تفسير ابن فورك سورة الأحزاب
مسألة:
فإن سأل عن قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ
لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ
أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ
أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ
ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ
الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ
لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا
أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ
أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى
أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ
مَسْطُورًا (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ
مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا
غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ
وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا
وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ
مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ
الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) } ،
فقال:
ما معنى أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتقوى وهو متقي؟
وما معنى النفاق؟ وما وجه اتصال قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلِيمًا حَكِيمًا} ؟ وما الوكيل؟ وفيمن نزل قوله: {مَا جَعَلَ
اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} ، {وَمَا
جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} ؟ وما معنى الأولى؟ وما
معنى النفس؟ وأولوا الأرحام؟ وما معنى {أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى
أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} ؟ وما معنى {لِيَسْأَلَ
الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} ؟ وفيمن نزلت {وَبَلَغَتِ
الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} ؟ وما معنى {وَإِذْ زَاغَتِ
الْأَبْصَارُ} ؟ وما معنى {أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ} ؟ وما معنى (الظنون) في قوله: {وَتَظُنُّونَ
بِاللَّهِ الظُّنُونَا} ؟ وما الميثاق الغليظ؟ وكيف قيل:
(الظُّنُونَا) بالألف؟
الجواب:
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخاطب بالتقوى والمراد به
غيره، كما قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] ، والثاني: إنه مأمور باستدامة الحال
التي هو عليها؛ لأن الأمر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
(2/79)
أمر بابتداء الانتقال من حالة إلى حال.
والثاني: يكون أمر استدامة.
والثالث: يكون أمر استزادة، والنبي - صلى الله عليه وسلم -
مأمور من الوجهين بالاستدامة والاستزادة.
النفاق: إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وكل منافق كافر.
الذي اقتضى ذكر {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [1]
أن المعنى فيه أن الله كان عليما بأحوالهم، حكيما فيما يوجبه
عليك من أمرهم، ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [2] مهددا لهم.
الوكيل: القائم بالتدبير لغيره.
وقيل: كان المنافقون يقولن: لمحمد قلبان؛ فأكذبهم الله. عن ابن
عباس.......................
(2/80)
ومجاهد، وقتادة.
وقال الحسن: "كان رجل يقول: لي نفس تأمرني، ونفس تنهاني؛ فأنزل
الله فيه هذا"
(2/81)
وقيل: هو في مثل امتناعه كامتناع أن يكون
ابن غيرك ابنك. عن الزهري.
وقيل: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [4] نزل
في زيد بن حارثة، كمان يدعى ابن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -.
(2/82)
{وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}
[5] (ما) في موضع جر، أي: ولكن فيما تعمدت قلوبكم.
ولا يجوز أن يطيعهم وإن دعوا إلى الحق، فإذا فعله فلانه حق، لا
لأنهم دعوا إليه.
قرأ {تُظَهَّرُونَ} [4] بفتح الظاء مشددة بغير ألف ابن كثير،
ونافع، وأبو عمرو، وقرأ عاصم {تُظَاهِرُونَ} خفيفة بضم التاء
وبالألف، وقرأ ابن عامر بتشديد الظاء والألف.
(2/83)
الأولى: الأحق بأن يحتاج ما دعا إليه من
غيره، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الصفة من أنه ينسى
أن يختار ما دعا إليه على ما يدعو إليه غيره من نفس الإنسان أو
سواه من العباد. وكذلك (الأولى) طاعة الله؛ لأنه ينبغي أن
يختار على ترك طاعته نفس الشيء ذاته.
وقيل: نفس الإنسان يحتمل أن تكون أخذت من (النفس) ؛ لأن من
شأنها التنفس وهو التروح، ويحتمل أن تكون من (النفاسة) ؛ لأنها
أجل ما فيه وأكرمه، على مذهب من يرى أنه شيء مخصوص في هذا
البدن، وهو خطأ عندنا.
{وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [6] أولوا القرابات.
لما ذكر {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} في الحكم من جهة عظم
الحرمة، قيل: [وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ] إلا ما ينبه الله في كتابه مما يجوز لأزواج النبي -
صلى الله عليه وسلم - أن يدعين أمهات المؤمنين.
ومعنى {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ
مَعْرُوفًا} أي: إلى أوليائكم من المؤمنين ما تعرف حسنته
وصوابه.
وقيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يحكم في الإنسان
بما لا يحكم به في نفسه لوجوب طاعته؛ إذ هي مقرونه بطاعة الله.
