تفسير ابن فورك

سورة العنكبوت
مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) }
[الآيات من 1 إلى 15]
فقال ما الحسبان؟ ، ومم أخذ الحسبان؟ ، وما معنى {لَا يُفْتَنُونَ} ؟
ولم جاز {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} للمستقبل؟
وما معنى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} ؟ ، وما معنى: {لِقَاءَ اللَّهِ} ؟ وما الجهاد؟ وما الغني؟ ، وما التكفير؟ ، وما السيئة؟ ، وما معنى {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} ؟ ، وما معنى: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} ؟ ، وما المأمور في {وَلْنَحْمِلْ} ؟ ولم لا يجوز أن يتحمل أحد ذنب أحد؟ ، وما معنى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} ؟ ،
وما معنى: {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} ؟ وما الطوفان؟
الجواب:
الحسبان: قوة أحد النقيضين على الآخر؛ في نفس العامل.
والحسبان، والظن، والتوهم، والتخيل نظائر.
العلم: قطع بصحة أحد النقيضين.
والشك: وقف بين النقيضين.

(1/376)


والظن تغليب؛ لأحد النقيضين أخذ الحسبان من الحساب؛ لأنه يقويه في حساب ما يعمل عليه.
معنى: {لَا يُفْتَنُونَ}
لا يختبرون
جاز {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ}
أنه للمستقبل لأجل حدوث المعلوم فلا تصح الصفة إلا على معنى المستقبل؛ إذ لا يصح لم يزل عالماً بأنه حادث.
لانعقاد معنى الصفة بالحادث وهو إذا حدث علمه حادثاً بنفسه.
معنى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا}
يفوتونا فوت السابق لغيره.
قال مجاهد: {يُفْتَنُونَ}
يبتلون في أنفسهم، وأموالهم.

(1/377)


وفي: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا}
وجهان:
أحدهما: يتركون؛ لأن يقولوا.
الثاني: أحسبوا أن يقولوا على البدل
وقيل: {وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}
يصابون بشدائد الدنيا أي: أن ذلك لا يجب أن
يدفع في الدنيا؛ لقولهم: آمنا.
وقيل: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا}
ليجازيهم بما يعلم فيهم.
وقيل: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}
في أفعالهم.
إذَا مَا اللَّيْثُ كَذَبَ عَنْ أَقْرَانِهِ صَدَقَا: كما قال القائل..
{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ} أي: ثواب الله

(1/378)


الجهاد: الصبر على الشدة في الحرب على ما جاء به الشرع.
الغني: المختص بما يتقى الضر، والنقص من جهته؛ حتى يكون وجوده كعدمه.
التكفير: إبطال السيئة بالحسنة؛ حتى تصير بمنزلة ما لم
يُعمل؛ كقوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .
السيئة: الخصلة التي تسوء صَاحِبَها عاقِبَتُها.
الحسنة: التي تَسُر صَاحِبَها عَاقِبتُها
وكل سيئة معصية، وكل حسنة طاعة لله،
ومعنى: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}
أي: يجزيهم بأحسن أعمالهم، وهو الذي أمرناهم به.
دون المباح الذي لم نَأمرهم به، ولا نهيناهم عنه
وقيل: {أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}
ما كانوا يعملون طاعَاتهم لله؛ لأنه لا شيء فيما

(1/379)


يعمله العباد أحسن من طاعتهم لله.
وقيل: وصيناه حسنا بمعنى: ألزمناه حسناً.
وقيل: وصيناه أن يفعل حسناً
معنى: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}
تهديد للمنافقين بما هو معلوم من حاله التي
يستتر بها، ويتوهم أنه قد نجى من ضررها؛ لما أخفاها وهي ظاهرة عند من
يملك الجزاء عليها، وتلك الفضيحة العظمى بها
المأمور في: {وَلْنَحْمِلْ}
المتكلم بهذا الكلام، أمر نفسه في مخرج اللفظ، ومعناه يضمن إلزام النفس هذا المعنى كما يلزم بالأمر
قال الشاعر
فَقُلْتُ ادْعِي وَادْعُ فَإِنَّ أَنْدَى ... لِصَوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ.
معناه: ولأدعو، وفيه معنى الجزاء.

