تفسير ابن فورك سورة القصص
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه: {طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي
الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً
مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ
إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ
عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ
أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ
لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا
خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي
وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ
لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ
فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى
أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا
إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى
قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ
لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (11) }
[الآيات من 1 إلى 11]
فقال: ما البيان؟ ، وما التلاوة؟ ، وما النبأ؟ ، وما الحق؟ ،
وما
الإيمان؟ ، وما معنى: المبين؟ ، وما معنى: علا في الأرض؟ ، وما
التمكين
؟ ، والضمير في {مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} إلى ماذا
يعود؟ وما الحذر؟ ، وما الخوف؟ ، وما اليم؟ ، وما معنى:
فارغاً؟ ، وما معنى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} ؟
الجواب:
البيان: إظهار المعنى للنفس؛ بما يميزه من غيره؛ لأنه من
أبنت كذا من كذا؛ إذا فصلتَهُ منه.
البرهان: هو إظهار المعنى بما يتبين أنه حق؛ إذا كان حقاً،
وباطل؛ إذا كان باطلاً.
التلاوة: الإتيان بالثاني: بعد الأول في القراءة.
النبأ: الخبر عما هو عظيم الشأن.
وعظم الشأن على ثلاث مراتب: عظم الشأن في أعلى المراتب،
وعظم الشأن في أدنى المراتب، وعظم الشأن في الوسائط.
الحق: ما يحقق كونه أو حسنه.
الإيمان: التصديق بفعل ما يؤمن من العقاب.
(1/327)
المبين: المبين الرشد من الغي عن قتادة.
وقيل: المبين أنه من عند الله.
وقيل: سُنَّتُنَا فِيكَ، وفي قومك؛ كسنتنا في موسى، وفرعون.
وقيل {عَلَا فِي الْأَرْضِ} ببغيه، وتجبره عن قتادة.
وشيعاً: فرقاً.
وقيل {عَلَا فِي الْأَرْضِ} باستعباده إياهم.
أي: من بني إسرائيل. عن قتادة.
وقال الحسن: المعنى هذا القرآن هو الكتاب المبين.
التمكين: تكميل ما يحتاج في الفعل إليه.
(1/328)
الضمير في {مِنْهُمْ مَا كَانُوا
يَحْذَرُونَ}
يعود على بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا يحذرون ذهاب ملكهم على يد
واحد منهم، ولذلك ذبح أبناءهم.
الحذر: توقي ما فيه الضرر
فهؤلاء طلبوا الحذر من غير وجه؛ إذ قتلوا الأطفال ظلماً لأجله،
ولو طلبوه بالإنابة إلى ربهم، ودعائهم إياه بكشفه عنهم؛ لكانوا
طالبين من وجه.
الخوف: توقع ضرر لا يؤمن به.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}
قيل بالقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة.
عن قتادة.
فأزيل خوف أم موسى بما وعدها الله منسلامته على أعظم
الأمور من إلقائه في البحر الذي هو سبب الهلاك في ظاهر
التقدير.
لولا لطف الله تعالى لحفظه حتى يرده لأمه.
(1/329)
وقيل كان الوحي رؤيا منام عبر عنه من تَثق
به من علماء بني إسرائيل.
وقيل معنى الوحي: إلقاء المعنى إلى النفس من غير إيضاح بالذكر.
الربط على القلب تقويته على الأمر حتى لا يخرج فيه إلى ما لا
يجوز.
اليم: البحر يعنى به النيل.
الالتقاط: إصابة الشيء من غير طلب.
ومنه اللقطة.
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا}
في عاقبة أمره.
{لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا}
وهذه لام
(1/330)
العاقبة.
كقوله: لِدُو لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ.
{لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}
أن هلاكهم على يده. عن قتادة.
وقيل {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا}
من كل شيء إلا من ذكر موسى، عن ابن عباس وقتادة.
(1/331)
وقيل {فَارِغًا}
من وحينا بنسيانه عن الحسن ...
{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ}
أي: تذكر موسى فتقول يا ابناه عن ابن عباس وقتادة.
وقيل: {لَتُبْدِي بِهِ} أي بالوحي.
قرأ حمزة، والكسائي (وَيَرَى فِرْعَوْنُ) بالياء، ورفع الاسم.
وقرأ الباقون (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ) بالنون
وقرأ حمزة، والكسائي (وحُزْنا) ، بضم الحاء وإسكان الزاي.
وقرأ الباقون (وحَزَنَا) بفتحتين.
(1/332)
مسألة: إن سئل عن قوله: {وَقَالَتْ
لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (11)
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ
وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ
تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا
وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ
فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا
مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى
الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ
قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ
مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ
لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا
لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا
يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ
يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ
(18) }
[الآيات من 11 إلى 18]
فقال: ما معنى قصيه؟ ، وما معنى: عن جنب؟ ولم قيل
{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} وليس هناك نهي؟ وما
النصح؟ وما معنى: وكزه؟ وما معنى: هذا من شيعته
؟ وما معنى: من عمل الشيطان؟ وما معنى: بلغ أشده؟ وكيف قال
موسى {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} في شيء لا عقاب عليه؟
وما الظهير؟ وما الفاء في {فَأَصْبَحَ} ؟ وما الاستصراخ؟ وما
الترقب؟
وما معنى: إنك لغوي؟.
