تفسير الإمام الشافعي

سورة الرعد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ)
الأم (أيضاً) : الإشارة إلى المطر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبلغني عن مجاهد أنه قال: وقد سمعت من تصيبه
الصواعق، كأنه ذهب إلى قول اللَّه - عز وجل -: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ) الآية.
وسمعت من يقول: الصواعق ربما قتلت وأحرقت.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)
الأم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - قال المحاور -: ولكن أرأيت العام في القرآن، كيف جعلته عامًّا مرة وخاصاً أخرى؟
قلت له لسان العرب واسع، وقد تنطق بالشيء

(2/984)


عاماً تريد به العام، وعاماً تريد به الخاص فَيَبِينُ في لفظها، ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم، وكذلك أنزل في القرآن فبَيَّن في القرآن مرة، وفي السنة أخرى.
قال: فاذكر منها شيئاً، قلت: قال الله - عزَّ وجلَّ -: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الآية، فكان مخرجاً بالقول عامًّا يراد به العام.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن غُلِبَ على عقله بعارض أو مرض - أي
مرض كان - ارتفع عنه الفرض، لقول الله تعالى: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)
وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الآية، وإن كان معقولاً أن لا يخاطب بالأمر والنهي إلا من عَقَلَهُمَا.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)
أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر الله - عزَّ وجلَّ - الوفاء بالعقود: بالأيمان، في آية من كتابه منها:
قوله - عز وجل -: (يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) الآية.
مع ما ذكر به الوفاء بالعهد.

(2/985)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: هذا من سعة لسان العرب الذي خوطبت به.
فظاهره عام على كل عقد، ويشبه - والله أعلم - أن يكون اللَّه تبارك وتعالى أراد: أن يوفوا بكل عقد - كان بيمين، أو غير يمين - وكل عقدِ نذرِ، إذا كان في العَقْدَين للهِ طاعة، أو لم يكن له - فيما أمر بالوفاء منها - معصية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ)
آداب الشَّافِعِي: باب (ما ذكر من معرفة الشَّافِعِي اللغات، وما فسَّر من غريب الحديث، وغريب الكلام)
أخبرنا أبو الحسن، حدثنا أبو محمد، حدثنا أبي، حدثنا حرملة قال:
سمعت الشَّافِعِي رحمه الله، يقول في حديث عائشة رضي الله عنها: حيث
قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"واشئرطي لهم الولاء" الحديث.
معناه: اشترطي عليهم الولاء، قال الله عزَّ وجلَّ: (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) الآية، يعني: عليهم.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام.
وصحة اعتقاده فيها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه جل ذكره، فرض الإيمان على جوارح بني
آدم، فقسمه فيها، وفرَّقه عليها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى: -

(2/986)


فمنها: (قلبه) الذي يعقل به، ويفقه، ويفهم، وهو أمير بدنه الذي لا ترد
الجوارح، ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره.
ومنها: (عيناه) اللتان ينظر بهما، و (أذناه) اللتان يسمع بهما، و (يداه)
اللتان يبطش بهما، و (رجلاه) اللتان يمشي بهما، و (فرجه) الذي البَاهُ من قُبُلِه، و (لسانه) الذي ينطق به، و (رأسه) الذي فيه وجهه. ..
فأما فَرضُ اللَّه على القلب من الإيمان: فالإقرار، والمعرفة، والعقد، والرضا
والتسليم بأن اللَّه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم -، عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند اللَّه من نبيٍّ أو كتاب.
فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب، وهو عمله، قال - سبحانه
وتعالى -: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الآية - وذكر الآيات التالية /
106 من سورة النحل، و 28 من سورة الرعد، و 41 من سورة المائدة، و 284 من سورة البقرة -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا)
الرسالة: باب (البيان الخامس)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: الرسل قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا يرسَلون إلى قومهم خاصة، وإن محمداً بعث إلى الناس كافة، فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قومه خاصة، ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه وما أطاقوا منه،

(2/987)


ويحتمل أن يكون بُعث بألسنتهم: فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه
خاصة دون ألسنة العجم؟
فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون
بعضهم تبعاً لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المتَّبع على التابع.
وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز - واللَّه أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كل لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه، وقد بين اللَّه ذلك في غير آية من كتابة - منها -: وقال اللَّه تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها..
أحكام القرآن: فصل (فيما ذكره الشَّافِعِي رحمه الله في التحريض على تعلم
أحكام القرآن) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن جماع كتاب اللَّه - عز وجل -، العلم بأن جميع كتاب اللَّه إنما نزل بلسان العرب، والمعرفة بناسخ كتاب اللَّه ومنسوخه، والفرض في تنزيله، والأدب، والإرشاد، والإباحة، والمعرفة بالوضع الذي وضع اللَّه نبيه صلوات اللَّه عليه وسلامه، من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه في كتابه، وبيَّنه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما أراد بحميع فرائضه: أأراد كل خلقه؟ أم بعضهم دون بعض؟
وما افترض على الناس من طاعئه والانتهاء إلى أمره؛ ثم معرفة ما ضرب فيها
من الأمثال الذوال على طاعته، المبينة لاجتناب معصيته، وترك الغفلة عن
الحظ، والازدياد من نوافل الفضل.

(2/988)


فالواجب على العالمين ألا يقولوا إلا من حيث علموا، ثم ساق الكلام إلى
أن قال: والقرآن يدل على أن ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) الآية، فأقام حجته بأن كتابه عربي.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)
الرسالة: ابتداء الناسخ والمنسوخ
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأبان اللَّه لهم، أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب
بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب، وإنما هي تبع للكتاب بمثل ما نزل نصاً؛ ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جملاً، قال الله:
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) .
فأخبر اللَّه أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه، ولم يجعل له تبديله من
تلقاء نفسه.
وفي قوله: (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي) الآية.
بيان ما وصفت، من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه، كما كان المبتدئ لفرضه: فهو المزيل المثبت لما شاء منه - جل ثناؤه - ولا يكون ذلك لأحد من خلقه.
وكذلك قال: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) .
وقد قال بعض أهل العلم: في هذه الآية - واللَّه أعلم - دلالة على أن اللَّه جعل لرسوله أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم يُنزل به كتاباً - واللَّه أعلم -.

(2/989)


وقيل: في قوله: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ) الآية.
يمحو فرض ما يشاء، ويثبت فرض ما يشاء، وهذا يشبه ما قيل - والله أعلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)
أحكام القرآن: مبتدأ التنزيل، والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: أخبرنا أبو
العباس، أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لما بعث الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه فرائضه كما شاء: (لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) الآية.
ثم اتبع كل واحد منها، فرضاً بعد فرض في حين غيرِ حينِ الفرض قبله.
أحكام القرآن (أيضاً) : فصل في النسخ
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه خلق الناس لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم
وبهم، (لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) الآية.

(2/990)