باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة عسق
(يتفطرن)
أي: تكاد القيامة [تقوم،] والعذاب يعجل لهم.
([و] يستغفرون لمن في الأرض)
أي: ليدفع عذاب الاستئصال عنهم كيلا يهلك المؤمنون مع الكافرين.
(ليس كمثله شيء)
قال المغربي: والمراد به أنه لا مثل له، ولا ما يقاربه في المماثلة. وهذا مفهوم في قول الناس، يقولون: هو كزيد، إذا أرادوا التشبيه المقارب، وإذا أرادوا أبعد منه قالوا: هو كأنه زيد، كما قال الهذلي:
1070 - فوالله لا ألقى ابن عم كأنه ... نشيبة ما دام الحمام [ينوح]

(2/1282)


أي: [لا] ألقى أخاً يشبهه، ولا شبهاً بعيداً.
وقيل: إن "مثلاً" بمعنى "مثل" كشبه وشبه.
والمثل: الوصف، كقوله: (مثل الجنة)، أي: وصفها/، فيكون معنى الآية: ليس كوصفه شيء، أي: ليس وصفه شيء.
وذكر القاضي كثير -رحمه الله- أن الكاف أبلغ في نفي التشبيه، تقديره: أنه لو قدر له [مثل] في الوهم، لم يكن لذلك المثل شبيه، فكيف يكون لمن لا مثل له شبيه وشريك.
وهذه المعاني أحسن من أن يطلق القول بزيادة الكاف، وإن جاء ذلك في الشعر، قال رؤبة:

(2/1283)


1071 - لواحق الأقراب فيها كالمقق
والمقق: الطول، أي: فيها طول.
وعلى [لفظ] القرآن في شعر الهذليين:
1072 - فلا تجزعوا إنا رجال كمثلكم ... قدعنا ونجتنا المنى والعواقب.
(يذرؤكم فيه)
أي: على هذا الخلق المشتمل عليكم وعلى أنعامكم.
(لا حجة بيننا وبينكم)

(2/1284)


لا حجاج بعد الذي أوضحناه من البينات وتصديتم لها بالعناد. (أمرت لأعدل بينكم)
أي: في التبليغ والإعلام.
(ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها)
أي: نؤتيه كما نؤتي غيره، لا أنه يجاب إلى كل ما سأله.
(ولولا كلمة الفصل)
الكلمة التي سبقت في تأخير عذابهم.
(ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا)
هذه الكلمة مع فرط إيجازها، وقلة حروفها، متضمنة لمعاني أسفار من خطب وأشعار، في حكمة تقدير الأرزاق، وتضييق المعاش.
والجاحظ كثير الإلهام بها في كتبه، وله فيها رسالة فريدة بديعة. وقد أحسن الأعرابي الإلغاز عنها فقال:

(2/1285)


1073 - وفي البقل إن لم يدفع الله شره ... شياطين ينزو [بعضهن] على بعض.
ومثله قال آخر:
1074 - أصابهم من مطلع الفجر الصبا ... والغيث حل عقود كل صلاح.
وقال آخر:
1075 - أليس من بلاء وجيب قلبي ... وإيضاعي الهموم مع النجو
1076 - فأحزن أن يكون على صديق ... وأفرح أن يكون على عدو
أي: السحاب، وهو النجو كما يفسره في الشرع إذا وقع بمكان بطر أهلها وبغوا، فأخاف من ذلك على صديق، وهو كالأصدقاء في كلام العرب.

(2/1286)


(ويعلم)
بالنصب، بإضمار "أن"، أي: وأن يعلم، والضمير للمجادلين. و (الذين) في موضع الرفع بالفاعل، وأن مع الفعل بمعنى المصدر، فعطف على مصدر الفعل الأول، وتقديره: إن نشأ يكن الهلاك وعلم المجادلين: أن لا محيص لهم.
وقيل: إن نصبه على الصرف من [الجزم] عطفاً على قوله: (ويعف عن كثير).
(وأمرهم شورى بينهم)
يأمرهم بترك الاختلاف، [والتوفر] على الائتلاف، كقولك: أمرهم [فوضى] بينهم.

