تفسير ابن فورك سورة الفرقان
مسألة:
إن سأل عن قوله - سبحانه - {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ
الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ
نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ
شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا
يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا
يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ
وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا
وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا
فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ
أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا
مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي
الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ
مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ
تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ
إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ
كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا
يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ
جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ
كَذَّبُوا بِالسَّاعَة ِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ
بِالسَّاعَة ِ سَعِيرًا (11) } .
[الآيات من 1 إلى 11]
فقال ما معنى {تبارك} ؟ وما الفرقان؟ وما النذير؟ وما معنى:
{وخلق كل شيء} ؟ وما معنى: {بكرة وأصيلاً} ؟ وما معنى: {وأعانه
عليه
قوم آخرون} ؟ ومن أرادوا بذلك؟ وما السر؟ وما معنى: {أنزله
الذي
يعلم السر} ؟ وما وجه الفساد في إظهار ملك يعاون على الإنذار؟
وما معنى: {فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} ؟ وما
وجه الرد من ذلك على
المعتزلة في اللطف والاستطاعة وتكليف ما لا يطاق؟
وما معنى: الأمثال التي ضربوا له؟
الجواب:
تبارك: أي ثبت بما لم يزل ولا يزال الذي نزل الفرقان على عبده.
وأصل الصفة الثبوت من برك الطير على الماء.
وقيل تبارك تفاعل من البركة عن ابن عباس، فكأنه قيل حاز كل
بركة.
وهو معنى قول الحسن تبارك بمعنى الذي تجيء البركة من قبله
والفرقان: البيان الذي يفرق بين الحق، والباطل، وهو
(1/170)
القرآن؛ لأنه يبين الصواب في أمور الدين من
الخطأ ويزجر بالوعظ.
الذي فيه عن المقابح ويدعو إلى المحاسن.
النذير: الداعي إلى الرشد الصارف عن الغي
وقيل: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ}
يطلق له صفة مخلوق فدخل في ذلك أعمال العباد لأنها مخلوقة دون
كلام الله وذاته وصفات ذاته لأنها غير مخلوقة.
وفي النذير قولان: أحدهما أنه النبي - صلى الله عليه وسلم -
عن ابن زيد.
والآخر أنه الفرقان.
{وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ}
يهود عن مجاهد. وق
ال الحسن: عبيد بن
(1/171)
الخضر وهو حبشي كان كاهناً في الجاهلية.
والزور: وضع الباطل موضع الحق
والذي قال. {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا}
النضر بن الحارث. عن ابن عباس.
والأصيل: العشي لأنه أصل الليل وأوله.
والمعنى فهي تقرأ عليه بكرة وعشياً.
والتقدير من الله فعله الأشياء مقدرة على حسب ما علم وأراد
النشور: الحياة بعد الموت أنشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم
(1/172)
فحيوا.
السر: إخفاء المعنى في القلب
وأسر إليه إسراراً أي ألقى إليه ما يخفيه في قلبه ومنه.
السرور لأنه الذاد في موضع السر
معنى {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ}
أي أنزله على ما يقتض يه العلم بباطن الأمور لا على ما تقتضيه
أهواء النفوس.
وجه الفساد في إظهار ملك يعاون على الإنذار أنه قد يدعوا
ذلك إلى استصغار كل واحد منهما في أنه لم يقم بنفسه في أداء
الرسالة عن ربه فيكون صارفاً للوجوه عنه وقد يكون للاستيحاش من
دعاء غير الناس وقد يكون ما يحتاج إليه؛ لأن الرسول من البشر
في الإنذار والدعاء إلى الحق.
ومعنى {فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا}
أي لا يقدرون على طريق إلى الحق مع تمسكهم بطريق الجهل وعدولهم
عن الداعي إلى الرشد.
ومع ذلك كانوا مكلفين لقبوله فدل على جواز تكليف ما لا يستطاع
وثبت أنهم كانوا مستطيعين للكفر من حيث ذمهم عليه وثبت أن
الاستطاعة التي يفعل بها الضلال عن الحق غير الاستطاعة التي
يفعل بها الاهتداء إلى الإيمان.
(1/173)
والأمثال التي ضربوا له أنهم مثلوه
بالمسحور ومثلوه بالمحتاج
المتروك والناقص عن القيام بالأمور وكل هذا جهل منهم وخبط.
والمعنى {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا
مِنْ ذَلِكَ} مما قالوا.
القصور البيوت المشيدة عن مجاهد.
وهو من قصر من فيه عن أن يوصل إليه
والسحر: ما خفي سببه من الحيل حتى يوهم أنه معجزة في بابه.
{وَيَجْعَلْ}
يحتمل ثلاثة أوجه الجزم بالعطف على الجواب.
