تفسير ابن فورك

سورة عم يتساءلون
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) }
إلى آخرها فقال:
ما التساؤل؟ وما النبأ؟ وما السّؤال الّذي لا يجوز؟ وما النبأ العظيم؟
وما معنى: الاختلاف؟ وما السّبات؟ وما المهاد؟ وما الوتد؟ وما اللّباس؟ وما معنى: النّهار؟ وما المعاش؟ وما البناء؟ وما وجه جعلها سبع سماوات؟ وما الوهّاج؟ وما المعصرات؟ وما الثّجاج؟ وما الميقات؟ وما النفخ؟
وما الفوج؟ وما المرصاد؟ وما المآب؟ وما الأحقاب؟ وما الغسّاق؟
ولم قيل {لابثين فيها أحقاباً} ؟ وما الوفاق؟ وما الحساب؟
وما الجزاء؟ ولم جاء المصدر على فِعَال في كذبوا كذّاباً؟
وما وجه إحصاء الأشياء في كتاب؟ وما المفاز؟ وما الحدائق؟ وما الأتراب؟ وما الكواعب؟ وما الرّجاء؟ وما الصّواب؟ وما الخطاب؟
الجواب:
التّساؤل: التّقابل بسؤال كل واحد من النفْسين الآخر، تساءلا تساؤلاً وسأله مسألةً، والسّؤال الإخبار.

(3/125)


النبأ: الخبر العظيم الشّأن، السّؤال الذي لا يجوز إذا كان لدفع الحق
ونصرة الباطل.
الاختلاف: ذهاب كل واحد من النفسين إلى نقيض ما ذهب إليه الآخر.
معنى {كَلَّا}
ردع وزجر أي: ارتدعوا ليس الأمر كما ظننتم.
ستعلمون عاقبة أمركم وعائد الوبال عليكم.
وقيل: يتساءلون عن النبأ العظيم: القرآن. عن مجاهد.
وقيل: البعث بعد الموت. عن قتادة.
{سَيَعْلَمُونَ} مصدّق به ومكذّب عن قتادة.
وقيل: سيعلم الكافرون عاقبة تكذيبهم وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم عن الضحّاك.
وقيل: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) }
ما ينالهم يوم القيامة من العذاب
{ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) }
ما ينالهم في جهنّم من العذاب.
وعمّ الأصل فيه عن ما حذفت الألف لاتصالها بحرف الجر حتَّى صارت
كجزء منه لينبئ عن شدّة الاتصال، وأدغمت النّون في الميم لقربها منها من غير إخلال.
المهاد: الوطء، وقيل: البساط.
الوتد: جسم مهيئ لإمساك غيره.

(3/126)


اللّباس: غطاء ساتر مماس لما ستره
{وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا}
ذكوراً وإناثاً لما في ذلك الاستمتاع بالنّسل.
والسّبات: قطع العمل للراحة، ومنه سبت أنفه إذا قطعه.
وقيل: سباتاً: نعاساً في ابتدائه تطلب النفس الراحة به.
النهار: اتساع الضياء المنبث في الآفاق.
المعاش: التصرف للعيش، وفي جعل النهار تمكين من التصرف للمعاش.
البناء: جعل الطابق الأعلى على الأدنى فالسّماء مبنية كهيئة القبّة مزينة
بالكواكب المضيئة فسبحان من خلقها وبناها لعباده على هذه الصفة.
جعلها سبع سماوات لما فيه من الاعتبار بمراتب الملائكة، وما في تصور الطبقات من عظم المقدور بهول تلك الأمور وما فيه من تمكين البناء حتى وقفت سماء فوق سماء فسبحان من يمسكها بقدرته وإرادته.
الوهَّاج: الوقّ اد 1) وه والم شتعل ب النور العظيم، جع ل الشمس س راجاً للعالم يستضيء بها الخلائق.
وقيل: وهَّاجا: منيرا متلألئاً عن قتادة.
وقيل: المعصرات الرياح. عن ابن عباس ومجاهد، وكأنها تعصر
السحاب، وقيل: هي تعصر السحاب ينحلب بالمطر.
. عن ابن عباس،

(3/127)


