تفسير ابن فورك

سورة النور
مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه -: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَة َ جَلْدَة ٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَة ِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَة َ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) } .
[الآيات من 1 إلى 11]
فقال ما السورة؟ ، وهل بين الواجب والفرض فرق؟
وما الآيات؟ ، وما معنى: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ؟ ، وما معنى:
{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} .؟ ، وما الطائفة؟
وكم هي من العدة؟ ، وما معنى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} ؟ ،
ومن أي شيء وقع الاستثناء في {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ؟
وبم انتصب {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} ؟ ، وما حكم في {} ؟
وما حكم المتلاعنين؟ ، وما العذاب الذي تدرؤ عنها شهادتها؟ .
الجواب:
السورة: المنزلة الجامعة بجملة آيات، بفاتحة لها، وخاتمة،
ومنها ما يطول ومنها ما يقصر؛ لما تقتضيه من ترتيبها بحسب
المعاني، إذ منها ما يطول، ومنها ما يقصر.
وأصلها من سورة البناء.
وهي ساق من أسواقه

(1/113)


والفرق بين الفرض والواجب: أن الفرض واجب بجعل
جاعل؛ لأنه فرضه على صاحبه؛ كما أنه أوجبه عليه.
وقد يكون الواجب واجباً من غير جعل جاعل؛ كوجوب كون العالم عالماً بالعلم.
، والفاعل فاعلاً بالفعل.
الآيات: الدلالات على ما يحتاج إلى علمه، مما قد بينه الله في
هذه السورة، ونبه على ذلك من شأنها؛ لينظر فيه طالب العلم ويفوز.
ببغيته منه.
ومعنى {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} .
: لتذكروا الدلائل التي فيها فتكون حاضرة لكم.
لتعلموا بها وتتدبروا متضمنها

(1/114)


ومعنى {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}
، أي لا تمتنعوا عن إقامة الحد.
عن مجاهد وعطاء.
وقيل لا تمتنعوا من الجلد الشديد، بل أوجعوهما ضرباً شديداً عن
الحسن وسعيد ابن المسيب.
والرأفة: والرآفة نحو الكآبة والكأْبة لغتان.
والطائفة: قيل رجل واحد فما فوقه عن مجاهد وإبراهيم.

(1/115)


وقيل الطائفة رجلان فصاعداً. عن عكرمة.

وقيل ثلاثة فصاعداً عن قتادة، والزهري.
وقيل أقله أربعة عن ابن زيد.
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}
[الآية 3] قيل إنها نزلت على سبب

(1/116)


وهو أنه استأذن رجل من المسلمين النبي - أن يتزوج امرأة من
أصحاب الرايات كانت تسافح وأنزل الله الآية وحرم الله نكاحهن على
المؤمنين فلا يتزوج بهن إلا زان أو مشرك
وعن مجاهد وقتادة أن المرأة التي استؤذن فيها أم مهزول..
وقيل النكاح هاهنا الجماع.
والمعنى الاشتراك في فعل الزنا
عن ابن عباس، وسعيد بن جبير.
وقال هي زانية مثله.

(1/117)


وقيل كان هذا الحكم في كل زانية وزان إلى أن نسخ بقوله {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}
[الآية: 32] عن سعيد بن المسيب
قال سعيد بن جبير في قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَة ِ شُهَدَاءَ} .
[الآية 4] نزلت
في عائشة - رضي الله عنها - وقال الضحاك وهو في نساء.
المؤمنين
: (والاستثناء في {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}
فيه خلاف على وجوه.
الأول: [أن الاستثناء يرجع إلى الأمرين] .
فإذا تاب قبلت شهادته حد أو لم يحد

(1/118)


عن سعيد بن المسيب أن عمر قال لأبي بكرة إن تبت قبلت
شهادتك فأبى أبو بكرة أن يكذب نفسه
والثاني: في الاستثناء من الفاسقين دون {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}
فلا تجوز شهادة القاذف أبداً عن شريح، وسعيد بن المسيب
والحسن، وإبراهيم.
وقيل الإجماع بأنه إذا لم يحد فماتت المقذوفة لم يكن هناك مطالب.
ثم تاب أنه يجوز قبول شهادته على تقدير {وأولئك هم الفاسقون} .
في قذفهم

(1/119)


مع امتناع قبول شهادتهم إلا التائبين منهم
والحد حق المقذوف لا يزول بالتوبة.
وقيل توبته معلقة بإكذابه نفسه.
وقيل لا يحتاج إلى ذلك عن مالك بن أنس وتقديره لافتتاح هذه السورة إلا أنه حذف على تقدير التوقع لما ينزل من القرآن.
وقيل {وأنزلنا}
بأن أمرنا جبريل بأن ينزل بها

(1/120)


وذهب سيبويه إلى أن التأويل فيما فرض عليكم {الزانية والزاني}
لأنه لولا ذلك لنصب بالأمر
وقال الحسن: يجلد الزاني وعليه ثيابه.
ويترك مقدار ما تصل النعال منه.
ويجلد الرجل قائماً.
وتجلد المرأة قاعدة
قرأ (فَرَّضْنَاهَا) بالتشديد ابن كثير وأبو عمرو..
وقرأ الباقون بالتخفيف.
وقرأ (رَأَفُةُ) بفتح الهمزة ابن كثير وقرأ الباقون بالتخفيف

