تفسير الإمام الشافعي

سورة الإسراء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعانى في الطهارات والصلوات) :
وبهذا الإسناد قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ومعقول أن السعي - في هذا الموضع - العمل؛ لا السعي على الأقدام، قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الآية.
وقال زهير:
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهُمُ ... فلم يفعلوا ولم يُلامُوا ولم يالُوا
وما يكُ من خير أبوه فإنما ... توارثه آباءآبائهمُ قبلُ
وهل يحمل الخطيَّ إلا وشيجُهُ ... وتغرس - إلا في منابتها - النخلُ

(2/1025)


قال الله عزَّ وجلَّ (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)
الأم) كراء الأرض البيضاء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) الآية، ففرض على كل من صار إليه حق لمسلم، أو حق له، أن يكون مؤديه، وأداؤه دفعه، لا ترك الحول دونه، وسواء دعاه إلى قبضه، أولم يدعه ما لم يبرئه منه، فيبرأ منه بالبراءة، أو بقبضه منه في مقامه، أو غير مقامه، ثم يُودِعُه إياه، وإذا قبضه ثم أودعه إياه فضمانه من مالكه.
قال الربيع رحمه اللَّه: يريد القابض له، وهو: المشتري.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
الأم: الخلاف فيما يؤتى بالزنا)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت اللَّه تعالى حرم الزنا، فقال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) .
فقال (أي: للمحاور) أجد جماعاً وجماعاً، فأقيس أحد الجماعين بالآخر.
قلت. فقد وجدتُ جماعاً حلالاً حمدتُ به، ووجدت جماعاً حراماً رجمتُ به
صاحبه، أفرأيتك قسته به؟
فقال: وما يشبهه؟ فهل ئوضحه بأكثر من هذا؟

(2/1026)


قلت: في أقل من هذا كفاية، وسأذكر لك بعض ما يحضرني منه.
قال: ما ذاك؟
قلت: جعل اللَّه - تبارك وتعالى اسمه - الصهر نعمة فقال:
(فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) .
قال: نعم.
قلت: وجعلك مَحْرَماً لأم امرأتك وابنتها تسافر بها؟ قال: نعم.
قلت: وجعل الزنا نقمة في الدنيا بالحد، وفي الآخرة بالنار إن لم يعف -
سبحانه وتعالى - قال: نعم.
قلت: أفتجعل الحلال الذي هو نعمة قياساً على الحرام الذي هو نقمة، أو
الحرام قياساً عليه، ثم تخطئ القياس، وتجعل الزنا لو زنى بامرأة مُحَرِّماً لأمها
وابنتها؛ قال: هذا أبين ما احتججت به منه.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما نص:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وحرَّم الزنا فقال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) مع ما
ذكره في كتابه - سبحانه وتعالى -.
فكان معقولاً في كتاب الله: أن ولد الزنا لا يكون منسوباً إلى أبيه، الزاني بأمه.
لما وصفنا: من أن نعمته إنما تكون من جهة طاعته؛ لا من جهة معصيته.

(2/1027)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
الأم: كتاب (قتال أهل البغى وأهل الردة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو أن رجلاً واحداً قتل على التأويل، أو جماعة
غير ممتنعين، ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون، أو لم تكن، كان عليهم
القصاص في القتل والجراح وغير ذلك، كما يكون على غير المتأولين.
فقال لي قائل: فلم قلت في الطائفة الممتنعة الناصبة المتأولة، تقتل وتصيب
المال، أزيل عنها القصاص، وغُرم المال إذا تلف، ولو أن رجلاً تأول فقتل، أو أتلف مالاً، اقتصصت منه، وأغرمته المال؟
فقلت له: وجدت اللَّه تبارك وتعالى يقول: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يحل دم مسلم:
" ... أو قتل نفس بغير نفس" الحديث.
وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
من اعتبط مسلماً بقتل فهو قَوَدُ يده " الحديث.