الجواب: معنى (قُصِّيهِ) اتبعي أثره
قصه يقصه قصا؛ إذا اتبع أثره.
ومنه القصص الذي هو حديث يتبع فيه الثاني الأول
معنى {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ}
مكان جنب، وهو الجانب.
وذلك أن الجنب صفة وقعت موقع الموصوف، ولأن المعنى معلوم.
قيل: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ}
وإن لم يكن نهي كما يقال: حرم فلان على نفسه كذا؛ بالامتناع
اللازم له.
النصح: إخلاص العمل من شائب الفساد.
وهو نقيض الغش.
(1/333)
وقيل: {عَنْ جُنُبٍ}
عن بعد. عن مجاهد.
وقيل: وآل فرعون لا يشعرون أنها أخته عن قتادة.
{يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ}
أي يضمنونه برضاعه والقيام عليه
وقيل: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى}
ثلاثاً وثلاثين سنة، واستواءَه أربعين سنة. عن قتادة.
وقيل: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ
أَهْلِهَا} ؛ لأنه كان
وقت القائلة.
وقيل: بل لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به.
{فَوَكَزَهُ}
دفع في صدره بجمع كفه.
ونظيره لكزه، ولهزه.
وقيل: هذا من شيعته أي: إسرائيلي، وهذا من عدوه أي قبطي.
عن مجاهد.
(1/334)
وقيل: هذا مسلم، والآخر كافر.
{هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}
أي: من إغوائه حتى زدت في الإيقاع به، وإن
كنت لم أتعمد قتله.
وقيل: إن فرعون سأل أمه كيف ارتضع منك، ولم يرضع من غيرك،
فقالت: إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا
ارتضع مني.
وقيل: لأخته من أين قلت {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} : فقالت
عنيت: ناصحون للملك.
فيه لطيف تدبير الله؛ بتسخير فرعون؛ لعدوه حتى تولاه في تربيته
من قبل رده على أمه.
وقيل بلغ أشده: قيام الحجة عليه.
عن الحسن.
(1/335)
وقال: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ
أَهْلِهَا}
كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم، ولعبهم.
جاز أن يقول موسى: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} .
في شيء لا عقاب عليه فيه من حيث؛ إنه رأى تركه أفضل من فعله؛
فكأنه بخس نفسه ذلك الفضل؛ فقال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ
نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} .
الظهير: الذي يظهر المعاونة لغيره؛ بما يصير كالظهر له الذي
يحميه من عدوه.
دخلت الفاء في: {فَأَصْبَحَ}
على العطف على ما قبله.
الاستصراخ: طلب الصراخ على العدو بما يردعه عن الإيقاع
بمن قد تعرض له.
الاستنصار: طلب النصر على العدو.
والاستنجاد: طلب النجد بما يكف العدو عن صاحبه.
وقيل {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا
لِلْمُجْرِمِينَ}
بالمغفرة فلن أعين بعدها على خطيئة.
(1/336)
وقيل: {يترقب}
الأخبار. عن ابن عباس
وقيل قال: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا
بِالْأَمْسِ}
من قول الإسرائيلي؛ لما خاف على نفسه عند قول موسى: {إِنَّكَ
لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} .
عن ابن عباس، وأكثر أهل العلم.
وقيل: بل هو من قول الفرعوني لأنهم كانوا قد انتهوا من القتيل؛
أنه قتله بعض بني إسرائيل. عن الحسن.
و {يأتمرون بك}
أي في قتالك من لا تطيق منع شره عنك
من أصحاب فرعون.
وقيل: {يأتمرون بك}
أي: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك
(1/337)
مسألة: وإن سئل عن قوله - سبحانه -:
{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي
مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي
أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ
مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ
يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ
قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ
الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا
ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا
أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ
إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي
يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا
جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ
مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا
أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ
الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ
أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ
تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا
فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ
ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ
فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
(28) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ
آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ
امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا
بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
(29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ
الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ
أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
(30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ
كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا
مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) }
[الآيات من 21 إلى 31]
فقال ما الترقب؟ وما التوجه؟ ، وما معنى: سواء السبيل؟ ، وما
الخطب؟ ، وما الصدر؟ ، وما معنى: تذودان؟ ، وما معنى:
{قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} ؟ وما
معنى: على استحياء؟ ، وما الاستئجار؟ ، وما القوي؟ ، وما
الأمانة؟ ، وما الإنكاح؟ ، وما الجذوة؟ .
الجواب:.
الترقب: طلب ما يكون من المعنى على حفظه؛ للعمل عليه.
ونظيره التوقع، وهو طلب ما يقع من الأمر متى يكون.
التوجه: صرف الوجه على جهة من الجهات
معنى {سَوَاءَ السَّبِيلِ}
وسط الطريق المؤدي إلى النجاة، وذلك أن
الأخذ يميناً، وشمالاً يباعد عن طريق الصواب، ويقرب منه لزوم
الوسط على اليمين؛ فهذا هو المبتغى في الهداية.
(1/338)
الخطب: الشأن.
