تفسير ابن فورك

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: تفسير ابن فورك - من أول سورة نوح - إلى آخر سورة الناس
المؤلف: الإمام العلَّامة / أبو بكر محمد بن الحسن ابن فورك
(المتوفى 406)
دراسة وتحقيق: سهيمة بنت محمد سعيد محمد أحمد بخاري (ماجستير)
عدد الأجزاء: 1
الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية
الطبعة الأولى: 1430 - 2009 م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

(3/48)


سورة نوح
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) }
إن سئل عن قوله {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} إلى آخر السورة
فقال: ما الإنذار وما معنى: من؟ في {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}
وهل يجوز، الإدغام في يغفر لكم؟ وما الزيادة؟ وكيف جاز أن يكون الدعاء إلى الحق يزيد الناس فرارا منه؟ وما الفرار؟ وما الاستغشاء؟ وما الإصرار؟ وما الجهار؟ وما المدرار؟ وما الإمداد؟ وما الوقار؟ وما معنى: ما لكم لا ترجون لله وقارا؟ وما معنى: خلقكم أطوارا؟ وما معنى: طباقا؟ وماذا نصبه؟ وما الإعادة؟ وما الخسار؟ وما المكر؟ وكيف جاز
على تسميتهم {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}
بالكفر قبل أن يعملوه في قوله {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}
الجواب:
معنى الإنذار: الإعلام موضع المخافة ليتقى ونوح عليه السلام قد أنذر
قومه بموضع المخافة وهي عبادة غير الله وانتهاك محارم الله.
معنى (من) في {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}
فيه قولان:
الأول: يصفح لكم عن ذنوبكم وتكون من بمعنى عن بهذا التقدير ويعم
الجميع.

(3/49)


الثاني: يغفر لكم ذنوبكم السالفة وهي بعض الذنوب التي تضاف إليهم
فلما كانت ذنوبهم التي يستأنفوها لا يجوز الوعد بغفرانها على الإطلاق لن يجري ذلك مجرى الإباحة لها قيدت بهذا التقييد.
وجه ذلك يغفر لكم من ذنوبكم بحسب ما يكون من الإقلاع عنها فهذا على
احتمال البعض إن لم يفعلوا إلا على البعض.
وقال المعتزلة: الأجل أجلان: أقصى وأدنى، فالأقصى لهم إن آمنوا وليس لهم إن لم يؤمنوا لأن الجنة لهم إن آمنوا وليست لهم إن لم يؤمنوا.
قال الحسن: أمرهم أن ينذرهم عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة.
وقيل: دخلت (من) لتخص الذنوب من سائر الأشياء لا لتبعض الذنوب
من سائر الأشياء وإخبار كثير من النحويين يغفر لكم بإظهار الراء لين لا يخل بها الإدغام من جهتنا فيها من التكرير.
واختار أبو عمرو الإدغام لأن إذهاب التكرير لا يخل لإن الثاني مثل الأول.

(3/50)


جاز أن يكون الدعاء إلى الحق يزيد الناس فراراً منه للجهل الغالب على
النفس فتارة يدعو إلى الفرار مما نافره وتارة يدعو إلى الفساد الذي يلائمه يشاكله.
الفرار: البعاد من الشيء رغبة عنه أو خوفا منه، فلما كانوا يتباعدون
عن سماع دعائه رغبة عنه كانوا قد فروا.
الاستغشاء: طلب الغشي فلما طلبوا التغشي بثيابهم فرارا من الداعي لهم كانوا قد استغشوا.
الإصرار: الإقامة على الأمر بالعزيمة عليه في النفس.
وقيل: كان الرجل يذهب بابنه إلى نوح فيقول لابنه احذر هذا لا يغوينك
فإن أبي قد ذهب بي إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك.
{جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ}
أي: لئلا يسمعوا كلام نوح.
والجهار: الإعلان.

(3/51)


والمدرار: الكثير الدرور، والدرور تجلب الشيء حالا بعد حال على الاتصال المطر الكثير الدرور، مدراراً.
الإمداد: إلحاق الثاني بالأول على النظام حالا بعد حال.
الوقار: العظمة، معناها هنا سعة المقدرة.
وأصل الوقار ما به يكون الشيء عظيما من الحكم والعلم الذي يمتنع معه
الخرق، ومنه وقر في السمع، ووعاه القلب إذا ثبت في السمع وحفظه القلب.
وقيل: خرج عمر - رضي الله عنه - ليست سقي فما زاد على الاستغفار وقرأ هذه الآية، وقيل: وقارا عظمةً.. عن ابن عباس ومجاهد.