وقيل: المعصرات السماوات عن الحسن.
والأظهر أنه من السحاب الذي ينحلب بالمطر.
الثجّاج: الدّفاع في انصبابه كثج دماء البُدْن.
وقيل: الثجّاج المنصبّ المتتابع. عن ابن عباس.
وقيل: الحب كل ما تضمنه كمام الزرع التي تحصد.
النبات: الكلأ من الحشيش والزروع.
{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا}
بساتين ملتفة الشجر يخرجها الله لعباده بالمطر.
الميقات: منتهى المقدار المضروب لوقت حدوث أمر من الأمور.
النفخ: إخراج ريح الجوف من الفم، ونفخ الرّوح للبدن يشبه بذلك لأنها تجري فيه كما يجري الريح في الشيء.
الفوج: جماعة من جماعة، والأفواج جماعات من جماعات، فالناس
يأتون على تلك الصّفة إلى دار تكاملو في أرض القيامة، وكل فريق يأتي مع شكله.
والتقدير: ويخرج به شجر جنات ألفافا وهو جمع لف ولفيف.
وقيل: بل واحدة لف يأتي مع بينها فلذلك جاؤا.

(3/128)


أفواجا أي: زمراً.
وقيل: سقفت السماء فكانت كقطع الأبواب.
وقيل: صار فيها طرق ولم يكن كذلك قبل.
المرصاد: المعد لأمر على ارتقابه الوقوع فيه.
وهو مفعال من الرصد.
وقيل المعنى: ذات ارتفاع لأهلها تراصدهم بنكالها.
المئاب: المرجع، فكأن المجرم قد كان بإجرامه فيها ثم رجع إليها.
الأحقاب: الأزمان الكثيرة واحدها حقب من قوله - عز وجل - {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}
وهو الدهر الطويل.
الغسّاق: صديد أهل النار.
وقيل {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) }
ثم يعذبون بعد ذلك بضرب أخر كالزمهرير، ونحوه من أصناف العذاب.
وقيل: الحقب سبعون ألف سنة. عن الحسن.

(3/129)


وقال أبو عبيدة: البرد هنا النوم.
وقال الحسن: الجنة والنار مخلوقتان لأيام الستة
قرأ حمزة {لَبِثِينَ فِيهَا}
بغير ألف، وقرأ الباقون {لَابِثِينَ فِيهَا} .
وقرأ حمزة والكسائي والمفضّل عن عاصم {غَسَّاقًا}
بشدة، وقرأ الباقون. {غَسَاقًا} خفيف.
الوفاق: الجاري على المقدار، فالجزاء وفاق لأنه جاري على مقدار الأعمال.
الحساب: إظهار المقدار في الكمية.

(3/130)


الرجاء: التوقع لوقوع أمر يخاف أن لا يكون.
جاء المصدر في كذّبوا كذِّاباً للمبالغة مع إجرائه على نظيره الذي يطرد ما قبل آخره ألف نحو الانطلاق والاقتدار، والمصدر الجاري على فعله التفعيل نحو التكذيب وخرج التفعيل عن النظير لما تضمن من معنى التكثير.
وجه إحصاء الشيء في كتاب اعتبار الملك بموافقة ما يحدث لما تقدم به
الإثبات مع أن تصور ذلك يقتضي الاستكثار من الخير.
وقيل: وفاقاً وافق الجزاء أعمالهم
وقيل: {لا يرجون حساباً} لا يخافون. عن الحسن.
ونصب {كتاباً} لأن في {أحصيناه} معنى كتبناه.
وقيل: {إلاّ عذاباً} لأن كل عذاب يأتي قبل الوقت الأول فهو زائد عليه. وقيل: كانوا لا يرجون ثواب حسنات.
المفاز: وضع الفوز بخلوص الملاذ.
وأصل الفوز: النجاة إلى حال السّلامة والسّرور.
الحدائق: جمع الحديقة، وهي البستان المحوّط.

(3/131)


والأتراب: اللّدات الّتي يشاكل كل واحد مع لدّته، كأنه قيل هم على سن
واحد.
الكاعب: الجارية التي نهد ثديها.
وقيل: كواعب نواهد. عن ابن عباس.
أتراباً: في سن واحد.
دهاقاً: ملأ بشدة الضغط الكأس ملآن مترعة ليس فيها فرجة ليستوفي حال اللّذة، وقيل: متتابعة على شاربها.
اللّغو: كلام لا فائدة فيه.
الكذّاب: تكذيب بعض لبعض.
الكأس: إناء الخمر الذي يشرب فيه.
من قرأ {كِذَابًا} مخففة فهو على مصدر كاذبةً كذّاباً ومكاذبة، وقرأ الكسائي وحده {لَغْوًا وَلَا كِذَابًا} خفيفة، وقرأ الباقون {كِذَّابًا} .