(1/380)


لا يتحمل أحد ذنب غيره، وليس هذا بمنزلة تحمل الدية عن غيره
؛ لأن الفرض في الدية أداء المال عن نفس المقتول، ولا فضل بين أن
يؤديه زيد عن نفسه، أو أن يؤديه عمرو عنه؛ لأنه بمنزلة قضاء الدين
معنى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}
أي يحملون خطاياهم في أنفسهم التي لا
تعلق لها بغيرهم، ويحملون الخطايا التي ظلموا بها غيرهم؛ فحسن.
فيه التفصيل لأجل هذا المعنى
معنى: {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}
أي: يسألون سؤال توبيخ، وهو
نظير سؤال تعجيز في النظر؛ كقولك للوثني ما البرهان على جواز
عبادة الأوثان، وهو في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا} .
والطوفان: الماء الكثير الغامر؛ لأنه يطوف بكثرته في نواحي
الأرض.

(1/381)


مسألة: إن سئل عن قوله: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) }
[الآيات من 16 إلى 26]
فقال ما الملك؟ ، وهل له حكم في الفعل حتى يقال: إن أخذنا
بملك كذا من جهة الفعل؟ ، وما البلاغ؟ ، وما البيان؟ ، وما النشأة
الآخرة؟ ، وما معنى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} ؟ ، ولم علق العذاب في قوله: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} وَلمْ يُعَلِّق بالخطيئة؟ وما القلب؟ ، وما المعجز؟ ،
وما الفرق بين الولي والنصير؟ ، وما اليأس؟ ، وما معنى: {يَسِيرٌ} ؟
ولم يذكر من ولده إسماعيل؟
الجواب:
المُلْكُ: قدرة القادر على الاختراع
وليس ذلك إلا لله، وإنما يقال لغيره مالك على معنى؛ أنه
مأذون له في التصرف بملك.
البلاغ: إلقاء المعنى إلى النفس على سبيل الإفهام، وذلك أنه؛
إذا أتى بالبيان المعني الذي يبلغ إلى النفس فهمه؛ فقد كان منه
البلوغ، وإن لم تعقل الأفهام؛ لأن الفهم من فعل الله، والإنسان معرض للفهم بالكلام.
البيان: إظهار المعنى للنفس بطريق الصواب؛ لأنه خلاف
الإلباس الذي هو نقص.

(1/382)


النشأة الآخرة: إعادة الخلق كرة ثانية من غير سبب؛ كما كان.
أول مرة
وقيل: اتقوا عقابه بأداء فرائضه.
{إن كنتم تعلمون}
ما هو خير لكم مما هو شر لكم.
وقيل: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}
أي تصنعون كذباً. عن ابن عباس
ما في: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ}
كافة، وليست بمعنى الذي لأنها لو كانت.
بمعنى الذي لكان: {وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ}
شكرته، وشكرت له يُؤكد باللام.
ومعنى: الشكر له؛ لاختصاصه به نفسه من غير احتمال لغيره.
وقيل: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}
بالبعث بعد الموت. عن قتادة.
وقيل: ينشئه بالإحياء؛ ثم يعيده بالرد إلى الحال التي كان فيها

(1/383)


وقيل: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}
يعملون أصناماً، وسماها إفكاً لادعائهم أنها
آلهة عن قتادة.
معنى: {يَسِيرٌ} فعل لا تعب فيه ولا نصب.
والاحتجاج فيه أن من قدر على ذلك قادر على إرسال رسول الله
إلى العباد.
(قل سيروا في الأرض فانظروا) إلى آثار من كان فيها قبلكم.
وإلى أي شيء صار أمرهم لتعتبروا بذلك فيما يؤديكم إلى العلم بربكم.
وأرسلنا إبراهيم عطفاً على نوح، ويجوز واذكر إبراهيم.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (النَّشَاءَة َ) بالمد
وقرأ الباقون (النَّشْأَة َ) بالقصر وتسكين الشين) ، ونظيرها:.
الرأفة الرآفة

(1/384)


