تفسير ابن فورك سورة الروم
مسألة:
إن سئل عن قوله - سبحانه -: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ
(2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ
وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ
سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ
وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ
يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا
مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ
غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً
وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا
عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا
السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا
يَسْتَهْزِءُونَ (10) }
[الآيات من 1 إلى 10]
فقال ما الغلبة؟ ، وما الأدنى؟ ، وما البضع؟ ، وما الفرح؟ ،
وما معنى: من بعد غلبهم؟ ، وما الإخلاف؟ ،
ولم أطلقت الصفة ب (لا يعلمون) ؛ ثم قيل: {يَعْلَمُونَ
ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ؟ ، وما الظاهر؟ ، وما
الغفلة؟ ، وما الأجل المسمى للأشياء؟ ، وما السوآى؟ .
الجواب:
الغلبة: الاستعلاء على القرن؛ بما يبطل مقاومته في الحرب
الأدنى: الأزيد في الدين، وهو الأقرب، وله نقيضان الأدنى،
والأقصى، والأدنى، والأعلى، ونقيض الأقرب الأبعد.
وأدنى الأرض إلى جهة عدوهم.
البض ع: القطعة من العدد ما بين الثلاثة؛ إلى العشرة.
من بضعته؛ إذا قطعته.
(1/414)
الإضافة؛ التي هي غايته، فصار كبعض الاسم
في استحقاق
البناء، وبني على حركة لا تكون له في حال الإعراب؛ فهي أدل
على البناء، وكل ما هو أدل على حال الشيء فهو أولى، إلا أن
تعرض علة.
الفرح: لذة النفس؛ بما يحصل في القلب من نيل الشهوة
ونقيضه الغم، وهو ألم النفس، بما يحصل في القلب من انسداد
طريق المشتهى.
وقيل: {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}
من أرض الشام، إلى أرض فارس
وقيل: {وَهُوَ الْعَزِيزُ}
في انتقامه من أعدائه.
{الرَّحِيمُ} بمن أناب إليه من خلقه.
وقيل كانت فارس غلبت على الروم.
وقيل: النصر يوم بدر، للفريقين ففرح المؤمنون بالنصرين عن
أبي سعيد الخدري.
(1/415)
وقيل: {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ}
حذفت التاء للإضافة كما قيل: {وإقام الصَّلاةِ}
وقيل: بل الغلب، والغلبة مصدران مثل: الجلب والجلبة.
الإخلاف: فعل خلاف ما تقدم به الوعد على جهة المنافاة
أطلقت الصفة: ب {لَا يَعْلَمُونَ}
ذما لهم على جهة المبالغة؛ لتضييعهم
على ما يلزمهم من أمر الله حتى؛ كأنهم لا يعلمون شيئاً، ثم بين
حالهم فيما عقلوا عنه، ومما علموه من الظاهر [والظاهر] هو الذي
يصح أن يدرك من غير كشف عنه، والباري جل ذكره ظاهر بأدلته
، باطن عن حواس خلقه في الدنيا، والأمور كلها ظاهرة له؛ لأنه
يعلمها من غير كشف عنها، ولا دليل يؤدي إليها.
وكل ما يعلم بأوائل العقول ظاهر، وكل ما يعلم بدليل العقل
باطن؛ لأن دليل العقل يجري مجرى الكشف عن صحة المعنى.
الغفلة: ذهاب المعنى عن النفس؛ كحال النائم، ونقيضها اليقظة
، وهي حضور المعنى للنفس، كحال المنتبه.
ونظيرها السهو، ونقيضه الذكر.
(1/416)
الأجل المسمى؛ للأشياء على قدر الاعتبار
بها؛ إذا تصوروا
ذلك في الإخبار عنه أنه مع كثرتِه وعظمته محصل بتسمية تنبئ
عنه.
لا يتقدم، ولا يتأخر عنها بالأوصاف التي ذكرناها.
{وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا}
أي: عمران الدنيا متى يزرعون، ومتى
يحصدون، وكيف يبنون، ومن أين يعيشون، وهم جهال بأمر
الآخرة، وله مضيعون. عن ابن عباس.
وقيل: معناه أنهم عمروا الدنيا، وخربوا الآخرة..