(3/132)


الجزاء: إعطاء المستحق بعمل الطّاعة أو المعصية.
معنى {عطاءاً حساباً} أي: بحساب العمل كل واحد على مرتبته من النبييّن
والصديقين والشهداء والصّالحين، ثمّ سائر أصناف المؤمنين، وعند الله المزيد
من النّعيم.
معنى {لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ}
لا يملكون أن يسئلوا إلاّ فيما أذن فيه.
الصواب موافقة الغرض.
الخطاب: توجيه الكلام إلى مدرك له.
وقيل: الروح جبريل عن الضحّاك.
وقيل: ملك من أعظم الملائكة خلقاً.
وقيل: أرواح بنوا آدم. عن الحسن.
وقيل: أرواح بنوا آدم مع

(3/133)


الملائكة فيما بين النفختين.
وقيل: درّ الأرواح إلى الأجساد. عن ابن عباس.
مآباً: مفعل من آب يؤوب أوباً.
وقال سفيان معناه: مرجعاً.
عطاءاً حساباً: كافياً من قولهم أعطاني ما أحسبني أي كفاني
وحسبك أي: اكتف به، وحسبي الله أي: كافيني الله.
{فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا}
في التّمسك بطاعته.
قرأ { (رَبُّ) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا (الرَّحْمَنُ) }
رفع جميعاً ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وقرأ حمزة والكسائي {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا (الرَّحْمَنُ) }
رفعاً.
وقرأ عاصم وابن عامر { (رَبِّ) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا (الرَّحْمَنِ) } . بالكسر.

(3/134)


سورة النازعات
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) }
إلى آخرها فقال:
لم جاز نهي العباد عن القسم لغير الله ويقسم هو بغيره؟ وما النّازعات؟
وما النّاشطات؟ وما السّابحات؟ وما السّابقات؟ وما المدّبرات؟ وما الرّجف؟ وما الرّادفة؟ وما الواجفة؟ وما الحافرة؟ وما الخاشعة؟ وما العظام النخرة؟ وما الكرَّة الخاسرة؟ وما الزجرة؟ وما النداء؟ وما الطغيان؟ وما التزكي؟ وما الهداية؟ وما الخشية؟ وما طوى؟ وما السعي؟ وما الحشر؟ وما النكال؟ وما العبرة؟ وما السَّمْك؟
وما التسوية؟ وما معنى: المرعى؟ وما وجه العبرة في الأرض؟ وما الإرساء؟ وما الطَّامة؟ وما معنى: بُرزت؟ وما الطغيان؟ وما الإيثار؟ وما الهوى؟ وما الجنة؟ وما معنى: أيان؟ وما معنى: مرساها؟ وما المنتهى؟
ولم خص الإنذار لمن يخشى وهو منذر من لا يخشى أيضاً؟.
الجواب:
إن بعض أهل النظر قال: إن القسم بربّ هذه الأشياء كأنه قيل: وربِّ
النازعات غرقاً، وقيل: أيضا أقسم الله بذلك للتنبيه على موقع العبرة فيه إذ
القسم يدل على عظم شأن المقسم به، وجاز أن ينهى عباده عن ذلك لما له أن يتعبَّد بما شاء.

(3/135)


النّازعات: الجاذبات الشيء من أعماق ماهو فيه، وقيل: هي الملائكة
تنزع الأرواح من الأبدان. عن ابن عباس وابن مسعود.
وقيل: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق. عن الحسن وقتادة.
وقيل: القسّي تنزع بالسهم.
وقيل: النفوس أي تنزع بالخروج من البدن عن السّدي.
غرقا: إغراقا أي إبعاداً في النزع.
الناشطات: الجاريات بالنشاط من بلد إلى بلد تعيد الأمطار.
وقيل: هي الملائكة تنشط بأمر الله إلى حيث كان. عن ابن عباس.
وقيل: هي النجوم أي تنشط من المشرق إلى المغرب.
وقيل: هي الوحش تنشط من بلد إلى بلد. عن عطاء.
السّابحات: المارات تغوص معظمها في الماء.
وقيل: السابحات: الملائكة لأنها تسبح في نزولها بأمر الله كما يقال للفرس الجواد إنه لسابح إذا مر

(3/136)


