تفسير أبي السعود
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم 90 سورة البلد (1 3)
سورة البلد مكية وآيها عشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
(9/160)
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا
الْبَلَدِ (1)
لا أقسم بهذا البلد
أقسمَ سبحانَهُ بالبلدِ الحرامِ وبَما عُطف عليهِ عَلى أنَّ
الإنسانَ خُلقَ ممنوَّاً بمقاساةِ الشدائدِ ومعاناةِ المشاقِّ
واعترضَ بينَ القسمِ وجوابِه بقولِه تعالَى
(9/160)
وَأَنْتَ حِلٌّ
بِهَذَا الْبَلَدِ (2)
وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد
إمَّا لتشريفهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بجعلِ حلولِه بهِ
مناطاً لإعظامِه بالإقسامِ بهِ او للتنبيه منْ أولِ الأمرِ
عَلى تحققِ مضمونِ الجوابِ بذكرِ بعضِ موادِّ المكابدةِ على
نهجِ براعةِ الاستهلالِ وبيانِ أنه عليه الصلاةُ والسلام معَ
جلالةِ قدرةِ وعظمِ حُرمتِه قد استحلُّوه في هَذا البلدِ
الحرامِ وتعرضُوا لَهُ بما لاَ خيرَ فيهِ وَهَمُّواْ بِمَا
لَمْ يَنَالُواْ عن شُرَحْبيلَ يحرمونَ أن يقتلُوا بَها صيداً
ويعضدُوا بَها شجرةً ويستحلُّونَ إخراجَكَ وقتلكَ أو لتسليتِه
عليهِ الصلاةُ والسلامُ بالوعدِ بفتحِه عَلى مَعْنى وأنتَ حلٌّ
بهِ في المستقبلِ كما في قوله تعالى {إِنَّكَ مَيّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} تصنعُ فيهِ ما تريدُ من القتلِ
والأسرِ وقد كانَ كذلكَ حيثُ أحلَّ له عليه الصلاة والسلام
مكةَ وفتحَها عليهِ وما فتحتْ عَلى أحدٍ قَبْله ولاَ أحلتْ لهُ
فأحلَّ عليه الصَّلاة والسَّلام فيها ما شاءَ وحرَّم ما شاءَ
قتلَ ابْنَ خطلٍ وهو متعلِّقٌ بأستارِ الكعبةِ ومقيسَ بْنَ
ضبابةَ وغيرَهُما وحرَّمَ دارَ أبي سفيانَ ثمَّ قالَ إنَّ الله
حرَّمَ مكةَ يَوْمَ خَلَقَ السمواتِ والأرضَ فهَى حرامٌ إلى
أنْ تقومَ الساعةُ لم تحلَّ لأحدٍ قَبْلي ولنْ تحلَّ لأحدٍ
بعدي ولم تحلَّ لي إِلاَّ سَاعَةً من نَّهَارٍ فَلا يُعضدُ
شجرُهَا ولا يُختلى خَلاها ولا ينفرُ صيدُهَا ولا تحلُّ
لُقطتُها إلا لمنشدٍ فقالَ العباسُ يا رسولَ الله إلا
الإِذْخِرَ فإنَّه لقيونِنا وقبورِنا وبيوتِنا فقال عليه
الصلاة والسلام إلاَّ الإذخرَ
(9/160)
وَوَالِدٍ وَمَا
وَلَدَ (3)
وَوَالِدٍ
عطفٌ على هَذا البلدِ والمرادُ بهِ إبراهيمُ وبقولِه تعالَى
وَمَا وَلَدَ
إسماعيلُ والنبيُّ صلواتُ الله عليهمْ أجمعينَ حسبَما ينبىءُ
عنْهُ المعطوفُ عليهِ فإنُه حرمُ إبراهيمَ ومنشأُ إسماعيلَ
ومسقطُ رأسِ رسولِ الله عليهمُ الصلاةُ والسلامُ والتعبيرُ
عنهمَا بَما دُونَ مَنْ للتفخيمِ والتعظيمِ كتنكيرِ والدٍ
وإيرادُهم بعنوانِ الولادِ ترشيحٌ لمضمون الجواب ايماء إلى
أنَّه متحققٌ في حالتي الوالدية والولدية
(9/160)
90 سورة البلد (4 11)
وقيلَ آدمُ عليهِ السلامُ ونسلُه وهُو أنسبُ لمضمونِ الجوابِ
من حيثُ شمولُه للكُلِّ إلا أنَّ التفخيمَ المستفادَ من كلمةِ
مَا لا بُدَّ فيهِ من اعتبارِ التغليبِ وقيلَ وكُلُّ والدٍ
وولدهُ
(9/161)
لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِى كَبَدٍ
أي تعبٌ ومشقةٌ فإنَّه لا يزالُ يُقاسِي فنونَ الشدائدِ منْ
وقتِ نفخ الروح الى نَزْعِها وما وراءَهُ يقالُ كبد الرجل كبدا
إذَا وجعتْ كبدُه وأصلُه كبدَهُ إذَا أصابَ كبدَهُ ثم اتْسعَ
فيهِ حَتَّى استمع في كُلِّ نصبٍ ومشقةٍ ومنهُ اشتقتْ
المكابدةُ كما قيلَ كبتَهُ بمعنى أهلَكُه وهو تسليةٌ لرسولِ
الله صلى الله عليه وسلم مما كانَ يكابدُه من كفارِ قريشٍ
والضميرُ في قولِه تعالَى
(9/161)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ
يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)
أَيَحْسَبُ
لبعضِهم الذي كانَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يكابدُ منهم ما
يكابد كالوليدِ بنِ المغيرةِ وأضرابِه وقيلَ هُوَ أبُو الأشدِّ
بن كلدة الجمحي وكان شديدَ القوةِ مغتراً بقوتِه وكان يبسطُ له
الأديمُ العكاظيُّ فيقومُ عليهِ ويقولُ منْ أزالَني عنْهُ
فلَهُ كذا فيجذبه عشرة فيتقطع قطعاً ولا تزلُّ قدماهُ أيْ
أيظنُّ هَذا القويُّ الماردُ المتضعفُ للمؤمنينَ
أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ
إنْ مخففةٌ منْ أنَّ واسمها الذي هو ضميرُ الشأنِ محذوفٌ أيْ
أيحسبُ أنَّه لنْ يقدرَ عَلى الانتقامِ منهُ أحدٌ
(9/161)
يَقُولُ أَهْلَكْتُ
مَالًا لُبَدًا (6)
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً
يريدُ كثرةَ ما أنفقَهُ فيَما كانَ أهلُ الجاهليةِ يسمونَها
مكارمَ ويدعونَها معاليَ ومفاخرَ
