تفسير ابن فورك سورة لقمان
مسألة: إن سئل قوله - سبحانه - {الم (1) تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)
هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا
وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي
أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ
النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ
رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ
دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا
فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ
فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ
الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) }
[الآيات من 1 إلى 11]
فقيل لم جعل اسم السورة على الاشتراك؟ ، ولم وصف الكتاب
بأنه حكيم؟ ، وإنما هو حكمه؟ ، وما معنى: اللهو؟ ، وما معنى:
الاشتراء؟
، وما الحديث، وما معنى: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ؟ ،
وما الهوان؟ ، وما معنى الدابة؟ ، وما معنى: {مِنْ كُلِّ
زَوْجٍ كَرِيمٍ} ؟ ، ومن الذي كان اشترى لهم الحديث؟
الجواب:
جعل اسم السورة على الاشتراك: للمناسبة بينها، وبين ما
سمي باسمها؛ مع الفصل بالصفات، وذلك أنها استحقت بذكر
الكتاب والمؤمنين به؛ ثم العادلين عنه؛ كما هو في البقرة.
وصف الكتاب بأنه حكيم؛ على معنى أنه محكم مبين
قرأ حمزة (هُدَى وَرَحْمَةٌ) رفعاً، وقرأ الباقون نصباً على
الحال.
معنى (الاشتراء) : استبدال الشيء بالثمن المنعقد به، فيجوز
أن يكون هذا الجاهل اشترى كتاباً فيه لهو الحديث، ويجوز أن
يكون
اشترى لهو الحديث نحو الحديث.
(1/446)
اللهو: الأخذ فيما يصرف الهم من غير الحق
اللهو،
والهزل، واللعب؛ من النظائر.
الحديث: الخبر عن حوادث الزمن.
وقيل لبعضهم: أيمل الحديث؟ قال: إنما يمل العتيق أي أن فيه
الإِطْرَاف الذي يمنع من الملل
معنى {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}
أي: لينشئ على ما يلهيه عن سبيل الله.
الهوان: إذلال العداوة؛ وإذلال الفقر ليس بهوان.
فأما إذلال العداوة؛ فهو هوان؛ إذا كان عقابا..
وقيل معنى: {يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} هو شري المغنيات.
وروي في خبر مرفوع أنه محرم.
وقيل: هو استبدال حديث الباطل على حديث الحق.
عن قتادة.
(1/447)
وقيل: (لهو الحديث) : الغناء عن ابن مسعود،
وابن عباس
وقيل كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله الذي أمر
باتباعه إلى ما نهي عنه.
وقيل سبيل الله قراءة القرآن، وذكر الله عن ابن عباس
وقيل هو رجل من قريش اشترى جارية مغنية.
الدابة: كل ما دب على الأرض.
وَبَثَّ: فرق.
{مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}
من كل نوع حسن النبتة طيب الثمرة.
(1/448)
وقيل الذي كان اشترى لهو الحديث: النضر بن
الحارث؛ الذي
قتل في أسارى بدر، وكان اشترى كتبا فيها أحاديث الفرس،
وحديث رستم؛ فكان يلهي بذلك، ويطرب، ليصد عن القرآن.
الرواسي: الجبال
ورست ثبتت.
{أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}
أن تتحرك يميناً، وشمالاً.
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (وَيَتَخِذَهَا) نصباً.
وقرأ الباقون: (وَيَتَخِذُهَا) رفعاً.
(1/449)
مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -
{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ
لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
(12) وَإِذْ قَالَ
لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ
بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ
عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا
تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ
مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ
فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ
خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا
أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا
تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ
مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
(18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ
أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) أَلَمْ
تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً
وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) }
[الآيات من 12 إلى 20]
فقال: إلى أي شيء أشير بهذا على سبيل الصفة له؟ ، وما معنى:
{وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} ؟ ، وقال لم
أمكن أن يظلم نفسه بشركه؟ ،
وما معنى: {وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} ؟ ، وما معنى: {وَفِصَالُهُ
فِي عَامَيْنِ}
وفي من نزلت؟ وما معنى: {وَفِصَالُهُ} ؟ ، وما المتعال؟ ، وما
{لطيف}
؟ ، وما المعروف؟ ، وما معنى {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ} ؟ ، وما الفخر؟ ، وما معنى: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الْأُمُورِ} ؟ ، والهاء في {إنها} إلى ماذا ترجع؟ ، وما
المختال؟ .
الجواب:
أشار بقوله هذا: إلى السموات التي تقدم ذكرها من عظمها أنها
رفعت من غير عمد يمنع من إنحدارها، وإلقاء الرواسي في الأرض
لئلا تميد بأهلها..
{وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} للاعتبار، والانتفاع
بها، وإنزال الماء
من السماء؛ لإخراج كل نوع كريم: على ما فيه من بهجة، ولذة
يستمتع بها؛ فهذا كله خلق الله؛ فأين خلق من أشركتموه في
عبادته
حتى جاز لكم أن تعبدوه من دونه، وهذا ما لا يمكن له معارضة،
وفيه دليل على الوحدانية.
ومعنى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}
أي: نفعه يعود إلى نفسه ولا يجوز أن يعاقب
(1/450)
نفسه؛ لأن العقاب إلى ما هو أملك به منه..
{بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: ما دعاهم إلى
عبادتها؛ أنها تخلق
شيئاً، ولكن ضلالهم بالجهل الذي اعتقدوه من التقريب إلى الله
زلفى،
وما جرى مجراه.
واختلفوا في لقمان هل كان نبيا؟
روي عن ابن عباس أنه قال: لم يكن نبياً، وقال عكرمة: كان
نبياً.
معنى: {وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}
أي: ضعفاً على ضعف. عن الضحاك.
أي: ضعف الولد على ضعف الأم.
وقيل: بل المعنى شدة الجهد.
(1/451)
{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}
أي: في انقضاء عامين، وقيل: نزلت في سعد
بن أبي وقاص حلفت أمه أن لا تأكل؛ حتى تموت أو يدع
دينه؛ فلما رأته بعد ثلاث لا يرجع عن الإسلام أكلت.
{وَفِصَالُهُ} .
فطامه.
قرأ ابن كثير (يَا بُنَيِّ إِنَّهَا) مكسورة الياء.
وَ (يَا بَنِيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ) بفتح الياء.
وقرأ الباقون بكسر الياء.
وقرأ ابن كثير (يَا بنِي) بوقف الياء.
فمن فتح ياء الإضافة وحذف ما قبلها لاجتماع ثلاث ياءات والكسر
على الإجتزاء بها من ياء الإضافة والسكون لأنه وصل كما يقف.
معنى: (لطيف) : أنه قدير عليم لا يجفوا عن عمل شيء ولا
عن علمه؛ لأن من القادرين من يجفوا على عمل أشياء كثيرة
لنقصان علمه وقدرته.
المثقال: مقدار يساوي غيره في الوزن.
فمثقال حبة هو: مقدار
(1/452)
حبة في الوزن
الخبير: العليم بمعنى الخبير في نفسه وصحته أو فساده، وهو
مبالغة في الصفة، ولم يزل الله خبيراً، أي عليما بوجوه ما يصح
أن يخبر به.
المعروف: الذي هو الحق.
المنكر هو الباطل.
{إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}
هو العقد الصحيح على فعل الحسن، بدلاً من
القبيح.
والعزم: العقد على الأمر؛ لتوطين النفس على الفعل
والتلون في الرأي يناقض العزم..
الفخر: ذكر المناقب؛ للتطاول بها على السامع من شكل الذاكر.
الإختيال: مشية البطر
في الهاء من {إنها} قولان:
الأول: أنها عماد، وهو الضمير على شريطة التفسير.
(1/453)
الثاني: أنها كناية عن الخطيئة، أو الفعلة،
التي تقتضي الجزاء، وهي المضمرة في تك.
وقال قتادة: لطيف باستخراجها خبير بمستقرها..
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} من الناس في الأمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر.
معنى {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}
لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا.
عن ابن عباس.
وأصل الصعر: داء يأخذ الإبل في أعناقها، أو رؤوسها؛ فيشبه
به الرجل المتكبر على الناس.
قال الشاعر:
وَكُنَّا إذا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ... أَقَمْنَا لَهُ
مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمَا
(1/454)
المختال: المتكبر..
{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} أقبح الأصوات عن مجاهد.
كما يقال: هذا وجه منكر.
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ}
من شمس، ومن قمر، ونجم، وسحاب.
{وَمَا فِي الْأَرْضِ}
من دابة، وشجر، وماء، وبحر، وغير ذلك؛ مما تنتفعون به في
أقواتكم، ومصالحكم.
وقيل في {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً
وَبَاطِنَةً}
إضمار الفعلة من الحسنة، أو السيئة.
وقيل النعم الباطنة: مصالح الدين، والدنيا مما لا يشعرون به.
السابغ: الواسع؛ الذي يفضل عن مقدار القوت.
(1/455)
قرأ نافع وحده (تَكْ مِثْقَالُ حبةٍ) رفعاً
وقرأ الباقون (مِثْقَالَ حَبَّةٍ) .
نصباً.
قرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم (نِعَمَهُ) جماعة.
وقرأ الباقون (نِعْمَةً) واحدة.