(2/84)
وقيل: يحرم نكاحهن من بعده كما يحرم نكاح
الرجل لأمه. وقيل: كان الناس يتوارثون بالهجرة، ولا يرث
الأعرابي المسلم من المهاجر، حتى نزلت الآية. عن قتادة.
وقيل: وقال: [إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ
مَعْرُوفًا] أي: توصوا لهم.
وقيل: {مَعْرُوفًا} من الوصية والنصرة. عن مجاهد. ولا يجوز أن
يكونوا القرابة من أهل الشرك - على ما قال بعضهم - بأن يكونوا
أولياء.
قال ابن عباس: " (الميثاق الغليظ) العهد".
(2/85)
وقيل: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ
صِدْقِهِمْ} [8] أي: من الرسل، ما الذي أجاب به أممكن؟ عن
مجاهد.
وقيل: قال المسلمون يوم الخندق لرسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: بلغت القلوب الحناجر، فعل من شيء نقوله؟ ، فقال - صلى
الله عليه وسلم -: "نعم! قولوا: اللهم استر عورتنا، وآمن
روعتنا". قال: فضرب الله وجوه أعدائه بريح الصبا...........
فهزمهم الله بها.
وقيل: جنود المشركين، وهي قريش وغطفان وبنو قريظة، وجنود
المؤمنين: الملائكة.
(2/86)
وقيل: الذين جاءوهم من فوقهم عيينه بن بدر
في أهل نجد، {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [10] أبو سفيان في
قريش، وواجهتهم قريظة. عن مجاهد.
{وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} عدلت عن مقرها.
وقال قتادة: شخصت {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} نبت عن
أماكنها من الرغب.
قال الحسن: "ظنونا مختلفة، ظن المنافقون أنه سيستأصل، وظن
المؤمنون أنه سينصر".
وقيل: {أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [6] أي:
أولى بهم من بعضهم ببعض، كما قال: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ
بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] .
(2/87)
وقيل: {مَسْطُورًا} أي: مكتوبا. وقيل:
{مَسْطُورًا} في أم الكتاب.
وقيل: (المِيثَاقً الغَلِيظً) اليمين بالله على الوفاء بما
حملوا.
وقيل: كانت الريح شديدة البرد تمنع المشركين من الحرب، فكانت
الملائكة تقعد بعضهم عن بعض.
(2/88)
وقيل: {الظُّنُونَا} بالألف، لأجل الفواصل
التي يطلب بها تشاكل المقاطع.
وقال الحسن: "لما نزلت هذه الآية قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه".
وقرأ {الظُّنُونَا} بالألف في الوقف دون الوصل ابن كثير،
والكسائي، وقرأ نافع، وابن عامر بالألف في الوصل والوقف، وقرأ
أبو عمرو، وحمزة.
(2/89)
صفحة فارغة
(2/90)
بغير ألف في الوصل والوقف.
مسألة:
إن سأل عن قوله سبحانه: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ
وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا
(11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا
غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ
يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ
فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا
عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا
فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا
ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا
بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا
اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ
عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ
الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ
وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا
الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا
أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ
اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ
لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ
إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ
الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ
أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ
فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ
أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا
فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ
يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ
أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ
أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا
قَلِيلًا (20) } ، فقال:
ما الفرق بين (هنا) و (هنالك) ؟ وما الابتلاء؟ وما الزلزال؟
وما الشدة؟ وما الغرور؟ ومن قال: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [12] ؟ ومن قال: {لَا مُقَامَ
لَكُمْ فَارْجِعُوا} [13] ؟ وما معنى {إِنَّ بُيُوتَنَا
عَوْرَةٌ} ؟ وما معنى {يَثْرِبَ} ؟ وما الفرار؟ وما الفرق بين
الموت والقتل؟ ولم رفع {لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا}
[16] ؟ وما التعويق؟ وما معنى {سَلَقُوكُمْ} [19] ؟
الجواب:
الفرق بين (هنا) و (هنالك) : أن (هنا) للقريب من المكان، و
(هنالك) للبعيد، و (هنالك) للتوسط بين القريب والبعيد، وسبيله
سبيل: ذا وذلك وذاك:
الابتلاء: إظهار ما في النفس من خير أو شر. الابتلاء،
والاختبار، والامتحان: نظائر، ومنه: البلاء النعمة؛ لأنه إظهار
الخير على صاحبه، والبلاء النقمة بإظهار الشر عليه.
الزلزال: الاضطراب العظيم، منه: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ
زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] .
(2/91)
الشدة: قوة تدرك بالحاسة.
