تفسير ابن فورك

سورة السجدة
مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) }
[الآيات من 1 إلى 16]
فقال: إذا لم يكن فيه ريب عند المهتدين، وفيه ريب عند الضالين
؛ فلم أطلق أنه لا ريب فيه؟ ، وما وجوه الحكم في الكتاب؟ ، ولم
جاز أن يعطف بأم؛ من غير أن يكون قبلها استفهام؟ ،
وما معنى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} ؟ ،
وما معنى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} ؟ ، ولم لا يكون في العقل دليل على علم ما غاب عن الحس؟ ، وما العزيز؟ ، وما معنى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ؟ ، وبم انتصب (خلقه) ؟ ، وما الماء المهين؟ ، وما معنى: {ضَلَلْنَا} ؟ ،
وما التوفي؟ ، وما الملك؟ ، وما التوكيل؟ ، ولم جاز: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
بمعنى الرجوع إلى جزائه؟ ، وما معنى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} ؟
وما موضع الرد من ذلك على المعتزلة؟ ، وما معنى: {أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} ؟ ،
وما الاستكبار؟ ، وما معنى: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} ؟
الجواب:
أنه لما كان كالبرهان في الإطلاق أنه لا ريب فيه عند أهل
الاعتبار: جرى مجرى قول القائل: لا ريب في هذا أنه ذهب، أي:
عند من اعتبره ورآه ووجه وجوه الحكم في الكتاب: البيان عن كل ما يدعوا إلى تمييز الحق فيه من الباطل؛ بالبرهان عليه مما يحتاج إليه في الدين؛ الذي
يرتضيه رب العالمين.
وهو على وجهين: حجة، وموعظة، واعتماد الحجة على تبيين
ما يؤدي إلى العلم بصحة الأمر، واعتماد الموعظة على الترغيب
والترهيب، ففي الموعظة من جهة التحذير بمتضمنه وفيه حجة على

(1/463)


العبد من جهة أنه قد دل به على ما يجب أن يعتقد في عظمته ويعمل
به.
وجاز أن يعطف بأم، من غير أن يكون قبلها استفهام؛ لأنها إذا
جاءت منقطعة ففيها معنى بل، والاستفهام بمعنى الألف، وفي المعادلة فيها معنى أو مع الاستفهام.
الحق: هو الذي معتقده على ما اعتقد مما يدعوا إلى تعظيمه حكم.
الله.
{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ}
أي: أهل الفترة من العرب؛ فكانوا كأنهم كلهم في غفلة عما يلزمهم، وقد كان إسماعيل - عليه السلام.
- نذيراً لمن أرسل إليه.
{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}
قيل خمسمائة عام نزول، وخمسمائة صعود؛ فذلك ألف سنة.
ودخلت ثم في: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}
كما دخلت حتى في: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} .

(1/464)


{ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}
أي إلى مكان الملك الذي أمره الله أن يعرج
إليه؛ كما قال إبراهيم: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) }
أي: إلى أرض الشام.
وكذلك: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}
أي: إلى المدينة، ولم يكن الله بالمدينة.
وأما علم ما غاب عن الحس: فيجوز أن يضطرنا إلى العلم، وإذا
كان عليه دليل صح أن يعلمناه من جهة الاستدلال.
الغيب: خفاء الشيء عن الإدراك.
الشهادة: ظهوره للإدراك.
فكأنه قيل: يعلم ما يصح أن يشاهد، وما لا يصح أن يشاهد؛
فيدخل فيه المعدوم، والحياة، والموت، والقدرة، والعجز.
العزيز: القادر على منع غيره من غير أن يقدر على منعه عن مراده

(1/465)


وأصل العز المنع من؛ [ورجل عزِيزٌ] (1)
إذا منع جانبه بغلبه..
وَمَن عَزَّ بَزَّ أي: من غلب بمنعه أسيره أخذ سلبه
قوله: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}
أي علم ذلك ولا يخفى عليه شيء.
{خَلْقَه} انتصب بالبدل من كل.
السلالة: الصفوة.
{مَهِينٍ}
الضعيف عن قتادة.
مهين: فعيل من المهنة
{ضَلَلْنَا}
وفيه لغتان: (ضَلَلْنَا) و (ضَلِلْنَا) بفتح اللام وكسرها.
فكل شيء غلب عليه غيره حتى يغيب فيه؛ فقد ضل فيه.
{ضَلَلْنَا}
أي: هلكنا. عن مجاهد، وقتادة.
__________
(1) ما بين المعوقفتين بياض في الأصل والعبارة من لسان العرب: (ورجل عزِيزٌ مَنِيع لا يُغْلب ولا يُقْهر) .

