تفسير ابن فورك

سورة والصافات
مسألة:
إن سأل عن قوله سبحانه: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) } فقال:
ما الصف؟ وما الزجر؟ ومن الصافات والزاجرات والتاليات والمشارق والذكر؟ وما التزيين؟ وما الحفظ؟ وما المارد؟ وما {وَاصِبٌ} [9] ؟ ولم جاز أن يأتوا لاستراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون ويقذفون بالشهب؟ وما معنى {فَاسْتَفْتِهِمْ} [11] ؟ وما الشدة؟ وما معنى {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [11] ؟ ومن خلق الجميع؟ وما معنى {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [12] ؟ وما {لَازِبٍ} [11] ؟ وما العجب؟ وما الداخر؟ وما الأول؟
الجواب:
الصف: ترتيب الجمع على خط، وذلك كالصف في الصلاة، والصف في الحرب.

(2/210)


الزجر: الصرف عن الشيء لخوف الدم والعقاب.
الصافات: فيه أقوال، منها: الملائكة صفوف في السماء. عن مسروق، وقتادة. وهو جمع جمع.
وقيل: هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها بما يريد.
وقيل: صفوف الملائكة في صلاتهم عند ربهم. عن الحسن.
وقيل: الملائكة مصطفون في السماء يسبحون الله.
الزاجرات: قيل: هم الملائكة. عن مجاهد، والسدي.

(2/211)


[وقيل:] تزجر عن معاصي الله - تعالى -. يوصل الله مفهومه إلى قلوا لعاد كما يوصل مفهوم إغواء الشيطان إلى قلوبهم.
قيل: كأنها تزجر السحاب في سوقه. وقيل: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} [2] آيات القرآن. عن قتادة.
{خَلْقًا} كأن فيه قوة يمتنع بها قبله على المراد منه.
{أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [11] قبلهم من الأمم الماضية والقرون الحالية، فقد أهلك الأمم الذين هم أشد خلقا منهم، ولهم مثل ذلك إن أقاموا على حالهم.
وقيل: {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [11] من الملائكة، والسموات، والأرض. {بَلْ عَجِبْتَ} من جهلهم {وَيَسْخَرُونَ} من حقك، وهذا ذم لهم، ومدح للنبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قيل: لا خير فيمن لا يتعجب من العجب، وأرذل منه من يتعجب من غير عجب.

(2/212)


{لَازِبٍ} لازم، تبدل الميم بالباء لأنها من مخرجها، ويصلح أن تقوم مقامها، تقول العرب: طين لازم، وطين لازب.
وقيل: (اللازبُ) الملتصق من الطين الحر الجيد. عن ابن عباس. وقال قتادة: "الذي يلصق باليد".
وقال مجاهد: "لازق".
وقال قتادة: "عجب محمد - صلى الله عليه وسلم - من هذا القرآن حين أعطيه، فسخر منه أهل الضلالة".
{سِحْرٌ مُبِينٌ} [15] تبين لمن تأمله أنه سحر.
وقيل: من طين علك خلق آدم منه، ونسب ولده إليه.
{يَسْتَسْخِرُونَ} [14] يستدعي بعضهم بعضا إلى أن يسخر من آيات الله ودلائله,
العجب: تغير النفس بما خفي فيه السبب مما لم تجر به عادة. عجب يعجب عجبا.

(2/213)


قرأ حمزة، والكسائي {بَلْ عَجِبْتَ} بضم التاء، وقرأ الباقون بفتحها. والمعنى في ضم التاء: أنهم قد حلوا محل من يعجب منهم، وأما بالفتح فعلى: عجب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الأول: الكائن قبل غيره، الله - عز وجل - قبل كل شيء، الباقي بعد فناء كل شيء.
الداخر: الصاغر بأشد الصغر. الصاغر: الدليل بصغر قدره.
وقيل: {زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [19] النفخة الثانية. عن الحسن.
و {هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [20] أي: الجزاء والحساب.
الزجر: الصرف عن الشيء بالمخافة، فكأنهم زجروا عن الحال التي هم عليها إلى المصير في الموقف للجزاء والحساب.
مسألة:
إن سأل عن قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) } فقال:

(2/214)


ما الفصل؟ وما التكذيب؟ وما الحشر؟ ولم جاز {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [23] ؟ وما معنى {وَأَزْوَاجَهُمْ} [22] ؟ وما الاستسلام؟ وما التساؤل؟ وما اليمين. وما قولهم: {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [29] ؟ وما الطاغي؟ وما الإغواء؟ وما الاغواء؟ وما الاشتراك؟ وما الاستكثار؟ وما الترك؟ وما الجنون؟ وما الإخلاص؟ وما الفاكهة؟ وما الإكرام؟ وما معنى {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [45] ؟ ولم وصفت الخمر بأنها {بَيْضَاءَ} [46] ؟ وما اللذة؟ وما الشراب؟ وما الغول؟ وما معنى {يُنْزَفُونَ} [47] ؟ وما معنى {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [49] ؟
الجواب:
الفصل: كون أحد الشيئين بمعزل عن الآخر. والله يفصل بين أهل الحق وأهل الباطل يوم القيامة بما يظهر للجميع الحال فيه بإدخال هؤلاء {الْجَنَّةِ} على حال الكرامة، وإدخال أولئك النار على حال الإهانة.
التكذيب: نسبة الخبر إلى أنه كذب، كان المشركون يزعمون أن ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من البعث والنشور كذب؛ فبذلك كانوا مكذبين.
الحشر: الجمع من كل جهة، فهؤلاء يحشرون إذا قاموا من قبورهم إلى أرض المحشر للجزاء والحساب، ثم يساق الظالمون مع ما كانوا يعبدون من الأوثان والطواغيت إلى النار.
جاز {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [23] لأنه جعل بدل الهداية إلى الجنة، كما حسن {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} لهذه العلة من أن البشارة بالعذاب وقعت لهؤلاء بدل البشارة بالنعيم.