(2/1028)


الأم (أيضاً) : الأمان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور -: ومن قال بباطن دون
ظاهر بلا دلالة له في القرآن، والسنة، أو الإجماع مخالف للآية قال: نعم، فقلت له: فأنت إذاً تخالف آيات من كتاب الله) .
قال: وأين؟
قلت: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) .
الأم (أيضاً) : في المرتد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإلى الوالي قَتل من قَتَل على المحاربة، لا ينتظر به
ولي المقتول، وقد قال بعض أصحابنا ذلك.
قال: ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة، واحتج لهم بعض من يذهب مذاهبهم بأمر: (المحدر بن زياد) ، ولو كان حديثه مما نثبته قلنا به، فإن ثبث فهو كما قالوا، ولا أعرفه إلى يومي هذا ثابتاً.
وإن لم يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولي المقتول، من قِبَل أن الله جل وعلا يقول: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو؛ لأن
الله جل وعز حدهم بالقتل، أو القتل والصلب، أو القطع، ولم يذكر الأولياء كما ذكرهم في القصاص في الآيتين، فقال - عز وجل -:
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) .

(2/1029)


وقال في الخطأ: (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) الآية. ..
فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم ولم يذكرهم في المحاربة.
فدل على أن حكم قتل المحارب مخالف حكم قتل غيره - والله أعلم -.
الأم (أيضاً) : كتاب (اللعان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا كل ما أوجبه اللَّه تعالى لأحدٍ، وجب على
الإمام أخذه له، إن طلبه أخذه له بكل حال.
فإن قال قائل فما الحجة في ذلك؟
قيل: قول اللَّه تعالى اسمه: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، فبين أن السلطان للولي.
الأم (أيِضاَ) : جماع إيحاب القصاص في العمد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل وعز: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه - عز وجل -: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) لا يقتل غير قاتله، وهذا يشبه ما قيل - واللَّه أعلم -.
الأم (أيضاً) : ولاة القصاص:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، فكان معلوماً عند أهل العلم ممن

(2/1030)


خوطب بهذه الآية، أن ولي المقتول من جعل الله تعالى له ميراثاً منه.
وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:
"من قتل له قتيل فأهله بين خِيرَتين إن أحبوا فالقَوَد وإن أحبوا فالعَقلُ" الحديث.
ولم يختلف المسلمون - علمته - في أن العقل موروث كما يورث المال، وإذا كان هكذا، فكل وارث ولي الدم، كما كان لكل وارث ما جعل اللَّه له من ميراث الميت، زوجة كانت له، أو ابنة، أو أماً، أو ولداً، أو والداً، لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم، إذا كان لهم - أن يكونوا
بالدم مالاً، كما لا يخرجون من سواه من ماله.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا قتل رجل رجلاً، فلا سبيل إلى القصاص إلا
بأن يُجمع جميع ورثة الميت من كانوا، وحيث كانوا على القصاص، فإذا فعلوا فلهم القصاص، وإذا كان على الميت دين ولا مال له، أو كانت له وصايا، كان للورثة القتل، وإن كَرِه أهل الدين والوصايا، لأنهم ليسوا من أوليائه، وإن الورثة إن شاؤوا ملكوا المال بسببه، وإن شاؤوا ملكوا القَوَد، وكذلك إن شاؤوا عفوا على غير مال ولا قَوَد، لأن المال لا يُملك بالعمد إلا بمشيئة الورثة، أو بمشيئة المجني عليه - إن كان حياً -، وإذا كان في ورثة المقتول صِغار أو غُيَّب لم يكن إلى القصاص سبيل حتى يحضر الغُيَّب، ويبلغ الصغار، فإذا اجتمعوا على القصاص فذلك لهم، وإذا كان في الورثة معتوه، فلا سبيل إلى القصاص حتى يفيق أو يموت، فتقوم ورثته مقامه، وأي الورثة كان بالغاً فعفا بمال أو بلا مال، سقط القصاص، وكان لمن بقي من الورثة حصته من الدية، وإذا سقط القصاص، صارت لهم الدية.

(2/1031)


الأم (أيضاً) : باب (الشهادة في العفو)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كان للدم وليان، أحدهما غائب، أو صغير، أو
حاضر، لم يأمره بالقتل، ولم يخيَره، فعدا أحد الوليين فقتل قاتل أبيه ففيهما قولان:
أحدهما: لا قصاص بحال.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وإنَّما يسقط من قال هذا القود عنه، إذا لم يُجمع ورثة المقتول عليه للشبهة، وإن قول الله عزَّ وجلَّ:
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
يحتمل أي ولي قتل كان أحق بالقتل، وقد كان يذهب إلى هذا كثر مفتي أهل المدينة. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والقول الثاني: أن على من قتل من الأولياء قاتل
أبيه القصاص، حتى يجتمعوا على القتل.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا عفا أحد الورثة القصاص فحكم لهم الحاكم
بالدية، فأيهم قتل القاتل قتل به، إلا أن يدع ذلك ورثته.
الأم (أيضاً) : قتل الحر بالعبد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى:
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) .