العرور: إيهام المحبوب بالمكروه.
الذي قال: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا
غُرُورًا} [12] معتب بن قشير. عن يزيد بن رومان.
{يَثْرِبَ} اسم أرض، قال أبو عبيدة: "مدينة الرسول - صلى الله
عليه وسلم - في ناحية من يثرب".
وقيل: هي المدينة ونواحيها.
(2/92)
وقيل: {لَا مُقَامَ لَكُمْ} [13] أي: لا
مكان لكم تقومون فيه. وقيل: هو من قول أوس بن قيظي ومن وافقه
على رأيه.
وقوله: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي: نخشى عليها السرق. عن
ابن عباس.
وما [احتبسوا] من الإجابة إلى الكفر إلا قليلا. عن قتادة.
وهم بنو حارثة الذين {عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا
يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} [15] . عن ابن عباس.
وقيل: {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} [14] أي:
بالمدينة حتى يهلكوا. عن القتبي.
(2/93)
وقرأ {لَا مُقَامَ لَكُمْ} بالضم حفص عن
عاصم، وقرأ الباقون {لَا مُقَامَ لَكُمْ} بالفتح. قرأ ابن
كثير، ونافع وابن عامر {لَآتَوْهَا} قصرا، وقرأ الباقون
{لَآتَوْهَا} بالمد.
الفرار: الذهاب عن الشيء خوفا منه.
القتل: قد يكون بنقض بنية الحيوان، وقد تكون الحركة التي تخرج
بعدها روح المقتول، وقد يكون كسبا وغير كسب.
الموتُ: ضد الحياة، لا يقدر عليه إلا من قدر على الحياة.
(2/94)
صفحة فارغة
(2/95)
رفع [لَا تُمَتَّعُونَ] {16} لوقوع (إدًا)
بين الواو والفعل؛ فصارت بمنزلة ما لم يقع بعد الفعل، كقولك:
أنا آتيك إذنْ.
التعويقُ: التثبيط، وهو الشغل بالقعُود عن أمر من الأمور. من
كانوا لا يدعون إخوانهم إلى الجهادِ، وشغلوهم عن الجهاد
لينصرفوا عنه.
وقيل: [أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ] {19} في الغنيمة، والنفقة في
سبيل الله. عن قتادة، ومجاهد.
وقيل: [سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ] أي: خصموكم طلباً
للقسمة. ويقال: خطيب مسلقٌ، ومصلقٌ، أي: هو بليغ في الخطابة.
[وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ
بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ] {20} أي: لو وقع الأحزاب لودًّوا.
وقال الحسنُ: [سَلَقُوكُمْ] {19} جادلوكمْ.
(2/96)
مسألة:
وإن سأل عن قوله سبحانه: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
(21) وَلَمَّا رَأَى
الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا
زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ
اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ
الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا
وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ
قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي
قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ
فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ
وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ
تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ
اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا
(29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ
ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) ] ،
فقال:
ما الأسوةُ: وما الرجاءُ؟ وما معنى {وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيرًا} [21] ؟ وما الذي وعد الله به في أمر الأحزاب؟ وما
النحبُ؟ وما المظاهرةُ؟ وما الصياصي؟ وما الضعف؟ ومن الذين
أنزلوا من صياصيهم؟ وما معنى {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [27]
؟ وهل كان تخييره لأزواجه للطلاق أم هو تخيير بين الدنيا
والآخرة؟
الجواب:
الأسوةُ: حال لصاحبها يقتدي بها غيره فيما ينزل به من مثلها،
فالأسوة تكون في إنسان، وهو أسوة لغيره، فمن تأسى بالحسني
ففعله حسنٌ.
الرجاء: توقع الخير. والرجاءُ، والأملُ، والطمع: نظائر. وإذا
طمع الإنسان في الخير من جانب الله كان راجياً لهُ.
(2/97)
[وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا] {21} أي: ذكره
بالتعظيم بصفاته العُلى، وأنه المالك لجميع العباد، العزيز
العليمُ الرحيمُ.
الذي وعد الله به في أمر الأحزاب أنه وعدهم أنهم إذا لقزا
المشركين ظفروا بهم، واستغلوا عليهم، في نحو قوله:
[لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ] {التوبة: 33} مع فرض الجهاد.
وقيل: الذي وعدهم الله به في قوله: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ
وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ] {البقرة:
214} . عن قتادة.
النحبُ: النذر، أي: فقضى ندره، كان ندره فيما عاهد الله عليه.
وقيل: النحبُ الموت أيضاً، والنحبُ: المدُّ في السير يوماً
وليلة.