(2/215)


صفحة فارغة

(2/216)


معنى {وَأَزْوَاجِهِمْ} أشباههم. عن ابن عباس. وقيل: {وَأَزْوَاجِهِمْ} أتباعهم على الكفر من نسائهم.
وقيل: {يَوْمُ الْفَصْلِ} [21] سمي بذلك لأنه يوم يفصل فيه بين المحسن والمسيء بالجزاء بالثواب والعقاب.
يقال: هديته الطريق وأهديه إليه، من الهدية.
قال الحسن: " {وَأَزْوَاجَهُمْ} [22] المشركات".
الاستسلام: الاسترسال بمثل حال الطالب للسلامة في ترك المنازعة.
التساؤل: سؤال كل واحد للآخر، وهو سؤال التأنيب. كقولك: لم غررتني؟ ، وقول الآخر: لم قبلت مني؟
اليمين: اليد التي يتيمن بالعمل بها، أي: يتبرك. واليمن: البركة، و {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [28] أي: من جهة النصيحة، واليمين: البركة، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين.
{بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [29] أي: ما كنتم مؤمنين فرددناكم عن الإيمان.
{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ} [30] في ترك الحق {مِنْ سُلْطَانٍ} أي: ولا تستطيعوا اللوم عن أنفسكم فإنه لازم لكم.

(2/217)


قال قتادة: "أقبل الإنس على الجن يتساءلون".
وقيل: {مُسْتَسْلِمُونَ} [26] مسترسلون بما لا تستطيعون له دفعا، ولا منه امتناعا.
الطاغي: الباغي يتجاوزه الحد إلى أفحش الظلم؛ وذلك لكفرهم بالله؛ لأنهم تجاوزوا فيه الحد إلى أكبر المعصية.
الإغواء: الدعاء إلى الغي، والغي نقيض الرشد.
الاشتراك: اجتماع الشيئين فصاعدا فيما هو لهما، فهؤلاء قد اجتمعوا في العذاب الذي هو لجميعهم.
و {يَسْتَكْبِرُونَ} [35] على الداعي لهم إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله.
الاستكبار: طلب العبد كبر الشأن بتصغير غيره، وهي صفة ذم، فهؤلاء استكبروا من قبول الحق في إخلاص التوحيد.
الترك: ضد الأخذ في محله، ولا ترك للجوهر، وإنما يكون الترك للأعراض.

(2/218)


الجنون: آفة تغطي على العقل حتى يظهر التخليط في الفعل. وأصله: التغطية، من ذلك: جن عليه الليل؛ إذا ستره. ومنه: (المجن) ؛ لانه يستر صاحبه.
الإخلاص: إخراج كل شائب عن الشيء مما ليس منه.
{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [36] يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - بفرط جهلهم.
الفاكهة: طعام يؤكل للتلذذ لا للتقوت الذي يحفظ الصحة. يقال: فلان يتفكه بهذا الطعام.
الإكرام: الإعظام برفع المنزلة، والإكرام: نقيض الإهانة.
{بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [45] من خمر جارية في أنهار ظاهرة للعيون. عن الحسن. والكأس: إناء فيه شراب. وقيل: لا يكون كأسا حتى يكون فيه شراب، وإلا فهو إناء.
{مَعِينٍ} [45] يجوز فيه (مفعول) من عين الماء، أو لأنه يجري ظاهرا للعين، ويجوز فيه (فعيل) من (المعن) : وهو الماء الشديد الجري، من: أمعن في الأرض؛ إذا اشتد دخوله فيها.

(2/219)


وصفت الخمر بأنها {بَيْضَاءُ} وهي تجري في أنهار لأنها ترى بيضا صافيه، في نهاية الرقة واللطافة مع {.....} التي لها {.....} ؛ لأنها على أحسن منظر ومحمد.
اللذة: فعل المشتهى بوجود ما يكون به صاحبه ملتذا.
الشراب السائغ: الذي من شأنه أن يجري في الحلق.
الغول: فساد يلحق في خفاء. اغتاله اغتيالا؛ إذا أفسد عليه أمره، ومنه: الغيله، وهي القتل في خفاء.
وقيل: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [47] لا يكون عنها صداع ولا أذى كما يكون في خمر الدنيا. عن ابن عباس.
معنى {يُنْزَفُونَ} يسكرون. والنزيف: السكران؛ لأنه ينزف عقولهم بالسكر.
المكنون: المصون من كل شيء,
العين: الشديد بياض العين، الشديد سوادها. عن الحسن.
{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [48] قصرن طرفهن على أزواجهن. عن الحسن الحسن.
والفرق بين {يُنْزَفُونَ} و {يُنْزِفُونَ} بتفح الزاي وكسرها: أن الفتح من: (نزف) الرجل فهو (منزوف) ، و (أنزف) إذا ذهب عقله

(2/220)


بالسكرِ، و (أنزفَ) فهو (منزفٌ) إذا فنيت خمره. ويقال: (أنزف) - أيضاً - إذا سكِر.