(2/1032)


1 - ولا يجوز فيها إلا أن تكون كل نفس محرمة القتل، فعلى من قتلها القَوَد، فيلزم في هذا أن يُقتل المؤمن بالكافر المعاهد، والمستأمن، والصبي والمرأة من أهل الحرب، والرجل بعبده وعبد غيره، مسلماً كان أو كافراً، والرجل بولده إذا قتله.
قال الشَّافِعِي رحمه الله:
2 - أو يكون قول الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا الآية، ممن دمه
مكافئ دم من قتله، وكل نفس كانت تقاد بنفس، بدلالة كتاب اللَّه - عز وجل -، أو سنة، أو إجماع، كما كان قول الله - عز وجل - (وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) الآية، إذا كانت قاتلة خاصة، لا أن ذكراً لا يقتل بأنثى.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا أولى معانيه به - واللَّه أعلم -؛ لأن عليه
دلائل منها:
1 - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا يقتل مؤمن بكافر. . ." الحديث.
2 - والإجماع على أن لا يقتل المرء بابنه، إذا قتله.
3 - والإجماع على أن لا يقتل الرجل بعبده، ولا بمستأمن من أهل دار
الحرب، ولا بامرأة من أهل دار الحرب ولا صبي.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك لا يقتل الرجل الحر بالعبد بحال، ولو قَتَل
حرٌّ ذمِّيٌّ عبداً مؤمناً لم يقتل به، وعلى الحر إذا قتل العبد قيمته كاملاً بالغة ما
بلغت.

(2/1033)


الأم (أيضاً) : الرجل يقتل الرجل فيعدو عليه أجنبي فيقتله:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو أن إماماً أقرَّ عنده رجل بقتل رجل بلا قطع
طريق عليه، فعجل فقتله كان على الإمام القصاص، إلا أن تشاء ورثته الدية؛ لأن اللَّه - عز وجل - لم يجعل للإمام قتله، وإنما جعل ذلك لوليه؛ لقول الله - عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الإسراف في القتل: أن يقتل غير قاتله - واللَّه أعلم -.
الأم (أيضاً) : باب (دية أهل الذمة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
فقوله: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)
دلالة على أن: من قُتِل مظلوماً فلوليه أن يقتل قاتله.
قيل له: فيعاد عليك ذلك الكلام بعينه في الابن يقتله أبوه، والعبد يقتله سيده، والمستأمن يقتله المسلم.
الأم (أيضاً) : باب (قتل الغيلة وغيرها وعفو الأولياء) :
قال أبو حنيفة رحمه اللَّه: من قتل رجلاً عمداً قَتلَ غيلة، أو غير غيلة.
فذلك إلى أولياء القتيل، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا.
وقال أهل المدينة: إذا قتله قَتل غيلة من غير نائرة ولا عداوة، فإنه يقتل.
وليس لولاة المقتول أن يعفوا عنه، وذلك إلى السلطان يقتل فيه القاتل.

(2/1034)


وقال محمد بن الحسن رحمه الله: قول الله - عزَّ وجلَّ - أصدق من غيره، قال الله - عزَّ وجلَّ -:
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) الآية، فمن قتل وليه، فهو وليه في دمه دون السلطان، إن شاء
قتل، وإن شاء عفا، وليس إلى السلطان من ذلك شي. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كل من قتل في حرابة، أو صحراء أو مصر، أو
مكابرة، أو قتل غيلة على مالي أو غيره، أو قتل نائرة فالقصاص والعفو إلى
الأولياء، وليس إلى السلطان من ذلك شيء إلا الأدب، إذا عفا الولي.
الأم (أيضاً) : باب (الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: حد الله الناس على الفعل نفسه، وجعل فيه القَوَد.
فقال تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيكمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى) الآية.
وقال: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، فكان معروفاً عند من خوطب بهذه الآية، أن السلطان لولي المقتول على القاتل نفسه، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
قال: "من اعتبط مسلماً بقتل فهو قَوَدُ يده" الحديث.
مختصر المزني: باب (القصاص بالسيف)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، وإذا خفى الحاكم الولي وقتل القاتل، فينبغي له أن يأمر