(1/121)


انتصب أربع شهادات في {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}
[الآية: 6]
على تقدير المصدر ورفع الشهادة على هذا من وجهين:
أحدهما: فعليه شهادة أحدهم كأن قيل فعليه شهادته أو يقدر
فشهادة أحدهم عليه.
والآخر أن يكون الخبر {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ}
ومن رفع أربع شهادات جعله خبر شهادة.
وقيل شهادته أربع مرات تقوم مقام أربعة شهود في دفع الحد عنه
والعذاب الذي تدرؤ عنها شهادتها: قيل هو الحد) لأنها بمنزلة
من شهد عليه أربعة بالزنا وقيل الحبس؛ لأنه لم تتم البينة بأربعة
شهود وإنما التعان الرجل درأ عنه الحد في رميه.

(1/122)


وجواب لولا محذوف بتقدير {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}
لعاجلكم بالعقوبة بما تركبون من الفاحشة
وحكم المتلاعنين أن يفرق بينهما كما فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. بين هلال ابن أمية؟ وزوجته.
وقضى أن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها.
وقال ابن عباس إن لم تحلف رجمت
وبأي شيء تقع فرقة المتلاعنين؟
خلاف:
فمنهم من قال تقع بتفريق الحاكم بينهما عند أهل العراق ومنهم.
من قال بتمام اللعان من غير حكم.
وقال الحسن: إذا حدث وقد صدقته وكانت بكراً لم يدخل بها
فليس لها من الصداق شيء.
وإن كانت محصنة أحصنها غيره ولم
يكن دخل بها أقيم عليها حد الرجم وله منها الميراث ولها الصداق
كاملاً

(1/123)


قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (أرْبَعُ شَهَادَاتٍ) بالرفع..
وقرأ الباقون بالنصب
وقرأ نافع وحده (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ) (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا) .
بتخفيف النون فيهما، ورفع اسم الله - عز وجل - وكسر الضاد.
وقرأ الباقون.
(أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ) . و (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) .
بتشديد النون والنصب
وقرأ حفص عن عاصم.
(وَالْخَامِسَة َ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا)
ولم يختلفوا في رفع الأولى

(1/124)


مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَة ِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) }
[الآيات من 11 إلى 21]
فقال ما الإفك؟ ومن المخاطب بـ (لاَ تَحْسَبُوهُ شَراً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ
لَكُمْ) .؟
وما العصبة الذين جاءوا بالإفك؟ ومن تولى كبره؟ وما كان
سبب الإفك؟ وما معنى: ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفس هم خيراً؟
وما معنى: (تلقونه بألسنتكم) ؟ وما البهتان؟ وما العظيم؟
وأين جواب لولا؟
الجواب:
الإفك: الكذب الذي قلب فيه الأمر عن وجهه، وأصله
الانقلاب.
ومنه المؤتفكات.
وأفك يأفك إفكاً إذا كذب؛ لأنه قلب المعنى عن حقه إلى باطله.
وهو آفك مثل كاذب.
والمخاطب بـ {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} .
التي قذفت بالإفك، وهي عائشة أم المؤمنين - رضوان الله عليها - والذي اغتم لها.
فأنزل الله براءتها وإكذاب من قذفها.
فقيل لا تحسبوا غم الإفك {شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} .
؛ لأن الله - عز وجل - يبرئ صاحبه بثوابها، وينفعها بصبرها واحتسابها، وما نيل منها من الإذاء والمكروه؛ الذي نزل بها، ولزم أصحاب الإفك ما استحقوه بالإثم الذي ارتكبوه في أمرها
والعصبة الذين خاضوا في الإفك جماعة منهم عبد الله بن أبي
سلول، وهو الذي تولى كبره وهو من رؤساء المنافقين.

(1/125)


ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش) عن.
ابن عباس، وعائشة.
وسبب الإفك أن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - كانت مع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق
وقد كانت تباعدت لقضاء الحاجة فرجعت تطلبه وحمل هودجها على بعيرها على توهم أنها فيه فلما صارت إلى الموضع وجدته [وهم] قد رحلوا عنه وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني من وراء الجيش فمر بها فلما عرفها أناخ بعيره حتى ركبته، وهو يسوق حتى أتى الجيش بعدما نزلوا في قائم الظهيرة.
فيما رواه الزهري عن عائشة.
وقيل (كبره) مصدر في معنى الكبير من الأمر
و {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا}
[الآية: 12] .
أي ظنوا بالمؤمنين الذين هم كأنفس هم خيراً؛ لأن المؤمنين كلهم كالنفس الواحدة فيما يجري

(1/126)


عليها من الأمور..
فإذا جرى على أحدهم محنة، فكأنه قد جرى على جميعهم.
قال مجاهد: ألا ترى إلى قوله {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} .
وقيل. {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}
يرويه بعضكم عن بعض ليشيعه. عن مجاهد
وروي عن عائشة. (تَلِقُونَه) .
من ولق الكذب، وهو الاستمرار
على الكذب منه ولق فلان في السير إذا استمر به
وقوله {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}
أي هم كاذبون في غيبهم فمن جوز صدق هؤلاء فهو راد لخبر الله كافر بالله