يسرع. عن مجاهد.
وقيل: هي النجوم عن قتادة أي تسبح في فلكها.
وقيل: هي السفن. عن عطاء.
السّابقات: الكائنات قبل غيرها.
وقيل: هي الملائكة. عن مجاهد لأنها سبقت إلى طاعة الله.
وقيل: الخيل السابقة عن عطاء.
وقيل: النجوم. عن قتادة أي تسبق بعضها في السير.
المدبرات: المجريات للشيء على أحكام عاقبته.
وقيل: هي الملائكة أي: تدبر الأشياء بأمر الله. عن ابن عباس وقتادة.
وقيل: تدبير الملائكة فيما وكلت به من الرياح والأمطار ونحو ذلك من الأمور.
وجواب القسم محذوف كأنه قيل لتبعثن للجزاء والحساب.
الرجف: حركة الشيء من تحت غيره بترديد واضطراب منه.
الرجفة: الزعزعة الشديدة.
وقيل: الأرض مع الجبال.
الرادفة: الكائنة بعد الأول في موضع الردف من الراكب.

(3/137)


الواجفة: الكائنة على الانزعاج.
الحافرة: الكائنة على حفر أول الكرّة، يقال: رجع في حافرته إذا رجع
من حيث جاء، وذلك كرجوع القهقري فردوا في الحافرة أي ردوا كما كانوا أول مرة.
الخاشعة: الكائنة على الخضوع والذلة.
وقيل: هما نفختان الأولى تميت الأحياء والثانية تحي الموتى بإذن الله.
عن الحسن.
وقيل: واجفة خائفة.
عن ابن عباس.
وقيل: الحافرة الحياة الفانية. عن ابن عباس والسدي، وقيل: الحافرة:
الأرض المحفورة أي نرد في قبورنا بعد موتنا أحياءا.
وقيل: يقول المشركون من منكري البعث أئِنا لمرددون بعد الموت.
وقيل: حافرة بمعنى محفورة.
مثل ماء دافق بمعنى مدفوق.

(3/138)


قرأ {نَاخِرَةً} حمزة والكسائي بخلاف عنه وأبو بكر عن عاصم
وقرأ الباقون {نَخِرَةً} وهي البالية بما حدث فيها من التغيير.
الكرّة: المرّة من المرّ وهي الواحد من الكرّ.
الخاسر: الذاهب رأس ماله فتلك الكرّة كأنه قد ذهب رأس المال منها.
وكأنهم قالوا: هو كالخسران بذهاب رأس المال فلا يجيء منه تجارة فكذلك لا يجيء بتلك الكرة حياة.
الزجرة: الصيحة الهائلة ليكون أمر من الأمور.
والزجر: الصوت الصارف عن الشيء.
الزجرة: النفخة في الصور.
الساهرة: الكائنة على مثل حال المتيقظ في أنها مهيأة لما يرد عليها وهي
أرض القيامة.
وقيل: ناخرة: مجوفة بنخر الرياح فيها بالمرور في جوفها.
وقيل: هما سواء مثل باخل وبخل.
وقيل: نخرة: بالية موجوفة بالبلاء.

(3/139)


وقيل: العرب تسمي وجه الأرض والفلاء ساهرة أي: ذات سهر لأنه يسهر فيها خوفا منها.
وقيل: الساهرة وجه الأرض. عن الحسن.
وقيل {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) }
على بما يَعِدُنا من العذاب.
وقيل: خاسرة: كاذبة ليست بكائنة. عن الحسن.
وقيل بالساهرة: أي: من بطن الأرض إلى ظهرها.
النداء: الدعاء بمد الصوت.
الطغيان: مجاوزة الحد بالاستعلاء بالفساد.
التزكي: طلب الطالب أن يصير زاكيا.
الهداية: الدلالة على طريق الرشد من الغي.
الخشية: توقع المضرة من غير قطع بها لا محالة.
المقدّس: المطهر.
وقيل: طوى وادٍ. عن مجاهد.
وقرأ الحسن طِوى بكسر الطاء وقال طوى بالبركة والتقديس مرتين.