(2/221)


العينُ: النجل الأعينُ، وهي الواسعة الحسنة.
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [49] شبههنَّ ببيض النعام يكنُّ بالريش من الريح والغبار. عن الحسن، وابن زيد. وقيل: شبههنَّ ببطن البيض قبل أن يقشر، وقبل أن تمسه الأيدي. عن سعيد بن جبير، والسدي. قرأ حمزة، والكسائي {يُنْزِفُونَ} بكسر الزاي، وقرأ الباقون {يُنْزَفُونَ} بفتح الزاي.
مسألة:
إن سأل عن قوله سبحانه: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) } فقال:
ما القرينُ؟ وما معنى {لَمَدِينُونَ} [53] ؟ وما معنى {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [55] ؟ وما معنى {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [56] ؟ وما الإحضارُ؟ وما معنى {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى} [58 - 59] ؟ وما المثلُ؟ ولم جاز {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [62] ؟ وما معنى {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [63] ؟ ولم شبه برءوس الشياطين ولم ترَ رءوس الشياطين قط؟ وما المثل؟ وما

(2/222)


الشوبُ؟ وما الجحيم؟ وما الإهراع؟ وما معنى {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [68] ؟ وما اللام في {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} [71] ؟ وما الضلالُ؟ وما الكرب؟ وما الجعْلُ؟ وما معنى {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [78] ؟.
الجواب:
القرينُ: الكائن مع غيره بإزائه، والقرينُ والصاحب من النظائر. معنى {لَمَدِينُونَ} [53] ، من قولهم: كما تدين تجانُ، أي: كما تجزِي تُجْزَى.
وقيل: كان القرين شريكاً من الناس. عن ابن عباس. وقيل: كان شيطاناً. عن مجاهد.
{فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [55] في وسط الجحيم، وقيل للوسطِ (سواءٌ) لاستواء المسافة منه إلى الجوانب. وقيل لغير الإنسان (سواءٌ) لاستوائه في مكانه بأن صار بدلاً منه، وقد كثر حتى صار بمعنى غيره.

(2/223)


معنى {إِنْ كِدْتَ} [56] التأكيد، وهي المخففة من الثقيلة، ودليلها مصاحبة لام الابتداء لها في {لَتُرْدِينِ} ، وهي التي في {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] إلا أنها دخلت في هذا على فعلٍ.
{لَتُرْدِينِ} لتهلكني هلاك المتردي من شاهقِ، ومنه: {يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل: 11] أي: تردَّى في النار.
الإحضار: الإتيان بالشيء، أحضره غيره، ومنه: إحضار المعنى للنفس بذكره. والمعنى: لكنت من المحضرين في النار كإحضاركَ.
معنى {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى} [58 - 59] فيه وجهان:
الأول: يقوله المؤمن على حمه السرور بنعمة الله عليه في أنه لا يموت ولا يعذب.
الثاني: يقوله على جهة التوبيخ لقرينه بما كان ينكره.
المِثلُ: شسء يسدُّ مسدَّ غيره حتى لو رؤي بدلاً منه لم يفرق بينه وبينهُ، هذا معنى المثل وأصله إذا أطلق، أما إذا قيدَ فقيل: مثله في كذا؛

(2/224)


فإنما يرجع إلى اتفاق المعنى الذي يستحقه كل واحد منهما مما يفرق ما بينهما في الإدراكِ.
جا {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [62] فيه قولان:
الأول: على الحذفِ بتقدير: السبب هو الذي أدى إليه خير أم سبب ذاك؟.
الثاني: على التقدري، كأنهم قد قالوا فيه خيراً لما علموا ما أدى إليه. {الزَّقُّومِ} تمر شجرة منكرة الطعم جداً، من قوله: تزقم هذا الطعلم إذا تناوله على تكرهٍ ومشقة شديدة.
النُزُلُ: الفضلُ: يقال: طعام فيه نزلٌ، أي: فضل ريعِ.
معنى {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [63] قال: محنة {.....} ، وذلك أن المشركين لما نزلت الآية قالوا: النار تحرق الشجر فكيف تنبتُ في النار؟!. عن قتادة.
التشبيهُ برءوس الشياطين فيه ثلاثة أقوال:

(2/225)


الأول: أن قبح صورتها متصور في النفس، وكذلك قالوا للشيء يستقبحُ جداً: كأنه شيطان.
الثاني: شبهَ برأس حيةٍ تسمى عند العرب (شيطاناً) .

(2/226)


الثالث: شبة بنبتٍ معروف بـ (رُءُوس الشياطين) .
وقيل: لشجرة الزقوم ثمرة مرةٌ خشنة منتنة الرائحة.
وقيل: {فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} شدةٌ العذاب لهم.
وقيل: قد دل الله أنه سوء خلق الشياطين في النار حتى لو رآهم راءٍ من العباد لاستوحش غاية؛ فلذلك شبه برءوسهم.
وقيل: {خَيْرٌ نُزُلًا} [62] من (الأنزالِ) التي تقيم الأبدان. قال امرؤُ القيس: [الطويل]
أيقْتْلنِيوالُشْرفِيُّ مُضَاجعِي ... وَمسْنُونَةٌ زُرْقٌ كأنْيابَ أغْوَالِ
فشبه بأنياب الأغوال ولم ترَ، ويقولون: كأنه رأس شيطان، وانقلب عليَّ كأنهُ شيطانٌ.
الملءُ: حشوُ الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه.