(9/161)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ
يَرَهُ أَحَدٌ (7)
أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ
حينَ كانَ ينفقُ وأنه تعالَى لا يسألُه عنْهُ ولا يجازيِه
عليهِ
(9/161)
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ
عَيْنَيْنِ (8)
أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ
يبصرُ بهمَا
(9/161)
وَلِسَانًا
وَشَفَتَيْنِ (9)
وَلِسَاناً
يترجمُ بهِ عنْ ضمائره
وشفتين
يستربهما فاهُ ويستعينُ بهَما على النطقِ والأكلِ والشربِ
وغيرِها
(9/161)
وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ (10)
وهديناه النجدين
أيْ طَريقي الخيرِ والشرِّ أو الثديينِ وأصلُ النجدِ المكانُ
المرتفعُ
(9/161)
فَلَا اقْتَحَمَ
الْعَقَبَةَ (11)
فَلاَ اقتحم العقبة
أيْ فَلمْ يشكرْ تلكَ النعمَ الجليلةَ بالأعمالِ الصالحةِ
وعبرَ عنها
(9/161)
90 سورة البلد (12 20)
بالعقبةِ التي هيَ الطريقُ في الجبل لصعوبة سلوكِها وقوله
تعالى
(9/162)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا
الْعَقَبَةُ (12)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة
أيْ أيُّ شيءٍ أعلمكَ ما اقتحامُ العقبةِ لزيادةِ تقريرِها
وكونِها عندَ الله تعالَى بمكانةٍ رفيعةٍ
(9/162)
فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
فَكُّ رَقَبَةٍ
أيْ هُو إعتاقُ رقبةٍ
(9/162)
أَوْ إِطْعَامٌ فِي
يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ
أيْ مجاعةٌ
(9/162)
يَتِيمًا ذَا
مَقْرَبَةٍ (15)
يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ
أيْ قَرابةٌ
(9/162)
أَوْ مِسْكِينًا ذَا
مَتْرَبَةٍ (16)
أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ
أي افتقارٌ وحيثُ كانَ المرادُ باقتحامِ العقبةِ هذهِ الأمورَ
حسُنَ دخولُ لاَ عَلى الماضِي فإنَّها لا تكادُ تقعُ إلا
مكررةً إذِ المَعْنى فلا فكَّ رقبةً ولا أطعَم يتيماً أو
مسكيناً والمسغبةُ والمقربةُ والمتربةُ مفعلاتٌ من سغِبَ إذا
جاعَ وقرُبَ منْ النسبِ وترِبَ إذا افتقرَ وقُرِىءَ فكَّ رقبةٍ
أوْ أطعمَ على الإبدالِ من اقتحمَ
(9/162)
ثُمَّ كَانَ مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا
بِالْمَرْحَمَةِ (17)
ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمنوا
عطفٌ عَلى المنفيِّ بَلا وثم للدلالة على تراخي رتبةِ الإيمانِ
ورفعةِ محلِّه لاشتراط جميعِ الأعمالِ الصالحةِ بهِ
وَتَوَاصَوْاْ بالصبر
عطفٌ على آمنُوا أيْ أوصَى بعضُهم بعضاً بالصبر على طاعة الله
وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة
بالرحمةِ عَلى عبادهِ أو بموجباتِ رحمتِه من الخيراتِ
(9/162)
أُولَئِكَ أَصْحَابُ
الْمَيْمَنَةِ (18)
أولئك
إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز صلتِه وما فيهِ
من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذانِ ببُعد
درجتِهم في الشرفِ والفضلِ أيْ أولئكَ الموصوفونَ بالنعوتِ
الجليلةِ المذكورةِ
أصحاب الميمنة
أي اليمينُ أو اليمنُ
(9/162)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)
والذين كفروا بآياتنا
بما نصبنَاهُ دليلاً على الحقِّ من كتابٍ وحجة أو بالقرآنِ
هُمْ أصحاب المشأمة
أي الشمالِ أو الشؤمِ
(9/162)
عَلَيْهِمْ نَارٌ
مُؤْصَدَةٌ (20)
عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ
مطبقةٌ من آصدتُ البابَ إذا
(9/162)
91 سورة الشمس (1 6)
أطبقتهُ وأغلقتَهُ وقُرىءَ مُوصدةٌ بغيرِ همزةٍ منْ أوصدتُهُ
عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورة البلدِ
أعطاهُ الله تعالَى الأمانَ من غضبِه يومَ القيامة
سورة الشمس مكية وآيها خمس عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
(9/163)
وَالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا (1)
والشمس وضحاها
أي ضوئِها إذَا أشرقتْ وقام سلطانُها وقيل الضَّحوةُ ارتفاعُ
النهارِ والضُّحى فوقَ ذلكَ والضحاءُ بالفتحِ والمدِّ إذا
امتدَّ النهارُ وكادَ ينتصفُ
(9/163)
وَالْقَمَرِ إِذَا
تَلَاهَا (2)
والقمر إِذَا تلاها
بأنْ طلعَ بعد غروبِها وقيل إذا تلا طلوعُه طلوعَها وقيلَ إذا
تلاهَا في الاستدارةِ وكمال النُّورِ
(9/163)
وَالنَّهَارِ إِذَا
جَلَّاهَا (3)
والنهار إِذَا جلاها
أي جَلَّى الشمسَ فإنها تتجلَّى عند انبساطِ النهارِ فكأنه
جلاَّها مع أنَّها التي تبسطُه أو جلَّى الظلمةَ أو الدُّنيا
أو الأرضَ وإن لم يجْرِ لها ذكر للعلم بها
(9/163)
وَاللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَاهَا (4)
والليل إِذَا يغشاها
