تفسير ابن فورك سورة النمل
مسألة:
إن سأل عن قوله {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ
مُبِينٍ (1) هُدًى
وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى
الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى
لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ
أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ
وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ
وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ
إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ
ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ
رَحِيمٌ (11) }
[الآيات من 1 إلى 11]
فقال: ما آيات القرآن؟ ، وما الفرق بين صفة القرآن بأنه مبين
وبيان؟ وكيف قيل القرآن، وكتاب، والقرآن هو الكتاب؟ وبأي
شيء يهدي القرآن إلى الحق؟ ، وما معنى: زينا لهم أعمالهم فهم
يعمهون؟ وما الحكيم؟ ، وما الفرق بين صفة عليم، وعالم؟ ، وما
الإيناس؟ ، وما الشهاب؟ ، وما القبس؟ وكيف قيل كأنها جان
، وفي موضع آخر؛ فإذا هي ثعبان؟ وما معنى: بورك من في النار؟
وما معنى:، ولم يعقب يا موسى؟ وكيف قال لامرأته لعلي آتيكم؟ ،
وما الجان؟
الجواب:.
آيات القرآن علاماته، ودلائله.
ومن صفته: أنه بيان عن الحكم في أعلى طبقات البلاغة
وحكم القرآن الموعظة؛ بما فيها من الترغيب، والترهيب،
والحجة الداعية إلى الحق الصارفة عن الباطل
وأحكام الشريعة التي فيها مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال،
والمصلحة فيما يجب من حق الله؛ مما يؤدي إلى الثواب، ويؤمن من
العقاب؛ مع تفصيل هذه الأمور بأحسن الترتيب.
وصف القرآن بأنه مبين يقتدى به؛ بمنزلة النطق بكذا.
(1/277)
ووصفه بأنه بيان يقتدى به؛ بمنزلة النطق
بكذا، في ظهور
المعنى به للنفس.
وقيل له القرآن، وكتاب ليجمع له الوصفان؛ بأنه مما يظهر
بالقراءة، ويظهر بالكتابة.
وهو بمنزلة الناطق؛ بما فيه من الأمرين جميعاً؛ ليفيدنا بذلك
أنه يقرأ، ويكتب
يهدي القرآن إلى الحق بالبيان الذي فيه، والبرهان، وباللطف.
من جهة الإعجاز الدال على صحة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم
-
معنى: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ}
خلقنا ظنهم لزينة ذلك وتوهمهم لحسنها.
وقيل {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}
التي أمرناهم بها فهم يتحيرون بالذهاب عنها. عن الحسن.
وقيل {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ}
شهوة القبيح ليجتنبوا المشتهى.
{فَهُمْ يَعْمَهُونَ} عن هذا المعنى.
(1/278)
والتأويل الأول لنا، والآخر للمعتزلة..
الحكيم: من له حكمة
والحكمة هي: العلم بأحكام الأمور وإتقانها، وقد يكون حكيماً في
فعله؛ على معنى أنه عالم بالصواب.
وقيل: هو البصير بالصواب من الخطأ؛ في تدبير الأمور.
الفرق بين صفة عليم، وعالم؛ أن بناء فعيل هاهنا؛ للمبالغة فإذا
كثرت معلوماته قيل: عَلَّمَ، وَأَعْلَمَ، وَعَلَّام؛ وإذا لم
يكن له إلا معلوم.
واحد قيل: عالم.
وقال بعض المعتزلة: الفرق بينهما أن صفة عالم مضمنة
بالمعلوم؛ كما أن صفة سامع مضمنة بالمسموع، وصفة عليم بمعنى
؛ أنه متى صح معلوم فهو عليم به؛ كما أنه متى صح مسموع فهو
سميع له.
الإيناس: الإحساس بالشيء من جهة يؤنس بها
أنست كذا؛ إذا أحسسته..
الشهاب: نور كالعمود من النار، وجمعه شهب
ومنه قيل: للكوكب الذي يمتد من السماء شهاب.
القبس: القطعة من النار.
(1/279)
منه اقتبس النار اقتباساً؛ إذا أخذ منها
شعلة، واقتبس منه علماً.
أي: أخذ منه نوراً؛ ليستضيء به؛ كما يستضيء بالنار.
وصلى النار يصلاها صلا؛ إذا لزمها
وقيل الصلاة منه؛ للزوم الدعاء [فيها] والمُصلِّي: الثاني بعد
السابق؛ للزومه صلوي السابق
وقيل: {رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ}
؛ لأنها كالجان في اهتزازه، وهي ثعبان في عظمه
وكذلك هالهُ أمرها؛ لسرعة حركتها؛ مع عظم جسمها.
ومعنى: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا}
قولان:
الأول: بورك نور الله الذي في النار.
وحسن ذلك؛ لأنه ظهر لموسى بآياته من النار في معنى قول
ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة.
والثاني: الملائكة الذين وكلهم الله بها؛ على ما يقتضيه.
{وَمَنْ حَوْلَهَا} .
لا خلاف أن الذي حولها الملائكة الذين وكلوا بها.
(1/280)
{وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ}
لم يرجع عن قتادة، ومجاهد.
وقيل: لم يرجع على عقبيه.
والمعاقبة ذهاب واحد، ومجيء آخر على المناوبة
وقال لامرأته لعلي آتيكم؛ لأنه أقامها مقام الجماعة في الأنس
بها
، والسكون إليها بالأمكنة الموحشة.
ويجوز أن يكون على طريق الكناية على هذا التأويل.
{سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ}
من يدل على الطريق.
البركة: ثبوت الخير النامي بالشيء.
قال الفراء: العرب تقول باركك الله، وبارك فيك وبارك عليك.
الجان: الحية الصغيرة أخذت من الاجتنان، وهو الاستتار.
وقال الفراء بين الصغيرة والكبيرة.
(1/281)
قال الراجز
يَرْفَعْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا مَا أَسْدَفَا ... أَعْنَاقَ
جِنَّانِ وَهَامَا رُجَّفَا.
