف بالسكون لخفي إعراب الكلمة، وكما تدخل الهاء لبيان
الحركة في مالِيَهْ «2» وحِسابِيَهْ «3» .
12 ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً: قاله
معتّب «4» بن قشير.
13 وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ: بنو سليم «5» .
يَقُولُونَ [إِنَ] «6» بُيُوتَنا عَوْرَةٌ: وهم بنو حارثة «7»
.
19 سَلَقُوكُمْ: بلغوا في إيحاشكم «8» .
__________
(1) معاني القرآن للزجاج: 4/ 218، وإعراب القرآن للنحاس: 3/
305، والبيان لابن الأنباري: 2/ 265، والتبيان للعكبري: 2/
1053، والبحر المحيط: 7/ 217.
(2) من الآية: 28، سورة الحاقة.
(3) من الآية: 20، سورة الحاقة.
(4) ذكر الفراء في معانيه: 2/ 336 أن القائل هو معتب.
وأورده السيوطي في مفحمات الأقران: 164، وعزا إخراجه إلى ابن
أبي حاتم عن السدي.
وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 516، وابن عطية في المحرر الوجيز:
12/ 24. [.....]
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 310.
(6) سقط من الأصل.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 21/ 135 عن ابن عباس رضي
الله عنهما من طريق محمد بن سعد عن أبيه ... ، وهذا إسناد
مسلسل بالضعفاء، وقد تقدم بيان أحوالهم ص (135) .
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة: 3/ 433 عن ابن عباس أيضا.
وذكره البغوي في تفسيره: 3/ 516، وابن عطية في المحرر الوجيز:
12/ 25 دون عزو.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 579، وزاد نسبته إلى ابن
مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(8) كذا في «ك» وفي وضح البرهان: 2/ 182: «بلغوا في أذاكم
بالكلام الموحش كل مبلغ» .
وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 135: «أي بالغوا في عيبكم ...
» .
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 339، وغريب القرآن لليزيدي:
302، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 349، والمفردات للراغب:
239.
(2/669)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا
وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ
اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ
الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا
وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ
قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
21 أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ: حسن مواساة ومشاركة
«1» ، إذ قاتل يوم أحد حتى جرح وقتل عمّه وخاصّته.
23 مَنْ قَضى نَحْبَهُ: مات، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ: أي:
الموت.
وإن كان النّحب: النّذر «2» ، فهو نذر صدق القتال.
25 وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ: لما اشتد الخوف
أتى نعيم بن مسعود مسلما من غير أن علم قومه، فقال عليه
السّلام: «إنّما أنت فينا رجل واحد وإنّما غناؤك أن تخادع عنّا
فالحرب خدعة» .
فأتى بني قريظة وكان نديمهم، فذكّرهم ودّه، وقال: إنّ قريشا
وغطفان طارئين على بلادكم، فإن وجدوا نهزة «3» وغنيمة أصابوها،
وإلّا لحقوا ببلادهم، ولا قبل لكم بالرجل، فلا تقاتلوا حتى
تأخذوا رهنا من أشرافهم [78/ أ] ليناجزوا القتال، ثم أتى قريشا
وغطفان فذكرهم ودّه/ لهم، وقال: بلغني أمر أنصحكم فيه فاكتموه
عليّ، إنّ معشر اليهود ندموا وترضّوا محمّدا على أن يأخذوا
منكم أشرافا ويدفعوهم إليه، ثم يكونون معه عليكم، فوقع ذلك من
القوم، وأرسل أبو سفيان وعيينة إلى بني قريظة: إنا لسنا بدار
مقام، وقد هلك الخف والحافر «4» ، فلنناجز «5» محمدا. فطلبوا
رهنا، فقالت قريش:
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 314 عن السدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 583، وعزا إخراجه إلى ابن
أبي حاتم عن السدي.
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 349، والمفردات: 484،
واللسان: 1/ 750 (نحب) .
(3) أي: فرصة.
الصحاح: 3/ 900 (نهز) ، والنهاية: 5/ 135.
(4) كناية عن الإبل والفرس، وفي النهاية لابن الأثير: 2/ 55:
«ولا بد من حذف مضاف: أي ذي خف ... وذي حافر. والخفّ للبعير
كالحافر للفرس» .
وانظر اللسان: 9/ 81 (خفف) .
(5) أي: نقاتل.
النهاية لابن الأثير: 5/ 21.
(2/670)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ
ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ
وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ
وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ
تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ
الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ
أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ
مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ
ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
والله إنّ حديث نعيم لحقّ، وتخاذل القوم
وانصرفوا «1» .
26 مِنْ صَياصِيهِمْ: حصونهم «2» . نزل جبريل ورسول الله في
بيت زينب بنت جحش- تغسل رأسه- فقال: عفا الله عنك ما وضعت
الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة فانهض إلى بني قريظة فإني
تركتهم في زلزال وبلبال. فحاصرهم عليه السلام وقتلهم وسباهم
«3» .
