تفسير ابن فورك سورة البروج
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ
(1) }
إلى آخرها فقال:
ما البروج؟ وما اليوم الموعود؟ وما الشاهد والمشهود؟ وما
الأخدود؟ وما معنى: ذات الوقود وكل نار ذات وقود؟ وأين جواب
القسم؟ وما معنى: قُتل هاهنا؟ وما الشهود؟ وما النقمة؟ وما
الداعي إلى أن ينقموا من الإيمان؟ وما العزيز؟ وما الحميد؟ ومن
الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات؟
وما الفوز؟ ولم أعيد ذكر {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) } وما البطش؟ وما
المحيط؟ وما معنى: محيط؟
الجواب:
البروج: المنازل العالية بما هي عن جملة الأرض ثابتة وهي اثنا
عشر برجاً يسير القمر في كل برج منها يومين وثلاثة.
اليوم الموعود: يوم الجزاء وفصل القضاء، وهو يوم القيامة. عن
الحسن وقتادة.
(3/187)
الشاهد: النبي - صلى الله عليه وسلم -
والمشهود يوم القيامة عن الحسن بن علي - رضي الله عنه -
وتلى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ
وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) }
{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ
مَشْهُودٌ (103) }
عن ابن عباس وسعيد ابن المسيب.
وقيل: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة.
وقيل: الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة.
الأخدود: الشق العظيم في الأرض، ومنه في صفة الشجرة التي دعاها
النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلت تخدّ الأرض خداً حتى أتته.
(3/188)
معنى {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}
لأنه قد يكون ناراً ليست ذات وقود كنار الحجر ونار الكبد.
والثّاني: على وقود مخصوص لأنّه معروف فكأنّه الوقود بإنذار
النّار.
وقيل: إنّ الكفّار الذين كانوا قعوداً على النّار خرجوا
لمشارفها فأحرقتهم عن آخرهم. عن الرّبيع.
وكانوا من المجوس عن علي رضي الله عنه، وقال الضحّاك: كانوا من
بني إسرائيل، وقيل: كانوا من اليمن.
و {قُتِل} بمعنى لعن، وقيل: لعنوا بتحريقهم في الدّنيا قبل
الآخرة.
الوَقود: بالفتح الحطب وبالضم الاتقاد.
وجواب القسم محذوف تقديره الأمر حق في الجزاء على الأعمال.
وقيل: قل هو لقاتل المؤمنين لأنّ الله تعالى حرقهم بعد قتلهم.
وقيل: هو للمقتولين من المؤمنين.
(3/189)
وذكر الله هؤلاء المؤمنين بحسن بصيرتهم في
الصّبر على دينهم حتى أُحرقوا بالنّار لايعطون التقية بالرجوع
عن الإيمان.
القعود: جمع قاعد.
الشهود: الحضور على مشاهدة أمر من الأمور.
النقمة: إيجاب مضرة على حال مذمومة، النقمة: نقيض النعمة
فهؤلاء
الجهّال نقموا حال الإيمان لأنهم جعلوها بجهلهم حالاً مذمومة،
وكان الدّاعي إلى أن ينقموا من الإيمان ما سبقوا إليه من جهلهم
وسخف رأيهم.
العزيز: المنيع في انتقامه من دفع دافع له.
الحميد: المستحق للحمد.
وقيل {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ}
جواب القسم في أوّل السّورة ولا يحسن هذا التأويل لطول الكلام
وقيل: لهم عذاب بكفرهم وعذاب بإحراق المؤمنين.
الفوز: النجاة بالنفع الخالص من كل شائب، ووصف بأنّه كبير لما
فيه من الإجلال والإكرام والمدح والإعظام
(3/190)
أعيد ذكر {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ
(12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) }
لا يعتاده بما بعده من ذلك الفوز الكبير واقتضاء ما قبله من
صفة المؤمنين الذين صبروا على المحنة للوعد به.
البطش: الأخذ بالعنف.
يبدئ بالعذاب ويعيده. عن ابن عباس.
وذلك لاقتضاء ما قبله له
وقيل: يبدئ الخلق ويعيده عن الحسن.
{الْمَجِيدُ} الكريم.
قرأ حمزة والكسائي {الْمَجِيدِ} خفضاً على صفة العرش.
وقرأ الباقون {الْمَجِيدُ} رفعاً على صفة الله.
