تفسير أبي السعود
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم 75 سورة القيامة (1 3) سورة القيامة مكية
وآياتها أربعون
بسم الله الرحمن الرحيم
(9/64)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ (1)
لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة
إدخالُ لاَ النافيةِ عَلى فعلِ القسمِ شائعٌ وفائدتُها توكيدٌ
القسمِ قالُوا إنَّها صلةٌ مِثلُها في قولِه تعالى لّئَلاَّ
يَعْلَمَ أَهْلُ الكتابِ وقيلَ هيَ للنفِي لكنْ لا لنفي نفسِ
الأقسام بل النفي ما ينبىءُ هُو عنْهُ منْ إعظامِ المقسمِ بهِ
وتفخيمِه كأنَّ مَعْنى لا أقسم بكذا لاأعظمه بإقسامِي بهِ
حَقَّ إعظامِه فإنَّه حقيقٌ بأكثرَ منْ ذلكَ وأكثرَ وأما مَا
قيل من أن المعنى نفي الإقسام لوضوحِ الأمرِ فقدْ عرفتَ مَا
فيهِ فِي قَوْلِه تَعَالَى فَلاَ أُقْسِمُ بمواقع النجوم وقيلَ
إنَّ لاَ نفيٌ وردَ لكلامٍ معهودٍ قبلَ القسمِ كأنَّهم أنكرُوا
البعثَ فقيلَ لاَ أيْ ليسَ الأمرُ كذلكَ ثمَّ قيلَ أقسمُ بيومِ
القيامةِ كقولِك لا والله إنَّ البعثَ حقٌّ وأيا ما كانَ ففِي
الإقسامِ على تحققِ البعثِ بيوم القيامةِ من الجزالة ما لا
مزيدَ عليهِ وقَدْ مرَّ تفصيلُه في سورةِ يس وسورةِ الزخرفِ
(9/64)
وَلَا أُقْسِمُ
بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
ولا أقسم بالنفس اللومة
أَيْ بالنَّفسِ المتقيةِ التي تلومُ النفوسَ يومئذٍ عَلى
تقصيرهنَّ فِي التَّقوى ففيهِ طَرفٌ منَ البَراعةِ التي في
القسمِ السَّابقِ أوْ بالنفس التي تلومُ نفسَها وإنِ اجتهدتْ
في الطاعاتِ أو بالنفسِ المطمئنةِ اللائمةِ للنفسِ الأمارةِ
وقيلَ بالجنسِ لَما رُوي أنه عليه الصلاة والسلام قالَ ليسَ
منْ نفسٍ برة ولا فاجر إلا وتلومُ نفسَها يومَ القيامةِ إنْ
عملتْ خيراً قالتْ كيفَ لَمْ أزددْ وإنْ عملتْ شَراً قالتْ
ليتني كنتُ قصرتُ ولا يَخفْى ضعفُه فإنَّ هذَا القدرِ منَ
اللومِ لا يكونُ مداراً للإعظامِ بالإقسامِ وإنْ صدرَ عنْ
النفسِ المؤمنةِ المسيئةِ فكيفَ منَ الكافرةِ المندرجةِ تحتَ
الجنسِ وقيلَ بنفس آدمَ عليهِ السَّلامُ فإنَّها لا تزالُ
تتلومُ عَلى فعلِها الذَّي خرجتْ بهِ منَ الجنةِ وَجَوابُ
القسمِ ما دلَّ عليهِ قولُه تعالَى
(9/64)
أَيَحْسَبُ
الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)
أَيَحْسَبُ الإنسان أَن لَنْ نَّجْمَعَ
عِظَامَهُ
وهُو ليبعثن والمرادُ بالإنسان الجنسُ والهمزةُ والإنكار
الواقعِ واستقباحِه وأنْ مخففةٌ منَ الثقيلةِ وضميرُ الشأنِ
الذي هو اسمُها محذوفٌ أيْ أيحسبُ أنَّ الشأنَ لنْ نجمعَ
عظامَهُ فإنَّ ذلكَ حسبانٌ بَاطِلٌ فإنَّا نجمعها بعدَ تشتتها
ورجُوعِها رَميماً
(9/64)
سورة القيامة (4 5) ورفاتا مختلطا يالتراب
وبعدَ مَا سفتَها الرِّياحُ وطيرته في أقطارِ الأرضِ وألقتها
في البحارِ وقيلَ إنَّ عديَّ بنَ أبِي ربيعةَ ختَنَ الأخنسِ بن
شُريق وهُمَا اللذانِ كانَ النبيُّ عليسه الصَّلاةُ والسَّلامُ
يقولُ فيهَما اللَّهم اكفِني جاريْ السوءِ قال لرسول الله صلى
الله عليه وسلم يا محمدُ حدثنى عنْ يومِ القيامةِ مَتَى يكونُ
وكيفَ أمرُهُ فأخبرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ لو
عاينتُ ذلكَ اليومَ لَمْ أصدقكَ أوَ يجمع الله هذهِ العظامَ
(9/65)
بَلَى قَادِرِينَ
عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)
بلى أيْ نجمعُهَا حالَ كونِنَا
قادرين على أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ
أيْ نجمعُ سُلامَياتِه ونضمُّ بعضَها إلى بعض كما كانت مع
صغرِها ولطافتِها فكيفَ بكبارِ العظامِ أو عَلى أنْ نسويَ
أصابَعُه التي هيَ أطرافُه وآخرُ مَا يتمُّ بهِ خلقُه وُقرِىءَ
قادرونَ
(9/65)
بَلْ يُرِيدُ
الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)
بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ
عطفٌ عَلى أيحسبُ إمَّا على أنَّه استفهامٌ مثلُه أضربَ عنِ
التوبيخِ بذلكَ إلى التوبيخِ بَهذا أوْ عَلى أنَّه إيجابٌ
انتقلَ إليهِ عنْ الاستفهامِ أيْ بلْ يريدُ ليدومَ على فجورِه
فيمَا بين يديهِ منَ الأوقاتِ وما يستقبلُه منَ الزمانِ لاَ
يرعوى عنه
(9/65)
يَسْأَلُ أَيَّانَ
يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)
يسأل أَيَّانَ يَوْمُ القيامة
أيْ متى يكونُ استبعاداً أو استهزاءً
(9/65)
فَإِذَا بَرِقَ
الْبَصَرُ (7)
فَإِذَا بَرِقَ البصر أيْ تحيرَ فزعاً من
برقَ الرجلُ إذَا نظرَ إلى البرقِ فدُهشَ بصرُه وقُرِىءَ بفتحِ
الراءِ وهيَ لغةٌ أو منَ البريقِ بمَعْنى لمعَ منْ شدةِ شخوصِه
وقرىء بلق أي انفتحَ وانفرجَ
(9/65)
وَخَسَفَ الْقَمَرُ
(8)
وَخَسَفَ القمر أيْ ذهبَ ضوؤه وقُرِىءَ على
البناءِ للمفعولِ
(9/65)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ (9)
وَجُمِعَ الشمس والقمر بأنْ يطلعهما الله
تعالَى من المغربِ وقيلَ جُمِعا في ذهابِ الضوءِ وقيلَ يجمعانِ
أسودينِ مكورينِ كأنَّهما ثورانِ عقيرانِ في النَّارِ وتذكيرُ
الفعلِ لتقدمهِ وتغليبِ المعطوفِ
(9/65)
يَقُولُ الْإِنْسَانُ
يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ أيْ يومَ إذْ
تقعُ هذهِ الأمورُ
أَيْنَ المفر أي الفرارُ يأساً منُهُ وقُرِىءَ بالكسرِ أيْ
موضعِ الفرارِ وقد جوز أن يكون هُو أيضاً مصدراً كالمرجعِ
(9/65)
سورة القيامة (11 16)
(9/66)
كَلَّا لَا وَزَرَ
(11)
كَلاَّ رَدعٌ من طلبِ المفرو تمنيه
لاَ وَزَرَ
لاَ ملجأ مستعارٌ منْ الجبلِ وقيلَ كُلُّ ما التجأتَ إليهِ
وتخلصتَ بهِ فَهُو وزَرُك
(9/66)
إِلَى رَبِّكَ
يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر أيْ إليهِ
وحْدَهُ استقرارُ العبادِ أو إلى حُكمِه استقرارُ أمرهم أَوْ
إِلى مشيئتِه موضعُ قرارِهم يُدخلُ مَنْ يشاءُ الجنةَ ومَنْ
يشاءُ النَّارَ
(9/66)
يُنَبَّأُ
الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ أيْ يُخبرُ
كلُّ امرىءٍ براً كان فاجراً عندَ وزنِ الأعمالِ
بِمَا قَدَّمَ أيْ عملَ منْ عملٍ خيراً كانَ أو شراً فيثابُ
بالأولِ ويعاقبُ بالثاني
وَأَخَّرَ أيْ لَمْ يعملْ خيراً كانَ أو شراً فيعاقبُ بالأولِ
ويثابُ بالثانِي أو بما قدمَ منْ حسنةٍ أوْ سيئةٍ وبما أخَّر
منْ سنة حسنة أو سيئة فعملَ بَها بعدَهُ أو بما قدمَ منْ مالٍ
تصدقَ بهِ في حياتِه وبما أخر فخلقه أو وقفَهُ أو أوْصَى بهِ
أو بأولِ عملِه وآخرِه
(9/66)
بَلِ الْإِنْسَانُ
عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بصيرة أي حجة
وبينة على نفسِه شاهدةٌ بما صدرَ عنْهُ منَ الأعمالِ السيئةِ
كما يعربُ عنْهُ كلمةُ على وما سيأتِي منَ الجملةِ الحاليةِ
وصفتْ بالبصارة ومجانا كما وصفتْ الآياتُ بالأبصار في قوله
تعالى فَلَمَّا جاءتهم آياتنا مُبْصِرَةً أوْ عينٌ بصيرةٌ أوِ
التاءُ للمبالغةِ ومَعْنى بَلْ الترقِي أيْ ينبأُ الإنسانُ
بأعمالِه بلُ هُو يومئذٍ عالمٌ بتفاصيلِ أحوالِه شاهدٌ على
نفسِه لأنَّ جوارحَهُ تنطقُ بذلكَ وقولُه تعالَى
(9/66)
وَلَوْ أَلْقَى
مَعَاذِيرَهُ (15)
وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ أيُ ولَو جاءَ