وهو بمعنى: الشأن وهو الأمر الذي فيه تفخيم الشيء.
الصدَرُ: الانصراف عن الماء
صدر يصدر صدراً، وأصدره غيره إصدَاراً.
ومنه الصدر؛ لأن التدبير يصدر عنه.
ومنه المصدر؛ لأن الأفعال تصدر عنه.
وقيل خرج منها خائفاً من قتله النفس يترقب الطلب عن قتادة.
وفعل ذلك من تلقاء نفسه أي: من حذاء داعي نفسه.
مدين: لا ينصرف؛ لأنه اسم بلدة معروفة.
(1/339)
وقيل بين مصر، ومدين ثماني ليال، وهو نحو
ما بين الكوفة والبصرة.
عن ابن عباس.
ذاد شاه، وإبله عن السقي يذوذها ذوذا إذا حبسها
عنه؛ بمنعها منه.
وقيل {تَذُودَانِ}
أي تحبسان غنمهما. عن السدي.
وقيل: {تَذُودَانِ}
الناس عن شائهما عن قتادة) .
{قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}
فإنا لا قوة بنا على الاستقاء وإنما ننتظر فضول الماء في
الحوض.
عن ابن عباس، وقتادة.
(1/340)
{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}
لا يقدر على أن يتولى ذلك بنفسه
[رفع لهما حجراً عن بئر لا يقدر] على رفعه إلا عشرة رجال.
ثم استقى لهما عن شريح.
وقيل: إنه زحم القوم على الماء حتى أخرهم عنه؛ ثم سقى لهما.
عن ابن عباس.
وقيل: أدرك موسى جوعٌ شديدٌ فقال: {رَبِّ إِنِّي لِمَا
أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} . عن ابن عباس.
وقيل: {عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}
مستترة بكم درعها، أو قميصها..
{قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
أي ليس لفرعون سلطان بأرضنا. عن ابن عباس.
(1/341)
وقيل: خرج بغير زاد، وكان لا يأكل إلا حشيش
الصحراء؛ إلى
أن بلغ ماء مدين.
وقيل: الشيخ شعيب.
وقال الحسن: لا بل رجل مسلم قبل الدين من شعيب ومات شعيب
قبل ذلك.
قرأ (يَصْدُرَ الرِّعَاءُ) بفتح الياء وضم الدال أبو عمر وابن
عامر.
وقرأ الباقون (يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) بضم الياء وكسر الدال.
الاستئجار: طلب الإجارة، وهي العقد على أمر بالمعاوضة.
القوي: القادر العظيم المقدور.
ومنه وصف الله بأنه القوي العزيز.
وأصل القوة عند بعضهم شدة الفتل من قوي الحبل، وهي طاقاته
(1/342)
التي يفتل عليها؛ ثم نقل إلى معنى القدرة
على الفعل.
الأمانة: نقيض الخيانة.
الإنكاح: عقد ولي الامرأة على غيره الزوجية، وهي تزويجه
إياها.
فأما النكاح فتزويج الرجل المرأة.
وقيل قوته: أنه سقى الماشية بدلو واحد..
وأمانته غض طرفه، وأمره لها أن تمشي خلفه عن قتادة
معنى: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}
على أن تجعل أجري على تزويجي إياك رعي ماشيتي ثماني سنين؛ لأنه
جعل صداق ابنته هذا الذي عقد عليه.
وقيل: قضى موسى أتم الأجلين، وأوفاهما. عن ابن عباس
الجَذْوَةُ: القطعة الغليظة من الحطب فيها النار، وهي مثل
(1/343)
الجذوة من أصل الشجرة.
وفيها ثلاث لغات..
جِذُوة، وهي الأشهر، وجَذوة بالفتح، وجُذوة بالضم.
وقيل: الجذوة الشعلة من النار عن قتادة.
وشاطئ الوادي جانبه، وهو الشط ويجمع شواطئ وشطآن
قرأ حمزة (جُذْوَة ٍ) بالضم.
وقرأ عاصم (جَذْوَة) بالفتح..
وقرأ الباقون (جِذْوة ٍ) بالكسر.
(1/344)
مسألة:
وإن سئل عن قوله - سبحانه -: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا
رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ
يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ
الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ
يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ
وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ
بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِهِ
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي
قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ
مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ
(34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا
سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا
وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَهُمْ
مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا
سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا
الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ
جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ
الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ
فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ
إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ
فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى
وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ
هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ
وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا
يُنْصَرُونَ (41) }
[الآيات من 31 إلى 41]
فقال: ما الإلقاء؟ وما العصا؟ وما الاهتزاز؟ وما الردء؟ وما
السلطان؟
وما معنى:، واضمم إليك جناحك؟ وما معنى: فذانك؟
وما معنى: السلطان؟ وما الرهب؟ وما وجه الشبه في
أنهم ما سمعوا بهذا في آبائهم الأولين؟ وما معنى: سحر مفترى؟
وما وجه الاحتجاج بـ {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى
مِنْ عِنْدِهِ} ؟
الجواب:.
الإلقاء: إخراج الشيء إلى جهة السفل
وألقى عصاه أي: أخرجها من يده؛ إلى الأرض فانقلبت بإذن الله.