علق العذاب بالمشيئة دون الخطيئة؛ ليعلم أن يعذب بحق ملكه.
والخطيئة علامة لا لأجلها، ولا هي عليه.
القلب: الرجوع والرد.
{وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} تردون إلى حال الحياة في الآخرة بحيث لا يملك الضر.
والنفع فيه إلا الله.
والقلب نفي الحال بحال تخالفها.
المعجز: الفائت بما يعجز القادر عن لحاقه
ولهذا فسروا في: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}
أي: بفائتين.
أي: لا تغتروا بطول الإمهال
الفرق بين الولي، والنصير؛ أن الولي الذي يدفع المكروه عن
الإنسان.
والنصير الذي يأمر بدفعه عنه.
اليأس: انتفاء الطمع بضد في النفس يقتضي أنه لا يقع.

(1/385)


{أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي}
أي بعلمهم؛ أنها لا تقع بهم.
{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}
فيه قولان:
الأول: لا يعجزونا هرباً في الأرض، ولا في السماء.
الثاني: ولا من في السماء بمعجزين.
وكل خلة تنقلب عداوة يوم القيامة إلا خلة المتقين عن قتادة
وفي {مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ}
أربع قراءات:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ) بالرفع والإضافة.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر (مَوَدَّةً بينَكُم) .
منوناً نصباً.

(1/386)


وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (مودةٌ) رفع منون (بينَكم) نصباً.
وقرأ حمزة وحفص عن عاصم (مودة َ بينِكُم) نصباً غير منون مضافاً.

(1/387)


مسألة:
وإن سئل عن قوله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) }
[الآيات من 26 إلى 36]
فقال ما معنى: {مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} ؟ وهلا ذكر ولده إسماعيل؟
وما الصالح؟ ، وما الفاحش؟ ، وما الأجر؟ ، وما المنكر؟ ، وما
معنى: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} ؟ وما البشرى؟ ، وما الإهلاك؟ ، وما القرية؟ ، وما الظالم؟ ، وما الأعلم؟ ، وما معنى: {مِنَ الْغَابِرِينَ} ؟ وما الآية البينة؟
الجواب:
معنى: {مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}
أي: خارج عن جملة الظالمين على جهة
الهجر لهم؛ لِقبيح أفعالهم إلى حيث أمرني ربي.
ومن هذا: هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وإلى أرض الحبشة؛ لأنهم هجروا ديارهم، وأوطانهم؛ لأذى المشركين لهم بأن خرجوا عنها.
لم يذكر من ولده إسماعيل باسمه، وإن كان قد دل عليه بقوله: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} ، وترك ذكر اسمه لشهرته، وعظم شأنه،
وَذَكَرَ ولد وَلَدَه في سياقه ذكر ولده، لأنه يحسن إضافته إليه، بأنه
الأب الأكبر له.

(1/388)


الصالح: المقوم لنفسه بصلاح أفعاله، وهو صفة مدح،
وتعظيم بدليل قوله: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}
أي: فيما قاموا به من النبوة على ما أمر الله به.
الفاحش: الشنيع في القبح.
فَحُشَ مَذْهَبُ فلان يفحش فحشاً، وتفاحش تفاحشاً؛ إذا شنع في
قبحه، وهو ظهوره بما يقتضي الحق إنكاره.
وقيل: هاجر إبراهيم من كوثى، وهي من سواد
الكوفة إلى أرض الشام عن قتادة.
وقيل: العزيز الذي لا يذل من نصره.
الحكيم الذي لا تضيع الطاعة عنده.

(1/389)


وقال: الأجر في الدنيا الثناء الحسن.
وقيل: الولد الصالح عن ابن عباس.
وقيل: المنكر الضراط في مجالسهم. عن ابن عباس.
وقيل: كانوا يرمون من مر بهم عن السدي.
وقيل: كانوا يأتون الرجال في مجالسهم. عن مجاهد.
الكتاب: بمعنى الكتب من التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان
إلا أنه خرج مخرج الجنس.
قيل: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ}
أخذ أموال الناس، وقيل للعمل الخبيث؛ لأنهم كانوا يطلبون الغرباء.
وقيل: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ}
سبيل الولد بإتيان الذكران.