(2/227)


الشوب: خلط الشيء بما ليس فيه مما هو شر منه. والحميم إذا شاب الزقوم اجتمعت المكارهُ فيه من المرارة والخشونة وبين الرائحة والحرارة المحرقة.
الحميمُ: الكاقي من الإحراق المهلك. والحميمُ: الصديق القريب، أي: الداني من القلبِ.
الإهراعُ: الإسراع في المشي بما فيه تشبيه في الرغدة. عن الفراءِ الفراء. وقيل: {يُهْرَعُونَ} [70] إلى النار على آثار آبائهم الضالين. قال ابن عباس: "يشربون الحميم المشوب على الزقزم"، أي: قد سيبَ مع حرارته بما {.....} .
وقيل: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [68] أي: إلى النار المتوقدة. وفيه دليل أنهم وقت يطمعون الزقوم هم بمعزل عنها، كما قال - عز وجل -: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44]

(2/228)


وقيل: {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [70] في الضلال عن الحق. عن الحسن. وقيل: {يُهْرَعُونَ} يستحثون من خلفهم. عن أبي عبيدة. وقيل: يزعجون إلى الإسراع. هرع وأهرعَ بمعنَى.
اللامُ في {لَقَدْ] لام القسم.
الضلالُ: الذهاب عن الصواب إلى طريق الهلاك.
الأكبرُ: الأعظم في العدة، والأعظم على وجوهٍ: أعظم في الجنة، وأعظم في العدةِ، وأعظم في النفي، وأعظم في الشأن.
الأولُ: الكائن قبل غيره، الأولُ: الأحقُّ بأنه قبل غيره، والأول: قبل كل شيء هو الله - تعالى-.
الإرسالُ: تحميل الرسالة من يؤديها إلى غيره.
النجاةُ: الرفع عن الهلاك، وأصله الرفع، ومنه: (النجوةُ) للمرتفع من المكان.
العظيمُ: الذي يصغر مقدارُ غيره بالإضافة إليه.
الجعلُ: حصول الشيء على ما لم يكن بقادر عليه.
معنى {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [78] فيه وجهان:
الأول: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} ذكراً جميلاً، عن ابن عباس. ويكون {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [79] من قول الله على غير جهة الحكاية.

(2/229)


وقيل: الناسُ كلهم بعد نوح - عليه السلام - من ذُريتِهِ.

(2/230)


وقيل: العجمُ والعرب أولاد سام بن نوح، والتركُ والصقالية والخزرُ أولاد يافث بن نوح، والسودان أولاد حام بن نوح.
وقيل: {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [76] أي: من الغرق. عن السدي. وقيل: بل من الأذى والمكروه الذي كان ينزل به من قومه لأنه بذلك دعا ربه فأجابه. وقيل: الذين نجوا مع نوح - عليه السلام - سبعة.
مسألة:
وإن سأل عن قوله سبحانه: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) } فقال:
ما العبدُ؟ وما المؤمن؟ وما الإغراق؟ وما الآخر؟ وما الشيعة؟ وما الإفك؟ ولم جاز جمع ما لا حقيقة لجمعه من قوله: {آلِهَةً} [86] ؟ وما معنى {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [87] ؟ ولم جاز {آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} [86] وليست الآلهة مما يحدث؟ وما معنى قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [89] ؟ وما الروعُ؟ ولم جاز {إِلَى آلِهَتِهِمْ} [91] مع أنها ليست بآلهة لهم حقيقة؟ ولم جاز أن يقول للجماد {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} [92] ؟ وما معنى {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [93] ؟ وما معنى {يَزِفُّونَ} [94] ؟ وما الخلق؟ وما العملُ؟ وما البناء؟ وما معنى {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [99] ؟ وما الحليم؟ وما معنى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [102] ؟ وما معنى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [103] ؟ وكيف جاز أن يؤامر ابنه في المضيَّ لأمر الله؟ وما البلاء؟ وما البيان؟ وما الفداء؟

(2/231)


وما العظيم؟ وما الإحسان؟ وما البلاء المبين؟ وما المنُّ؟ ولم قيل في النبي إنه من المؤمنين؟ وما البركة؟ وما الفرق بين النصر والمعونة؟.
الجواب:
العبدُ: الدليل بالعبودية لمالكه، فالخلق كلهم عباد الله، ومنهم عابد لغيره جهلاً بما يجب له، وتضييعاً لحق نعمته.
المؤمن: العامل بما يؤمنه من العقاب، وهو المصدق بالحق تصديقاً ظاهراً وباطناً، أولاً وآخراً.
الإغراقُ: الهلاك بالماء الغامر، والإغراق لقوم نوح - عليه السلام - بالطوفان، وهو من آيات الله العظام.
الآخرُ: المتأخر عن صاحبه.
الشيعةُ: الجماعة التابعة لرئيس لهم.
وقيل: {مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [83] أي: على منهاجه وسنته. عن مجاهد.
{بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [84] من الكفر والمعاصي.

(2/232)


قال الفراء: " {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} أي: محمد - صلى الله عليه وسلم - {لَإِبْرَاهِيمَ} ". وهذا عدول عن الظاهر.
الإفك: قلب الشيء عن جهته التي هي له، وكل كذب الكعنى على جهته إما إلى طريق النفي، وإما إلى طريق الإثبات.
جاز جمع ما لا حقيية لجمعه من قوله: {آلِهَةً} لأنه على التوهم {....} إله غير الله، وذلك توهم فاسد.
{فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [87] فيه وجهان:
الأول: أي شيء ظنكم به أسوأ ظن.
الثاني: فما ظنكم برب العالمين أنه يصنه بكم.
أن تقولوا أتريدون آلهة دون الله، لأن المعنى: أتريدون عبادة آلهة دون الله، وهو من باب: سلِ القرية. أي: أهل القرية.
معنة قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [89] فيه أفوال:
الأول: {إِنِّي سَقِيمٌ} بما في عنقي من الموت.