بكُلِّ معذرةٍ يمكنُ أنْ يعتذرَ بَها عن نفسِه حالٌ من
المستكنِ في بصيرةٍ أو منْ مرفوعٍ ينبأُ أيْ هُو بصيرةٌ علَى
نفسِه تشهدُ عليهِ جوارحُه وتُقبلُ شهادتُها ولو اعتذرَ بكُلِّ
معذرةٍ أو ينبأُ بأعمالِه ولِو اعتذرَ الخ والمعاذيرُ اسمُ
جمعٍ للمعذرةِ كالمناكيرِ اسمُ جمعٍ للمنكرِ وقيلَ هو جمعُ
معذارٍ وهُو السترُ أيْ ولوْ أرْخى ستورَهُ كانَ رسولُ الله
صلى عليه وسلم إذَا لقِّن الوحيَ نازعَ جبريلَ عليهِ السَّلامُ
القراءةَ ولَم يُصبرْ إلى أنْ يتمَّها مسارعةً إلى الحفظِ
وخوفاً منْ أنْ ينفلتَ فأمر عليه الصلاة والسلام بأن يستنصتَ
لَهُ ملقياً إليهِ قلَبُه وسمَعُه حَتَّى يُقضى إليهِ الوحيُ
ثمَّ يُقضى إليهِ الوحيُ ثمَّ يقفّيهِ بالدراسةِ إلى أنْ يرسخ
فيه فقيل
(9/66)
لَا تُحَرِّكْ بِهِ
لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
لاَ تُحَرّكْ بِهِ أيْ بالقرآنِ
لِسَانَكَ عندَ إلقاءِ الوَحْى
لِتَعْجَلَ بِهِ أي لتأخذَهُ على عجلة مخافة أن ينفلت منك
(9/66)
سورة القيامة (17 23)
(9/67)
إِنَّ عَلَيْنَا
جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ في صدرِك بحيثُ
لا يذهبُ عليكَ شيءٌ مِنْ معانيهِ
وقرآنه أي إثباتَ قراءتِه في لسانِكَ
(9/67)
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)
فَإِذَا قرأناه أي أتمَمنا قراءتَهُ عليكَ
بلسانِ جبرِيلَ عليهِ السَّلامُ وإسنادُ القراءةِ إلى نونِ
العظمةِ للمبالغةِ في إيجابِ التأنِّي
فاتبع قرآنه فكُن مقفّياً لَهُ ولا تراسلُه
(9/67)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا
بَيَانَهُ (19)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ أي بيانَ
ما أشكلَ عليكَ من معانيهِ وأحكامِه
(9/67)
كَلَّا بَلْ
تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)
كلا ردع له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن
عادةِ العجلةِ وترغيبٌ لهُ في الأناةِ وأكَّد ذلكَ بقولِه
تعالَى
بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة
(9/67)
وَتَذَرُونَ
الْآخِرَةَ (21)
وَتَذَرُونَ الأخرة على تعميمِ الخطابِ
للكُلِّ أيْ بَلْ أنتُم يا بنِي آدمٍ لما خلقتُم مِنْ عجلٍ
وجبلتُم عليهِ تعجلونَ في كُلِّ شيءٍ ولذلكَ تحبونَ العاجلةَ
وتذرونَ الآخرةَ وقيلَ كلا ردع للإنسان عن الاغترارِ بالعاجلِ
فيكونُ جمعُ الضميرِ في الفعلينِ باعتبارِ مَعْنى الجنسِ
ويؤيدُه قراءةُ الفعلينِ على صيغةِ الغيبةِ
(9/67)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ (22)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ أيْ وجوهٌ
كثيرةٌ وهيَ وجوهُ المؤمنينَ المخلصينَ يومَ إذْ تقومُ
القيامةُ بهيةٌ متهللةٌ يشاهدُ عليهَا نضرةُ النعيمِ علَى أنَّ
وجوهٌ مبتدأٌ وناضرةٌ خبرُهُ ويومئذٍ منصوبٌ بناضرةٌ وناظرةٌ
في قولِه تعالَى
(9/67)
إِلَى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ (23)
إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ خبرٌ ثانٍ للمبتدإِ
أو نعتٌ لناضرةٌ وإلى ربِّها متعلقٌ بناظرةٌ وصحةُ وقوعِ
النكرةِ مبتدأً لأنَّ المقامَ مقامُ تفصيلٍ لاَ على أنَّ
ناضرةٌ صفةٌ لوجوهٌ والخبرُ ناظرةٌ كمَا قيلَ لما هُو المشهورُ
مِنْ أنَّ حق الصفة أن تكون معلومةَ الانتسابِ إلى الموصوف
عندَ السامعِ وحيثُ لمْ يكُنْ ثبوتُ النضرةِ للوجوهِ كذلكَ
فحقُّه أنْ يخبَر بهِ ومَعْنى كونِها ناظرةً إلى ربِّها أنَّها
تراهُ تعالَى مستغرقةً في مطالعةِ جمالِه بحيثُ تغفلُ عَمَّا
سواه وتشاهد تعالَى بلا كيفٍ ولا على جهةٍ وليسَ هذا في جميعِ
الأحوالِ حَتَّى ينافيَهُ نظرُهَا إلى غيرِه وقيل منتظره
وإنعامه ورُدَّ بأنَّ الانتظارَ لا يسندُ إلى الوجْهِ وتفسيرُه
بالجملةِ خلافُ الظاهرِ وأنَّ المستعملَ بمعناهُ لا يُعدَّى
بالي
(9/67)
سورة القيامة (24 33)
(9/68)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
بَاسِرَةٌ (24)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ شديدةُ
العبوسِ وهيَ وجوهُ الكفرةِ
(9/68)
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ
بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
تَظُنُّ يتوقعُ أربابُها
أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ داهيةٌ عظيمةٌ تقصمُ فقارَ
الظهرِ
(9/68)
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ
التَّرَاقِيَ (26)
كَلاَّ ردعٌ عنْ إيثارِ العاجلةِ عَلى
الآخرةِ أيْ ارتدعُوا عنْ ذلكَ وتنبهُوا لما بينَ أيديكُم منَ
الموتِ الذي ينقطعُ عندَهُ ما بينكُم وبينَ العاجلةِ منَ
العلاقةِ
إِذَا بَلَغَتِ التراقى أيْ بلغتْ النفسُ أعاليَ الصَّدرِ وهيَ
العظامُ المكتنفة لثغرة النحر عنْ يمينٍ وشمالٍ
(9/68)
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ
(27)
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ أيْ قالَ مَن حضرَ
صاحبَها مِنْ يرقيهِ وينجيهِ مما هُو فيهِ مِنَ الرقيةِ وقيلَ
هُو مِنْ كلامِ ملائكةِ الموتِ أيكُم يَرقَى بروحِه ملائكةُ
الرحمةِ أو ملائكةُ العذابِ مِنَ الرُّقِيِّ
(9/68)
وَظَنَّ أَنَّهُ
الْفِرَاقُ (28)
وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق وأيقنَ المحتضرُ
أنَّ ما نزلَ به الفراق مِنَ الدنيا ونعيمِها
(9/68)
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ (29)
والتفت الساق بالساق والتفتْ ساقُه بساقِه
والتوتْ عليهَا عندَ حلولِ الموتِ وقيلَ هُما شدةُ فراقِ
الدُّنيا وشدةُ إقبالِ الآخرةِ وقيلَ هما ساقاهُ حينَ تلفانِ
في أكفانِه
(9/68)
إِلَى رَبِّكَ
يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)
إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المساق أيْ إلى الله
وإلى حكمِه يساقُ لا إلى غيرِه
(9/68)
فَلَا صَدَّقَ وَلَا
صَلَّى (31)
فَلاَ صَدَّقَ ما يجبُ تصديقه من الرسول
صلى الله عليه وسلم والقرآنِ الذي نزلَ عليهِ أو فلاَ صدقَ
مالَه ولا زكَّاهُ
وَلاَ صلى ما فُرضِ عليهِ والضميرُ فيهمَا للإنسانِ المذكورِ
في قوله تعالى أيحسب الإنسان وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون
بالفروع في حَقِّ المؤاخذةِ كما مَرَّ
(9/68)
وَلَكِنْ كَذَّبَ
وَتَوَلَّى (32)
{ولكن كَذَّبَ} مَا ذُكرَ منَ الرسولِ
والقرآنِ {وتولى} عنِ الطاعةِ
(9/68)
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى
أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)
ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى يتبخترُ
افتخاراً بذلكَ من المط فإن المبتختر يمد خطاهُ فيكونُ أصلُه
يتمطط
(9/68)
سورة القيامة (34 40) أو منَ المَطَا وهو
الظهر فإنه يلويه
(9/69)
أَوْلَى لَكَ
فَأَوْلَى (34)
أولى لَكَ فأولى أيْ ويل لك وأصله أو
أَوْلاَكَ الله ما تكرهُه واللامُ مزيدةٌ كمَا في رَدِفَ لَكُم
أوْ أَوْلى لكَ الهلاكُ وقيلَ هُو أفعلُ منَ الويلِ بعدَ
القلبِ كأدْنى من دُون أو فَعْلى من آلَ يؤولُ بمَعنى عقباكَ
النارُ
(9/69)
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ
فَأَوْلَى (35)