(1/127)


وقيل الكبر بضم الكاف من كبر السن.
يقال هو كبر قومه أي معظمهم.
والكبر والعظم واحد
وقيل دخل حسان على عائشة فأنشدها قوله:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنٌ بِرِيِبَة ٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِن لُحُومِ الْغَوافِلِ.
فقالت له لكنك لست كذلك.
والبهتان: الكذب الذي فيه مكابرة تحير بهته يبهته بهتاً إذا
حيره بالكذب عليه.
والعظيم: الذي يصغر مقداره عنه فيوصف به الخير والشر
لاختلاف مراتب الجزاء على ذلك.
وجواب لولا محذوف وتقديره لعجل لكم الذي تستحقونه بحبكم

(1/128)


إشاعة الفاحشة لأن ما تقدم من الكلام يقتضي هذا المعنى ويدل عليه.
ولولا ذلك ما جاز حذفه

(1/129)


مسألة:
وإن سأل عن قوله - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَة ِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) } .
[الآيات من 21 إلى 26]
فقال ما الاتباع؟ وما المنكر؟ وهل في الآية دلالة على أن
الإيمان نعمة من الله؟ وما الإئتلاء؟ وفيمن نزلت (وَلاَ يَأتلِ أُولو) ؟
وكيف شهادة الأيدي والأرجل بأعمال الفجار؟ وما معنى: الخبيثات
للخبيثين؟ وما الخبث؟ وما المبرأ؟
الجواب:
الاتباع: الذهاب فيما كان من الجهات التي يدعوا الداعي إليها بذهابه فيها.
فمن وافق الشيطان فيما يدعوا إليه من الضلال فقد اتبعه.
لأنه ذهب فيما دعاه إليه بذهابه فيه والاتباع، والاقتداء نظائر.
المنكر: ما حرم الله فعله.
والمعروف ما رغب في فعله وفي قوله {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}
ما يدل على أن طاعتهم كلهم مخلوقة له لأنه متفضل بها عليهم
منعم بها عليهم وأنه لو قد لطف لغيرهم لآمنوا كما آمنوا على خلاف
قول المعتزلة أنه ما أنعم بالإيمان عليهم ولا خلقه إيماناً لهم وأنه قد
ألطف لجميع المؤمنين والمكلفين عموماً، وإن لم يؤمنوا فزعموا أن
لطفه غير منجح.

(1/130)


والإئتلاء: القسم آلي يؤلي إيلاء إذا حلف على أمر من الأمور
ويأتلي يفتعل من آليت كما أن يقتضي من قضيت والمعنى أن لا
يؤتوا.
وقيل نزلت في أبي بكر الصديق - رضوان الله عليه -
ومسطح ابن أثاثة وكان يجري عليه ويقوم بنفقته فقطعها لما خاض
في الإفك وحلف أن لا ينفعه أبداً لما كان منه من الدخول م أصحاب الإفك في أمر عائشة - رضي الله عنها -.
فلما أنزل الله فيه الآية رجع له، وقال بلى والله إني أحب أن يغفر.
الله لي والله لا أنزعها أبداً عنه.
وكان مسطح ابن خالة أبي بكر الصديق وكان مسكيناً ومهاجراً من
مكة إلى المدينة، ومن البدريين عن عائشة) ، وابن عباس، وابن.
الزبير وقال الحسن: أنزلت في يتيم كان في حجر أبي بكر الصديق -
رضي الله عنه - حلف ألا ينفق عليه.
وكذلك قال مجاهد..
وقيل {إِنَّ الذين يَرْمُونَ} عن الفواحش.
وشهادة الأيدي، والأرجل بأعمال الفجار فيه ثلاثة أقوال:
الأول: يخلق فيها كلاماً ونطقاً فتنطق بذلك

(1/131)


الثاني: يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة وكذلك إذا
جحدوا معاصيهم.
وقيل يبنيها الله ببنية تمكنهم من النطق بها.
وأما شهادة الألسنة فيجوز أن يكونوا شهداء يشهدون بألسنتهم إذا
رأوا أنه لا ينفعهم الجحد، ويجوز أن يكون الختم على الأفواه إنما هو.
في حال شهادة الأيدي، والأرجل.
وقيل: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}
تخطيه الحلال إلى الحرام.
والفحشاء: كل قبيح عظيم من المعاصي.
{دِينَهُمُ الْحَقَّ}
أي جزاءهم والخبث: الفاسد الذي يتزايد في الفساد تزايد النامي في النبات

(1/132)


والحرام كله خبيث، والحلال كله طيب.
والمبرأ: المنفي عنه صفة العيب، وهو المنزه عن صفة الذم.
والله - عز وجل - يبرئ المؤمنين من العيوب التي يضيفها إليهم
أعداؤهم، ويفضح من يكذب عليهم.
والرزق الكريم: الرزق الذي يعطى على الإدرار من الخيرات.
مهنئاً من غير تنغص الإنسان
وهو رزق رب العالمين الذي يعم الجميع، ويخص من شاء
بالزيادة في الإفضال.
وقيل في الخبيثات للخبيثين ثلاثة أوجه:
الأول: الخبيثات من الكلام من الخبيثين من الرجال عن ابن عباس

(1/133)


عباس ومجاهد والحسن.
والثاني: الخبيثات من السيئات للخبيثين من الرجال
والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال عن
ابن زيد.
كأنه ذهب إلى اجتماعهما للمشاكلة بينهما.