(1/390)


البشرى: البيان عما يظهر سروره في بشرة الوجه
ولذلك قال: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى}
إلا أن الأغلب فيه؛ أنه يستعمل فيما يسر به.
الإهلاك: الإذهاب بالشيء إلى ما لا يقع عليه الإحساس.
القرية: البلدة التي يجتمع إليها الإيواء من جهات مختلفة.
وهي: من قريت الماء في الحوض أقريه قرياً؛ إذا جمعته
الأعلم: الأكثر معلوماً، وإذا كان الشيء يعلمه عالم من وجوه
مختلفة، ويعلمه عالم من بعض تلك الوجوه دون بعض؛ فالأول أعلم.
به لكثرة وجوه المعلوم.
وقيل: البشرى بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب.
{مِنَ الْغَابِرِينَ}
من الباقين في العذاب
وفي {سِيءَ بِهِمْ}
قولان:
سِيء بالملائكة؛ لما طلبوا منه الضيافة؛ لما يعلم من خبث فعل قومه عن قتادة
والثاني: سيء بقومه ذرعاً أي: ضاق بهم ذرعاً؛ لما يعلم من
عظيم البلاء النازل بهم.

(1/391)


وقيل: {رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ}
الحجارة التي أمطرت علهيم. عن قتادة.
وقيل: عُفُوُّ آثارهم مع ظهور هلاكهم.

(1/392)


مسألة:
إن سئل عن قوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) }
[الآيات من 36 إلى 51]
فقال: ما الرجاء؟ ، وما معنى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ؟
وما الفساد؟ وما الرجفة؟ ، وما الحاصب؟ ، ومن الذين أخذتهم الصيحة؟ ، وما المثل؟ ، وما الاتخاذ؟ ، وما الولي؟ ، وما العنكبوت؟ ، ولم قيل في
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ ، وما معنى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} ؟
، وما الجدال؟ ، وهل يجوز أن يغلظ المحق في الجدل؟ ، وما
الأحسن؟ ، ولم استثنى: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ؟ ، وما معنى: {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ؟ ، وما معنى {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} ؟
الجواب:
الرجاء: توقع الخير في العاقبة.
الفساد: ما وقع منهياً عنه يريد به المعصية.
معنى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}
لا تضطربوا بحال الجهالة.
عثى يعثى عثي، وهو كقولهم عاثَ يعيثَ عيثاً.
الرجفة: زعزعة الأرض تحت القدم

(1/393)


رجف السطح من تحت أهله يرجف رجفاً، ومنه الإرجاف.
وهو الإخبار بما يضطرب الناس لأجله من غير تحقق به.
جاثمين: ميتين:
بعضهم على بعض.
عن قتادة.
{وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} في ضلالهم لعجبهم به. عن مجاهد، وقتادة.
سابقين: فائتين؛ كما يفوت السابق.
الحاصب: الريح العاصف التي فيها الحصباء، وهو الحصى الصغار يشبه به البرد، والجليد.
الذين أرسل عليهم الحاصب قوم لوط. عن ابن عباس، وقتادة.
والذين {أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} : ثمود، وقوم شعيب عن ابن عباس، وقتادة.

(1/394)


ومنهم: {مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} قارون.
{وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا}
قوم نوح، وفرعون.
الجاثم: البارك على ركبتيه مستقبلاً بوجهه الأرض
وقيل: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}
أي: كانوا عقلاء يمكنهم تمييز الحق من
الباطل بإبصارهم.
المثل: قول سائر يشبه فيه حال الثاني بالأول
فلما شبه حال المتخذ للأولياء من دون الله بحال العنكبوت المتخذ
بيتاً في الوهن بما يقتضي أن يسير هذا القول به في البلاغة لما من حسن البيان كان مثلاً في الفساد للاتخاذ.
معنى الاتخاذ: أخذ الشيء على إعداده لنائبة

(1/395)