(2/233)


وقيل: {إِنِّي سَقِيمٌ} مما أرى من أحوالكم القبيحة في عبادة غير الله.
وقيل: {إِنِّي سَقِيمٌ} لعلة عرضت له.
وقيل: إنه نظر نظرة في النجوم استدل بها على وقت حمَّى كانت تأتيه، فخرجوا إلى عيدهم وتركوه.
الروعُ: الميل من جهة إلى جهة بحدةٍ.
جاز {إِلَى آلِهَتِهِمْ} [91] وهي ليست بآلهة لهم في الحقيقة، لأن التقدير فيه: إلى ما يدعون أنها آلهة لهم، أو ما اتخذوها آلهة لهم.
وجاز أن يقول للجماد: ما لك لا تنطق؟ لما في ذلك من العبرة التي تحرك الخاطر، وتهدي إلى الطريق الواصح بأن قدرها تقدير من يفهم الكلام ويمكنه رد الجواب من الأجسام، مظاهرة في البيان، وإيضاح البرهان له.
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [93] فيه وجهان:
الأول: {بِالْيَمِينِ} التي هي الجارحة؛ لأنها أقوى على العمل من الشمال.
الثاني: {بِالْيَمِينِ} أي: القسم ليلبس بهما.
وقال الفراء: " (اليمينُ) القوةُ".

(2/234)


وقيل: إنما قال: {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} [92] تقبيحاً لعابديها، كأنهم حاضرون لها.
وقيل: يمينه قوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57] .
معنى {يَزِفُّونَ} [94] يسرعون. وقيل: يمشون. عن السدي. وقيل: يتسللون بحال بين المشي والعدو. ومنه: زفت النعامة بحال بين المشي والعدوِ.
وقيل: {يَزِفُّونَ} يمشون على مهلٍ.
وقرأ {يُزِفُّون} - بضم الياء وكسر الزاي - حمزة، والمفصل عن عاصم، وقرأ الباقون {يَزِفُّونَ} بفتح الياء.
الخلقُ: فعل الشيء على تقدير. وأفعال الله كلها مخلوقة؛ لأنها مفعولة على مقدار ما أراد وعلم وحكمَ.

(2/235)


العَمَلُ: إحداث نفس الشيء، ثم يقال: فلان يعمل الخوصَ إذا حدث ذلك عند حادث فيه.
معنى قوله: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [99] أي: إلى مرضاة ربي، وهو المكان الذي أمرني بالذهاب إليه. وقيل: إلى الأرض المقدسة. قيل: أرض الشام. وقال قتادة {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} أي: بعملي ونيتي.
الجحيمُ - عن العرب-: النار التي يجمع بعضها على بعض.
البناءُ: وضع منزلةٍ على منزلة. وكانوا بنوا له شبه الحظيرة وأججوا ناراً ليلقوه فيها، وجعلهم الله الأسفلين بإهلاكهم ونجاة إبراهيم - عليه السلام -. وقيل: منع الله النار منه بأن صرفها في خلاف جهته. فلما أشرفوا على ذلك علموا أنه لا طاقة لهم به.
ومعنى {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [100] أي: صالحاً من الصالحين.
الحليمُ: الذي لا يجعل في الأمور قبل وقتها مع القدرة عليها.
{ ... } : الخفيف بأن من شأنه أن يفعل الشيء قبل حينه.

(2/236)


معنى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [102] أي: أطاق أن يسعى معه. وقال ابن زيد: السعيُ في العبادةِ.

(2/237)


وقال الحسن: سهيُ العقل الذي تقوم به الحجة.
معنى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [103] أضجعه للجبين. عن الحسن. قيل في النسخ قبل فعلِ المأمور منه ثلاثة أقوال:
الأول: أنه أمر أن يقعد منه مقعد الدَّابح وينتظر الأمر بإمضاء الذبح على ما رأى في منامه ففعل.
الثاني: أمر على شرط الغلبة والتمكين، فكان - كما روي أنه - كلما اعتمد بالشفرة انقلبت وجعل على حلقه صفيحة من نحاس.
الثالث: أنه ذبح، ووصل الله ما فراه بلا فصل. والصحيح أنه من ذبح، فلذلك كان الفداء.
جاز أن يؤامر ابنه في المضي لأمر الله لأنه أحبَّ أن يعلم صبره على أمر الله وعزمه على طاعتهِ.

(2/238)


والدَّبيحُ: قيل: إنه إسحاق - عليه السلام -. عن عليَّ، وابن مسعود، وكعب الأحْبارِ، وعن الحسن، وقتادة.

(2/239)


وقيل: إسماعيل عليه السلام. عن ابن عباس، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن كعب القرظي، وسعيد بن المسيب، وإحدى الروايتين عن الحسن.