ثعباناً عظيماً تهتز؛ كأنها جان في سرعة حركته، وشدة اهتزازه.
العصا: عود كالعمود من خشب.
وفي انقلابه إلى الحيوان: دليل على أن الجواهر من جنس واحد
؛ لأنه لا حال أبعد من الحيوان من حال الخشب وما جرى مجراه.
من الجماد وذلك يقتضي صحة قلب الأبيض إلى حال الأسود
(1/345)
الاهتزاز: شدة الاضطراب في الحركة
وللحيوان حركة تدل عليه؛ إذا رؤي عليها لا يشك في أنه حيوان.
بها، وهي التصرف بالاختيار من غير دفع ولا سبب.
الردء: العون الذي يدفع الشر عن صاحبه.
وهو المعين في دفع الردى عن صاحبه.
السلطان: القوة على تدبير العامة، وتقويمهم على ما توجبه
السياسة.
{واضمم إليك جناحك}
أي يداك لأجل الحية عن مجاهد وقتادة.
{فذانك}
قيل في تشديده ثلاثة أقوال:
(1/346)
الأول: التوكيد.
الثاني: الفرق بين النون التي تسقط للإضافة، وبين هذه النون.
الثالث: الفرق بين تثنية الاسم المتمكن وغيره..
وقيل: إنه أُمِر أن يدخل يده في فِيها ففعل فعادت عصا كما
كانت.
وقيل السلطان: القوة التي كانت لهما بالعصا.
وقيل: ردأته أردأه؛ إذا أعنته وأردأته أيضاً.
قرأ (من الرَّهَبِ) بفتح الراء، والهاء ابن كثير، ونافع، وأبو
عمرو.
وقرأ الباقون (الرُّهْبِ) بضم الراء، وتسكين الهاء.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو (فَذانِّك) مشددة النون،
وقرأ الباقون (فَذَانِكَ) خفيفة.
وقرأ عاصم وحمزة (تُصَدِّقُنِي) بضم القاف.
وقرأ الباقون بالجزم.
وجه الشبهة في أنهم ما سمعوا بهذا في آبائهم الأولين: أنهم
الكبراء الذي لو كان حقاً لأدركوه؛ لأنه لا يجوز أن يدرك الحق
الأنقص في العقل والرأي، وأن لا يدركه الأفضل منهما؛ فغلطوا في
أن
(1/347)
ما طريقة إلا الاستدلال قد يصيبه من سلك
طريقة، ولا يصيبه
من لم يسلك طريقه.
معنى: {سِحْرٌ مُفْتَرًى}
سِحْرٌ مختلق لم يبن على أصل صحيح؛ لأنه حيلة توهم خلاف
الحقيقة
وجه الاحتجاج بـ {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى
مِنْ عِنْدِهِ}
أنه عالم بما يدعوا إلى الهدى مما يدعوا إلى الضلالة؛ لأنه
عالم بما في ذلك للعباد
وعليهم ثم بين ذلك بقوله: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الظَّالِمُونَ} ، وأن عاقبة الفلاح
لأهل الحق، والإنصاف.
فإن قيل لم قالوا: {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا
الْأَوَّلِينَ}
مع شهرة قوم نوح، وصالح، وهود، وغيرهم من النبيين الذين دعوا
إلى توحيد الله، وإخلاص عبادته.
قيل فيه وجهان:
أحدهما: أنه للفترة جحدوا أن تقوم به الحجة.
والوجه الآخر: بأن آباءهم ما صدقوا بشيء من ذلك، ولا دانوا به.
الاطلاع: الظهور على الشيء من علو، وهو الإشراف عليه
قرأ ابن كثير وحده (قَالَ مُوسَى) بغير واو.
(1/348)
وكذلك هي في مصاحف أهل مكة
وقرأ الباقون (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ) بواو.
وكذلك في مصاحفهم.
(1/349)
مسألة:
إن سئل عن قوله - سبحانه -: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا
يُنْصَرُونَ (41)
وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا
الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً
لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ
الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا
كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا
قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ
ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا
وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ
الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ
لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ
مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا
لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ
وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ
الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا
أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ
قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ
كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ
هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) }
.....
[الآيات من 41 إلى 50] .
فقال: ما معنى {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} ؟ وما الإمام؟ وما
الداعي؟ وما الاتباع؟
وما معنى {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} ؟
وما النداء؟ وما معنى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ
نَادَيْنَا} ؟ وما الإنذار؟ وما التذكير؟ وما الهوى؟ وما
الطور؟
الجواب:.
معنى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً}
أي: خلقنا فيهم ما كانوا به أئمة من أفعالهم.
الإمام: المقدم للاتباع.
الداعي: الطالب من غيره أن يفعل بالقول، أو الإظهار الذي
يقوم مقام القول.
الاتباع: إلحاق الثاني بالأول
فهؤلاء الدعاة إلى الضلالة ألحقوا اللعنة تدور معهم حيث ما
كانوا.
، وفي ذلك أعظم الزجر عما فيه القبح.
وقيل: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ}
مع اللعنة وقيل كانوا يتناصرون في الدنيا، وهم لا ينصرون في
الآخرة
(1/350)
وقيل قبحه الله يقبحه قبحاً، وهو مقبوح؛
إذا جعله قبيحاً
معنى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ}
أي بجانب.