{وَعَمَرُوهَا}
حرثوا لعمارتها. عن مجاهد.
السُّوآى: الخلة التي تسوء صاحبها بسوء عند إدراكها، وهي النار
في قول ابن عباس، وقتادة.
{أَنْ كَذَّبُوا}
بمعنى؛ لأن كذبوا
وقيل: حفروا الأنهار، وغرسوا الأشجار، وشيدوا البنيان،
(1/417)
وصاروا إلى الهلاك عن أسوء حال؛ بالعصيان
لم يفكروا في الموت
، والبلى، وأنهم يخرجون من الدنيا، ويصيرون إلى الحساب،
والجزاء.
وقيل تقديره: وعد الله وعده
(1/418)
مسألة:
إن سئل عن قوله: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا
بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ
(15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
(16) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ
(17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا
أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ
خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) }
إلى آخر العشر.
[الآيات من 11 إلى 21]
فقال ما البدؤ؟ ، وما الخلق؟ ، وما الإعادة؟ ، وما الإبلاس؟ ،
وما الشركة؟ ، وما الإحضار؟ ، وما معنى: سبحان الله؟ ، وما
الإمساء؟ ، ولم خص العشي، والإظهار بالحمد في الذكر؟ ، ولم لا
يكون إحياء الأرض حقيقة؟
الجواب عن ذلك:
البدء: أول الفعل
وذلك على وجهين:
أول الفعل، وهو جزء منه مقدم على غيره.
والثاني: في أنه موجود قبل غيره من طريق الفعلية بدأ يبدؤ
بدءاً وابتداء.
والابتداء: نقيض الانتهاء..
والبدء نقيض العود.
الخلق: هنا بمعنى المخلوق، وكذلك.
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} .
الإعادة: فعل الشيء ثانياً.
وإذا قيل قد أعاد الكلام؛ فهو على هذا التقدير؛ كأنه قد أتى به
(1/419)
ثانية، وثالثة.
الإبلاس: التحير عند لزوم الحجة؛ إذا ظهرت دلائل آيات
الآخرة؛ التي يقع عندها علم ضروري فيتحير أعظم الحيرة.
يحبرون: يكرمون.
التحبير: التحسين الذي يسر به.
وقيل خص ذكر الروضة، هاهنا؛ لأنه لم يكن عند العرب شيء
أحسن منظراً، ولا أطيب ريحاً من الرياض
وقيل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ}
أي من أوثانهم، لأنهم كانوا يدعون أنها تشفع لهم.
وقيل: شُرَكَاؤُهم؛ لأنهم كانوا يجعلون لها نصيباً في أموالهم.
وقيل: شركاؤهم: أي الذين جعلوهم شركاء في العبادة
الإحضار: إيجاد ما يكون الشيء به حاضراً فتارة: يكون بإيجاد
عينه وتارة يكون بإيجاد غيره.
(1/420)
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ}
تنزيهه عن كل ما لا يجوز عليه؛ مما فيه نقص ينافي
التعظيم بما ليس فوقه ما هو أعلى منه.
الإمساء: الدخول في المساء.
والإصباح نقيضه، وهو الدخول في الصباح
خص العشي والإظهار بالحمد في الذكر؛ لأنها أحوال تذكر
بإحسان الله، وذلك أن انقضاء إحسان أول إلى إحسان ثان يقتضي
الحمد عند تمام الإحسان، والأخذ في الآخر كما قال:
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ
فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) } .
إحياء الأرض ليس بحقيقة؛ كما لا يكون الإنسان أسداً في
الحقيقة، وإن قيل له أسد تشبيهاً به؛ فكأن الأرض تحيا بالنبات
الذي
فيها.
وقيل: في كتاب الله ذكر الصلوات الخمس..
[فحين تمسون صلاة المغرب وَعِشَاءُ الآخرة وحين تصبحون صلاة
الغداة.
وعشياً صلاة العصر، وحين تظهرون صلاة الظهر.
وقد قيل إن قوله: (وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ
عَوْرَاتٍ لَكُمْ)
إنها الصلاة الخامسة، فيكون على هذا التفسير قوله: (حين تمسون)
لصلاة واحدة.] (1)
__________
(1) في المخطوط سقط وما بين المعوفتين زيادة من معاني القرآن
وإعرابه للزجاج. جـ 4 ص: 180 - 181) .