أي الشمسَ فيغطي ضوؤها أو الآفاقَ أو الأرضَ وحيثُ كانت
الواواتُ العاطفةُ نوائبَ للواو الأُولى القسميةِ القائمةِ
مقامَ الفعلِ والباءُ سادَّةً مسدَّهما معاً في قولكَ أقسمُ
بالله حققْن أن يعمَلن عملَ الفعلِ والجارّ جميعاً كما تقول
ضرب زيد عَمراً وبكرٌ وخالدا
(9/163)
وَالسَّمَاءِ وَمَا
بَنَاهَا (5)
والسماء وَمَا بناها
أيْ ومَنْ بنَاها وإيثارُ مَا على مَنْ لإرادةِ الوصفيةِ
تفخيماً كأنَّه قيلَ والقادرِ العظيمِ الشأنِ الذي بناهَا
وجعلَها مصدريةً مخلٌّ بالنظمِ الكريمِ وكذا الكلامُ في قولِه
تعالَى
(9/163)
وَالْأَرْضِ وَمَا
طَحَاهَا (6)
والأرض وَمَا طحاها
أي بسطَها من كلِّ جانبٍ كدحاها
(9/163)
91 سورة الشمس (7 13)
(9/164)
وَنَفْسٍ وَمَا
سَوَّاهَا (7)
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
أي أنشأَها وأبدعَها مستعدةً لكمالاتِها والتنكيرُ للتفخيمِ
على أنَّ المرادَ نفسُ آدمَ عليه السَّلامُ أو للتكثيرِ وهو
الأنسبُ للجوابِ
(9/164)
فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
أي افهمها اياهما وعرفها حالهما من الحُسْنِ والقُبحِ وما يؤدي
إليه كلٌّ منهُمَا ومكَّنها من اختيارِ أيِّهما شاءتْ وتقديمُ
الفجورِ لمراعاةِ الفواصلِ
(9/164)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
زَكَّاهَا (9)
قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها
أيْ فازَ بكلِّ مطلوبٍ ونجَا من كلِّ مكروهٍ مَنْ أنماهَا
وأعلاها بالتقوى وهو جوابُ القسمِ وحذفُ اللامِ لطولِ الكلامِ
وتكريرُ قَدْ في قولِه تعالَى
(9/164)
وَقَدْ خَابَ مَنْ
دَسَّاهَا (10)
وَقَدْ خَابَ مَن دساها
لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بتحقيقِ مضمونِه والإيذانِ بتعلقِ
القسمِ بهِ أيضاً أصالةً أيْ خسرَ مَنْ نقصَها وأخفَاها
بالفجورِ وأصلُ دَسَّى دَسَّسَ كتقضَّى وتَقْضَّضَ وقيلَ هو
كلامٌ تابعٌ لقولِه تعالى {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
وَتَقْوَاهَا} بطريقِ الاستطرادِ وإنما الجوابُ ما حذفَ
تعويلاً على دلالة قولِه تعالى
(9/164)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ
بِطَغْوَاهَا (11)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا
عليه كأنه قيل ليدمد من الله تعالَى على كفارِ مكةَ لتكذيبِهم
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما دمدمَ على ثمودَ لتكذيبِهم
صالحاً عليهِ السلامُ وهو على الأولِ استئنافٌ واردٌ لتقريرِ
مضمونِ قولِه تعالى {وَقَدْ خَابَ من دساها} والطَّغوى بالفتحِ
الطُّغيانُ والباءُ للسببيةِ أيْ فعلتِ التكذيبَ بسببِ
طُغيانِها كما تقولُ ظلمنِي بجراءتِه على الله تعالى أو صلةٌ
للتكذيبِ أيْ كذَّبتْ بمَا او عدت بهِ منَ العذابِ ذي الطَّغوى
كقولِه تعالَى {فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} وقُرِىءَ بطُغواهَا
بضم الطاء وهو أيضاً مصدرٌ كالرُّجعى
(9/164)
إِذِ انْبَعَثَ
أَشْقَاهَا (12)
إِذِ انبعث أشقاها
منصوبٌ بكذبتْ أو بالطَّغوى أيْ حينَ قامَ أَشْقى ثمودٍ وهو
قدار بن سلف أو هُو ومَنْ تصدَّى معه لعقرِ الناقةِ من
الأشقياء فان أفعل التفصيل إذا أضيفَ يصلُح للواحدِ والمتعددِ
والمذكرِ والمؤنثِ وفضلُ شقاوتِهم على مَنْ عداهُم لمباشرتِهم
العقَر معَ اشتراكِ الكل في الرضابه
(9/164)
فَقَالَ لَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)
فَقَالَ لَهُمُ
أي لثمودَ
رَسُولِ الله
أي صالحٌ عليه السلامُ عبرَ عنه بعنوانِ الرسالةِ إيذاناً
بوجوبِ طاعتِه وبياناً لغايةِ عُتوهم وتمادِيهم في الطغيانِ
وهو السرُّ في إضافةِ الناقةِ إلى الله تعالَى في قولِه تعالى
نَاقَةُ الله
(9/164)
91 سورة الشمس (14 15)
أي ذرُوا ناقةَ الله
وسقياها
ولا تذودُوها عنها في نوبتها
(9/165)
فَكَذَّبُوهُ
فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ
فَسَوَّاهَا (14)
فَكَذَّبُوهُ
أي في وعيدِه بقولِه تعالَى {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقد جوز أن يكون ضميرُ لهُم
للأشقينِ ولا يلائمهُ ذكرُ سقياهَا
فَعَقَرُوهَا
أي الأشقى والجمعُ على تقديرِ وحدتِه لرِّضا الكلِّ بفعلِه
وقال قَتَادةُ بلغنا أنَّه لم يعقرْها حتى تابعَه صغيرُهم
وكبيرُهم وذكرُهم وأنثاهُم وقال الفرَّاءُ عقرَها اثنانِ
والعربُ تقولُ هذانِ أفضلُ الناسِ
فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ
فأطبقَ عليهم العذابَ وهو من تكريرِ قولِهم ناقة مدمدمة إذا
ألبسَها الشحمُ
بِذَنبِهِمْ
بسببِ ذنبِهم المحكيِّ والتصريحُ بذلكَ مع دِلالة الفاءِ عليهِ
للإنذارِ بعاقبةِ الذنبِ ليعتبرَ به كلُّ مذنبٍ
