تفسير الإمام
الشافعي سورة المجادلة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي
تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ (1)
الأم: باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجاءته - صلى الله عليه وسلم -
امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه أوساً، فلم يجبها حتى أنزل
اللَّه - عز وجل -:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي
زَوْجِهَا) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ
نِسَائِهِمْ)
الأم: الخلاف في طلاق المختلعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في المختلعة،
فقال: إذا طلقت
في العدة لحقها الطلاق، فسألته هل يروي في قوله خبراً؛ فذكر
حديثاً لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده، فقلت: هذا عندنا
وعندك غير ثابت.
قال: فقد قال
(3/1305)
- به - بعض التابعين عندك لا يقوم به حجة
لو لم يخالفهم غيرهم.
قال: فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها؟
قلت: حجتي فيه من القرآن، والأثر، والإجماع
على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها.
قال: وأين الحجة من القرآن؟
قلت: قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ
نِسَائِهِمْ) الآية -
وذكر أدلة أخرى على اللعان، والإيلاء، والميراث -.
الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ
أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ) الآية.
يعني: أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال، الوارثات والموروثات
المحرمات بأنفسهن، والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا
أمهات، ليس اللائي يحدثن رضاعاً للمولود، فيكن به أمهات.
وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له، ولا أمهات المؤمنين عامة
يحرمن بحرمة
أحدثنها، أو يحدثها الرجل، أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن
بأنهن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكل هؤلاء يحرمن
بشيء يحدثه رجل يحرمهن، أو يحدثته، أو حرمة النبي - صلى الله
عليه وسلم -، والأم
تحرم نفسها وترث وتورث، فيحرم بها غيرها، فأراد بها الأم في
جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم
الأم غيرها - والله أعلم -.
الأم (أيضاً) : الخلاف في هذا الباب - أي: في عدد ما يحل من
الحرائر والإماء. . .:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع
نسوة له
ثلاثاً، أو طلاقاً يملك الرجعة، أو لا رجعة له على واحدة منهن،
فلا ينكح حتى
(3/1306)
تنقضي عدتهن، ولا يجمع ماءه في أكثر من
أربع، ولو طلق واحدة ثلاثاً لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت لبعض من يقول هذا القول: هل
لمطلق نسائه
ثلاثاً زوجة؟
قال: لا: قلت: فقد أباح اللَّه - عز وجل - لمن لا زوجة له أن
ينكح أربعاً، وحرم الجمع بين الأختين، ولم يختلف الناس في
إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد، فهل
جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثاً؛ وقد حكم اللَّه بين
الزوجين أحكاماً - منها -، وقال: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ
مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية.
الأم (أيضاً) : من يقع عليه الطلاق من النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (الَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ)
مع ما ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفاً في أن أحكام اللَّه
تعالى في الطلاق.
والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل للزوج
جماعها، وما يحل من امرأته، إلا أنه محرم الجماع في الإحرام
والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي.
الأم (أيضاً) : من يجب عليه الظهار ومن لا يجب عليه:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه تبارك وتعالى:
(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ
أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ
الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) .
(3/1307)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكل زوج جاز
طلاقه، وجرى عليه الحكم، من بالغ غير مغلوب على عقله، وقع عليه
الظهار، سواء كان حراً أو عبداً، أو من لم تكمل فيه الحرية، أو
ذمياً، من قِبَلِ أن أصل الظهار كان طلاقَ الجاهلية، فحكم
اللَّه تعالى فيه بالكفارة، فحرّم الجماع على التظاهر بتحريمه
للظهار حتى يكفر، وكل هؤلاء ممن يلزمه الطلاق، ويحرم عليه
الجماع بتحريمه إذا كانوا بالغين، غير مغلوبين على عقولهم.
الأم (أيضاً) : الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول اللَّه تعالى:
(وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا)
الآية.
ثم جعل فيه الكفارة.
* * *
قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا
فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .
الأم: الظهار:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ
تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ
سِتِّينَ مِسْكِينًا)
(3/1308)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: سمعت من أرضى
من أهل العلم بالقرآن يذكر أن
أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة: (الظهار - والإيلاء -
والطلاق) .