قال مجاهد: [قَضَى نَحْبَهُ] {23} أي: عهدهُ.
ومعنى [وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ] {24} بعذاب
عاجل في الدنيا أو يتوبُوا.
(2/98)
ونذر المؤمنون إذا لقوا حرباً مع الرسول -
صلى الله عليه وسلم - أن يثبتوا ولا ينهزموا.
(2/99)
وقيل في الشرط {إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ} أنه علم أن من المنافقين من يتوب؛ فقيد الكلام
ليصبح المعنى.
قال الحسن: " {قَضَى نَحْبَهُ} مات على ما عاهد".
قرأ عاصم وحده {أُسْوَةٌ} بضم الألف، وقرأ الباقون بالكسر.
المظاهرة: المعاونة، وهي زيادة القوة بأن يكون المعاون ظهرا
لصاحبه في الدفع عنه، الظهير: المعين بهذا المعنى.
الصياصي: الحصون التي يمتنع بها. واحدها: صيصة. يقال: صيصة
فلان، أي: حصنه امتنع به. الصيصة: قرن البقرة، وهي شوكة الديك،
وشوكة الحائك أيضا. قال الشاعر: [الطويل] ................
مةقغ الصياصي في النسيج الممدد
(2/100)
الضعف: مثل الشيء الذي يضم إليه. ضاعفته:
زدت عليه مثله، منه: (الضعف) نقصان القوة؛ بأن ذهب أحد ضعفيها،
فهو ذهاب ضعف القوة.
والذين أنزلوا من صياصيهم: بنو قريظة من اليهود، وكانوا نقضوا
العهد وعاونوا أبا سفيان، فلما هزم الأحزاب أمر النبي - صلى
الله عليه وسلم - مناديه بأن ينادي: "لا يصلين أحد العصر إلا
ببني قريظة"، فمنهم من لحق ذلك بعد العتمة، وصلى العصر في ذلك
الوقت، ومنهم من صلاها قبل، وصوب رسول - صلى الله عليه وسلم -
الكل.
وقيل: إن سعد بن معاذ حكم فيهم أن تقتل الرجال، وتسبى الدراري
والنساء، وتقسم الأموال، وتكون الأرض للمهاجرين دون الأنصار.
فقيل له في ذلك، فقال: لكم دار وليس للمهاجرين دار. فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: "حكم فيهم بحكم الله".
(2/101)
وقيل: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [27]
أرض فارس والروم. عن الحسن. وقيل: مكة. عن قتادة. وقيل: خيبر.
عن ابن زيد.
وقيل: كان له تسع نسوة فلما اختزن الله ورسوله والدار الآخرة
حمدهن الله على ذلك فقال: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ
بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ
أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [52] .
(2/102)
وقال الحسن: "الذين أنزلوا من صياصيهم هم
بنو النضير". وقال الناس: هم بنو قريظة.
وقال الحسن: "لم يكن تخير طلاق، وإنما هم تخيير بين الدنيا
والآخرة".
قرأ {نُضَعَّفْ} بالنون {لَهَا الْعَذَابُ} بالنصب ابن كثير،
وابن عامر، وقرأ الباقون {يُضَاعَفْ} بالياء والألف.
مسألة:
إن سأل عن قوله سبحانه: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا
مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا
(31) يَا نِسَاءَ
النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ
الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ
الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي
بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ
وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ
وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ
اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ
مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا
(36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ
اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا
قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا
يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ
أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ
مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا
مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ
وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ
وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) }
، فقال:
ما القنوت؟ وما العمل الصالح؟ وما الأجر؟ وما معنى {وَقَرْنَ
فِي بُيُوتِكُنَّ} [33] ؟ وما التبرج؟ وما الجاهلية الأولى؟
وفيمن نزل {إِنَّمَا يُرِيدُ
(2/103)
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ} ؟ وما الخيرة؟ وما الذي أخفى في نفسه مما
أبداه الله؟ وما الوطر؟ وما القدر المقدور؟ وما معنى {وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [37] ؟ وفيمن نزلت {مَا كَانَ
مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [38] ؟ وما السنة؟
وما معنى {وَتَخْشَى النَّاسَ} [37] ؟.
الجواب:
القنوت: المداومة على العمل، فمن داوم العمل لله فهو مطيع،
ومنه: القنوت في صلاة الوتر، وهو المداومةى على الدعاء
المعروف. العمل الصالح: الذي يحسب أن يحمد عليه أو يثاب.
الأجر: الجزاء بالخير.