(1/134)


وقيل الخبيثات من النساء الزواني للخبيثين من الزناة على التعبد.
الأول ثم نسخ
وقال قتادة: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} في الجنة.
وقال الفراء: هو يرجع إلى عائشة أم المؤمنين - رضي الله
عنها - وصفوان بن المعطل.
كما جاء {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}
[النساء: 11] فالأم تحجب بالأخوين فجاء ذلك على تغليب لفظ الجمع الذي يجري مجرى الواحد في الإعراب

(1/135)


مسألة:
وإن سأل عن قوله - سبحانه - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَة ٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) }
[الآيات من 27 إلى 30]
فقال ما معنى حتى تستأنسوا؟ وكم وجهاً قيل في بيوت غير
مسكونة؟ وما العورة؟ وما الاستئذان؟
الجواب: معنى: حتى تستأذنوا. عن ابن عباس وابن مسعود.
وقيل: بالتنحنح والكلام الذي يقوم مقام الاستئذان عن
مجاهد
وفي (في بيوت غير مسكونة)
أربعة أقوال:.
أحدها الخانات عن قتادة.
والثاني الخربة للغائط والبول عن عطاء

(1/136)


وقيل بيوت الرجال التي فيها أمتعة الناس عن ابن زيد
وقيل جميع ذلك على العموم؛ لأن الاستئذان إنما جاء لئلا يهجم
على ما لا يحب من العورة
وقال في الخانات استمتاع لكم من جهة نزولها ومن جهة الأثاث التي لكم فيها.
والعورة من المرأة ما عدا الوجه والكفين والقدمين
أمروا بغض الطرف عن عورات النساء، وجعلت (مِن)
لابتداء الغاية.
ويجوز أن تكون للتبعيض، والمعنى بأن يطرق وأن لا
يغمض فيكون غضاً من الإبصار.

(1/137)


وقيل العورة من الرجال من السرة إلى الركبة
الاستئذان: قال الحسن: روى أبو موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
"أن الاستئذان ثلاث فإن أذنوا وإلا فارجع"
فدعاه عمر فقال لتأتيني بالبينة أو لأعاقبنك فانطلق أبو موسى
فأتاه بمن سمع منه..
الاستئناس: طلب الأنس بالعلم أو غيره.
كقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحداً.

(1/138)


مسألة:
وإن سأل عن قوله سبحانه {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَة ِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاة ِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة ٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة ٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَة ٍ مُبَارَكَة ٍ زَيْتُونَة ٍ لَا شَرْقِيَّة ٍ وَلَا غَرْبِيَّة ٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاة ِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاة ِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَة ٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) }
[الآيات من 31 إلى 41]
فقال ما معنى {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} ؟
وما وجه الدليل من ذلك على صحة القياس؟ ، وما الزينة المنهي عن
إبدائها لغير محرم، ومن هو في حكمه؟ ،
وما معنى: {التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَة ِ مِنَ الرِّجَالِ} ؟ وما الإربة؟ ،
وما الأمر في {فَكَاتِبُوهُمْ} .
أعلى الفرض أم على الفضل؟ ، وما المال الذي أمر السيد أن
يعطي المكاتب؟ ،
وما معنى: الله نور السماوات والأرض؟ ،
وما الضمير في {مَثَلُ نُورِهِ} ؟ ، وإلى ماذا يرجع؟ وما المشكاة؟ ، وكم وجهاً قيل في {لا شرقية، ولا غربية} ؟ وبأي شيء يتصل {في بيوت أذن الله}
من عامل الإعراب؟ ، وما معنى: {أن ترفع {هاهنا؟ ،
وما معنى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} ؟ ،
وكيف جاز، {وَإِقَامِ الصَّلَاة ِ} ؟ ولم يجز أقمته إماماً؟ ،
وما الصواف؟ ، وما القاع؟ ، ولم قيل {لم يكد يراها} ؟ ،
وما الظمآن؟ .
الجواب:
الزينة المنهي عن إبدائها لغير محرم ومن هو في حكمه قيل هما
زينتان فالظاهرة الثياب، والخفية الخلخالان، والقرطان، والسواران.
عن ابن مسعود.
وقال إبراهيم الظاهر الذي أبيح الثياب.
وقيل الذي أبيح الكحل، والخاتم، والخدان، وخضاب الكف عن

(1/139)


ابن عباس.
وقال قتادة: الكحل والسوار والخاتم.
وعن عطاء الكفان والوجه
وقال الحسن الوجه والثياب، وقيل كل ما ليس بعورة لجواز
إظهاره في الصلاة.
والخمار غطاء رأس المرأة المسبل على جَيْبِها، وجمعه خمر
وقيل الزينة التي تبديها لهؤلاء المذكورين قرطاها، وقلادتها،
وسوارها وخلخالها، ومعضداها، ونحرها عن ابن عباس، وقال