{أَنْ بُورِكَ}
يحتمل النصب على: نودي موسى بأن بورك،
والرفع على نودي البركة.
قرأ عاصم وحمزة والكسائي (بِشِهَابٍ قَبَسٍ) .
منون غير مضاف.
جعل قَبساً صفة..
وقرأ الباقون (بِشِهَابِ قَبَسٍ) مضافاً.
فالأول على تقدير منور، والثاني على تقدير نار.
(1/282)
مسألة:
وإن سأل عن قوله: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا
بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ
(11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي
جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ
آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا
فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً
قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا
وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) وَلَقَدْ آتَيْنَا
دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ
وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ
الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ
يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا
يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي
أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ
صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ
لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ
لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) }
[الآيات من 11 إلى 21]
فقال: ما معنى بدل حسناً بعد سوء؟ ، وما الاستثناء في إلا من؟
، وما الآيات التسع التي كانت لموسى؟ ، وما معنى: مبصرة؟ ، وهل
يدل {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} أنهم كانوا معاندين؛ إذ
جحدوا ما عرفوا؟ ، وما الميراث؟ ، وما منطق الطير؟ ، وما معنى
{وأوتينا من كل شيء} ؟ ، وما الإيزاع؟ ، وعلى أي سبيل كانت
معرفة النمل سليمان؟ وما معنى: تفقد الطير؟
الجواب:
معنى: {بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ}
ندم على ما كان منه، وعزم على ترك المعاودة إلى مثله، وترك
الإصرار عليه
الاستثناء في {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ}
فيه وجهان: أحدهما: {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ}
نفسه ما عمل من صغيرة فيكون الاستثناء
على هذا متصلاً في معنى قول الحسن.
(1/283)
الثاني: لكن {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} من
العباد فهذا أمره؛ فيكون على الاستثناء المنقطع.
الآيات التسع التي كانت لموسى العصا واليد والجراد والقمل
والضفادع والدم والبحر ورفع الطور وانفجار الحجر.
وقيل بدك الجبل والحجر والطوفان والطمس. عن ابن زيد.
معنى {مُبْصِرَةً} : فيه وجهان:.
الأول: تبصر الصواب من الخطأ.
أبصرته، وبصرته بمعنى؛ كقولك: أكفرته، وكفرته، وأكذبته
، وكذبته.
الثاني: مبصرة للحق من الباطل؛ فهي تهدي إليه؛ كأنها تراه.
ولا يدل قوله: {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا
وَعُلُوًّا}
أنهم كانوا معاندين من قبل أن المعرفة كانت بوقوعها على
الحقيقة.
(1/284)
فأما الاستدلال الذي يؤدي إلى أنها من قبل
الله؛ ليدل بها على صدق من أعطاه إياها؛ فبعد العلم بوقوعها.
وقيل معنى: {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا
مَنْ ظَلَمَ}
إنما الخوف على من سواهم) .
{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ
غَيْرِ سُوءٍ}
وقال: ابن مسعود - رضي الله عنه -: أتى موسى فرعون
وعليه جبة صوف.
وقال: مجاهد: كان كمها إلى بعض يده..
{تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من غير برص.
الميراث: تركة الماضي بموته للباقي من ذوي قرابته
فلما ترك داود لسليمان العلم الذي هو أعظم فائدة كان ذلك
ميراثاً
أكثر من ميراث المال.
منطق الطير: صوت يَتفاهم به معانيها على صيغة واحدة، وذلك
بخلاف منطق الناس؛ إذ هو صوت يتفاهمون به معانيهم على صيغ
مختلفة، ولذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها، ولم تفهم هي عنا؛
لأن أفهامها مقصورة على تلك الأمور المخصوصة، ولما جعل
(1/285)
سليمان يفهم عنها؛ كان قد علم منطقها
معنى: {وأوتينا من كل شيء}
يطلبه طالب؛ لحاجته إليه، وانتفاعه به.
ولو قال {وأوتينا من كل شيء}
علماً وتسخيراً في كل ما يصلح أن يكون معلوماً لنا، أو مسخراً
لنا [غير أن مخرجه مخرج العموم، فيكون أبلغ وأحسن] (1)
الإيزاع: المنع من الذهاب
وإنما منع أول الجنود على آخرهم، ليتلاحقوا، ولا يتفرقوا
ومثل ذلك {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي
أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}
أي ألهمني ما يمنع من ذهاب الشكر عني.
كانت معرفة النمل لسليمان على سبيل المعجزة، وقيل: إنه لا
يمتنع أن تعرف البهيمة هذا الصوت؛ كما يَعرف كثيراً مما فيه
نفعه
وضره.
فمن معرفة النملة بذلك أنها تكسر الحبة بقطعتين؛ لئلا تنبت
إلا الكزبرة فإنما تكسرها بأربع قطع؛ لأنها تنبت إذا كسرت
بقطعتين
؛ فمن هداها إلى هذا؛ فهو الذي يهديها إلى ما يحطمها، وإلى ما
لا يحطمها.
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة من مجمع البيان.
(1/286)
وقيل: كان عسكره مائة فرسخ: خمسة وعشرون
للجن،
وخمسة وعشرون للوحش؛ عن محمد بن كعب القرظي.
وقيل: وأعطينا من كل شيء.
وقيل: {فَهُمْ يُوزَعُونَ}
يمنع أولهم على آخرهم عن ابن عباس.
وقيل: يساقون عن ابن زيد، وقيل يتقدمون عن الحسن.
وقيل: {فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}
أي: مع عبادك. عن ابن زيد.
وقيل: كان تفقده للهدهد؛ أنه احتاج إليه في مسيره؛ ليدل على
الماء.
عن ابن عباس.
قال وهب بن منبه: كان تفقده للهدهد؛ أنه احتاج إليه إياه
(1/287)
لإخلاله بنوبة له معه.
وقيل: كان سبب تفقده أن الطير كانت تظله من الشمس عليه.