وفي قوله {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}
دليل على ما يقول إنّه فاعل لكسب عبده لأنّه قد أراده ونبّه
بذلك على حسن جميع تصرفه في ملكه على كل وجه من ابتداء بنعيم
وعذاب مقيم.
معنى {حَدِيثُ الْجُنُودِ}
أي: تَذّكر حديثهم تذكير معتبر قلبك منتفع به.
(3/191)
{بل الذين كفروا}
أعرضوا عما يوجبه الاعتبار بفرعون وثمود، وأقبلوا
على ما يوجبه الكفر والتكذيب من التأكيد، ولم يعلموا أن الله
من ورائهم محيط يقدر أن يُنْزِل بهم ما أنزل بفرعون وثمود.
سمي القرآن مجيد لأنه يعطي المعاني الجليلة والدلائل النفيسة،
وجميعه
حكم لا يخلو من موعظة تليّن القلوب للعمل بالحق، وحجة تؤدي إلى
تمييز الحق من الباطل ومعنى يعمل عليه فيما يجتبى أو يتقى.
وقيل: {هل أتاك حديث الجنود} وما كان منهم إلى أنبيائهم
فاصبر كما صبر الرسل قبلك.
وقيل: {بل الذين كفروا في تكذيب} إيثاراً منهم لأهوائهم
واتباعاً لسنن آبائهم.
وقيل: في لوح محفوظ من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان.
وقيل: اللوح المحفوظ: أم الكتاب، وقيل: معناه كأنه بما ضمن
الله تعالى من حفظه في لوح محفوظ.
ومعنى {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}
أي: هم مقدور عليهم كما يكون فيما أحاط بهم وهذا من بلاغة
القرآن.
قرأ نافع وحده {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٌ} رفعاً، وقرأ الباقون
{فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} . خفضاً، على أنه من صفة اللوح.
(3/192)
صفحة فارغة
(3/193)
سورة الطارق
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ
(1) }
إلى آخرها فقال:
ما الطارق؟ وما النّجم؟ وما الثاقب؟ وما الحافظ؟ وما النظر ها
هنا؟
وما الدّافق؟ وما الترائب؟ وما السّريرة؟ وما معنى: وما رجع
السماء؟
وما صدع الأرض؟ وما القول الفصل؟ وما الهزل؟ وما الكيد؟
الجواب: الطّارق: الآتي ليلاً، وهو هنا النجم.
الثّاقب: كما وصفه الله - عز وجل -.
والقول الأول يبين عن معنى صفته بالطارق، والقول الثاني يبين
عن نفسه ما هي يقال: طرقني فلان إذا أتاني ليلاً.
النجم الطالع في السّماء كالدرة البيضاء، ويقال طالع ناجم
تشبيهاً به.
الثاقب: المضيء النيّر، الثاقب أيضاً: العالي الشديد العلو،
(3/194)
والعرب تقول إذا ارتفع الطائر ارتفاعاً
شديداً هو ثقب كأنه قد ثقب الجو الأعلى.
وقيل: الثاقب المضيء.
عن ابن عباس.
وقيل: العالي على النجوم وهو زحل.
عن ابن زيد.
الحافظ: المانع من هلاك الشيء.
النظر: ها هنا نظر الاعتبار
وقيل: طرق النجوم ظهورها باللّيل وخفاؤها بالنّهار.
عن قتادة.
وقيل: حافظ من الملائكة يحفظون عمله ورزقه وأجله.
عن قتادة.
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}
ما: صلة مؤكدة وتقديره لَعَلَيْها حافظ
واللام لام الابتداء.
قال الحسن {النَّجْمُ}
ها هنا جُمَاعُ النجوم.
وقال {وَمَا أَدْرَاكَ}
أي: إنك لم تدرِ حتى أعلمتك وكل ما يعلمه الإنسان فالله أعلمه
بالضرورة أو بالدليل.
قرأ {لَمَّا}
بالتشديد عاصم وحمزة وابن عامر، وقرأ الباقون {لَمَا}
بالتخفيف.
مشددة معنى لما إلاّ في موضعين: إن، والقسم، كقولهم: سألتك لما
فعلت بمعنى إلاّ فعلت.
(3/195)
الدفق: صب الكثير، فالماء الذي يكون منه
الولد إنّما يكون دفقاً، وإن
كانت منه النطفة التي يخلقها الله إنساناً أو غيره من الحيوان.
الترائب: موضع القلادة من صدر المرأة.