ثُمَّ أولى لَكَ فأولى أيْ يتكررُ عليهِ
ذلكَ مرةً بعدَ أُخْرَى
(9/69)
أَيَحْسَبُ
الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى أيْ
يخلى مُهملاً فلاَ يكلَّفُ ولا يُجزى وقيلَ أنْ يتركَ في قبرِه
ولا يبعثَ وقولُه تعالَى
(9/69)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً
مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مَّنِىّ يمنى الخ
استئنافٌ واردٌ لإبطالِ الحسبانِ المذكورِ فإن مداره لما كان
استبعادُهم للإعادةِ استدلَّ على تحققِها ببدءِ الخلقِ
(9/69)
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً
فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً أيْ بقدرةِ الله
تعالَى لقولِه تعالَى ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً
{فَخَلَقَ} أي فقدرَ بأنْ جعلَها مضغةً مخلقةً {فسوى} فعدَّلَ
وكمَّل نشأتَهُ
(9/69)
فَجَعَلَ مِنْهُ
الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)
{فَجَعَلَ مِنْهُ} منَ الإنسانِ
الزوجين أيِ الصنفينِ
الذكر والأنثى بدل من الزوجينِ
(9/69)
أَلَيْسَ ذَلِكَ
بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)
أَلَيْسَ ذَلِكَ العظيمُ الشأنِ الذي أنشأَ
هَذا الإنشاءَ البديعَ
بِقَادِرٍ على أَن يحيى الموتى وهُو أهونُ من البدءِ في قياسِ
العقلِ رُوي أن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم كانَ إذَا
قرأَها قالَ سبحانك بلى وعنه صلى الله عليه وسلم مَنْ قرأَ
سورةَ القيامةِ شهدتُ لَهُ أنَا وجبريلُ يومَ القيامةِ أنَّه
كانَ مؤمنا بيوم القيامة
(9/69)
سورة الإنسان (1 2)
بسم الله الرحمن الرحيم
(9/70)
هَلْ أَتَى عَلَى
الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا
مَذْكُورًا (1)
هَلْ أتى استفهامُ تقريرٍ وتقريبٍ فإنَّ
هَلْ بمَعْنى قَدْ والأصلُ أَهَلْ أَتَى
عَلَى الإنسان قبلَ زمانٍ قريب
حين الدهر أي طائفةٌ محدودةٌ كائنةٌ من الزمنِ الممتدِّ
لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً بلْ كانَ شيئاً منسياً غيرَ
مذكورٍ بالإنسانية أصلاً كالعنصرِ والنطفةِ وغيرَ ذلكَ
والجملةُ المنفيةُ حالٌ من الإنسان أي غيرَ مذكورٍ أو صفةٌ
أُخرى لحينٌ على حذف العائدِ إلى الموصوف أي لمْ يكُن فيه
شيئاً مذكُوراً والمرادُ بالإنسان الجنسُ فالإظهارُ في قوله
تعالى
(9/70)
إِنَّا خَلَقْنَا
الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ
فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ
لزيادة التقريرِ أو آدمَ عليه السَّلامُ وهو المرويُّ عن ابن
عباسٍ وقتادة والثوريِّ وعكرمةَ والشعبيِّ قالَ ابنُ عباسٍ في
روايةِ أبي صالحٍ عنْهُ مرتْ به أربعونَ سنةً قبلَ أنْ يُنفخَ
فيه الروح وهو مُلقى بين مكةَ والطائفِ وفي روايةِ الضحاكِ عنه
أنَّه خُلقَ من طينٍ فأقامَ أربعينَ سنةً ثمَّ من حمإٍ مسنون
فأقامَ أربعينَ سنةً ثمَّ من صلصالٍ فأقامَ أربعينَ سنةً فتمَّ
خلقُه بعدَ مائة وعشرين سنةً فتمَّ خلقُه بعدَ مائةٍ وعشرينَ
سنةً ثمَّ نُفخ فيهِ الروحُ وحكَى الماوَرْدِيُّ عن ابن عباسٍ
رضي الله عنهما أن الحين المذكور ههنا هو الزمنُ الطويلُ
الممتدُّ الذي لايعرف مقدارُه فيكونُ الأولُ إشارةً إلى خلقَه
عليه الصَّلاة والسَّلام وهذا بياناً لخلقِ بنية
أمشاج أخلاط حمع مشجٍ أو مشيجٍ منْ مشجت الشيء إذا خلقته وصف
النطفةَ بهِ لما أنَّ المرادَ بها مجموعُ الماءينِ ولكلَ
منهُمَا أوصافٌ مختلفةٌ من اللون والرقةِ والغِلَظِ وخواصُّ
متباينةٌ فإنَّ ماءَ الرجلِ أبيضُ غليظٌ فيه قوَّةُ العقدِ
وماءَ المرأةِ أصفرُ رقيقٌ فيهِ قوةُ الانعقادِ يُخلقُ منهُمَا
الولد فما كان م من عصبٍ وعظمٍ وقوةٍ فَمِنْ ماءِ الرُّجُلِ
وما كانَ منْ لحمٍ ودمٍ وشعرٍ فَمِنْ ماءِ المرأةِ قالَ
القرطبيُّ وقد رُويَ هذا مرفوعاً وقيلَ مفردٌ كأعشارٍ وأكياشٍ
وقيلَ أمشاجٌ ألوانٌ وأطوارٌ فإنَّ النطفةَ تصيرُ علقةً ثمَّ
مضغةً إلى تمام الخِلقةِ وقولُه تعالَى
نَّبْتَلِيهِ حالٌ منْ فاعلِ خلقنَا أيْ مريدينَ ابتلاءه
بالتكليف فيما سيأتى أو ناقلينَ له من حالٍ إلى حال على طريقة
الاستعارةِ كما رُوي عن ابنِ عباس رضي الله عنهُمَا نصرّفه في
بطنِ أمه نطفةً ثمَّ علقةً إلى آخرِهِ
فجعلناه سَمِيعاً بَصِيراً ليتمكنَ من استماعِ الآياتِ
التنزيليةِ ومشاهدةِ الآياتِ التكوينية
(9/70)
سورة الأنسان (3 6)
فهو كالمسبب عن الابتداء فلذلكَ عُطِفَ على الخلقِ المقيدِ به
بالفاءِ ورُتِّبَ عليه قوله تعالى
(9/71)
إِنَّا هَدَيْنَاهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
إنا اهديناه السبيل بإنزالِ الآياتِ ونصبِ
الدلائل
إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً حالانِ من مفعولِ هدينَا أي
مكّناهُ وأقدرناهُ على سلوكِ الطريقِ الموصلِ إلى البُغيةِ في
حالتيهِ جميعاً وإمَّا للتفصيلِ أو التقسيمِ أيْ هديناهُ إلى
ما يوصلُ إليها في حاليهِ جميعاً أو مقسوماً إليهما بعضُهم
شاكرٌ بالاهتداءِ والأخذِ فيهِ وبعضُهم كفورٌ بالإعراضِ عنْهُ
وقيلَ من السبيلِ أي عرفناهُ السبيلَ إما سبيلاً شاكراً أو
كفوراً على وصفِ السبيلِ بوصف سالكه مجازا وقرئ أَمَّا بالفتحِ
على حذفِ الجواب أى أم اشاكرا فتوفيقنا وأَمَّا كفوراً فبسوءِ
اختيارِه لا بمجرد وإجبارنا من غيرِ اختيارٍ منْ قِبَلِه
وإيرادُ الكفورِ لمراعاة الفواصلِ والإشعارِ بأنَّ الإنسانَ
قلَّما يخلُو من كفرانٍ مَا وإنَّما المؤاخذُ عليه الكفرُ
المفرطُ
(9/71)
إِنَّا أَعْتَدْنَا
لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)
إِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين من أفراد
الإنسان الذي هديناهُ السبيل
سلاسل بهَا يُقادُون
وأغلالا بها يُقيَّدونَ
وَسَعِيراً بهَا يُحرقُون وتقديمُ وعيدِهم معَ تأخرهم للجمع
بينهُمَا في الذكر كما في قوله تعالى يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ الآيةَ
ولأنَّ الإنذارَ أهمُّ وأنفعُ وتصديرُ الكلامِ وختمُه بذكرِ
المؤمنينَ أحسنُ على أنَّ في وصفِهم تفصيلاً ربَّما يُخلُّ
تقديمُه بتجاوب أطراف النظم الكريم وقرئ سلاسلاً للتناسب
(9/71)
إِنَّ الْأَبْرَارَ
يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)
إِنَّ الأبرار شروعٌ في بيانِ حُسنِ حالِ
الشاكرينَ إثرَ بيانِ سوءِ حالِ الكافرين وإيراداهم بعنوانِ
البِرِّ للإشعارِ بمَا استحقُّوا بهِ ما نالُوه من الكرامةِ
السنيةِ والأبرارُ جمعُ بَرَ أو بارَ كربَ وأربابٍ وشاهدٍ
وأشهادٍ قيلَ هُو من يبرُّ خالقه أي يطيعه وقيل من يمتثلُ
بأمرِه تعالى وقيلَ من يؤدِّي حقَّ الله تعالى ويوفِّي بالنذرِ
وعنِ الحسنِ البرُّ منْ لايؤذى الذرَّ
يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ هي الزجاجةُ إذا كانتْ فيها خمرٌ
وتُطلقُ على نفسِ الخمرِ أيضاً فمِنْ على الأولِ ابتدائيةٌ
وعلى الثاني تبيعضية أو بيانيةٌ
كَانَ مِزَاجُهَا أي ما تمزجُ به
كافورا اى ماء وهو اسمُ عينٍ في الجنَّةِ ماؤُها في بياضِ
الكافورِ ورائحتِه وبردِه والجملةُ صفةُ كأسٍ وقولُه تعالَى
(9/71)
عَيْنًا يَشْرَبُ
بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)
