إيجاز البيان عن معاني القرآن

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)

سورة المجادلة
1 قَدْ سَمِعَ اللَّهُ في خولة بنت ثعلبة بن خويلد. قال لها زوجها أوس بن الصّامت: أنت عليّ كظهر أمي «1» .
3 لِما قالُوا: لنقض ما قالوا «2» ، أو هو العود بالعزم على الوطء «3» .
قال عبد الله «4» بن الحسين أي: يعودون إلى المقول [فيهن] «5» ، أي:
إلى نسائهم، كأنّ التقدير: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا، ثم يعودون إلى نسائهم فيكون «ما قالوا» بمعنى المصدر، والمصدر، بمعنى المفعول، كقولهم: ضرب الأمير ونسج بغداد.
__________
(1) ورد التصريح بذكر أوس بن الصّامت وخولة بنت ثعلبة في رواية الإمام أحمد في مسنده:
(6/ 410، 411) ، وأبي داود في سننه: 2/ 663، كتاب الطلاق، باب «في الظهار» حديث رقم 2214.
والحاكم في المستدرك: 2/ 481، والواحدي في أسباب النزول: 472 وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 8/ 62: «هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة ... » .
وانظر الروايات التي صرحت بذكر أوس بن الصامت وخولة بنت ثعلبة رضي الله عنهما في الدر المنثور: (8/ 70، 71) .
(2) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 139، وقال: «وهو كما تقول: حلف أن يضربك فيكون معناه:
حلف لا يضربك وحلف ليضربنك» .
وانظر تفسير الطبري: 28/ 8، وزاد المسير: 8/ 183.
(3) هذا قول الحنفية كما في فتح القدير لابن الهمام: 4/ 85، ومجمع الأنهر: 1/ 448 ونسب إلى الإمام مالك في الخرشي على مختصر خليل: 4/ 110، وتفسير القرطبي: 17/ 280.
(4) لعله عبد الله بن الحسين الناصحي الخراساني، أبو محمد، قاضي القضاة، الإمام الفقيه الحنفي، المتوفي سنة 447 هـ-.
قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: 17/ 660: وطال عمره، وعظم قدره، وكان قاضي السلطان محمود بن سبكتكين. اه-.
له كتاب أدب القاضي، والجمع بين وقفي هلال والخصاف، جمع فيه بين كتاب الوقف لهلال بن يحيى وكتاب أحمد بن عمرو الخصاف.
وانظر ترجمته في تاريخ بغداد: 9/ 443، والجواهر المضيئة: 2/ 305.
(5) عن نسخة «ج» .

(2/806)


فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)

