باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة الحج
(كل مرضعة)
إذا أريد فعل الإرضاع فهي مرضعة، وإذا أريدت الصفة فمرضع، مثل: شاة مقرب، وامرأة طالق.
(كتب عليه)
على الشيطان.
(أنه من تولاه)
اتبعه.
(فأنه)
فأن الشيطان (يضله).
(مخلقة)

(2/940)


مخلوقة تامة التصوير.
(لنبين لكم)
أي: بدء خلقكم وترتيب إنشائكم.
(ثم نخرجكم طفلاً)
الطفل اسم الجنس، يتناول الواحد والكثير.
(هامدة) غبراء يابسة. قال الأعشى:
790 - قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً ... وأرى [ثيابك] باليات همدا.

(2/941)


(اهتزت)
استبشرت وتحركت بنباتها.
(وربت)
انتفخت.
وقيل: تضاعفت.
وقيل: ارتفعت وطالت. كما قال الفرزدق:
791 - لجارية بين السليل عروقها ... وبين أبي الصهباء من آل خالد
792 - أحق بإغلاء المهور من التي ... ربت وهي [تنزو] في حجور الولائد.
(من كل زوج)

(2/942)


من كل نوع.
وقيل: لون.
(بهيج)
يبهج [من رآه].
(ثاني عطفه)
لاوي عنقه، ومعناه التكبر. كما قال الشماخ:
793 - نبئت أن ربيعاً أن رعى إبلاً ... يهدي إلى خناه ثاني الجيد
794 - فإن كرهت هجائي فاجتنب سخطي ... لا يعلقنك إفراعي وتصعيد.

(2/943)


(ليس بظالم)
إنما جاء على بناء المبالغة، وهو لا يظلم مثقال ذرة، لأن أقل قليل الظلم منه مع علمه بقبحه واستغنائه عنه كأكثر الكثير منا. سبب النزول: أنهم لم يعرفوا وجوه [الثواب]، وأقدار الأعراض في الآخرة، ولا ما في الدنيا من ائتلاف المصالح باختلاف الأحوال، فعدوا شدائد الدنيا وضنك معيشة البعض ظلماً. (على حرف)
شك.
وقيل: على ضعف [ر] أي في العبادة، مثل [ضعف] القائم على حرف.
وما يلي الآية أحسن تفسير للعبادة على حرف.
(يدعوا لمن ضره)

(2/944)


تقديره: تأخير "يدعو" ليصح موضع اللام، [أي] لمن ضره أقرب من نفعه يدعو. قال:
795 - خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
أي: لأنت خالي فأخر لام الابتداء.
وقيل: إن "يدعو" موصول بقوله: (هو الضلال البعيد)، يدعو [هـ]، [و] (لمن ضره) مبتدأ، وخبره: (لبئس المولى).
(أن لن ينصره الله)
أي: محمداً، فليتسبب أن يقطع عنه النصر من السماء.

(2/945)


وقيل: هذا كما يقال للحاسد المغيظ: اختنق.
وقال أبو عبيدة: إن النصر المطر، من قولهم: "أرض منصورة" وسياق الآية، وقوله: (في الدنيا والآخرة) يمنع من هذا القول. (وكذلك أنزلناه)
أي: هذا الأسلوب الواضح، والنظم المعجز، أو كما بينا لكم الآيات في خلقكم، وأحيينا الأرض لأرزاقكم، فكذلك هديناكم بما أنزلناه.
(إن الذين ءامنوا)
خبره. (إن الله يفصل بينكم). قال:
796 - إن الخليفة إن الله سربله ... سربال مجد به [ترجى] الخواتيم.
(هذان خصمان)

(2/946)


أهل القرآن وأهل الكتاب.
وعن أبي ذر: أنها نزلت في مبارزي بدر.
(قطعت لهم ثياب من نار)
أي: تحيط بهم النار، إحاطة الثياب.
(يصهر)
يذاب.
وقيل: ينضج.
(كلما أرادوا أن يخرجوا)

(2/947)


قيل: إن النار ترميهم إلى أعلاها حتى [يكادوا] يخرجوا منها فيقمعهم الزبانية بالمقامع إلى قعرها.
(إن الذين كفروا ويصدون)
عطف المستقبل على الماضي، لأنه تقدير: "وهم يصدون"، بمعنى من شأنهم الصد، كقوله: (الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم).
(سواء العاكف فيه)
"سواء" رفع بالابتداء، والعاكف خبره.
قال الشيخ عبد الحميد -رحمة الله عليه- إنما صلح مع تنكيره الابتداء، لأنه كالجنس في إفادته العموم، الذي هو أخو العهد، فكان في معنى المعرفة.