غربي الجبل عن قتادة.
قضينا إليه الأمر: فصلنا الأمر بما ألزمناه وقومه، وعهدنا
إليه.
الثاوي: المقيم.
وقيل: {أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}
يدعون إلى النار بتعريف الناس أنهم كانوا
كذلك؛ كما يقال جعلناه رجل سوء بتعريفنا حاله.
وقيل: المقبوح: المشوه بخلقته لقبيح عمله.
النداء: الدعاء بيا بقوله: (يَا مُوسَى خُذِ الكِتَابَ
بِقُوَّةٍ) .
{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} ؛ لما فيه
من العبرة، والموعظة، وأن سبيلك؛ كسبيل غيرك من النبيين في
التأييد في المعجزة الدالة على النبوة.
(1/351)
الإنذار: الإعلام بموضع المخالفة ليتقى.
فالنبي نذير؛ لأنه معلم حال المعصية، وما يستحق عليها من
العقاب.
النذر: العقد على ضرب من البر بالسلامة من الخوف.
التذكر: طلب الذكر بالفكر، والنظر، ونصب الآيات؛ للتذكر
بما فيها وما تقتضيه من مدلولادتها.
الهوى: ميل الطباع إلى المشتهى.
جواب لولا محذوف أي: لعاجلناهم بالعقوبة، ودليله أن معنى
الكلام الامتنان عليهم بالإمهال؛ حتى يذكر ما أتى به الرسول.
{قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا}
موسى، ومحمد. عن ابن عباس.
وقيل: موسى وهارون. عن مجاهد.
(1/352)
ومن قرأ (سِحْرَانِ) فمعناه: التوراة
والقرآن عن ابن عباس.
وقيل: الإنجيل، والفرقان. عن الضحاك.
وقيل: التوراة، والإنجيل عن عكرمة.
{وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ}
أي: من كتاب موسى ومحمد. عن ابن زيد.
الطور: الجبل.
وهذه المرة الثانية التي كلم الله فيها موسى.
وقيل جواب لولا: لما.
{قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى
مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
أي بكل ما أمرهم به، وذكر أنه من عند الله.
ويحتمل أي: بموسى، وهارون.
وفي الآية دلالة على بطلان تقليد من لا حجة معه من الله في
(1/353)
تقليده؛ لأنه لا أحد أضل منه.
{وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ}
أي مشركوا العرب كفروا بالتوراة، والقرآن. عن الحسن.
قرأ عاصم وحمزة والكسائي (سِحْرَانِ) بغير ألف.
وقرأ الباقون (سَاحِرَانِ) بألف.
(1/354)
مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه-:
{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (51)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ
يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا
بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ
قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ
مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا
سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا
أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا
نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ
الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ
نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ
كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ
بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ
مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ
الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى
حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا
ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ
خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ
وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ
مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) }
[الآيات من 51 إلى 61]
فقال ما الفرق بين توصيل القول وبين تصريفه؟ ، وعلى ما يعود
الضمير في من قبله؟ ، وما الأجر؟ ، وما الصبر؟ ، وما اللغو؟ ،
وما
الهدى هاهنا في قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ؟
وما المحبة؟ وما معنى {فِي أُمِّهَا} ؟
وما التخطف؟ ، وبأي شيء جعل الله الحرم آمناً؟
وما معنى: {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ
بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} ؟
الجواب: إن تصريف القول تصييره في جهات من المعاني المختلفة،
وتوصيله تصيير بعضه يلي بعضاً بحسب ما تقتضيه المعاني المختلفة
الضمير في {مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ} يعود على القرآن، وقد
تقدم ذكره في
{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ
مُسْلِمِينَ}
هم بالقرآن يؤمنون من قبل نزوله، ومن بعد نزوله.
الأجر: الحق اللازم على عمل البر
والصابر يؤتى أجره مرتين؛ بعمل الطاعة لله، والصبر عليها.
لما يوجبه التمسك بها.
(1/355)
الصبر: حبس النفس عما تنازع إليه مما لا
يجوز أن يتخطى إليه
ولذلك مدح الله الصابرين، والصبر على الحق مرٌّ إلا أنه يؤدي
إلى أحلى من الشهد.
اللغو: الفعل الذي لا فائدة فيه، وإنما يفعله فاعله على توهم
فاسد.
وأصل التوصيل من وصل الحبال بعضها ببعض.
وقيل: {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ}
في الخبر عن أمر الدنيا والآخرة. عن ابن زيد.
وقال الحسن: {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ}
بما أهلكنا من القرون قرناً بعد قرن فأخبرناهم أنا أهلكنا قوم
نوح بكذا، وقوم هود بكذا، وقوم صالح بكذا.
{قَالُوا آمَنَّا بِهِ} ؛ فيخافوا أن ينزل بهم ما نزل بمن
قبلهم.
(1/356)
الهدى هاهنا اللفظ الذي لا يقدر عليه إلا
الله، ويحتمل أن يكون
هو الاهتدى إلى الحق، وهو فعل الله تعالى أيضاً.
{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}
الذين هداهم إلى الحق؛ لأنه هو الخالق لهدايتهم..
