تفسير الإمام الشافعي

سورة الحجر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ)
الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والريح:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم، قال: حدثنا العلاء بن راشد.
عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما
في كتاب اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا)
و (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)
وقال: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) الآية.
و (أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) الآية.

(2/995)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم قال: أخبرنا صفوان بن سليم
قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -:
"لا نسبوا الريح وعوذوا بالله من شرِّها" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا ينبغي لأحد أن يسبَّ الريح فإنها خلق لله - عز وجل - مطيع، وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمَة إذا شاء.
أخبرنا الثقة، عن الزهري، عن ثابت بن قيس، عن أبي هريرة رضي اللَّه
عنه قال: أخذت الناس ريح بطريق مكة، وعمر حاج فاشتدت، فقال عمر لمن حوله: ما بلغكم في الريح؟
فلم يرجعوا إليه شيئاً، فبلغني الذي سأل عنه عمر من أمر الريح، فاستحثثتُ راحلتي حتى أدركت عمر، وكنت في مؤخر الناس.
فقلت يا أمير المؤمنين: أخبرت أنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فلا تسبوها، واسألوا الله من خيرها، وعوذوا بالله من شرها" الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)
الأم: باب (القراءة بعد التعوذ) :
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن
جرير قال: أخبرني أبي، عن سعيد بن جبير: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي)

(2/996)


قال: هي أم القرآن. قال أبي: وقرأها علي سعيد بن جبير حتى ختمها، ثم
قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الآية السابعة، قال سعيد: وقرأها علي ابن عباس كما قرأتها عليك، ثم قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الآية السابعة، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: "فذخرها لكم فما أخرجها لأحد قبلكم" الحديث.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات) :
قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: - في كتاب البويطي - قال الله جل ثناؤه:
(وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)
وهي: أم القرآن، أولها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. -
ثم ذكر ما ورد في الأم (الفقرة السابقة) حرفياً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)
الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم على الناس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاستهزأ به - أي: برسول اللَّه - قوم فنزل عليه بهم
(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) . الآيتان.

(2/997)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)
الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم على الناس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأنزل اللَّه - عز وجل - فيما يثبّته به إذا ضاق من أذاهم:
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)
إلى آخر السورة، ففرض عليه إبلاغهم وعبادته - سبحانه -، ولم يفرض عليه قتالهم، وأبان ذلك في غير آية من كتابه، ولم يأمره بعزلتهم.

(2/998)