(3/52)


وقيل: ترجون تخافون.
وقيل: تطمعون فيما فيه لعظمة الله.
عن قتادة.
الأطوار: الانتقال في الأحوال حالا بعد حال.
وقيل: نطفة ثم علقة ثم مضغة. عن ابن عباس.
الطباق: مصدر طابقت مطابقة وطباقا، والطباق منزلة فوق منزلة.
فكأنه قيل: مالكم لا ترجون لله عاقبة عظيمة من الثواب بالخلود في النعيم.
وقيل: أطواراً صبيانا ثم شبانا ثم شيوخا وغير عاقل ثم عاقلا وضعيفا ثم
قويا.
{وطباقا} ثم نصبه وجهان: أحدهما: على الفعل أي جعلهن طباقا، والآخر: على وصف السبع

(3/53)


الإعادة: النشأة الثانية فالقادر على الأول قادر على الثانية، لوجود
قدرته الكريمة عليه.
{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا}
أي: في السماوات السبع عن عبد الله بن عمرو.
وقيل: في ناحيتهن نورا.
الفجاج: جمع فج المسلك بين الجبلين.
الخسار: الهلاك بذهاب رأس المال.
المكر: القتل بالحيلة الخفية إلى خلاف الجهة الموافقة بما فيها من المضرة.
جاز {ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} لأنه على طريق الإخبار بما يكون
منهم لو وجدوا كأنه قيل: ولا يلدوا إلا من لو بلغ لكفر.
الكبّار: الكبير. عن مجاهد، والعرب تقول: عجيب، وعجاب بالتخفيف، وعُجَّاب بالتشديد، وكذلك جميل وجمال، وحسن وحسّان

(3/54)


وقيل: كانت هذه المذكورة أصناما يعبدها قوم نوح عبدتها العرب فيما بعد. ديارا: فيعال من الدوران.
{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}
وقيل: ما دعى عليهم إلا بعد أن نزل إليه. عن قتادة.
التبار: الهلاك.
وقيل: لما صارت هذه الأصنام إلى العرب كان ود لكليب وسواع لهمذان ويغوث لمدحج ويعوق لكنانة ونسر لحمير. عن قتادة.
قرأ {مَالُهُ وَوَلَدُهُ} بفتح الواو نافع وعاصم وابن عامر.
وقرأ الباقون بضم الواو، وقرأ نافع {لَا تَذَرُنَّ وَدًّا} بضم الواو.

(3/55)


وقرأ أبو عمرو {مما خطاياهم}
وقرأ الباقون {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} .

(3/56)


سورة الجن
مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) }
إلى آخر السورة
فقال ما الإيحاء؟ وما الاستماع؟ وما الجن؟ وما العجب؟
وما معنى: {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} وما الشطط؟ وما معنى: {يَقُولُ سَفِيهُنَا} ؟
وما معنى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) } ؟.
وما العياذ؟ وما الرهق؟ وما وجه استبعاد أهل الجاهلية للبعث والنشور؟ وما الشهاب؟ وما الطريقة؟ والعدد؟ والرهق؟ وما البخس؟ وما القاسط؟ وما الغدق؟ وما الاستقامة؟
وما معنى: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} ؟
وما الذكر؟ وما اللبد؟
وما معنى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) } ؟
وما الإجارة؟ وما الملتحد؟
وما البلاغ من الله؟ ولم ذكر وعيد العاصي لله ورسوله في هذا الوضع؟

(3/57)


ولم قيل {أَضْعَفُ نَاصِرًا} ولا ناصر لهم في الآخرة؟
وما معنى: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} ؟.
الجواب:
الإيحاء: إلقاء المعنى للنفس في خفاء كالإلهام، وإنزال الملك به، لخفائه.
عن الناس إلا على النبي الذي أنزله إليه، وكالإيماء الذي يفهم به المعنى. الاستماع: طلب سماع الصوت بالإصغاء، وهو تطلب لفهم المعنى.
الجن: قيل رقاق الأجسام خفية على الصورة المخصوصة التي هي الحسية.
العجب: شيء يدعوا إلى التعجب منه، لخفاء سببه، وخروجه عن العادة
في مثله فلما كان القرآن قد خرج بتأليفه عن العادة في الكلام وخفي سببه
عن الأنام كان عجب لا محالة.
معنى {جَدُّ رَبِّنَا} عظمة ربنا لانقطاع كل عظيم عنها بعلوها عليه.
الجد: الحظ لانقطاعه بعلو شأنه.
وقيل: أنهم لما منعوا استراق السمع طافوا في الأرض فاستمعوا القرآن فآمنوا ونزل الوحي به. عن ابن عباس.

(3/58)


وقيل: جد ربنا جلالته وعظمته عن الحسن
وقيل: غنى ربنا وكل ذلك يرجع إلى معنى صفته بأنه عظيم غني.
وقيل: من فتح {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} ومن على الفتح كأنه على وآمنا أنه.
تعالى جد ربنا.
و {يقول سفيهنا} أي: إبليس عن مجاهد وقتادة.
الشطط: السرف في ظلم النفس والخروج عن الحق.
{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) }
في اتخاذ الشريك والصاحبة والولد حتى سمعنا القرآن وتبينا الحق به.
يقال: جد فلان في قومه إذا عظم فيهم.
قال الحسن: إن الله بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الإنس والجن وأنه لم يرسل رسولا قط من الجن ومن أهل البادية ولا من النساء وذلك لقوله - عز وجل -
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ} بفتح الهمزة {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا} {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ} {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ}
أربعة أحرف بفتح الألف.