وقيل: إن الهدهد كان يرى الماء في الأرض؛ كما يرى الماء في
الزجاج.
وقد جعل لها منطق؛ لأنه يفهم به المعاني؛ كبكاء الغم،
وبكاء الفرح.
(1/288)
مسألة:
وإن سأل عن قوله - سبحانه - {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا
شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي
بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ
بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي
وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا
يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ
الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ
سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ
عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا
أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
(29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ
وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) }
[الآيات من 21 إلى 31]
فقال ما الذبح؟ وما معنى: سلطان مبين؟ ، وما المكث؟ وما
علم الإحاطة؟ وما الخبء؟ وما حكم سبأ في الصرف؟ وما معنى
عرش عظيم؟ وما وجه قراءة. (ألا يسجدوا) .
ووجه قراءة (أن ألا تسجدوا) ؟ وما العرش؟ ، وما النظر؟ ولم جاز
أم كنت من الكاذبين ألطف من أم كذبت؟ ، وما الكريم؟ ،
ولم قيل: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، وهذه الفاتحة عربية،
ولم تكن تلك اللغة عربية؟ ، وما معنى تول عنهم؟
الجواب:
الذبح: فَرْيُ الأوداج بما يخرج روح الحيوان.
والقتل قد بنقض البنية من غير ذبح، وقد يكون بحركات يكون عقبها
خروج الروح.
الموت ضد الحياة، وهو أيضاً يضاد ما يصح الإدراك به
معنى {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}
هاهنا: بحجة بينة توجب عذره في إخلاله بمكانه
؛ فلما ذكر أنه أتاه بنبأ يحتاج إليه؛ لما فيه من الإصلاح لقوم
قد تلاعب بهم الشيطان، وعذره في ذلك المكث.
المكث: الاستمرار والمضي على حال.
(1/289)
والمعنى استمر على تلك الحال من الرأي ...
حتى جاء الهدهد بالنبأ الذي أخبر به.
المكث واللبث من النظائر.
ومَكَثَ ومَكُثَ لغتان
علم الإحاطة: العلم بالشيء من الجهات التي يمكن بأن يعلم منها
؛ حتى يكون العلم كالسور المحيط به.
وبهذا العلم يتميز؛ حتى لا يلتبس بما ليس منه.
الخبء: ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه
وهو بمعنى المخبوء، وق المصدر موقع الصفة خبأته أخبؤه
خبأً.
وما يخرجه الله بالإيجاد؛ فهو بهذه المنزلة.
فخبء السماء الأمطار، والرياح، وخبء الأرض الأشجار، والنبات.
(1/290)
وقيل تعذيبه: نتف ريشه عن ابن عباس،
ومجاهد، وقتادة
حكم (سبأ) في الصرف: منهم من يصرفه؛ يجعله اسماً للمكان.
بعينه، ومنهم من لا يصرفه؛ يجعله اسماً للبقعة.
وقد ورد الشعر بصرفه، وترك صرفه.
وقيل معنى {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}
: يؤتي الملوك
وقيل {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}
: سرير كريم معمول من ذهب، وقوائمه من
لؤلؤ وجوهر، عن ابن عباس
وجه قراءة (أَلَا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) .
أي يا هؤلاء؛ على حذف المنادى..
اسجدوا على الأمر
وقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}
بمعنى: وزين لهم الشيطان ضلالهم؛ لئلا يسجدوا.
(1/291)
الخبء: أفضل الخِبا الستر والخفاء نظائر.
وقيل (سبأ) : حي من أحياء اليمن.
وقيل: هو اسم أمهم
وقيل لم يكن [الهدهد] عارفاً بالله، وإنما أخبر بذلك كما يخبر.
يخبر مراهقو صبياننا.
وقيل (سبأ) مدينة بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام.
الخبء: الغيب.
قال الفراء: من قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة، ومن قرأ
(1/292)
بالتثقيل فلا ينبغي أن يكون موضع سجدة.
وقد يجوز السجود على مخالفة غرض الشيطان
قرأ (فَمَكَثَ) بفتح الكاف عاصم..
وقرأ الباقون (فَمَكُثَ) بضم الكاف.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو. (من سبأَ بنبأَ) غير مصروفتين.
وقرأ الباقون (من سبإٍ بنبإٍ) . مصروفات
قرأ الكسائي. (ألَا يَسُجُدُوا لِلهِ) بالتخفيف من ألَا.
وقرأ الباقون.. (ألَّا) مشددة.
والعرش: سرير الملك الذي عظمه الله، ورفعه فوق السماوات
السبع، وجعل الملائكة تحف به، وترفع أعمال العباد إليه، وتنشأ
البركات من جهته؛ فهو عظيم الشأن كما وصفه.
(1/293)
النظر: طلب إدراك المعنى بالحس، أو القلب.
صار {أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}
ألطف من أم كذبت؛ لأنه قد يكون بالميل إليهم، وقد يكون منهم
بالقرابة التي بينه وبينهم، وقد يكون منهم بأنه يكذب ككذبهم،
وكذلك إذ قال ليس كما يقول من جهة الغلط الذي ليس بصدق، ولا
كذب.
الكريم: الحقيق بأن يؤمل الخير العظيم من جهته.
فلما رأت ذلك في كتاب سليمان، وصفته بأنه كريم.
وقيل: كان مختوماً.
وأما هذه الفاتحة العربية: فإنها حكاية على المعنى، وذلك أن
الحكاية تكون على المعنى، وتكون على اللفظ والمعنى، وهو الأصل
في الحكاية التي لا يجوز العدول عنها؛ إلا بقرينة من قبل أن
الحكاية.
هي أقرب إلى المماثلة الممكنة
(1/294)
وقيل ثم تول عنهم قريباً منهم {فَانْظُرْ
مَاذَا يَرْجِعُونَ} ثم تول على التقديم والتأخير
وموضع {أَلَّا تَعْلُوا}
يحتمل الرفع على البدل من {كِتَابٌ} ، والنصب على معنى بـ
{أَلَّا تَعْلُوا}
وقيل أرادت بكريم: لأنه من كريم تطيعه الإنس، والجن، والطير.
