باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة التحريم
(لم تحرم)
أصاب النبي عليه السلام من مارية في بيت حفصة وقد خرجت [لزيارة] أبيها، فلما علمت عتبت، فقال: "حرمتها علي". ويقال: إنه كان في يوم [عائشة]، وكانت وحفصة [متصافيتين]، فأخبرت عائشة -وكان قال: لا تخبري عائشة، فقد حرمتها علي- فطلق حفصة، واعتزل سائر نسائه شهراً، فنزلت هذه الآية، فراجع حفصة، واستحل مارية، وعاد إلى نسائه.

(3/1515)


(عرف بعضه وأعرض عن بعض)

(3/1516)


أعلمها بعض الأمر أنه وقف عليه، وأعرض عن بعض حياءً وإبقاءً.
وعرف بالتخفيف، معناه عند الفرداء: جازة عليه، وغضب منه، كقولك لمن تهدده: عرفت ما عملت، ولأعرفنك ما عملت، أي: لأجازينك عليه.
(قوا أنفسكم)
يقال ق، وقيا، وقوا، وقي للمرأة، وقيا، وقين، فإن جئت بالنون الثقيلة للتوكيد، قلت: قين يا رجل وقيان وقن، وقن يا امرأة، وقيان وقينان يا نسوة.
(توبة نصوحاً)
كل فعول إذا كان بمعنى الفاعل استوى فيه المذكر والمؤنث، فمعنى (توبة نصوحاً): توبة ناصحة صادقة، وهي التي لا يهم معها الفتى بمعاودة المعصية.

(3/1517)


وقيل: هي التي يناصح المرء فيها نفسه، فيعلم بعدها ما لها وما عليها.
(جاهد الكفار)
أي: بالقتل.
(والمنافقين)
بالقول الغليظ، والوعظ البليغ.
وقيل: بإقامة الحدود، فكانوا أكثر الناس مواقعةً [للكبائر]. [تمت سورة التحريم]

(3/1518)


سورة الملك
(سموات طباقاً)
يجوز جمع طبق كجمال وجمل، فيكون المعنى: بعضها فوق بعض. ويجوز اسماً من التطابق على وزن فعال، فيكون المعنى: متشابهاً من قولهم: هذا مطابق لذلك.
(من تفاوت)
وتفوت لغتان، مثل: تعهد وتعاهد، وتجوز وتجاوز.
وقيل: التفوت مخالفة الجملة ما سواها، والتفاوت: مخالفة بعض الجملة بعضاً، كأنه الشيء المختلف لا على نظام.

(3/1519)


ومن لطائف أبي سعد الغانمي: إن الفوت: هو الفرجة بين الإصبعين، والفوت والتفوت واحد، فكأن معنى (من تفوت) معنى (هل ترى من فطور).
والفطور: الصدوع. قال:
1283 - [شققت] القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليط فالتأم الفطور
1284 - تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور.

(3/1520)


(ثم ارجع البصر كرتين)
أي: ارجع البصر، وكرر النظر أبداً، وقد أمرناك بذاك كرتين إيجاباً للحجة عليك.
(خاسئاً)
صاغراً ذليلاً.
(وهو حسير)
معيى كليل، قال:
1285 - تطاولت كيما أبصر الروح خاسئاً ... فعاد إلي الطرف وهو حسير
1286 - وددت من الشوق المبرح أنني ... أعار جناحي طائر فأطير.
(شهيقاً)
زفرة من زفرات جهنم.

(3/1521)


(تفور)
تغلي.
تنقطع وتتفرق.
(يخشون ربهم بالغيب)
أي: بالخلوة، إذا ذكروا في الخلوة ذنبهم استغفروا ربهم.
(جعل لكم الأرض ذلولاً)
أي: سهلة، ذات أنهار وأشجار، ومساكن مطمئنة.
(في مناكبها)
أطرافها وأطرارها.
(ءأمنتم من في السماء)
أي: من الملائكة.
أو من في السماء عرشه أو سلطانه.

(3/1522)


أو يكون "في" بمعنى "فوق"، كقوله: (فسيحوا في الأرض)، فيكون المراد: العلو والظهور.
أو من هو المعبود في السماء، وخص السماء للعادة برفع الأدعية إليها، ونزول الأقضية منها.
(صافات)
أي: صافات أجنحتها في الطيران، ويقبضنها عند الهبوط.
وقيل: يقبضن: يسرعن، من القبيض، وهو شدة العدو.
قال تأبط شراً:
1287 - لا شيء أسرع مني ليس ذا عذر ... [أو ذا] جناح بجنب [الريد] خفاق
1288 - حتى نجوت ولما ينزعوا سلبي ... بواله من قبيض الشد غيداق.

(3/1523)


(ما يمسكهن إلا الرحمن)
أي: لو غير الهواء، والأجنحة، عن الهيئة التي [تصلح] لطيرانهن لسقطن.
وكذلك العالم كله، فلو أمسك قبضه عنها طرفة عين لتهافتت الأفلاك، وتداعت الجبال.
(لجوا)
تقحموا في المعاصي.
واللجاج: تقحم الأمر مع [كثرة] الصوارف عنه.
والعتو: الخروج إلى فاحش الفساد.
(مكباً على وجهه)

(3/1524)


ساقطاً.
يقال: كبتـ[ـه] على وجهه فأكب، بخلاف القياس.
ومثله:
نزفت ماء البئر، وأنزفت البئر [نضب] ماؤها، ومريت الناقة، وأمرت إذا در لبنها.
(زلفة)
قريباً.
(سيئت)
قبحت، أي: ظهر السوء في وجوههم.
(تدعون)