كانوا قد اتخذوا أولياء من دون الله، وذلك فاسد؛ لأن عبادة الله.
هي التي تعصم من المكاره دون عبادة غيره.
الولي: المتولي للنصرة عند الحاجة، وذلك أن الناصر قد يكل
النصرة إلى غيره بأن يأمره بها..
والولي: هو الذي يتولى فعلها لتأكد الأمر فيها.
العنكبوت: دابة لطيفة لها آلة تتمكن بها من النساجة لبيت تأويه
واهن القوة، ويجمع عناكب، ويصغر عنيكب، ووزنه:
فعللوت.
ويقال فيه: العنكباء
قيل في: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}
؛ لأنها بمنزلة الناهي بالقول؛ لإظهارها ما هو بمنزلة القول: لا تفعل الفحشاء، ولا المنكر، وذلك أن فيها التكبير، والتسبيح والقراءة، وصنوف
العبادة، وكل ذلك يدعوا إلى شكله، ويصرف عن ضده بما هو
كالأمر، والنهي بالقول، وكل دليل مؤدي إلى المعرفة بالحق؛ فهو
داعي إليه، وصارف عن ضده من الباطل.

(1/396)


وقيل الأمثال: هي الأشباه، والنظائر
وقيل: الصلاة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر عن ابن مسعود وابن عباس.
وقال ابن مسعود: الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها.
معنى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}
أي: ذكر الله إياكم برحمته، أكبر من ذكركم إياه، بطاعته عن ابن عباس، وسلمان، وابن مسعود ومجاهد.

(1/397)


وقيل: ذكر العبد لربه أفضل من جميع عمله.
وقيل: ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة.
وقيل: ذكر الله بتعظيمه أكبر من سائر طاعاته.
وقيل: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}
في النهي عن الفحشاء.
وقيل: فيه دليل على أن كلام الله غير مخلوق؛ لأن ذكر الله
كلامه، وهو أكبر من كل ذكر؛ كما أن الله أكبر من كل ما سواه،
وكأن كبره أنه قديم لم يزل، ولا يزال؛ كذلك ذكره الذي هو كلامه،
ويؤيد ذلك ما روي في الخبر:
فَضْلُ كَلَامِ اللهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ «كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ» :
قرأ أبو عمرو وعاصم في إحدى الروايتين
(إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ) بالياء..
وقرأ الباقون (تدعون) بالتاء

(1/398)


واختار بعضهم التاء لقل ما كانوا يدعون
وهذا لا يلزم ذكر الحاضرين بالماضين فجرى على التغليب.
الجدال: فتل الخصم عن مذهبه؛ بطريق الحجاج فيه.
وأصله: شدة الفتل، جدلته أجدله جدلاً؛ إذا فتلته فتلاً شديداً.
ومنه الأجدل للصقر لشدة فتل بدنه.
المحق في الجدل يجوز أن يغلظ؛ لأن الله استثنى {الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}
من أهل الكتاب بعد أمره بجدالهم بالتي هي أحسن.
الأحسن: الأعلى في الحسن.
استثنى الذين ظلموا منهم وجميعهم ظالم؛ لأن المراد إلا الذين
ظلموكم في جدالهم، أو غيره مما يقتضي الإغلاظ لهم، وبهذا يسع

(1/399)


الإنسان أن يغلظ على غيره، وإلا فالداعي إلى الحق يجب أن
يستعمل الرفق في أمره
معنى: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}
أي الذين آتيناهم علم الكتاب يصدقون به؛
بدلالته عليه {وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} .
أي من غير جهة علم الكتاب
وقيل: لا تجادلوهم.
{إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
أي: إلا بالجميل من القول
بالتنبيه على آيات الله، وحججه.
وقيل: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}
بمنع الجزية. عن مجاهد
وقيل: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}
بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم. عن ابن زيد.
وقيل: {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}
بأنه أمي لا يقرأ، ولا يكتب على صفته في التوراة، والإنجيل.
عن ابن عباس.

(1/400)


وقيل: بل القرآن آيات بينات عن الحسن.