(2/1287)


أي: لا يستأثر بعضهم على بعض، وأصل هذه الكلمة من [الشور] وهو العرض.
(من طرف خفي)
يسارقون النظر.
(إلا وحياً)
قيل: إنه داود عليه السلام، ألقي في روعه ونفث في قلبه فزبر الزبور.
(أو من ورائ حجاب)
موسى.
(أو يرسل رسولاً)
جبريل إلى محمد عليهم السلام.
(روحاً من أمرنا)

(2/1288)


أي: القرآن.
[تمت سورة الشورى]

(2/1289)


سورة الزخرف
(أم الكتاب)
اللوح المحفوظ.
(لعلي)
في أعلى طبقات البلاغة.
(حكيم)
ناطق بالحكمة.
(أفنضرب عنكم الذكر صفحاً)
أي: أفنعرض عنكم، ولا نوجب الحجة عليكم.
(أن كنتم قوماً مسرفين)
وأن نصب إن كان التقدير: بأن كنتم، أو لأن كنتم.
(لتستووا على ظهوره)

(3/1290)


على التذكير، لأن الأنعام كالنعم، اسم جنس.
(مقرنين)
مطيقين.
(من عباده جزءاً)
نصيباً.
وقيل: الجزء: البنات، وهو قولهم: إن الملائكة بنات الله، قال الشاعر:
1077 - إن أجزأت وهي مذكار فلا عجب ... قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا.
(براء)

(3/1291)


مصدر، لا يثنى ولا يجمع.
وبراء: على وزن فعلاء، جمع بريء.
(كلمة باقية في عقبه)
أي: التوحيد، والبراءة من الشرك.
(بل متعت)
أي: بلغ الإمتاع والإهمال مدته، فلم يبق إلا الإيمان أو العذاب. (نحن قسمنا بينهم معيشتهم)
أي: فرحمة ربك وهي النبوة أولى باختيار موضعها.
(من القريتين)
مكة والطائف.
والسقف: إما جمع سقيفة وهي كل خشب عريض، مثل لوح السفينة،

(3/1292)


وإما جمع السقف، مثل: رهن ورهن على قلته، وإما جمع الجمع، فجمع السقف على السقوف، والسقوف على السقف، مثل نجم ونجوم ونجم.
والمعارج: جمع المعراج.
والآية تضمنت أن في إغناء البعض وإحواج البعض، مصلحة العالم، وإلا لبسط على الكافر الرزق.
وتضمنت أيضاً تهوين أمر الدنيا حين يبذله الله لمن كفر به وعصاه.
(ومن يعش)
أصل العشو: السير في الظلمة، والأعشى: ضعيف البصر منه. (نقيض له)
نعوضه عن إغفاله الذكر بتمكين الشيطان منه خذلاناً له.

(3/1293)


(المشرقين)
المشرق والمغرب، كما قيل: القمران.
(ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون)
قال ابن جني: سألت أبا علي عنه؟ فقال: لما كانت الدار الآخرة تلي الدار الدنيا ولا فاصل بينهما، إنما هي هذه فهذه، فصار ما يقع في الآخرة كأنه واقع في الدنيا، فلذلك أجرى اليوم وهو للآخرة مجرى وقت الظلم، وهو قوله: (إذ ظلمتم)، ووقت الظلم كان في الدنيا، ولو لم نفعل هكذا بقي (إذ ظلمتم) غير متعلق بشيء.
ومعنى الآية: أنهم لا ينتفعون بسلوة التأسي بمن شاركهم في العذاب، لأجل ظلمهم فيما مضى، وإن كان التأسي مما يخف من الشدائد، ويقل من [عناء] المصائب، كما قالت الأخيلية:

(3/1294)


