تفسير ابن فورك

سورة والعاديات
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) }
إلى آخرها فقال:
ما الضّبح؟ وما معنى: والعاديات؟ وما معنى: والموريات؟ ولم أقسم بالمغيرات صبحاً؟ وما النقع؟ وما معنى: كنود؟ وما معنى: بعثر ما في القبور؟ وما معنى: فوسطن به؟
وما معنى: إنه لكنود؟ وما الخير الذي قاله {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} ؟
وما معنى: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} ؟.
الجواب:
العاديات ضبحاً: الخيل. عن ابن عباس ومجاهد.
وقيل: العاديات ضبحاً: الإبل. عن عبد الله ابن مسعود.
والضبح في الخيل أظهر عند أهل العلم.
ومعنى الضّبح: حمحمة الخيل عند العدو.
وقيل: الضبح شدّة النّفَس عند العدو، ضبحت الخيل تضبح ضبحاً وضباحاً
معنى {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا}
المظهرات بسنابكها قدحاً، أورى القادح النّار يوري إيراءاً إذا قدح وتسمّى تلك النّار نار الحباحب.

(3/260)


أقسم بـ {فَالْمُغِيرَاتِ}
لعظم شأنها في الغارة على أعداء الله من المشركين، وإنّما أقسم بها تنبيه على عظم الشأن وتأكيد الأخبار.
النقع: الغبار لأنّه يغوص فيه صاحبه كما يغوص في الماء.
معنى كنود: ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت شيئاً وأصله منع الحق
ومعنى {إنّه لحب الخير لشديد} : لبخيل
بعثر ما في القبور: أثير وأخرج، وكذلك بحثر.
وقيل: فالموريات قدحاً الأسنَّة، وقيل: هم الذين يورون النّار بعد
انصرافهم من الحرب. عن ابن عباس.
وقيل: أمكار الرّجال، وقيل: به يعود إلى معلوم أي: بالمكان أو بالوادي.

(3/261)


وقيل {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}
جمع العدو عن قتادة، وقيل: جمع الفريقين عن مجاهد
وقيل {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} عن الحسن.
وقيل: هو الله تعالى عن قتادة
{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}
ميّز [الحق من الباطل] (1) .
وقيل: إنما ذكر صبحاً لأنه كانوا يسيرون إلى العدو ليلاً ويأتونه صبحاً. وقيل: إنهم لعزهم أغاروا نهاراً وإنه لشديد الحب للمال فهو يظلم النّاس بمنعه.
وقيل {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} جمع وأبرز.
وقال الحسن: لشديد: لشحيح يمنع منه حق الله عز وجل.
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من التبيان للطوسي.

(3/262)


سورة القارعة
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) }
إلى آخرها فقال:
ما القارعة؟ وما الفراش؟ وما المبثوث؟ وما العهن؟ ولم جاز عيشةً راضية
بمعنى مرضيةً؟ وما معنى: ثقلت موازينه؟ وما معنى: فأمّه هاوية؟.
الجواب:
القارعة: البلية التي تقرع القلوب بشدة المخافة يقال: قرع يقرع قرعاً.
وهو الضرب بشدة اعتماد، ومنه انشقت القرعة.
الفراش: الجراد الذي ينفرش ويركب بعضه بعضاً، وهو غوغاء الجراد عن الفرّاء.
وقال ابن عبيدة: طير ينفرش ليس بذباب ولا بعوض.
وقيل: الفراش هذا الطير الذي يتساقط في النّار والسّراج عن قتادة.
المبثوث: المتفرق في الجهات كأنّه محمول على الذهاب فيها.
العهن: الصّوف من ألوان عن أبي عبيدة.
جاز عيشة راضية: بمعنى مرضية لأن فاعلاً يكون بمعنى ذو رضا كقولهم: نابل أي ذو نبل

(3/263)


قال الشاعر:
وغرّرتني وزعمت إنّك لابن في الصيف تامر.
أي: ذو لبن وذو تمر.
وقيل: القارعة والواقعة والحاقة القيامة عن وكيع.
وقال مجاهد: ثقلت موازينه على جهة المثل.
وقيل: أمه: لأنه يأوي إليها كما يأوي الولد إلى أمه.
وقيل: يهوى على أم رأسه في النّار عن قتادة.

(3/264)


وقيل: الموازين في الأرض على صورة الميزان له كفتان عن الحسن.
يقال: عِهْنَه وَعِهْن مثل صوفه وصوف.
{مَا هِيَهْ} هذه هاء السكت إلاّ أنَّها توصل على نية الوقف، ويجوز فيها الحذف.

(3/265)


سورة التكاثر

مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) }
إلى آخرها فقال:
ما الإلهاء؟ وما التّكاثر؟ وما الزيارة؟ وما علم اليقين؟ وما الفرق بين النعيم والنعمة؟ وما معنى: كلاّ سوف تعلمون؟ وهل في ذلك دليل على عذاب القبر؟ وفيمن نزلت؟.
الجواب: الإلهاء: الصرف إلى اللهو.
اللهو الانصراف إلى ما يدعوا إليه الهوى.
التكاثر: التفاخر بكثرة المناقب، والمتفاخر متكبر لأنه تطاول بغير حق، والزيارة: إتيان الموضع كإتيان المأوى الألفة على غير إقامة زاره يزره زيارة. علم اليقين: علم يثلج به الصّدر.