4 ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ: تطيعوه ولا تطلّقوا طلاق الجاهلية بالظّهار. أو ذلك لإيمانكم بالله، فيقتضي أن لا يصح ظهار الذميّ «1» .
5 كُبِتُوا في يوم الأحزاب. كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يوم بدر «2» .
8 نُهُوا عَنِ النَّجْوى: السّرار «3» .
حَيَّوْكَ كانوا يقولون: السّام عليك «4» .
10 إِنَّمَا النَّجْوى أي: النّجوى بالإثم.
11 تَفَسَّحُوا: توسّعوا.
انْشُزُوا: ارتفعوا «5» .
19 اسْتَحْوَذَ: استولى «6» ، جاء على الأصل لأنه لم يبن على «حاذ» «7» ، كما يقال: افتقر من غير أن قيل: فقر.
__________
(1) هذا قول الحنفية والمالكية كما في فتح القدير لابن الهمام: 4/ 85، وأحكام القرآن لابن العربي: 4/ 1750. قال القرطبي- رحمه الله- في تفسيره: 17/ 276: «ودليلنا قوله تعالى:
مِنْكُمْ يعني من المسلمين، وهذا يقتضي خروج الذمي من الخطاب ... » .
(2) ذكره القرطبي في تفسيره: 17/ 288، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 234.
(3) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 457، وتفسير الماوردي: 4/ 200، واللسان: 15/ 308 (نجا) . [.....]
(4) أخرج الإمام مسلم في صحيحه: 4/ 1707، كتاب السلام، باب «النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم» عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم أناس من اليهود فقالوا: السّام عليك يا أبا القاسم! قال: وعليكم ... » .
وانظر تفسير الطبري: (27/ 13، 14) ، وأسباب النزول للواحدي: 474، وتفسير ابن كثير: 8/ 68.
(5) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 202، والمفردات للراغب: 493، وتفسير القرطبي:
17/ 299، واللسان: 5/ 417 (نشز) .
(6) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 458، ومعاني القرآن للزجاج: 5/ 140، وتفسير البغوي:
4/ 312.
(7) عن معاني القرآن للزجاج: 5/ 140، ونص كلامه: «وهذا مما خرج على أصله ومثله في الكلام: أجودت وأطيبت، والأكثر: أجدت وأطبت، إلّا إنّ «استحوذ» جاء على الأصل، لأنه لم يقل على «حاذ» لأنه إنما بني على «استفعل» في أول وهلة كما بني «افتقر» على «افتعل» ، وهو من الفقر، ولم يقل منه: «فقر» ولا استعمل بغير زيادة، ولم يقل: «حاذ عليهم الشيطان» ، ولو جاء «استحاذ» لكان صوابا، ولكن «استحوذ» هاهنا أجود لأن الفعل في ذا المعنى لم يستعمل إلا بزيادة» اه-.

(2/807)


هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)

سورة الحشر
2 هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا: يهود بني النّضير، أجلاهم النّبيّ- عليه السّلام- من الحجاز إلى أذرعات «1» من الشّام بعد ما حاصرهم ثلاثا وعشرين يوما «2» .
لِأَوَّلِ الْحَشْرِ اجلوا إلى الشّام وهو أول حشر، ثم يحشر الخلق إلى الشّام أيضا «3» .
[97/ ب] وقال النبيّ «4» صلى الله عليه وسلم: «هو أول/ الحشر ونحن على الأثر» .
__________
(1) أذرعات: بفتح الهمزة، وسكون الذال، وكسر الراء: موضع في أطراف الشام بالقرب من عمّان.
معجم البلدان: 1/ 130، والروض المعطار: 19.
(2) عن تفسير الماوردي: 4/ 206.
وانظر خبر بني النضير في السيرة لابن هشام: 2/ 190، وتفسير الطبري: (28/ 27، 28) ، وأسباب النزول للواحدي: (479، 480) ، وتفسير ابن كثير: 8/ 83، وفتح الباري:
(7/ 384- 388) .
(3) ورد هذا المعنى في أثر أورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 89، وعزا إخراجه إلى البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «البعث» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذا الآية: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: أخرجوا، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر» اه-.
وانظر تفسير البغوي: 4/ 314، وتفسير ابن كثير: 8/ 81.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 28/ 29 عن الحسن مرفوعا بلفظ: «امضوا فهذا أول الحشر، وإنا على الأثر» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 8/ 89، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن ورفعه.

(2/808)


وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)