عَيْناً بدلٌ من كافُوراً وعنْ قتادةَ
تمزجُ لهم بالكافورِ وتختمُ لهم بالمسكِ وقيل تخلق لهم رائحةُ
الكافورِ وبياضُه وبردُه فكأنَّها مُزجتْ بالكافورِ فعيناً على
هذينِ القولينِ بدلٌ منْ محلِّ منْ كأسٍ على تقديرِ مضافٍ أي
يشربونَ خمراً خمرَ عينٍ أو نُصب على الاختصاص وقولُه تعالى
يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله صفةُ عيناً أي يشربونَ بها الخمرَ
لكونِها ممزوجةً بهَا وقيل ضُمِّن يشربُ مَعْنى يلتذُّ وقيل
الياء بمَعْنى مِنْ وقيلَ زائدةٌ ويعضدُه قراءةُ ابنِ أبِي
عبلة يشربها
(9/71)
سورة الإنسان آية (7 11)
عباد الله وقيل الضميرُ للكأسِ والمَعْنى يشربونَ العينَ بتلكَ
الكأسِ
يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً أي يُجرونها حيثما شاؤا من منازلهم
اجراء سهلالا يمتنعُ عليهم بَلْ يَجْري جريا بقوة واندفاع
والجملةُ صفةٌ أُخرى لعيناً وقولُه تعالى
(9/72)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ
وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
يُوفُونَ بالنذر استئنافٌ مَسوقٌ لبيان ما
لأجلِه رُزقُوا ما ذُكِرَ من النعيمِ مشتملٌ على نوع تفصيلٍ
لما ينبئ عنه اسمُ الأبرارِ إجمالاً كأنَّه قيلَ ماذَا يفعلونَ
حتَّى ينالُوا تلكَ الرتبةَ العاليةَ فقيلَ يُوفون بما
أَوجبُوه على أنفسِهم فكيفَ بما أوجبَهُ الله تعالَى عليهم
ويخافون يَوْماً كَانَ شَرُّهُ عذابُه
مُسْتَطِيراً فاشياً مُنتشراً في الأقطارِ غايةَ الانتشارِ من
استطارَ الحريقُ والفجرُ وهُو أبلغُ من طارَ بمنزلة استنفرَ
منْ نفرَ
(9/72)
وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
(8)
وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبّهِ اى كأثنين
على حُبِّ الطَّعامِ والحاجةِ إليهِ كما في قولِه تعالَى لَن
تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ أو على
حُبِّ الإطعامِ بأنْ يكونَ ذلكَ بطيبِ النفسِ أو كائنينَ على
حُبِّ الله تعالَى أو إطعاماً كائناً على حُبِّه تعالَى وهُو
الأنسبُ لما سيأتِي من قولِه تعالَى لوجهِ الله
مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً أيَّ أسيرٍ فإنَّه كانَ
عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يُؤتَى بالأسيرِ فيدفعُه إلى بعضِ
المسلمينَ فيقولُ أَحْسِنْ إليهِ أو أسيراً مؤمناً فيدخلُ فيه
المملوكُ والمسجونُ وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الغريمَ أسيراً فقال غَريمُكَ أسيرُكَ فأحسِنْ إلى أسيرِكَ
(9/72)
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ
لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا
(9)
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله على
إرادة قول وهو في موقع الحالِ من فاعلِ يطعمونَ أي قائلينَ
ذلكَ بلسانِ الحالِ أو بلسانِ المقالِ إزاحةً لتوهمِ المنِّ
المبطلِ للصدقةِ وتوقعِ المكافأةِ المنقصةِ للأجرِ وعن
الصديقةِ رضيَ الله تعالَى عنها أنَّها كانتْ تبعثُ بالصدقةِ
إلى أهلِ بيتٍ ثم تسألُ الرسولَ ما قالُوا فإذَا ذكرَ دعاءَهُم
دعتْ لَهُم بمثلِه ليبقَى ثوابُ الصدقةِ لها خالصاً عندج الله
تعالَى
لاَ نُرِيدُ منكم جزاءا ولا شكورا أي شكرا وهو تقريرٌ وتأكيدٌ
لما قبلَهُ
(9/72)
إِنَّا نَخَافُ مِنْ
رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْماً أي
عذابَ يومٍ عَبُوساً يعبسُ فيه الوجُوه أو يُشبه الأسدَ
العَبُوسَ في الشِّدةِ والضَّراوةِ
قَمْطَرِيراً شديدَ العُبوسِ فلذلكَ نفعلُ بكُم ما نفعلُ رجاءَ
أنْ يقينَا ربُّنا بذلكَ شره وقيل وهو تعليلٌ لعدم إرادةِ
الجزاءِ والشكورِ أي إنَّا نخافُ عقابَ الله تعالى إنْ
أردناهُمَا
(9/72)
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ
شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)
فوقاهم الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم بسبب
خوفِهم وتحفظِهم عنه
ولقاهم نَضْرَةً وَسُرُوراً أي أعطاهُم بدلَ عبوسِ الفُجَّارِ
وحُزنِهم نضرةً في الوجوه وسُروراً في القلوبِ
(9/72)
سورة الإنسان آية (12 14)
(9/73)
وَجَزَاهُمْ بِمَا
صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ بصبرِهم على
مشاقِّ الطاعاتِ ومهاجرةِ هَوَى النفسِ في اجتنابِ
المُحرَّماتِ وإيثارِ الأموالِ
جَنَّةُ بستاناً يأكلُون منه ما شاؤا
وَحَرِيراً يلبسونَهُ ويتزينونَ به وعن ابن عباس رضي الله
عنهما أنَّ الحسنَ والحسين رضي الله عنهُمَا مَرِضا فعادهُما
النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ناسٍ معَهُ فقالُوا لعلي رضي
الله عنه لو نذرت على ولدكَ فنذرَ عليٌّ وفاطمةُ رضي الله
تعالى عنهما وفضةُ جاريةٌ لهما إنْ برئَا مما بهمَا أنْ
يصومُوا ثلاثةَ أيامٍ فشُفيا وما معهُم شيءٌ فاستقرضَ علي رضي
الله عنه من شمعون الخيبرى ثلاث أصوعٍ من شعيرٍ فطحنتْ فاطمةُ
رضيَ الله تعالى عنها صاعاً واختبزتْ خمسةَ أقراصٍ على عددِهم
فوضعُوها بين أيديهِم ليُفطِرُوا فوقفَ عليهم سائلٌ فقالَ
السَّلامُ عليكم أهلَ بيتِ محمدٍ مسكينٌ من مساكين المسلمينَ
أطعمُوني أطعمكُم الله تعالَى من موائدِ الجنةِ فآثرُوه وباتوا
لم يذقوا إلا الماءَ وأصبحُوا صياماً فلمَّا أمسَوا ووضعُوا
الطعامَ بينَ أيديهِم وقفَ عليهم يتيمٌ فآثرُوه ثم وقفَ عليهم
في الثالثةِ أسيرٌ ففعلُوا مثلَ ذلكَ فلما أصبحُوا أخذ عليٌّ
بيدِ الحسن والحسين رضي الله عنهُم فأقبلُوا إلى النبيِّ صلى
الله عليه وسلم فلما أبصرهُم وهُم يرتعشونَ كالفراخِ من شدةِ
الجُوع قال عليه الصلاة والسلام ما أشد ما يسؤوني ما أَرَى
بكُم وقامَ فانطلقَ معهُم فَرَأى فاطمةَ في محرابِها قد التصقَ
ظهرُها ببطنِها وغارتْ عيناهَا فساءَهُ ذلكَ فنزلَ جبريلُ عليه
السَّلامُ وقالَ خُذْها يا محمدُ هنَّأك الله تعالى في أهلِ
بيتكَ فأَقْرأَهُ السورةَ
(9/73)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا
عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا
زَمْهَرِيرًا (13)
مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك حالٌ
مِنْ هُمْ فِي جَزَاهُمْ والعاملُ فيها جَزَى وقيلَ صفةٌ لجنةً
من غيرِ إبرازِ الضميرِ والأرائكُ هي السُّررُ في الحجالِ
وقوله تعالى
لايرون فيها شمسا ولا زمهريرا إمَّا حالٌ ثانيةٌ من الضمير أو
المستكنِّ في متكئينَ والمَعْنى أنَّه يمرُّ عليهم هواء معتدل
لاحار محمٌّ ولا باردٌ مؤذٍ وقيلَ الزمهريرُ القمرُ في لغة طيئ
والمعنى أن هواءها مضى بذاتِه لا يحتاجُ إلى شمسٍ ولا قمرٍ
(9/73)
وَدَانِيَةً
عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظلالها عطفٌ على ما
قبلَها حالٌ مثلُها أو صفةٌ لمحذوفٍ معطوفٍ على جنة واى جنة
أخرى دانيةً عليهم ظلالُها على أنَّهم وُعدوا جنتينِ كما في
قوله تعالى وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جنتان وقرئ دانيةٌ
بالرفعِ على أنه خبرُ لظلاها والجملة في حين الحالِ والمعنى لا
يَرَون فيها شمسا ولا زمهريرا أو والحالُ أنَّ ظلالَها دانيةٌ
قالُوا معناهُ أنَّ ظلالَ أشجارِ الجنةِ قريبةٌ من الأبرارِ