(1/466)


(من روحه) .
أي: من الروح التي اختصها بالإضافة إليه تشريفا لها.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)
بإسكان اللام.
(وقرأ الباقون (خَلَقَهُ) بفتح اللام.
التوفي: أخذ الشيء على تمام.
الملك يتوفى الإنسان؛ بأخذ روحه على تمام؛ فيعرج بها إلى حيث أمره الله.
الملك: رسول لله على صورة مخصوصة.
وأصله الألوكة، وهي الرسالة.
التوكيل: تفويض الجاعل الأمر إلى غيره للقيام به
جاز {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
بمعنى الرجوع إلى جزائه؛ لأنه أفخم

(1/467)


لشأنه، وأعظم بحسب ما أضيف إليه
وقوله {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي}
دليل على المعتزلة؛ لأنهم يقولون: أتى كل نفس هداها وإنما ضلو من قبل أنفسهم.
قال قتادة: يتوفهم ومعه أعوان من الملائكة.
وقيل: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} صدق وعدك.
{وَسَمِعْنَا} منك تصديق رسلك.
وقيل: {أَبْصَرْنَا} الرشد، {وَسَمِعْنَا} الحق.
وقيل: كنا بمنزلة العمي الصم؛ فالآن {أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} .
الاستكبار: والاستنكاف من النظائر.
وقيل: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
أي: يرجعون إلى أن لا يملك أحد ضرا، ولا نفعاً إلا الله، وفيه تعظيم لهذه الحال، واقتضاء للوعيد.

(1/468)


مسألة:
إن سئل عن قوله - سبحانه -: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30) }
إلى آخر السورة.
[الآيات من 16 إلى 30]
فقال ما التجافي؟ ، وما الدعاء؟ ، وما الرزق؟ ، وما المضجع؟
، وما معنى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ؟ ، وما معنى: {نُزُلًا} ؟
وما العذاب الأدنى؛ وهل ينتهي العذاب إلى حد ليس فوقه أكثر منه؟ ولم كان {} يدل على حجة الإجماع؟ ، ولم يدل قوله: {} ؟ ،
وما معنى: {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} ؟
، وما وجه الرد على المعتزلة من قوله {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} ؟
وما الهدى؟ ، وما الواجب من الهدى؟ ، وأين فاعل يهدي في
قوله: {أولم يهد لهم} ؟ ، وما معنى: يوم الفتح؟ ، وما يوم الفتح؟ .
الجواب:
التجافي: تعاطي الارتفاع عن الشيء.
والتجافي والنبو من النظائر.
الدعاء: طلب الفعل من المدعو.
الرزق: المنافع التي مكنوا منها.
المضجع: موضع الاضطجاع.

(1/469)


والاضطجاع إلقاء النفس على جنب.
المعنى يقطعهم اشتغالهم بالدعاء لله - عزَّ وجلَّ - عن طيب
المضجع؛ لما يأملون به من الخير، والبركة من الله؛ لأن آمالهم.
مصروفة إليه، وأتكالهم في أمورهم عليه.
وقيل: كانوا يتنفلون بين المغرب، والعشاء عن أنس، وقتادة.
وقيل: صلاة الليل عن الحسن، ومجاهد.
وقيل: المعنى أنهم يذكرون الله بالدعاء، والتعظيم عن الضحاك.
وقال قتادة: (خَوْفَا) من عذاب الله، (وَطَمَعاً) في رحمة الله.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
في طاعة الله

(1/470)


ويجوز في ما أخفي وجهان:
أحدهما: أن تكون بمعنى الذي.
والثاني بمعنى أي.
{نُزُلًا}
أي: عطاء نزوله. عن الحسن.
وقيل {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا}
كادوا؛ لأنها ترفعهم بلهيبها ضربوا بمقامع حتى يهووا فيها.
عن الحسن.
قرأ (أُخْفِي) بإسكان الياء حمزة..
وقرأ الباقون (أُخْفِيَ) بفتح الياء.
العذاب الأدنى: العذاب الأصغر
وفي الأدنى معنى الأقرب، وهو عذاب الدنيا القتل، والسبي،
والقحط، والمرض، والفقر.
وقيل: العذاب الأدنى: مصائب الدنيا.
عن ابن عباس والحسن.