(1/421)
وفي الآية دلالة على صحة القياس، واضح لا
يشكل على متأمل.
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ
مِنَ الْحَيِّ}
أن الإنسان من النطفة، والنطفة من الإنسان عن ابن عباس، وعبد
الله.
وقيل: الكافر من المؤمن، والمؤمن من الكافر عن قتادة.
وقيل {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}
أي بخلقه أبَاكم آدم.
(1/422)
مسألة:
إن سئل عن قوله - سبحانه -: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
(21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ
آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
(24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ
بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ
إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ
الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ
عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ
مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ
فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ
أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ
اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا
تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) }
[الآيات من 21 إلى 30]
فقال ما النفس؟ ، وما الزوجة؟ ، وما معنى {لِتَسْكُنُوا} ؟ وما
الرحمة هاهنا؟ ، وما الفكر؟ ، وما معنى: دعاكم؟ ، وما معنى
{إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ؟ ، وما معنى: {وَهُوَ أَهْوَنُ
عَلَيْهِ} ؟ ، وما معنى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} ؟ ،
\وما معنى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} ؟
الجواب:.
النفس: هي الذات في أصل الحقيقة.
الزوجة: المرأة التي قد وقع عليها عقد النكاح.
الزوج: الرجل الذي قد وقع عليه عقد النكاح.
ويقال زوج للمرأة إذا لم يلتبس، كما قال: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ
اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} .
وإنما حسن ذلك للإشعار؛ بأنهما نظيران في عقد
(1/423)
النكاح عليهما
ومعنى: {لِتَسْكُنُوا}
سكون أنس، وطمأنينة، بأن الزوجة من
النفس؛ إذ هي من جنسها، وشكلها فهو أقرب إلى المودة، والألفة
الرحمة: رقة التعاطف بينهم؛ إذ كل واحد من الزوجين يرق
على الآخر رقة العطف عليه؛ بما جعل في قلب كل واحد لصاحبه،
ليتم سروره.
الفكر: طلب المعنى بما يقتضيه من متعلقه في القلب.
وقيل: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ}
من شكل أنفسكم.
وقيل: خلقت حواء من ضلع من أضلاع آدم عن قتادة.
وقيل: خوفاً من المطر في السفر، وطمعاً [فيه] في الحضر
وفي: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ}
ثلاثة أقوال:
الأول: حذف أن.
(1/424)
[الثاني] : كقول الشاعر
وَمَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارتَانِ فَمِنْهُمَا ... أَمُوتِ
وأُخْرَى ابْتَغِي العَيْشَأَكْدَحُ
أي فتارة أموت.
الثالث: ويريكم البرق من آياته على التقديم، والتأخير من
غير حذف.
وذكر المقدورات على اختلافها، وعظم شأنها؛ لتدل على القادر
(1/425)
الذي لا يعجزه شيء.
وفي هذه الآيات دلالة بينة على بطلان مذهب أصحاب الاضطرار
وقيل معنى: {إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}
أخرجكم بما هو بمنزلة الدعاء، وبمنزلة كن فيكون.
وقيل: البرق نار تحدث في السماء
هذه الآيات على ما في خلق الزوجة على مش اكلة ال نفس للس كون
إليها، وجعل المودة بين الزوج، وبينها من الدليل على المدبر؛
لذلك
حت ى جاء كل شيء منه لما يصلح له وتمت النعمة به على من
أعطيه.
وما في خلق السماوات، والأرض على عظم شأنها، واختلاف
الألسنة، والألوان على كثرتها من الدليل على القادر العالم
بها.
وما في جعل الليل والنهار؛ للمنام، والمعاش الجاري على
اتساق، وانتظام من الدليل على المنعم مِما لا يقدر عليه سواه.
وما في رؤية البرق على الخوف من شدته، والطمع في الخير به
مع إنزال الماء من السماء؛ لإحياء الأرض بعد موتها، ونفع
العالم
بها من الدليل على الإله المحسن إلى العباد بما أخرج منها، وما
في
قيام السماء والأرض؛ م ثقلها، ثم يصير العباد بالدعاء إلى
الخروج منها من الدليل على القادر الذي لا يعجزه شيء منها، ولا
من غيرها تعالى.