فَسَوَّاهَا
أي الدمدمةَ بينهُم لم يفلتْ منهُم أحدٌ من صغيرٍ وكبيرٍ أو
فسوَّى ثمودَ بالأرضِ أو سوَّاها في الهلاكِ
(9/165)
وَلَا يَخَافُ
عُقْبَاهَا (15)
وَلاَ يَخَافُ عقباها
أي عاقبتَها وتبعتَها كما يخافُ سائرُ المعاقبينَ من الملوكِ
فيبقِي بعضَ الإبقاءِ وذلك أنَّه تعالَى لا يفعلُ فعلاً إلاَّ
بحقَ وكلُّ من فعلَ بحق فانه لا يخافُ عاقبةَ فعلِه وإنْ كانَ
من شأنِه الخوفُ والواوُ للحالِ أو للاستئنافِ وقُرِىءَ فَلاَ
يخافُ وقرىء لم يخفْ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ
قرأَ سورةَ الشمسِ فكأنما تصدقَ بكلِّ شيءٍ طلعتْ عليهِ الشمسُ
والقمرُ
(9/165)
92 سورة الليل (1 8)
سورة الليل مكية وآيها احدى وعشرون
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيم
(9/166)
وَاللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى (1)
والليل إِذَا يغشى
أي حينَ يغشَى الشمسَ كقولِه تعالَى {والليل إِذَا يغشاها} أو
النهارَ أو كلَّ ما يواريِه بظلامِه
(9/166)
وَالنَّهَارِ إِذَا
تَجَلَّى (2)
والنهار إِذَا تجلى
ظهرَ بزوالِ ظلمةِ الليل أو تبينَ وتكشفَ بطلوعِ الشمسِ
(9/166)
وَمَا خَلَقَ
الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)
وَمَا خَلَقَ الذكر والانثى
أي والقادرِ العظيمِ القدرةِ الذي خلقَ صنفيَّ الذكرِ والأنثى
من كل ماله توالدٌ وقيلَ هُما آدمُ وحواءُ وقُرىءَ والذكرِ
والأُنثْى وقُرَىءَ وَالذي خلقَ الذكرَ والأُنْثى وقيلَ مَا
مصدريةٌ
(9/166)
إِنَّ سَعْيَكُمْ
لَشَتَّى (4)
إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى
جوابُ القسمِ وشَتَّى جمع شتيتٍ أي أنَّ مساعيَكُم لأشتاتٍ
مختلفةٍ وقولُه تعالى
(9/166)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى
وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى
وَصَدَّقَ بالحسنى
الخ تفصيلٌ لتلك المساعِي المشتتةِ وتبيينٌ لأحكامِها أي
فأمَّا من أعطَى حقوقَ مالِه واتقى محارمَ الله تعالى التي
نهىَ عنها وصدَّق بالخصلةِ الحُسْنى وهي الإيمانُ أو بالكلمةِ
الحُسْنى وهي كلمةُ التوحيدِ أو بالملةِ الحُسْنى وهي ملةُ
الإسلامُ أو بالمثوبةِ الحُسْنى وهي الجنةُ
(9/166)
فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْيُسْرَى (7)
فَسَنُيَسّرُهُ لليسرى
فسنهيئُه للخصلةِ التي تؤدِي إلى يُسرٍ وراحةٍ كدخولِ الجنةِ
ومباديِه من يسرَ الفرسَ للركوبِ إذا أسرجَها وألجمَها
(9/166)
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ
وَاسْتَغْنَى (8)
وَأَمَّا مَن بَخِلَ
أي بمالِه فلم يبذلْه في سبيل الخير
(9/166)
92 سورة الليل (9 16)
واستغنى
أي زهدَ فيما عنده تعالَى كأنَّه مستغنٍ عنْهُ فلم يتَّقِهِ أو
استغنى بشهواتِ الدُّنيا عن نعيمِ الآخرةِ
(9/167)
وَكَذَّبَ
بِالْحُسْنَى (9)
وَكَذَّبَ بالحسنى
أي ما ذكرَ من المعانِي المتلازمِة
(9/167)
فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى (10)
فَسَنُيَسّرُهُ للعسرى
أي للخصلةِ المؤديةِ إلى العسرِ والشدةِ كدخولِ النارِ
ومقدماتِه لاختيارِه لَها ولعلَّ تصديرَ القسمينِ بالإعطاءِ
والبخلِ مع أنَّ كلاً منهما أدْنى رتبةً مما بعدهُما في
استتباعِ التيسير لليسرى والتيسير للعسرى للإيذانِ بأنَّ كلاً
منهما أصل فيما ذكر لاتتمة لما بعدهُما من التصديقِ والتَّقوى
والتكذيبِ والاستغناءِ وتفسيرُ الأولِ بإعطاءِ الطاعةِ والثاني
بالبخل بما امر به مع كونِه خلافَ الظاهرِ يأباهُ قولُه تعالَى
(9/167)
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ
مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)
وَمَا يُغْنِى عَنْهُ
أيْ ولا يُغنِي أو أيُّ شيءٍ يُغني عنْهُ
مَالَهُ
الذي يبخلُ به
إِذَا تردى
أي هلكَ تفعَّلَ من الرَّدَى الذي هو الهلاكُ أو تردَّى في
الحفرةِ إذا قُبرَ أو تردَّى في قعرِ جهنمَ
(9/167)
إِنَّ عَلَيْنَا
لَلْهُدَى (12)
إِنَّ عَلَيْنَا للهدى
استئنافٌ مقررٌ لمَا قبلَهُ أيْ إنَّ علينا بموجبِ قضائِنا
المبنيِّ على الحِكَم البالغةِ حيث خلقنَا الخلقَ للعبادةِ أن
نبينَ لهم طريقَ الهُدى وما يؤدِّي إليهِ من طريقِ الضلالِ وما
يؤدِّي إليه وقد فعلنَا ذلكَ بما لا مزيدَ عليهِ حيثُ بيَّنا
حالَ من سلكَ كلا الطريقينِ ترغيبا وترهيبا ومن ههنا تبينَ
أنَّ الهدايةَ هي الدِلالة على ما يوصِل إلى البغيةِ لا
الدلالةُ الموصلةُ إليها قطعاً
(9/167)
وَإِنَّ لَنَا
لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)
وَإِنَّ لَنَا لَلأَخِرَةَ والأولى
أي التصرف الكلي فيهما كيفما نشاءُ فنفعلُ فيهما ما نشاءُ من