(2/948)


ويجوز أن يكون "سواء" خبراً مقدماً على المبتدأ وهو العاكف، أي: العاكف والبادي فيه سواء.
والعاكف: المقيم. والبادي: الطارئ.
ولهذه الآية لم يجوز بيع دور مكة.
(ومن يرد فيه بإلحاد بظلم)
أي: ومن يرد صداً، (بإلحاد) ميل عن الحق، ثم فسر الإلحاد (بظلم)، إذ يكون إلحاد وميل بغير ظلم، [فلذلك] تكررت الباء.
(وإذ بوأنا)
قررنا.
وقيل: عرفنا.

(2/949)


قال السدي: كان ذلك ريح هفافة كنست مكان البيت، يقال [لها]: [الخجوج].
وقيل: سحابة بيضاء أظلت على مقدار البيت.
(رجالاً)
جمع [الراجل].
(يأتين) ذهب به إلى معنى الركاب، أو قوله: (كل ضامر) [تضمن]

(2/950)


معنى الجماعة.
والفج: الطريق بين الجبلين.
والعميق: [البعيد].
(أيام معلومات)
أيام العشر عن ابن عباس.
والنحر ويومان بعده، عن ابن عمر.
(ثم ليقضوا تفثهم)
حاجتهم من مناسك الحج عن مجاهد.

(2/951)


وحقيقته: قشف الإحرام، لأن التفث في اللغة: الوسخ، وقضاؤه: بالتنظف بعده، من الأخذ [من] الأشعار وتقليم الأظفار.
(بالبيت العتيق)
من الطوفان.
وقيل: من استيلاء الجبابرة.

(2/952)


وإنما أسكنت (ثم ليقضوا) (وليوفوا)، لأن حروف العطف كأنها من نفس ما دخلت عليه، فاستثقل توالي الحركات في كلمة، كما سكن بعد [ألف] الوصل في قولك: ثم امرؤ وامرؤ. (الرجس من الأوثان)
من [لتبيين] الجنس لا التبعيض.
(ومن يشرك بالله)
شبه انقطاع عصمه وذممه كلها بحال من خر من السماء فمزقته الطيور، وهوت به الرياح.
(ومن [يعظم] شعائر الله)
مناسك الحج.

(2/953)


وقيل: يعظم البدن المشعرة، أي: يسمنها ويكبرها.
(إلى أجل مسمى)
إلى أن يقلد.
وقيل: ينحر.
(ولكل أمة جعلنا منسكاً)
عيداً وذبائح.
وقيل: حجاً.
(وبشر المخبتين)
المطمئنين بذكر الله.
و (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)

(2/954)


الوجل: إنما يكون عند خوف الزيغ، والذهاب عن أداء حقوقه. والطمأنينة: تكون عن أصح اليقين، وشرح الصدر بمعرفته: وكل واحدة من الحالين غير الأخرى، فلذلك حسن الجمع بينهما، مع تضادهما في الظاهر، ومثله قوله تعالى: (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله).
(والبدن)
الإبل المبدنة بالسمن، بدنت الناقة سمنتها.
ثم قيل: لكل إبل وبقر: بدنة.
(من شعائر الله)
معالم دينه.
(صواف)
مصطفة [معقولة].
(وجبت)

(2/955)


سقطت. قال الشماخ:
797 - حلفت يميناً بالذي وجبت له ... جنوب المطايا والجباه [السواجد].
(وأطعموا القانع والمعتر)
القانع: الذي ينتظر الهدية ولا يسألها.
والمعتر: الذي يأتيك سائلاً، كما قيل:
798 - سلي الطارق المعتر يا أم مالك ... إذا ما اعترى لي بين قدري ومجزر
799 - أأبدل بشري إنه أول القرى ... وأجعل معروفي له دون منكري

(2/956)


وقيل: على العكس من ذلك، وأن القانع من القنوع، والقنوع السؤال، والقناعة: الرضى. قال الشماخ:
800 - لمآل المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع
801 - يسد به نوائب تعتريه ... من الأيام كالنهل الشروع.

(2/957)


(أذن للذين يقاتلون)
أول آية نزلت في القتال.
(وبيع)
كنائس النصارى.
(وصلوات)
كنائس اليهود.
وكانت صلوتاً، فعربت بالصلاة، وأنشد الأنباري:
802 - فاتق الله والصلاة فدعها ... إن في الصوم والصلاة فسادا.
فالصلاة: بيعة اليهود، والصوم: [ذرق] النعام.