مظلةٌ عليهم زيادةً في نعيمِهم على مَعْنى أنه لوكان هناكَ
شمسٌ مؤذيةٌ لكانتْ أشجارها مظلة عليهم أنَّه لا شمسَ ثمةَ ولا
قمرَ
وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً أي سُخرتْ ثمارُها لمتناولها
وسُهلَ أخذُها من الذُّلِّ وهو ضدُّ الصعوبةِ والجملةُ حالٌ من
دانيةً أي تدنُو ظلالُها عليهم مُذلَّلة لهم قطوفُها أو
معطوفةٌ على دانيةً عليهم ظلالُها ومذللةً قطوفُها وعلى تقديرِ
رفعِ دانية فهي جملة ى فعليةٌ معطوفةٌ على جُملةٍ أسمية
(9/73)
سورة الإنسان آية (15 21)
(9/74)
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ
بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15)
ويطاف عليهم بآنية مّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ
الكوبُ الكوز العظيم لا أُذنَ له ولاَ عروة
كانت قواريرا
(9/74)
قَوَارِيرَ مِنْ
فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)
قوارير مِن فِضَّةٍ أي تكونتْ جامعةً بين
صفاءِ الزجاجةِ وشغيفها ولينِ الفِضَّةِ وبياضِها والجملةُ صفة
الأكواب وقرئ بتنوينِ قواريرَ الثانِي أيضاً وقرئا بغير تنوين
وقرئ الثَّانِي بالرَّفعِ على هيَ قواريرُ
قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً صفةٌ لقواريرَ ومعنى تقديرِهم لها
أنَّهم قدَّروها في أنفسِهم وأرادُوا أنْ تكونَ على مقاديرَ
وأشكالٍ معينةٍ موافقةً لشهواتهم فجاءتْ حسبمَا قدَّرُوها أو
قدَّرُوها بأعمالِهم الصالحةِ فجاءتْ على حسبِها وقيلَ الضميرُ
للطائفينَ بهَا المدلولِ عليهم بقولِه تعالى وَيُطَافُ عليهم
فالمعنى قدروا اشرابها على قدر اشتهائهم وقرئ قُدِّرُوها على
البناءِ للمفعولِ أي جُعلوا قادرينَ لها كما شاؤا من قَدَر
منقولاً من قدرت الشئ
(9/74)
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا
كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ
مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً أي ما يشبِهُ الزنجبيلَ في الطعمِ وكان
الشرابُ الممزوجُ به أطيبَ ما تستطيبُه العربُ وألذَّ ما
تستلذُّ به
(9/74)
عَيْنًا فِيهَا
تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)
عَيْناً بدلٌ من زنجبيلاً وقيلَ تمزجُ
كأسُهم بالزنجبيلِ بعينِه أو يخلقُ الله تعالى طعم فيها فعيناً
حينئذٍ بدلٌ من كأساً كأنَّه قيلَ ويُسقَون فيها كأساً كأسَ
عين أو نُصب على الاختصاص
فِيهَا تسمى سَلْسَبِيلاً لسلاسة انحدارِها في الحَلْقِ
وسهولةِ مساغِها يقالُ شرابٌ سلسلٌ وسلسالٌ وسلسبيلٌ ولذلكَ
حُكمَ بزيادةِ الباءِ والمرادُ بيانُ أنَّها في طعم الزنجبيلِ
وليسَ فيها لذعةٌ بل نقيضُ اللذعِ هو السلاسةُ
(9/74)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ
وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ
لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ ولدان مُّخَلَّدُونَ
أى دائمون على ماهم عليه من الطراوةِ والبهاءِ
إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً
لحُسنِهم وصفاءِ ألوانِهم وإشراق وجوههم وانبثالثهم في مجالسهم
ومنازلِهم وانعكاسِ أشعةِ بعضِهم إلى بعضٍ
(9/74)
وَإِذَا رَأَيْتَ
ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ ليسَ له مفعولٌ
ملفوظٌ ولا مقدرٌ ولا منويٌّ بل معناهُ أنَّ بصرَكَ أينمَا
وقعَ في الجنةِ
رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً أي هنيئاً واسعاً وفي
الحديثِ أدنى أهل الجنة منزلة ينظُر في مُلكِه مسيرةَ ألف عام
يرى وأقصاه كمِا يَرى أدناهُ وقيلَ لا زوال وقيلَ إذَا أرادُوا
شيئاً كانَ وقيلَ يُسلمُ عليهم الملائكةُ ويستأذنونَ عليهم
(9/74)
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ
سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ
فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)
عاليهم ثياب
(9/74)
سورة الإنسان
آية (22 25)
سُندُسٍ خُضْرٌ قيلَ عاليَهُم ظرفٌ على أنَّه خبرٌ مقدمٌ
وثيابُ مبتدأٌ مؤخرٌ والجملةُ صفةٌ أُخرى لولدانٌ كأنَّه قيلَ
يطوفُ عليهم ولدانٌ فوقَهُم ثيابُ الخ وقيلَ حالٌ منْ ضميرِ
عليهم أوحسبتهم أي يطوفُ عليهم ولدانٌ عالياً للمطوف عليهم
ثيابٌ الخ أو حسبتَهُم لؤلؤاً منثوراً عالياً لهم ثيابُ الخ
وقرئ عاليهم بالرَّفعِ على أنَّه مبتدأٌ خبرُه ثيابُ أي ما
يعلوهم من لباسِهم ثيابُ سندسٍ وقرئ خضرٍ بالجرِّ حملاً على
سندسٍ بالمَعْنى لكونِه اسمَ جنسٍ {وَإِسْتَبْرَقٍ} بالرفعِ
عطفاً على ثيابُ وقُرِىءَ برفعِ الأولِ وجرِّ الثانِي وقُرىءَ
بالعكسِ وقُرِىءَ بجرِّهِما وقُرىءَ واستبرق يوصل الهمزةِ
والفتحِ على أنه استفعلَ من البريقِ جُعل عَلَماً لهذا النوعِ
من الثيابِ
وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ عطفٌ على يطوفُ عليهم ولا
يُنافيه قولُه تعالى أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ لإمكانِ الجمعِ
والمعاقبةِ والتبعيضِ فإنَّ حُلِيَّ أهلِ الجنةِ يختلفُ حسبَ
اختلافِ أعمالِهم فلعلَّه تعالَى يفيضُ عليهم جزاءً لما عملُوه
بأيديهم حلياً وأنواراً تتفاوتُ تفاوتَ الذهبِ والفضةِ أو حالٌ
من ضميرِ عاليَهم بإضمارِ قَدْ وعلى هَذا يجوزُ أنْ يكونَ هذا
للخدمِ وذاكَ للمخدومينَ
وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً هو نوعٌ آخرُ يفوقُ
النوعينِ السالفينِ كما يرشدُ إليهِ إسنادُ سقيهِ إلى ربِّ
العالمينَ ووصفُه بالطَّهوريةِ فإنَّه يطهرُ شاربَهُ عن دَنَسِ
الميلِ إلى الملاذِّ الحسيةِ والركونِ إلى ما سِوى الحقِّ
فيتجردُ لمطالعةِ جمالِه ملتذاً بلقائِه باقياً ببقائِه وهي
الغايةُ القاصيةُ من منازلِ الصدِّيقينَ ولذلكَ خُتمَ بها
مقالةُ ثوابِ الأبرارِ
(9/75)
إِنَّ هَذَا كَانَ
لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)
إِنَّ هَذَا على إضمارِ القولِ أي يقال لهم
أن هذا الذى كر من فنون الكراماتِ
كَانَ لَكُمْ جَزَاء بمقابلة أعمالِكم الحسنةِ
وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً مرضياً مقبُولاً مُقابَلاً
بالثوابِ
(9/75)
إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القرآن
تَنزِيلاً أيْ مُفرقاً مُنجَّماً لحكم بالغة مقتضية له لا
غيرُنَا كما يعربُ عنه تكريرُ الضميرِ معَ إنَّ
(9/75)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ
رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
فاصبر لِحُكْمِ رَبّكَ بتأخير نصرك على
الكفَّارِ فإنَّ له عاقبةً حميدةً
وَلاَ تطع منهم آثما أَوْ كَفُوراً أي كلَّ واحدٍ من مرتكبِ
الإثمِ الدَّاعِي لكَ إليهِ ومن الغالِي في الكُفر الدَّاعِي
إليهِ وأو للدلالة على أنَّهما سيَّانِ في استحقاق العصيانِ
والاستقلالِ به والتقسيمُ باعتبار ما يدعُونَهُ إليه فإنَّ
ترتبَ النَّهي على الوصفين مشعرٌ بعلَّيتِهما له فلا بد أن
يكون النهيُ عن الإطاعةِ في الإثمِ والكفرِ فيما ليسَ بإثمٍ
ولا كُفرٍ وقيلَ الآثمُ عُتبةُ فإنَّه كانَ ركابا للمأثم
متعاطيات لأنواعِ الفسوقِ والكفورِ والوليدُ فإنه كان غاليا في
الكُفر شديدَ الشكيمةِ في العُتوِّ
