تفسير ابن فورك

سورة البلد
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) }
إلى آخرها فقال:
لم جاز {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) } مع قوله عز وجل {وهذا البلد الأمين} ؟ وما الكبد؟ وما اللّبد؟ وما النجدين؟ وما وجه الدلالة في {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} ؟
وما الاقتحام؟ وما العقبة؟ وما الفك؟ وما المسغبة؟ وما المؤصدة؟
وما المتربة؟

(3/219)


الجواب:
إن (لا) ليست لنفي القسم في قوله {لَا أُقْسِمُ} ، وإنّما هي كقول
العرب: لا بالله ما فعلت كذا ولا والله لأفعلنَّ كذا.
وقيل: فيها إنّها صلة زائدة كما قال الشاعر.
ولا ألوم البيض أن لا تسخرا
وقيل: هي رد لكلام على طريق الجواب لمن قد ظهر منه الخلاف أي ليست الأمر على ما يتوهم.
معنى {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}
التنبيه على شرفه بشرف من هو حل فيه من الرسول الدّاعي إلى تعظيم ربه عز وجل مبشراً بثوابه ومنذراً لعقابه.
الكبد: شدة الأمر، فالإنسان مخلوق في شدة أمر بكونه في الرّحم ثمّ في القماط والرباط ثم على خطر عظيم عند بلوغه حال التّكليف، فينبغي له أن يعلم أن الدّنيا دار كدر ومشقة وأن الجنة دار الرحمة والنعمة.
اللّبد: الكثير الذي قد تراكب بعضه على بعض.

(3/220)


النجدان: الطريقان للخير والشّر، وأصل معنى النجد العلو شبّه طريق الخير والشّر بهما لظهوره فيهما.
وقيل {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} ليبصر بهما
{وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} لينطق بهما
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ليستدل بهما.
وقيل: لا أقسم بهذا البلد مكة.
وقيل: وأنت حل بهذا البلد: أي: حلال لك، قيل: نزلت حين أمر بالقتال
فقتل ابن خَطل صبراً وهو آخذ بأستار الكعبة ولم تحل لأحد بعده.
عن ابن عباس ومجاهد وقتادة.
وقيل: والد: كل والد وما ولد: العاقل. عن ابن عباس وعكرمة
وقيل: آدم وولده عن الحسن.
وقيل: إبراهيم وولده عن أبي عمران الجوني.

(3/221)


وقيل {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} في انتصاب قامة.
مالاً لبداً كسبته وفي أي شيء أنفقته.
النجدين: قيل: الثديان. عن ابن عباس بخلاف.
وقيل: وأنت حل بهذا البلد أي: أنت مقيم وهو محلك
قال الحسن: وأنت حل بهذا البلد: أي: أنت فيه محسن وأنا عنك فيه راضٍ.
وقيل: نزلت في رجل جُمَح يقال يكنى أبا الأشدين وكان قوياً شديداً.
وقيل {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا}
في إنفاقه يقول: أنفقت مالاً كثيراً فمن يحاسبني فقيل له {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} .
الاقتحام: الدخول على شدة ضغط، والمعنى هلا دخل في البر على صعوبة كصعوبة اقتحام العقبة.

(3/222)


العقبة: الطريقة التي تُرْتقى على صعوبة ويحتاج فيها إلى معاقبة الشّدة بالتضيق والمخاطرة.
الفك: فرق يزيل المنع ويمكن معه أمر لم يكن ممكناً من قبل، ففك الرقبة فرّق بينهما وبين حال الرق بإيجاب الحرية وإبطال العبودية.
المؤصدة: المطبقة وفيه لغتان: أوصدت الباب أوصده وأوصدته
المتربة: بقعة التراب أي: هو مطروح في التراب لا يواريه عن الأرض شيء وقيل: المتربة شدة الحاجة من قولهم: تَرِب الرجّل إذا افتقر.
عن ابن عباس.
مؤصدة: مطبقة.
اليتيم: الصّبي الذي مات أبوه أو أمّه، والأغلب اليتيم من الأب.
المشأمة: ذات الشّمال اشتقاقه من الشؤم خلاف البركة.
قال الحسن: عَقبة والله شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوّه
الشيطان، وقيل: لم يكرر لا في اللّفظ، وهي بمنزلة المكرر في المعنى كأنه قيل: فلا اقتحم العقبة ولا أمن.
المقربة: القرابة.
وقيل: الميمنة اليمين والبركة.