عن ابن عباس، واحدها تريبة.
السّريرة: الطّوية في النفس، وهي أسرار المعنى في النفس.
صدع الأرض: انشقاقها بالنبات لضروب الزروع والأشجار
القول الفصل: الجواب الذي يفصل الحق من الباطل بالبيان عن كل
واحد منهما.
الهزل: قول تهزأ به، والهزل نقيض الجد.
الكيد: فعل ما يوجب الغيظ
وقيل: ذات الرجع ذات المطر الذي يرجع به.
عن ابن عباس.
(3/196)
وقيل: شمسها وقمرها ونجومها تغيب وتطلع. عن
ابن زيد.
و {رويدا} : أمهالاً، وقيل: رويداً: قليلاً. عن قتادة.
(3/197)
سورة سبح
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى (1) }
إلى آخرها فقال:
ما التسبيح؟ وما الأعلى؟ وما التسوية؟ وما التقدير؟ وما
الهداية؟
وما الإقراء؟ وما النسيان؟ ؟ وما الجهر؟ وما اليسرى؟ وما
التجنب؟
وما الشقوة؟ وما معنى: الكبرى في صفة النّار
وما معنى {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} والعذاب لا
يصل إلاّ إلى حي؟
وما إيثار الدنيا على الآخرة؟.
الجواب:
الت سبيح: التنزيه لله - عز وجل - عمّا لا يجوز في صفته إلى
صفات
التعظيم له كوصفه بأنه لا إله إلا هو فينفي ما لا يجوز في صفته
من شريك في عبادته مع الإقرار بأنه إله وحده.
الأعلى: القادر الذي لا قادر أقدر منه، وصفته الأعلى منقولة
إلى معنى الأقدر حتى لو بطل معنى علو المكان لم يبطل أن يفهم
بتحقيقها.
التسوية: الجمع بين الشيئين بما هما فيه.
(3/198)
التقدير: تنزيل الشيء على مقدار غيره.
الهداية: الدلالة على طريق الرّشد، فسبحان من يجعل الهداية في
قلب
الطّفل حتى طلب ثدي أمّه وميّزه من غيره، وما أعطى الفرخ حتى
طلب الرّزق من أبيه وأمّه.
الأحوى: الأسود الشّديد السّواد، والحوّه السّوداء.
الغثاء: ما يقذف به السيل جانب الوادي من الحشيش والنّبات
وقيل: معنى سبّح: قل سبحان ربي الأعلى. عن ابن عباس وقتادة
وقيل: معناه: نزّه اسم ربّك الأعلى عن أن يسمى به سواه.
وقيل: نزّه ربك عمّا يصفه به المشركون
وقيل: غثاءاً: أي: هشيماً يابساً متفتتاً.
قرأ الكسائي وحده {والذي قَدَرَ} بالتخفيف، وقرأ الباقون
بالتشديد.
(3/199)
الإقراء: أخذ القراءة على القارئ بالاستماع
لتقويم الزّلل، القراءة والتلاوة والقارئ التالي.
النسيان: ذهاب المعنى عن النفس بعد أن كان حاضراً لها، ونقيضه
الذكر، ونظيره السهو.
معنى {فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}
أي: ما شاء نسيانه مما لا يكلفك القيام بأدائه، وذلك أن
التكليف مضمن بالذكر.
الجهر: رفع الصوت، ونقيضه الهمس وهو ضعف بالصوت أي: يحفظ عليك
ما جهرت به وما أخفيته ممّا تريد أن تعيه.
اليسرى: الكبرى في تسهيل الخير بها وهي ها هنا الجنة أي: يسهل
لك العمل المؤدي إلى الجنة.
وقيل: بل ذلك على جهة التقابل فقيل لليد المقابلة لليمنى يسرى.
وقيل: لأن العمل بها مع الذي يتيسّر على ما أتمّ ما يمكن.
وقيل {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ
اللَّهُ}
إن شاء يرفع حكمه وتلاوته.
(3/200)
وقيل: إلاّ ما شاء الله كالاستثناء في
الأيمان وأن تقع مشيئته النسيان.
اليسرى: الفعل من اليسر، وهو سهولة عمل الخير
وقيل {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}
وهي تنفع لا محالة في عمل الإيمان أو الامتناع من العصيان وقد
يقال مثله أن يقع السّؤال أي فيما يجوز عندك.