معنى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [33] أي: كن أهل وقار، أي:
هدوء وسكينة، من: وقر فلان في منزله وقورا إذا أهدي فيه واطمأن
به. به. ومن قرأ {وَقَرْنَ} بفتح القاف فمعناه: واقررن في
بيوتكن، من:
(2/104)
قررت في المكان أقر قراراً، إلا أنه نقلت
حركة العين إلى القاف فانفتحت، وسقطت الراء الأولى لالتقاء
الساكنين، كقولهم في: ظللت وظلتُ، وفي: أحسستُ وأحستُ.
التبرج: التبخترُ. عن قتادة.
وقيل: إظهار المحاسن للرجال.
و {الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [33] قبل الإسلام، فأما الثانية
فحال من معل في الإسلام بعمل أولئك.
وقيل: نزل {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} في النبي - صلى الله عليه وسلم -
وعلي، وفاطمة، والحسنَ، والحسين، عن أبي سعيد الخدري.
(2/105)
صفحة فارغة
(2/106)
وقيل: في أزواج رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - خاصة. عن عكرمة.
وقيل: قد اشتركوا جميعاً في هذا المعنى.
ويجوز: قررت في المكان اقر فيه، لغتان.
قرأ {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتَعْمَلْ صَالِحًا} [31] بالياء فيهما حمزة والكسائي، وقرأ
الباقون {وَتَعْمَلْ} بالتاء، ولم يختلفوا في {يَقْنُتْ}
بالياء.
قرأ نافع، وعاصم {وَقَرْنَ} بفتح الفاء، وقرأ الباقون بكسر
القاف الخيرةُ: الاختيار، وهو إرادة اختيار شيء على غيره - ها
هنا - ومعناه: ليس لأحد أن يتخير مع أمر رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - شيئاً يترك به ما أمر به إلى ما لم يأذن فيه.
(2/107)
الذي أخفى في نفسه مما أبداه الله له أنه
إن طلقها زيد تزوج بها، وخشى من إطهار هذا للناس.
الوطرُ: الأرب المشتهى، ولي فيه وطرٌ، أي: حاجة وشهوة. وذلك
أنه لما طلقها زيد أذن الله في تزويجها؛ لئلاَّ يكون المتبنى
به إذا طلق المرأة يجري في التحريم مجرى امرأة الابن إذا طلقت.
وقيل: نزل {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} [36]
الآية في زينب بنت جحش لما خطبها رسول الله لزيد بن حارثة
فامتنعت، إلى أن نزلت الآية فرضيت. عن ابن عباس، ومجاهدٍ
(2/108)
وقيل: نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي
معيط، وكانت وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فزوجها
بن حارثة. عن ابن زيد.
وقيل: {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} بالهداية {وَأَنْعَمْتَ
عَلَيْهِ} بالعتق.
وقالت عائشة: "لو كنتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً
من الوحي لكتم {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [37] ".
وقيل: {وَتَخْشَى النَّاسَ} أي: تخشى عتب الناس. عن الحسن.
(2/109)
{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} أي:
تزويج النبي - صلى الله عليه - زينب بنت جحش إياك لا محالة
كائنٌ.
القدر المقدورُ: السبب الجاري متعلقه على مقدار ما تقدم من غير
زيادة ولا نقصان.
قوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}
[40] نزلت في زيد بن حارثة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان
أبا القاسم، وإبراهيم، والطيب، والمطهرِ. عن قتادة.
السنة: الطريقة الجارية على منهاج واحد.
قرأ عاصم وحده {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} بفتح التاء، وقرأ
الباقون بكسر التاء.
مسألة:
إن سأل عن قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا
(41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ
وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ
أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا
كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ
وَكِيلًا (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ
سَرَاحًا جَمِيلًا (49) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ
وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ
وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ
وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ
النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي
أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ
عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ (51) } فقال:
(2/110)
ما الذكر؟ وما الفرق بين الذكْر والعلم؟
وما معنى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [43] ؟ وما معنى
الظلمة والنور؟ وما معنى {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}
[42] ؟ وما معنى {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}
[44] ؟ وما موضع الرد من ذلك على المعتزلة؟ وما الداعي؟ وما
المنيرُ؟ وما الفضلُ؟ وما معنى {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [48] ؟ وما
معنى {مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [50] ؟.
(2/111)
الجواب:
الذكرُ: حضور معنى الصفة للنفس، ذولك بوجهين:
أحدهما: بوجود المعنى في النفس ابتداء من غير طلب. والآحر:
بالطلب من جهة الفكر.