(1/426)
ومعنى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}
قيل فيه قولان:
الأول: وهو أهون عليه في التقدير أو في المثل.
أي فيما يمثل به في القادرين من غيره؛ أن إعادة الكتاب أو
البناء أهون من ابتدائه.
الثاني: وهو هين
كقول الشاعر:
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإنِّي لأَوْجَلُ ... عَلَى أيِّنَا
تَعْدُوا المَنّيّةُ أوَّلُ.
{وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}
أي بما مثل به دليل صفته الذي هو طريق إلى
معرفته من أن إنساناً؛ إذا نسخ كتاباً؛ فإعادة نسخه أهون عليه
هذا في مقدور العباد مع نقصانه؛ فكيف مقدور من لا يلحقه النقص
معنى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}
فيه قولان:
الأول: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}
في إتلاف المال بإنفاقه.
الثاني: أن السيد له السلطان على عبده وليس للعبد سلطان على
مالكه فليس يجب أن يكونا في الخوف سواء.
(1/427)
إذا أجريت الأمور على حقها، وأنتم قد جعلتم
الخيفة من العبد؛
كالخيفة من مالك العبد؛ إذ عبدتموه كعبادته؛ لأن العبادة له لا
تصح.
إلا مع المساواة
وقيل: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}
الصفة العليا؛ لأنها دائرة يصفهُ بها الثاني؛ كما يصفه بها
الأول.
{كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}
أي: مطيعون في تصريفه لا يمتنع عليه شيء يريد
فعله بهم من حياة، وموت، وبقاء، وصحة، ومرض، وبعث،
ونشور؛ كأنه قيل هو منطاع فيما يراد به
وقيل: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}
أيسر عليه، وكُلٌّ هين.
عن ابن عباس ومجاهد.
(1/428)
وروي عنه أنه قال: {وَلَهُ الْمَثَلُ
الْأَعْلَى}
على الخلق.
وقيل: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}
: قول لا إله إلا الله، وحده لا شريك له؛ لأنه
دائر في السموات؛ والأرض يقوله فيه الثاني؛ كما قال الأول.
عن قتادة.
وقيل: {وَهُوَ الْعَزِيزُ}
في انتقامه من أعدائه
{الْحَكِيمُ}
في تدبيره لخلقه.
وقيل في الشركاء من العبيد؛ فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف
رضيتم به لربكم.
وقال قتادة: ألا يرضى أن يكون عبده مشاركاً له في فراشه،
وزوجته.
كذلك؛ لا يرضى ربه أن يُعْدَلَ به أحد من خلقه
وقيل: {فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}
في المال أي يقاسموكم إياه كما تخافون الشريك
من نظائركم.
وقيل: أن يرثوكم إياه؛ كما يرث بعضكم بعضاً.
الفطرة: الصبغة التي يشق عنها بإظهارها.
(1/429)
وتفطر الشجر بالورق؛ إذا تشقق..
وقيل: {فِطْرَتَ اللَّهِ}
دين الإسلام. عن مجاهد.
وقيل: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}
أي: لدين الله عن مجاهد وقتادة.
وقيل القانت: الدائم على أمر واحد
الملائكة، وغيرهم من المؤمنين دائمون على أمر واحد؛ في
ملازمة الطاعة لله، والكافرون وغيرهم من الفاسقين دائمون على
أمر واحد في الذلة لله تعالى إلا أن منهم من هو بخلقته وفعله،
ومنهم من هو بخلقته.
فطر الناس عليها، ولها، وبها بمعنى واحد.
كقول القائل لرسوله: بعثتك على هذا، ولهذا، وبهذا بمعنى واحد.
وقيل: {***} النَّاس.
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}
وهو دين الإسلام الذي فطر الله الناس له.
وقيل: النشأة الثانية يا أهل الكفر ينبغي أن تكون أهون عليه
(1/430)
ثم قال: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
فذلك دليل على أنه مثل ضربه الله
دلت الآية: على البيان عن ما في ملك أهل السماوات، والأرض
من تعظيم المالك بما يجب له على العبد؛ مع لزوم طاعته بعبادته،
وما في بداءة الخلق من أنه قادر على إعادته؛ إذ الهدم أهون من
البناء.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
الذي يوجب الهدى، ويكشف العمى، ويبصر حال
الآخرة والأولى.
