باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة المؤمنون
(قد أفلح المؤمنون)
عن ابن عباس: فازوا بما طلبوا، ونجوا عما هربوا.
(خاشعون)
خائفون بالقلب، ساكنون بالجوارح. (للزكاة فاعلون)
لما كانت الزمان توجب زكاء المال، كان لفظ الفعل أليق به من لفظ الأداء والإخراج.
والفردوس: أعلى الجنان، قالـ[ـه] قطرب، واستشهد بقول ذي الرمة:
813 - يا صاحبي انظرا [آواكما] درج ... عال وظل من الفردوس ممدود

(2/966)


814 - هل تبصران حمولاً بعدما اشتملت ... من دونهن جبال الأشيم القود.
(من سلالة)
أي: سل كل إنسان من ظهر أمه.
(من طين)
من آدم عليه السلام، وسلالة كل شيء وسليلته: خلاصته. قالت امرأة:
815 - وهل هند إلا مهرة عربية ... سليلة أفراس تجللها بغل

(2/967)


816 - فإن [نتجت] مهراً كريماً [فبالحرى] ... وإن يك إقراف فما أنجب البغل
والنطفة: الماء الذي منه الولد، وأصله: الماء الصافي.
قال عمارة:
817 - لن يلبث التخشين نفساً كريمة ... عريكتها أن يستمر مريرها
818 - وما النفس إلا نطفة في قرارة ... إذا لم يكدر كان [صفواً] غديرها

(2/968)


والعلقة: الدم الطري. قال أبو محجن الثقفي:

(2/969)


819 - هل أطعن الطعنة النجلاء عن عرض ... وأكتم السر فيه ضربة العنق
820 - وأشهد المأزق المخشي غمته ... وعامل الرمح أرويه من العلق.
والمضغة: القطعة من اللحم، قال زهير:
821 - تلجلج مضغة فيها أنيض ... أصلت فهي فوق الكشح أداء
822 - [غصصت] بنيئها وبشمت منها ... وعندي -لو طلبت- لها شفاء

(2/970)


وجمعت [العظام] مع إفراد أخواتها المتقدمة، لاختلافها بين صغير وكبير، ومدور وطويل، وصلب وغضروف.
(ثم أنشأناه خلقاً ءاخر)
بنفخ الروح فيه.
وقيل: بإنبات الشعر والأسنان.

(2/971)


وقيل: إن ذلك الإنشاء هو في السنة الرابعة، لأن المولود في سني [التربية يعد] في حد النقصان، والتهيؤ للتمام، والشيء قبل التمام في حيز العدم. ولهذا إن المبرزين في علم الفراسة والتنجيم، لا ينظرون في أخلاق

(2/972)


الطفل وأحواله، ولا يصححون مواقع النجوم على ميلاده إلا في السنة الرابعة، فيأخذون الطالع وصور الكواكب من هناك. (سبع طرائق)
سبع سموات، لأنها طريق الملائكة.
وقيل: لأنها طباق بعضها فوق بعض، يقال: أطرقت النعل إذا خصفتها، وأطبقت بعضها على بعض، قال تأبط شراً:
823 - بادرت قنتها صحبي وما كسلوا ... حتى نميت [إليها] بعد إشراق
824 - بشرثة خلق يوقى البنان بها ... شددت فيها سريحاً بعد إطراق.

(2/973)


(سيناء)
على وزن فيعال، نحو ديار وقيام.
وسيناء، وسيناه على وزن فيعال، مثل: ديماس وقيراط، والفتح أقوى، لأنه لا فعلاء غير منصرف.

(2/974)


وقيل: بل الكسر، كقوله: (وطور سينين).
(تنبت بالدهن)
قيل: إن الباء زائدة، وتكثر زيادتها في كلامهم، مثل قول الهذلي:
825 - ألا يا فتى ما نازل القوم واحداً ... بنعمان لم يخلق ضعيفاً [منتراً]
826 - أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

(2/975)


أي: عضته الحرب.
وقال آخر:
827 - قد هراق الماء في أجوافها ... وتطايرن بأشتات شقق
828 - وأثار النقع في أكسايها ... مثل ما شقق سربال ما خلق.
أي: تطايرن أشتاتاً.
وعندنا لا يحكم لشيء [بكونه] زيادة، وله معنى ما، وللباء ها هنا معاني صحيحة: أحدها: أن تقديره تنبت ما تنبت والدهن فيها، كقول ثعلبة بن حرز:
829 - ومستنة كاستنان [الخرو ... ف] قد قطع الحبل بالمرود

(2/976)


830 - دفوع الأصابع ضرح الشمو ... س نجلاء مؤيسة العود
والمعنى: أنه قطعه والمرود فيه.
والثاني: أن إنباتها الدهن بعد إنبات الثمر الذي يخرج الدهن منه، فلما كان الفعل في المعنى تعلق بمفعولين يكونان في حال بعد حال، وهما الثمر والدهن، احتاج إلى تقويته بالباء.
والثالث: [أن] أنبت جاء لازماً مثل نبت، فيعدى بحرف الصفة. قال زهير:
831 - رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطيناً لهم حتى إذا أنبت البقل.