الذكر قد يجامع العلم، وقد يجامع الشك في الشيء من وجه واحد،
والذكر يضاد السهو ولا يضاد الشك كما يضاد العلمَ.
معنى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [43] أي: هو الذي
يوجب بركة الصلاة، وهي الدعاء بالخير، وتوجبه الملائكة بفعل
الدعاء، وهذا مما يختلف فيه معنى صفة الله - عز وجل - وصفة
العباد، كـ (توَّاب) بمعنى: كثير القبول للتوبة، و (توَّابِ)
بمعنى: كثير الفعل للتوبة.
وذكر الظلمة والنور - ها هنا - لأن العلم كالنور الذي يهتدي به
إلى الأمور، والظلمة كالجهل في إيجاب الحيرة، والإيمان بمنزلة
النور، لأنه يقود إلى الجنة، والكفر الذي يقود إلى النار.
وقيل: يصلي عليكم بطريقة الدعاء، كقوله: عليك رحمتي ومغفرتي.
وقيل: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [42] صلاة الغداة
وصلاة العصر. عن قتادة.
وقيل: {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [43] من الضلالة إلى
الهدى. عن ابن زيدٍ.
(2/112)
والأصيل: العشيُّ، وجمعه: أصل، وهو أصل
الليل، أي: أوله ومبتداهُ.
وقيل: {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} يترحم عليكم بإيجاب الرحمة، وتصلي
الملائكة بالدعاء بالرحمة الأول: كالدعاء، والثاني: دعاءٌ.
قيل: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [44] أي:
قوله السلامة لكم من جميع الآفات، والفوز بنعيم الثواب، وذلك
رد على المعتزلة؛ لأن اللقاء المطلق على الحي السليم الذي لا
آفة به لا يعقلُ منه غير الرؤيةِ.
الداعي: الطالب من غيره فعلاً.
المنيرُ: المختصُّ بأنه منبت النور من جهته، إما بفعله، وإما
بأنه سبب له. والقمر منير، والسراج بهذا المعنى، والله - تعالى
- منيرُ السموات والأرض.
الفضلُ: الزيادة في الإحسان.
(2/113)
معنى {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [48] أي: أعرض عن
أذاهم فإني أكفيك أمرهم إذا توكلت عليَّ وعملت بطاعتي؛ فإن
جميعهم في سلطاني بمنزلة ما هو في قبضة عندي.
وقيل: لم يكن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة وهبت
نفسها له. وقيل: بلى، كانت ميمونة بنت الحارث. عن ابن عباس
بخلاف.
وقال علي بن الحسين: "هي امرأة من بني أسد، يقال لها: أم
شريكٍ".
(2/114)
وقال الشعبيُّ: "هي امرأة من الأنصار".
وقيل: {مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [50] أن
لا نكاح إلا بولي، وشاهدين، وصداق، وأن لا يتجاوز الأربع. عن
قتادة.
مسألة:
إن سأل عن قوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي
إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ
أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا
آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي
قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا
(51) لَا يَحِلُّ لَكَ
النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ
أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ
يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ
النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ
نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا
فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ
لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ
فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ
الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ
مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ
اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ
أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي
آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا
أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ
وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ
وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا
وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ
يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي
الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ
فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا
(61) } فقال:
ما الإرجاءُ؟ وما الأيواء؟ وما الابتغاء؟ وما معنى {إِنَاهُ} ؟
وما الأنسُ؟ وما معنى {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ
بَعْدُ} [52] ؟ وما التسليمُ؟ ولم
(2/115)
جاز {يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [57]
والله يجلُّ أن يؤذيه أحد؟ وما معنى {لَعَنَهُمُ اللَّهُ} ؟
وما الهوانُ؟ وما الإغراء؟ وما الجلابيبُ؟ وما الإرجافُ؟.
(2/116)
الجواب:
الإرجاء: التأخير، وهو تبعيد وقت الشيء عن وقت غيره، ومنه:
الإرجاء في وعيد الفساق، بمعنى: تأخير الحكم فيهم بالعقاب إلى
أن يظهر الله ذلك في الآخرة.
الإيواء: ضم القادر غيره من الأشياء التي من جنس ما يعقل إلى
ناحيةٍ.
الابتعاء: الطلب، وهو العمل لوجدان الشيء.
{إِنَاهُ} بلوغه إناء الطعام، يأني إناه إذا بلغ حال النضج،
فالمعنى: غير منتظرين بلوغ الطعام.