الأفعالِ التي من جملتها ما وعدنَا من التيسيرِ لليُسرى
والتيسيرِ للعُسرى وقيلَ إن لنا كلَّ ما في الدُّنيا والآخرةِ
فلا يضرنا تركُكُم الاهتداءَ بهدانَا
(9/167)
فَأَنْذَرْتُكُمْ
نَارًا تَلَظَّى (14)
فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى
بحذفِ إحْدى التاءينِ من تتلظَّى أي تتلهبُ وقِرِىءَ على
الأصلِ
(9/167)
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا
الْأَشْقَى (15)
لا يصلاها
صليا لازما
إِلاَّ الأشقى
إلا الكافرُ فإنَّ الفاسقَ لا يصلاهَا صلياً لازماً وقد صرَّحَ
به قولُه تعالى
(9/167)
الَّذِي كَذَّبَ
وَتَوَلَّى (16)
الذى كَذَّبَ وتولى
أي كذَّبَ بالحقِّ وأعرضَ عن الطاعة
(9/167)
92 سورة الليل (17 21)
(9/168)
وَسَيُجَنَّبُهَا
الْأَتْقَى (17)
وَسَيُجَنَّبُهَا
أي سَيُبعدُ عنْها
إلا تقى
المبالغُ في اتقاءِ الكفرِ والمعاصِي فلا يحومُ حولَها فضلاً
عن دخولِها أو صليِها الأبديِّ وأما من دُونَهُ ممن يتقي
الكفرَ دُونَ المعاصِي فلا يُبعد عنْها هذا التبعيدَ وذلكَ لا
يستلزمُ صليها بالمَعْنى المذكورِ فلا يقدحُ في الحصرِ السابقِ
(9/168)
الَّذِي يُؤْتِي
مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)
الذى يُؤْتِى مَالَهُ
يُعْطيه ويصرفُهُ في وجوهِ البرِّ والحسناتِ وقولُه تعالى
يتزكى
إما بدلٌ من يُؤتِي داخلٌ في حكمِ الصلةِ لا محلَّ لهُ أو في
حيزِ النصبِ على أنه حالٌ من ضميرِ يُؤتِي أي يطلبُ أن يكونَ
عند الله تعالى زاكيا ناميا لا يريدون بهِ رياءً ولا سمعةً
(9/168)
وَمَا لِأَحَدٍ
عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19)
وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تجزى
استئنافٌ مقررٌ لكونِ إيتائِه للتزكِّي خالصاً لوجهِ الله
تعالى أي ليسَ لأحدٍ عنده نعمةٌ من شأنِها أنْ تُجزى وتكافأَ
فيقصدَ بإيتاءِ ما يُؤتى مجازاتِها وقولُه تعالى
(9/168)
إِلَّا ابْتِغَاءَ
وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)
إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى
استثناءٌ منقطعٌ من نعمةٍ وقُرِىءَ بالرفعِ على البدلِ من
محلِّ نعمةٍ فإنَّه الرفعُ إما على الفاعليةِ أو على الابتداءِ
ومِنْ مزيدةٌ ويجوزُ أن يكونَ مفعولاً لهُ لأنَّ المَعْنى لا
يُؤتِي مالَه إلا ابتغاء وجه ربه لا لمكافأةِ نعمةٍ والآياتُ
نزلتْ في حقِّ أبِي بكرٍ الصدِّيقِ رضيَ الله عنه حينَ اشترَى
بلالاً في جماعةٍ كان يؤذيهم المشركونَ فأعتقُهم ولذلكَ قالُوا
المراد بالأشقى او جهلٍ أو أميةُ بنُ خلفٍ وقد رَوَى عطاءٌ
والضحاكُ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنه عذَّبَ المشركونَ
بلالاً وبلالٌ يقولُ أَحَدٌ أَحَدٌ فمرَّ به النبي عليه
الصلاةَ والسلامُ فقالَ أَحَدٌ يعني الله تعالَى ينجيكَ ثم قال
لأبي بكرٍ رضيَ الله عنْهُ إنَّ بلالاً يعذبُ في الله فعرفَ
مرادَهُ عليه الصلاةُ والسلامُ فانصرفَ إلى منزلِه فأخذ رطلاً
من ذهبٍ ومَضَى به إلى أميةَ بنِ خلفٍ فقالَ له أتبيعُنِي
بلالاً قالَ نعَم فاشتراهُ فأعتقَهُ فقالَ المشركونَ ما
أعتقَهُ أبُو بكرٍ إلا ليدٍ كانتْ له عندَهُ فنزلتْ وقولُه
تعالَى
(9/168)
وَلَسَوْفَ يَرْضَى
(21)
وَلَسَوْفَ يرضى
جوابُ قَسَمٍ مضمرٍ أيْ وبالله لسوفَ يَرْضَى وهو وعدٌ كريمٌ
بنيلِ جميعَ ما يبتغيهِ على أكملِ الوجوهِ وأجملِها إذْ بهِ
يتحققُ الرِّضَا وقُرِىءَ يُرْضَى مبنياً للمفعولِ من الإرضاءِ
عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ الليل
أعطاه الله تعالى حَتَّى يَرْضَى وعافاهُ من العُسرِ ويسر له
اليسر
(9/168)
93 - سورة الضحى (1 4)
سورة الضحى مكية وآيها احدى عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
(9/169)
وَالضُّحَى (1)
والضحى
هُوَ وقتُ ارتفاعِ الشمسِ وصدرُ النهارِ قالُوا تخصيصُهُ
بالإقسامِ بهِ لأنَّها الساعةُ التي كلَّم فيهَا مُوسَى عليهِ
السلامُ وألقَى فيهَا السحرةُ سُجدّاً لقولِه تعالَى {وَأَن
يُحْشَرَ الناس ضُحًى} وقيلَ أريدَ بهِ النهارُ كمَا في قولِه
تعالَى {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} في مقابلةِ بياتاً
(9/169)
وَاللَّيْلِ إِذَا
سَجَى (2)
والليل
أيْ جِنْسِ الليلِ
إِذَا سجى
أيْ سكنَ أهلُه أو ركدَ ظلامُه من سَجَا البحرُ سَجْواً إذَا
سكنَتْ أمواجُهُ وَنُقِلَ عن قتادةَ ومقاتلٍ وجعفرٍ الصَّادقِ
أنَّ المرادَ بالضُّحَى هُوَ الضُّحى الذي كلَّمَ الله تعالَى
فيهِ مُوسَى عليهِ السلامُ وبالليلِ ليلةُ المعراجِ وقولُه
تعالَى
(9/169)
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ
وَمَا قَلَى (3)
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ
جوابُ القسمِ أيْ ما قطعكَ قطعَ المودعِ وقُرِىءَ بالتخفيفِ
أيْ ما ترككَ
وَمَا قلى
أيْ ومَا أبغضكَ وحَذفُ المفعولِ إما للاستغناءِ عنْهُ بذكرِهِ
من قبلُ أو للقصدِ إلى نفي صدورِ الفعلِ عنْهُ تعالَى بالكليةِ
مع أنَّ فيهِ مراعاةً للفواصلِ رُوي أنَّ الوحيَ تأخرَ عن
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أياماً لتركِه الاستثناءَ كما
مَرَّ في سُورةِ الكهفِ أو لزجرِهِ سائلاً ملحاً فقالَ
المشركونَ إنَّ محمداً ودعَهُ ربُّهُ وقلاَهُ فنزلتْ رَدًّا
عليهم وتَبْشيراً لهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بالكرامةِ
الحاصلةِ والمترقبةِ كما يُشعِرُ به إيرادُ اسمِ الربِّ
المنبىءِ عنِ التَّربيةِ والتبليغِ إلى الكمال مع الإضافة إلى
ضميره عليه الصلاة والسلامُ وحيثُ تضمنَ ما سبقَ من نفي
التوديعِ والقِلَى أنَّه تعالى يواصلُه بالوَحْي والكرامةِ في
الدُّنيا بشرهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بأنَّ مَا سيؤتيه في
الآخرةِ أجلُّ وأعظمُ من ذلكَ فقيلَ
(9/169)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)
وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى
لما أنَّها باقيةٌ صافيةٌ عنِ الشوائبِ على الإطلاقِ وهذه
فانيةٌ مشوبةٌ بالمضارِّ وما أُوتي عليهِ الصَّلاة والسَّلام
من شرفِ النبوةِ وإنْ كانَ مما لا يعادلُه شرفٌ ولاَ يدانيه
فضل
(9/169)
93 سورة الضحى (5 7)
لكنَّهُ لا يخلُو في الدُّنيا من بعضِ العوارضِ الفادحةِ في
تمشيةِ الأحكامِ معَ أنَّه عندَمَا أعدَّ له عليه الصلاة
والسلام في الآخرةِ من السبقِ والتقدمِ على كافةِ الأنبياءِ
والرسلِ يومَ الجمعِ يَوْمَ يقوم الناس لرب العالمين وكونُ
أمتِه شهداءَ على سائرِ الأممِ ورفعُ درجاتِ المؤمنينَ وإعلاءُ
مراتبِهم بشفاعتِه وغيرُ ذلكَ من الكراماتِ السَّنيةِ التي لا
تحيطُ بهَا العبارةُ بمنزلةِ بعضِ المبادىء بالنسبةِ إلى
المَطَالبِ وقيلَ المرادُ بالآخرةِ عاقبةُ أمرِه عليه الصلاة
والسلام أي لنهايةُ أمركَ خيرٌ من بدايتِه لا تزالُ تتزايدُ
قوةً وتتصاعدُ رفعةً وقولُه تعالَى
(9/170)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى
عِدَةٌ كريمةٌ شاملةٌ لمَا أعطاهُ الله تعالَى في الدُّنيا من
كمالِ النفسِ وعلومِ الأولينَ والآخرينَ وظهورِ الأمرِ وإعلاءِ
الدينِ بالفتوحِ الواقعةِ في عصرِه عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ
وفي أيامِ خلفائِه الراشدينَ وغيرِهم من الملوكِ الإسلاميةِ
وفشُوِّ الدعوةِ والإسلامِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها ولما
ادخرَ لهُ من الكراماتِ التي لا يعلمُها إلا الله تعالَى وقدْ
أنبأ ابنَ عباسٍ رضيَ الله عنهُما عن شَمَّةٍ منهَا حيثُ قالَ
له عليه الصلاة والسلام في الجنة الف قصرمن لؤلؤٍ أبيضَ ترابُه
المسكُ واللامُ للابتداءِ دخلتِ الخبرَ لتأكيدِ مضمونِ
الجُملةِ والمبتدأُ محذوفٌ تقديرُهُ ولأنتَ سوفَ يُعطيكَ الخ
لا للقسمِ لأنَّها لا تدخلُ على المضارعِ إلاَّ معَ النونِ
المؤكدةِ وجمعُها معَ سوفَ للدلالةِ على أنَّ الإعطاءَ كائنٌ
لا محالةَ وإنْ تراخَى لحكمةٍ وقيلَ هيَ للقسمِ وقاعدةُ
التلازمِ بينَها وبينَ نونِ التأكيدِ قد استثنى النجاة منهَا
صورتينِ إحداهُمَا أنْ يفصلَ بينَها وبينَ الفعلِ بحرفِ
التنفيسِ كهذه الآية وكقولِه والله لسأعطيكَ والثانيةُ أن
يُفصلَ بينهما بمعمولِ الفعلِ كقولِه تعالَى {لإِلَى الله
تُحْشَرُونَ} وقال أبُو عليَ الفارسيُّ ليستْ هذه اللامُ هيَ
التي في قولِكَ إنَّ زيداً لقائمٌ بلْ هيَ التي في قولِكَ
لأقومَنَّ ونابتْ سوفَ عن إحدَى نونِي التأكيدِ فكأنَّه قيلَ
وليعطينكَ وكذلكَ اللامُ في قولِه تعالَى وَلَلأَخِرَةُ الخ
وقولُه تعالَى
(9/170)
أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيمًا فَآوَى (6)
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فاوى
تعديدٌ لمَا أفاضَ عليه عليه الصلاة والسلام من أول أمرِه إلى
ذلكَ الوقتِ من فنونِ النعماءِ العظامِ ليستشهدَ بالحاضر
الموجودِ على المترقبِ الموعودِ فيطمئنَّ قلبُه وينشرحَ صدرُهُ
والهمزةُ لإنكارِ النفي وتقريرِ المنفي على أبلغ وَجْهٍ كأنَّه
قيلَ قد وجدكَ الخ والوجودُ بمعنى العلمِ ويتيماً مفعولُه
الثَّانِي وقيلَ بمعنى المصادقةِ ويتيماً حال من مفعولِه رُويَ
أنَّ أباهُ ماتَ وهُوَ جنينٌ قد أتتْ عليهِ ستةُ أشهرٍ وماتتْ
أمُّهُ وهوَ ابنُ ثمانِ سنينَ فكفلَهُ عَمُّه أبُو طالبٍ
وعطّفه الله عليه فأحسنَ تربيتَهُ وذلكَ إيواؤُهُ وقُرِىءَ