(2/240)


صفحة فارغة

(2/241)


وقيل: {تَلَّهُ} [103] صرعَهُ.
وقيل: كان يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنة.
قرأ حمزة، والكسائي {مَاذَا تُرِى} بضم التاء وكسر الراء، وقرأ الباقون {مَاذَا تَرَى} بفتح التاء.
البلاء: الاختبار فيما يوجب النعمة أو النقمة، ولذلك قيل للنعمة (بلاء) ، وللنقمة (بلاء) ؛ لأنها سميت باسم سببها المؤدي إليها، كما يقال لأسباب الموت: هذا الموت بعينه، ونبتلي هذا: أي: نختبره بإخراج ما فيه من خير أو شر.
البيانُ: إظهار ما يتميز به المعنى في النفس من غيره.
المبينُ: المظهر ما في الأمر من خير أو شر.
الفداء: جعل الشيء مكان غيره لدفع الضرَّ عنه.
الكبشُ الذي فدي به إسماعيل - عليه السلام - قيل له: {عَظِيمٌ} ؛ لأنه يصغرُ مقدار غيره من الكباش بالإضافة إليه.

(2/242)


وقيل: فدىَ به كبش من الغنمِ. عن ابن عباس، ومجاهدٍ، والضحاكِ، وسعيد بن جُبيرِ.

(2/243)


وقال الحسن: "فدي بوعلٍ أهبط عليه من جبل".
وقيل: إنه لا خلاف أنه لم يكن من الماشية التي كانت لإبراهيم - عليه السلام - أو غيره في الدنيا.
وقيل: {الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [106] النقمة البينَةٌ.
الذبحُ - بكسر الدال -: المهيأُ للدًّبح، الدبحُ - بالفتح -: المصدر.
وقيل: إنه رعى في الجنة أربعين خريفاً.
وقيل: {عَظِيمٌ} متُقبلٌ. عن مجاهدة.
المنُّ: قطع كل أذيةٍ بالنعمة.
وقيل في النبي إنه من المؤمنين - وهو أفضل المؤمنين - للترغيب في الإيمان بأنه يمدح مثله بأنه من المؤمنين، كما يقال: هو من الكرماء، وكذلك {نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [112] .

(2/244)


البركةٌ: ثبوت الخير النامي على مرور الأوقات، فبركة إبراهيم عليه السلام في التلطف بدعائه إلى الحق، وبالخبر عن أحواله الجميلة في التمسك بالطاعة لله.
وقيل: إنما بشر في هذا الوقت بنبوته لا بمولده، وذلك بعدما أسلم نفسه لربه. عن ابن عباس.
في قوله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [112] بعد ذلك دليل زاضح أن الدبيح إسماعيل - عليه السلام -.
مسألة:
إن سأل عن قوله سبحانه: {وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) } فقال:
ما النصؤُ: وما الكتاب المستبين؟ وما الصراط المستقيم؟ وما الجزاء؟ وما البعلُ؟ وما معنى {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [125] ؟ وما معنى {الْبَاقِينَ} [77] ؟ وما الحجة في أنه رب آبائهم؟ وما المحذوف من {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [127] ؟ ولم جاز في إلياس (إليَاسِينَ) ؟ وما وجه ذكر هذه القصص؟ وما معنى {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [135] ؟ وما الآبقُ؟ وما التدميرُ؟ وما وجه ذكر الإصباح والليل في هذا الكلام؟ وما معنى {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [140] ؟ وما المساهمة؟ وما معنى {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [141] ؟ وما الالتقامُ؟ وما التسبيح؟ وما المُليمُ؟ وما معنى (سَاهَمَ) ؟ وما معنى {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [143] ؟ وفيم ساهموا؟ وما اليقطينُ؟ وما معنى {أَوْ يَزِيدُو} [147] ؟ وما الاصطفاءُ؟ ولم امتنع في صفة القديم اتخاذُ الولد؟ وما معنى {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [158] ؟ وما الغابرُ؟ وما الصالِ؟ وما معنى {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [164] ؟ وما معنى {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [

(2/245)


165] ؟ ولم وصف المقام بأنه {مَعْلُومٌ} ؟ وكيف سميت الصلاة تسبيحاً؟ وأى لام هي التي في {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ} [167 - 168] ؟ وعلام تعود الهاء في {فَكَفَرُوا بِهِ} [170] ؟ وما السبقُ؟ وما معنى {سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [171] ؟ وما الغلبة؟ وكيف جاز سبق الكلمة للمرسلين بالنصر مع أن منهم من قتل؟ وما الساحة؟ وما العذاب؟ وما العزةُ؟ ولم كرر {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [179] ؟.
الجواب:
الفرق بين النصر والمعونة: أن كل نصر معونة، وليس كل معونةٍ نصراً، لأن المعونة قد تكون معونة على بلوغ منزلة، كالمعونة على طلب العلم، وإنما النصر: المعونة على العدُوَّ.
الكتاب المستبينُ: المستدْعي إلى ما فيه من البيان بالمحاسن التي تظهر فيه في الاستماع، وكل كتاب الله فهذه صفة من حمكته.
الصراط المستقيم: الطريق المؤدي إلى الحق في كل أمر يعرض للنفس إذا أطلقت الصفة لصاحبه، وهو الطريق المؤدي إلى الجنة بإخلاص الطاعة لله.
عن قتادة: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [118] : الإسلام.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ} [119] : الثناء الجميل.
وقيل: {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [120] كما قيل: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [79] .
الجزاءُ: إعطاء المضمون على العمل من خير أو شر، فجزاء الإحسان بالحمد والنفع، وجزاء الإساءة بالسوءِ والضُرَّ.