الأنسُ: نقيض الوحشة، وإنما منعوا من الاستنناس بحديث من أجل
طول الجلوس؛ إذ الحديث يقتضي ذلك.
وقال قتادة: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين
أزواجه فأحل الله تركَ ذلكَ".
(2/117)
وقيل: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} [51] ممن كنت
عزلت عن ذلك من نسائك {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ} أنفسهن
إذا علمن أن الرخصة.............................
(2/118)
[أصابتْهُ] من قبل. عن قتادة.
{وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} بالرفع على
تأكيد المضمر في {يَرْضَيْنَ} لا يجوز غير ذلك؛ لأن المعنى
عليه.
وقيل: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [52] أي:
التسع الاتي كن عنده واخترنه. عن ابن عباس، والحسنِ.
وقيل: لا، بل إنما حرم عليه ما عدا اللواتي دكرنَ بالتحليل في
{إِنَّا أَحْلَلْنَا} [50] الآية. عن أبي بن كعب.
(2/119)
و (رقِيبٌ) حفيظ. عن الحسن.
وقيل: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} [55] في أن يضعن الجلباب. عن
مجاهد. وقيل: في ترك الاحتجاب. عن قتادة.
وقيل: {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من الرجال والنساء.
وقيل: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} [51] إذا
طمعت في ردها إلى فراشه بعد عزلها.
وقال الحسن: " {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} بذكر المرأة
للتزويج، ثم يرجيها فلا يتزوجها".
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر
[تُرْجِئ] مهموزة، وقرأ الباقون [تُرْجِي] بغير همزة.
(2/120)
وقرأ أبو عمرو وحده {لَا تَحِلُّ لَكَ
النِّسَاءُ} [52] بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
التسليم: الدعاء بالسلامة، ويكون بصيغ مختلفة، منها: سلمك
الله، ومنهت: السلام عليك ورحمة الله، ومنها: السلام عليك يا
رسول الله!.
جاز أن يقول: {يُؤْذُونَ اللَّهَ} [57] للمبالغة في فحش، أو:
في أولياء الله؛ إذ جعل أذاهم لأوليائه أدى له في نخرح الصفة.
معنى {لَعَنَهُمُ اللَّهُ} أبعدهم، وقال: اللعن بالإبعاد من
رجمته، وإذا قال الإنسان: لعن الله فلاناً فمعناه: الدعاء عليه
بالإبعاد من رحمته.
الهوانُ: الاحتقار.
وقيل (العذاب المهين) ؛ لأن الله - عز وجل - يهين الكافر به
حتى تظهر الدلة فيه.
الجلباب: خمار المرأة، وهي المقنعة جبينها ورأسها إذا خرجت
لحاجتها خلاف الإماء. عن ابن عباس، ومجاهد.
الإغراء: الدعاء إلى تناول الشيء بالتحريض عليه.
الإرجاف: إشاعة الباطل للاغتمام به.
(2/121)
وقيل: أغراه به سلطة عليه. عن ابن عباس.
{ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} [60]
بالنفي عنها.
وزعم بعضهم أن {يُصَلُّونَ} [56] فيه إضمار الملائكة دون اسم
الله، مع إقراره أن الله يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم
-، كأنه يذهب إلى إفراده بالذكر للتعظيم.
وقيل: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} [59] من الإماء {فَلَا
يُؤْذَيْنَ} . وقال الحسن: {أَنْ يُعْرَفْنَ} بالحرية والصيانة
{فَلَا يُؤْذَيْنَ} .
مسألة:
إن سأل عن قوله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا
وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)
}
الآيات، فقال:
ما معنى {ثُقِفُوا} ؟ وبم انتصب {مَلْعُونِينَ} ؟ وما السنة؟
وما معنى {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} ؟ ولم
لا يكون من عمل الشيء مرة أو مرتين فذلك الشيء سنة له؟ وما
التقليب؟ وما الوجه؟ وما السادة؟ وما الكبير؟ وما السديد؟ وما
معنى {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [69] ؟ وما إصلاح
أعمال العباد؟ ولم جاز الوعد بالقول السديد؟ وما حكم من آثر
ترك الطاعة لله لغيره مع علمه بقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [71] ؟ وما
الأمانة؟ ولم جاز {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [72] ؟ وما معنى
{ظَلُومًا جَهُولًا} ؟.
الجواب:
(2/122)
{ثُقِفُوا} وجدُوا وصودفُوا.
