باهر البرهان فى
معانى مشكلات القرآن سورة الفرقان
(تبارك)
تعالى، اشتق من البرك، وهو طائر يحلق في الهواء، ولا يسف إلى
الأرض، ذكره زهير:
849 - حتى استغاثت بماء لا رشاء له ... من الأباطح في حافاته
البرك.
وقيل: إنه من البركة، لى معنى الثبوت والنماء كله، أي: ثبت
ملكه [ودام] أمره، ومنه بروك الإبل وبراكاء القتال.
(2/1014)
(يعلم السر في السموات والأرض)
أي: أنزله على مقتضى علمه ببواطن الأمور.
(فضلوا)
[ناقضوا]، إذ قالوا: [اختلقها] وافتراها، وقالوا: فهي [تملى]
عليه.
(سمعوا لها تغيظاً وزفيرا)
قال زيد بن علي: تشرف عليهم النار بمقدار خمسمائة عام فتزفر
تغيظاً عليهم زفرة يسمعها كل أحد.
(2/1015)
(وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً)
سئل النبي عليه السلام فقال:
"والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار، كما يستكره في
النار، كما يستكره الوتد في الحائط".
(مقرنين) مصفدين، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال.
(وعداً مسئولاً)
وهو ما سأله المؤمنون من الجنة والمغفرة.
(2/1016)
(بورا)
هلكى.
وقيل: فاسدين، من بوار الأرض: تعطيلها من الزرع، وبارت
التجارة: كسدت، ولفظة بور، لفظ المصدر يتناول الواحد والجمع.
قال ابن الزبعري:
850 - يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور
851 - إذ أجاري الشيطان في سنن الـ ... ـغي ومن مال ميله
مثبور.
(فما يستطيعون صرفا)
(2/1017)
أي: صرف العذاب عن أنفسهم.
وقيل: إن الصرف [الحيلة] والاصطراف: [الاحتيال]. والصيرفي:
لاحتياله في الاستيفاء إذا اتزن، والتطفيف مإذا وزن. أنشد:
852 - قد يدرك المال الهدان الجافي
853 - من غير ما عقل ولا اصطراف
(إلا أنهم ليأكلون)
إلا قيل: إنهم ليأكلون.
(2/1018)
وقيل: كسر "إن" لأنه موضع الابتداء، كأنه
إلا هم يأكلون، كما يقول: ما أتيته إلا أنه مكرم لي، قال كثير:
854 - ما أعطياني ولا سألتهما ... إلا وإني لحاجزي كرمي.
(وجعلنا بعضكم لبعض فتنة)
قيل: إنه افتتان المقل بالمثري [والضوي] بالقوي.
(أتصبرون)
أي: على هذه الفتنة أم لا تصبرون فيزداد غمكم، لأن في القول
دليلاً على هذا.
(وكان ربك بصيرا)
[بالحكمة] في اختلاف المعايش.
(2/1019)
ويقال: إن بعض الصالحين تبرم برزاحة حاله،
وضنك عيشه، فخرج ضجراً إلى السوق، فرأى أسود [خصياً] في موكب
عظيم وزينة ظاهر، فوجم لبعض ما خطر في قلبه، فإذا إنسان قرأ
عليه: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون) فتنبه وازداد تبصراً
وتصبراً.
(لا يرجون لقاءنا)
لا يخافون، وإنما جاز "يرجو" في موضع "يخاف"، لأن الراجي الشيء
قلق فيما يرجوه، فمرة يشتد طمعه، فيصير كالآمن، ومرة يضعف
فيصير كالخائف. قال الهذلي:
855 - تدلى عليها بالحبال موثقاً ... شديد الوصاء نابل وابن
نابل
(2/1020)
856 - إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها ...
وخالفها في بيت نوب عوامل.
[أي]: لم يخف.
(ويقولون حجراً محجوراً)
كان الرجل في الجاهلية، يلقى رجلاً يخافه في أشهر الحرم،
فيقول: "حجراً محجوراً"، أي: حراماً محرماً عليك قتلي في هذا
الشهر، فلا ينداه بشر.
فإذا كان يوم القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب، فقالوا:
حجراً محجوراً، وظنوا أن ذلك ينفعهم، كما نفعهم في الدنيا.
(وقدمنا)
(2/1021)
عمدنا.
(من عمل)
من قرب.
(ويوم تشقق السماء بالغمام)
نزول الملائكة منها في الغمام.
(يـ[ويلتى] ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا) ف
ي أبي بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، ولكنه لو سماهما لم يعم
القول جميع الأخلاء المبطلين.
(هذا القرآن مهجورا)
أي: بإعراضهم عن التدبر.
وقيل: بقولهم فيه الهجر.
(2/1022)
(لنثبت به فؤادك)
أي: لنثبته في فؤادك.
وقيل: لنثبت به فؤادك [باتصال] الوحي.
(ورتلناه)
فصلناه.
(وأصحاب الرس)
بئر.