(1/401)


مسألة:
وإن سئل عن قوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) }
[الآيات من 51 إلى 61]
فقال ما الكفاية؟ ، وما التلاوة؟ ، وما الشهادة؟ ، ولم جاز آمنوا
بالباطل؛، مع أن صفة مؤمن صفة مدح؟ ، وما الخاسر؟ ،
وقوله: {} جواب ماذا؟ ، وما معنى: العبد؟ ، وكيف جازت العبودية
للإنسان بأمر الله، ولم تجز العبادة له؟ ، وما الاتساع) ؟ ، وما
الذائق؟ ، وما التبوئ؟ ، وما معنى: {وعلى ربهم يتوكلون} ؟ ،
وما معنى: {ذائقة الموت} ؟ وما معنى: (إن أرضي واسعة) ؟ .
الجواب:
الكفاية: بلوغ حد ينفي الحاجة
وكفى بالله: بمعنى كفى الله أي فعل ما ينافي الحاجة بالنصرة.
فدليل القرآن كافٍ؛ لأنه لانتفاء حاجة إلى غيره في التأدية إلى العلم بصحة النبوة.
التلاوة: جعل الحروف يلي بعضها بعضاً في القراءة، وفي
التلاوة يعني شيئاً بعد شيء؛ لأن الثاني يتلوا الأول، وليس ذلك في

(1/402)


أصل القراءة؛ لأنها من جمع الحروف
الشهادة: الخبر بالشيء عن مشاهدة تقوم به الحجة في حكم من
أحكام الشريعة، ولذلك لم يكن خبر من لا تقوم به حجة في الزنا بشهادة، وكانوا قذفة.
والشهيد، والشاهد واحد؛ في المعنى إلا من جهة المبالغة في الصفة
جاز آمنوا بالباطل مقيداً، والتقييد يقلب معنى الصفة من المدح
إلى الذم؛ كما تقول كافر بالجبت، والطاغوت، وكذلك قائم يدل على
معنى الانتصاب فإذا قيل: قائم بالتدبير انقلب المعنى فصار بذلك
على استقامة التدبير.
الخاسر: التاجر الذي ذهب رأس ماله
فشبه العامل بالهوى في الإيمان بالباطل، والكفر بالله؛ لأنه خسر
نفسه بتعريضها للهلاك بالعقاب.
وقيل: {***}
جواب لمن قال {***} .
وقيل: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}
أي: كأنها محيطة بهم؛ لما قد لزمهم

(1/403)


بكفرهم منها.
وقيل: إنه إذا كان يوم القيامة أحاطت بهم.
ووجه ثالث: محيطة بالكافرين يوم يغشاهم العذاب.
الأجل المسمى لهم: يوم القيامة
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: {وَنَقُولُ} بالنون.
وقرأ الباقون: {وَيَقُولُ} بالياء.

(1/404)


مسألة:
إن سئل عن قوله - سبحانه -: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) }
[إلى آخر السورة
[الآيات من 56 إلى 69]
فقال ما السؤال؟ ، وما الخلق؟ ، وما التسخير؟ ، وما حكم
الشمس في مسيرها؟ ، وما معنى: {وَيَقْدِرُ} ها هنا؟ ، وما معنى: {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} ؟ وما اللام في {لِيَكْفُرُوا} ؟ ، ولم كان المشرك كافراً لا محالة؟ ، وما التمتع؟ ، وما التخطف؟ ، ولم أمكن أن يؤمن الإنسان بالباطل ويكفر بالحق؟ ، وما معنى {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ؟
الجواب:
معنى العبد أي الذي يملكه مالك قد أمر بالتذلل لمالكه، وأصله
الذلة.
ومنه العبادة، وهي ذلة بالقلب (العبودية)
فإنه للمالك يحتمل أن لا يكون في أعلى المراتب للذلة، وليس
كذلك العبادة.
وقيل هما سواء، وإن أعيد لفظ العبادة في الله.
الاتساع: بعد الأقطار.
ومنه الأرض الواسعة لبعد أقطارها وكذلك الدار الواسعة فكل
ذلك بالإضافة.
الذائق: الواجد للجسم بحاسة إدراك الطعم في ابتداء الأمر

(1/405)