(1/140)


فأما شعرها فلا تبديه إلا لزوجها.
{أَوْ نِسَائِهِنَّ}
أو نساء المؤمنين دون المشركين إلا أن تكون أمة.
وهو معنى قوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}
أي من الإماء عن ابن جريج
ومعنى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَة ِ}
الذين يتبعونك ليصيبوا من طعامك ولا حاجة لهم في النساء عن ابن عباس وقتادة.
وعن مجاهد قال: الأبله.
والإربة: الحاجة.
وهي فعلة من الأرب يقال: آربت لكذا أأرب أرباً إذا احتجت إليه
والأيامى من لا زوج له: يقال للمرأة أيم إذا كانت بلا زوج..
وجمعه أيائِم وأيامى.
ويقال امرأة أيم وأيمة.
ومعنى {وَأَنْكِحُوا} زوجوا

(1/141)


يقال نكح هو إذا تزوج وأنكح غيره زوجه
وقوله {فَكَاتِبُوهُمْ}
فيه خلاف قيل على الفرض إذا طلب العبد المكاتبة، وعلم فيه خيراً عن عطاء.
وقيل هو ندب ليس بفرض.
والخير الذي يعلم فيهم القوة على الاحتراف وكسب ما يؤدون منه
ما كتبوا.
وقيل: {خيراً} مالاً. عن ابن عباس
وقيل {خيراً} صدقاً ووفاء، وأداء أمانة عن الحسن، والمال الذي
أمر السيد أن يعطي المكاتب منه قيل ربع الكتابة يحطها عنه عن أبي
عبد الرحمن السلمي عن علي - رضي الله عنه.

(1/142)


وقيل المستحب أن يعطيه الربع، أو أقل، وليس بواجب.
وقال آخرون إنما المعنى آتوهم سهمهم من الصدقة التي ذكرها -.
عز وجل - في: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177]
عن ابن زيد.
وقيل حث على معونته بالجميع عن الحسن وإبراهيم
وقيل {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} لهن {غَفُورٌ رَحِيمٌ}
والوزر على المكره.
وقيل نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول لما أكره أمته.
على الزنا عن جابر بن عبد الله
ومعنى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
فيه قولان الأول: هادي أهل السماوات
والأرض عن ابن عباس وأنس.
والثاني: منور السماوات.

(1/143)


والأرض بنجومها وشمسها وقمرها عن أبي العالية والحسن
والهاء في قوله {مَثَلُ نُورِهِ} .
تعود على المؤمن أي على المؤمن.
(مثل النور الذي في قلبه بهداية الله - عز وجل.
وقيل هي عائدة على اسم الله- والمعنى مثل نور الله الذي هدى به المؤمنين - عن ابن عباس بخلاف فيه..
المشكاة: الكوة التي لا منفذ لها عن ابن عباس وابن جريج
وقيله ومثل ضرب لقلب المؤمن فالمشكاة صدره والمصباح
القرآن والزجاجة قلبه عن أبي بن كعب.

(1/144)


وقال: هو بين أربع خلال إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر.
وإن حكم عدلَ وإن قال صدق قال فهو ينقلب في خمسة أنوار فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره في النور يوم القيامة إلى الجنة.
وقيل المشكاة عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وهو نظير الكوة
وقيل {لَا شَرْقِيَّة ٍ} لشروق الشمس عليها فقط
{وَلَا غَرْبِيَّة ٍ} لغروبها فقط بل شرقية غربية بأخذها حظها من
الأمرين عن ابن عباس.
وقيل هي ضاحية للشمس عن قتادة.
وقيل ليست من شجر الدنيا عن الحسن
وقيل: {نُورٌ عَلَى نُورٍ}
أي نور الهدى إلى توحيده على نور الهدى
بالقرآن الذي أتى به عن زيد بن أسلم والأمر بتزويج الأيامى إذا

(1/145)


أردن ذلك أمر فرض والأمر بتزويج الأيامى العبيد أمر ترغيب
والأمر بالمكاتبة أمر ترغيب، وكذلك الأمر بإعطائه من المال.
والمكاتبة أن يقول الرجل لعبده أو لأمته قد كاتبتك على أن
تعطيني كذا وكذا ديناراً أو درهماً في نجوم معلومة على أنك إذا أديت ذلك
فأنت حر فيرضى العبد بذلك، ويكاتبه عليه ويشهد بذلك على نفسه فإن أدى المكاتبة بالنجوم التي قيماها كان حراً، وإن عجز عن أداء ذلك كان لمولاه أن يرده إلى الرق.
وقيل إن أردت تحصناً على صيغة الشرط وليس بشرط له
فحش الإكراه على ذلك.
وقيل إنه نزل على سبب فوقع النهي على المعنى على تلك

(1/146)