(3/223)


المرحمة: حال الرحمة.
قرأ {فك رقبة أو أطعم} بغير ألف ابن كثير وأبو عمرو والكسائي.
وقرأ الباقون {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ} .
فالأول: بدل (فلا أقتحم العقبة (فك رقبة) .
والثاني: على جواب {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ}
فيكون الجواب بالاسم.
قرأ أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم {مُؤْصَدَةٌ} بالهمز، وقرأ الباقون بغير همز.

(3/224)


سورة والشمس وضحاها
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) }
إلى آخرها فقال:
ما ضحى الشّمس؟ وما وجه الدلالة من جهة تلو القمر للشّمس على الصّفة المألوفة؟ وعلى ماذا يعود الضمير في جلاّها؟
الطغوى؟ وما الشّقي؟ وما السقيا؟ وما العقر؟ وما الدمدمة؟
الجواب:
ضحى الشّمس: صدر وقت طلوعها، وكذلك ضحى النّهار وقت كونه
ويقال: ضحّى بكبش إذا ذبحه في وقت الضحى من أيام الأضحى ثم كثر حتى قيل له ولو ذبحه في آخر النّهار.
وقيل: العبرة من جهة نشر الضوء حتى يقوى تلك القوة بأن الله وجّه
الدلالة من جهة تلو القمر للشّمس على الصّفة المعهودة من جهة المعاقبة على
أمور مرتبة في النقصان والزيادة لأنّه لا يزال ضوء الشّمس ينقص بغياب جرمها

(3/225)


ويقوى ضوء القمر حتى يتكامل كذلك دائيبين على التّسخير للعباد بما ليس في وسعهم أن يجرؤه على شيء من ذلك المنهاج.
الهاء: في جلاّها يعود على الشّمس بضوءه المبين لجرمها.
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}
بظلمته عند سقوطها.
معنى طحاها بسطها حتى أمكن التصرّف عليها
طحى يطحوا طحواً، ودحى يدحوا دحواّ
معنى دسّاها: أي: دسا نف سه بالعمل الفاسد حتى صيّرها في محاق
وخسران، يقال: دسا فلان يدسوا دسواً ودسوة أي: أتى بالفساد نقيض زكى يزكوا زكاءاً وهو زاكٍ.
وقيل: دساها دسّسَها بمعنى حملها ووضع منها
بمعصية كما قيل: وتقضّى البازي بمعنى تقضض البازي.
وقيل: والقمر إذا اتبع الشّمس في النصف الأول من الشهر إذا غربت
الشّمس تلاها القمر بالطلوع، وفي آخر الشهر يتلوها في الغروب عن ابن زيد.
وقيل {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}
[معناه والسماء وبنائها جعل (ما) مع ما بعدها بمنزلة المصدر] (1)
عن قتادة.
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من التبيان للطوسي.