(9/75)
وَاذْكُرِ اسْمَ
رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
واذكر اسم رك بُكْرَةً وَأَصِيلاً وداومْ
على ذكره في جميعِ الأوقاتِ اودم على صلاة الفجرِ والظهرِ
والعصرِ فإنَّ الأصيلَ ينتظمُهما
(9/75)
سورة الإنسان (26 31)
(9/76)
وَمِنَ اللَّيْلِ
فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)
ومن الليل فاسجد لَهُ
وبعضَ الليلَ فصلِّ له ولعلَّه صلاةُ المغربِ والعشاءِ وتقديمُ
الظرفِ لما في صلاةِ الليلِ من مزيد كلفةٍ وخلوصٍ
وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً
وتهجدْ له قِطَعاً من الليلِ طويلاً
(9/76)
إِنَّ هَؤُلَاءِ
يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا
ثَقِيلًا (27)
إِنَّ هَؤُلآء
الكفرةَ
يُحِبُّونَ العالجة
وينهمكنون في لذاتِها الفانيةِ
وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ
أي أمامَهم لا يستعدونَ أو ينبذون وراءَ ظُهورهم
يَوْماً ثَقِيلاً
لا يعبأونَ به ووصفُه بالثقل لتشبيه شدتِه وهولِه بثقل شيءٍ
فادحٍ باهظٍ لحامله بطريقِ الاستعارةِ وهو كالتعليل لما أُمِرَ
به ونُهيَ عنه
(9/76)
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ
وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا
أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)
نَّحْنُ خلقناهم
لا غيرُنا
وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ
أي أحكمنَا ربطَ مفاصلِهم بالأعصابِ
وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أمثالهم
بعدَ إهلاكِهم
تَبْدِيلاً
بديعاً لا ريب فيهِ هو البعثُ كما ينبىء عنه كلمةُ إذَا أو
بدَّلنا غيرَهُم ممن يطيعُ كقولِه تعالى يَسْتَبْدِلْ قَوْماً
غَيْرَكُمْ واذ للدلالةِ على تحققِ القُدرةِ وقوةِ الداعيةِ
(9/76)
إِنَّ هَذِهِ
تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29)
إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ
إشارةٌ إلى السورةِ أو الآياتِ القريبةِ
فَمَن شَاء اتخذ إلى رَبّهِ سَبِيلاً
أي فمن شاء أن يتخذ إليهِ تعالى سبيلاً أي وسيلةً توصلُه إلى
ثوابِه اتخذَهُ أي تقربَ إليهِ بالعمل بمَا في تضاعيفِها
وقولُه تعالى
(9/76)
وَمَا تَشَاءُونَ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمًا (30)
وما تشاؤن إلا أن يشاء الله
تحقيقٌ للحقِّ ببيان أنَّ مجردَ مشيئتِهم غيرُ كافيةٍ في اتخاذ
السبيلِ كما هو المفهومُ من ظاهر الشرطية اي وما تشاؤن اتخاذَ
السبيلِ ولا تقدرونَ على تحصيله في وقتٍ من الأوقاتِ إلا وقتَ
مشيئتِه تعالى تحصيلَه لكُم إذ لا دخلَ لمشيئة العبدِ إلا في
الكسبِ وإنَّما التأثيرُ والخلقُ لمشيئة الله عزَّ وجلَّ
وقُرىء يشاؤن بالياءِ وقُرىءَ إلاَّ ما يشاءُ الله وقولُه
تعالَى
إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
بيانٌ لكون مشيئتِه تعالى مبنيةً على أساس العلمِ والحكمةِ
والمَعْنى أنَّه تعالَى مبالِغٌ في العلمِ والحكمةِ فيعلمُ ما
يستأهلُه كلُّ أحدٍ فلا يشاءُ لهم إلا ما يستدعيهِ علمُه
وتقتضيِه حكمتُه وقولُه تعالى
(9/76)
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ
فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا
أَلِيمًا (31)
يدخل من يشاء فى رَحْمَتِهِ
بيانٌ لأحكام مشيئتِه المترتبةِ على علمه وحكمتِه أي يُدخلُ في
رحمتِه مَن يشاءُ أنْ يدخلَهُ فيها وهُو الذي يصرِفُ مشيئتَهُ
نحوَ اتخاذِ السبيلِ إليهِ تعالى حيثُ يوفقُه لَما يَؤدِّي إلى
دخول الجنةِ من الإيمانِ والطاعةِ
والظالمين
وهم الذينَ صَرفوا مشيئَتُهم إلى خلافِ ما ذُكِرَ
أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
أي متناهياً في الإيلامِ قالَ الزجاجُ نصبَ الظالمينَ لأنَّ ما
قبلَهُ منصوبٌ أي يُدخلُ من يشاءُ في رحمته ويعذبُ الظالمينَ
ويكونُ أعدَّ لَهُم تفسيراً لهَذا المضمرِ وقُرِىءَ بالرفع على
(9/76)
77 سورة المرسلات (1 6) الابتداء عنِ
النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ هَل أَتَى
كانَ جزاؤُه على الله تعالَى جنة وحريرا
سورة المرسلات مكية الا آية 48 فمدنية وآياتها خمسون
بسم الله الرحمن الرحيم
(9/77)
وَالْمُرْسَلَاتِ
عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ
نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ
ذِكْرًا (5)
والمرسلات عرفا
فالعصفات عَصْفاً
والناشرات نَشْراً
فالفارقات فَرْقاً
فالملقيات ذِكْراً
إقسامٌ من اللَّهِ عزَّ وجل بطوائفَ من الملائكةِ أرسلهنَّ
بأوامرِه فعصَفنَ في مُضيّهنَّ عصفَ الرياحِ مسارعةً في
الامتثالِ بالأمرِ وبطوائفَ أُخرى نشرْن أجنحتَهنَّ في الجوِّ
عندَ انحطاطِهنَّ بالوَحي أو نشرن الشرائعَ في الأقطارِ أو
نشرن النفوسَ المَوْتى بالكفر والجهل بما او حين ففرقن بينَ
الحقِّ والباطل فألقين ذكرا الا الأنبياءِ
(9/77)
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا
(6)
عُذْراً
للمحقِّينَ
أَوْ نُذْراً
للمبطلينَ ولعلَّ تقديمَ نشرِ الشرائعِ ونشرِ النفوسِ والفَرقِ
على الالقاء للإيذان بكونها غايةً للإلقاء حقيقةً بالاعتناء
بَها أو للإشعارِ بأنَّ كُلاً من الأوصافِ المذكورةِ مُستقلٌّ
بالدلالةِ على استحقاق الطوائفِ الموصوفةِ بها التفخيم
والاجلال بالاقسام بهن ولوجىء بها على ترتيب الوقوعِ لربَّما
فُهمَ أنَّ مجموعَ الإلقاءِ والنشرِ والفرقِ هو الموجبُ لما
ذكِرَ من الاستحقاقِ أو إقسامٌ برياحِ عذابٍ أرسلهنَّ فعصفنَ
وبرياحِ رحمةٍ نشرنَ السحابَ في الجوِّ ففرقنَ بينَهُ كقولِه
تعالى وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً أو بسحائبَ نشرنَ المواتَ ففرقنَ
كلَّ صنفٍ منها عن سائرِ الأصنافِ بالشكلِ واللونِ وسائرِ
الخواصَّ أو فرقنَ بينَ من يشكرُ الله تعالَى وبينَ من يكفرُ
بهِ فألقينَ ذكراً أما عُذراً للمعتذرينَ إلى الله تعالى
بتوبتهم واستغفارهم عن مشاهدتهم
(9/77)
77 سورة المرسلات (7 14)
لآثار رحمتِه تعالى في الغيث ويشكرونها واما انذارا للذين
يكفرونَها وينسبونها إلى الأنواءِ وإسنادُ إلقاءِ الذكرِ
إليهنَّ لكونِهن سبباً في حصوله إذَا شكرت النعمة فيهن أو كفرت
أو إقسامٌ بآياتِ القُرآنِ المرسلةِ الى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فعصفنَ سائرَ الكتبِ بالنسخِ ونشرنَ آثارَ الهُدى من
مشارق الأرضِ ومغاربِها وفرقنَ بين الحق والباطل فألقين ذكرَ
الحقِّ في أكناف العالمينَ والعُرفُ إمَّا نقيضُ النُّكرِ
وانتصابُه على العلةِ أي أرسلنَا للإحسانِ والمعروفِ فإنَّ
إرسالَ ملائكةِ العذابِ معروفٌ للأنبياءِ عليهم السَّلامُ
والمؤمنينَ أو بمَعْنى المتابعةِ من عُرفِ الفرسِ وانتصابُه
على الحاليَّةِ والعُذرُ والنُّذرُ مصدرانِ من عَذَرَ إذا
مَحَا الإساءةَ ومن أنذَرَ إِذَا خَوَّفَ وانتصابُهما على
البدليةِ من ذِكراً أو عَلى العِليِّةِ وقُرِئَا بالتثقيلِ
(9/78)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ
لَوَاقِعٌ (7)
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ
جوابٌ للقسمِ أيْ إنَّ الذي تُوعدونَهُ من مجيءِ القيامةِ