(1/295)
مسألة:
إن سئل عن قوله: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي
مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ
يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ
قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ
أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ
فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ
إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ
أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي
مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ
الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ
أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا
آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ
لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ
صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ
يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
(38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ
أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ
أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ
فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ
رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي
غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا
نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا
يَهْتَدُونَ (41) }
[الآيات من 31 إلى 41]
فقال ما العلو على القادر؟ ، وما معنى: مسلمين؟ ، وما الفتيا؟
وما معنى: قاطعة أمراً؟ ، وما معنى: قولها {إِنَّ الْمُلُوكَ
إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ
أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ؟ ، وما الإمداد؟
، وما معنى: {آتَانِي اللهُ خَيْرٌ} ؟ وما الهدية؟
وما الدليل؟ وما العزيز؟ وما معنى: قبل أن يرتد إليك طرفك؟
وما معنى: {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ؟ وما معنى:
عفريت؟ ومن الذي عنده علم من الكتاب؟
الجواب:
العلو على القادر: طلب القهر بما يكون به تحت سلطانه
معنى: {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
هاهنا: فيه وجهان: الأول هو: مؤمنين بالله ورسله.
الثاني: مستسلمين لأمري فيما أدعوكم إليه؛ فإني لا أدعوكم إلا
(1/296)
إلى الحق.
الفتيا: الحكم بما هو صواب؛ بدلاً من الخطأ، وهو الحكم بما
يعمل عليه
معنى {قَاطِعَةً أَمْرًا}
أي: قاطعة أحد النقيضين عن الآخر؛ بالعمل به
؛ مع نفي الآخر؛ كأنه عرض لها أمر الملاطفة، أو المخاشنة
فشاورت حتى قوي أمر الملاطفة بالهدية؛ فقطعت بها بالعمل عليها
معنى قولها {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً
أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً
وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ
بِهَدِيَّةٍ}
أي: كونوا على حذر من ذلك؛ فإني مدبرة فيه بهدية أرسلها؛ لأنظر
ما عند القوم فيما يلتمسون من خير، أو شر.
وقاطعة، وفاصلة أمراً، وقاضية أمراً، من النظائر
وقيل عرضوا عليها القتال بقولهم: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ
فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}
عن ابن زيد.
وقيل {إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} بالخراب.
{وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} بالاستعباد.
قال الله - عز وجل - {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ؛ لهذا القول
المحكي.
(1/297)
وقيل: إذا دخلوها عنوة عن ابن عباس
وقيل: أرسلت بوصائف، وغلمان على زي واحد.
فقالت: إن ميز بينهم ورد الهدية، وأبى إلا المتابعة على
دينه؛ فهو نبي، وإن قبل الهدية؛ فإنما هو من الملوك، وعندنا ما
يرضيه.
عن ابن عباس.
الإمداد: إلحاق الثاني بالأول على الوِلاَ، والثالث بالثاني؛
إلى حيث انتهى
فقال: لست أرغب في المال الذي تمدوني، وإنما أرغب في الإيمان
الذي دعوتكم إليه، والإذعان بالطاعة لله، ورسوله
معنى {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ
مِمَّا آتَاكُمْ}
بالتمكين من المال الذي لي أضعافه، وأضعاف أضعافه؛ إلى ما شئت
منه
(1/298)
الهدية: العطية على جهة الملاطفة من غير
مثابة
الذليل: الناقص العزة في نفسه؛ بما لا يمكنه أن يمتنع من
تصريف غيره
العزيز: نقيض الذليل، والجمع أعزة، وأذلة.
معنى: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ
طَرْفُكَ}
فيه قولان:.
الأول: على المبالغة في السرعة عن مجاهد.
الثاني: قبل أن يرجع إليك ما يراه طرفك عن قتادة
وقيل {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}
بما يهدي إليكم؛ لأنكم أهل مفاخرة في الدنيا؛ ومكاثرة
واختلف في الوقت الذي قال فيه سليمان: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي
بِعَرْشِهَا}
فقيل: وقت جاءه الهدهد بالخبر، وهو الوقت الأول؛ لأنه يُب ن به
صدق
الهدهد من كذبه.
ثم كتب الكتاب بعد عن ابن عباس.
وقيل: إنما قال ذلك بعد مجيء الرسل بالهدية عن وهب بن
منبه
واختلفوا في السبب الذي لأجله خص العرش بالطلب:
(1/299)
فقيل؛ لأنه أعجبته صفته؛ فأحب أن يراه،
وكان من ذهب،
وقوائمه من جوهر مكلل باللؤلؤ عن قتادة.
وقيل: أيضاً أحب أن يعاينها به، ويختبر عقلها؛ إذا رأته
أتثبته،
أم تنكره عن ابن زيد.
وقيل: ليريها قدرة الله في معجزة يأتي بها في عرشها
واختلفوا في معنى {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
فقيل: مستسلمين.
أي طائعين عن ابن عباس.
وقيل {مُسْلِمِينَ}
من الإسلام الذي هو دين الله الذي ألزمه.
عباده عن ابن جريج
{عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ}
مارد قوي داهية.
يقال عفريت وعفرية،
ويجمع عفاريت وعفارى.
(1/300)
وقيل: قبل أن تقوم من مجلسك الذي تقضي فيه
عن قتادة
والذي عنده علم من الكتاب: رجل من الإنس كان عنده علم اسم
الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب عن ابن عباس وقتادة.
وقيل: هو يا إلهنا، وإله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام
فلما رأى عرشها مستقراً عنده، وقد حمل العرش من مأرب إلى الشام
في مقدار أن رجع البصر.
وقيل: انشقت عنه الأرض فظهر، والله تعالى قادر على ذلك؛
بأن يعدمه، ثم يوجده في الحال؛ بلا فصل بدعاء الذي عنده علم من
الكتاب، وكان مستجاب الدعوة؛ إذا دعا باسم الله الأعظم؛ لا أن
المعجزة في ذلك لسليمان.