(3/226)


وقيل: ومن بناها الله عن مجاهد والحسن.
{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}
عرّفها طريق الفجور والتقوى. عن ابن عباس ومجاهد.
وقيل: قد أفلح من زكّى نفسه بعمل صالح. عن ابن عباس.
وقيل: خاب من دسّى نفسه في معصية الله منهمكاً في القبائح التي نهاه الله عنها.
قال الحسن: ونفس ومن سوّاها: النفس آدم ومن سوّاها الله
وقيل: تلاها في الضّوء.
وقيل: دسّها بالبخل لأن البخيل يُخْفِي نفسه ومنزله لئلاّ يطلب نائله
وقيل: قد أفلح من زكّى الله نفسه، وقد خاب من دسّى الله نفسه
قرأ ابن كثير وابن عامر {وَضُحَاهَا}
بفتح أواخر السّورة، وقرأ الكسائي بإضجاع ذلك كله، وقرأ أبو عمرو ونافع الجميع بين الكسر والفتح، وقرأ حمزة {وَضُحَاهَا} كسراً وفتح
{تلاها، وطحاها}
والفتح الأصل والإمالة تخفيف وبين تخفيف مشعر بالأصل وأما حمزة فأمال باب التاء وفتح باب الواو.

(3/227)


الطغوى: مجاوزة حال الفساد الوسطى بما يوجبه الجهل والعمى.
الشقاء: شدة الحال في مقاساة الآلام
السقيا: الحظ من الماء، وهو النصيب منه.
العقر: قطع اللّحم بما يسيل الدّم.
الدمدمة: ترديد الحال المتكرهة وهي مضاعفة ما فيه المشقة، فضاعف الله على ثمود العذاب بما ارتكبوه من الطغيان
العقبى: بسبب ما أدّى إليه الحال الأولى.
التسّوية: تصّيير الشيء على مقدار غيره، فسوّاها أي: جعل بعضها على مقدار بعض في اللصوق في الأرض.
وقيل {بِطَغْوَاهَا}
أي: بعذابها. عن ابن عباس على الطّاغية فأتاها ما كذّبت به.
وقيل: معصيتها عن مجاهد.
وهو وجه التأويل.
وقيل: دمدم دمّر عليهم.
وقيل: ولا يخاف الله تبعة الدمدمة.
عن ابن عباس وقتادة.

(3/228)


وقيل: لم يخف الذي عقرها عقباها عن الضحّاك.
وقيل: عاقر النّاقة أحمر ثمود، وهم يرونه وكلهم رضوا بفعله. فعمهم العذاب لرضاهم به.
و {ناقة الله} تقديره: فاحذروا ناقة الله
وقيل: عقرها هو تكذيبهم.
وقيل: الإبل هو غيره.
وقيل: كانوا أقروا بأن لها شرباً ولهم شرب غير مصدّقين بأنّه حق.
قرأ {فَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}
بالفاء نافع وابن عامر، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشّام.
وقرأ الباقون بالواو وكذلك هي في مصاحفهم.

(3/229)


سورة والليل
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) }
إلى آخرها فقال:
ما اليسرى؟ وما العسرى؟ وما التيسير؟ وبأي شيء يكون التفسير للعسرى
وما الحسنى؟ وما معنى: شتّى؟ وما معنى
ومن المعني بالذّكر والأنثى؟ وما الأولى؟ وما الآخرة؟ وما التلظّى؟
وما المجتنب؟ وما الأعلى؟
الجواب:
التيسير: تصيير الأمر سهلاً، ونقيضه التعسير وهو تصيير الأمر صعباً، واليسر نقيض العسر.

(3/230)


العسرى: البلية العظمى بما تؤدي إليه مما هو كصعوبة للمرتقى.
ونقيضها اليسرى هو التيسير للعسرى بالتصيير إلى النّار، كما أن التيسير
لليسرى بالتصيير إلى الجنّة، ويجوز أن يكون تيسير سلوك طريق الجنّة
وتيسير سلوك طريق النّار تمكين كل واحد منهما من ذلك على ما أراد وعلم.
الحسنى: النعمة العظمى بحسن موقعها عند صاحبها، وهذه صفة الجنّة التي أعدّها الله للمتقين.
معنى شتّى: متفرق على تباعد ما بين الشيئين جداً، ومن شتّان أي بعد ما بينهما جداً كبعد ما بين الثرى والثّريا.
وقيل: أقسم الله بالنّهار إذا أنار وظهر للإبصار، لما في ذلك من
الاعتبار، وبالّليل إذا أظلم وغشي الأنام لما في ذلك من الهول المحرّك للنّفس بالاستعظام.
وقيل: إنّما كرر ذكرها لعظم شأنها.
وقيل: من أعطى حق الله وأتقى محارم الله.
وقيل {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}
بالخلف. عن ابن عباس، وقيل: بتوحيد الله تعالى عن الضحّاك، وقيل: بالجنّة عن مجاهد، وقيل: بوعد الله عن قتادة.