27 وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها: أرض فارس والروم «4» .
30 يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ: لأنّ النّعمة عندهن
بصحبة الرسول أعظم والحجة عليهن ألزم.
__________
(1) ينظر خبر نعيم بن مسعود رضي الله عنه في السيرة لابن هشام:
(2/ 229، 230) ، وجوامع السيرة لابن حزم: (190، 191) ، وزاد
المعاد: (3/ 273، 274) .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 340، وغريب القرآن لليزيدي: 303،
وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 349، وتفسير الطبري: 21/ 150،
والمفردات للراغب: 291.
(3) أخرجه الطبريّ في تفسيره: 21/ 150 عن قتادة، وأورده
السيوطي في الدر المنثور:
6/ 591، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي
حاتم عن قتادة.
وقيل: بل المراد خيبر، وقيل: اليمن، وقيل: مكة.
وعقب ابن عطية- رحمه الله- على هذه الأقوال بقوله: «ولا وجه
لتخصيص شيء من ذلك دون شيء» .
المحرر الوجيز: 12/ 49.
وقال الطبري رحمه الله في تفسيره: 21/ 155: «والصواب من القول
في ذلك أن يقال:
إن الله تعالى ذكره أخبر أنه أورث المؤمنين من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم أرض بني قريظة وديارهم وأموالهم، وأرضا لم
يطئوها يومئذ، ولم تكن مكة ولا خيبر، ولا أرض فارس والروم ولا
اليمن، مما كان وطئوها يومئذ، ثم وطئوا ذلك بعد، وأورثهموه
الله، وذلك كله داخل في قوله: وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها لأنه
تعالى ذكره لم يخصص من ذلك بعضا دون بعض» اه.
(4) أخرج عبد الرزاق هذا القول في تفسيره: 2/ 115 عن الحسن،
وكذا الطبري في تفسيره:
21/ 155.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 592، وزاد نسبته إلى ابن
أبي حاتم عن الحسن رحمه الله.
(2/671)
وَقَرْنَ فِي
بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ
الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ
وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي
بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ
وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ
وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ
اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ
مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا
(36)
وقال أبو عمرو: أقرأ بالتشديد «1» للتفسير
بالضعفين»
، ولو كان مضاعفة لكان العذاب ثلاثا أو أكثر.
33 وَقَرْنَ «3» : من: وقر يقر وقورا ووقارا، أي: كن ذوات وقار
«4» ، ولا تخفقن بالخروج.
والتبرّج: التبختر والتكسر «5» .
36 وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ:
في زينب بنت جحش ابنة عمة النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطبها
لزيد بن حارثة فامتنعت [هي] وأخوها عبد الله «6» .
__________
(1) قراءة أبي عمرو: يضعّف بالياء وتشديد العين وفتحها.
السبعة لابن مجاهد: 521، والتبصرة لمكي: 299، والتيسير للداني:
179. [.....]
(2) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 350: «كأنه أراد:
يضاعف لها العذاب، فيجعل ضعفين، أي: مثلين، كل واحد منهما ضعف
الآخر. وضعف الشيء: مثله، ولذلك قرأ أبو عمرو: يضعّف، لأنه رأى
أن «يضعّف» للمثل، و «يضاعف» لما فوق ذلك» .
وانظر توجيه قراءة أبي عمرو في معاني القرآن للزجاج: 4/ 226،
والكشف لمكي:
2/ 196، والبحر المحيط: 7/ 228.
(3) بكسر القاف، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر،
وحمزة، والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 522، والتبصرة لمكي: 299، والتيسير للداني:
179.
(4) قال مكي في الكشف: 2/ 198: «فيكون الأصل في «وقرن» و
«اقررن» ، فتحذف الراء الأولى استثقالا للتضعيف، بعد أن تلقى
حركتها على القاف، فتنكسر القاف، فيستغنى بحركتها عن ألف
الوصل، فيصير اللفظ «قرن» ... » .
(5) تفسير الطبري: 22/ 4، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 225،
وتفسير الماوردي: 3/ 322.
(6) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
أي: وامتنع أخوها عبد الله بن جحش كذلك، وأخرج نحوه الطبري في
تفسيره: 22/ 11 عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعكرمة. دون ذكر
عبد الله بن جحش.
وأخرج نحوه أيضا الدارقطني في سننه: 3/ 301، كتاب المهر، عن
الكميت بن زيد عن مذكور مولى زينب بنت جحش عن زينب رضي الله
عنها.