(3/140)


وقيل {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى}
عصاه ويده. عن الحسن ومجاهد.
وفي الكلام محذوف فأتاه فدعاه وأراه الآية الكبرى.
طوى: اسم غير مصروف لأنه اسم البقعة من الوادي معرفة.
ويجوز أن يكون معدولا من طاوي.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {طوى اذهب}
غير منونة، وقرأ الباقون {طوىً اذهب} منونة.
قرأ ابن كثير ونافع {تَزَّكَّى} مشددة الزاي
وقرأ الباقون {تَزَكَّى} خفيفة.
الأدبار: تولية الدبر ولَّى فرعون الدبر ليطلب ما يكسر به حجة موسى في الآية الكبرى فلم يزدد إلا جهلاً.
السعي: الإسراع في المشي.
الحشر: الجمع من كل جهة.

(3/141)


الأعلى: المختص بعلو معنى صفته على غيره مما لا يناله بكيد وينال
هو به، كأنه قال: أنا الذي أنال بالضر من شئت ولا ينالني غيري.
وكذب لعنه الله لأن هذه صفة الذي خلقه وخلق جميع العباد.
النكال: عقاب ينكل به عن الإقدام على سببه بشدته، وكان نداؤه أن
قال يا معشر الناس أنا ربكم الأعلى أي: نادى بهذا، وقيل: كلمته الأولى قوله {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}
والأخرى قوله {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}
عن ابن عباس ومجاهد.
وقيل عذاب الآخرة. عن الحسن.
العبرة: الدلالة التي يعبر بها الحق حتى يدركه.
العسر والشدة قوة القتل لصعوبة الحد، كأنه قيل: أنتم أقوى أمرا بصغر حالكم أم السماء في عظم جرمها وشأنها في وقوفها وسائر نجومها.
السمك: ذهاب الجسم بالتأليف في جهة العلو، وهو مقابل للعمق.

(3/142)


التسوية: جعل أحد الشيئين على مقدار الآخر في نفسه أو معنى حكمه.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أي: أظلم ليلها.
عن ابن عباس ومجاهد.
وقيل: ليلها فأضاف الظّلام إلى السّماء لأنه منها ينشئ الضّياء بغروب الشّمس وطلوعها على ما دبّر بها.
{وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}
نورها. عن مجاهد والضّحاك.
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ}
أي: مع ذلك. عن مجاهد والسدي، كقوله - عز وجل - {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) } .
وقيل: إنّه دحى الأرض بعد السّماء وإن كان خلق الأرض قبل.
عن ابن عباس.
ودحاها: بسطها.
المرعى: النّبات الذي يصلح أن ترعاه الماشية فهي ترعاه بأن تأكله في موضعه.
وجه العبرة في الأرض أنّها ثقيلة ومن شأن الثقيل أن يذهب سفلاً وهي
واقفة بإمساك الله عز وجل وهي واقفة على الماء، ومن شأن الماء أن يجري في
أخدود وهو واقف بإمساك الله، فدل على أنّه ممن لا يشبه الأشياء ولا شبهه إلى غير ذلك من الأمور التي تختصّ الأرض من المنافع العظيمة.

(3/143)


الإرساء: الإثبات بالثقل، والسّفينة ترسوا أي: تثبت بثقلها فلا تزول.
الطّامة: الغاشية الغليظة التي تدفن الشيء بالغلظ والكثرة.
والطّامة الغامرة الهائلة.
وقيل: متاعاً أي: بأصول لباس القطن والكتّان والثمّار
والطّعام لبني آدم والأنعام.
وقيل: الطاّمة النفخة الثانية. عن الحسن.
ويقال: هي تطم على كل شيء وتطم.
قوله سبحانه {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى}
التبريز: إظهار الشيء مثل التكشيف الذي يقضي إليه بالإحساس.
الطغيان: العدوان لمجاوزة الحد فيه إلى الإفراط.
الإيثار: إرادة الشيء على جهة التفضيل له على غيره ومثله الاختيار.
الهوى: أريحية في النفس تدعوا إلى ما لا يجوز، وذلك إن اتباع
الهوى مذموم، وليس يجوز لأحد أن يعمل شيئاً لداعي الهوى.
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ} : مسألة ربه عما يجب عليه فإن الجنة هي مأواه.
الألف واللام بدل من الضمير وهو شبيه بقولهم: مررت برجل حسن الوجه أي حسنٌ وجهه.