1078 - ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
1079 - وما يبكون مثل أخي ولكن ... أسلي النفس عنهم بالتأسي.
(أفلا تبصرون* أم أنا خير)
كأنه قال: أفلا تبصرون، أم أنتم بصراء، فقوله: أنا خير، بمنزلة قوله: أم أنتم بصراء، [لأنهم لو قالوا: أنت خير، كان كقولهم: نحن بصراء، ليصح معنى المعادلة في أم، والتقدير في المعادلة: على أي الحالين أنتم، على حال البصر أم على خلافه].
وعلى هذه القاعدة يجري باب الخطاب النحوي، يعني بناء السؤال والجواب أحدهما على صاحبه.

(3/1295)


(أسورة)
جمع سوار مثل عماد وأعمدة، وغراب وأغربة.
وأساورة جمع أسوار، وكانت أساوير فحذفت الياء كقولهم: [في] إستار، وإسكاف: أساترة وأساكفة.
وصرف الأساورة والملائكة، لأن لهما مثالاً في الواحد، مثل: العلانية والطواعية والكراهية.
(أو جاء معه الملائكة)

(3/1296)


قاله على قول موسى بملائكة الله، لأن من لا يعرف الله لا يعرف ملائكته.
(ءاسفونا)
أغضبونا.
(ولما ضرب ابن مريم مثلاً)
أي: لبني إسرائيل آية في القدرة على كل شيء بخلق إنسان من غير أب.
(يصدون)
يضجون، ومنه التصدية.

(3/1297)


وقيل: إن يصدون ويصدون، واحد، من باب يعكفون ويعكفون ويعرشون ويعرشون.
ولما قال هذا في عيسى، قال المشركون: آلهتنا خير منه.
وأرادوا بذلك الجدل والخصومة.
وأصل الجدل: الجدل وهو الفتل، فكل مجادل يفتل خصمه بالحق أو بالباطل.
(لجعلنا منكم ملائكة)
أي: خلقناهم على صوركم.
(وإنه لعلم للساعة)
أي: نزول عيسى، فإن نزوله من أشراطها.

(3/1298)


وقال ابن بحر: هو القرآن، فإن فيه أن الساعة كائنة وقريبة. (فاختلف الأحزاب)
اليهود والنصارى.
(من بينهم)
من تلقاء أنفسهم.
(بعضهم لبعض عدو)
أي: [المتحابون] في الدنيا على معصية الله.
(أم أبرموا أمراً)
في المعصية.
(فإنا مبرمون)
في الجزاء.
(أول العابدين)

(3/1299)


من عبد إذ [ا] أنف، فسره بعض علماء البصرة، فقال له ملحد: وما يشبه الآنف من العابد؟!
فقال: إنما أنزل القرآن على العرب وهذا كلامها.
قال خفاف بن ندبة:
1080 - وأعبد أن أسبهم بقومي ... وأترك دارماً وبني رياح
1081 - أولئك إن سببت كفاء قومي ... وأجدر أن أعاقب بالنجاح.
وقال ابن عرفة: إنما يقال: عبد يعبد فهو عبد، [قلما] يقال: عابد، والقرآن لا يأتي بالقليل الشاذ من اللغة، ولا سيما في موضع الاشتباه.
ولكن المعنى: فأنا أول العابدين على أنه واحد ليس له ولد.

(3/1300)


ويجوز أن يكون معنى العابدين: الموحدين، لأن كل من يعبده يوحده، وكل من يوحده يعبده.
(وقيله يا رب)
من فتح قيله: عطفه على قوله: (أنا لا نسمع سرهم ونجواهم)، أي: ولا نسمع قيله.
وقيل: معناه: لا يملكون الشفاعة ولا يملكون قيله.
وقيل: نصب على المصدر: إلا من شهد بالحق وقال قيله.

(3/1301)


ومن جر "قيله" كان المعنى: عنده علم الساعة وعلم قيله، أي: شهد بالحق وبقيله.
[تمت سورة الزخرف]

(3/1302)