وقيل: إلاّ ما شاء الله بأن يؤخر إنزاله.
التجنّب: الصير في جانب عن الشيء بما ينافي كونه، فهذا الشّقي
يجتنب الذكرى بأن صار بمعزل عنها بما ينافي كونه.
الشقوة: حالة تؤدي إلى شدة العذاب، نقيض الشقوة السعادة.
معنى الكبرى في صفة النّار أي: الحاجة إلى اتقائها أشد وذلك من
كبر الشأن.
(3/201)
معنى {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا
يَحْيَى}
أي: لا يكون على صفة الحي الذي يرغب فيها، إيثار الدّنيا على
الآخرة أراد العمل لها بدلاً من العمل للآخرة.
تزكّى: صار زاكياً بأن عمل صالحاً.
وقيل: زكّى ماله
وقيل: {إنّ هذا لفي الصّحف الأولى}
ما قصّه الله في هذه السورة
وقيل: قد أفلح من تزكّى إلى آخر السورة
وقيل: كتب الله تعالى كلها أنزلت في رمضان، وأنزل الفرقان
لأربعة وعشرين سنة.
وقيل: النار الكبرى جهنم، والنّار الصغرى نار الدّنيا
وقيل: لا يحيى: لا يجد روح الحياة
وقيل: الزاكي النّامي بالخير الكثير.
وقيل: النّار الكبرى التي في الطبقة السّفلى من جهنّم عن
الفرّاء.
وقيل: من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى فهو ممدوح في الصّحف
الأولى كما هو [ممدوح في] (1) القرآن.
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من التبيان للطوسي.
(3/202)
قرأ أبو عمرو وحده {بل يؤثرون} بالياء، وق
رأ الب اقون بالت اء المعجمة
من فوق.
(3/203)
سورة الغاشية
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ
الْغَاشِيَةِ (1) }
إلى آخرها فقال:
ما الغاشية؟ وما معنى: خاشعة؟ وما الناصبة؟ وما معنى: آنية؟
وما الضّريع؟ وما اللاّغية؟ وما الجاري؟ وما السّرر؟ وما
الأكواب؟ وما النمارق؟
وما التذكرة؟ . وما المسيطر؟ وما الإياب؟ وما حساب الكفّار؟
وما معنى: الاستثناء في {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} وهل
ذلك منسوخ أم لا؟.
الجواب: الغاشية: المجللة لجميع الجملة.
معنى خاشعة: ذليلة بما رأت من سوء عاقبة السيئة.
الخشوع: الذّل بالخضوع.
الناصبة: التعبة وهي التي قد أضعفها الانتصاب للعمل.
معنى آنية: بالغة شدة الحر يقال: أني أناءً إذا بلغ الطّعام
حال النضج.
ومنه {نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي: بلوغ نضجه.
(3/204)
الضّريع: نبت تأكله الإ ل تضر ولا تنفع كما
وصفه الله سبحانه
تعالى إنّه {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) } .
وقيل: الغاشية القيامة تغشى النّاس بالأهوال. عن ابن عباس
والحسن.
وقيل: النّار تغشى وجوه الكفار بالعذاب عن سعيد بن جبير
وقيل: عاملة لم تعمل لله في الدّنيا
وقيل: آنية بالغة النهاية في شدّة الحرّ. عن ابن عباس.
وقيل: الضّريع: الشبرق وهو سم. عن ابن عباس.
وقيل: ضريع من ضرع يضرع أكله في الإعفاء منه لخشونته.
علو الجنّة على وجهين: عل والشّرف والجلالة، وعلّو المكان
والمنزلة
وقرأ {تُصلى} بضم التاء أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وقرأ
الباقون بفتح التاء.
(3/205)
اللاّغية: كلمة ليست لها فائدة، وفي سماع
ما لا فائدة فيه ثقل على النفّس فلذلك نفى اللاّغية عن الجنة.
الجاري: المار من المائع إلى جهة النّار.
السّرر: جمع سرير، وهو مجلس سرور بالرفعة على قوائم متقابلة.
الأكواب: جمع كوب، وهي الأباريق التي ليست لها خراطيم.
النّمارق: الوسائد.
وقيل: الأكواب كالأباريق لا عرى لها ولا خراطيم كالأكواز
الفاخرة التي توضع بين يدي الملك.
الزّرابي: البُسط الفاخرة، واحدها زربيّة.