(3/144)


الجنّة: البستان الذي تحته الشجر يقال إن قصورها مبنية تفاخر
الجواهر من الياقوت والزمرد ومنه ما هو لبنة من فضة ولبنة من ذهب، فتعظيم الله لها وتشويقه إليها يدل على أنها على حال تشتهي فيها مع أنه غير مستعظم في مقدور الله.
معنى أيان: معنى متى إلا أن متى أكثر استخداما في السؤال عن
الزمان.
معنى مرساها: قيامها لينبه على ما يصف من شأنها.
وأصل الإرساء: الثبوت.
المنتهى: موضع بلوغ الشيء، كأنه قيل: إلى ربك منتهى أمرها بإقامتها، لأن مبتدأ أمرها بإقامتها إلى الله لأنه لا يقدر عليه إلا هو.
خص الإنذار بمن يخشى لأنه لما كان من يخشى منتفع بالإنذار دون من لا يخشى لم يعتد بإنذار من لا يخشى وصار كأنه غير منذر له لأنه لا ينتفع به.
وقيل {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} علمها أي: لا يعلم إلا هو متى قيامها. عن الحسن.
وقيل: صغرت الدنيا في أعين القوم حين رأوا الآخرة. عن قتادة.
وقيل {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}
أي: أنه ليس عندك علم أنها تكون. عن الحسن.
وقيل: هي حكاية قولهم: قد أكثرت من ذكرها فمتى تكون؟

(3/145)


وكلهم قرأ {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ} بغير تنوين إلا أبا عمرو وفي رواية أنه
ابن عباس فإنه نوَّن {مُنْذِرٌ مَنْ} .

(3/146)


سورة عبس
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) }
إلى آخرها فقال:
ما العبوس؟ وما التولي؟ وما معنى: تزكي؟ وما التذكر؟ وما الاستغناء؟ وما التصدي؟ وما السعي؟ وما التلهي عن الشيء؟ ولم كان التطهر من الذنوب تزكياً؟ ولم ألزمت المؤمن الخشية؟ وما التذكرة؟ وما الفرق ب ين التذكرة والمعرفة؟ وما الكرام؟ وما السّفرة؟ وما معنى: كلا؟ وما الكريم؟ وما البر؟ وما معنى: قُتل الإنسان؟ وما التقدير؟ وما معنى: ثم السبيل يسره؟ وما الإماتة؟ وما الإقبار؟ وما الإنشار؟
وما معنى: لما يقضي ما أمره؟ وما معنى: صببنا الماء صباً؟ وما الإنبات؟
وما معنى: الحب؟ وما القضب؟ وما الحديقة؟ وما الآب؟ وما المتاع؟
وما الأنعام؟ وما الصّاخة؟ وما الصاحبة؟ وما الشأن؟ وما معنى: يغنيه؟ وما الإسفار؟ وما الغبرة؟

(3/147)


الجواب: العبوس: تقبيض الوجه عن تكره، ونظيره البسور والتقطيب. التولي: الذهاب بالوجه عن الشيء لأنه صرفه عن أن يليه.
تزكى: يتزكى بالعمل الصالح إلا أن التاء أدغمت في الزاي.
التذكر: طلب الذكر بالفكر، وقد حض الله على التذكير في غير موضع
من القرآن فقال {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) }
وقال {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}
فينبغي للإنسان أن يستكثر من ذكر ما يدعو إلى الحق ويصرف عن الباطل. الاستغناء: الاكتفاء بالأمر فيما يتقي الضرر.
وقيل: كان الأعمى عبد الله ابن أم مكتوم.
عن ابن عباس ومجاهد.
قرأ عاصم وحده {فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} بالنصب على جواب لعل، وقرأ الباقون بالرفع في {فَتَنْفَعَهُ} .

(3/148)


التّصدي: المعرض المسيء كتعريض العطشان للماء، وأصله الصدى:
العطش.
السّعي: الإسراع في المشي.
التّلهي عن الشيء: التروّح بالإعراض عنه، والتلهي التروح بالإقبال عليه، ومنه إذا استأثر الله بشيء قال عنه أي: أتركه وأعرض عنه، ولهيت عن الشيء إذا تشاغلت عنه.
والتطهر من الذنوب التزكي لأن أصل التزكي النماء لزم المؤمن الخشية للتجدد من الخطيئة المؤدية إلى عقاب الله إلى أن يصير إلى الجنة فيرفع عنه كل مخافة.
وقيل: نزلت في عتبة بن ربيعة عن مجاهد، وقيل: نزلت في العباس عن سفيان.
ومن قرأ. {تَصَدْى} خفيفة فهو على حذف التاء
ومن قرأ {تَصَّدَّى} مشددة الصاد فهو على الإدغام.
قرأ ابن كثير ونافع {تَصَّدَّى} مشددة الصاد.
وقرأ الباقون {تَصَدَّى} خفيفة.