فَأَوَى وهُوَ إمَّا من أواهُ بمعنى آواهُ أو من أوَى لَهُ
إذَا رَحِمَهُ وقولُه تعالَى
(9/170)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا
فَهَدَى (7)
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ
عطفٌ على ما يقتضيهِ الإنكارُ السابقُ كمَا أُشير إليهِ أو على
المضارعِ المنفيِّ بلمْ داخلٌ في حُكمِه كأنَّهُ قيلَ أمَا
وجدكَ يتيماً فآوى ووجدكَ غافلاً عنِ الشرائعِ التي لا تهتدِي
(9/170)
سورة الضحى آية 8 11
إليهَا العقولُ كمَا في قوله تعالى {كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب}
وقيلَ ضلَّ في صباهُ في بعضِ شعابِ مكةَ فردَّه أبُو جهلٍ إلى
عبدِ المطلبِ وقيلَ ضَلَّ مرةً أُخرَى وطلبُوه فلم يجدُوه
فطافَ عبدُ المطلبِ بالكعبةِ سبعاً وتضرعَ إلى الله تعالَى
فسمعُوا منادياً ينادِي من السماءِ يا معشرالناس لا تضجُّوا
فإنَّ لمحمدٍ ربًّا لا يخذلُهُ ولا يضيعُهُ وإنَّ محمداً
بوادِي تهامةَ عندَ شجرِ السَّمُرِ فسارَ عبدُ المطلبِ وورقةُ
بنُ نوفلٍ فإذَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم قائمٌ تحتَ شجرةٍ
يلعبُ بالأغصانِ والأوراقِ وقيلَ أضلتهُ مرضعتُه حليمةُ عندَ
بابِ مكةَ حينَ فطمتْهُ وجاءتْ بهِ لتردُه على عبدِ المطلبِ
وقيلَ ضَلَّ في طريقِ الشامِ حينَ خرجَ بهِ أبُو طالبٍ
يُروى أنَّ إبليسَ أخذَ بزمامِ ناقتِه في ليلةٍ ظلماء فعدلَ
بهِ عن الطريقِ فجاءَ جبريلُ عليهِ السلامُ فنفخ إبليس نفخةً
وقع منهَا إلى أرضِ الهندِ ورَدَّهُ إلى القافلةِ {فهدى}
فهداكَ إلى مناهجِ الشرائعِ المنطويةِ في تضاعيفِ مَا أُوْحِىَ
إِلَيْكَ مِنَ الكتابِ المبينِ وعلمكَ مَا لَمْ تَكُنْ
تَعْلَمُ أو أزالَ ضلالكَ عن جدكَ أو عمكَ
(9/171)
وَوَجَدَكَ عَائِلًا
فَأَغْنَى (8)
{وَوَجَدَكَ عَائِلاً} أيْ فقيراً وقُرِىءَ
عَيُلاً وقُرِىءَ عديماً {فأغنى} فأغناكَ بمالِ خديجةَ أو
بمالٍ حصلَ لكَ من ربحِ التجارةِ أو بمال أفاءَ عليكَ من
الغنائمِ قال عليه الصلاة والسلام جُعِلَ رِزْقِي تحتَ ظلِّ
رُمْحِي وقيلَ قنعكَ وأَغْنى قلبكَ
(9/171)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلَا تَقْهَرْ (9)
{فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ} فلا
تغلبْهُ على مالِه وقالَ مجاهدٌ لا تَحْتقرْ وقُرىءَ فلاَ
تَكْهَرْ أيْ فلا تعبسْ في وجهِه
(9/171)
وَأَمَّا السَّائِلَ
فَلَا تَنْهَرْ (10)
{وَأَمَّا السائل فَلاَ تَنْهَرْ} فلا
تزجُرْ وَلاَ تُغلظْ لهُ القولَ بلْ رُدَّهُ ردًّا جميلاً قالَ
أبراهيمُ بن أدهم نعم القول السؤّالُ يحملونَ زادنَا إلى
الآخرةِ وقالَ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ السائلُ يريدُ الآخرةَ
يجيءُ إلى بابِ أحدِكُم فيقولُ أتبعثونَ إلى أهليكُم بشيءٍ
وقيل المراد بالسائل ههنا الذي يسألُ عنِ الدينِ
(9/171)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ}
بشكرِهَا وإشاعتِها وإظهارِ آثارِها وأحكامِها أريدَ بهَا ما
أفاضَهُ الله تعالَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ من فنونِ النِّعمِ
التي من جُملتِها النعمُ المعدودةُ الموجودةُ منهَا والموعودةُ
والمَعْنى أنكَ كنتَ يتيماً وضالاًّ وعائلاً فآواكَ الله
تعالَى وهداكَ وأغناكَ فمهمَا يكُنْ من شيءٍ فلا تنسَ حقوقَ
نعمةِ الله تعالَى عليكَ في هذه الثلاثِ واقتدِ بالله تعالَى
وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إليكَ فتعطفَ على اليتيمِ فآوِه
وترحمْ على السائلِ وتفقدهُ بمعروفكَ ولا تزجرهُ عن بابكَ
وحدثْ بنعمةِ الله كُلِّها وحيثُ كانَ معظمُها نعمةَ النبوةِ
فقدِ اندرجَ تحتَ الأمرِ هدايته عليه الصلاة والسلام للضلالِ
وتعليمُه للشرائعِ والأحكامِ حسبمَا هداهُ الله عزَّ وجلَّ
وعلمَهُ من الكتابِ والحكمة
عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورة الضحى
جعلَهُ الله تعالَى فيمنْ يرضَى لمحمدٍ أنْ يشفعَ لهُ وعشرُ
حسناتٍ يكتبُهَا الله لَهُ بعددِ كُلِّ يتيم وسائل
(9/171)
سورة الشرح مكية وهي ثمان آيات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيم
(9/172)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ (1)
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} لما كانَ
الصدرُ محلاًّ لأحوالِ النفسِ ومخزناً لسرائرِها من العلومِ
والإدراكاتِ والملكاتِ والإراداتِ وغيرِها عبرَ بشرحِه عن
توسيعِ دائرةِ تصرفاتِها بتأييدِها بالقوةِ القدسيةِ وتحليتِها
بالكمالاتِ الأُنسيةِ أيْ ألمْ نفسحْهُ حَتَّى حَوَى عَالَمِيْ
الغيبِ والشَّهادةِ وجمعَ بينَ مَلكَتِيْ الاستفادةِ والإفادةِ