(2/1035)


من ينظر إلى سيفه، فإن كان صارماً، وإلا أمره بصارم؛ لئلا يعذبه ثم يدعه
وضَربَ عنقه.
مختصر المزني (أيضاً) : باب (الخلاف في قتل المومن بكافر) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية.
فأعلم الله سبحانه أن لولي المقتول ظلماً أن يقتل قاتله.
قلنا: فلا تعدوا هذه الآية:
1 - أن تكون مُطلَقة على جميع من قُتل مظلوماً.
2 - أو تكون على من قُتل مظلوماً ممن فيه القود ممن قتله، ولا يُستدل على
أنها خاصة إلا بسنة أو إجماع، فقال بعض من حضره: ما تعدو أحد هذين.
فقلت: إعنِ أيهما شئت؟ قال: هي مُطْلَقة.
قلت: أفرأيت رجلاً قتل عبده، وللعبد ابن حر، أيكون ممن قُتل مظلوماً؟ قال: نعم. قلت: أفرأيت رجلاً قتل ابنه، ولابنه ابن بالغ، أيكون الابن المفتول ممن قُتل مظلوماً؟
قال: نعم.
قلت: أفعلى واحد من هذين قود؟
قال: لا.
قلت: ولم وأنت تقتل الحر بالعبد الكافر؟
قال: أما الرجل يقتل عبده، فإن السيد ولي دم عبده فليس له أن يقتل نفسه، وكذلك هو ولي دم ابنه، أو له فيه ولاية، فلا يكون له أن يقتل نفسه مع أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن لا يقتل والد بولده. فقيل: أفرأيت رجلاً قتل ابن عمه (أخي أبيه) وليس للمقتول ولي

(2/1036)


غيره، وله ابن عم يلقاه بعد عشرة آباء أو كثر، أيكون لابن العم أن يقتل
القاتل، وهو أقرب إلى المقتول منه بما وصفت؟
قال: نعم: قلت: وهذا الولي؟
قال: لا ولاية لقاتل، وكيف تكون له ولاية ولا ميراث له بحال؟
قلت: فما منعك من هذا القول في الرجل يقتل عبده وفي الرجل يقتل ابنه؟ قال: أما قتله ابنه فبالحديث، قيل: آلحَدِيثُ فيه أثبت، أم الحديث في أن لا يقتل مؤمن بكافر؟
فقد تركت الحديث الثابت.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
الأم: باب التحفظ في الشهادة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يسع شاهداً أن يشهد إلا بما علم، والعلم من
ثلاثة وجوه:
1 - منها ما عاينه الشاهد، فيشهد بالمعاينة.
2 - ومنها ما سمعه، فيشهد ما أثبت سمعاً من المشهود عليه.

(2/1037)


3 - ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لايمكن في أكثره العيان، وتثبت
معرفته في القلوب، فيشهد عليه بهذا الوجه.
الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أنزل - اللَّه تعالى - على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أن قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
يعني - والله أعلم -: ما تقدم من ذنبه قبل الوحي.
وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب، فعلم ما يفعل به من رضاه عنه، وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة، وسيد الخلائق، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الآية.
وجاء النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ في امرأة رماها بالزنا، فقال له: يرجع، فأوحى الله إليه آية اللعان، فَلاعَنَ بينهما - وبسط الكلام في شرح ذلك -.
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفته الشافعى بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أخبر - اللَّه تعالى - عما فرض على القلب
والسمع والبصر، في آية واحدة، فقال سبحانه وتعالى في ذلك: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) .

(2/1038)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيه) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه - على الرِّجْلَين أن لا يمشي بهما إلى ما
حرّم الله جل ذكره، فقال في ذلك: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)
آداب الشَّافِعِي: باب (ما ذكر من معرفة الشَّافِعِي اللغات وما فسر من غريب الحديث، وغريب الكلام)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وترأت على إسماعيل بن قسطنطين، وكان يقول:
(القُرَاْنُ) : اسم وليس كهموز، ولم يُؤخذ من قرأت، ولو أخذ من قرأت: كان كل ما قُرئ قرآناً، ولكنه اسم: القرَآنُ، مثل التوراة، والإنجيل وكان يَهمِزُ (قَرَأْتَ) ولا يهمِزُ (الْقُرْآنَ) ، كان يقول: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) الآية.