المحبة: الإرادة.
التخطف: أخذ الشيء على طريق الاستلاب من كل جهة.
جعل الله الحرم آمناً. بوجهين:
أحدهما: ما طبع النفوس عليه من السكون إليه، وترك النفور؛ مما
ينفر عنه من غيره؛ كالغزال مع الكلب، والحمام مع الناس وغيرهم.
والآخر: بما حكم به على العباد من جهة الأمن بأمان من دخله،
ولاذ به.
(1/357)
وقيل في {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ}
قولان:.
أحدهما: من أحببت هدايته.
والآخر: من أحببته لقرابته
وقيل في {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}
نزلت في أبي طالب عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة
فإنه كان حريصاً على إيمان أبي طالب محبا يجمع من كل
جهة.
البطر، والأشر من النظائر
وقيل في: (أمها) قولان:
أحدهما: أن أم القرى، وهي مكة
(1/358)
والآخر: في معظم القرى من سائر الدنيا.
{فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا
قَلِيلًا} (1)
__________
(1) لعل تفسير هذه الآية ساقط من الأصل.
(8 / 147) وهذا معناها من التبيان "لم تسكن من بعدهم إلا
قليلاً من الزمان ثم. هلكوا، وورث الله تعالى مساكنهم؛ لأنه لم
يبق منهم أحد.
(1/359)
مسألة: إن سئل عن قوله: {أَفَمَنْ
وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ
مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
(61) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ
شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ
الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ
الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا
تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63)
وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ
كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ
مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ
الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)
فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ
يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ
اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ
يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69)
وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي
الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ (70) }
[الآيات من 61 إلى 70]
فقال: ما الفرق بين المتعة والمنفعة؟ وما المتاع؟ وما معنى:
{أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ
مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ؟
وما الإحضار؟ وما الزعم؟ وما معنى {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ
الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ} ؟
وما معنى {فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ} ؟ ولم قيل {فَعَسَى أَنْ
يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) } ؟ وما معنى: {وَرَبُّكَ
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} ؟ وما معنى {سُبْحَانَ
اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ؟ وما معنى: {مَا
كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} ؟
الجواب: المتعة منفعة، وليس كل منفعة متعة؛ فإنه قد ينتفع بألم
يؤدي إلى لذة في العاقبة؛ فإدراك المناظر الحسنة متعة، وسماع
الأغاني المطربة متعة.
المتاع: على وجهين:
يكون [بمعنى] المتعة.
(1/360)
ويكون الأثاث الذي يتمتع به من نحو الفرش
والثياب وغيرهما.
والمعنى هنا متعة الحياة الدنيا.
{أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ
مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
للجزاء بالعقاب وذلك أنه ذكر من وعد وعداً حسناً، فدل على أهل
الثواب، ثم ذكر أنه لا يستوي أهل الثواب، وغيرهم؛ فدل على أهل
العقاب؛ لبعد حال كل فريق من الفريق الآخر.
الإحضار: إيجاد ما يكون من الشيء بحيث يشاهد.
فلما كان هؤلاء القوم يوجد يوم القيامة ما به يكونون بحيث
يشاهدهم الخلائق كانوا محضرين.
الزعم: القول في الأمر عن ظن، أو علم.
وقيل التقدير
(1/361)
يودوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا
يهتدون.
وقيل: لو كانوا يهتدون ما رأوا العذاب.
العمى: آفة تنافي صحة البصر.
وما ينافي إدراك البصر على وجهين:
أحدهما: آفة مانعة من كل إدراك هي العمى.
ومانع من الإدراك ليس بالعمى.
{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ}
هاهنا تشبيه بالعمى عن الإبصار، وذلك بانسداد طرق الأنباء
معنى {فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ} .
أي: وهم لانسداد طريق الأنباء عليهم لم
يجيبوا عما سئلوا عنه فيما أجبتم المرسلين؟.
ولا يسأل بعضهم بعضاً عنه؛ لانقطاعهم عن الحجة فيه
قل {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى
أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) } ؛ لأنه على رجاء أن
يدوم على ذلك فيفلح،
(1/362)
وقد يجوز أن يزل فيما بعد فيهلك فلهذا ذكر
بعسى
معنى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}
فيه وجهان:
الأول: ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة فيدل بذلك على شرف
اختياره لهم
الثاني: أن تكون (ما) نفياً أي ما كان لهم الخيرة على الله،
وله
الخيرة عليهم؛ لأن مالك لهم حكيم في تدبيرهم فيكون الوقف على
هذا
الوجه، ويختار وعلى الوجه الأول ما كان لهم الخيرة.
والخيرة بمعنى تخير الأمور على الله.
معنى: {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
أي: ما عظم الله حق عظمته
من أشرك في عبادته؛ لأن من تعظيمه إخلاص الإلهية له، وأنه
(1/363)
الواحد فيما تَفرد به على استحقاق العبادة،
وأنه لا يجوز أن يستغني
عنه بغيره فمن أشرك في عبادته فما عظمه حق تعظيمه فهذا قد قبح
فيما أتى، وضيع حق نعمه.
{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ}
بمنزلة خفيت عليهم الأخبار إلا بمقدار البلاغة في الأول.