والرفع بالاستئناف والنصب على الصرف
(1/174)
قرأ حمزة والكسائي (نَأْكُلُ) بالنون..
وقرأ الباقون (يَأكُلُ) بالياء
وقرأ (وَيَجْعَلُ لَكَ) بالرفع ابن كثير وابن عامر وعاصم في
رواية أبي بكر.
وقرأ الباقون بالجزم.
(1/175)
مسألة:
وإن سأل عن قوله - سبحانه {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَة ِ
وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَة ِ سَعِيرًا
(11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ
مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ
دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ
ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ
أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ
فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا
مَسْئُولًا (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي
هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا
سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ
دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ
حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ
كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا
وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا
كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي
الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً
أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) وَقَالَ
الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ
عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ
اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا
(21) } .
[الآيات من 11 إلى 21]
فقال: ما معنى أعتدنا؟ وما إسعار النار؟ ولم قيل {إِذَا
رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} وإنما يرونها؟ وما التغيظ؟
وما معنى: مُقَرَّنِينَ؟ وما الثبور؟
وما معنى: قل أذلك خير؟ وما الفتنة؟ وما معنى: كان على
ربك وعداً مسئولاً؟ وما الثبور؟ وما معنى: فقد كذبوكم بما
تقولون؟
وما معنى: وكان ربك بصيراً؟ وما معنى: فلا يستطيعون نصراً؟
الجواب:
معنى اعتدنا أعددنا قلبت الدال تاء؛ لأنها من مخرجها قربت
منها بالانفتاح مع كراهة التضعيف من أجل اجتماع هذه الأسباب
جاز
قلب الدال بتهجها لِشدة الإبعاد.
أسعرها إسعاراً وسعرها تسعيراً ومنه أخذ السعير.
وقيل إذا رأتهم على تقدير كأنها تراهم رؤية الغضبان يزفر
غيضاً؛ لأنه أبلغ.
فهم يرونها على الصفة ويسمعون منها تلك الحال الهائلة
(1/176)
التغيظ: انتفاض الطبع بشدة نفور النفس.
والمعنى صوت التغيظ من التلهب والتوقد.
ومعنى {مُقَرَّنِينَ}
مغللين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال.
[وفي التنزيل {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ
فِي الْأَصْفَادِ (49) } .
الثبور: الويل عن ابن عباس.
والهلاك عن الضحاك.
وقيل أصله الهلاك من قولهم ثبر الرجل إذا هلك.
وقيل معناه وانصرافاه عن طاعة الله
(1/177)
وقيل واهلاكاه
الساعة معروفة على الإطلاق وهي يوم القيامة كما أن الجنة
معروفة على الإطلاق وهي جنة الخلد.
وقيل {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا
تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}
مع الشياطين في السلاسل والأغلال.
وقيل إذا رأتهم الملائكة الموكلون بالنار سمعوا للملائكة
تغيظاً
وزفيراً للحرص على عذابهم.
وهذا عدول عن الظاهر وإنما شبهت النار بمنزلة تلك الحال، وهو
في نهاية الحسن على هذا المعنى.
وقيل {قل أذلك خير}
للتنبيه على بُعْدِ ما بين الحالين.
وقيل يقرن الإنسان والشيطان الذي كان يدعوه إلى الضلال.
الفتنة: إخلاص الشيء بإحراق ما فيه من الفساد من قولهم فتنت
الذهب بالنار إذا أخلصته من الغش بإحراقه
(1/178)
{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ
(13) } يحرقون.
وقيل معنى الفتنة هاهنا شدة في التعبد تظهر ما في العبد من خير
أو
شر.
معنى {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا}
ففيه قولان:
الأول: أن المؤمنين يسألون الله - عزَّ وجلَّ - ثناؤه الرحمة
لهم.
في قولهم: {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا
وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109.
وقولهم: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ
وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَة ِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ
الْمِيعَادَ (194) } .
والثاني: أنه بمنزلة قولك لك ما تمنيت أي متى ما تمنيت شيئاً
فهو لك فكذلك متى سألوا شيئاً فهو لهم بوعد الله - عز وجل -
إياهم.
الثبور: الفاسد ومنه بارت السلعة تبور بورا إذا بقيت لا تشتري
بقاء الفاسد الذي لا يراد والبائر الباقي على هذه الصفة.
وقال مجاهد: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ}
عيسى وعزير.
وقيل البور مصدر كالزور لا يثنى ولا يجمع
(1/179)
وقيل هو جمع البائر
ومعنى {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا
تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا}
فيه قولان:
الأول: حديثكم الملائكة والرسل في كذبكم عن مجاهد
والثاني: كذبكم أيها المؤمنون المشركون بما تقولون من نبوة.