كائنٌ لا محالةَ
(9/78)
فَإِذَا النُّجُومُ
طُمِسَتْ (8)
فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ
مُحيتْ ومُحقتْ أو ذُهبَ بنورِها
(9/78)
وَإِذَا السَّمَاءُ
فُرِجَتْ (9)
وَإِذَا السماء فُرِجَتْ
صُدعتْ وفُتحتْ فكانتْ أبواباً
(9/78)
وَإِذَا الْجِبَالُ
نُسِفَتْ (10)
وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ
جُعلتْ كالحبِّ الذي يُنسفُ بالمنسفِ ونحوهُ وَبُسَّتِ الجبال
بَسّاً وقيل أُخذتْ منْ مقارِّها بسرعةٍ من انتسفتَ الشيءَ إذا
اختطفتَهُ وقُرِىءَ طُمِّستْ وفُرِّجتْ ونُسِّفتْ مشددةً
(9/78)
وَإِذَا الرُّسُلُ
أُقِّتَتْ (11)
وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ
أي عُيِّنَ لهُم الوقتُ الذي يحضرونَ فيه للشهادةِ على اممهم
وذلك عند مجيئه وحضورهِ إذْ لا يتعينُ لهم قبله أو بلغُوا
الميقاتَ الذي كانُوا ينتظرونَهُ وقُرِىءَ وُقِّتتْ على الأصلِ
وبالتخفيفِ فيهما
(9/78)
لِأَيِّ يَوْمٍ
أُجِّلَتْ (12)
لايّ يَوْمٍ أُجّلَتْ
مقدرٌ بقولٍ هُو جوابٌ لإذا في قولِه تعالى وَإِذَا الرسل
أُقّتَتْ أو حالٌ من مرفوعِ أقتت أي يقالُ لأيِّ يومٍ أُخرت
الأمورُ المتعلقةُ بالرسل والمرادُ تعظيمُ ذلكَ اليومِ
والتعجيبُ من هولِه وقولُه تعالَى
(9/78)
لِيَوْمِ الْفَصْلِ
(13)
لِيَوْمِ الفصل
بيانٌ ليومِ التأجيل وهو الذي يُفصلُ فيهِ بينَ الخلائقِ
(9/78)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا
يَوْمُ الْفَصْلِ (14)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل
مَا مبتدأٌ أدراكَ خبرُهُ أيْ أيُّ شيءٍ جعلَكَ دارياً ما هُو
فوضع موضع الضمير
(9/78)
77 سورة المرسلات (15 23)
يومَ الفصلِ لزيادةِ تفظيعٍ وتهويلٍ على أنَّ مَا خبرٌ ويومُ
الفصلِ مبتدأٌ لاَ بالعكسِ كما اختارَهُ سيبويِه لأنَّ محطَّ
الفائدةِ بيانٌ كونِ يومِ الفصلِ أمراً بديعاً هائلاً لا
يُقادرُ قَدُرُه ولا يُكتنُه كُنْههُ كَما يفيدُه خبريةُ مالا
بيانُ كونِ أمرٍ بديعٍ من الأمورِ يومَ الفصلِ كما يُفيده
عكْسُه
(9/79)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ
أيْ في ذلكَ اليومِ الهائلِ وويلٌ في الأصلِ مصدرٌ منصوبٌ
سادٌّ مسدَّ فعلِه لكنْ عُدلَ بهِ إلى الرفعِ للدلالةِ على
ثباتِ الهلاكِ ودوامِه للمدعوِّ عليهِ ويومئذٍ ظرفُه أو صفتُه
(9/79)
أَلَمْ نُهْلِكِ
الْأَوَّلِينَ (16)
أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين
كقومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ لتكذيبِهم بهِ وقُرِىءَ نَهلكَ بفتحِ
النونِ من هلَكَه بمعنى أهلَكَه
(9/79)
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ
الْآخِرِينَ (17)
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الأخرين
بالرفعِ على ثمَّ نحنُ نتبعُهم الآخرينَ من نظرائِهم السالكينَ
لمسلكِهم في الكفرِ والتكذيبِ وهُو وعيدٌ لكفارِ مكةَ وقُرِىءَ
ثمَّ سنُتبعُهم وقُرِىءَ نُتبعْهُم بالجزمِ عطفاً على نُهلك
فيكونُ المرادُ بالآخرينَ المتأخرينَ هلاكاً من المذكورينَ
كقومِ لوطٍ وشعيبٍ ومُوسى عليهم السَّلامُ
(9/79)
كَذَلِكَ نَفْعَلُ
بِالْمُجْرِمِينَ (18)
كذلك
مثلَ ذلكَ الفعلِ الفظيعِ
نَفْعَلُ بالمجرمين
أي سنَّتُنا جاريةٌ على ذلكَ
(9/79)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (19)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
أيْ يومُ إذْ أهلكناهُم
لّلْمُكَذّبِينَ
بآياتِ الله تعالَى وأنبيائِه وليسَ فيه تكريرٌ لما أنَّ الويل
الأول لعذاب اللآخرة وَهَذا لعذابِ الدُّنيا
(9/79)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ
مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20)
أَلَمْ نَخْلُقكُّم
أي ألم نُقدرْكُم
مّن مَّاء مَّهِينٍ
أي من نُطفةٍ قذرةٍ مهينةٍ
(9/79)
فَجَعَلْنَاهُ فِي
قَرَارٍ مَكِينٍ (21)
فجعلناه فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ
هو الرحمُ
(9/79)
إِلَى قَدَرٍ
مَعْلُومٍ (22)
إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ
إلى مقدارٍ معلومٍ من الوقتِ قدَّرهُ الله تعالَى للولادةِ
تسعةَ أشهرٍ أو أقلَّ منها أو أكثرَ
(9/79)
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ
الْقَادِرُونَ (23)
فَقَدَرْنَا
أي فقدرناهُ وقد قُرِىءَ مُشدداً أو فقدرنا على ذلك على أن
المراد بالقدر ما يقارنُ وجودَ المقدورِ بالفعل
فَنِعْمَ القادرون
أي نحنُ
(9/79)
77 سورة المرسلات (24 30)
(9/80)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (24)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ
بقدرتِنا على ذلك أو على الإعادةِ
(9/80)
أَلَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)
أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً
الكِفاتُ اسمُ مَا يكْفِتُ اي يضم ويجمع مع كفتَ الشيءَ إذا
ضمَّه وجمعَهُ كالضِّمامِ والجِماعِ لما يضمُّ ويجمعُ أي ألم
نجعلْها كِفاتاً تكفتُ
(9/80)
أَحْيَاءً
وَأَمْوَاتًا (26)
أَحْيَاء
كثيرةً على ظهرها
وأمواتا غيرَ محصورةٍ في بطنِها وقيلَ هُو مصدرٌ نُعِتَ به
للمبالغةِ وقيلَ جمعُ كافتٍ كصائمٍ وصيامٍ أو كِفت وهو الوعاءُ
أجرى على الأرض باعتبار بقاعها وقيل تنكيرُ أحياءً وأمواتاً
لأنَّ أحياءَ الإنسِ وأمواتَهم بعضُ الأحياءِ والأمواتِ وقيلَ
انتصابُهما على الحاليةِ من محذوفٍ أي كفاتاً تكفتكُم أحياءٌ
وأمواتاً
(9/80)
وَجَعَلْنَا فِيهَا
رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ
أي جبالاً ثوابتَ
شامخات
طوالاً شواهقَ ووصفُ جمعِ المذكِر بجمعِ المؤنثِ في غيرِ
العقلاءِ مُطَّردٌ كداجنٍ ودواجنٍ وأشهرٌ معلوماتٌ وتنكيرُها
للتفخيمِ أو للاشعار بأن فيها مالم يُعرفْ
وأسقيناكم مَّاء فُرَاتاً
بأنْ خلقنَا فيها أنهاراً ومنابعَ
(9/80)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (28)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ
بأمثالِ هذه النعمِ العظيمةِ
(9/80)
انْطَلِقُوا إِلَى مَا
كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29)
انطلقوا
أي يقالُ لهم يومئذ للتوبيخ والتقريع انطلقُوا
إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ
في الدُّنيا من العذابِ
(9/80)
انْطَلِقُوا إِلَى
ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)
انطلقوا
خُصوصاً
إلى ظِلّ
أي ظِل دُخانِ جهنَّمَ كقولِه تعالَى وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ
وقُرِىءَ انطَلقُوا على لفظ الماضي اخبار بعدَ الأمرِ عن
عملِهم بموجبه لاضطرارِهم إليه طوعاً أو كرهاً
ذِى ثلاث شُعَبٍ
يتشعبُ لعِظمه ثلاثَ شُعبٍ كَما هُو شأنُ الدُّخانِ العظيمِ
تراهُ يتفرقُ ذوائبَ وقيلَ يخرجُ لسانٌ من النار فيحيطُ
بالكفارِ كالسُّرادقِ ويتشعبُ من دُخَانِها ثلاثُ شعبٍ فتظلهُم
حتى يُفرغَ من حسابِهم والمؤمنونَ في ظلَ العرشِ قيلَ خُصوصيةُ
الثلاثِ إما لأنَّ حجابَ النفسِ عن أنوارِ القدسِ الحسُّ
والخيالُ والوهمُ أو لأنَّ المؤدِّي إلى هذا العذاب هو القوةُ
الوهميةُ الشيطانيةُ الحَّالةُ في الدماغِ والقوةُ الغضبيةُ