وقيل {فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ} بالأنساب، والقرابة. عن
مجاهد.
وقيل: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} للنبوة ما كان لهم أن
يتخيروا من هو أهل
لها على الله؛ لأنهم لا يعلمون بواطن الأمور وسرائرها.
والوجه المختار: أن يكون الوقف على (ويختار)
وتكون ما نفياً بمعنى ليس لهم أن يختاروا على الله.
(1/364)
وقيل: لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحمل عنه من
ذنوبه شيئاً؛ كما كانوا في الدنيا. عن الحسن.
وقيل: كل عسى في القرآن واجبة إلا {عَسَى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}
وقيل: {فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ}
؛ [وقيل في موضع: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
يَتَسَاءَلُونَ (27) } .
لأنها مواطن يختلف فيها حالهم؛ فمرة لا يتساءلون لاستيلاء
الحيرة عليهم، ومرة يفيقون فيسألون.
(1/365)
مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ
سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ
اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ
(71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ
بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ
رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا
فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ
الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ
أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا
أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ (75) إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى
فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ
مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ
قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ
الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ
كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي
الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ
يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ
الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ
جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ
يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا
أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ
خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا
إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ
الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ
يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ
عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا
لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا
فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا
السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ
الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ
قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي
ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى
إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا
تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ
عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ
إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)
وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) }
إلى آخر السورة
[الآيات من 71 إلى 88]
فقال لم وجب أن أمور الدين لا تصح إلا ببرهان؟
وما معنى: قوله: {أفلا تسمعون} في الآية؟
ولم كرر النداء ب {أين شركائي} ؟
والهاء في {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} إلى ما تعود؟
ومن هؤلاء الشهداء الذين قال في وصفهم: {وَنَزَعْنَا مِنْ
كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} ؟
وما معنى: نزعنا؟ ، وما البغي؟ ، وما الكنز؟ ، وما معنى:
{وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} ؟ ،
ولم جاز تنوء بالعصبة، وإنما العصبة تنوء بها؟
وما معنى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} ؟
وما معنى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ
الْآخِرَةَ} ؟
وما معنى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}
مع قوله {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} ؟ ،
وما الخسف؟ ، ولم ذكر امتناع نصره من الله، وهو معلوم؟ ، وما
الفئة؟ ، وما معنى: [ويك أن] الله؟ ولم قبح
طلب العلو في الأرض؟ ، وما العلو في الأرض؟ ، وما معنى:
{لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ؟
وما معنى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ؟
الجواب: وجب أن أمور الدين لا تصح إلا ببرهان؛ لأن ما
يصح لا يخلو من أن يصح باضطرار البرهان فلما لم يكن فيها ما
يَعرف
صحته باضطرار، وجب البرهان.
ولهذا كان في امتناعه من اعتقاد المخالفين دليل على أن الحق في
نقيضه، وكل عقد لزم العجز عن إقامة البرهان عليه بما ليس
باضطرار، فالحق في نقيضه
معنى قوله: {أفلا تسمعون}
هذه الحجة فتتدبرونها، وتعملون بموجبها؛ إذا كانت بمنزلة
الناطقة بأن ما أنتم عليه خطأ، وضلال يؤدي إلى الهلاك.
وقيل: {أفلا تسمعون} أفلا تقبلون
(1/366)
وقيل كرر النداء ب {أين شركائي}
؛ لأن النداء الأول التقرير بالإقرار على النفس بالغي الذي
كانوا عليه، ودعوا إليه والثاني: للتعجيز عن إقامة البرهان؛
لما طولبو به بحضرة
الأشهاد مع تقريع بالإشراك بعد تقريع,
الهاء في {لِتَسْكُنُوا فِيهِ}
يحتمل وجهين:.
الأول: أن يعود إلى الليل خاصة، وتضمر مع الابتغاء هاء أخرى
الثاني: يعود الضمير إليهما، إلا أنه وحد، لأنه يجري مجرى
المصدر في قول العرب إقبالك، وإدبارك يؤذيني.
والأول: وجه التأويل، لأن الليل للسكون، والنهار للتصرف
والحركة، ولكنه يحتمل؛ ليكونوا من هذا على التصرف، ومن ذلك
على الهدوء، وقطع التصرف.
وقيل: شهيدها نبيها الذي يشهد عليها؛ بما كان منها.
عن مجاهد، وقتادة.
(1/367)
وقيل: هؤلاء الشهود: هم عدول الآخرة؛ الذين
لا يخلوا زمان
منهم يشهدون على الناس بما عملوا من العصيان.
افتراؤهم ادعائهم آلهةً مع الله.
{وَنَزَعْنَا}
أخرجنا، وأحضرنا، وفلان ينزع إلى وطنه أي: يحن إليه حنيناً
يطالبه بالخروج إليه.
البغي: طلب العلو بغير حق
ولهذا يقال لولاة الجور: بغاة.
ويقال: بغى يبغى بغياً، وهو باغي وابتغى كذا ابتغاء إذا طلبه،
ويبتغي فعل الخير أي طلب فعله.
(1/368)
الكنز: جمع المال بعضه إلى بعض
لأنه كثرَ فيما يخبأ تحتَ الأرض ولا يطلق اسم كنز في الدين إلا
على ما لا تخرج زكاته للوعيد الذي جاء فيه.