محمد وغيره من أنبياء الله - عليهم السلام - عن ابن زيد
وقيل: فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صرف العذاب عن أنفسهم ولا نصر.
أنفسهم من عذاب الله عن مجاهد
وقيل: فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لكم يا محمد صرفاً عن الحق ولا نصر
أنفسهم من البلاء الذي هم فيه من التكذيب لكم
وكسرت الهمزة في {إِلَّا إِنَّهُمْ} لأنه موضع ابتداء كأنه
قال إلا هم يأكلون الطعام كما تقول ما قدم علينا أمير إلا إنه
(1/180)
مكرم لي ولا يجوز أن يكون كسرها لأجل اللام
لأن دخولها
وخروجها واحد في هذا الموضع.
وقيل من محذوفة منه بتقدير إلا
من أنهم يأكلون الطعام نحو.
{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) }
بمن يصبر ممن يجزع عن ابن جريج.
وقيل {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا}
أي لهم أن يسألوني ما وعدتهم.
وقيل: فما يستطيعون نصراً من بعضهم لبعض.
وقيل {وكان ربك بصيراً} للعداوة التي كانت بينهم في الدين
قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم.
(وَيَومَ يَحْشُرهم وما يعبدون فيقول) بالياء جميعاً.
وقرأ الباقون: (وَيَومَ نَحْشُرهم) بالنون.
(فَيَقُولُ) بالياء.
وقرأ ابن عامر (وَيَوْمَ نَحُشُرُهُمُ فَنَقُوُل) جميعاً
بالنون
وقرأ عاصم في رواية حفص.
(فَقَدُ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسُتَطِيعُونَ)
بالتاء جميعاً.
(1/181)
وقرأ الباقون.
(فَقَد كذَّبُوكُم بِمَا يقُولُونُ فَمَا يُستَطِيعُونَ)
بالياء جميعاً.
وقرأ ابن كثير في رواية ابن أبي بزة بالياء جميعاً.
(1/182)
وإن سأل عن قوله - سبحانه - {وَقَالَ
الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ
عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ
اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا
(21) يَوْمَ يَرَوْنَ
الْمَلَائِكَة َ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ
وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا
عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
أَصْحَابُ الْجَنَّة ِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا
وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ
بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا
عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ
مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ
أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ
الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ
إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ
الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) }
[الآيات من 21 إلى 31]
فقال: ما الرجاء؟ وما اللقاء؟ وما الاستكبار؟ وما معنى: حجراً
محجوراً؟ وما أصل الحجر؟ وما معنى: وقدمنا إلى ما عملوا من
عمل؟ وما الهباء؟
وما معنى: وأحسن مقيلاً؟ وما الملك؟ وما العسير) ؟
وما الخليل؟ وما معنى: مهجوراً هاهنا؟ ومن المعني بفلان هاهنا؟
الجواب:
الرجاء: ترقب الخير الذي يقوي في النفس وقوعه، والرجاء.
والطمع والأمل نظائر.
والمعنى {لِقَاءَنَا} لقاء جزائنا.
معنى اللقاء المصير إلى الشيء من غير حائل
ولهذا صح لقاء الجزاء من الثواب والعذاب لأن العباد يصيرون
إليه في الآخرة ولهذا أحسن القول بأنه لا بد من لقاء الله
ويراد به
عموم المكلفين من الكافرين والمؤمنين بوجوب مصيرهم إلى
(1/183)
جزائه.
الاستكبار: طلب الكبر بغير حق.
عتا: معناه طغى.
والعتو: الخروج إلى أفحش الظلم.
وقيل هلا أنزل علينا الملائكة لتخبرنا بأن محمد نبي أو نرى
ربنا فيخبرنا بذلك.
معنى {حِجْرًا مَحْجُورًا} حراماً محرماً
وفيه قولان:
الأول: أنه من قول الملائكة لهم حراماً محرماً عليكم البشرى عن
(1/184)
قتادة والضحاك
والثاني: من قول المجرمين للملائكة إذا لقوا من يخافون منه
القتل
قالوا حجراً محجوراً أي حراماً محرماً دماؤنا عن مجاهد وابن.
جريج.
أصل الحجر الضيق من قولهم حجر عليه يحجر حجراً إذا ضيق..
والحجر الحرام لضيقه بالنهي عنه
معنى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ
فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}
أي عمدنا عن مجاهد.
وفيه بلاغة عجيبة كأنه قال كان قصدنا إليه قصد القادم على ما
يكره مما لم
يكن رآه قبل فيغيره.
الهباء: غبار كالشعاع لا يمكن القبض عليه
وقيل غبار يدخل الكوة في شعاع الشمس عن مجاهد
(1/185)
والحسن وعكرمة
معنى {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}
أي وأحسن موضع قائلة لأنه يفرغ من حسابهم
إلى وقت القائلة وهو نصف النهار عن ابن عباس وإبراهيم وابن
جريج.