وصاغر ذليل أي: صغير القدر.
وقيل: الذي عنده علم من الكتاب سليمان.
(1/301)
قال للعفريت ليريه نعمه عنده.
وقيل: العزيز الغني بسعة مقدوره التي يمتنع به من غيره
وقيل: الذليل المحتاج الذي لا يمكنه الامتناع من تصريف
غيره
قرأ (فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ) .
بفتح الياء أبو عمرو، ونافع، وعاصم في رواية حفص.
وقرأ الباقون (فَمَا آتَانِ اللَّهُ) بغير ياء في الوصل.
(1/302)
مسألة:
وإن سئل عن قوله: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ
أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ
(41) فَلَمَّا جَاءَتْ
قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا
الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا
كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي
الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ
عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ
قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(44) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
(45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ
قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ
وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ
تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ
(48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ
وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا
مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا
مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا
دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) }
[الآيات من 41 إلى 51]
فقال ما التنكير؟ وما الاهتداء؟ ، وما معنى {وَصَدَّهَا مَا
كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ؟ ، وما الصرح؟ ، وما
اللجة؟ ، وما معنى {وكنا مسلمين} ؟ ، وما الاستعجال؟ ، وما
السيئة؟ ، ومن أين
خرجت لولا إلى معنى هلا؟ وما التطير؟ ،
وما معنى {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} ؟ ، وما الفتنة؟
وما المكر؟
الجواب:
التنكير: التغيير إلى حال ينكرها صاحبها؛ إذا رآها.
فأما الإنكار فجحد العلم بصحة الشيء، وهو نقيض الإقرار
الاهتداء: قبول الهداية إلى طريق الرشد؛ لا من طريق الغي هداه
إلى الحق فاهتدى
(1/303)
معنى {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ
مِنْ دُونِ اللَّهِ}
أي: صدها عن النظر الذي يكون مؤدياً إلى العلم، وذلك أن المسلم
قد اكتسب بصراً بالنظر الذي أدله إلى المعرفة بالله، والإيمان
به.
الصرح: البسيط المنكشف من غير سقف.
ومنه صرح بالأمر؛ إذا أفصح به، ولم يكني عنه.
والتصريح خلاف التضمير.
اللجة: قطع الماء
ومنه لجج في الأمر إذا بالغ بالدخول فيه.
ومنه لج البحر خلاف. الساحل.
{وكنا مسلمين}
من كلام سليمان عن مجاهد
قيل {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ}
أي: صددتها عن عبادة الشمس على دين قومها
وقيل: إنه أجرى الماء تحت الصرح الذي هو كهيئة السطح.
(1/304)
وقيل: إنه أحب أن يختبر بذلك عقلها
وقيل: لا؛ بل قيل له إن ساقها ساق حمار؛ كرجل حمار؛ لأنها من
وُلِدَ بين الإنس والجن، فلما امتحن ذلك، وجده على خلاف ما قيل
له.
وقيل: لما أسلمت تزوجها سليمان.
وممرد: معناه مملس.
وقيل: فريقان: مؤمن، وكافر به. عن مجاهد.
وقيل: إنما عمل ذلك؛ لأنه أراها به عظيم آيات الله؛ لتسلم،
وتهتدي إلى دين الله.
وقيل: الصرح صحن الدار يقال: صرحة الدار، وساحة الدار.
وباحة الدار.
الاستعجال: طلب التعجيل بالأمر
وهو الإتيان به قبل وقته؛ لأن هؤلاء الجهال إذا خوفوا بالعقاب
(1/305)
قالوا: على جهة الإنكار لصحته متى هو؟ وهلا
تأتينا به
السيئة: الخصلة التي تسوء صاحبها حين يجدها.
ونقيضها الحسنة.
خرجت لولا إلى معنى هلَّا؛ لأنها كانت لامتناع الشيء؛ ليكون
غيره؛ في لولا زيد لأتيتك، فخرجت إلى الإنكار؛ لامتناع الشيء
لفساد سببه في {لَوْلَا} .
التطير: التشاؤم، وهو نسبة الشؤم إلى الشيء على ما يأتي به
به الطير من ناحية اليد الشومى، وهي البارح، وأما السانح فهو
إتيانها من جهة اليد اليمنى.
وأصل اطيرنا تطيرنا: دخلت فيه ألف الوصل لما سكنت الطاء
للإدغام
معنى: {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ}
أي: الشر الذي تجدونه بالتطير عند
(1/306)
الله.
لنبيتنه: لنقتلنه بياتاً أو ليلاً.
{ما شهدنا مهلك أهله}
إهلاكه.
وقيل: السيئة قبل الحسنة العذاب قبل الرحمة عن مجاهد.
وقيل {قَالَ طَآئِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ}
مصائبكم عند الله عن ابن عباس.
وفي {تَقَاسَمُوا} وجهان:
بمعنى متقاسمين إلا أنه حذف منه.
وقيل: إنهم لما أتو صالحاً منعتهم الملائكة عن ابن عباس.
وقيل الفتنة هاهنا: قبولهم ما زين من الباطل لهم.
المكر: شدة قبل المكروه بالحيلة على صاحبه.
(1/307)
فجازاهم الله بمكرهم، وجعل وباله عليهم.
وقيل: أهله على دينه
قرأ حمزة والكسائي.
(لتُبَيِّتنَّهُ ثم لَتَقُولُنَّ لِوَلِيِّهِ) بالتاء فيهما
جميعاً..
وقرأ الباقون بالنون.
وقرأ مجاهد بالياء.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (مَهْلَكَ)
بفتح الميم واللام.
وفي رواية حفص. (مَهْلِك) .
بكسر اللام..
وقرأ الباقون (مُهْلَكَ) .
بضم الميم وفتح اللام.