(2/977)


وروى ابن درستويه: أن الدهن: المطر اللين.
(وصبغ)
إدام. قال عليه السلام: "الزيت [من] شجرة مباركة فائتدموا به وادهنوا".
(يتفضل عليكم)

(2/978)


يكون أفضل منكم. قال القطامي:
832 - بنو [القرم] الذي علمت معد ... تفضل فوقها سعة وباعا.
و (اصنع الفلك بأعيننا)
على ما نمثله لك بالوحي.
وقيل: معناه أن يصنعه وهو واثق بحفظ الله له، ورؤيته إياه، فلا يخاف قومه.
والسلوك: لازم ومتعد.
(عما قليل)

(2/979)


"ما" -في مثل هذا- لتقريب المدى، أو تقليل الفعل، كقولك: بسبب ما، أي: بسبب وإن قل.
(فجعلناهم غثاء)
هلكى، كما يحتمله الماء من الزبد والورق البالي.
(فبعداً)
إهلاكاً على طريق الدعاء عليهم.
قال عبد يغوث:
833 - يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ... وأين مكان البعد إلا مكانيا.

(2/980)


(تترا)
متواتراً، متراصفاً، وأصله: وترى، من وتر القوس لاتصاله، كأنه واترنا رسلنا تترى، فجاء على غير لفظ الفعل.
(وإن هذه أمتكم أمة واحدة)
أي: ملتكم وطريقتكم في توحيد الله وأصول الشرائع، طريقة واحدة.
وفتح (أن) على تقدير: "ولأن هذه أمتكم"، أي: فاتقون لهذا. هذا قول الخليل.
وقال الأخفش: العامل فيما بعد قليل ضعيف، ولكن فتحها بالعطف على "ما"، (إني بما تعملون عليم)، "وبأن هذه".
ويجوز فتحها بفعل مضمر، أي: واعلموا أن هذه.

(2/981)


وانتصاب (أمة واحدة) على الحال.
(فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً)
أي: افترقوا في دينهم فرقاً، كل ينتحل كتاباً ينسبه إلى نبيه. (وهم لها سابقون)
أي: لأجلها سبقوا الناس.
(تنكصون)
ترجعون إلى الكفر.
(مستكبرين به)
بالحرم، أي: بلغ أمركم أنكم تسمرون بالبطحاء/لا تخافون أحداً.
وتوحيد (سامراً) على معنى المصدر، أي: تسمرون سمراً، كقولك:

(2/982)


قوموا قائماً، أي: قياماً.
ويجوز حالاً للحرم، لأن السمر في اللغة: ظلمة الليل، تقول العرب: حلف بالسمر والقمر.
(تهجرون)
تقولون الهجر، وهو الهذيان، مثل كلام الموسوس والمحموم.
و (تهجرون)
من الإهجار، وهو الإفحاش في القول.
(بل أتيناهم بذكرهم)
أي: بشرفهم لكون رسولهم منهم، والقرآن بلسانهم.

(2/983)


(فما استكانوا لربهم)
أي: بالجدب الذي أصابهم بدعائه عليه السلام.
(باباً ذا عذاب شديد)
يعني يوم بدر.
(سيقولون لله)
جاء في الثاني والثالث على صورة الكلام الأول، تقريراً وتوكيداً.

(2/984)


وخرج الجواب على المعنى دون اللفظ، فإن معنى قوله: (من رب السموات والأرض): لمن ملكهما وتدبيرهما. وأنشد الفراء:
834 - وأعلم أنني سأكون رمساً ... إذا سار النواعج لا أسير
835 - فقال السائلون [لمن حفرتم] ... فقال المخبرون لهم وزير.
أي: فيقولون لوزير -وهو اسمه- حفرناه.
(ومن ورائهم برزخ)
أي: ومن أمامهم حاجز وهو ما بين الدنيا والآخرة.
وقيل: إنه ما بين الموت والبعث.

(2/985)


وقال مجاهد: وهو الحاجز بين الميت وبين الرجوع إلى الدنيا. (ولا يتساءلون)
أي: عن أنسابهم ومعارفهم، لاشتغال كل واحد بنفسه.
وقيل: إنه تساءل أن يحمل بعضهم عن بعض، ولكنهم يتساءلون عن حالهم، وعما عمهم من البلاء سؤال العاني المعذب من لقيه في مثل حاله، كما قال عز وجل: (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون). وهذا التساؤل في مواقف/الأمن بعد زوال الدهش والأهوال، بدليل ما اتصل به من قوله: (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين)
واللفح: إصابة سموم النار.
والكلوح: تقلص الشفتين عن الأسنان.

(2/986)


(اخسئوا)
[اسكتوا].
وقيل: ابعدوا بعد الكلب.
(سخرياً)
بالكسر هزءاً.
وبالضم -كما هو في الزخرف- سخرة وعبودة.

(2/987)


(قال إن لبثتم إلا قليلاً)
أي: في الدنيا، أو في القبور بالإضافة إلى طول لبثكم في النار. [تمت سورة المؤمنون]

(2/988)