وقيل {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا}
من مستقر الكفار في الدنيا والآخرة.
وقيل هو على المظاهرة في الحجاج أي لو كان لهم مستقر خير
كان هذا خيراً منه
وقيل {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ}
وعن الغمام بمعنى كقولهم رميت بالقوس وعن
القوس وعلى القوس بمعنى واحد.
(1/186)
وقرأ {تَشَّقَّقُ} بتشديد الشين ابن كثير
ونافع وابن عامر..
وقرأ الباقون {تَشَقَّقُ} خفيفة الشين.
وقرأ ابن كثير وحده. (نُنْزِلُ) بنونين.
وقرأ الباقون (وَنُزِّلَ الملائكة ُ) .
بنون واحدة مشددة الزاي
معنى الملك: المقدور الواسع الملك لتدبير العالم، والملك على
ثلاثة
أوجه:
ملك عظمة لله وحده وملك ديانة بتمليك الله وملك جبرية بالغلبة.
وحقيقة جميع ذلك القدرة على اختراع الغير ولا يليق إلا بالله.
الحق: هاهنا الكائن الثابت.
العسير: المتعذر المطلوب والعسر نقيض اليسر.
(1/187)
الخليل: الواد الذي يتخلل السر منه إلى من
يوده.
والخلة: إصفاء المودة أي هي سليمة من تخلل الفساد لها.
و {سَبِيلًا}
هاهنا طريقاً إلى النجاة
وقيل أُنزل {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا
(27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا
خَلِيلًا (28) }
في أبي بن خلف وعقبة ابن أبي معيط، وكانا خليلين ارتد أبي لما
صرفه عن الإسلام عقبة وقتل عقبة يوم بدر صبراً وقتل أبي يوم
أحد قتله - النبي - بيده عن قتادة.
وقيل الخليل الشيطان عن مجاهد
معنى {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}
هاهنا فيه قولان: الأول: هجروا القرآن بإعراضهم وترك ما يلزمهم
فيه عن ابن زيد.
(1/188)
والثاني: قالوا فيه هجراً أي شيئاً من
القول لزعمهم أنه سحر وأنه
أساطير الأولين عن مجاهد وإبراهيم
وفلان كناية عن واحد بعينه من الناس لأنه معرفة.
وقال: الرسول في ذلك اليوم بمعنى يقول.
(1/189)
مسألة:
وإن سأل عن قوله - سبحانه - {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ
نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ
هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ
الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ
فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ
بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا
(33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ
أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ
هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا
(36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ
أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً
وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا
وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ
كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا
تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَة
ِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا
يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا
رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي
بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) } .
[الآيات من 31 إلى 41]
فقال ما معنى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا؟
وما الجعل هاهنا؟
وما العدو؟ وما الكفاية؟ وما الترتيل؟ وما معنى: وَكَفَى
بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا؟ وما التدمير؟ وما التغريق؟
ولما صار ضرب المثل حجة؟
وما الرس؟
الجواب:
أي كما جعلنا النبي يعادي المجرم مدحاً له وتعظيماً.
كذلك المجرم يعادي النبي ذماً له وتحقيراً وكل ذلك بحكم الله
في أنه على هذه الصفة وخلقه ذلك كذلك.
وقيل جعل لمحمد - عليه السلام - عدواً من المجرمين كما جعل
لمن قبله عن ابن عباس.
وهو الخالق لكل عداوة والجاعل لها.
معنى العدو المباعد عن النصرة للبغضة وهو نقيض الولي.
وأصل الباب البعد ومنه عدوتا الوادي جانباه لأنهما بعداه
ونهايتاه..
وعدا عليه يعدو وعدوا إذا باعد خطوه للإيقاع به.
(1/190)
الكفاية: صرف الأذية بما يحتاج إليه من كل
جهة.
الترتيل: التبيين في تتبت وترسل
وروي في حديث مرفوع: "أن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر
أن يمشيهم على وجوههم.
وقيل آتينا موسى الكتاب كما آتيناك.
{وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا}
أي معيناً وظهيراً فكان سبيله في تكذيبهم له كسبيلك
وقيل أنزلت التوراة جملة لأنها أنزلت مكتوبة على نبي يكتب
ويقرأ وهو موسى.
وأما الفرقان فأنزل متفرقاً لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي
وهو محمد - عليه السلام - وقيل ومما لم ينزل لأجله جملة واحدة
أن
منه الناسخ والمنسوخ ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور ومنه ما
هو إنكار لما كان
(1/191)
وقيل {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} في
إبطال أمرك.
{إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} للاحتجاج
به.
{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}
يصلح على الحال والتمييز أي حال الهداية والنصر والتمييز بين
الهادين والناصرين.
التدمير: الإهلاك بأمر عجيب.
التغريق: الإهلاك بالماء الغامر
غرق الله قوم نوح بالطوفان وهو مجيء ماء السماء وماء الأرض
حتى التقيا {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى
الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) }
فطبق الأمر ولم ينج إلا نوح.
ومن كان معه في السفينة.
صار ضرب المثل حجة لأنه تبيين الحال الخفية مما يذكر من
الحال الجلية على وجه المقابلة التي تؤدي إلى المعرفة بهذا في
(1/192)
موضعه حكمة.
الرس: قيل بئر رسوا فيها نبيهم أي ألقوه عن عكرمة
وقيل قرية باليمامة يقال لها فلج عن قتادة.
وقيل المعدن عن أبي عبيدة.
وقيل القرن سبعون سنة.
وقيل أربعون سنة عن إبراهيم.
والقرية التي أمطرت مطر السوء [قرية قوم لوط]
{ومطر السوء} الحجارة التي رموا بها. عن ابن عباس.
(1/193)
{بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا}
بعثاً من القبور عن ابن جريج.
لأنهم لا يؤمنون بالنشأة الثانية..
وقيل: الرس البئر التي لم تطو بحجارة ولا غيرها.
وقيل {بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} .
لا يخافون.
يقال رسه يرسه رساً إذا دسه.
والتقدير ودللنا {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} .
(1/194)
مسألة:
وإن سأل عن قوله سبحانه {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ
إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا
(41) إِنْ كَادَ
لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا
عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ
مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ
هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ
تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا
(44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ
شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ
دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا
(46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا
وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ
رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا
خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ
صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ
النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي
كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ
وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ
أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا
(53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ
نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا
يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) }
.
[الآيات من 41 إلى 55]
فقال ما الهزؤ؟ ، وما معنى: ليضلنا عن آلهتنا؟ ، وما معنى:
من أضل سبيلاً؟ ، وما معنى: أرأيت من اتخذ إلهه هواه؟ ، وما
معنى:
أفأنت تكون عليهم وكيلاً؟ ، وما معنى: ألم تر إلى ربك كيف مد
الظل؟
وما معنى: قبضناه إلينا؟ ، وما اليسير؟ ، وما معنى: جعل الليل
لباساً؟ ، وما السبات؟ ، وما النشور؟ ، وما التصريف؟ ، وما
معنى
أناسي؟ ، وما معنى: ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً؟ ، وما
وجه
اتصال فلا تطع الكافرين؟ ، وما معنى: مرج البحرين؟ ، وما معنى:
عذب فرات؟ ، وما معنى: ظهير؟ .
الجواب:
الهزؤ: إظهار خلاف الإبطان لاستصغار القدر على جهة اللهو.
وإنما قالوا {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}
وهم يظنون أنه ما بعثه
معنى {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا}
أي يأخذ بنا في غير جهة عبادتها مما يؤدي إلى هلاكنا.
وقيل {من أضل سبيلاً} أي يعلمون أنه لا أحد أضل منهم.
(1/195)
معنى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ
هَوَاهُ}
أي جعل إلهه ما يهواه وهذا نهاية
الجهل لأن ما يدعوا إليه الهوى باطل والإله يقطع بما لا شيء
أعظم
منه ولا يجوز أن يكون الإله ما يدعو إليه الهوى بغير حجة.
{أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} أي حافظاً من الخروج
إلى هذا الفساد.
معنى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} .
أي ليس يسمعون ما تقول سماع طالب للإفهام بل كسماع الأنعام وهم
مع ذلك لا يعقلون معنى ما تقول.
{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}
جَعْلُه الشمس عليه دليلاً أي الظل يتبع الشمس في طوله وقصره
فإن
ارتفعت في أعلى ارتفاعها قصر وإن انحطت طال بحسب ذلك
الانحطاط.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}
بوقوف الشمس فإن الظل يتب ع ال دليل كما يتب ع.
السائر في المفازة الدليل
وقيل {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}
أي مده من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن ابن عباس وسعيد بن
جبير.
(1/196)
{وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً}
دائماً لا يزول عن ابن عباس ومجاهد.
{ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً}
أي بإذهابها إياه عند مجيئها عن ابن زيد.
وقيل {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
سَبِيلًا}
من الأنعام لأنها لا تعتقد بطلان الصواب.
وإن كانت لا تعرفه.
وقيل الظل بالغداة والفيء بالعشي لأنه يرجع بعد زوال الشمس
عن أبي عبيدة.