(2/246)


البعلُ: الرب في لغة أهل اليمن. يقولون: من بعلُ هذا الثور؟ أي: من ربه. عن عكرمه، ومجاهد، وقتادة، والسدي, وقيل: (البعْلُ) صنم. عن السحن، والضحاك. ويقال لزوج المرأة: بعلها، والنخلُ والزرع إذا أسقيا بماء السماء (بعْلٌ) ، وهو العديُ خلاف السقي.
ومعنى {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [125] أي: أتدعون بإلهية صتم عادلين عن أحسن الخالقين؟. وهذا إنكار عليهم أن يعتقدوا أن غير الله إله، أو يقال لغيره: يا إلهي.
وقيل: {إِلْيَاسَ} هو إدريس. عن قتادة. وقيل: {إِلْيَاسَ} ابن ولد إدريس. وقيل {إِلْيَاسَ} من ولد هارون. عن ابن إسحاق. و {إِلْيَاسَ} اسم النبي، أعجمي معرب، ولذلك لم ينصرف.

(2/247)


وقيل: هو (أفعالٌ) من (الأليَس) وهو الشجاع؛ ولو كان كذلك لانصرف.
الربُّ - بالاطلاق -: المالك لتدبير جميع الأمور، وهو الله - تعالى -، فإذا قيد فقيل: فلان رب الدار، كان بمعنى: مالك تدبير ما أضيف إليه. وجه الحجة عليهم في أنه رب آبائهم أنه إذا كان الرب واحداً أوجب إخلاص العبادة لواحد؛ لأنه مالك الضر والنفع في جميع الأمور، وهذا يبطل عبادة الأوثان.
المحذوفُ من {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [127] أي: فإنهم لمحضرون لتكذيبهم والجزاء بما يقتضيه فيهم، وذلك معلوم نقضه لا يخفى أمره على عارف. جاز في إلياس (إلياسينَ) [لوجهين] :
الأول: أن العرب تصرف الأسماء الأعجمية بالزيادة، كما يقولون: ميكائيل وميكائينَ، ويقولون أيضاً: ميكال وميكائيل، ويقولون في إسماعيل: إسماعين. وفي قراءة عبد الله: (وإنَّ إدراسين لمن المرسلينَ، سلام على إدراسينَ) .
الثاني: أن يكونوا جميعاً حل فيهم (إلياس*، كقولهم: الأشعرون، والمهلبونَ.
ومن قرأ {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} فإنه فسر على آل محمد، وفسر على آل إلياس.
قرأ نافع، وابن عامر {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} ، وقرأ الباقون {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} ، وكلهم قرأ {وَإِنَّ إِلْيَاسَ} بالهمز، غير ابن عامر فإنه قرأ {وَإِنَّ اِليَاسَ} بغير همز.

(2/248)


وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ} [126] نصباً، وقرأ الباقون بالرفع.
وجه ذكر قصص النبيين التشويق إلى مثل ما كانوا عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، وصرف الناس عن مساوئ الأخلاق ومقابح الأفعال.

(2/249)


{إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [135] أي: في الباقين الذين أهلكوا، فالغابرُ: الباقي قليلاً بعد ما مضى.
الآبقُ: الفارُّ إلى حيث لا يهتدي إليه الطالب. فكأن يونس - عليه السلام - بذهابه إلى الفلكِ كالفارَّ من مولاه.
التذميرُ: الإهلاك بالتنكيل.
وجه ذكر الإصباح والليل في هذا الكلام في قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} [137 - 138] لأن من كثر مرورهُ بموضع العبرة فلم يعتبر كان اللوم والدمُّ له، وإنما هو توبيخ بترك الاعتبار.
المشحون: المحملُ، الموقر.
المساهمة: إلقاء ما كان من السهام على حهة القرعةِ، فوقع السهم عليه فألقى في البحر فالتقمه الحوتُ.
{فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [141] أي: من المفروعينَ. وقيل: الملقين في البحر. والدحضُ: الزلقُ: لأنه يسقط عنه الماء فيه، و {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} [الشورى: 16] أي: ساقطة.
الالتقامُ: ابتلاعُ اللقمةِ، وذلك أن الحوت تناوله بفيهِ كاللقمةِ.

(2/250)


المليمُ: الذي يأتي بما يلام على مثله.
التسبيح: التنزية لله، وهو التعظيم له عما لا يجوز في صفته.
وقيل: {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [143] من المصلين في الرخاء؛ فنجاه الله - تعالى - من البلاء.
وقيل: {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [هُوَ] قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] .
وقيل: لبث في بطن الحوت أربعين يوماً. عن السدي.
العراءُ: الفضاء الذي لا يواريه شجر ولا غيره.
وقيل: كان يونس - عليه السلام - قد توعدهم بالعذاب إن أقاموا على ما هو عليه، فلما رأوا مخائل العذاب دعوا الله - تعالى - بكشفِه عنهم فكشفهُ، وكانَ

(2/251)


وكان يونس - عليه السلام - قد خرج قبل أن يأمره الله - تعالى - فكان ذنباً لام نفسه عليه.
وإنما تساهموا لأنهم أشرفوا على الغرق، فرأوا أن يخرج واحد أيسر من غرق الجميع.
وقيل: لا، بل لما رأوا الحوت قد يعرض لهم قالوا: فينا مذنب مطلوب فتقارعُوا.
اليقطينُ: كل شجرة ليس لها ساق، تبقى من الشتاء إلى الصيف. وقيل: هو القرْعُ. عن ابن عباس. وقيل: هو (يفعِيلٌ) من: قطن بالمكان، أي: قام إقامة زائل، لا إقامة ثابتٍ.
وقيل: كانت رسالة يونس - عليه السلام - بعد الالتقام. ويجوز أن يكون أرسل إلى الأولين بشريعة فآمنوا بها.
ومعنى {أَوْ يَزِيدُونَ} [147] فيه أوجه:

(2/252)


أحدها: كأنه قيل: أرسلناه إلى أحد العددين؛ فيكون معنى (أو) - ها هنا - الإبهامُ.
وقيل: هو على شكَّ المخاطبين.
وقيل: المعنى: بل يزيدون. عن ابن عباس.
وقوم يونس رأوا آيات العذاب فآمنوا قبل ظهوره فقبل إيمانهُم.
الاصطفاءُ: إخراج الصفوةِ، والصفوةُ خالصة من شائب الكدرِ.
يمتنع في وصف القديم إيجاد الولد لما فيه من معنى التشبيه، ولا يجوز أن يكون له شبيهٌ.
قلبت (التاءُ) في أفعل من الصفوة (طاءً) لتعديل الحروف في الإطباق والاستغلاءِ.
و {مِنْ إِفْكِهِمْ} [151] أي: من كذبهمْ.
وكلهم قرأ {لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى} [152 - 153] بقطع الألف على طريق الاستفهام، إلا نافعاً في رواية ورش وإسماعيل بن جعفر فإنه جعلها جعلها ألف وصلٍ على الخبرِ.

(2/253)


قيل للبرهان سلطان لأنه يتسلط به على الإنكار على مخالف الحق بما ينطق به البرهان.
معنى {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [158] قيل: يجعلهم الملائكة بنات الله، وقالوا: تزوج إلى الجن فخرج منها الملائكة، تعالى الله، تعالى عن ذلك.
وقيل: {إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} العذاب، أي: قائل هذا القول.
وقيل: {لَمُحْضَرُونَ} للحسابِ. عن مجاهد.
وقيل: تسمى الملائكة جنَّة لاستتارهِمِ عن العُيُون.

(2/254)


وقيل: بل لأنهم قالوا - لعنهم الله -: تزوج من الجنَّ.
وقال الحسن: "أشركوا الشيطان في عبادة الله فهو النسبُ الذي جعلوه".
الفاتنُ: الداعي إلى ضلال بتزيينه له؛ ولأنه يخرج إلى الهلاك، إذ أصلُ (الفتنةِ) من قولهم: فتنتُ الذهب بالنار إذا أخرجته إلى حال الخلاص، {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] أخرجناك بالأمر الحق إلى حال الخلاص.
الصَّال: اللازم نحو النار.
{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [164] أي: لا يتجاوز ما أمر به ورتب له، كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامهُ.
ومعنى {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [165] قيل: الصفوف في الصلاة. وقيل: صاقونَ حول العرش ينتظرون الأمر والنهي عن الله - تعالى -.

(2/255)


وقرأ الحسن: {صَالُ الْجَحِيمِ} برفع اللام. وفيه وجهان: الجزمُ، والقلب على قولهم: شاكُ السلاح.
وسميت الصلاة (تسبيحاً) لما فيها من تسبيح الله وتعظيمه؛ ولذلك قالوا: فرغت من سبحتي، أي: صلاتي. والمسبحون: المصلون، والمسبحونَ: القائلون: سبحان الله.
لام الابتداء التي في {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ} [167 - 168] ؛ وذلك أن (إنْ) المخففة من الثقيلة تلزمها هذه اللام ليفرق بينها وبين التي للجحد في مثل قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [النحل: 124] .

(2/256)


الهاء في {فَكَفَرُوا بِهِ} [170] تعود على الذكر؛ وذلك أنهم طلبوا كتاباً كما للأولين التوارة والإنجيل، فلما جاءهم القرآن كفروا به وبمن جاء بالقرآن. عن ابن عباس، والسدي.
السبْقُ: مجيء الشيء قبل غيره.
معنى هذه الكلمة للمرسلين أنهم ينتظرون الغلبة بمصير العدوَّ المناوئ في قبضة القادر عليه بما يجري عليه من كلمةٍ.

(2/257)


جاز سبق الكلمة للمرسلين بالنصر مع أن منهم من قتل، لأن ذلك معنى النصر بالحجة. عن السدي.
قال الحسن: "ما غلب نبي في حربٍ، ولا قتل فيها قطُّ".
وقيل: {سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا} [171] بالسعادة.
وقيل: {حَتَّى حِينٍ} [174] إلى يوم بدر. عن السدي. وقيل: إلى الموت. عن قتادة. وقيل: إلى يوم القيامة.
{وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [175] أي: أنظرهم فسوف يرون العذاب. ويحتملُ: انظر حالهم بقلبكَ. وقيل: أبصرهم في وقت النصْرِ.

(2/258)


صفحة فارغة

(2/259)


وفي الآية دليل على المعجزة لأنه وعد بالنصر فكان الأمر على ما تقدم به الوعدُ.
وقيل: {حَتَّى حِينٍ} [178] لانقضاء مدةِ الإمهال.
العذابُ: استمرار الآلام.
العزة: منعة القادر الذي لا يضام ولا يرامُ، والعزة لله جميعاً، لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء.
كرر {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [179] لأنهما عذابان: عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، فكأنه قيل: أبصرهم في عذاب الآخرة، وأبصرهم في عذاب الدنيا.
وقيل: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} [177] أي: بدارهم.
وقيل: {الْعِزَّةُ} هي التي يعزُّ الله بها الأنبياء والمؤمنين.

(2/260)


* * *

(2/261)