(1/456)
مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ
السَّعِيرِ (21) وَمَنْ
يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ
اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ
كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا
عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23)
نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ
غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ
أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا
كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ
اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ
اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ
كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ
(32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا
يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ
هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا
يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ
مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ
غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) }
إلى آخر السورة [الآيات من 21 إلى 34]
فقال: ما الإتباع؟ ، وما الموجود؟ ، وما الإحسان؟ ، وما
التوثيق
وما معنى: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} ؟ ، وما الغني؟ ، وما الحميد؟ ،
وما الشجرة؟ ، وما مد البحر؟ ، وما وجه اتصال قوله: {إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} وفي من نزلت هذه الآية؟ ، وما معنى:
{مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} ؟ ،
وما الجريان؟ ، وما النعمة؟ ، وما الإخلاص، وما معنى:
{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ؟ ،
وما الختَّار؟ ، وما معنى: الحكمة؟ ، وما الإحسان.
الجواب عن ذلك:
الاتباع: طلب الموافقة؛ لما دعى إليه الداعي بقوله، أو فعله.
الإتباع، والإقتداء نظائر في اللغة.
الموجود: هو الشيء؛ إذا كان مطلقاً.
والموجود: هو المعلوم؛ إذا كان مقيداً.
الإحسان: الإنعام.
(1/457)
التوثيق: امتناع سبب الانتقاض، لأن البناء
الموثق الذي جعل على امتناع سبب الانتقاض، وما ليس بموثق؛ فهو
على سبب الانتقاض.
{فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}
للسبب على سبب الانتقاض.
معنى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ}
أي: إلى طاعة الله بقصده لها، وإقباله عليها.
ثم قيل: {وَهُوَ مُحْسِنٌ}
أي: عمله عمل محسن بما ليس بمرائي،
ولا مشرك.
الغني: المختص؛ بأن وجود غيره وعدمه سواء؛ في أنه لا
يتغير به ونقيضه محتاج، والمحتاج: هو المختص بأن في وجود
غيره انتفاء الضر عنه، أو صفة النقص.
الحميد: المستحق للحمد.
(1/458)
ونقيضه الذميم.
وقد يقال: محمود على هذا المعنى؛ أنه أهل للحمد.
الشجرة: نبات يقوم على ساق، ويورق في الأغصان، ومنه
أخذت المشاجرة بين القوم في الأمر..
مد البحر: جري غيره إليه حالا بعد حال
وجه اتصال: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
بما قبله، أن الله سميع لما يقوله القائل في ذلك بصير بما
يضمر.
{مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ،
وفيه تهديد عن المخالفة فيه.
وتقديره: (لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من
بعده سبعة أبحر) يكتب به كلام الله ما نفدت كلماته.
والآية: تقتضي؛ أن كلامه غير مخلوق؛ لأن ما لا نهاية له،
ولما يتعلق به معناه؛ فهو غير مخلوق؛ وكعلمه، وقدرته،
وإرادته.
(1/459)
وقيل: الآية نزلت جوابا لليهود؛ لما قالوا
قد أوتينا التوراة،
وفيها كل الحكمة؛ فنزلت الآية عن ابن عباس
وقيل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي
النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}
نقصان الليل في زيادة النهار، ونقصان
النهار في زيادة الليل عن قتادة.
الأجل المسمى: القيامة عن الحسن
قرأ (الْبَحْرَ يَمُدُّهُ) نصبا أبو عمرو، وحده، وقرأ الباقون.
(وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ) رفعاً.
الجريان: استمرار الشيء في ذهابه؛ كاستمرار الماء.
الفلك تجري بهذا المعنى
والعلة تجري؛ لأنها تستمر في أحكامها؛ فكل علة فحكمها تابع
لها، وهي جارية فيه.
النعمة: منفعة تخلص من الضرر.
الإنعام، والإفضال، والإحسان، نظائر.
(1/460)
الإخلاص: إفراد المعنى من كل شائب كان من
غيره.
{مَوْجٌ كَالظُّلَلِ}
أي: في ارتفاعه، وتغطيته ما تحته.
{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}
أي: الطاعة، والعبادة.
وقيل: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}
في قوله مضمر لكفره. عن قتادة.
الختار: الغدار بعهده أقبح الغدر عن الحسن، ومجاهد.
الغرور: الشيطان عن مجاهد، وقتادة.
لأنه يُمَنِّيكَ المغفرة في عمل المعصية.
عن سعيد عن جبير.
(1/461)
وقيل: خمس خصال من علم الغيب لا يعلمه إلا
الله علم الساعة،
وعلم وقت إنزال الغيث بعينه، وعلم ما في الأرحام، وعلم مستأنف
الاكتساب، وعلم موت الإنسان؛ في أي موضع من البلاد في خبر
مرفوع.
وقيل: {لَا يَجْزِي} على طريقة مستقيمة جزيت عنك أجزي أي
أغنيت عنك..
وفيه لغة أخرى [أجزأ] يجزئ عنك من أجزأت بالهمز.
الحكمة: العلم، أو العقل الواقع به.
الإحسان: الإنعام.
(1/462)
|