تفسير الإمام الشافعي

سورة الكهف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)
مناقب الشَّافِعِي رحمه الله: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول
الكلام وصحه اعتقاده فيها) :
قال - السائل للشافعي -: وقد عرفتُ نقصانه وإتمامه - أي: الإيمان -.
فمن أين جاءت قلادته؟
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله جل ذكره: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو كان هذا الإيمان كله واحداً لا نقصان فيه ولا
زيادة، لم يكن لأحد فيه فضل، واستوى الناس، وبَطُلَ التفضيل، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله في الجنة، وبالنقصان من الإيمان دخل المفرِّطون النار.

(3/1057)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
الأم: الاستثناء في اليمين:
قيل للشافعي رحمه الله: فإنا نقول في الذي يقول: والله لا أفعل كذا وكذا
إن شاء الله، أنه إن كان أراد بذلك الثُّنيا، فلا يمين عليه ولا كفارة إن فعل.
وإن لم يرد بذلك الثنيا وإنَّما قال ذلك؛ لقول الله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآيتان.
أو قال ذلك سهواً، أو استهتاراً، فإنه لا ثنيَا - عليه - وعليه الكفارة إن حنث، وهو قول مالك رحمه الله تعالى، وأنه إن حلف فلما فرغ من يمينه نسَّق الثنيا بها، أو تدارك اليمين بالاستثناء بعد انقضاء يمينه ولم يَصل الاستثناءَ باليمين، فإنه إن كان نسقاً بها تباعاً، فذلك له استثناء، وإن كان بين ذلك صُمَاتٌ فلا استثناء له.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: من قال: والله، أو حلف بيمين ما كانت بطلاق أو
عتاق، أو غيره، أو أوجب على نفسه شيئاً، ثم قال إن شاء الله موصولاً بكلامه، فقد استثنى، ولم يقع عليه شيء من اليمين وإن حنث، والوصل أن يكون كلامه نسَقاً، وإن كان بينه سكتة كسكتة الرجل بين الكلام للتذكر، أو العي، أو النفس، أو انقطاع الصوت، ثم وصل الاستثناء فهو موصول، وإنَّما القطع أن يحلف، ثم يأخذ في كلام ليس من اليمين من أمر أو نهي أو غيره، أو يسكت السكات الذي يبين أنه يكون قطعاً، فإذا قطع ثم استثنى لم يكن له الاستثناء.

(3/1058)


الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآيتان. - وفد استشهد بهما في معرض نفيه للاستحسان كمصدر تشريعي -.
الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم جاءه قوم، فسألوه عن أصحاب الكهف
وغيرهم، فقال: أعلمكم غداً، يعني: أسأل جبريل ثم أعلمكم، فأنزل اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآية. -
وقد أورد الآيتين كذلك للدلالة على نفيه الاحتجاج بالاستحسان كمصدر للتشريع -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا)
الرسالة: باب (ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام ويدخله الخصوص)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا قول الله: (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) الآية.
وفي هذه الآية دلالة على أن لم يستطعما كل أهل قرية، فهي في معناهما.

(3/1059)