(2/1039)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)
أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولله - عز وجل - كتب نزلت قبل نزول القرآن، المعروف منها - عند العامة - التوراة والإنجيل.
وقد أخبر اللَّه - عز وجل - أنه: أنزل غيرهما، فقال: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) .
وليس يعرف تلاوة كتاب إبراهيم، وذكَرَ زبور داود فقال:
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكانت هذه أحكاماً وجبت باللعان، ليست
باللعان بعينه، فالقول فيها واحد من قولين:
أحدهما: أني سمعت من أرضى دينه وعقله وعلمه يقول: إنه لم يقض فيها
ولا غيرها إلا بأمر اللَّه تبارك وتعالى، قال: فأمْرُ الله إياه وجهان:

(2/1040)


الوجه الأول: وحي ينزل فيتلى على الناس.
والوجه الثاني: رسالة تأتيه عن الله تبارك وتعالى بأن افعل كذا، فيفعله.
ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول: قال الله - عزَّ وجلَّ فيما يحكي عن إبراهيم: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
فقال غير واحد من أهل التفسير رؤيا الأنبياء وحي، لقول ابن إبراهيم الذي أُمر بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية.
ومعرفته أن رؤياه أمْر أُمِرَ به، وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) الآية.
فيذهب إلى أن الكتاب: هو ما يتلى عن الله تعالى، والحكمة: هي ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيهما: وقال غيره: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهان:
أحدهما: ما تبين مما في كتاب اللَّه المبين عن معنى ما أراد اللَّه بحمله خاصاً وعاماً.
والآخر: ما ألهمه الله من الحكمة، وإلهام الأنبياء وحي، ولعل من حجة من
قال هذا القول أن يقول قال اللَّه - عز وجل - فيما يحكي عن إبراهيم عليه السلام: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) .
فقال غير واحد من أهل التفسير رؤيا الأنبياء وحي لقول ابن إبراهيم عليهما
السلام الذي أُمِرَ بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
ومعرفته أن رؤياه أمرٌ أُمِرَ به، وقال اللَّه تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) إلى قوله: (فِي الْقُرْآنِ) الآية.

(2/1041)


وقال غيرهم: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له وحي، وبيان عن وحي، وأمر جعله الله تعالى إليه بما ألهمه من حكمته، وخَصَّه به من نبوته، وفرض على العباد اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس تعدو السنن كلها واحداً من هذه المعاني
التي وصفتُ، باختلاف من حكيت عنه من أهل العلم، وأيها كان فقد ألزمه اللَّه تعالى خلقه، وفرض عليهم اتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيه.
وفي انتظار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له الوحي في المتلاعنين حتى جاءه (فلاعن) ، ثم (سن الفرقة) ، و (سن نفي الولد) .
و (لم يردد الصداق على الزوج وقد طلبه)
دلالة على أن سنته لا تعدو واحداً من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم، بأنها تبين عن كتاب اللَّه، إما برسالة من اللَّه، أو إلهام له، وإما بأمر جعله اللَّه إليه، لموضعه الذي وضعه من دينه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات)
قال البيهقي رحمه اللَّه:

(2/1042)


قال الشَّافِعِي رحمه الله - في الإملاء -: المني ليس بنجس؛ لأن اللَّه جل
ثناءه أكرم من أن يبتدئ خلق من كرَّمهم، وجعل منهم النبيين والصديقين.
والشهداء والصالحين، وأهلَ جنته من نجس، فإنه يقول:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) الآية.
ثم ذكر حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في فرك المني من ثوب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ)
الأم: أول ما فرضت الصلاة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال: نسَخت - هذه الآية الواردة أعلاه - ما
وصفتُ من المزمل بقول اللَّه - عز وجل -: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ودلوكها: زوالها.