(1/471)


وقيل: القتل يوم بدر عن عبد الله.
العذاب الأكبر عذاب الآخرة.
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
هاهنا: يتوبون. عن عبد الله، وأبي العالية.
{فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ}
أي: من لقاء موسى ليلة الإسراء بك.
عن ابن عباس.
وقيل: {وَجَعَلْنَاهُ}
أي: جعلنا موسى.
وقيل: وجعلنا الكتاب. عن الحسن.
أئمة: أي: رؤساء في الخير عن قتادة

(1/472)


وقيل: {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ}
من لقاء موسى الكتاب.
قال الحسن: فلا تكن في شك من لقاء الأذى؛ كما لقى موسى.
كأنه قيل: فلا تكن في شك من أن تلقى كما لقي.
قرأ حمزة والكسائي (لِمَا صَبَرُوا) بكسر اللام والتخفيف أي:
بصبرهم.
وقرأ الباقون (لَمَّا) بالفتح والتشديد.
فأما وجه الرد على المعتزلة من قوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}
فهو أن الله خلق فيهم الصفات التي كانوا بها أئمة، كما إذا قيل جعلته حيا، أو ميتاً؛ إذا خلق فيه الحياة، أو الموت.
الهدى: دلالة تبصر طريق الرشد من الغي.
يقال: هداه يهديه في الدين هدى، وهداه إلى الطريق هداية.

(1/473)


الواجب من الهدى المؤدي إلى معرفة الله، وما يجوز في صفته هدى.
فاعل (يهد) مضمر فيه بتقدير (أولم يهد لهم) إهلاكنا.
السَّوقُ: الحث على السير.
والله يسوق ماء المطر إلى هذه الأرض الجرز، وهي الأرض
الأرض اليابسة؛ التي ليس فيها نبات فتنبت بذلك ضروبا من النبات
يتغذى به الإنسان، والأنعام.
ويسوق الماء بالسيول. عن ابن عباس.
وقيل متى يجيء فتح الحكم بيننا، وبينكم في الثواب، والعقاب.
ويوم الفتح: يوم القيامة. عن مجاهد.

(1/474)


وقيل: {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ}
[الموت] الذي يؤديهم إلى ذلك.
وقيل: إنهم سيأتيهم ذلك؛ فكأنهم ينتظرونه.

(1/475)


الخاتمة

(1/476)


الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبعد:
فإني أحب أن أسجل في ختام هذا العمل المتواضع بعض النتائج
التي ظهرت لي خلال العمل على دراسة الكتاب وتحقيقه:
أولاً: فيما يخص الإمام ابن فورك فإنه عالم موسوعي من علماء
الأشاعرة الذين ساهموا في تطوير المذهب الأشعري.
ثانياً: تفسيره فريد في بابه وليس له نظير يدانيه رغم صغر
حجمه وأنه من حر تأليفه وليس ملامح من تفسير أبي الحسن
الأشعري كما زعم بعض العلماء وقد دللت على بطلان قوله بما لا
يدع مجالاً للشك.
وصية واقتراح:
رغم التطور العلم ي الذي يعيشه العالم لا زالت أواصر الترابط
والتعاون بين الجامعات ضئيلة، ولا أدل على ذلك من تكرار الأعمال
الأكاديمية لذا فإنني أنادي باسم طلاب الدراسات العليا بضرورة
التنسيق والتعاون بين الجامعات وتبادل الخبرات.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1/477)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير ابن فورك من أول سورة الأحزاب - آخر سورة غافر
المؤلف: الإمام العلَّامة / أبو بكر محمد بن الحسن ابن فورك
(المتوفى 406)
دراسة وتحقيق: عاطف بن كامل بن صالح بخاري (ماجستير)
عدد الأجزاء: 1
الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية
الطبعة الأولى: 1430 - 2009 م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.

(2/78)