وقيل: معدن، وقد ذكره زهير:
857 - بكرن بكوراً [واستحرن بسحرة ... فهن ووادي] الرس كاليد
للفم.
(2/1023)
(لا يرجون نشورا)
لا يخافون بعثاً.
و (القرية التي أمطرت مطر السوء)
سدوم قرية لوط.
(مد الظل)
[أي: الليل]، لأنه ظل الأرض الممدود على قريب من نصف وجهها
الممتد في الجو إلى مدار القمر الأبعد.
وقيل: إنه من طلوع الفجر إلى شروق الشمس.
(ولو شاء لجعله ساكناً)
أي: بإبطال كلتي الحركتين في السماء، الغربية التي بها النهار
والليل، والشرقية التي بها فصول الأزمنة، لأن الشرقية متى لم
[تبطل]، مع بطلان
(2/1024)
الغربية، انقسمت مدة السنة إلى ليل ونهار،
وكل واحد منهما مدة ستة أشهر، فلم يكن الليل دائماً.
(ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً)
أي: على وقته وامتداده، لأنه لولا الشمس لما عرف الظل. (قبضاً
يسيراً)
خفياً سهلاً، لبطء حكة الظل بالقرب من نصف النهار، بخلاف ما هو
في طرفيه من السرعة والكثرة.
(وجعل النهار نشورا)
أي: انتشاراً للمعايش.
(2/1025)
والأناسي: جمع أنسي، مثل: كرسي وكراسي.
أو جمع إنسان، وكان أناسين، مثل: سرحان وسراحين، فعوضت الياء
من النون.
(مرج البحرين)
[مرج] وأمرج: خلى.
(وكان الكافر على ربه/ظهيراً)
(2/1026)
أي: على أولياء ربه معيناً يعاونهم.
أو المعنى: كان هيناً عليه لا وزن له من قولهم: ظهرت بحاجتي،
إذا لم يعنى بها.
(وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة)
خلفاً عن صاحبه، فما فاته في أحدهما قضاه في الآخر.
وقيل: إذا مضى أحدهما خلفه صاحبه. كما قال زهير:
858 - بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل
مجثم
(2/1027)
أي: الوحوش خلفت الإنس فيها.
(هوناً)
أي: بسكينة ووقار، دون مرح واختيال. قال:
859 - لئن قدمت قبلي رجالاً [فطالما] ... مشيت على هون فكنت
المقدما.
(كان غراماً)
هلاكاً. قال بشر:
860 - ويوم الجفار ويوم النسار ... [كانا عذاباً] وكانا غراما.
(2/1028)
(أثاماً)
عقوبة وجزاء. قال:
861 - وإن مقامنا [ندعو] عليكم ... بأبطح ذي المجاز له أثام.
(يضاعف له العذاب)
أي: عذاب الدنيا والآخرة.
وقيل: إنه جمع عقوبات الكبائر المختلفة المجتمعة.
(يبدل الله سيئاتهم حسنات)
(2/1029)
أي: يغير أعمالهم.
وقيل: يبدلها بالتوبة والندم على فعلها حسنات.
(لم يخروا عليها)
لم يسقطوا.
(واجعلنا للمتقين إماما)
وحد إماماً على المصدر، أم إماماً، كقام قياماً.
وقيل: إمام جمع أم، كقائم وقيام.
وقيل: بأن إماماً جمع إمام، وإن كان على لفظه، كقوله: درع
دلاص، وأدرع دلاص، وناقة هجان، ونوق هجان.
قال أبو السيد الهلالي:
(2/1030)
862 - أراح إلى أفطانه العيس بعدما ...
تشذبت الأيدي نوامك نيبها
863 - فشلت يميني يوم تحلب مربع ... غزار [هجان] لا أرتوي
بحليبها
وفقه هذه اللغة أن العرب تكسر فعيلاً على فعال كثيراً/فتكسر
فعالاً على فعال أيضاً، لأن فعيلاً وفعالاً أختان، كل واحد
منهما ثلاثي الأصل، وثالثه حرف لين، وقد اعتقبا أيضاً على
المعنى الواحد، نحو: عبيد وعباد، وكليب وكلاب، ولذلك الألف
أقرب إلى الياء منها إلى الواو.
(ما يعبؤا بكم)
ما يصنع بكم.
وقيل: ما يبالي بكم. يقال: عبأت الشيء: أعددته. قال زهير:
(2/1031)
864 - عبأت له حلمي وأكرمت غيره ... وأعرضت
عنه وهو باد مقاتله.
(لولا دعاؤكم)
رغبتكم إليه، وطاعتكم له.
وقال القتبي: معناه، ما يصنع بعذابكم لولا ما تدعونـ[ـه] من
دونه.
(فقد كذبتم)
على القول الأول: قصرتم في طاعتي.
(لزاماً)
عذاباً لازماً. قال الهذلي:
(2/1032)
865 - فإما ينجوا من حتف أرضي ... فقد لقيا
[حتوفهما] لزاما
[تمت سورة الفرقان]
(2/1033)
|