(3/59)


وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر كذلك إلا قوله {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ}
بكسر الألف وقرأ الباقون كلذلك بالفتح إلا ما جاء بعد قولٍ أو بعد فاء الله الجزاء.
والعياذ: الاعتصام وهو الامتناع بالشيء من لحاق الشر.
الرهق: لحاق الإثم، في قوله {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}
وأصله اللحق، ومنه راهق الغلام أو الحق حال الرجال.
وجه استبعاد أهل الجاهلية للبعث والنشور استمرار العادة بالنشأة الأولى.
كما استمرت بأن الحيوان يموت إلا أن النشأة الثانية عليها دليل عن خبرٍ صادقٍ مقطوع بقوله العجز به.
الشهاب: نور يمتد في السماء من النجم كالنار.
قال الله تعالى {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} .
وقيل يعوذون: يستجيرون.
وقيل: كان الرجل منهم إذا نزل الوادي في سفره قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه. عن الحسن وقتادة.

(3/60)


رهقاً: إثماً. عن ابن عباس وقتادة.
وقيل: طغيانا عن مجاهد.
فرقا عن الربيع.
وقيل: إن السماء لم تحرس قط إلا لنبوة أو عقوبة عاجلة عامة
وقال الحسن: ظن مشرك الجن كما ظن مشرك الإنس {أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} يقول: يجحدون بالبعث.
وقيل: رهقاً: سفها.
الطريقة: الجهة المستمرة مرتبة بعد مرتبة والجمع طرائق.
قداداً: جمع قدة، وهي المستمرة في جهة واحدة، والقدد مضمن بجعل جاعل دون الطريقة.
الرهق: لحاق السرف في الأمر، فكأنه قال: لا يخاف نقصاً قليلاً ولا كثيراً وذلك أن أجره موفر عليه على أتم ما يكون فيه.
وقيل طرائق قددا: مذاهب مختلفة مسلم، وكافر، وصالح، ودون الصالح. عن ابن عباس ومجاهد.

(3/61)


وقيل: فلا يخاف بخسا ولا رهقا: نقصا من حسناته أو زيادة في سيئاته.
. عن ابن عباس.
القاسط: الجائر، والمقسط: العادل، ونظيره التَّرِب الفقير، والمُتْرِب
الغني، والأصل التراب، فالأول: ذهب ماله حتى قعد على التراب.
والثاني: كثر ماله حتى صار كالتراب.
القاسط: العادل عن الحق.
المقسط: العادل إلى الحق.
ولا رهقاً قيل: ولا يخاف ظلما كأنه يعطي على غير وجه الإجلال الذي
يجب له التحري فقد إصابة الحق.
الغدق: العذب الكثير. عن مجاهد.
وقيل: رغب الله عز وجل في الاستقامة فلا شك أن له هذه الصفة.
الاستقامة الاستمرار في جهة واحدة، والمستقيم من الكلام المستقيم على طريقة الصواب.
معنى {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنختبرهم.
الذكر: حضور المعنى الدال على المذكور للنفس وضد الذكر
السهو، ونظيره حضور المعنى بالقلب، والفكر في وجوه السؤال عن المعنى طلبا للذكر له، والفكر في البرهان طلب للعلم بصحة المعنى المذكور.

(3/62)


لبداً: القطع المتكافئة على الشيء واحدها لبدة.
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}
يقول: لا إله إلا الله كادوا يكونون عليه جماعات متكافأت بعضها فوق
بعض ليزيلوه بذلك عن دعوته بإخلاص الإلهية.
وقيل: الحق كادوا أن يركبوا به حرصا على سماع القرآن منه عن ابن
عباس.
وقيل: تلبدت الإنس والجن بهذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره
ويظهره على من ناوأه.
عن الحسن وقتادة.
وقيل صعدا: مت صعدا في السطح.
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}
كما يدعوا النصارى في بيعهم والمشركون في كعبة ربهم.
قال الحسن: من السنة إذا دخل أحد المسجد أن يقول لا إله إلا الله لا ادعوا مع الله أحدا.
وقيل: يدعوه بالوحدانية.
وقيل غدق: المكان يغدق غدقا إذا كثر الماء فيه والندى.

(3/63)


وقيل المساجد: مواضع السجود من الإنسان الجبهة واليدان والرجلان
عن الفراء.
وأكثر أهل العلم على طريقة الهدى، والأول: يكون تغليظاً للجِنَّة في التكليف، والثاني: ترغيب في الهدى.
قرأ {يسلكه} بالياء عاصم وحمزة والكسائي
وقرأ الباقون {نسلكه} .
وقرأ عاصم وحمزة {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي}
وقرأ الباقون {قال} بالألف.
وقرأ ابن عامر في رواية هشام بن عمار {لُبداً} بضم اللام.

(3/64)


وقرأ الباقون {لِبَدًا} .
الإجارة: المنع من لحاق الشر على ما يوجبه عن المانع.
الملتحد: الملتجأ بالميل إلى جهة السلامة به فليس من دون الله ملتحد
يطمع في السلامة به مع إرادة عقابه.
البلاغ من الله بلاغ الحق لكل من ذهب عنه بالإعراض الذي تباعد منه.
وقد نصب الله تعالى أدلته على الحق وأمر بالدعاء بها إليه.