(3/1525)


تتداعون بوقوعه، بمعنى الدعوى التي هي الدعاء.
وجاء في التفسير تكذبون.
وتأويله في اللغة: تدعون الباطيل والأكاذيب، كما قال:
1289 - فما برحت خيل تثوب وتدعي ... ويلحق منها أولون وآخر
1290 - لدن غدوة حتى أتى الليل وانجلت ... عماية يوم شره متظاهر.
(ماؤكم غوراً)
غائراً ذاهباً، فوصف الفاعل بالمصدر، كقولهم: رجل عدل، أي: عادل.
والمعين: سبق ذكره.
[تمت سورة الملك]

(3/1526)


سورة ن
(غير ممنون)
غير مقطوع، مننت الحبل: قطعته. (بأييكم المفتون)
مصدر مثل الفتون، كما يقال: ما به معقول أي عقل، قال الراعي:
1291 - حتى [إذا] لم يتركوا لعظامه ... لحماً ولا لفؤاده معقولاً.
(مهين)
وضيع بإكثاره من الفساد.
(عتل)
قوي في كفره، فاحش في فعله، والوقف على (عتل) ثم (بعد ذلك زنيم)، أي: مع ذلك كله زنيم، معروف بالشر، كما يعرف التيس [بزنمته].

(3/1527)


قال الضحاك: كان للوليد بن المغيرة أسفل من أذنه زنمة كزنمة الشاة.
وقال محمد بن إسحاق: نزلت في الأخنس بن شريق.

(3/1528)


. ... ...
1292 - زنيم تداعاه الرجال زيادة ... كما زيد في عرض الأديم الأكارع.
وقال آخر:
1293 - وأنت زنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد.
(ءأن كان ذا مال وبنين)
فيه حذف وإضمار.
الإضمار في أوله: أي: ألأن كان ذا مال.

(3/1529)


والحذف في آخره: أي: ألأ [ن] كان ذا مال يطيعه أو يطاع. (سنسمه على الخرطوم)
سنقبح ذكره، ونصفه [بخزي] يبقى عليه عاراً.
كما قال جرير:
1294 - لما وضعت على الفرزدق ميسمي ... [وضغا] البعيث جدعت أنف الأخطل
وقال في قصيدة أخرى:
1295 - نبئت تغلب بعدما جدعتهم ... يتعذرون وما لهم من [عاذر]

(3/1530)


وقيل: إن ذلك في الآخرة، يوسم على أنفه بسمة [يعرف بها]. وقيل: إن الخرطوم الخمر، أي: سنحده على شرب الخمر، قال الفرزدق:
1296 - أبا حاضر ما بال برديك أصبحا ... على ابنت فروخ رداء ومئزرا
1297 - أبا حاضر من يزن يظهر زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا.
واستشهد من قال: إن الخرطوم الأنف، بقول الراعي:
1298 - إذا سدرت مدامعهن يوماً ... [رأت] إجلاً تعرض أو صوارا

(3/1531)


1299 - بغائرة نضا الخرطوم عنها ... [وسدت] من خشاش الرأس غارا.
(فطاف عليها طائف)
قال ابن جريج: خرجت عنق من النار من واديهم.
(كالصريم)
كالرماد الأسود.
وقيل: كالليل المظلم.
وقيل: كالنهار المشرق، أي: بيضاء لا شيء فيها.

(3/1532)


فالصريم من الضداد، ومعناهما في هذا الموضع صحيح قريب، لأن المكان الخراب الوحش كما يشبه بالليل المظلم، يشبه [القفر الجادب] بالنهار.
قال أوس:
1300 - على دبر الشهر الحرام بأرضنا ... وما حولها جدب سنون تلمع.
(يتخافتون)
يسار بعضهم بعضاً، لئلا يسمع المساكين.
(وغدوا على حرد)
غيظ وغضب، كما قال الفرزدق:
1301 - وقالت أراه واحداً لا أخاله ... يؤمله في الأقربين الأباعد
1302 - لعلك يوماً أن تريني كأنما ... بني حوالي الأسود الحوارد.

(3/1533)


وقيل: على منع، كما قال عدي بن زيد:
1303 - ولنا خابية موضونة ... جونة يتبعها برزينها
1304 - فإذا ما بكأت أو حاردت ... فك عن جانب أخرى طينها.

(3/1534)


(إنا لضالون)
أي: ضللنا الطريق.
(أيهم بذلك زعيم)
كفيل. قال المخزومي:
1305 - قلت كفي لك رهن بالرضا ... وازعمي يا هند قالت قد وجب.
أي: [اكفلي].
(يوم يكشف عن ساق)
عن غطاء. قال رؤبة:
1306 - عجبت من نفسي ومن إشفاقها
1307 - ومن طرادي الطير عن أرزاقها
1308 - في سنة قد كشفت عن ساقها
1309 - والموت في عنقي وفي أعناقها

(3/1535)


وقيل: عن شدة وعناء، كما قال تأبط شراً:
1310 - ... نفسي فداؤك من سار على ساق.
وقال آخر:
1311 - كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح

(3/1536)


المكظوم: المحبوس على الحزن فلا ينطق، ولا يشكو، من كظم القربة. وقد مر ذكره.
(ليزلقونك بأبصارهم)
أي: يعينونك، ويصيبونك بها.
أي: يفعلون بك فعلاً تزلق منه قدمك، كما قيل:
1312 - يتقارضون إذا التقوا في منزل ... نظراً يزيل مواقع الأقدام
[تمت سورة القلم]

(3/1537)