الصفة.
ومعنى {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ}
أي لهن {غَفُورٌ رَحِيمٌ} إن وقع منها صغير في ذلك.
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (غَيَّرَ أُوِلي الإِرَبة) نصباً..
وقرأ الباقون بخفضها.
وقرأ (دُرَّيٌ) بضم الدال من غير همز ابن كثير ونافع وابن
عامر، وحفص عن عاصم.
وقرأ (دِرِّيء) بكسر الدال والهمز أبو عمرو والكسائي.
وقرأ (دُرِّيء) بضم ال دال مهموز حمزة، وعاصم في رواية أبي
بكر وقرأ (تَوَقدَ) بفتح التاء والدال ابن كثير وأبو عمرو
وقرأ (يُوقدُ) مخفف مرفوع مضموم اليَاء نافع وابن عامر وحفص عن عاصم

(1/147)


والكسائي
وقرأ (تُوَقُد) بضم التاء والدال مخففة حمزة وعاصم في رواية أبي بكر
ومن قرأ (دُرِّيٌ) فهو من درأت أي دفعت.
والكوكب دري لسرعة دفعه في الانقضاض والجمع الدراري.
ومن قرأ (درِّيٌ) فهو منسوب إلى الدر في صفائه وحسنه.
ومن ضم وهمز فهو غير معروف عند أهل العربية وليس في الكلام فُعِّيل

(1/148)


ومن تأول {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
على معنى منورها بالشمس والقمر والنجوم، فينبغي أن يوجه ضرب المثل بالمشكاة على أن ذلك مثل ما.
هو في مقدوره ثم تنشر الأنوار الكثيرة عنه.
قوله {فِي بُيُوتٍ}
تقديره الأول: المصابيح.
والثاني: توقد في بيوت.
وهذه البيوت هي المساجد عن ابن عباس والحسن
ومعنى أن ترفع هنا قولان:
الأول أن تبنى عن مجاهد معناه أن ترفع بالبناء كما قال - عز
وجل - {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: 127] .

(1/149)


والثاني: أن تعظم عن الحسن.
لأنها مواضع الصلوات
ومعنى {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا}
يصلى له فيها بالغداة والعشي.
قال ابن عباس كل تسبيح في القرآن صلاة
ومعنى {لَا تُلْهِيهِمْ} .
أي [لا] تصرفهم عن ذكر الله بتعظيمه.
وجاز وإقام الصلاة؛ لأن الإضافة عوض من الهاء تغني عنها إذا
كانت الهاء عوضاً مما حذف وأصله إقواماً

(1/150)


وقال ابن عباس الزكاة الطاعة لله.
وقال الحسن هي الزكاة الواجبة في المال
والسراب: شعاع يتخيل كالماء يجري على الأرض نصف النهار.
حين) يشتد الحر.
وأما الآل) فشعاع يرتفع بين السماء والأرض كالملا ضحوة النهار.
النهار.
وإنما قيل سراب لأنه ينسرب أي يجري كالماء
والقاع: المنبسط من الأرض الواسع وفيه يكون السراب.
وجمعه قيعة نحو جار وجيرة

(1/151)


والمعنى {مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ} على ما قدر.
والشعاع بالقاع يتكثف فيرى كالماء فإذا قرب منه صاحبه انفش
فلم يره شيئاً كما كان
ولجة البحر معظمه التي تتراكب أمواجه ولا يرى ساحله.
والظلمات مثل لحيرة الجهل الذي يغشى القلب
وقيل {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} .
أي لم يقارب أن يراها فهو نفي مقاربة الرؤية على الحقيقة.
وقيل إنه يدخل كاد بمعنى النفي كما يدخل الظن بمعنى اليقين..
وقيل رآها بعد جهد وشدة رؤية تخيل لصورتها.
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}
أي هداية إلى الرشد.
{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}
والظلمات ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل
كذلك الكافر حاله ظلمة واعتقاده ظلمة ومصيره إلى ظلمة وهي

(1/152)


النار يوم القيامة.
وقال الحسن لم يراها ولم يقارب الرؤية
ويقال.
«مَا كِدتُّ أعْرِفُهُ إلاَّ بَعْدُ إنَكِارِهِ» .
ويقال كاد العروس أن يكون أميراً، وكاد النعام أن يطير.
قرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (يُسبَّحُ) بفتح الباء، وقرأ.
الباقون بكسرها

(1/153)


مسألة:
وإن سأل عن قوله سبحانه {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّة ٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) } .

[الآيات من 41 إلى 51]
فقال ما التسبيح؟ ، وما الملك؟ ، وما معنى: من الأولى، والثانية،
والثالثة؟ ، وما معنى: يُزجي سحاباً؟ ، وما الودق؟ ، وما معنى: خلال؟ ،
ولم قيل: (ومنهم من يمشي على أربع) وذلك لما يعقل؟ ، وما
معنى: سنا البرق؟ ، وما الآ يات المبينات؟ ، وما المذعن؟ ، ولم
جاء على الاستفهام (أفي قلوبهم مرض) ؟ ، وما الدعاء؟
الجواب:
[التسبيح] التنزيه لله عن كل ما لا يجوز في صفته فمن نفى عنه الصاحبة والولد فقد سبحه؛ لأنه برأه عما لا يجوز عليه
والملك: المقدور الواسع لمن يملك التدبير والسياسة وملك
السموات والأرض لا يصلح إلا لله.
معنى من الأولى لابتداء الغاية لأن السماء ابتداء الإنزال

(1/154)


والثانية للتبعيض لأن البرد بعض الجبال التي في السماء..
والثالث لتبيين الجنس لأن جنس تلك الجبال جنس البرد.
ومعنى {يُزْجِي سَحَابًا}
يسوق السحاب إلى حيث يريد.
والودق: المطر.
وخلال: جمع خلل.
وقيل في السماء جبال برد مخلوقة.
وقيل بل المعنى في تقدير جبال يجعل فيها برداً..
{سَنَا بَرْقِهِ} ضوء برقه.
وقال قتادة لمعان برقه.
{يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ}
لتغليب ما يعقل على ما لا يعقل إذا اختلطا.