وقيل كان أحدهما يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه
صورة ترك الأول وعبد الثاني.
القبض: جمع الأجزاء المنبسطة
اليسير: السهل القريب اليسير نقيض العسير
(1/197)
معنى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
اللَّيْلَ لِبَاسًا}
أي تلبس ظلمته كل شخص حتى يمنع
من إدراكه وجعل الهدوء فيه والراحة من كل العمل مع النوم الذي
فيه
صلاح البدن.
السبات: قطع العمل ومنه يوم السبت وهو قطع العمل.
وقيل قبض الظل بطلوع الشمس وقيل بغروبها.
النشور: الانبساط في تصرف الحي.
أناسي: جمع إنسان جعلت الياء عوضاً من النون وقد قال أناسين
نحو
بستان وبساتين ويجوز أن يكون جمع إنسى منه.
وقد قالوا أناسية كثيرة
(1/198)
التصريف: تصريف الشيء دائر في الجهات.
الطهور: الطاهر المطهر.
وقيل في الرحمة رياح لأنه جمع الجنوب والشمال والصِّبَا
وقيل في العذاب ريح لأنها واحدة الدبور وهي عقيم لا تلقح وكل
الرياح تلقح إلا الدبور
وفي (نُشُراً) أربع قراءات الأولى بضم النون والشين ابن كثير
ونافع وأبو عمرو.
والثاني (نُشْراً) . بضم النون وسكون الشين ابن عامر وهارون
عن أبي عمرو.
الثالث (نَشْراً) بفتح النون وسكون الشين حمزة والكسائي..
وقرأ عاصم (بُشْراً) بالباء ساكنة الشين.
فمن ثقل فهو جمع نَشُور كَرسُول ورسل
قرأ حمزة والكسائي (لِيَذْكُرُوا) .
خفيفة الدال وقرأ الباقون. (لِيَذَّكَّرُوا) .
يعني {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا
(51) }
أي لو شئنا لقسمنا النذر
(1/199)
بينهم كما قسمنا الأمطار بينهم ولكنا دبرنا
جميع ذلك بما هو أعود
عليهم.
النذير: الداعي إلى ما يؤمن به الخوف من العقاب.
والإنذار: الإعلام بموضع المخاوف.
النذر: عقد البر على انتفاء الخوف
ووجه اتصال {فلا تطع الكافرين}
فيه وجهان:
أحدهما: ما يقتضيه إخباره على النذر من حسن طاعته
لربه في عصيان الكافرين والجهاد الشديد معهم.
الثاني: اتصال مصلحة قوم فيه ولطف له في ترك طاعة
الكافرين.
معنى {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ}
أرسلهما في مجاريهما كما يرسل الخيل في
المرج وهما يلتقيان فلا يبغى الملح على العذب ولا العذب على
الملح بقدرة
الله.
والهاء في (به) تعود على القرآن عن ابن عباس.
وأصل المرج الخلط ومنه {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) }
مختلط..
{هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} أي شديد العذوبة
(1/200)
الأجاج: الملح المر.
البرزخ: الحاجز الذي يمنع كل واحد منهما من تغيير الآخر.
{وَحِجْراً مَّحْجُوراً}
أي يفسد أحدهما الآخر.
الفرق بين النسب والصهر أن النسب ما رجع إلى ولادة قريبة
والصهر خلطة تشبه القرابة.
وقال الفراء: النسب الذي لا يحل نكاحه والصهر النسب الذي
يحل نكاحه كبنات العم والخال ونحوهما من القرابة التي يحل
تزويجها
وقيل النسب سبعة أصناف ذكروا في {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ}
والصهر خمسة أصناف ذكروا في {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ
وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي
حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا
مَا قَدْ سَلَفَ} .
عن الضحاك.
(1/201)
قيل ظهيراً أي يظاهر الشيطان على معصية
ربه. عن مجاهد
والحسن.
وقيل {ظَهِيرًا} أي هيناً كالمطرح يظهر.
وقيل فلا تطعهم فيما يريدونه من معاونتكم مما يبعد من دين
الله.
وقيل {ظَهِيرًا} بترك طاعتهم
قال الحسن: فلا تطعهم فيما يصرفك عن طاعة الله.
قيل: (وكان الكافر) على أولياء ربه.
(ظهيراً) أي معيناً.
وقيل وصف الأوثان بأنها لا تنفع ولا تضر فدل على بطلان فعل
الطباع
(1/202)
مسألة:
وإن سأل عن قوله - سبحانه - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا
مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ
أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى
بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ
فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا
لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا
تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) تَبَارَكَ الَّذِي
جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا
وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ
أَرَادَ شُكُورًا (62) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ
يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ
الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ
لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ
رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا
كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا
(66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ
لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا
يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ
فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
(70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى
اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ
وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ
يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ
الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً
وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا
وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا
دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا
(77) } .