معنى لتنوء: لتثقل في حملها
ناء بحمله ينوء نوءاً؛ إذا نهض به مع ثقله عليه.
ومنه أخذت [الأنواء] ؛ لأنها تنهض من المشرق على ثقل نهوضها..
الفرح: المرح الذي يخرج إلى الأشر، وهو البطر.
العصبة: الجماعة الملتفة بعضها ببعض.
{وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} ؛ كما يسأل
من يعمل له عذر يسقط لائمته،
وفي نقيض هذا قيل {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْأَلُونَ} لقيام الدليل
على أنه يملك كل ما يفعله وأنه حق وصواب منه.
ويجوز لا يسألون عن ذنوبهم لأنه قد ظهر فحشها وما يستحق
عليها.
(1/369)
وقيل: كان قارون ابن عم موسى؛ لأبيه، وأمه
عن ابن جريج.
وقال ابن إسحاق: كان ابن أخيه.
وقال قتادة: إنما بغى عليهم بكثرة ماله.
وقال قتادة: العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين.
وقال ابن عباس قد تكون العصبة ثلاثة
جاز أن يقول {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} ،
وإن كانت العصبة تنوء به؛ لأنه
دخله معنى تميل بها مثقلة بها.
وقيل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}
هو فرح البطر عن مجاهد.
{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} أي
تعمل فيها بطاعة الله عن ابن عباس.
قال الحسن: بطلب الحلال
(1/370)
{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ
عِنْدِي}
أي: يرضى به الله عني، ويفضلني به على غيري.
عن ابن زيد
وقيل: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}
أن الملائكة لا تسأل عنهم؛ لأنهم يعرفون بسيماهم. عن مجاهد.
وقيل: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}
بوجوه من الكسب، وبما لا يتهيأ لأحد أن يسألني إياه.
وما يلقى هذه الكلمة؛ إلا الصابرين على أمر الله.
وقيل: ما يلقى نعمة الثواب إلا الصابرون.
وقال أبو زيد الأنصاري: ناء بي الحمل؛ إذا أثقلني.
(1/371)
وقال الحسن: لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون؛
ليُعلم ذلك من قبلهم.
وإن سئلوا سؤال توبيخ، وتقريع.
الخسف: ذهاب الأرض في جهة السفل
فأهلك الله قارون؛ بأن خسف الله به، وبداره الأرض؛ فمر
يهوي فيها؛ حتى زهقت نفسه.
ذكر امتناع نصره من الله، وهو معلوم أي لم يكن على ما قدر
من امتناعه بحاشيته، وجنده، وذلك الذي غيره من حاله حتى تمرد
في طغيانه.
الفئة: القطعة إلى أمر يجتمع عليه.
وهو من فأوت رأسه؛ إذا قطعته.
وتصغيرها فويئة
معنى {وَيْ}
التنبيه على أمر من الأمور، وهي حرف مفصول
من كأنّ، وذلك أنهم لما رَأوا الخسف به تنبهوا؛ فتكلموا على
قدر
(1/372)
علمهم عند التنبيه لهم
قال الشاعر
وَيْ كَأَنَّ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحبب ... وَمَنْ
يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
قبح طلب العلو في الأرض؛ لأنه رُكُون إليها، وترك لطلب.
العلو في الآخرة، وهي دار مقام، والدنيا دار ارتحال
وقيل: إن قارون جعل لبغي جُعْلاً على أن ترمي موسى بالفاحشة
؛ فلما حضرت في الملأ كذبت قارون، وأخبرت بالحق فخر موسى
ساجداً يبكي، فأوحى الله إليه ما يبكيك قد سلطتك على الأرض
فمرها
بما شئت فقال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم، ثم قال: يا أرض
خذيهم فأخذتهم إلى حُقِيِّهِم، ثم قال: يا أرض خذيهم
فأخذتهم إلى أعناقهم، ثم أطبقت عليهم، وهم في ذلك ينادون يا
(1/373)
موسى، يا موسى، ارحمنا عن ابن عباس.
وقيل: (وي) كأنه بمنزلة ألاَ كأَنَّه، وأَمَا كَأنَّه.
وقيل: هي (ويك) بأن الله؛ كأنه قال ينبهك بهذا إلا أنه حذف
وقيل: ألم تر أن {اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} له.
أي: يضيق؛ لا لهوانه عليه.
وقيل: {عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ}
أي: تكبراً عن الحق.
وقيل {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}
إلى المرجع يوم القيامة عن الحسن.
وقال مجاهد: إلى الجنة.
وقيل: إلى الموت عن ابن عباس.
وقيل: إلى مكة عن ابن عباس أيضاً.
والأظهر إلي أن يعود إلى النشأة الثانية إلى الجنة.
(1/374)
وقيل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا
وَجْهَهُ}
هو.
وقيل المعنى إلا ما أريد [به] وجهه.
وقيل: معناه إلا هو، وله الوجه، وذلك قولنا
معنى له الحكم أي ليس لأحد أن يحكم بشيء إلا ما جعل له الحكم.
فيه من جهة الأمر، والإذن.
(1/375)
|