(3/65)


ذكر وعيد العاصي لله ورسوله هنا لبيان أن من يعصي غيره ليقوم الناس
بإبلاغ الحق من غير تصحيح فيه.
قيل {أَضْعَفُ نَاصِرًا} لأنه جاء على جواب من توهم أنه إن كانت لهم أخوة فناصرهم أقوى وعددهم أكثر.
و (رصدا) منصوب على المفعول كأنه قال يجعل رصداً يسلك من بين يديه ومن خلفه.
ليعلم: أي: ليظهر المعلوم من التبليغ، وأحاط بما لديهم فصار في معلومه بمنزلة ما أحيط به، وإنما أحصى عدد الأشياء لتمكين الدليل أنه يعلمها
مع كثرتها على التفصيل.
وقيل ملتحداً: ملجأً.
وقيل: يجوز أن يكون أن لا أبلغ بلاغا من الله ورسالاته يعني إلا كذا وكذا.
وعلى الوجه الأول لا أملك إلا بلاغا من الله ورسالاته.
وقيل {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا}
أجند الله أم الذين عبده المشركون.
وقيل {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} فإنه يطلعهم بالوحي على من يشاء من
الغيب.
وقيل: (رصدا) من الملائكة حفظة.
وقيل: ليعلم من كذّب بالرسل أن قد ابلغوا رسالات ربهم. عن مجاهد.
وقيل: ليعلم الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم على إحاطة بهم وتحصين لما بلغوه من رسالاته. عن سعيد بن جبير.

(3/66)


معنى أمداً: غاية.
وقيل: ليعلم الله أن قد أبلغوا

(3/67)


سورة المزمل
مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) }
فقال: ما المزّمل؟ وما المرغّب فيه أقام نصف اللّيل أو أقلّ منه؟ وما التّرتيل؟ وما الناشئة؟ وما الوطء؟ وما الأقوم؟ وما السّبح؟ وما التبتل؟.
وما الوكيل؟ ولم لا يجوز ماضي نذر؟
وما معنى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} وما النعمة؟
وما التمهيل؟ وما الغصّة؟ وما الإمهال؟ وما معنى {كَثِيبًا مَهِيلًا}
وما الرسل؟ وما معنى {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} وكيف لم يقل منفطرةٌ والسماء مؤنثة؟ ولم جاز {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} بمعنى ثواب ربه؟ وما معنى: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}
الجواب:
المزّمل: الملّتف في ثيابه والأصل متزمل إلا أن التاء أدغمت في الزاي
من غير إخلال بالحرف المرغّب فيه كل ذلك بدلالة الآية، وأكثر من
النصف أيضا لقوله {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ}

(3/68)


وقوله {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} وإنما لم يرغّب بالآية في قيام جميعه.
الترتيل: ترتيب الحروف على حقها في تلاوتها، وأما الحدر فإسراع فيهما وكلاهما حسن الترتيل والحدر، إلا أن الترغيب ها هنا في الترتيل.
وقيل: تزّمل ثيابه عن قتادة وقيل: تزمّل بأعباء النبوة عن عكرمة
وقيل: كان بين أول السورة وآخرها الذي نزل فيه التخفيف سنة.
. عن ابن عباس والحسن.
وقيل: عشر سنين قال الحسن: نسخت الثانية الأولى ترتيلا أي: ترسل فيه ترسلا عن مجاهد.
وقيل ثقيلا: أي يثقل العمل به بالمشقة فيه.

(3/69)


وقيل: إنما هو لثقله في الميزان عن ابن زيد.
وقيل: أنه ثقلٌ لم ينسخ وإنما بين تخفيف الثقل.
وعلى المؤمنين أن يقوموا.
قال الحسن: إن الله تعالى عرض على النبي ثلث الليل فأكثر فقاموه حتى تورّمت أقدامهم ثم نسخ تخفيفاً عنهم.
وقيل: ثقيل رصين لعظم حكمته.
الناشئة: الظاهرة بحدوث شيء بعد شيء، وناشئة اللّيل ابتداء عمل الليل شيئاً بعد شيء.
الوطء: المهاد المذلّل للتقلب عليه، فكذلك عمل اللّيل الذي هو أصلح له
، فيه تمهيد للتصرف في الدلائل، وضروب الحكم، ووجوه المعاني.
الأقوم: الأخلص استقامة.
السبح: المرور السهل في الشيء كالمرور في الماء، فال سبح في عمل
النهار المرور في العمل الذي يحتاج فيه إلى الضياء، وأما عمل اللّيل فلا يحتاج إلى ضياء كالفكر في وجوه البرهان، وتلاوة القرآن

(3/70)


التّبتّل: الانقطاع إلى عبادة الله، ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى عبادة الله جلّ ثناؤه.
وقيل: ناشئة اللّيل ما كان بعد عشاء الآخرة عن الحسن وقتادة.
وقيل: وطأ اللّسان والقلب مواطأةً ووطأ أقوم قراءة لفراغه من سُفْلِ الدنيا.
وقيل {وَأَقْوَمُ قِيلًا} أقوم قراءة لفراغه من سُفْلِ الدنيا.
وقيل: سبحا منصرفاً ومنقلباً.
ومن قرأ {أَشَدُّ وَطْئًا} فيكون لقوله الفكر فيه أمكن موقعا.
وقيل: هو أشد من عمل النهار
وقيل: الانقطاع إلى الله تأميل الخير من جهته دون غيره.
الوكيل: الحفيظ للقيام بأمر غيره.
الهجر الجميل: إظهار الجفوة من غير ترك الدعوة إلى الحق على
المناصحة. وكانت لا على بتّل نفسك إليه تبتيلاً، فوقع المصدر موضع مقاربه في المعنى.
وقرأ {وِطاءً} بكسر الواو ممدودة الألف أبو عمرو وابن عامر.
وقرأ {وَطْئًا} بفتح الواو مقصورة، لم يستعمل ماضي يذر للاستغناء عنه بما