[السورة [الآيات من 56 إلى 77]
فقال ما البشارة؟ ، وما النذارة؟ ، وما معنى: الاستثناء في:
إلا من
شاء؟ وما معنى: يسبح بحمده؟ ، ولم جاز وما بينهما وقد ذكر
السموات
بالجمع؟ ، وما معنى: فسئل به خبيراً؟ ، وما البروج؟ ، وما
معنى: جعل الليل والنهار خلفة؟ ، وما معنى: يمشون على الأرض
هوناً؟ ،
وما معنى: إن عذابها كان غراماً؟ ، وما معنى: قالوا سلاماً؟ ،
وما الإسراف؟ ، وما الإقتار؟ ، وما الفرق بين القَوَامِ
وَالقِوَامِ
وما الفرق بين التوبة إلى الله وبين التوبة من القبيح بقبحه؟ ،
وما
الشهادة؟ ، وما معنى: إذا مروا باللغو مروا كراماً؟ ، وما
اللغو؟ ،
وما الزور؟ ، وكيف وحد إمام في {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَامًا} .
؟ وما معنى {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}
؟ ، وما معنى: اللزام؟ ، وما معنى: (وَالَّذِينَ إِذَا
ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا
وَعُمْيَانًا) ؟ .
الجواب:
البشارة: الإخبار بما يظهر سروره في بَشرة الوجه بشره تبشيراً.
وبشارة.
(1/203)
والنذارة: الإخبار بما فيه المخافة ليتقه
في الحذر منه
معنى الاستثناء في {إِلَّا مَنْ شَاءَ}
أنه جعل أجره على دعائه اتخاذ
المدعو سبيلاً إلى ربه بطاعته.
كقول الشاعر:
وَبَادِيَة ٍ لَيْسَ بِهَا أنيسُ ... إلَّا اليَعَافِيرُ
وإلَّا العِيسُ
جعلها أنيس ذلك المكان..
معنى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ}
أي أحمده منزهاً له عما لا يجوز في صفته
وقيل {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ
شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}
بإنفاقه ماله في طاعة ربه واتباع مرضاته
وجاز أن يقال (ما بينهما) وإذ ذكر السماوات ب الجمع لأنه بمعنى
الصنفين.
قال الشاعر:
(1/204)
إن المَنِيَّة َ والحُتوفَ كِلَاهُمَا ...
يُوفي الْمَخَارِمَ يَرْقُبانِ سَوَادِي.
وقيل كان ابتداء الخلق يوم الأحد وانتهاؤه يوم الجمعة
ومعنى {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}
أيها الإنسان سل به عارفاً يخبرك بالحق في صفته.
وقال الحسن: ما بعث الله نبياً قط إلا وهو يبشر الناس إن
أطاعوا.
الله بالسعة في الدنيا والجنة في الآخرة.
قرأ حمزة والكسائي (لِمَا يَأمُرُنَا) بالياء..
وقرأ الباقون بالتاء.
البروج: منازل النجوم الظاهرة
والبروج اثنا عشر الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد
والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت.
وقيل البروج القصور العالية.
الشمس سراج الخلق لأن نورها عام.
(1/205)
معنى {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
خِلْفَةً}
أي يخلف كل واحد منهما صاحبه فيما يحتاج
أن يعمل فيه فمن فاته عمل النهار استدركه بالليل
وقيل البروج القصور واحدها قصر ومنه {أَيْنَمَا تَكُونُوا
يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ
مُشَيَّدَةٍ} .
وقال قتادة: البروج النجوم.
وعن أبي صالح كبار النجوم
ومن قرأ (سراجاً) .
فمعناه الشمس.
ومن قرأ (سُرُجاً) .
فمعناه سائر النجوم، لأنه يهتدى بها كما يهتدى بضياء السراج
وقيل {خِلْفَةً} يخلف أحدهما الآخر في العمل عن عمر وابن عباس
والحسن
(1/206)
وقيل {خِلْفَةً} يذهب أحدهما ويجيء الآخر
عن ابن زيد
وقال زهير:
بِهَا العَيْنُ والآرامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وأَطْلاَؤهَا
يَنْهَضُن مِنْ كُلِّ مُجْثَّمِ
وقيل {يمشون على الأرض هوناً}
أي بالسكينة والوقار.
عن مجاهد.
وقيل حلماء علماء لا يجهلون وإن جهل عليهم عن الحسن.
وقيل بالتواضع لا يتكبرون عن ابن عباس.
(1/207)
{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ
قَالُوا سَلَامًا}
أي سداداً من القول. عن مجاهد
معنى (إن عذابها كان غراماً) .