(3/149)


وقرأ ابن كثير في رواية ابن أبي بزّة {عَنْهو تَّلهَّى}
بإدغام [الواو وهي صلةٌ لهاءِ الكناية في التاءِ مع تشديدِها] (1) .
وقرأ الباقون بالتخفيف.
التّذكرة: حضور الموعظة باجتلاب الفكرة على ما يدعو إليه من
الصّلاح وتزجر عنه من الفساد.
والفرق بين التّذكرة والمعرفة أنّ التذكرة ضد
الغفلة وهو طريق إلى العلم بالحق غيره من الباطل، والصحيح من الفاسد.
ويضادها الغفلة، والمعرفة تضاد الجهالة والشك فكلاهما متعاقبان على حال الذكر دون السهو.
المكرّم: المعظّم بماله من الجلالة على حسب منزلته في شدة الحاجة.
وصفت الصحف بأنها مكرّمة لعظمها بما تضمنت من الحكمة.
السّفرة: الكتبة لأسفار الحكمة، واحدهم سافر كقولك: كاتب وكَتَبَة، وأصله الكشف عن الأمر.
وقيل: كلا إن السورة تذكرة فمن شاء ذكره التنزيل.
وقيل: كلا: أي: ليس الأمر ينبغي أن يكون على هذا.
وقيل: السفرة هم الملائكة. عن ابن عباس.
والقراء. عن قتادة.
وقيل: الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله ورسله، وسفير القوم الذي
يسفر بينهم في الصلح، وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم.
وقيل: قد دلّ
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة بالمعنى من الدر المصون.
والعبارة في النص المحقق هكذا "إدغام التاء في اللام" والصواب ما أثبتناه.
قال العلامة السمين - رحمه الله - ما نصه:
قوله: {تلهى} : أًصلُه تَتَلَهَّى مِنْ لَهِيَ يَلْهى بكذا، أي: اشتغل، وليس هو من اللهوِ في شيءٍ. وقال الشيخ: «ويمكنُ أن يكونَ منه؛ لأنَّ ما يُبْنى على فَعِل من ذواتِ الواو تَنْقَلِبُ واوه ياءً لانكسارِ ما قبلَها نحو: شَقِي يَشْقى. فإن كان مصدرُه جاء بالياءِ فيكونُ مِنْ مادةٍ غيرِ مادةِ اللهو» . قلت: الناسُ إنما لم يَجْعلوه من اللهو لأَجْلِ أنه مُسْنَدٌ إلى ضمير النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يَليق بمَنْصِبه الكريم أَنْ يَنْسُبَ اللَّهُ تعالى إليه التفعُّلَ من اللهو بخِلاف الاشتغال، فإنه يجوزُ أَنْ يَصْدُرَ منه في بعض الأحيان، ولا ينبغي أَنْ يُعْتَقَدَ غيرُ هذا، وإنما سَقَط الشيخ.
وقرأ ابن كثير في روايةِ البزِّي عنه «عَنْهو تَّلهَّى» بواوٍ هي صلةٌ لهاءِ الكناية وتشديدِ التاءِ، والأصل تَتَلَهَّى فأدغم، وجاز الجَمْعُ بين ساكنَيْن لوجود حرفِ علةٍ وإدغامٍ، وليس لهذه الآيةِ نظيرٌ: وهو أنه إذا لقي صلةَ هاءِ الكناية ساكنٌ آخرُ ثَبَتَتِ الصلةُ بل يجبُ الحَذْفُ. وقرأ أبو جعفر «تُلَهَّى» بضم التاء مبنياً للمفعولِ، أي: يُلْهِيْكَ شأنُ الصَّناديد. وقرأ طلحة «تَتَلَهَّى» بتاءَيْن وهي الأصلُ، وعنه بتاءٍ واحدةٍ وسكونِ اللام. ا. هـ {الدر الدر المصون} .