(1/155)


ومعنى {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّة ٍ مِنْ مَاءٍ}
أي من نطفة
وقيل [* * *] بما.
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}
من الدلالة التي تدعو إلى تسبيحه.
بالتنزيه عما لا يجوز في صفته.
{وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ}
أي صفت أجنحتها في الهواء ففي تمكنها من ذلك عبرة.
وقيل من يمشي على بطنه نحو الحيات، والسمك
وقيل من ماء؛ لأن أصل الخلق من ماء ثم قلب إلى النار فخلق الجن منه ثم
إلى الريح فخلقت الملائكة ثم إلى الطين فخلق منه آدم.

(1/156)


وقيل لم يذكر ما يمشي على أكثر من أربع؛ لأنه كالذي يمشي
على أربع في رأي العين.
فترك ذكره لأن العبرة تكفي بذكر الأربع..
وقال الحسن في السماء جبال برد.
قرأ (خَالِقُ كُلِ دَابَّة ِ) حمزة والكسائي، وقرأ الباقون (خَلقَ) .
والآيات المبينات: الدلالات التي يظهر بها المعنى مما خالفه.
حتى يدرك متميزاً منه.
والهداية الدلالة التي يهتدي بها العباد.
المذعن: المقر بالأمر طائعاً غير مكره.

(1/157)


جاء على الاستفهام {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} .
لأنه أشد في التوبيخ والذم أي
أن هذا أمر قد ظهر حتى لا يحتاج فيه إلى البينة، كما جاء نقيضه
على طريق الاستفهام لأنه أشد مبالغة في المدح، كما قال الراجز:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المْطَايَا ... وَأَنْدَى الْعَالمَيِنَ بُطُونَ رَاحِ.
الدعاء: طلب الطالب الفعل من غيره
فهؤلاء المنافقون طلب منهم المجيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحكم بينهم فامتنعوا ظلماً لأنفسهم.

(1/158)


مسألة:
وإن سأل عن قوله سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاة َ وَآتُوا الزَّكَاة َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاة ِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَة ِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاة ِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَة ٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) } .
إلى آخر السورة.
[الآيات من 51 إلى 64]
فقال ما الحكم؟ ، وما الطاعة؟ ، وما الفوز؟
وما معنى: {لا تقسموا طاعة معروفة ظ} ؟ ، وما التبديل؟ ،
ولم قيل {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} والكفر أعظم الفسق؟ ، وما معنى: أقام الصلاة؟ ، وما الزكاة؟ ، وما الطاعة؟ وما معنى: الاستئذان ثلاث مرات؟ ، وما الفجر؟ ، وما الحرج؟ ، وما المرض؟ وما المفتاح؟ ، وما معنى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} ؟ وما الشتات؟ ، ومامعنى {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} ؟
وما اللواذ؟
الجواب:.
الحكم: فصل الأمر على ما يقتضيه الحكم.
والطاعة: موافقة الأمر

(1/159)


والفوز: أخذ الحظ الجزيل من الخير
ومعنى {لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَة ٌ}
فيه قولان:
هذه طاعة معروفة منكم أي بالقول دون الاعتقاد أنكم تكذبون.
عن مجاهد.
والثاني: طاعة وقول معروف أمثل من هذا القسم
وقيل {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}
اي ليورثنهم أرض المشركين من العرب
والعجم) .
{كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
من استخلف من بني إسرائيل بأرض الشام بعد
إهلاك الجبابرة بأن أورثهم إياها وجعلهم سكانها وملوكها
التبديل: تغيير حال إلى حال..
الإبدال: رفع شيء يجعل غيره مكانه
وقيل {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
بمعنى أنهم الخارجون في كفرهم إلى أفحش، ولأن الفسق في كل شيء الخروج إلى أكبره

(1/160)


وقيل {طاعة} أي إلى الغزو.
{وقول معروف} صحته ذلكم خير لكم من هذا الحلف.
وقيل استخلف الذين من قبلهم أي في زمن داوود وسليمان
وفي الآية دلالة على صحة النبوة من جهة الإخبار عن غيب لا
يعلم إلا بوحي من الله.
وفيها دلالة على صحة إمامة الأربعة لأن الله سبحانه استخلفهم.
في الأرض فمكن لهم كما جاء الوعد.
وقيل: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}
أي تتولوا.
قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر (لَيُبْدِلَنَّهُم) مخففة..
وقرأ الباقون بالتشديد.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (كَمَا اَسْتُخْلِفَ) بضم التاء.
وقرأ الباقون بفتحها.