(1/308)
مسألة:
إن سأل عن قوله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ
(51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ
خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ (53) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ
الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ
قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ
قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا
مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا
فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ
أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ
أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ
قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا
وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ
وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي
ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ
بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لَا
يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا
اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ
ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ
مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) }
[الآيات من 51 إلى 66]
فقال ما العاقبة؟ ، وما المكر؟ ، وما التدمير؟ ، وما الخاوي
وما الإتقاء؟ ، وما معنى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ
تُبْصِرُونَ} ؟ وما الفاحشة؟ وما معنى: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ
يَتَطَهَّرُونَ} ؟
وما معنى {إنهم أناس يتطهرون} هنا؟ وما معنى {قَدَّرْنَاهَا
مِنَ الْغَابِرِينَ} ؟
وما معنى النذارة؟ وما الاصطفاء؟ وما جعل الأرض قراراً؟ ، وما
النهر؟
، وما الرواسي؟ وما الحاجز بين البحرين؟ ، وما إجابة دعاء
المضطر؟ ،
وما الفرق بين البيان والبرهان؟.
الجواب:
العاقبة: حال تؤدي إليها التأدية
يقال: أعقبني هذا الدواء صحة..
المكر: الأخذ بالحيلة للإيقاع في بلية
فلما مكروا بصالح؛ ليقتلوه، ومن آمن به؛ لم يتم مكرهم، وأدى.
مكرهم إلى هلاكهم بالتدمير.
التدمير: التقطيع بالعذاب.
(1/309)
دمر الله قوم صالح؛ بأن قطعهم بعذاب
الاستئصال في الدنيا قبل الآخرة؛ فلم يَبق لهم باقية.
الخاو ي: الفارغ مما رسمه أن يكون فيه فكان رسمهم أن
يكونوا في بيوتهم؛ في الأوقات التي يأوون إليها؛ فلما أخذهم
العذاب.
صاروا عبرة لمن نظر إليها، وتذكرها.
الإتقاء: الامتناع من البلاء بما يرده عن صاحبه أن ينزل به.
المكر، والغدر، والحيل نظائر
قرأ {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} بفتح الألف: عاصم، وحمزة،
والكسائي..
وقرأ الباقون {إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} : بكسر الألف.
وفي الفتح وجهان: الرفع على البدل من عاقبة أمرهم.
وقيل تَدْمِيرَنَا إياهم
(1/310)
خاوية، وخالية، وفارغة نظائر.
الفاحشة: القبيحة الشنيعة، وهي الظاهرة القبح، وهي أيضاً
الكبيرة من القبائح.
وقيل: إن بيوتهم هذه المذكورة بوادي القرى، وهو: موضع بين.
المدينة والشام.
ويجوز: وأرسلنا لوطاً، أو اذكر لوطاً.
وقيل {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} أي:
يرى ذلك بعضكم من بعض عتواً وتمرداً.
معنى: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}
أي: يتطهرون عن عملكم في إتي ان ال ذكران.
من العالمين؛ فلا يريدوا مجاورتهم، وهذه صفتهم
معنى: {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ}
: جعلناها من الغابرين؛ لأن جرمها على مقدار جرمهم؛ فلما كان
تقديرها كتقديرهم في الإشراك بالله جرت مجراهم في إنزال العذاب
بهم.
النذارة: الإعلام بموضع المخافة ليتقى
(1/311)
ونقيض ها البشارة، وهي الإعلام بموضع الأمن
لينجى.
النذير: البشير ينذر بالنار، ويبشر بالجنة.
الاصطفاء: إخراج الصفوة؛ لاجتبائها
وقيل {إنهم أناس يتطهرون} عن إتيان الرجال في أدبارهم عن ابن
عباس.
ومجاهد، وقتادة.
الحديقة: البستان عليه حائط يحوطه
بهجة: منظر حسن يسر.
ابتهج به إذا سر به.
{قَدَّرْنَاهَا} : أي كتبنا أنها من الغابرين
وقيل: أمطرت الحجارة على من خرج من المدينة، وخسف
بأهلها؛ فهم يهوون إلى يوم القيامة. عن الحسن.
(1/312)
وقيل: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}
بالله غيره لجهلهم.
وقيل {يَعْدِلُونَ} عن الحق
جعل الأرض قراراً يسكنها؛ للاستقرار عليها، وإمكان التصرف
فيها.
النهر: المجرى الواسع من مجاري الماء
وأصله الاتساع، ومنه النهار لاتساع الضياء به، ومنه إنهار الدم
؛ أي: إهراق كالنهر.
الرواسي: الجبال الثابتة
رست ترسوا رسواً إذا تبتت؛ فلم تبرح من مكانها؛ كالس ينة،
وغيرها، ومنه المراسي.
الحاجز بين البحرين: المانع أن يختلط أحدهما بالآخر، وقد يكون
ذلك بكف كل واحد منهما عن صاحبه.
وفيه دلالة على إمكان كف النار عن الحطب حتى لا تحرقه، ولا
تسخنه كمنع الماء الملح من العذب المجاور له أن يختلط به
إجابة دعاء المضطر: فعل ما دعا به من أجل طلبه، وهذا لا
يكون إلا من قادر على الإجابة مسخر لها؛ لأنها وقعت على ما دعا
به
الداعي.
(1/313)
{***}
ما لهم، وما عليهم في العبادة إن أخلصوها، أو أشركو فيها
وقيل: {ويجعلكم خلفاء الأرض}
أي يخلف أهل العصر الثاني أهل العصر الأول.
كل برهان بيان، وليس كل بيان برهانا؛ لأنه يجمعها إظهار
المعنى للنفس؛ إلا أن أحدهما بمنزلة الناطق؛ بأنه ذا حق، وليس
كذلك البيان؛ لأنه يظهره من غير أن يظهر أن هذا حق، وذاك باطل.
وكل أمور الدين فإنه لا تعلم صحتها إلا ببرهان؛ لأنه لو لم يكن
كذلك لم يقل {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} ، ولا كان عجزهم عن
البرهان؛ فإنه لا يمكن إقامة برهان عليه يوجب أنه باطل.