وأورده الزمخشري في الكشاف: 3/ 261، والحافظ في الكافي الشاف:
134، وقال:
«لم أجده موصولا- وأشار إلى رواية الدارقطني ثم قال-: وإسناده
ضعيف» . وأشار المناوي في الفتح السماوي: (3/ 935، 936) إلى
رواية الدارقطني، وضعف سنده.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 6/ 419: «هذه الآية عامة في
جميع الأمور، وذلك إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد
مخالفته ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأى ولا قول كما قال تعالى:
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما
شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ... » .
(2/672)
وَإِذْ تَقُولُ
لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي
نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ
أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا
زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ
وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ
عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ
يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا
يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا
(39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ
وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ
اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
37 أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ: [أي: على
زيد] «1» بالإسلام، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ:
بالعتق «2» .
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ: من الميل إليها
وإرادة طلاقها «3» .
وقيل «4» : هو ما أعلمه الله بأنها تكون زوجته.
فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً: من طلاقها «5» . وقيل
«6» : من نكاحها.
38 وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً: جاريا على تقدير
وحكمة.
40 ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ: [أي: من
رجالكم البالغين] «7» الحسن والحسين إذ ذاك لم يكونا رجلين،
والقاسم وإبراهيم والطيّب والمطهّر «8» توفوا صبيانا.
__________
(1) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(2) ورد هذا القول في أثر أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 2/ 117
عن قتادة.
وكذا الطبري في تفسيره: 22/ 13، وأورده السيوطي في الدر
المنثور: 6/ 614، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم،
والطبراني عن قتادة أيضا.
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: 3/ 531، وتفسير القرطبي: 14/
188، وتفسير ابن كثير: 6/ 419.
(3) المصادر السابقة.
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 327 عن الحسن، وأورده السيوطي
في الدر المنثور:
6/ 616، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن السدي.
(5) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 229، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 327، والقرطبي في تفسيره: 14/ 194 عن قتادة.
(6) تفسير القرطبي: 14/ 194.
(7) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(8) كذا ورد في رواية الطبري في تفسيره: 22/ 16 عن قتادة،
وأيضا في معاني القرآن للزجاج: 4/ 230، وتفسير ابن كثير: 6/
422.
وذكر ابن حبيب في المحبر: 53 أن عبد الله هو الطيب وهو الطاهر.
وقال ابن حزم في الجمهرة: 16: «وكان لرسول الله صلى الله عليه
وسلم من الولد سوى إبراهيم:
القاسم، وآخر اختلف في اسمه، فقيل: الطاهر، وقيل: الطيب، وقيل:
عبد الله ... » .
(2/673)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي
عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ
أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا
كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ
وَكِيلًا (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ
سَرَاحًا جَمِيلًا (49) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ
وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ
وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ
وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ
النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي
أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ
عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ
تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا
يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ
عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
43 يُصَلِّي عَلَيْكُمْ: يوجب بركة الصلاة
لكم، وهو الدعاء بالخير، وتوجبه الملائكة بفعل الدّعاء «1» ،
وهذا مما يختلف فيه معنى الصفتين، ك «توّاب» بمعنى كثير القبول
للتوبة، وبمعنى كثير الفعل لها.
[78/ ب] 48 وَدَعْ أَذاهُمْ: / لا تحزن وكلهم إلينا.
50 وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها: هي ميمونة
«2» بنت الحارث.
وقيل «3» : زينب بنت خزيمة.
49 مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها: تحسبونها «تفتعلون» من العدّ
«4» .
51 تُرْجِي: تؤخر، وَتُؤْوِي: تضم «5» ، ومعناهما الطلاق
والإمساك.
__________
(1) قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره: 6/ 428: «وأما
الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار، كقوله:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً
وَعِلْماً ...
الآية» اه. [.....]
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 22/ 23 عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 333 عن ابن عباس، وكذا ابن
الجوزي في زاد المسير:
6/ 406، والقرطبي في تفسيره: 14/ 209.
(3) أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 23 عن علي بن الحسين، ونقله
الماوردي في تفسيره:
3/ 333، والبغوي في تفسيره: 3/ 537 عن الشعبي.
وأورده الحافظ ابن حجر في الفتح: 8/ 386، وقال: «جاء عن الشعبي
وليست بثابت ...
ومن طريق قتادة عن ابن عباس قال: التي وهبت نفسها للنبي صلى
الله عليه وسلم هي ميمونة بنت الحارث، وهذا منقطع، وأورده من
وجه آخر مرسل وإسناده ضعيف، ويعارضه حديث سماك عن عكرمة عن ابن
عباس، «لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت
نفسها له» .
أخرجه الطبري وإسناده حسن، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن
وهبت نفسها له وإن كان مباحا له، لأنه راجع إلى إرادته لقوله
تعالى: إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها ... » .