(3/71)


هو أولى منه وهو ترك إذ كانت الواو مستثقلةً حتّى فرّوا منها إلى الهمزة وكذلك سئل ماضي يدع، وكل ما يصرف منه مما في أوله واو، ودع فهو من الدعة ولا يعنى ترك عنه.
معنى {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} تهديد شديد أي أرضى لعقاب المكذبين كما يقال: دعني وإياه كأنه تكفيه فليزل به مني.
النعمة: لين الملمس، وذلك أن اللّين قد يكون في الخلق وفي الطبع، وأما النعمة في اللين والملمس، والنقيض فيهما واحد وهو الخشونة.
والتمهيل: التأخير في المدة لأن التأخير قد يكون في المكان فلا يكون تمهيلاً.
الغصّة: تردد الطعام في الفم لا يسيغها الذي يروم أكلها.
وأنكالاً قيوداً عن مجاهد، واحدها نكل.
ذا غصّةٍ: شوك ناشز بالحلق فلا يدخل ولا يخرج. عن ابن عباس.

(3/72)


وقيل {كَثِيبًا مَهِيلًا}
رملاً سائلاً. عن ابن عباس، ومهيل مفعول من هللّت الرمل أهيله إذا حرّك أسفله فسال من أعلاه.
وقيل ذا غصّة: ما شدّ الحلقوم لخشونته، وشدة تكرهه بموجب تتحرك
باضطراب شديد.
الكثيب: الرمل المجتمع الكثير.
الوبيل: الثقيل الشّديد، ومنه كلأ مستوبل أي: مستوخم لا يستمرأ لثقله.
الوبيل: هنا الغليظ الشديد.
معنى {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} متصدع لشدة ذلك اليوم، ولم يقل منفطرةٌ لأنه جرى على طريق التشبيه أي ذات انفطار ولم يجر على طريقة فاعله لقولهم: امرأةٌ مُطْفِلْ.
التذكرة: التبصرة، والتذكرة: الموعظة التي يذكر بها ما يعمل عليه.
جاز {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}
لأنه موجه إلى ما وجهه ربه إليه لعمله بطاعته واتباع مرضاته.
{وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}
ليعملوا فيه بالصواب على ما يأمركم به.
{فَاقْرَءُوا} عاملين بما رغبتم فيه وذلك يقتضي التخفيف عنكم فاقرؤا ما تيسر منه.

(3/73)


وقيل: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} لن تطيقوه.
عن الحسن.
وقيل {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}
على طريق المَثَلْ. فتاب عليكم أي لم يلزمكم إثما.
ورفع المشقة فيه عنكم كرفع المشقة عن التائب.
وقيل {لَنْ تُحْصُوهُ} لن تطيقوا منها مواقيت الصلاة.
قرأ {وَنِصْفِهُ وَثُلُثِهُ} كسراً نافع وابن عامر.
وقرأ الباقون {وَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ} نصبا.

(3/74)


سورة المدثر
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) }
فقال ما المدّثر؟ وما التكبير؟ وما الكبير الشأن؟ وما معنى: وما المن؟ وما الاستكثار؟ وما الصبر الذي هو طاعة لله؟ وما الرجز؟ وما معنى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ؟ وما الناقور؟ وما اليسير؟ ولم جاز ذرني والله لا يجوز أن يمنعه مانع مما يريد؟ وما التوحيد؟ وما معنى: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} ؟ وما التمهيد؟ وما معنى: كلا؟ وما العنيد؟ وما الإرهاق؟ وما معنى {وحيدا} ؟
وما معنى الصعود؟ وما الفكر الذي يُذَّمُ به صاحبه؟ وما معنى: {كَيْفَ قَدَّرَ} ؟ وما نظر الفكر للحق؟ وما الثبور؟ وما الإدبار؟ وما معنى: استكبر؟ ومن القائل؟ وما أصل سقر؟ وما الإصلاء؟ وما الإبقاء؟ وما التلويح؟ وما البشر؟ وما القيد؟ وما وجه دلالة العدة للملائكة في تسعة عشر على النبوة؟ وما معنى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} ؟
وما الرهن؟ وما معنى: أصحاب اليمين؟ وما السلوك؟ وما المجرم؟ وما الصلاة؟ وما التكذيب؟ وما الدين؟ وما اليقين؟ وما النفع؟ وما النفور؟ وما الفرق بين مستهزئ ومستنفر؟
وما الفرار؟ وما القسورة؟ وما الصحيفة؟ وما معنى: أهل التقوى وأهل المغفرة؟

(3/75)


الجواب:
المدثر المتدثر بثيابه، كأنه قيل: يا أيها الطالب صرف الأذى بالدِّثار
اطلبه بالإنذار.
الإنذار: الإعلام بموضع المخافة ليتقى، فلما كان لا مخافة
أشد من الخوف من عقاب الله كان الإنذار منه أجل الإنذار، وتقديره: قم إلى الكفار فأنذرهم بالنار.
الكبير: وصف الأكبر على اعتقاد معناه، والكبير نقيض الصغير ونظيره العظيم.
الكبير الشأن: المختص باتساع المقدور والمعلوم من غير مانع من الجود.
فالله قادر لا يعجزه شيء، وعالم لا يخفى عليه شيء لا يمنعه من الجود على
عباده شيء فهو أكبر من كل كبير بما لا يساويه واختصاصه بالمقدور والمعلوم
بأنه ما صح من مقدور أو معلوم وقادر عليه عالم به وهو كبير وأكبر من كل كبير سواه.
الطهارة: النظافة بانتفاء النجاسة، وذلك أن النظافة بانتفاء الوسخ من غير نجاسة، وقد تكون بانتفاء النجاسة فالطهارة في القسم الأخير.
وقيل: إن أول ما نزل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} عن جابر.