(2/958)


(وبئر معطلة وقصر مشيد)
أي: أهلكنا الحاضرة والبادية، فخلت القصور من أربابها، والآبار من ورادها.
والمشيد: المجصص. والشيد: الجص.
وقيل: هي المبني بالحجارة، كما قال عدي بن زيد: فجعل المشيد بالمرمر مجللاً بالكلس، -والجص: ليس إلا طين مكلس- قال وهو في معنى الآية:
803 - وأخو [الحضر] إذ بناه وإذ ... دجلة يجبى إليه والخابور
804 - شاده [مرمراً] وجلله كلـ ... ـساً وللطير في ذراه وكور
805 - تفكر رب الخورنق إذ أشـ ... ـرف يوماً وللهدى تفكير

(2/959)


806 - [سره] ملكه وكثرة ما يمـ ... ـلك والبحر معرضاً والسدير
807 - فارعوى قلبه وقال ما غبـ ... ـطة حي إلى [الممات] يصير
808 - وبنو الأصفر الكرام ملوك الدهـ ... ـر لم يبق منهم مذكور
809 - ثم أضحوا كأنهم ورق جـ ... ـف فألوت به الصبا والدبور.
(ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)
بيان أن محل العلم القلب، ولئلا يقال: إن القلب يعني به غير هذا العضو، على قولهم: القلب لب كل شيء.
(كألف سنة)
أن يجمع له عذاب ألف سنة فيما شاء الله من مقدار يوم [أ] وأقل من ذلك، أو أكثر، وكذلك نعيم أهل الجنة.

(2/960)


(معاجزين)
طالبين للعجز، كقولك غالبته، وقاتلته، إذ [ا] طلبت غلبته، وقتله.
وقيل: مسابقين، كأن المعاجز يجعل صاحبه في ناحية العجز منه [كالمسابق].
(وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي)
الرسول يعم البشر والملائكة، والنبي يخص البشر.
وقيل: الرسول الشارع ابتداءً، والنبي الحافظ شريعة غيره.
(إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته)
قال جعفر بن محمد: كل نبي يتمنى إيمان قومه، فيلقي الشيطان في أمنيته بما يوسوس إلى قومه (ثم يحكم الله ءاياته).

(2/961)


وقيل: على هذا القول: إن وسوسة الشيطان يجوز أن يكون للنبي، بما يلقي في أمنيته من اعتراض الهموم والخطرات المزعجة، عند تباطئ القوم عن الإيمان، وتسارعهم إلى الرد والعدوان، أو عند تأخر نصر الله له على قومه.
وإن حملت الأمنية على التلاوة، فيجوز أن يكون الشيطان الملقي في التلاوة من شياطين الإنس، فإن كان من المشركين من يلغو في القرآن.
(فينسخ الله ما يلقي الشيطان)
ويبين إبطاله، ويحكم آياته عن أن يجوز فيها تمويه أو تلبيس، وما روي في سبب النزول: أن النبي عليه السلام [وصل] (ومناة الثالثة الأخرى) [بـ] "تلك الغرانقة الألى، وإن شفاعتهن لترتجى"، إن ثبت -وما ينبغي أن [يثبت]- لم يكن فيه ثناء على أصنامهم، لأن مخرج الكلام على زعم

(2/962)


المخالف روايةً، لا على التحقيق والتسليم، وهو في القرآن، وفي مذهب العرب شائع ذائع، كقوله: (يأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون)، أي: نزل عليه الذكر على زعمه، وعند من آمن به، [و] لو كان عند [القائل] لما كان عنده مجنوناً. وقوله: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) أي: عند نفسك وفي قولك، وكما قال بعض شعراء اليمن في هجائه جريراً:
811 - أبلغ كليباً وأبلغ عنك شاعرها ... أني الأغر وأني زهرة اليمن

(2/963)


[فأجابه جرير]:
812 - ألم يكن في [وسوم] قد وسمت بها ... من حان موعظة يا زهرة اليمن
أي: على زعمك.
(يوم عقيم)
شديد لا رحمة فيه.
وقيل: فرد لا يوم مثله.
وقيل: هو بدر.
(فلا ينازعنك)

(2/964)


نهي لهم عن منازعته، وكانت منازعتهم أن قالوا في الذبائح: أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله الله.
(وإن يسلبهم الذباب)
بإفساده [لطعامهم] وثمارهم.
وقيل: كانوا يلطخون أصنامهم بالعسل، فيقع عليه الذبان.
(ما بين أيديهم)
أول أعمالهم (وما خلفهم) آخرها.
[تمت سورة الحج]

(2/965)