تفسير الإمام الشافعي

سورة هود
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة، سوى ما مضى:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى (في سورة هود عليه السلام) :
(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) الآية، فوعد الله كل من تاب مستغفراً: التمتع إلى الموت.
ثم قال (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) الآية، أي: في الآخرة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلسنا نحن تائبين على حقيقة؛ ولكن علمٌ عَلِمَه
الله؛ ما حقيقة التائبين: وقد مُتِّعْنَا في هذه الدنيا، تمتعاً حسناً؟

(2/970)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)
الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عاماً يراد به الخاص ويدخله الخصوص) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) الآية، فهذا عام لا خاص فيه، وكل دابة فعلى اللَّه رزقها
ويعلم مستقرها ومستودعها.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ)
فأقام جل ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه، في الأعلام التي باينوا بها
خلقه سواهم، وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء، ودلائِلَهم
التي باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر.

(2/971)


قال الله عزَّ وجلَّ: (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: واختلف الناس في آل محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال منهم قائل: آل محمد: أهل دين محمد، ومن ذهب هذا المذهب، أشبه أن يقول: قال الله تعالى لنوح عليه السلام: (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ)
الأم: باب (المواريث) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ) الآية، وقال عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ)
فنسب إبراهيم إلى أبيه، وأبوه كافر، ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح.
وابنه كافر.

(2/972)


الأم (أيضاً) : باب (الولاء والحِلْف) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
فميَّز اللَّه - عز وجل - بينهم بالدِّين، ولم يقطع الأنساب بينهم فدلَّ
ذلك على أن: الأنساب ليست من الدين في شيء، الأنساب ثابتة لا تزول، والدين شيء يدخلون فيه أو يخرجون منه، ونسب ابن نوح إلى أبيه، وابنه كافر.
مختصر المزني: باب (في الولاء) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يقطع اختلاف الدين الولاء كما لا يقطع
النسب، قال اللَّه جل ثناؤه: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ) الآية، فلم يقطع النسب
باخئلاف الدِّين، فكذلك الولاء لمن أعتق سائبة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وحكى (الله تعالى) على لسان نوح عليه السلام.
فقال: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)

(2/973)


فأخرجه بالشرك عن أن يكون من أهل نوح عليه الصلاة والسلام.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي نذهب إليه في معنى هذه الآية: أن قول الله - عز وجل - (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ؛ يعني: الذين أمرناك بحملهم معك.
فإن قال قائل: وما دل ما وصفت؟
قيل: قال الله - عز وجل -: (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ)
فأعلمه أنه أمره: بأن يحمل من أهله، من لم يسبق
عليه القول، أنه أهل معصية، ثم بين له فقال: (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال قائل: آل محمد: أزواج النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكأنه ذهب، إلى أن الرجل يقال له: ألك أهل؟
فيقول: لا، وإنَّما يعني: ليست لي زوجة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا معنى يحتمل اللسان؛ ولكن معنى كلام لا
يعرف، إلا أن يكون له سبب كلام يدل عليه، وذلك، أن يقال للرجل:
تزوجت؟ فيقول: ما تأهلت فيعرف - بأول الكلام - أنه أراد: تزوجت، أو يقول الرجل: أجنبت من أهلي، فيعرف أن الجنابة إنما تكون من الزوجة.
فأما أن يبدأ الرجل فيقول: أهلي ببلد كذا، أو أنا أزور أهلي، وأنا عزيز
الأهل، وأنا كريم الأهل، فإنما يذهب الناس في هذا: إلى أهل البيت.
وذهب ذاهبون: إلى أن آل محمد - صلى الله عليه وسلم -: قرابة محمد - صلى الله عليه وسلم -، التي ينفرد بها، دون غيرها من قرابته. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: آل محمد: الذين حرَّم الله عليهم الصدقة.
وعوضهم منها الخمس.

(2/974)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإني لأحب أن يدخل مع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - أزواجه وذريته، حتى يكون قد أتى ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا) الآية.
انظر ما ورد سابقاً في تفسير الآية / (65) من سورة الأعراف، أو الفقرة / 1211 ص 437 من كتاب الرسالة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - اللَّه تعالى -: (وَالَن ثَمُودَ أضَاهُنم صبحَا)
الآية، انظر ما ورد سابقاً في تفسير الآية / (65) من سورة الأعراف، أو الفقرة / 1211، ص / 437 من كتاب الرسالة.

(2/975)


قال الله عزَّ وجلَّ: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)
الزاهر باب (اللعان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفد متَّع اللَّه - عز وجل - من قضى بعذابه ثلاثاً.
قال الأزهري رحمه الله: أراد، قول اللَّه - عز وجل -: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)
الآية، معناه: انتفعوا بالبقاء والمهلة في داركم ثلاثة أيام.
وأصل المتاع: المنفعة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)
أحكام القرآن: (ما يوثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ونبه الله تعالى أن ما نسب من الولد إلى أبيه: نعمة
من نعمه، فقال: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) الآية.

(2/976)


انظر ما ورد سابقاً في تفسير الآية / (65) من سورة الأعراف، أو
الفقرة / 1211، ص / 437 من كتاب الرسالة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ)
الزاهر باب (قتال أهل البغي) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله - عز وجل -: (أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) الآية.
قيل: أولو دين وطاعة، وقيل: أولو تمييزٍ وعقلٍ.

(2/977)