(3/76)


وقيل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} عن الزهري.
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فيه أقوال:
أحدها: من لبسها على معصية.
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}
من الذنوب. عن ابن عباس، وقيل: اغسلها بالماء.
وقيل {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} للصّلاة فيها.
والرّجز فاهجر الأصنام. عن ابن عباس.
وقيل الرّجز: الإثم عن إبراهيم.
وفرَّق الكسائي بين الِِّجْز والرُّجز، فقال الرُّجز بالضم الوثن وبالكسر العذاب.
أي اهجر ما يؤدي إلى العذاب ولم يفرّق غيره بينهما.

(3/77)


وقيل: كل معصية رجز.
المنّ: ذكر النعمة بما يكدّرها ويقطع حق الشّكر بها، منَّ بعطائه
يمنُّ منًّا. إذا فعل ذلك فإما منّ على الأسير إذا أطلقه فهو قطع لأسباب الاعتقال عنه.
الاستكثار: طلب الكثرة وهو هاهنا طلب ذكر الاستكثار للعطية ورفع يستكثر للعطية على معنى الحال.
ومعنى ذلك فيه أقوال:
أحدها: لا تعطي عطية ليعطي أكثر منها. عن ابن عباس ومجاهد.
وقيل: لا تمنّ بحسناتك على الله تعالى مستكثراً لها فينقصك ذلك عند الله. وقيل: لا تمنن بما أعطاك الله من النبوة والقرآن مستكثراً به الأجر من النّاس. عن ابن زيد.
لا تضعف في عملك مستكثراً لطاعتك. عن مجاهد.

(3/78)


الصبر الذي هو طاعة لله الصبر على الضرر الذي يدعو إليه العقل
الناقور: الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت به وهو فاعول من النقر
كهاضوم من الهضم وحاطوم من الحطم.
اليسير: القليل الكلفة، ومنه اليسار: كثرة المال لقلة الكلفة في الإنفاق.
وقيل {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} على أذى المشركين.
وقيل {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} على عطيتك عن إبراهيم.
{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} نفخ في الصّور وهي كهيئة البوق. عن مجاهد.
ولا تمنن على النّاس بما تنعم به عليهم على سبيل الاستكثار منك لذلك.
وقيل {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}
على ما أمرك الله من أداء الرسالة وتعليم الدّين.
وما ينالك من الأذى والتكذيب لتنال الفوز من الله بالنّعيم.
وقيل: غير يسير لما ينالهم فيه من العذاب الشديد.

(3/79)


وأجاز الفراء {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} جزما
وقال والرفع وجه القراءة والعمل، ولم يجز غيره لأنه في موضع الحال.
وقيل: نقر في أول النفختين وهو أول الشدة الهائلة العامة.
جاز {ذرني} في صفة الله تعالى على معنى التهديد كأنه قيل: قد حل هذا محل من يقال له ذرني وإياه فإني كافٍ في عقابه.
الوحيد: المتفرد بالأمر. ومعناه: أن الله تعالى خلقه متوحدا بخلقه لا شريك له وحمله على الأوصاف التي ذكر جل ثناؤه.
وقيل: خلقه في بطن أمه وحده لا شيء له ثم جعلت له كذا وكذا.
عن مجاهد وقتادة.
{مَالًا مَمْدُودًا}
أي مالا كثيرا له مدد يأتي شيء بعد شيء، فوصفه بأنه ممدود يقتضي هذا المعنى.
معنى {وَبَنِينَ شُهُودًا}
أي: وبنين بحضرته يستمتع بمشاهدته لهم، فإن متعته بحضورهم خلاف من هو غائب عنهم.
التمهيد: تسهيل التصرف في الأمور.
وقيل: نزل في الوليد بن المغيرة وكان ماله ألف دينار. عن مجاهد وسعيد
ابن جبير، وقيل: كان أربعة ألاف دينار. عن سفيان.

(3/80)


وقيل: كان أرضا عن النعمان بن سالم، وقيل: كان غله شهر
شهر. عن عطاء.
وقيل: كان بنوه عشرة عن مجاهد، وقيل: ولم يشكرني وهو مع ذلك يطمع أن أزيد في إنعامه.
التمهيد والتوطين والتذليل والتسهيل نظائر.
{وحيدا} يحتمل أن يكون من صفة المخلوق، بمعنى وحده لا شيء له
وقيل كان بنوه: لا يغيبون عنه لغناهم عن ركوب السفر في التجارة
معنى {كلا} : ردع وزجر كأنه قيل: ارتدع عن هذا وانزجر فليس الأمر
على ما يتوهم.
العنيد: الذاهب عن الشيء على طريق العداوة له، فهذا الكافر يذهب عن آيات الله ذهاب نافر عنه.