وإنما قيل: (ذائقة الموت) ؛ لأنهم يجدون كربه، وشدته وجدان.
الذائق للطعم.
التبوء: اتخاذ منزل يرجع إليه من يأوي إليه.
وأصله الرجوع من {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}
وقيل: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ}
فاهربوا من أرض من منعكم من عبادتي.
عن سعيد بن جبير.
وقيل: {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ}
بما أخرج منها من الرزق لكم.
عن مطرف بن عبد الله الشخير.
{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}
أي من غير طاعة من أحد من خلقي في معصيتي.
وقيل: {كل نفس} محياة {ذائقة الموت}
وقيل: {وعلى ربهم يتوكلون}
في أرزاقهم، وجهاد أعدائهم، ومهمات

(1/406)


أمورهم.
وقيل: {وهو السميع} : لقول القائل {العليم} بما في نفسه.
وقيل: {لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا}
أي: لادخاره لغدٍ
وقيل: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ}
أي أرض الجنة، وأكثر أهل التأويل على
على أنها أرض الدنيا.
وقيل: دخول الفاء للجزاء بتقدير: إن ضاق بكم موضع.
{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} ؛ لأن {أَرْضِي وَاسِعَةٌ}
{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}
منصوب بضمير يفسره ما بعده.
وقال مجاهد: لا تطيق حمل رزقها.
قرأ حمزة: (لَنُثْوِيِنَّهُمُ) بالثاء.
وقرأ الباقون (لَنُبْوئَنَّهُمُ) بالباء.
والأول من أثويته منزلاً، والثوى المقام.

(1/407)


اللهم بوئنا مبوأ صدق أي: أنزلنا.
السؤال: طلب البيان عن المعنى من المجيب في صفته في الكلام
، وسؤال الإلزام أم سؤال تعليق على الأصل ما يقتضي صحته،
ويدعوا إليه.
الخلق: فعل الشيء على مقدار ما يراد ويعلم.
التسخير: تذليل الشيء للتصرف في مصالح العباد بالليل،
وعلم حساب الشهور، والأزمان، ومجيء الحر، والبرد، وخروج
الزرع، والثمار.
حكم الشمس في مسيرها؛ أنها تسير بتحريك الله لها من غير عمد يمسكها إلا ما يحدثه الله فيها، وفي ذلك أكبر العبرة، وأظهر الدلالة
معنى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} هاهنا، ويقبض رزق العبد بحسب ما يقتضيه تدبيره، وحكمه.
ومنه: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} يعني: ضيق على

(1/408)


مقدار ما يجب، ويراد.
{فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}
أي: (يصرفون) عن صانع ذلك. عن قتادة.
وقيل: خص بذكر الرزق على الهجرة؛ لئلا يخلفهم عنها خوف.
العيلة.
{لَهِيَ الْحَيَوَانُ}
أي: الدائم البقاء.
وقال أبو عبيدة: الحيوان، والحياة واحد
اللام في: {لِيَكْفُرُوا}
يحتمل: لام كي.
أي: كأنهم أشركوا؛ ليكفروا؛ إذ لا يدفع الشرك في العبادة من
كفر النعمة.
ويحتمل لام الأمر على التهديد، وتوضيحه {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} .
كل مشرك كافر لا محالة؛ لأنه جعل الحق الذي هو لواحد
بالنعمة؛ لاثنين فضيع حقه، وانتقصه لا محالة، وصار بمنزلة الجاحد لنعمته؛ إذ جحد أن يكون له وحده.
التمتع: التلذذ بالأحوال التي تقع عندها اللذة، وقيل: يكون التلذذ

(1/409)


بوجود اللذة فقط.
والتمتع يكون بالمناظر الحسنة، والأصوات المطربة، والمشام
الطيبة، ونحو ذلك.
التخطف: تناول الشيء بسرعة، ومنه خطف البصر لسرعته،
ومنه اختطاف الطير لصيده، ومنه الخُطَّافُ الذي يُخرِجُ الدلوَ
الإنسان يكفر الحق بالشبهة التي تزين له الباطل في وهم أنه الحق، وأن
خلافه الباطل، وليس يمكن أن يظهر الحق؛ لأحد فيعتقد خلافه.
ومعنى قوله: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
يريد بنصرته إياهم.
وفي ذلك رد على المعتزلة؛ لأنهم يقولون نصره الله بتمكينه.
وقد يمكن المحسن، والمسيء تمكيناً واحداً، ودلهما دلالة واحدة، وذلك يبطل فائدة التخصيص بكونه مع المحسنين.
ومعنى (مع) على ثلاثة أوجه:
تكون بمعنى العلم) ؛ كما قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}