انتصب {مَلْعُونِينَ} بـ {أَيْنَمَا ثُقِفُوا} وإن جزم به
{ثُقِفُوا} على طريق الجزاء جاز، وإنما جاز ذلك لأن الجازم في
الأصل (أن) المحذوفة،
{أَيْنَمَا} يقوم {ثُقِفُوا} مقامها ويغني عنها، ولا يجوز أن
يعمل فيه [أخذُوا] لأنه جواب الجزاء، ولا يعمل الجزاء فيما قبل
الشرط.
السنة: الطريقة في تدبير الحكم، منه: سنة رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - في الدين، وهي الطريقة التي أجراها بأمر الله
وأضيفت إليه، وأصل السنة: الطريقة.
{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [62] السنة التي
أراد الله أن يسنها في عباده، لا يتهيأ لأحد تغييرها ولا قلبها
عن وجهها.
ويجوز نصبُ {مَلْعُونِينَ} [61] على الدم على الصفة لذليل،
كأنه قال: إلا أذلاء ملعونين، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير
في {يُجَاوِرُونَكَ} .
(2/123)
من عمل الشيء مرة أو مرتين لم يقل أن ذلك
الشيء سنة له؛ لأن السنة هي الطرسقة الجارية على الدوام مع
الإمكان، وسنة الله في المتمردين في الكفر الذين لا يفلح أحد
منهم ولا من نسائهم مع الإهلاك بالعذاب في الدنيا قبل الآخرة.
التقليب: تصريف الشيء في الجهات، وكذلك التنقل من جهة إلى جهة،
فهو يقلب وجوههم في النار لأنه أبلغ فيما يصل إليها العذاب.
السادةُ: جمع (سيدٍ) ، والسيدُ: المالك العظيم، وهو مالكُ
تدبير السواد الأعظم.
الكبيرُ: هو الذي يمكن أن يكون به ما لا يكون بغيره لتقصيره
عنه. وقيل: أوذي موسى - عليه السلام - بعيب أضافوه إليه لم تقم
حجة بتعيينهِ.
(2/124)
السديدُ: البرئ من حال الفساد. القول
السديد برئ من الكذب، والتمويه، واللغوِ.
وقيل {الرَّسُولَا} و {السَّبِيلَا} لأجل الفواصل في رءوس
الآى، حتى يجري ذلك على تشاكل ألفاظ البلاغة في تفصيل المعاني،
كما يجري في القوافي لقطع البيت من الذي قبله.
وقيل: إنما أوذي موسى - عليه السلام - بأن أشاعوا أن هارون -
عليه السلام - قتله موسى، وأحيى الله هارون حتى أخبرهم أن موسى
لم يقتله، وأن الله هو الذي أماته عند انقضاء أجله.
{وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [69] عظيم القدر، رفيع
المنزلة، إذا سأله شيئاً أعطاه.
قرأ عاصم، وابن عامر {لَعْنًا كَبِيرًا} بالباء، وقرأ الباقون
{كَثِيرًا} .
إصلاح أعمال العباد بإدامه اللفظ فيها حتى يستقيم على الطريقة
المسلمة من الفساد.
(2/125)
وجاز وعد غفران الذنوب بالقول السديد لأنه
يدخل في القول السديد التوبة من الذنوب، كما يدخل فيه تجنب
الكذب.
الأمانة: العقدُ الذي يلزم الوفاء به مما من شأنه أن يؤتمن
عليه صاخبه، وقد علم الله - تعالى - في هذه الآية شأنه، وأمر
بالوفاء به في سورة المائدة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [1] ، وبين أن منزلتها منزلة
ما لو عرض على الأشياء مع عظمها وكانت تعلم ما فيها لأشفقت
منها، إلا أنه خرج مخرج الواقع.
{فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [71] أي: قد تلقوا بالكرامة
من الله والرضوان.
وقيل: {الْأَمَانَةَ} الطاعة لله، وقيل لها (أمانةٌ) ؛ لأن
العهبد أؤتمنَ عليها. وقيل: من الأمانة أن المرأة أئتُمنتْ على
فرجها، والرجل فرجه عن أن يحفظه من الفاحشة.
{ظَلُومًا} لنفسه {جَهُولًا} بمنزلة الأمانة.
وقيل: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ
وَالْمُنَافِقَاتِ} في الأمانة {وَالْمُشْرِكِينَ} بتضييع
الأمانة {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} بحفظهم لها.
وقيل: كلاهما خانا في الأمانة.
(2/126)
وقيل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} على
أهل السموات والأرض والجبال من الملائكة فأبين أن يخترن
خيانتها. قيل: والقول الأول هو الوجه أن يكون على المثلِ.
* * *
(2/127)
|