السبعيةُ التي عن يمينِ القلبِ والقوةُ الشهويةُ البهيميةُ
التي عن يسارِه ولذلكَ قيلَ تقفُ شعبةٌ فوقَ الكافرِ وشعبةٌ عن
يمينِه وشعبة عن يساره
(9/80)
77 سورة الملاسلات (31 38)
(9/81)
لَا ظَلِيلٍ وَلَا
يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)
لاَّ ظَلِيلٍ
تهكمٌ بهم اورد لما أوهمَه لفظُ الظلِّ
وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب
أي غيرُ مغنٍ لهم من حرِّ اللهبِ شيئاً
(9/81)
إِنَّهَا تَرْمِي
بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)
إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كالقصر
أي كلُّ شررةٍ كالقصرِ من القصورِ في عِظَمِها وقيلَ هو
الغليظُ من الشجر الواحدةُ قصرةٌ نحو جَمْرٍ وجمرةٍ وقُرِىءَ
كالقَصَرِ بفتحتينِ وهي أعناقُ الإبلِ أو أعناقُ النخلِ نحو
شجرةٍ وشجرٍ وقُرِىءَ كالقُصُر بمعنى القصور كرهن ورهُن وقرىء
كالقصر جمع قصرة
(9/81)
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ
صُفْرٌ (33)
كَأَنَّهُ جمالة
قيلَ هو جمعُ جملٍ والتاءُ لتأنيثِ الجمعِ يقالُ جملٌ وجمالٌ
وجمالةٌ وقيلَ اسمُ جمعٍ كالحجارة
صفر
فان الشرارة لما فيهِ من الناريةِ يكون اصفر وقيل أسود لأن
سوادَ الإبلِ يضربُ إلى الصفرةِ والأولُ تشبيهٌ في العظمِ وهذا
في اللونِ والكثرةِ والتتابعِ والاختلاطِ والحركةِ وقُرِىءَ
جمالاتٌ جمعُ جَمالةٍ وقد قُرىءَ بها وهي الحبلُ العظيمُ من
حبل السفنِ وقلوسِ الجسورِ والتشبيهُ في امتدادِه والتفافهِ
(9/81)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (34)
ويل يومئذ لممكذبين
(9/81)
هَذَا يَوْمُ لَا
يَنْطِقُونَ (35)
هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ
اشارة الى دخولِهم النارَ أيْ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ فيه
بشىءٍ لما أنَّ السؤالَ والجوابَ والحسابَ قدْ انقضتْ قبلَ
ذلكَ ويومُ القيامةِ طويلٌ له مواطنُ ومواقيتُ ينطقونَ في وقتٍ
دُونَ وقت فعبر عن كل وقت بيوم اولا ينطقونَ بشيءٍ ينفعُهم فإن
ذلكَ كلاَ نطقٍ وقُرِىءَ بنصبِ اليومِ أيْ هَذا الذي فُصِّلَ
واقعٌ يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ
(9/81)
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ
فَيَعْتَذِرُونَ (36)
وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
عطفٌ على يُؤذنُ مُنتظمٌ في سلكِ النفي أيْ لا يكونُ لهم إذنٌ
واعتذارٌ متعقبٌ له من غيرِ أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن
كما لو نصب
(9/81)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ
وَالْأَوَّلِينَ (38)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ
هذا يَوْمُ الفصلُ
بين الحقِّ والباطلِ والمحقِّ والمبطلِ
جمعناكم
خطابٌ لأمة محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسَّلام
والأولين
من الأممِ وهذا تقريرٌ وبيانٌ للفصل
(9/81)
77 سورة المرسلات (39 48)
(9/82)
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ
كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ
فإن جميعَ من كنتُم تقلدونهم وتقتدونَ بهم حاضرونَ وهذا تقريعٌ
لهم على كيدِهم للمؤمنينَ في الدُّنيا وإظهارٌ لعجزِهم
(9/82)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (40)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ
حيثُ ظهرَ أنْ لا حيلةَ لهم في الخلاصِ من العذابِ
(9/82)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ
فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41)
إِنَّ المتقين
من الكفرِ والتكذيبِ
فِى ظلال وَعُيُونٍ
(9/82)
وَفَوَاكِهَ مِمَّا
يَشْتَهُونَ (42)
وفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ
أي مستقرونَ في فنونِ الترفِه وأنواعِ التنعمِ
(9/82)
كُلُوا وَاشْرَبُوا
هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
كلوا واشربوا هنيئا بما كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ
مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من ضميرِ المتقينَ في الخبر أي مقولاً لهم
كلُوا واشربُوا هنيئاً بما كنتُم تعملونَهُ في الدنيا من
الأعمال الصالحةِ
(9/82)
إِنَّا كَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)
إِنَّا كَذَلِكَ
الجزاءِ العظيمِ
نَجْزِى المحسنين
أيْ في عقائدِهم وأعمالِهم لا جزاءً أَدْنَى منْهُ
(9/82)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (45)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ
حيثُ نالَ أعداؤُهم هذا الثوابَ الجزيلَ وهُم بقُوا في العذاب
المخلَّدِ الوبيلِ
(9/82)
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا
قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)
كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ
مُّجْرِمُونَ
مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من المكذبينَ أي الويلُ ثابتٌ لهم مقولاً
لهم ذلكَ تذكيراً لهم بحالِهم في الدُّنيا وبما جنَوا على
أنفسِهم من إيثارِ المتاعِ الفانِي عن قريبٍ على النعيمِ
الخالدِ وعلل ذلك بإجرامِهم دلالةً على أنَّ كلَّ مجرمٍ مآلهُ
هَذا وقيل هو كلامٌ مستأنفٌ خُوطبَ به المكذبونَ في الدُّنيا
بعدَ بيان مآلِ حالهم وقررَ ذلكَ بقولِه تعالى
(9/82)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (47)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ
لزيادة التوبيخِ والتقريعِ
(9/82)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ
ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)
وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا
أي أطيعُوا الله واخشعُوا وتواضعُوا له بقبولِ وحيهِ واتباعِ
دينهِ وارفضُوا هذا الاستكبارَ والنخوةَ
لاَ يَرْكَعُونَ
لا يخشعُون ولا يقبلُون ذلكَ ويصرونَ على ما هم
(9/82)
77 سورة المرسلات (49 50)
عليهِ من الاستكبارِ وقيلَ إذَا أُمروا بالصَّلاةِ أو بالركوع
لا يفعلونَ إذْ رُويَ أنه نزلَ حينَ أُمرَ رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثقيفاً بالصَّلاةِ فقالُوا لا نجي فإنَّها مسبَّةً
علينا فقالَ عليه الصلاة والسلام لا خيرَ في دينٍ ليس فيه
ركوعٌ ولا سجودٌ وقيلَ هُو يومَ القيامةِ حينَ يُدعونَ إلى
السجودِ فَلا يستطيعونَ
(9/83)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (49)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ
وفيه دلالة على أنه الكفار مخاطبون بالفروع في حقِّ المؤاخذةِ
(9/83)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ
بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ
أي بعدَ القرآنِ الناطقِ بأحاديثَ الدارينِ وأخبارِ النشأتينِ
على نمطٍ بديعٍ مُعجزٍ مؤسسٍ على حججٍ قاطعةٍ وبراهينَ ساطعةٍ
يُؤْمِنُونَ
إذَا لم يؤمنوا به وقرىء تؤمنون على الخطابِ عن رسولِ الله صلى
الله عليه وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ المرسلات كتبَ لَهُ أنَّه
ليسَ من المشركين
(9/83)
|