(3/266)


النعمة كالإنعام في التضمين لمعنى منعم، أنعم إنعاماً ونعمة، والشكر
يتعلق بهما وليس كذلك النعيم لأنه من نعم نعيماً وذلك لا يوجب شكراً. والنَعمة بفتح النون فمن نعُم بضم العين إذا لان.
التكاثر: التباهي بكثرة المال والعدد.
وقيل: ما زالوا يتباهون بالعز والكثرة حتى صاروا من أهل القبور.
عن قتادة.
وقيل {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}
في اليقين ثمّ كلاّ سوف تعلمون هذا البعث فيما يروى عن علي رضي الله عنه أنه يدل على عذاب القبر.
وقيل: النعيم الأمن والصحة عن عبد الله بن مسعود ومجاهد.
وقيل: النعيم في المأكل والمشرب وغيره من الملاذ عن سعيد بن جبير وقتادة. وقيل: معناه يسائلهم عن كل نعمة.
وقيل {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}
في الموقف ثم إذا دخلتم جهنم.
وقيل {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}
حتى متّم.

(3/267)


وقال الحسن: لا يسأل عن النعيم إلاّ أهل النّار
وقيل: نزلت في حيين من قريش تفاخروا حتى ذكروا الأموات وهما بنو سهم وبنو عبد مناف.
قرأ ابن عامر والكسائي {لتُرون} مضمومة التاء {ثم لتَرونها} مفتوحة
، وقرأ الباقون بالفتح فيهما.

(3/268)


سورة والعصر
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }
وما أصله؟ وما الخسر؟ وما الصبر؟ وما الحق؟.
الجواب: العصر: الدّهر. عن ابن عباس.
وقيل: العشيُّ. عن الحسن وقتادة، وكلاهما فيه العبرة من آخر النّهار في التقصي والليل في المجيء، ومن جهة مرور الليل والنّهار على تقدير الأدوار.
أصل العصر: هو عصر الثّوب ونحوه وهو فتله لإخراج مائه، فمنه
عصر الدهر، لأنه الوقت الذي يمكن فتل الأمور كفتل الثوب، وبه سميت صلاة

(3/269)


العصر، قيل: لأنها تعصر بالتأخر. أي: تفتل إليه.
العصارة ما يعتصر من العنب وغيره.
المعصرات: السّحاب التي تعصر المطر
الإعصار: غبار ينفتل كالعمود يتصعد إلى السماء.
الاعتصار: استخراج مال من الإنسان لأنه ينحلب كما ينحلب ما يعصر.
الخسر: هلاك رأس المال، للإنسان في هلاك ماله وهو أكبر في رأس ماله. إلا المؤمن العامل بطاعة ربه وهذه صفة كل مكلف لطاعته.
الصبر: حبس النفس عما تنازع إليه من الأمر، وهو الصبر على طاعة الله تعالى عن الحسن وقتادة.
الحق: ما دعاه الله تعالى إليه وحسّنه بأمره.

(3/270)


سورة الهمزة
مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) }
إلى آخرها فقال:
ما الهمزة؟ وما المؤصدة؟ وما الحطمة؟ وما العمد؟ وفيمن نزلت السورة؟ وما معنى: أخلده؟ وما معنى: لَيُنْبَذَنَّ؟ وما معنى: تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ؟.
الجواب:
الهمزة: الكثير الطعن على غيره، بغير حق، العائب له بما ليس فيه
عيب لسفهه وجهله وشدة إقدامه على مكاره غيره، همز الناس يهمزهم همزاً، ومنه الهمزة في الكلام لأنها تخرج كالطعنة بقوة اعتماد
وقيل: الهمزة الطعان.
واللمز: المغتاب العيّاب.
والمؤصدة: المطبقة الهدف إليك أوصده إذا أطبقه وأوصدته إيصاداً
إطباقا ومنه {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ}
فأبو عمرو يهمز مؤصدة في تليين.
الهمز لين لا يخرج من لغة إلى لغة.

(3/271)


الحطمة: الكثيرة الحطم أي: الأكول، ورجل حطمه أي: أكول وحطّم الشيء إذا كسّره.
العمد: جمع عمود
وقيل: جمع عماد.
الهمزة اللمزة المشاء بالنميمة، المفرق بين الأحبة.
وقيل: نزلت في مشرك بعينه كان يهمز الناس ويلمزهم. عن ابن عباس.
وقيل: إنه جميل بن عامر الجمحي
وقال مجاهد: ليست بخاصة لأحد.
وقيل: جمع مالاً وعدده: من غير أن يؤدي حق الله منه.

(3/272)


وقيل: أخلده بمعنى يخلده كما يقال: هلك فلان إذا حدث به بسبب
الهلاك من غير أن يقع هلاكه.
{لَيُنْبَذَنَّ}
ليقذفنّ وليطرحنَّ.
وقيل {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}
تبلغ ألمها الأفئدة.
وقيل: مطبقة بعمد ممددة عن ابن مسعود
وقيل: عمد يعذّبون بها. عن قتادة.
وقيل: الأطباق العمد الممددة لها كف مانعهم من الخروج عنها
وقيل: يعمل عمل من يحسب أن ماله أخلده
وقال الحسن: يحسب أن ماله أخلده: بمعنى يعينه.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {جَمَّعَ}
بالتشديد، وقرأ الباقون {جَمَعَ} خفيف.
قرأ {عُمُدٍ}
بضمتين حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم
وقرأ الباقون {عَمَدٍ} بفتح العين والميم.

(3/273)


صفحة فارغة

(3/274)