وما في ملك اليمين من امتناع مساواة المملوك للمالك؛ إذ المالك
أعظم شأناً، وأعلى سلطاناً على عبده من عبده عليه.
فملك النفس بخلقها، وتصريفها كيف شاء مالكها، وهو أحق
بالعبد الذي يملك له النفع، والضر، وإليه يرجع الأمر بما
يتفاوت في
علو الشأن؛ حتى تجب له العبادة.
وما في اتباع الهوى بغير علم من الضلال المؤدي إلى النار من
غير ناصر ينصر من العذاب.
(1/431)
وما في الدين الحنيف من وجوب التمسك به على
ما فطر الله عليه
الخلق.
(1/432)
مسألة:
إن سئل عن قوله - سبحانه -: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(31) مِنَ الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ
دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا
أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ
بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ
فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا
عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ
يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً
فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ
أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ
ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ
رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ
اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ
اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ
ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ (40) }
[الآيات من 31 إلى 40]
فقال ما الإنابة؟ ، وما الدين؟ ، وما الشيع؟ ، ومن الذين فرقوا
دينهم؟ وما الضر؟ ، وما الإذاقة؟ ، وما معنى: بما قدمت أيديهم
[ولم يقل بما قدموا؟ ، ولم قيل يقدر بمعنى يضيق؟ ، وما بسط
الرزق؟
الجواب:
الإنابة: الانقطاع إلى الله بالطاعة
وأصله على هذا القطع.
ومنه الناب؛ لأنه قاطع.
التفريق: في الدين جعل أحدهما: مفارقاً للآخر في معنى ما يدعوا
إليه.
الدين: العمل الذي يستحق به الجزاء.
دين الإسلام العمل الذي عليه الجزاء بالثواب.
الشيع: الفرق التي يجتمع كل فريق منها على مذهب الفريق الآخر.
وأما شيعة الحق فهم الذين اجتمعوا على الحق.
(1/433)
وتقديره: {مُنِيبِينَ} ، وأمتك للدين
منيبين.
وقيل: (من الذين فارقوا) دينهم اليهود، والنصارى عن قتادة.
وقيل: كل من خالف دين الحق الذي أمر الله به.
{أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا}
أي: برهاناً يتسلطون به على ما ذهبوا إليه.
ويحتمل أن يكون رسولاً، وإذا حمل على البرهان فهو بمنزلة
الناطق بالأمر؛ لإظهاره إياه.
الضر: المرض، والفقر عن الحسن
الإذاقة: إيجاب إدراك الشيء في ابتداء أمره، وإنما قيل:
{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ}
؛ لقوة الإدراك في ابتداء لطلب الذائق لطعم الشيء.
{بما قدمت أيديهم}
على التغليب للأكثر؛ لأن أكثر العمل، وأظهره باليدين.
وقيل: {وَيَقْدِرُ} بمعنى يضيق
لأن ما كان على مقدار الشيء يضيق سلوكه فيه، وأما ما يقدر
(1/434)
كالحجر الذي على مقدار من النقل يصح حمله
منه..
بسط الرزق: الزيادة على مقدار القوت منه بما يظهر حاله.
القنوط: اليأس من الفرج.
{لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ}
هو: إعطاء الرجل العطية؛ ليعطى أكثر منها. عن ابن عباس
لأنه لم يرد بها طاعة الله، وإعطاء المال على وجوه كثيرة فمنه:
إعطاؤه على وجه الصدقة، ومنه إعطاؤه على وجه الهدية، ومنه
الصلة، ومنه الوديعة، ومنه قضاء الدين، ومنه البر، ومنه
الزكاة،
ومنه القرض، ومنه النذر.
وقيل: المعنى فيه التزهيد في الربا، والترغيب في الزكاة.
والمضعف ذو الإضعاف؛ كما أن الموسر ذو يسار
قرأ نافع (لِتُربُوا) بالتاء، وسكون الواو.
وقرأ الباقون (ليَرْبُوَ) بالياء، وفتح الواو.