فمَا صدَّكَ الملابسةُ بالعلائقِ الجسمانيةِ عنِ اقتباسِ
أنوارِ الملكاتِ الروحانيةِ وَمَا عاقكَ التعلقُ بمصالحِ
الخلقِ عن الاستغراقِ في شؤونِ الحقِّ وقيلَ أريدَ بهِ ما
رُويَ أنَّ جبريلَ أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في
صباهُ أو يومَ الميثاقِ فاستخرجَ قلبَهُ فغسلَهُ ثمَّ ملأهُ
إيماناً وعلماً ولعلَّه تمثيلٌ لما ذُكِرَ أو أُنْمُوذَجٌ
جُسمانيٌّ ممَّا سيظهرُ لهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ من
الكمالِ الرُّوحانيِّ والتعبيرُ عن ثبوتِ الشَّرحِ بالاستفهامِ
الإنكاريِّ عنِ انتفائِه للإيذانِ بأنَّ ثبوتَهُ منَ الظهورِ
بحيثُ لا يقدرُ أحدٌ على أنْ يجيبَ عنْهُ بغيرِ بَلَى وزيادةُ
الجارِّ والمجرورِ معَ توسيطِه بينَ الفعلِ ومفعولِه للإيذانِ
من أولِ الأمرِ بأنَّ الشَّرحَ من منافِعِه عليهِ الصلاةُ
والسلامُ ومصالحِه مسارعةً إلى إدخالِ المسرةِ في قلبِه عليهِ
الصَّلاةُ والسَّلامُ وتشويقاً لهُ إلى ما يعقبُهُ ليتمكَّنَ
عندَهُ وقتَ ورودِه فضلَ تمكِّنٍ وقوله تعالى
(9/172)
وَوَضَعْنَا عَنْكَ
وِزْرَكَ (2)
{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} عطفٌ على ما
أشيرَ إليهِ من مدلولِ الجملةِ السابقةِ كأنه قدْ شرحنَا
صدرَكَ ووضعنَا الخ وعنكَ متعلقٌ بوضعنَا وتقديمُهُ على
المفعولِ الصريحِ مع أن حقه التأخرُ عنْهُ لما مرَّ آنِفاً منَ
القصدِ إلى تعجيلِ المسرَّةِ والتِّشويقِ إلى المؤخَّرِ ولِما
أنَّ في وصفِه نوعَ طُولٍ فتأخيرُ الجارِّ والمجرور عنْهُ لما
مرَّ آنِفاً منَ القصدِ إلى تعجيلِ أيْ حططنَا عنكَ عِبأكَ
الثقيلَ
(9/172)
الَّذِي أَنْقَضَ
ظَهْرَكَ (3)
{الذى أَنقَضَ ظَهْرَكَ} أيْ حملَهُ على
النقيضِ وَهُوَ صوت الانتقاض والانفكاكَ كمَا يُسْمَعُ منَ
الرَّحلِ المُتداعِي إلى الانتقاضِ من ثقلِ الحملِ مُثّل بهِ
حالُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ممَّا كانَ يثقلُ عليه ويغمه
من فرطاته قبلَ النبوةِ أو من عدمِ إحاطتِه بتفاصيلِ الأحكامِ
والشرائعِ أو من تهالُكِهِ على إسلام المعاندين
(9/172)
94 سورة الشرح آية (4 8) من قومِه وتلهفِهِ
ووضعِهِ عند مغفرتَهُ وتعليمِ الشرائعِ وتمهيدِ عُذرِهِ بعدَ
أنْ بلَّغَ وبالغَ وقُرِىءَ وَحططنَا وَحللنَا مكانَ وضعنَا
وقُرِىءَ وحللنَا عنكَ وِقْرَك
(9/173)
وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ (4)
{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} بعنوان
النبوةِ وأحكامِها أيَّ رفعٍ حيثُ قرنَ اسمُهُ باسمِ الله
تعالَى في كلمةِ الشهادةِ والأذانِ والإقامةِ وجُعلَ طاعتُه
طاعتَه تعالَى وصلَّى عليهِ هُو وملائكتُه وأمرَ المؤمنينَ
بالصَّلاةِ عليهِ وسُمِّيَ رسولَ الله ونبيَّ الله والكلامُ في
العطفِ وزيادةِ لكَ كالذي سلفَ وقولُه تعالَى
(9/173)
فَإِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْرًا (5)
{فإن مع العسر يسرا} تقرير لما قبله ووعده
كريمٌ بتيسيرِ كُلِّ عسيرٍ له عليه الصلاة والسلام وللمؤمنينَ
كأنَّه قيلَ خوَّلناكَ ما خوَّلناكَ من جلائلِ النعمِ فكُنْ
على ثقةٍ بفضلِ الله تعالَى ولطفِه فإن مع العسر يسرا كثيرا
وفي كلمته معَ إشعارٌ بغايةِ سرعةِ مجيءِ اليسرِ كأنَّه مقارنٌ
للعسرِ
(9/173)
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْرًا (6)
{إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} تكريرٌ
للتأكيدِ أو عدةٌ مستأنفةٌ بأنَّ العسرَ مشفوعٌ بيسرٍ آخرَ
كثوابِ الآخرةِ كقولك إن للصائم فرحتان للصائم فرحةً أيَّ فرحة
عندَ الإفطارِ وفرحةً عندَ لقاءِ الربِّ وعليهِ قولُه صلى الله
عليه وسلم لَنْ يغلبَ عسرٌ يسرينِ فإنَّ المُعرَّفَ إذَا أعيدَ
يكونُ الثاني عينَ الأولِ سواءً كانَ معهوداً أو جنساً وأما
المنكرُ فيحتملُ أنْ يرادَ بالثانِي فردٌ مغايرٌ لمَا أريدَ
بالأولِ
(9/173)
فَإِذَا فَرَغْتَ
فَانْصَبْ (7)
{فَإِذَا فَرَغْتَ} أيْ منَ التبليغِ وقيلَ
من الغزوِ {فانصب} فاجتهدْ في العبادةِ واتعبْ شكراً لما
أوليناكَ من النعمِ السالفةِ ووعدناكَ من الآلاءِ الآنفةِ
وقيلَ فإذَا فرغتَ من صلاتِك فاجتهدْ في الدُّعاءِ وقيلَ إذَا
فرغتَ من دنياكَ فانصبْ في صلاتِكَ
(9/173)
وَإِلَى رَبِّكَ
فَارْغَبْ (8)
{وإلى رَبّكَ} وَحْدَهُ {فارغب} بالسؤالِ
ولاَ تسألْ غيرَهُ فإنَّه القادرُ على إسعافِكَ لا غيرُهُ
وقُرِىءَ فرَغِّبْ أي فرَغِّبِ النَّاسَ إلى طلبِ ما عندَهُ عن
رسول الله صلى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ ألمْ نشرحْ
فكأنَّما جاءَنِي وأنَا مغتمٌّ ففرجَ عَنِّي
(9/173)
|