(1/410)


والثاني: بمعنى الصحبة في المعية.
والثالث: بمعنى النصرة، والله تعالى مع الجميع بالعلم، لأنه
العالم بالجميع، وهو مع المؤمنين خصوصاً بالنصرة.
ونصرة الله لهم: تخصيصه إياهم بألطافه، وفوائده، وهدايته،
وتمكينه من الإيمان به، والمعرفة، وذلك لا يصلح إلا للإيمان به،
والمعرفة، خلافاً لقول المعتزلة أن قدرة الإيمان صالحة للكفر، وأنه قد لطف
للجميع على وجه واحد، وهدى الجميع هداية واحدة في الابتداء، وقد قال
الله في تكذيبهم: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} .
ومعنى قوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا}
أي: في طاعتنا، وعبادتنا.
ومعنى: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} .
أي: لنعرفنهم طريق ديننا، وسبيل المعرفة بنا، وسبيل الله دينه، وسبيل الله الطريق المؤدي إلى عبادته، والمعرفة به
فإن قيل: فكيف قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ولا سبيل لهم، إلى أن يجاهدوا في طاعته إلا بهدايته إياهم إلى سبيله، وبنصره إياهم في
سلوك طرق عبادته.
قيل: يحتمل أن يقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا}
بهدايتنا لهم في الابتداء، ولنهدينهم سبلنا في الانتهاء بإدامة تلك الهداية، والتوفيق، والنصرة، وذلك فيمن علم الله من حاله أنه لا يرتد عن دينه، وأنه يموت على الإيمان؛ فإنه يهديه ابتداء؛ ليجاهد في طلب الطريق إلى الله، ثم

(1/411)


يهديه بعد ذلك هداية بعد هداية؛ حتى يبلغ بها درجة العصمة.
وهذا كقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) }
ويحتمل أن يقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا}
في طاعتنا في الدنيا لنهدينهم سبلنا
في العقبى بالثواب لهم على ذلك، كما قال: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) } .
يحتمل باللطف في الدنيا، وبالثواب في العقبى.
ويحتمل أيضاً: أن يقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا}
أي: في طلب معرفتنا.
إلى ما طلبوا في العقبى برفع المجاهدة، والإتيان
بالمجاهرة، والمكاشفة؛ فإن المجاهدة مقرونة بالمحن، وعوارض
الفتن، والمعاينة معها السلامة من كل آفة، ولذلك كان تحيته لهم.
لهم عند اللقاء سلام في قوله: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) } .
وفي قوله: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}
بالجنة محلهم، وهي دار السلام، واللقاء موعدهم، ومعه تحية بالسلام من
الرب الذي هو السلام.
فكأنه يقول: {تَحِيَّتُهُمْ} التي هي مقرونة بالسلامة من كل وجه؛ كما
هديناهم إلى سبلنا المقرونة بالمخاوف المربوطة بالمجاهدات؛ التي
هي المشقات؛ والمكابدات منها مدافعة النفس عن هواها والتزام طاعة الله
، ومنها منابذة الشيطان الذي هو عدو متصور بصورة الولي، وكذلك كل ما
بين يديه من آلة، وزينة يعد من متاع الدنيا، فإنهم قد يصوروا لهم بصورة

(1/412)


الأولياء، وهم أعداء؛ كما قال الخليل: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) } .
وقال بعضهم معنى قوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}
أي: لنبصرنهم بعيوب أنفسهم.
من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» : وقد قال
فقيل: يا رسول الله، وكيف يفقهه في الدين؟ فقال يعرفه
عيوب نفسه".
وهذا التأويل قريب، ويكون المعنى فيه: لنزيدنهم هداية على هداية على ما يقدر.

(1/413)