وقيل: لاغية بمعنى ذات لغوٍ كقولهم: نابل وزارع أي: هو ذو نبل
وزرع.
(3/206)
وقيل: سرر مرفوعة ليرى المؤمن بجلوسه عليه
جميع ما خوّله ربّه من الملك والنّعيم.
وأكواب موضوعة أي: على حافة العين الجارية كلما أراد شربها
وجدها مملؤة
وقرأ {لَا تُسْمَعُ} بالتاء مضمومة فيها {لَاغِيَةً} رفعاً ابن
كثير وأبو عمرو، وقرأ نافع وحده {لَا تُسْمَعُ} بالتاء مضمومة
فيها {لَاغِيَةٌ} مضمومة
وقرأ الباقون {لَا تَسْمَعُ} بالتاء مفتوحة فيها {لَاغِيَةٌ}
مضمومة
التذكير: التعريض للذّكر بالبيان الذي يقع به الفهم.
النفع بالتذكير عظيم لأنّه طريق للعلم بالأمور التي نحتاج
إليها، وملين القلب للعمل بها.
(3/207)
المسيطر: المتسلّط على غيره بالقهر له، وهو
ضارب سطراً على
غيره ولا يمكنها الخروج عنه.
الإياب: الرجوع.
حساب الكفّار: إخراج مقدار ما لهم وعليهم ليظهر لهم استحقاق
العذاب وسقوط الثّواب.
وحساب المؤمن: إخراج ماله وعليه وجه التكفير للسّيئة ويقبل
الحسنة بما يوجب الثّواب على الإيمان.
معنى الاستثناء في قوله {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ}
فيه وجهان:
الأول: لكن من تولّى وكفر فيعذّبه الله العذاب الأكبر على
الاستثناء المنقطع
الثاني: إلاّ من تولّى وكفر فإنّك تسلط عليه بالجهاد والله
تعالى بعد ذلك يعذّبه العذاب الأكبر
وقيل: مذكّر نعمتي عندهم وما يوجبه عليهم.
وقيل: بمسيطر بجبّار. عن ابن عباس ومجاهد.
وقيل: هذا قبل فرض الجهاد ثم نسخ.
(3/208)
وقيل: إلاّ من تولّى وكفر: فَكِله إلى
الله. عن الحسن.
وقيل: إلاّ من تولّى وكفر: فلست له بمذكّر لأنه لا يقبل منك
فكذلك لست تذكره.
قرأ أبو عمرو والكسائي {بمسيطر} بالسّين باختلاف عنهما.
وقرأ الباقون بالصاد إلا حمزة فإنّه يشمّ [الصاد زايا] (1) .
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من التبيان للطوسي.
(3/209)
سورة والفجر
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالْفَجْرِ
(1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) }
إلى آخرها فقال:
ما الفجر؟ وما اللّيال العشر؟ وما الشّفع والوتر؟ وما معنى:
يسر؟ وما الحجر؟ وما معنى: ذات العماد؟ وما معنى: ذي الأوتاد؟
وأين جواب القسم؟ ومن إرم؟ وما معنى: سوط عذاب؟ وما معنى:
لبالمرصاد؟
وما الابتلاء؟ وما معنى: قدر عليه رزقه؟ وما الإكرام؟ وما
الدّك؟ وما الصّف؟ ولم قيل فأنّى له الذّكرى وهو يتذكّر في
الآخرة سيئاته؟
وما معنى: قدّمت لحياتي؟ وما معنى: لا يعذَّب عذابه أحد على
قراءة الكسائي؟ وما النفس المطمئنة؟ وما معنى: المطمئنة؟
وما معنى: وجاء ربّك؟
الجواب:
الفجر: شق عامود الصّبح فجّره الله تعالى لعباده يفجّره فجراً
إذا أظهره
من أفق المشرق مبشراً بإدبار اللّيل الظلم وإقبال النّهار
المضيء، وهما فجران
: الفجر المستطير وهو المحرّم للأكل والشّرب في رمضان وابتداء
اليوم من
الإيمان، والفجر المستطيل قبله كذنب السرحان ولا حكم له في
شريعة الإسلام سوى ما فيه من الاعتبار
اللّيال العشر: ليالي العشر الأول من شهر ذي الحجّة التي
شرّفها الله ليسارع النّاس إلى عمل الخير.
(3/210)
والشّفع: الخلق بما له من الشّكل، الوتر:
الخلق الفرد الذي له مثل.