(3/81)


الإرهاق: الإعجال بالعنف، أرهقه يرهقه إرهاقا ورهقه يرهقه
رهقا إذا لحقه بإعجال العنف.
الصعود: العقبة التي يصعب صعودها.
الفكر الذي يذم به صاحبه، الفكر الذي يطلب به الاحتيال للباطل في نصرة
المذهب الفاسد، والتسبب إلى المعصية.
وقيل عنود: جحود، وقيل عنود: معاند.
وقيل: ص ود جبل من نار يؤخذون بارتقائه، فإذا وضع يده ذابت وإذا رفعها عادت رجله، في خبر مرفوع.
وقيل: صعود جبل في جهنم من نار يضرب بالمقامع حتى تصعد عليه ثم يضرب حتى ينزل عنه أبدا دأبه كذلك.

(3/82)


ثم قيل {كَيْفَ قَدَّرَ}
أي عوقب بعذاب أخر كيف قدر من إبطال الحق تبطيلاً آخر.
وقيل قتل: لعن أي: فعل به ما يجري مجرى القتل ومثله {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} .
وقال الحسن: هو شتم من الله لهذا الكافر.
وقيل قدر قال: إن قلنا شاعر كذبتنا العرب باعتبار ما أتى به، وإن قلنا
كاهن لايصدقونا لأن كلامه لا يشبه كلام الكهان فنقول ساحر يروي ما أتى به من غيره من السحر.
نظر المنكر للحق نظر طالب لما يدفع به الحق ولو نظر في ذلك على إنه إن وجد ما يكشف له عن أنه حق اتبعه كان نظره صحيح.
العبوس: تقبيض الوجه مكرها للأمر.
البسور: بروز النكرة التي تظهر في الوجه، وأصله من قوله تبسر بالأمر إذا عجل به قيل: جمعه الأدبار الأخذ في جهة الدبر.
معنى استكبر: طلب كبراً ليس له ولو طلب كبراً هو له لم يكن صفة ذم
وفي صفة الله سبحانه (الجبار المتكبر) لأن له الكبرياء جل وعز وهو كبر الشأن
، في أعلى مرات بالكبر لأنه مختص باتساع المقدور والمعلوم في أعلى المراتب.

(3/83)


وقيل: قال الوليد بن المغيرة في القرآن والله إنه ليعلو وما يعلى وما هو بشعر ولا كهانة ولكنه سحر يؤثر من قول البشر.
والسحر: حيلة يخفى سبب فيوهم الشيء بخلاف ما هو به، وذلك منفيا
عن كل ما يشاهد ويعلم أنه قد خرج عن العادة بما لا يمكن فيه المعارضة، ولو كان القرآن من قول البشر لأمكنهم أن يأتوا بمثله، كما لو كان قلب العصا حية من فعل ساحر لأمكن السحرة أن يأتوا بمثله.
أصل سقر من قولهم: سقرته الشّمس إذا آلمت دماغه، وبه سمّيت النَّار سقر لشدة إيلامها.
الإصلاء: إلزام موضع النّار، أصلاه نصليه إصلاءاً.
الإبقاء: فعل البقاء للشيء.
التلّويح: تغيير اللون إلى الاحمرار، النّار تغير بشرة أهلها إلى الاحمرار
، لوّحته الشّمس تلوّحه تلويحاً فهي لوّاحة على المبالغة في كثرة التلّويح. البشرة: ظاهر الجلدة، وجمعها بشر، ومنه سمّي الإنسان بشراً لأنه ظاهر الجلدة، بتعريته من الوبر ومن الرّيش والشعر الّذي في الغالب على غيره. وقيل: لا تبقي فيها حياً ولا تذره ميتاً عن مجاهد.
وقيل: لا تبقي أحداً من أهلها إلاّ تناولته ولا تذره من العذاب.

(3/84)


وقيل: عليها تسعة عشر من الملائكة، وخصَّ هذا العدد بالذّكر ليوافق
خبر النّبي - صلى الله عليه وسلم - خبر ما جاءت به الأنبياء قبله - صلى الله عليه - وعليهم أجمعين، وتكون محنة.
بتكليف النّظر للمعرفة الغيبية، المحنة التي تخرج ما في النّفس من خير أو شر
بإظهارها له، وكانت بهذه العدّة التي جعلت عليها الملائكة يظهر ما في نفس الكافر ممّا يقتضيه كفره كانت فتنة له.
وجه دلالة العدّة للملائكة في تسعة عشر على النّبوة أنها إذا كان الله - عز وجل - قد أخبر به في الكتب المتقدمة ولم يكن محمد - صلى الله عليه وسلم - ممّن قرأها ولا تعلّمها من أحد من النّاس، فهو من عند الله أتى به الله ليدل على صدقه مع أنّه أحد الأشياء التي أخبر بها على هذه الصّفة.
الإضلال: هاهنا إظهار فضيحة الكفّار بما يوجب الذّم والّلعن للتكذيب
بالحق الّذي أنزله، ونقيضه الهداية بإظهار فضيلة المؤمنين لتصديقهم بالْحق عند نزوله وقبولهم له وقيل: هي في التّوراة والإنجيل تسعة عشر. عن ابن عباس.
{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}
أي: من كثرتهم
{وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} .
النار الموصوفة بهذه الصّفات.
{وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} ولّى وذهب.
وقيل: دبر وأدبر بمعنى، وقيل: إنّما هو دبر النّهار نازحاً في آخره.