و «الحشر» : الجمع «1» .
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ: المؤمنون يخربون حصونهم «2» ، وهم «يخرّبون» بيوتهم ليسدّوا بها خراب الحصون.
3 لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا: بالسّبي والقتل كما فعل ببني قريظة «3» .
5 مِنْ لِينَةٍ: اللّينة ما خلا العجوة من النّخل»
. وقيل «5» : هي الفسيل للينها.
وقال الأخفش «6» : هو من اللّون لا من اللّين، وكانت لونة فقلبت ياء لانكسار ما قبلها كالريح، واختلاف الألوان فيها ظاهر لأنها أوّل حالها بيضاء كصدف ملئ درّا منضّدا ثم غبراء ثم خضراء كأنها قطع زبرجد خلق فيها الماء، ثم حمراء [كيواقيت] «7» رصّ بعضها ببعض، ثم صفراء كأنها شذر عقيان «8» ، وكذلك إذا بلغ الأرطاب نصفها سمّيت «مجزّعة» لاختلاف لونيها كأنها الجزع الظفاريّ «9» .
__________
(1) في «ج» : الجمع بكرة.
وانظر تفسير القرطبي: 18/ 2، واللسان: 4/ 190 (حشر) .
(2) في «ج» بيوتهم.
(3) ينظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 28/ 31، وتفسير الماوردي: 4/ 208، وتفسير البغوي:
4/ 315، وزاد المسير: 8/ 206.
(4) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 144، وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (28/ 32، 33) عن ابن عباس، وعكرمة، وقتادة.
وانظر غريب القرآن لليزيدي: 373، وتفسير القرطبي: 18/ 9.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 209 دون عزو، وكذا القرطبي في تفسيره: 18/ 9.
(6) في معاني القرآن له: 2/ 706، ونص كلامه: وهي من اللّون في الجماعة، وواحدته «لينة» ، وهو ضرب من النخل، ولكن لما انكسر ما قبلها انقلبت إلى الياء» .
وأورد الطبري في تفسيره: 28/ 34 قول الأخفش، ثم قال: «وكان بعضهم ينكر هذا القول ويقول: لو كان كما قال لجمعوه: «اللوان» لا «الليان» ... » . [.....]
(7) في الأصل: «كياقوت» ، والمثبت في النص عن «ك» .
(8) العقيان: الذهب.
(9) الجزع: بفتح الجيم وسكون الزاي: الخرز اليماني، الواحدة جزعة.
النهاية: 1/ 269.
و «الظفاري» منسوب إلى «ظفار» موضع باليمن قرب صنعاء.
معجم البلدان: 4/ 60.

(2/809)


مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)

أَوْجَفْتُمْ وجف الفرس وجيفا: أسرع «1» ، وأوجفته.
نزلت في مال بني النّضير، أي: الفيء الذي يكون من غير «2» قتال للرسول صلى الله عليه وسلم يضعه حيث وضعه أصلح، فوضعه في المهاجرين، وأما القرى والنّخيل فكان يوزع «3» لقوت أهله وكانت [صدقاته] «4» منها، ومن أموال مخيريق «5» سبعة حوائط «6» أحدها [مشربة] «7» أمّ إبراهيم مارية، وكان عليه السّلام يصير إليها هناك.
7 كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً: الدّولة في الحرب، وبالضّم «8» فيما يتداوله الناس من متاع الدنيا «9» .
__________
(1) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 460، ومعاني الزجاج: 5/ 145، وتفسير القرطبي:
18/ 10، واللسان: 9/ 352 (وجف) .
(2) تفسير الطبري: 28/ 35.
(3) في «ك» : «يزرع» .
(4) هو مخيريق النّضري الإسرائيلي، استشهد يوم أحد.
السيرة لابن هشام: (2/ 88، 89) ، والإصابة: (6/ 57، 58) .
(5) في الأصل «صداق مارية منها» ، والمثبت في النص عن «ج» ، «ك» .
(6) جمع «حائط» ، وهو البستان.
(7) في الأصل «مشرفة» ، وفي «ك» «مشرقة» ، والمثبت في النص هو الصواب.
ينظر الروض الأنف للسهيلي: 3/ 180، وتخريج الدلالات السمعية: 564.
قال السهيلي: وإنما سميت مشربة أم إبراهيم، لأنها كانت تسكنها. والمشربة: بفتح الميم وضم الراء: الغرفة، وفتح الراء لغة فيها.
اللسان: 1/ 491 (شرب) .
(8) هذه قراءة أبي جعفر من القراء العشرة.
ينظر النشر لابن الجزري: 3/ 221، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 530.
(9) ينظر المفردات للراغب: 174، وتفسير القرطبي: 18/ 16، والبحر المحيط: 8/ 245، واللسان: 11/ 252 (دول) .