أي لازماً ملحاً دائماً ومنه الغريم
لملازمته وإنه لمغرم بالنساء أي ملازم لهن.
قال الحسن: ليس غريم إلا مفارق غريمه إلا جهنم فإنها لا تفارق
غريمها.
و {قَالُوا سَلَامًا}
أي قولاً يسلمون من المعصية لله فيه
قرأ حمزة والكسائي (سُرُجاً) .
والمراد به النجوم لأنه يهتدى بها
كما يهتدى بضياء السراج.
ومن قرأ (سراجاً) أراد الشمس.
قرأ حمزة وحده (أَنْ يَذْكُرَ) خفيفة.
وقرأ الباقون. (يَذَّكَّرَ) مشددة الذال والكاف
الإسراف: الخروج عن العدل في الإنفاق والمراد به هاهنا الإنفاق
في معصية الله قل أو كثر.
(1/208)
الإقتار: منع حق الله من المال عن ابن
عباس.
وقيل السرف مجاوزة الحد في النفقة.
والإقتار: التقصير عما لابد منه
الفرق بين القَوَامٌ وَالقِوَامُ:
القَوام العدل بفتح القاف.
والقِوام: السداد وهو قوام الأمر وملاكه.
وفي قتر ثلاث لغات قتر يقتِر ويقتر ويقتر وأقتر إقتاراً.
(يلق أثاماً) .
أي جزاء الآثام.
وجزم (يُضَاعَفْ) على البدل.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (يُضَاعَفُ) و (يَخْلُدُ)
بالرفع فيها على الاستئناف وكذا ابن عامر إلا أنه قرأ
(يُضَعَّفُ) بالتشديد.
(1/209)
وقرأ الباقون بالجزم إلا أن ابن كثير قرأ
(يضعف) بالتشديد
والفرق بين التوبة إلى الله والتوبة من القبيح لقبحه لأنه إذا
تاب
من القبيح إلى الله فهو أن يقصد طلب الجزاء منه ويخلص العبادة
له
فيه وإذا لم يقل إلى الله لم يعقل منه هذا المعنى
الشهادة: تبين بالحاسة والحواس خمس.
ومن لا يشهد به فلا يحضره لأنه لو شهد به لكان قد حضره من نفسه
فهو أعم في الفائدة من لا يشهد به.
(وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) .
أي مروا مر الكرماء الذين لا يرضون باللغو؛ لأنهم يجلون عن
الدخول فيه أو الاختلاط بأهله.
اللغو: الفعل الذي لا فائدة فيه
وقيل اللغو الفعل القبيح وهو المنهي عنه وهو الصحيح.
الزور: تمويه الباطل بما يوهم أنه حق.
وقيل الزور هنا الشرك..
وقيل الكذب.
وقيل مرورهم كراماً كمرورهم بمن يسبهم فيصفحون عنه.
وكمرورهم بمن يستعين بهم على حق فيعينونه.
(1/210)
(هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) .
أي أن نراهم مطيعين لله. عن الحسن.
ووحد (إماماً) لأنه مصدر من قولهم: أمَّ فلان فلاناً إماماً
كقولك قام قياماً.
وصام صياماً ومن جمعه على أئمة فلأنه قد كثر في معنى الصفة.
وقيل قد يكون على الجواب كقول القائل: من أميركم فيقول
هؤلاء أميرنا.
معنى {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} .
أي ما يصنع بكم ربي. عن مجاهد
وأصله تهيئة الشيء ومنه عبأت الطيب أعبأه عبء وما أعبأ به.
أي ما أهيئ به أمراً.
معنى {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} .
أي لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته لم يكن في فعلكم ما تطالبون به.
عن مجاهد.
(1/211)
وهو مصدر أضيف إلى المفعول كقولهم أعجبني
بناء هذه الدار.
وخياطة هذا الثوب وإنما جاز لما صحبه من الدليل.
اللزام: القتل يوم بدر عن مجاهد.
وقيل اللزام عذاب الآخرة
وقرة أعين: من القرور، وهو بردها عند السرور ويكون من
استقرارها عنده.
وقيل ما لا يعبأ به لوجوده وعدمه سواء.
(1/212)
بمنزلة لزام كثيرة يلزم بعضها بعضاً.
معنى {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ
يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) }
أي كحال المشركين في ترك حال التدبر لها حتى كأنهم صم.
وعنها عمياناً عن الحسن.
وقيل أي {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا
سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) } .
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر.
{وذُرِّيَتَنَا} واحدة..
وقرأ الباقون (وَذُرِّيَاتِنَا} جماع.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص.
(وَيُلَقَّوُنَ) مشددة القاف..
وقرأ الباقون. (وَيَلْقَونَ) خفيفة القاف ساكنة اللام.
(1/213)
|