(1/435)
مسألة:
إن سئل عن قوله - سبحانه -: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ
بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
(41) قُلْ سِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا
مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ
كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا
فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا
يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ
الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ
وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ
الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ
فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى
الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ
قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ
اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ
ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(50) }
[الآيات من 41 إلى 50]
فقال ما الفساد؟ ، وما الظهور؟ ، وما الكسب؟ ، وما معنى:
{لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} ؟ ، وما معنى:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} ؟ وما معنى: البر،
والبحر هاهنا؟ ، وما التمهيد؟ ، وعلى أي شيء عطف
{وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} ؟ ، وما إرسال الرياح؟ ،
وما معنى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} ؟ ،
ولم قيل {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} في موضع ليشكروا؟ .
الجواب:
الفساد: انتقاض الأمر بما يقع به الضر.
وفساد البر بحوادث من الخوف تمنع من سلوكه بخذلان الله أهل
العقاب به
وفساد البحر اضطراب أمره؛ حتى لا يكون للعباد متصرف فيه.
، وكل ذلك ليرتدع الناس به.
الظهور: خروج الشيء إلى حيث يقع الإحساس له؛ بمنزلة الإدراك.
والظهور على ثلاثة أوجه: خروج عن وعاء، ووجود عن عدم
(1/436)
وظهور بالدليل.
الكسب: فعل الشيء لاجتلاب نفع إلى نفس الفاعل، أو دفع ضر
معنى: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}
أي: ليذيقهم عقابه إلا أنه أجرى
على بعض العمل؛ لأنهم إذا ذاقوا جزاءه؛ فكأنهم ذاقوه، وهذا من
أحسن ما يقع فيه الحذف، وهو حذف المسبب، وإقامة السبب الذي
أدى إليه مقامه.
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ}
أي: استقم للدين المستقيم؛ لصاحبه إلى الجنة.
أي: لا تعدل عنه يميناً، ولا شمالاً؛ فإنه يؤديك إلى الجنة،
وهو
مجانس بلاغة حسنة.
وقيل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}
في أهل البر، والبحر، وأهل البر: أهل البادية، وأهل البحر: أهل
القرى التي على الأنهار العظيمة عن قتادة.
وقيل: البر ظهر الأرض، والبحر البحر المعروف.
وقيل البر الأرض القفر، والبحر المجرى الواسع؛ للماء ملحاً
كان، أو عذباً.
(1/437)
الفساد: المعاصي.
والتقدير: ظهر عقاب الفساد في البر، والبحر.
{يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}
يتفرقون فرقتين: فريق في الجنة، وفريق في السعير.
مهد يمهد مهداً؛ إذا هيأ المضجع ووطأه.
التمهيد، والتمكين، والتوطئة نظائر.
وقيل: بالعدل ينبت الله الزرع، ويدر الضرع، وبالظلم يكون
القحط، وضيق الرزق.
وقيل: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا}
الطاعة لله. عن الحسن
قرأ ابن كثير {لنُذِيْقَهم} بالنون.
وقرأ الباقون {لِيُذِيقَهُمْ} بالياء.
(1/438)
الريح جسم رقيق يجري في الجو يميناً،
وشمالاً على ما دبر من
حركاته في جهاته يمتنع القبض عليه بلطفه، والله مدبره
عطف: {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ}
على المعنى بتقدير: أن يرسل الرياح.
للبشارة، وللإذاقة من الرحمة.
{وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ
بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}
فأرسل الرياح؛ لهذه الأمور.
إرسال الرياح: إيجاد الحركات فيها حتى تجري في الجو، وذلك.
فعل الله خاصة
معنى: {مُبَشِّرَاتٍ}
هاهنا: أنها بمنزلة الناطقة بالبشارة أنه سيأتي الغيث
الذي تحيى به الأرض لما فيها من إظهار هذا المعنى ودلالتها على
ذلك بجعل جاعل؛ لأنه من طريق العادة الجارية به.
وقيل: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}
في موضع لتشكروا.
للطف في الدعاء إلى الشكر، كالتلطف في الدعاء إلى البر
في قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا
حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ
يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) } .
الكسف: القطع. عن قتادة.
(1/439)
الودق: القطر عن مجاهد..