(1/314)
مسألة:
إن سئل عن قوله: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ
(66) وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا
لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا
مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ
مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ
عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي
تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى
النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ
رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ
(74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا
فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ
عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ
بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ
لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ
إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي
الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ
يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ
الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ
الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا
لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ
فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ
تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)
وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا
يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ
لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ
دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً
وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي
أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ
فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ
فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا
مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ
أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ
كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
(91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا
يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ
الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ
آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ (93) }
إلى آخر السورة.
[الآيات من 66 إلى 93]
فقال ما ادِّرَاك العلم؟ ، وما الشك؟ ، ولم كان الجهل كالعمى؟
،
ولم جاز قلب التراب إلى الحيوان، ولم يجز قلب السواد إلى
البياض؟ ، وما وجه الشبهة في إنكار النشأة الثانية، وإذا أخبر
الحكيم أنه
سيفعل كذا على جهة الوعد به هل يصح ذلك من غير تقييده بوقت؟ ،
وما الردف؟ ، وما الاستعجال؟ ، وما الفضل؟ ، وما الأكنان؟ وما
القصص؟ وما الاختلاف؟ وما معنى {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا}
؟ ، وما معنى: إن تسمع إلا من يؤمن من بآياتنا؟ ، وما معنى:
وإذا وقع عليهم؟ ،
وما معنى: تكلمهم؟ ، وما الدابة؟ ، وما وجه الاعتبار بجعل
الليل
ليسكن فيه؟ ، ولم قيل والنهار مبصراً؟ ، وما وجه النفخ في
الصور؟ ، ولم وجب أن كلا معرفة في {وَكُلٌّ أَتَوْهُ
دَاخِرِينَ} ؟ ، وبما ينتصب صنع الله؟ ،
وما معنى: الإتقان؟ ، وما معنى: فله خير منها؟ ، وما معنى
داخرين؟
الجواب:
إدراك العلم لحاق الحال التي يَظهر فيها معلومه مع الآخرة
يَظهر الحق بما يرى من الأهوال التي من شأنها أن يقع عندها
علم.
بمقتضى ما يحدث من عظيم الأمور.
الشك: لبس النقيضين بما يمتنع من إدراك الحق منهما أيهما هو
، وذلك أنه لا يمكن مع الشك تمييز الحق من الباطل، ولا يكون
الشك
فيه إلا مع الذكر له.
(1/315)
الجهل بالشيء كالعمى عنه؛ لأن كل واحد
منهما يمنع بوجوده
من إدراك الشيء على ما هو به؛ إذ الجهل مضاد للعلم، والعمى
منافي للرؤية.
جاز قلب التراب إلى الحيوان لأن الحيوان إنما كان حيواناً بجعل
جاعل جعل فيه الحياة وإذا شاء رفعها بضده، وكذلك التراب كان
تراباً معنى لو شاء جاعله جعله خزفاً، أو آجراً، أو غير ذلك،
وليس هكذا سبيل.
السواد؛ لأنه سواد لنفسه لا لعلة يجوز ارتفاعها.
وجه الشبهة في إنكار النشأة الثانية طول المدة في النشأة
الأولى
على مجرى العادة، وإذا نظر في أن الذي أجراها على ذلك قادر
على نقضها كما قدر على إجرائها زالت الشبهة
وقيل {بَلِ ادَّارَكَ}
أي: حين لم ينفعهم اليقين؛ مع شكهم في الدنيا. عن ابن عباس
قرأ (بل أَدْرَكَ) ابن كثير، وأبو عمرو..
وقرأ الباقون (ادَّارك) .
أي: تتابع وتلاحق حتى كمل.
(1/316)
إذا أخبر الحكيم أنه سيفعل كذا على جهة
الوعد به يصح ذلك من
غير تقييده بوقته؛ إذ كان عالماً بوقته بعينه، وكان الوعد
منعقداً به،
ومن صفته أنه يعلم الغيوب، وفي صفة غيره إنما هو إخبار عن
غريمه أنه سيفعل فهو في فسحة منه؛ إلى أن يقارب وقتاً يغلب
عليه
أنه إن لم ينجزه فيه؛ فإنه سيغير الوقت بهذا الوجه، ولابد
للموعود
به من وقت وإن لم يذكر مع الوعد.
الردف: الكائن بعد الأول قريباً منه.
الاستعجال: طلب الأمر قبل وقته.
وهؤلاء الجهال طلبوا العذاب قبل وقته تكذيباً به، وقد أقام
الله
عليهم الحجة فيه.
الفضل: الزيادة على ما للعبد.
الأكنان: جعل الشيء بحيث لا يلحقه أذى بمانع يصده عنه
ردف المرء فيه قولان: الأول: أنه من الفعل الذي يتعدى بحرف.
وغير حرف.
(1/317)
والثاني: بمعنى دنا لكم.
القصص: كلام يتلو بعضه بعضاً فيما ينبئ عن المعنى
ومن أجاب على مقدار ما سئل لم يقل إنه أت ى بقصص؛ لأنه
اقتصر على مقدار ما يقتضيه السؤال.
الاختلاف: ذهاب كل واحد إلى نقيض ما ذهب إليه الآخر
معنى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}
أنه يرجع إلى بيان القرآن للحق فيما وقع
فيه الاختلاف بين بني إسرائيل، وغيرهم من أهل المذاهب.
معنى الوصف بالعزيز العليم هنا أي العليم بصحة ما يقضي به
العزيز بما لا يمكن رد قضائه فهو يقضي بين المختلفين بما لا
يمكن.
أن يرد ولا يلتبس بغير الحق.
واختلاف بني إسرائيل كاختلافهم في المسيح، حتى قالت اليهود
بتكذيبه في نبوته، وقالت النصارى بإلاهيته.
وما قالت اليهود في نسخ الشريعة حتى أجازه بعضهم من غير
التوراة وأباه آخرون منهم فلم يجيزوا النسخ أصلاً.
(1/318)
وكان عندهم بمقدار كاختلافهم في المعجزة
حتى قال بعضهم
لا تكون إلا بما يدخل تحت مقدور العباد.