(3/150)


كلاّ على أنّه ليس له أن يفعل ذلك فيما يستأنف، فأما الماضي فلم يدل على أنّه معصية لأنه لم يتقدم معنى النهي.
مطهّرة: مصونة عن أن ينالها أيدي الكفار الأنجاس.
وقيل: مطهرة من كل دنس. عن الحسن.
وقيل: سفرة ملائكة موكلون بالأسفار من كتب الله عز وجل.
الكريم: وهو الذي من شأنه أن يأتي بالخير مهيأ من غير شائب يكدّره وهي صفة مدح وتعظيم.
البرّ: فعل النفع على اختلاف الود والبارّ فاعل البر، وأصله: اتساع النفع.
معنى {قُتِلَ الْإِنْسَانُ}
حل محل من يدعي عليه بالقتل في ماله بقبح الفعل فيخرجه مخرج الدعاء عليه.
التقدير: جعل الشيء على مقدار غيره، فلما كان الإنسان قد جعل على
مقدار ما تقتضيه الحكمة في أمره من غير زيادة ولا نقصان كان قد قدّر أحسن التقدير، ودبّر أحسن التدّبير.

(3/151)


معنى {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}
أي: مكّنه من سلوك طريق الخير والشر.
وقيل: معناه خروجه من بطن أمه.
عن ابن عباس وقتادة والسدي.
وقيل: طريق الخير والشر. عن مجاهد كقوله {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) } .
وفي يسَّره: بصَّره طريق الهدى من الضلالة.
وقيل: قتل الإنسان بمنزلة لُعِن، وهو الكافر عن مجاهد.
و {ما} تحتمل التعجّب وتحتمل أي: الإماتة إحداث الموت.
والموت عرض يضاد الحياة.
الإقبار: جعل القبر لدفن الميت فيه.
الإنشار: الإحياء للتصرف بعد الموت كنشر الثوب بعد الطي.
{لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}
أي: لما يقضي ما عليه مما أمره الله به، لأنه قد أمره بأشياء
وأوجبها عليه فلم يفعلها من إخلاص عبادته وشكره.
وقيل: المقبِر: هو الله - عز وجل - بأمره عباده بأن يقبروا الإنسان بعد وفاته، والقابر: الدافن الميت بيده.
{صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}
أنزلنا الغيث إنزالاً.

(3/152)


قرأ {أَنَّا صَبَبْنَا}
بفتح الألف حمزة والكسائي وعاصم، وقرأ الباقون {إِنَّا صَبَبْنَا}
بالكسر على الاستئناف، والأول على البدل من طعامه ويصلح على خبر ابتداء محذوف.
الإنبات: إخراج النامي حالاً بعد حال.
القضب: الرطب، وأصله: مما يقطع رطبا.
الحديقة: البستان المحوّط، ومنه أحدق به القوم إذا أحاطوا به.
الغلب: جمع أغلب، وهي الغلاظ يقال: شجرة غلبا إذا كانت غليظة. الصدع والشق والفرج والفطر نظائر.
ذكر الزيتون لعظم النفع بالزيت الذي يكون منه، مع ماله في نفسه من
اللذة لآكله.
الآب: المرعى من الحشيش وسائر النبات الذي ترعاه الأنعام
والدواب.
أبا إلى سيفه فاستله كقولك: هب إليه وبدر إليه، فيكون كبدور المرعى بالخروج.
المتاع: كل شيء فيه إلذاذ الإمساس من كل مأكل أو مبصر أو ملمس.

(3/153)


الأنعام: الماشية بنعمة المشي من الإبل والبقر والغنم، وذلك خلاف لشدة وطأه بحافره من الخيل والبغال والحمير
الصاخّة: الصائحة بشدة صوتها.
وقيل: هي القيامة، قيل: النفخة الثانية التي يحيا عندها الناس.
وقيل: هي التي تصخ لها الخلق وهي النفخة الثانية
وقيل: الأب الكلأ والمرعى كله.
الصاحبة: الزوجة التي كانت في الدنيا مصاحبة.
الشأن: الأمر العظيم، وأصله: الواحد من شؤون الرأس وهو موضع الوصل من متقابلاته التي بها قوام أمره.
معنى {شَأْنٌ يُغْنِيهِ} يكفيه من زيادة عليه أي ليس فيه فضل لغيره لما هو فيه.
الإسفار: الكشف عن ضياء من قولهم: أسفر الصبح إذا أضاء.

(3/154)


وقيل: يفر من هؤلاء حذرا من مظلمة تكون عليه.
وقيل: لئلا يرى ما ينزل به من العذاب.
وقيل: هجرانه لعظم ما هو فيه.
وقيل: لأنه لا يمكن أن ينفعه بشيء ولا ينتفع به.
القترة: ظلمة الدخان.
ترهقها: تغشاها.

(3/155)