{لَمُبْلِسِينَ} . قانطين عن قتادة.
واليأس من الفرج.
{مِنْ قَبْلِهِ} فيه قولان:.
أحدهما: التوكيد.
والآخر: من قبل الإرسال.
والأول من قبل الإنزال.
وفي الآية: دليل على صحة القياس في الدين.
(1/440)
قرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر، وحفص عن
عاصم:
(إلى آثَارِ رَحْمَة ِ اللهِ) جماعاً..
وقرأ الباقون (إلى أَثَرِ)
(1/441)
مسألة:
إن سئل عن قوله - سبحانه -: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا
فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ
(51) فَإِنَّكَ لَا
تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا
وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ
عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ
بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ
قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا
لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ
لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ
فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ
مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ
يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
(59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا
يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) }
[إلى آخر السورة [الآيات من 51 إلى 60]
فقال: أين جواب الشرط في (لئن) ؟ قد أغنى عنه جواب القسم.؟ ،
والمعنى ليظلن كما؛ أن: {إنْ أَرْسَلْنَا} : بمعنى أن نرسل،
فجواب القسم قد ناب عن الأمرين، وكان أحق بالحكم لتقدمه على
الشرط، ولو قدم الشرط لكان الجواب له، كقولك: إنْ أرسلنا ريحاً
ظلوا بالله يكفرون.
يقال: ظل يفعل: بمعنى جعل يفعل في صدر النهار
معنى: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ}
يريد به الضلاَّل الذين لا يطلبون الإبصار؛ فليس في هؤلاء حيلة
أن يقبلوا الهداية؛ فصار العمى بالضلال صنفين: [صنف يطلب
الهداية؛ فهو يجدها عندك]
وصنف لا يطلب الهداية؛ فليس فيه حيلة..
الإدبار: الذهاب إلى جهة خلف
ونقيضه الإقبال.
(1/442)
أدبر هؤلاء الجهال عن الحق غير طالبين له؛
فلزمهم الذم،
وصفة النقص.
وقيل في الهاء من {فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا}
قولان:
الأول: رأوا السحاب مصفراً؛ لأنه إذا كان كذلك فهو غير ممطر.
الثاني: رأوا الزرع مصفراً.
وقيل: {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}
: أنه من حيث انقطع عنا عذاب القبر.
{كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}
؛ لأنه إخبار عن غالب الظن بما لا يعلمون.
ومن قال: هذا لم يجز أن يقع منهم في الآخرة قبيح، وقيل
بل كان سألهم من غير تكميل العقول، ويجوز قبل الإلجاء أن يقع
منهم القبيح على مذهب بعضهم.
قال الحسن: فرأوه أي: رأو الزرع.
(1/443)
قرأ حمزة وعاصم (مِنْ ضَعْفٍ) بفتح الضاد
وقرأ الباقون (مِنْ ضُعْفٍ)
[بضم الضاد] .
إيتاء العلم إعطاؤه بالدلائل المؤدية إليه، أو يخلق العلم نفسه
في قلوبهم
اللبث في الكتاب لما بيانه في الكتاب؛ فصار من أجل أن بيانه في
الكتاب؛ كأنه في الكتاب؛ كما تقول: كل ما يكون: فهو في اللوح
المحفوظ.
اللبث مضمن بالمكان؛ كتضمين السكون.
البعث: جعل الشيء جارياً في أمر
منه انبعث الماء إذا جرى.
المعذرة: إظهار ما يسقط اللائمة.
الاستعتاب: طلب صلاح المعاتب بالعتاب
وذلك أن يذكر الحقوق التي تقتضي خلاف ما عمله العامل مما لا
ينفي أن يكون عليه مع الحق الذم له.
وليس في قولهم ما علمنا أنه يكون، ولا أنا نبعث عذر؛ لأنه قد
(1/444)
نصب الدليل عليه، ودعوا إليه.
الاستخفاف: طلب خفة الحكم في الدعاء إلى أمر.
وقيل في كتاب الله أي: في كتابه الذي أخبرنا به
وقال الحسن: لقد وفاكم آجالكم إلى يوم البعث ولكنكم كنتم لا
تعلمون أن البعث حق.
(1/445)
|