(2/810)


وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)

9 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ: المدينة دار الهجرة «1» .
وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: تمكنوا في الإيمان واستقرّ في قلوبهم وجمعوه إلى سكنى الدار وهم الأنصار بالمدينة.
وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا أي: حسدا على إيثار المهاجرين بمال بني النّضير «2» .
وأصل الخصاصة «3» : الخلل والفرجة «4» ، وخصاص الأصابع الفرج التي بينها.
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ قال عليه السّلام «5» : «وقى الشّحّ من أدى الزكاة وقرى الضّيف، وأعطى في النائبة» .
10 وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ أي: من بعد انقطاع الهجرة وإيمان الأنصار «6» .
14 تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى اجتمعوا على عداوتكم ومع ذلك اختلفت قلوبهم لاختلاف/ أديانهم. [98/ أ]
__________
(1) تفسير الطبري: 28/ 41، وتفسير البغوي: 4/ 319، وتفسير القرطبي: 18/ 20.
(2) ينظر تفسير الطبري: 28/ 41، وتفسير الماوردي: 4/ 212، وزاد المسير: 8/ 212، وتفسير ابن كثير: 8/ 96. [.....]
(3) من قوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [آية: 9] .
(4) تفسير الطبري: 28/ 42، والمفردات للراغب: 149، والكشاف: 4/ 84، واللسان:
7/ 25 (خصص) .
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 28/ 44 عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 4/ 188 (حديث رقم 4096) عن خالد بن زيد الأنصاري مرفوعا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: (8/ 109، 110) ، وزاد نسبته إلى ابن مردويه عن أنس مرفوعا.
(6) تفسير البغوي: 4/ 320، وزاد المسير: 8/ 216، وتفسير الفخر الرازي: 29/ 289، وتفسير القرطبي: 18/ 31.

(2/811)


كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)

15 كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: أهل بدر «1» .
19 نَسُوا اللَّهَ: تركوا أداء حقّه.
فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ: بحرمان حظوظهم «2» . أو بخذلانهم حتى تركوا طاعته.
21 لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ أي: أنزلناه على جبل، والجبل ممّا يتصدّع خشية لتصدّع مع صلابته فكيف وقد أوضح هذا التأويل بقوله: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها.
23 الْقُدُّوسُ: الطاهر المنزّه عن أن يكون له ولد «3» ، أو يكون في حكمه ما ليس بعدل.
والسّلام: ذو السّلام على عباده. أو الباقي، والسلامة: البقاء، والصفة منها للعبد: السّالم ولله السّلام «4» .
الْمُؤْمِنُ: المصدق وعده. أو المؤمن من عذابه من أطاعه «5» .
__________
(1) من المشركين، كما في تفسير الطبري: 28/ 48 عن مجاهد.
وقيل: هم يهود بن قينقاع، أخرجه الطبري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
قال الطبري- رحمه الله-: «وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: إن الله عزّ وجلّ مثّل هؤلاء الكفار من أهل الكتاب مما هو مذيقهم من نكاله بالذين من قبلهم من مكذبي رسوله صلى الله عليه وسلم، الذين أهلكهم بسخطه، وأمر بني قينقاع ووقعة بدر كانا قبل جلاء بني النضير، وكل أولئك قد ذاقوا وبال أمرهم، ولم يخصص الله عزّ وجلّ منهم بعضا في تمثيل هؤلاء بهم دون بعض، وكل ذائق وبال أمره، فمن قربت مدته منهم قبلهم، فهم ممثلون بهم فيما عنوا به من المثل» .
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 28/ 52 عن سفيان.
وذكره البغوي في تفسيره: 4/ 326، وابن الجوزي في زاد المسير: 8/ 224، وأبو حيان في البحر المحيط: 8/ 251.
(3) زاد المسير: 8/ 225 عن الخطابي.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 4/ 219.
(5) ينظر تفسير الماوردي: 4/ 219، وزاد المسير: 8/ 225.

(2/812)