(3/85)


{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ}
إذا أضاء وأنار، وكأنه قيل: إذا كشف الظّلام وأنار الأشخاص
{إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ}
أي: النّار. عن ابن عباس.
ووجه المحنة على الكفّار بتكليفهم أن يستدلوا حتّى يعرفوا أن الله قادر أن
يقوّي هذه العدّة من الملائكة، بما يفي بتعذيب أهل النّار على ما هم عليه من
الكثرة.
وقيل: إن هذه الآية لإحدى الكبر، وقيل: النّار في الدّنيا تذكِّر بالنّار
في الآخرة.
قرأ {إِذْ أَدْبَرَ}
بإسكان الذّال والألف في أدبر نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة.
وقرأ الباقون {إِذَا دبر} . الألف في إذا ودبر بغير ألف.
معنى {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}
أي: أن الإنذار لمن يمكّنه أن يتقي عذاب النّار ولا يعجز عنه.
النّذير: الحكيم بالتحذير عما ينبغي أن يُحذّر منه، فكل نبيٍّ نذير لأنه حكيم بتحذيره عقاب الله تعالى على معاصيه.
الرهن: أخذ الشّيء بأمر على أن لا يرد إلاّ بالخروج منه.

(3/86)


وفي {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ}
ثلاثة أقوال:..
الأول: أنه من صفة النّار
الثاني: أنه من صفات الله كأنه قيل: قم نذيراً.
الثالث: أنه من صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -
وقيل: لمن شاء منكم أن يتقدم في طاعة الله أو يتأخر بمعصيته.
أصحاب اليمين: هم أصحاب الجنّة. عن الحسن.
وقيل: أصحاب اليمين الذين ليس لهم شيء من الذنوب.
الخوض: المر فيما يلوّث كتلويث الرجل فلما كان هؤلاء يخرجون مع من يكذّب بالحق مشيعين لهم في القول كانوا خائضين معهم.
السّلوك: الدّخول المجزّم القاطع بالخروج عن أمر الله ونهيه.
وأصل الصّفة من الجازم القاطع، وأصل الصّلاة في الّلغة: الدعاء ثم
يقال لما فيه من القراءة والدّعاء، والتسّبيح أوّله التكبير وآخره التسّليم.

(3/87)


المسكين: الذي قد سكنته الحاجة إلى ما في أيدي النّاس عن حال النشط وحال الفقير أشدّ من حال المسكين.
وقيل {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}
كلّما غوى غاوي بالدّخول في الباطل غوينا معه فالتكذيب تنزيل الخبر على أنّه كذب وهؤلاء اعتقدوا أن الخبر يكون يوم القيامة كذّب.
والدّين والجزاء، وهو الإيصال إلى كل من له شيء أوعليه شيء.
معنى اليقين: العلم الّذي يوجد عنده برد الثّقة به في الصّدر.
النّفع: اللذة ويسمى التّسبب إليه نفعاً.
والنّفور: الذّهاب عن المخّوف بانزعاج، ومسّتنفرة طالب بالنّفور.
قرأ {مُسْتَنْفَرَةٌ} نافع وابن عامر، وقرأ الباقون {مُسْتَنْفِرَةٌ} بالكسر، من قرأ بفتح الفاء فهو على نفَرها عنده، ومن قرأ بكسر الفاء فهو على نافِر، والمعنى فيهما متقارب.

(3/88)


الفرار: الذّهاب عن الشيء خوفاً منه
القسورة: فيه أقوال:
الأول: الأسد، وقيل: رامي الصّيد، وأصله الأخذ بالشّدة.
وقيل: من قسورة من الرّماة. عن ابن عباس وأبي موسى.
وقيل: جماعة الرّجال، وقيل: الأسد. عن أبي هريرة.
الصَّحيفة: التي من شأنها أن تقلب من جهة إلى جهة لما فيها من الكتابة.
النّشر: بسط ما كان ملتفاً من غير التحام.

(3/89)


وقيل: صحفاً منشرةً: كتباً تنزل من السّماء كتاباً إلى فلان وكتاباً إلى فلان
، وإنّما دعاهم إلى التّحدي في طلب المعجزة أنهم لا يؤمنون بالآخرة.
{كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ}
أي: القرآن.
{هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} :
أهل أن يتقي محارمه، وأهل المغفرة: أهل أن يغفر الذّنوب. عن قتادة
وقيل: يريدون صحفاً من الّله بالبراءة من العقوبة، واتساع النّعمة حتّى
يؤمنوا وإلاّ قاموا على أمرهم.
{فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}
دليل على قدرته عليهم وما يذكرون إلاّ وقد شاء الّله ذلك لهم.
وقيل: أهل أن يتقي عقابه، وأهل أن يعمل بما يؤدي إلى مغفرة.
قرأ نافع {وَما تَذْكرون} بالتّاء.
وقرأ الباقون بالياء.

(3/90)