(2/1043)


(إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) العتمة. (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الصبح.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) : فأعلمه - مطلقاً - أن
صلاة الليل نافلة لا فريضة، وأن الفرائض فيما ذكر من ليل أو نهار.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبيان ما وصفت في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد اللَّه يقول: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟
فقال: لا، إلا أن تطوع" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرائض الصلوات خمس، وما سواهما تطوع.
الأم (أيضاً) : وقت الفجر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الآية.
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
"من أدرك ركعة من الصبح. . . الحديث.
والصبح: الفجر فلها اسمان: الصبح والفجر، لا أحب أن تسمى إلا
بأحدهما، وإذا بَانَ الفجر الأخير معترضاً حلت صلاة الصبح، ومن صلاها قبل تبين الفجر الأخير معترضاً أعاد، ويصليها أول ما يستيقن الفجر معترضاً حتى يخرج منها مغلساً.

(2/1044)


قال الشَّافِعِي - رضي الله عنه -: وأخبرنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ليصلي الصبح، فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يُعرَفنَ من الغلس" الحديث.
ولا تفوت - أي: صلاة الصبح - حتى تطلع الشمس قبل أن يصلي منها
ركعة، والركعة ركعة بسجودها، فمن لم يكمل ركعة بسجودها قبل طلوع
الشمس فقد فاتته الصبح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" الحديث.
الأم (أيضاً) : باب (النية في الصلاة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - الصلوات، وأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدد كل واحدة منهن، ووقتها، وما يعمل فيهن، وفي كل واحدة منهن، وأبان الله - عز وجل -
منهن نافلة، وفرضاً، فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) الآية.
ثم أبان ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان بيناً - والله تعالى أعلم - إذا كان من الصلاة نافلة وفرض، وكان الفرض منها مؤقتاً أن لا تجزئ عنه صلاة إلا بأن ينويها مصلياً.
الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه، والسنة على بعضه
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاحتمل قوله - تعالى -: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) الآية، أن يتهجد بغير الذى فرض عليه، مما تيسر منه.

(2/1045)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد
المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على ألَّا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها، منسوخ بها، استدلالاً بقول الله:
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ)
وأنها ناسخة لقيام الليل، ونصفه وثلثه، وما تيسر، ولسنا نحبُّ لأحد ترك أن يتهجد بما يسره اللَّه عليه من كتابه، مصلياً به، وكيف ما أكثر فهو أحب إلينا - ثم ذكر حديث طلحة بن عبيد، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما في الصلوات الخمس -.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤتر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات) :
قال البيهقي رحمه اللَّه: وقرأت في كتاب حرملة:
عن الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه - عز وجل -:
(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)
فلم يذكر في هذه الآية مشهوداً غيره، والصلوات مشهودات فأشبه أن
يكون قوله مشهوداً: بأكثر مما تشهد به الصلوات، أو أفضل، أو مشهوداً بنزول الملائكة، يريد: صلاة الصبح.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)

(2/1046)


وقرأ الرييع إلى قوله: (بَشَرًا رَسُولًا)
الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأعلمه - سبحانه وتعالى - من علمه منهم، أنه لا
يؤمن به، فقال: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)
قرأ الربيع إلى: (بَشَرًا رَسُولًا) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات) :
وفي رواية حرملة عنه: في قوله تعالى: (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: واحتمل السجود، أن يخرَّ وذقنه - إذا خرَّ - تلي
الأرض، ثم يكون سجوده على غير الذقن.

(2/1047)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا)
الأم: باب (كلام الإمام وجلوسه بعد السلام)
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني موسى
ابن عقبة، عن أبي الزبير، أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى:
"لا إله إلا الله وحد. لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له
الدِّين ولو كره الكافرون" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا من المباح للإمام وغير المأموم، وأي إمام
ذكر الله بما وصفت جهراً، أو سراً، أو بغيره فحسن، وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا اللَّه بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتَعلم منه فيجهر، حتى يرى أنه قد تُعلِّمَ منه، ثم يُسِرُّ، فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) الآية، يعني - واللَّه تعالى أعلم - الدعاء.
ولا تجهر: ترفع. ولا تخافت: حتى لا تسمع نفسك.
وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما روى ابن عباس رضي اللَّه عنهما من تكبيره كما رويناه.

(2/1048)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحسب إنما جهر قليلاً أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتعلم الناس منه؛ وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير، وقد يذكر أنه ذِكْرُ بعد الصلاة بما وصفت.

(2/1049)