(1/161)


إقام الصلاة أداؤها في أوقاتها على ما يلزم فيها باستمرار ذلك مع
إمكانها.
ومعنى الاستئذان ثلاث مرات في ثلاثة أوقات من ساعات الليل والنهار ثم فسر الأوقات عن مجاهد.
وقيل في الرجال والنساء والعبيد عن ابن عباس.
وقيل في الرجال خاصة
وقيل {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَة ٍ}
يعني به: القناع الذي فوق الخمار وهو الرداء.
والجلباب الذي يكون فوق الشعار.
والتبرج: إظهار المرأة من محاسنها ما ينبغي أن تستره.
والاستئذان واجب على البالغ في كل حال
ومعنى {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ}
أي كما دلكم على ما تعبدكم به في هذه
الآية فكذلك يدلكم على جميع ما يتعبدكم به

(1/162)


وعلى الشابة من الستر أكثر مما على العجوز ومع ذلك فلا يجوز على العجوز أن تبدي عورة لغير محرم من نحو الشعر والساق والذراع.
ومن قرأ {لَا يحسَبنَّ الذين كفروا معجزين} .
بالياء فهو على حذف المفعول بتقدير (لَا يْحسَبَنَّ) الذين كفروا
إياهم معجزين.
والإعجاز: المنع من الفعل بالعجز.
ومعناه هاهنا معجزين أي فائتين.
قرأ ابن عامر وحمزة {لاَ يَحسَبَّن}
بالياء وفتح السين وقرأ الباقون بالتاء.
قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر.
{ثَلاثَ عوراتٍ} .
بفتح التاء والباقون بالرفع.
والحرج: الضيق في الدين..
ومنه الحرجة الشجرة الملتفة لضيق المسالك فيها.
والمرض: اضطراب البدن عن ألم وضعف في آلات الغذاء.

(1/163)


والمفتاح: الذي يفتح به غلق الباب
ومعنى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}
فيما يقتضيه حالهم من الآفات التي بهم مما
يضيق على غيرهم ثم اختلفوا في تأويله فقيل في التخلف عن الجهاد.
عن الحسن وابن زيد.
وقيل في مؤاكلتهم؛ لأنهم كانوا يتحرجون من ذلك عن ابن عباس.
وقيل في أكلهم من بيوت من سمى على جهة.
قيل قراباتهم إليهم يستتبعونهم في ذلك عن مجاهد.
وقيل في أكلهم من بيوت الغزاة إذا خلفوهم فيه بإذنهم عن الزهري.
{أو ما ملكتم مفاتحه}
فيه قولان:

(1/164)


الأول: الوكيل ومن جرى مجراه عن ابن عباس.
والثاني ما ملكه الرجل نفسه في بيته عن الضحاك ومجاهد.
وقيل {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}
يدخل فيه أصحاب الآفات على تغليب
المخاطب كقول العرب ائت زيداً وزيد قمتما لا يجوز قاما
وقيل كان المخلف في المنزل المأذون له في الأكل منه يتحرج.
وواحد المفاتح مفتح بكسر الميم وفي المصدر تفتح الميم.
وقال قتادة لا بأس أن يأكل من بيت صديقه من غير إذن
وقيل كانوا إذا نزل بهم ضيف تحرجوا أن يأكلوا إلا معه عن أبي صالح.

(1/165)


وقيل الغني يأكل مع الفقير في بيته عن ابن عباس.
وقيل قوم من العرب كان الرجل منهم يتحرج أن يأكل وحده
وقيل {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ}
أي ليسلم بعضكم على بعض عن الحسن
وقيل إذا دَخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله.
الصالحين عن إبراهيم.
وقيل {تحية} مباركة طيبة لما فيها من الأجر الجزيل والثواب العظيم

(1/166)


وقيل الآية منسوخة بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ}
[الأحزاب، آية: 53] .
ويقول - النبي - صلى الله عليه وسلم -
"لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه".
والحسن يوجب رد السلام على المعاهد.
والاستئذان: طلب الطالب الإذن من غيره
والاستغفار: طلب المغفرة بالتوفيق للتوبة والاجتناب عن
المعصية.
والشأن: الحال التي يعلم متضمنها
ومعنى {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}
فيه قولان:
أحدهما احذروا دعاءه عليكم إذا أسخطتموه فإن
دعاءه موجب ليس كدعاء غيره عن ابن عباس.

(1/167)


والثاني: ادعوه بالخضوع والتعظيم عن مجاهد وقتادة
برسول الله يا نبي الله ولا تقل يا محمد كما يقول بعضكم لبعض.
اللواذ: الاعتصام بالشيء بالدور معه حيث دار ودخلت عن
في {يخالفون عن أمره} لما فيه من معنى يعرضون عن أمره
وذكر {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .
للبيان عن أنه لا يجوز للعبد أن يخالف أمر مالكه الذي له ما في السماوات والأرض.
والفتنة: شدة في الدين تظهر ما في الضمير.

(1/168)


وقال الحسن {لواذاً} فراراً من الجهاد.
وفتنة بلية تظهر ما في قلوبهم من النفاق.

(1/169)