(4) المحرر الوجيز: 12/ 83، والتبيان للعكبري: 2/ 1058.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 139، وغريب القرآن لليزيدي:
304، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 351، وتفسير الطبري: 22/
24، وتفسير البغوي: 3/ 537.
(2/674)
لَا يَحِلُّ لَكَ
النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ
أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ
يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ
النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ
نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا
فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ
لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ
فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ
الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ
مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ
اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ
أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي
آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا
أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ
وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ
وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا
وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ
يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي
الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ
فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا
أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ
اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ
قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ
لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ
لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا
نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ
يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا
الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا
سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)
رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ
لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ
مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ: طلبت
إصابته بعد العزل.
ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ: إذا علمن أنك لا
تطلقهن أو لا تتزوج عليهن.
52 لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ: نكاح النساء أو شيء من النساء.
مِنْ بَعْدُ: من بعد التسع إذ لمّا خيّرن فاخترنه أمر أن يكتفي
بهن «1» .
53 غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ: منتظرين وقت «2» نضجه «3» .
59 ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ: الحرّة من الأمة «4» ، أو
الصالحات من المتبرجات «5» .
69 آذَوْا مُوسى: اتهموه بقتل هارون، فأحياه [الله] «6» فبرّأه
ثم مات «7» .
__________
(1) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 22/ 29 عن قتادة،
ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 334 عن ابن عباس، وقتادة.
وأورده ابن العربي في أحكام القرآن: 3/ 1570 عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
(2) في «ج» : بعد.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 140، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 352، والمفردات للراغب: 29.
والمعنى كما جاء في تفسير الطبري: 22/ 34: «يا أيها الذين
آمنوا بالله ورسوله، لا تدخلوا بيوت نبي الله إلّا أن تدعوا
إلى طعام غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ، يعني: غير منتظرين إدراكه
وبلوغه، وهو مصدر من قولهم: قد أنى هذا الشيء يأني إليّ وأنيا
وإناء ... وفيه لغة أخرى، يقال: قد آن لك، أي: تبين لك أينا،
ونال لك، وأنال لك ... » .
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 22/ 46 عن قتادة،
ومجاهد.
وذكره الواحدي في أسباب النزول: 421 عن السدي بغير سند.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 339 عن قتادة.
(5) ذكر الماوردي نحو هذا القول في تفسيره: 3/ 339.
(6) عن نسخة «ج» .
(7) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 52 عن
ابن عباس رضي الله عنهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
وأخرجه- أيضا- الحاكم في المستدرك: 2/ 579، كتاب التاريخ، باب
«ذكر وفاة هارون بن عمران» ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 666، وزاد نسبته إلى ابن
منيع، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس عن
علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
وأشار الحافظ في الفتح: 8/ 395 إلى رواية الطبري وابن أبي
حاتم، وقوى إسنادهما.
وثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا
أن بني إسرائيل اتهموا موسى عليه الصلاة والسلام بأنه آدر، أو
به برص، أو آفة في جسمه. (صحيح البخاري: 4/ 129، كتاب
الأنبياء) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «لا مانع أن يكون للشيء سببان
فأكثر ... » ذكره تعقيبا على الروايتين.
(2/675)
إِنَّا عَرَضْنَا
الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
(72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا (73)
وَجِيهاً: رفيع القدر إذا سأله أعطاه.
72 إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ: الأمانة: ما أودعها الله من
دلائل التوحيد فأظهروها إلّا الإنسان «1» .
«الجهول» : الكافر بربه.
وقيل: هو على التمثيل أي منزلة الأمانة منزلة ما لو عرض على
الأشياء مع عظمها وكانت تعلم ما فيها لأشفقت منها، إلّا أنّه
خرج مخرج الواقع لأنّه أبلغ من المقدّر.
وقيل: العرض بمعنى المعارضة، أي: عورضت السّماوات والأرض،
وقوبلت بثقل الأمانة، فكانت الأمانة أوزن وأرجح «2» .
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها: لم يوازنها.
73 لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ: في الأمانة،
وَالْمُشْرِكِينَ: بتضييعها.
وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ: بحفظهم لها.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 343 وقال: «قاله بعض
المتكلمين» .
وأورد الطبري- رحمه الله- عدة أقوال في المراد ب «الأمانة»
هنا، ثم قال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين
قالوا: إنه عني بالأمانة في هذا الموضع جميع معاني الأمانات في
الدين، وأمانات الناس، وذلك أن الله لم يخص بقوله: عَرَضْنَا
الْأَمانَةَ بعض معاني الأمانات لما وصفنا» .
(تفسير الطبري: 22/ 57) .
وقال القرطبي في تفسيره: 14/ 253: «و «الأمانة» تعم جميع وظائف
الدين على الصحيح من الأقوال» .
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 343 عن ابن بحر.
(2/676)
|