وقال آخرون قد يكون إلا أنه ما يعلم أنه مما لا يمكن بالبديهة،
وكاختلافهم في صفة المبشر به في التوراة حتى قال بعضهم هو
يوشع ابن نون.
وقال بعضهم غير ذلك، وكل هذا قد دلَّ القرآن
على الحق فيه.
وقيل العزيز في انتقامه من المبطلين، العليم بالمحق من
المختلفين.
وقيل قد بين القرآن اختلافهم في من سلف من الأنبياء.
وفي الآية تسلية للمحقين الذين خولفوا في أمر الدين؛ بأن أمرهم
يؤول إلى أن يحكم بينهم رب العالمين بما لا يمكن دفعه، ولا
تلبيسه
؛ وقيل: إن بني إسرائيل اختلفوا حتى لعن بعضهم بعضاً.
كالشمعتية، والعنانية، والسامرة.
الهادي: القائد إلى الحق بدعائه واقتضائه إياه، وقد يكون
(1/319)
بفعل المعرفة في قل ب المهت دين، وذلك لا
يق در عليه إلا الله - عز
وجل - وقد فعلها في قلب المؤمنين المهتدين، وغيره يهدي
بالدعاء،
وبالبيان فقط.
والضلالة الذهاب عن طريق الصواب، وقد يضل بالدعاء إلى
الضلال، ويضل المضل بأن يخلق الضلال في العين، وهو الجهل
بالحق، أو الشك فيه، وذلك مما لا يقدر عليه إلا الله - عزَّ
وجلَّ -.
كما قلنا في الهداية التي هي المعرفة.
معنى {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا}
أي: إلا من يطلب الحق بالنظر في آياتنا، ويسلك طريق القبول،
وهو من سبق من الله العلم بأنه يوفقه، ويؤمن.
معنى {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ}
أي إذا سبق الحكم من الله بأنهم لا يفلحون
صاروا إلى منزلة لا يفلح أحد منهم، وأخذوا حينئذ بمبادئ
العقاب.
بإخراج الدابة.
معنى {تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا
يُوقِنُونَ}
فيه وجهان:
الأول: تكلمهم بما يسوؤهم أنهم صائرون إلى النار، من الكلام
(1/320)
بلسان الآدميين الذين يفقهونه، ويفقهون على
معناه.
الثاني: تكلمهم من الكلم.
وقيل: إنها تكتب على جبين الكافر أنه كافر، والمؤمن أنه
مؤمن.
وقيل: إن الدابة تخرج إذا لم يؤمر الناس بالمعروف، ولم ينهوا
عن المنكر.
عن ابن عمر، وعطية.
وقيل تكلمهم {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا
يُوقِنُونَ} .
(1/321)
وقيل الدابة تخرج بين الصفا والمروة
وجه الاعتبار بجعل الليل ليسكن فيه؛ أن من جعل الشيء لما
يصلح به من الانتفاع به؛ فإنما ذلك بالاختيار.
وفيه بطلان قول كل مخالف للحق في هذا الباب ممن أضاف الفعل إلى
الطباع، أو ما جرى مجرى هذا مما ليس بمختار.
وقوله {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}
فيه وجهان:.
الأول: لأنه بمعنى ذو إبصار كعيشة راضية أي ذات رضى.
كقول النابغة
كليني لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَة نَاصِبُ
أي ذو نصب.
الثاني: لأنه يريك الأشياء كما يراها من يبصرها بالنور الذي
(1/322)
تجلى عنها.
وجه النفخ في الصور: أنه على تقرر ضرب البوق؛ للاجتماع
على المسير إلى أرض الجزاء بالحال التي تعرف في دار الدنيا.
ومن ذهب إلى أنه جمع صورة: فالمعنى أنه نفخ الأرواح في الأجساد
بردها إلى حال الحياة التي كانت عليها
كلا معرفة في {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} ؛ لأنه قطع عن
الإضافة إلى
المعرفة، وفيه ذلك المعنى؛ كما قطع من قبل، ومن بعد، إلا أنه
لم
يبن؛ لأنه قطع عن متمكن تام التمكن
نصب {صُنْعَ اللهِ} .
بما دل عليه ما تقدم من الكلام، وهو {وَتَرَى الْجِبَالَ
تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} عليه.
قيل صنع صنعه الذي أتقن كل شيء؛ إلا أنه أظهر اسم الله في
الثاني؛ لأنه لم يذكر في الأول، وإنما دل عليه.
وقيل: الصور قرن البوق ينفخ فيه. عن مجاهد.
وقيل النفخة الأولى: نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق،
والثالثة نفخة القيام؛ لرب العالمين.
(1/323)
وقيل في خبر مرفوع.
{إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} أي: من الشهداء.
وقيل: الصُورُ صُوَرُ الخَلْقِ عن الحسن، وقتادة..
{وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}
أي صاغرين عن ابن عباس.
وقيل الإتقان الإحكام.
وقيل {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}
أي خير يصيبه منها.
وقيل بل أفضل منها
وقيل {حَرَّمَهَا}
عظم حرمتها أن يسفك دم حرام فيها، أو يظلم أحد
(1/324)
فيها، أو يصطاد صيدها، ويختلي خلاها
وقيل {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}
أي من الملائكة الذين ثبت الله قلوبهم.
وقيل إسرافيل هو النافخ في الصور
وحمزة (أَتَوْهُ) .
قرأ عاصم في رواية حفص، والمفضل بالقصر مقصورة مفتوحة التاء
فَعَلُوهُ
وقرأ الباقون (وكل آتَوُهُ)
ممدودة مضمومة التاء على فاعلوه.
(1/325)
قرأ [عاصم] وحمزة والكسائي (مِنَ فَزَعٍ)
[بالتنوين]
(يوَمَئِذٍ} بفتح الميم.
وقرأ الباقون (من فَزَعِ يَوْمئِذٍ) .
بغير تنوين مضافاً.
(1/326)
|