(3/231)


وقيل: إذا تردّى هوى في النّار، وقيل: إذا مات.
{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}
لبيان الطّاعة من المعصية.
وقيل الغشي: إلباس الشيء ما يعمه ويستر جملته.
والّليل إذا يغشى النّهار يذهب ضوءه والنّهار إذا تجلّى أي: جلّى الّليل فأذهب ظلمته.
وقال: عني بالذّكر والأنثى آدم وحواء.
وقال: لشتّى: أي: لمختلف.
وقال {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}
في القبر، وما يغني عنه ماله إذا تردّى في النّار.
وقيل: فسنيسره إلى العود للعمل الصّالح، ونيسره للعسرى على مزاوجة
الكلام عن الفرّاء، والمعنى التمكين.
الأولى: المعنى الذي قبل غيره مما يجري على أصله.
الأنثى والأولى من صفة الدّنيا.
التّلظي: تلهّب النّار بشدة، الإيقاد.
ولظى اسم من أسماء جهنّم.

(3/232)


قيل {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}
للإنذار بنارٍ هذه صفتها، وهي درك مخصوص من أدراك جهنّم لهذا
المتوعّد بها، وقيل: إنّها محذوف لما صحبه من دليل الآي الآخر، كأنّه قال: أو من جرى مجراه ممن عصاه.
التجنيب: تصيير الشيء في جانب غيره.
والاتقاء: تصيير في جانب الجنّة عن جانب النّار.
الأعلى: الأجل في صفة القادر بأنه يَنال ولا يُنال.
توهّج وتلهب وتلظى نظائر في اللّغة.
وقيل {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى}
أي: ليس ذلك بيد يتّخذها عند أحد من العباد
وذكر الوجه طلباً لشرف الذكر، والمعنى إلاّ الله ويجوز إلاّ ابتغاء ربّه
وطلب رضوانه وجه ومعناه عندنا إلاّ ابتغاء ربّه الذي له الوجه.

(3/233)


قال عبد الّله بن الزّبير: نزلت في أبي بكر الصّديق - رضي الله عنه -
وقيل: كذّب أي: ففرّ عما أمر به كما تقول: لقي فلان العدو فكذّب إذا نكل ورجع. عن الفرّاء.
وكأنّه قيل: كذّب في الطّاعة أي: لم يحقق.
قرأ ابن كثير في إحدى الرّوايتين {نَارًا تَّلَظَّى} مشددة التاء.
وقرأ الباقون بالتخفيف وأدغم ابن كثير التنوين في التاء.

(3/234)


سورة والضحى
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) }
إلى آخرها فقال:
ما الضّحى؟ وما معنى: سجى؟ وما العائل؟
وما معنى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ؟
وما سبب نزول السّورة؟.
الجواب:
الضّحى: صدر النّهار، وهو الضّحى المعروف عن قتادة.
وقيل: {وَالضُّحَى} النّهار كله من قولهم: ضحى فلان للشمس إذا ظهر لها وفي التنزيل {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) }
معنى {سَجَى}
غشي بظلامه.
وقيل: سجى بمعنى سكن من قولهم: بحر ساجٍ أي: ساكن، وطرف
ساجٍ كالعائل الفقير وهو ذو العيلة من غير حده.