عن ابن عباس وكثير أهل العلم.
معنى يسر: يسير ظلاماً حتى ينقضي بالضّياء المبتدئ ففي تسيّيره
على
المقادير المرتبة فيه، ومجيئه بالضّياء عند تقضيه في الفصول
أدل دليل على أن فاعله يختص بالعز والاقتدار الذي يجلّ عن
الأشباه والأمثال.
الحجر: العقل.
وقيل: الفجر فجر الصّبح عن عكرمة
وقيل: العشر من أول المحرم
وقيل: الشّفع: الزّوج والوتر: الفرد من العدد. عن الحسن.
كأنّه تنبيه على ما في العدد من العبرة بما يضبط لأنه من
المقادير التي يقع بها التعديل وقيل: الشّفع يوم النحر والوتر
يوم عرفة. عن ابن عباس وعكرمة
ووجه ذلك إنّ يوم النحر يشفع بيوم نحر بعده وينفرد يوم عرفة
بالموقف، وقيل: الشفع والوتر كله من الخلق عن ابن زيد.
(3/211)
وقيل: الشّفع الخلق والوتر الله عز وجل
وحده. عن ابن عباس ومجاهد ومسروق.
وقيل: الصّلاة المكتوبة منها شفع ومنها وتر. عن عمران بن حصين.
وقيل: الشّفع اليومان الأولاّن من يوم النحر والوتر اليوم
الثّالث.
عن ابن الزّبير.
وقيل: إرم بلد منه الإسكندرية، وقيل: دمشق.
وقيل: هو أمّة.
وقيل: قبيلة من عاد.
(3/212)
وقيل: ذات العماد ذات الطّول. عن ابن عباس،
من قول العرب: رجل
معمّد إذا كان طويلاً.
وقيل: ذات عُمُد للأبيات ينتقلون من مكان إلى مكان للانتجاع.
وقيل: ذات العماد إحكام البنيان. عن ابن زيد.
وقيل: ذات القوى الشدّاد.
جابوا: أي: قطعوا الجبال بيوتاً.
وقيل: ذي الأوتاد: أي: ذي الجنود الذين كانوا يشيّدون أمره.
عن ابن عباس.
وقيل: كان يُوَتّد الأوتاد في أيدي النّاس عن مجاهد.
وقيل: ملاعب كان يلعبُ له فيها ويضرب تحتها بالأوتاد.
وقيل: ذي الأوتاد لكثرة الأوتاد التي كانوا يتّخذونها للمضارب
لجموعهم وكان هذا فيهم أكثر منه في غيرهم.
وقيل في جواب القسم {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) } .
قيل: هو محذوف
وقيل: العماد: الأبنية العظام.
وقيل: الأولى عاد من إرم.
(3/213)
وقيل: ذي الأوتاد هي أوتاد نصبها للعذاب
يشد إليها ثمّ يعذبهم عليها
وقيل: كان فرعون إذا غضب على الرّجل مدّه بين أربعة أوتاد حتى
يموت
قرأ حمزة {الْوِتْرِ} بكسر الواو، وقرأ الباقون {الْوَتْرِ}
بالفتح.
وقرأ {يَسْرِي} بياء في الوصل وبغير ياء في الوقف نافع وأبو
عمرو بخلاف
عنه، وقرأ ابن كثير بياء في الوصل والوقف وكذلك {بِالْوَادِي}
وقرأ الباقون بغير ياء في وصل ولا وقف.
معنى سوط عذاب أي: قسط عذاب كالعذاب بالسّوط الذي يعرف إلاّ
أنّه
أعظم، ويجوز قسط عذاب يخالط اللّحوم والدّماء كما يخالط
بالسّوط من قولهم: ساطه يسوطه سوطاً.
معنى {لَبِالْمِرْصَادِ}
إنّه لا يفوته شيء من أعمال العباد كما لا يفوت من بالمرصاد.
والمرصاد مفعال من رصده يرصده رصداً فهو راصد إذا راعى ما يكون
منه
ليقابله بما يقتضيه، وقيل لأعرابي أين ربُّك يا أعرابي؟ فقال:
بالمرصاد.
(3/214)
وقيل: لعلي رضي الله أين كان ربّنا قبل أن
يخلق السّماوات؟
فقال: أين سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان.
الابتلاء: إظهار ما في العبد من خير أو شر، فالابتلاء
والامتحان والاختبار أمثال في اللّغة.