(3/235)


معنى {قَلَى}
أبغض. عن ابن عباس.
وقيل: إنّه لمّا تأخّر عنه - صلى الله عليه وسلم - الوحي
قال قوم من المشركين: ودّع محمداً ربُّه وقلاه فأنزل الله تعالى تكذيبهم. عن ابن عباس وقتادة.
معنى {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) }
وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه، وقيل: ضالاً
عما أنت عليه من أمر النبوة والشريعة فهداك إليهما.
وقيل: في قوم ضلال أي: فكأنّك واحد منهم
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
قيل: من شكر النعمة التحديث بها.
وقيل: ما ودّعك: ما قاطع الوحي عنك.
وقيل: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
اغّتم لما تأخّر الوحي عنه فنزلت السّورة.

(3/236)


وقيل: له في الجنّة ألف قصر من الّلؤلؤ ترابه المسك وفيه من كل ما
تشتهي على أتم الوصف. عن ابن عباس.
ولم يكن ضلالة معصية.
وذكر النعمة من المنعم يحسن على وجهين:
أحدهما: التذكير بهما للشكر وطلب الزيادة منها فهذا جود وكرم.
والآخر: عند كفر المنعم عليه، فهذا التذكير على الوجه الأول
فلا تقهر أي: لا تقهره بأخذ ماله ظلماً، فكذلك من لا ناصر له، وهو
خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونهي لجميع المكلفين.
والانتهار: إيقاع الأغلاط بالصّياح في الوجه نهره وانتهره بمعنى
وقيل: فلا تقهره على ماله.

(3/237)


سورة ألم نشرح
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) }
إلى آخرها فقال:
ما الشّرح؟ وما الصدر؟ وما الوزر؟ وما الإنقاض؟ وما الفراغ؟
الجواب:
الشرح: فتح الشيء بإذهاب ما يُصد عن إدراكه، فالله جل ذكره قد فتح
صدر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بإذهاب الشّواغل التي تصد عن إدراك الحق وتعظيمه بما يحب له،

(3/238)


ومنه انشرح صدري لهذا الأمر، ومنه تشريح اللّحم، ومنه
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} .
الصدر: الموضع الأجل الأرفع الذي فيه القلب.
الوزر: الثِّقَلْ، والأوزار: الذنوب لأنها أثقال.
الإنقاض: الأثقال الذي ينتقض به ما حمل عليه، النقض والهدم من النظائر.
الفراغ نقيضه الشغل وهو: إنتفاء كون الشيء المضاد لكون غيره في المحل وزرك: ذنبك عن مجاهد وقتادة.
وقال الحسن: الوزر الذي كان عليه في الجاهلية قبل النبوة.
أنْقَض أثقل عن الحسن ومجاهد.
يقال: بعير ناقض إذا أثقله السفر.

(3/239)


{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}
بأني لا أذكر إلا ذكرت بلا إله إلاّ الله محمد رسول الله.
عن الحسن ومجاهد.
وفي حديث مرفوع (لن يغلب عسرٌ يسرين)
ووجه ذلك إن العسر معروف فهو واحد لأنه ذلك المعروف بعينه، واليسر منكّر فالثّاني فيه غير الأول.
وقيل: فإذا فرغت: من فرضك فانصب إلى ما رغبك الله فيه من العمل.
عن ابن عباس.
وقيل: فإذا فرغت: من جهاد أعدائك فانصب إلى ربّك في العبادة.
عن الحسن.
وقيل: فإذا فرغت فانصب: إلى ربّك في الدّعاء عن قتادة.
وقيل: فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب إلى عبادة ربِّك. عن مجاهد.
وإنما وصفت ذنوب الأنبياء بهذا الثقل مع أنّها صغائر مغفورة لشدة اغتمادهم بها وتحسّرهم على وقوعها مع ندمهم عليها.
فإذا فرغت فانصب: خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد جميع المكلفين من أمَّته.

(3/240)