معنى {قَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}
أي: ضيّق عليه الرّزق بأن جعله على قدر البُلغَة.
والأصل القدر وهو كون الشيء على مقدار فمنه القدرة لأنها على
مقدار المقدور، ومنه تقدير الشيء وهو طلب قدرة من مقدار غيره.
الإكرام: إعطاء الخير للنفع به على ما تقتضيه، والإكرام الذي
هو نقيض الهوان لا يكون إلاّ بالإحسان، كما أن الهوان لا يكون
إلاّ بالإساءة والله تعالى منعم على الكافر نعمة الدّنيا وليس
بمكرم له لأنّه لا يستحق الهوان.
وقيل {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}
أي: يسمع ويرى أعمال العباد. عن ابن عباس.
وقيل: بإنصاف المظلوم من الظالم عن الحسن.
وقيل: {كَلَّا} رد لتوهّم من ظن أن الإكرام بالغنى والإهانة
بالفقر، وإنّما الإكرام في الحقيقة بالطّاعة والإهانة
بالمعصية. عن قتادة.
وقيل {بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ
عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) }
الهوان لهذا لا لما توهَّمتم.
(3/215)
وقيل: يأكلون التّراث أكلاً لمّا أي: جمعاً
يقال: لممت ما على الخوان ألمّه لماً إذا أكلته أجمع.
التّراث: الميراث.
وقيل: يأكل نصيبه ونصيب صاحبه أجمع.
وقيل: جماً جماً كثيراً شديداً. عن ابن عباس، يقال: جم الماء
في الحوض
إذا اجتمع وكَثُر.
وقيل: لا تكرمون اليتيم على الصدقة بما يكون منهم من
الخطيئة.
قرأ أبو عمرو وحده
{كَلَّا بَلْ لَا يُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا
يحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَيَأْكُلُونَ
التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) }
بالياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {تَحَاضُّونَ} بالتاء والألف، وقرأ
الباقون بغير الألف والتاء في جميع ذلك مفتوحة.
(3/216)
الدّك: حط المرتفع بالبَسْطِ، اندك سنام
البعير إذا انفرش في ظهره، وناقة
دكّاء ومنه الدكان لاستوائه في الانفراش فكذلك الأرض إذا دكت
استوت في الانفراش فذهبت دورها وقصورها وأبنيتها حتى تصير
كالصحراء الملساء بها. عن ابن عباس، يوم القيامة تمد الأرض مد
الأديم.
الصّف: كون الأشياء تلي بعضها بعضاً على خط الاستواء.
وقيل {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ
الذِّكْرَى}
التي كان أمر بها في الدّنيا وتبصر الضلال من الهدى كما لو قيل
يتندم وأنّى له الندم.
معنى قدّمت لحياتي:
فيه وجهان:
أحدهما: لحياتي بعد مماتي.
والآخر: لحياتي التي تدوم لي فكان أولى بي من التمسك بحياة
زائلة عني.
معنى {لَا يُعَذَّبُ عَذَابهُ أَحَدٌ}
على قراءة الكسائي أنّه لا يعذب عذاب الكافر الذي لم يقدم
لحياته أحد من النّاس، والدليل قائم بأن إبليس أشد عذاباً من
غيره بحسب إجرامه وإذا أطلق الكلام لما صحبه من دليل التقييد.
ومن قرأ {لَا يُعَذِّبُ} بكسر الذال {وَلَا يُوثِقُ} بكسر
الثاء
فتأويله لا يعذِب. عذاب الله أحد ولا يوثق وثاقه أحد.
(3/217)
وقيل {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ}
تبشر به عند الموت وعند البعث عن ابن زيد.
وقيل: المطمئنة المعرفة بالله والإيمان به عن مجاهد.
وقيل: المطمئنة بالبشارة بالجنة.
{وَجَاءَ رَبُّكَ}
أي: جاء بجلائل آياته فحصل عن جلائل الآيات مجيئاً له
تفخيماً لشأنه، ويجوز جاء ظهر بضرورة المعرفة كما يوصف به ما
تقوم مقام الرؤية.
وقيل {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) }
لأنّه المستحق من العذاب له.
وقال الحسن: وجاء عذاب ربك أي: جاء أمر ربك وقضاء ربّك.
قرأ الكسائي {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ
(25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) }
بفتح الذال والثّاء، وقرأ الباقون بكسرها.
(3/218)
|