فأقرَّ الله الطلاق طلاقاً، وحكم في الإيلاء: بأن أمهل المُولي
أربعة أشهر، ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق، وحكم في الظهار
بالكفارة، فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها، أو يريد
تحريمها بلا طلاق، فلا يقع به طلاق بحال وهو متظاهر، وكذلك إذا
تكلم بالظهار ولا ينوي شيئاً فهو متظاهر، لأنه متكلم بالظهار،
ويلزم الظهار من لزمه الطلاق، ويسقط عمن سقط عنه، وإذا تظاهر
الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها، أو بعد ما دخل بها فهو
متظاهر، وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر
منها لم يلزمه الظهار، وإذا طلق امرأتين فكان يملك رجعة
إحداهما، ولا يملك رجعة الأخرى، فتظاهر منهما في كلمة واحدة
لزمه الظهار من التي يملك رجعتها، ويسقط عنه من التي لا يملك
رجعتها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا تظاهر من أمته (أم ولد كانت،
أو غير أم
ولد) لم يلزمه الظهار، لأن اللَّه - عز وجل - يقول:
(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية.
وليست من نسائه ولا يلزمه الإيلاء، ولا الطلاق، فيما لا يلزمه
الظهار.
الأم (أيضاً) : متى يوجب على المظاهر الكفارة":
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى:
(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ
لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية.
(3/1309)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الذي عقلت مما
سمعت في: (يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا)
الآية، أن المتظاهر حرم مس امرأته بالظهار، فإذا أتت عليه مدة
بعد القول
بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرّم به، ولا شيء يكون له
مخرج من أن تحرم عليه به، فقد وجب عليه كفارة الظهار، كأنهم
يذهبون إلى: أنه إذا أمسك ما حرَّم على نفسه أنه حلال، فقد عاد
لما قال فخالفه، فأحلَّ ما حرّم.
ولا أعلم له معنى أولى به من هذا، ولم أعلم مخالفاً في أن عليه
كفارة
الظهار، وإن لم يعد بتظاهر آخر، فلم يجز أن يقال: لما لم أعلم
مخالفاً في أنه ليس بمعنى الآية.
وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها،
ولم
يطلقها، فكفارة الظهار له لازمة.
ولو طلقها بعد ذلك، أو لاعَنَها فحرمت عليه على الأبد، لزمته
كفارة
الظهار، وكذلك لو ماتت، أو ارتدت، فقتلت على الردة، ومعنى قول
اللَّه تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
وقت لأن يؤدي ما أوجب عليه من الكفارة فيها
قبل الماسة، فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت، لم
تبطل الكفارة، ولم يزد عليه فيها، كما يقال له أدِّ الصلاة في
وقت كذا، وقبل وقت كذا، فيذهب الوقت فيؤديها؛ لأنها فرض عليه،
فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده، ولا يقال له زد فيها
لذهاب الوقت قبل أن تؤديها.
الأم (أيضاً) : باب (الخلاف في عدل الصيام والطعام) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: حكم اللَّه على المظاهر إذا عاد
لما قال:
(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فإن لم يجد (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ)
فإن لم يستطع (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .
(3/1310)
فكان معقولاً أن إمساك المظاهر عن أن يأكل
ستين يوماً
كإطعام ستين مسكيناً، وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين
مكان كل يوم.
الأم (أيضاً) : باب (عتق المؤمنة الظهار)
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإذا وجبت كفارة الظهار على
الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها، لم يجزه فيها إلا تحرير رقبة،
ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام؛ لأن اللَّه - عز وجل -
يقول في القتل: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وكان شرط
الله تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل -
واللَّه تعالى أعلم -.
الأم (أيضاً) : من له الكفارة بالصيام في الظهار:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه - عز وجل -:
(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ
تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآيتان.
(3/1311)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا لم يجد
المتظاهر رقبة يعتقها، وكان يطيق الصوم
فعليه الصوم، ومن كان له مسكين وخادم وليس له مملوك غيره، ولا
ما يشتري به مملوكاً غيره كان له الصوم، ومن كان له مملوك غير
خادمه ومسكن كان عليه أن يعتق، وكذلك لو كان ثمن مملوك، كان
عليه أن يشتري مملوكاً فيعتقه.
الأم (أيضاً) : الكفارة بالصيام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن وجب عليه أن يصوم شهرين في
الظهار، لم
يجزه إلا أن يكونا متتابعين كما قال الله عز ذكره، ومتى أفطر
من عذر أو غير
عذر فعليه أن يستأنف، ولا يعتد بما مضى من صومه، وكذلك إن صام
في
الشهرين يوماً من الأيام التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم
- عنها وهي خمس: (يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام منى الثلاث
بعد النحر - أي: أيام التشريق -) استأنف الصوم بعد مضيهن، ولم
يعتد بهن، ولا بما كان قبلهن، واعتد بما بعدهن، ومتى دخل عليه
شيء يفطره في يوم من صومه استأنف الصوم حتى يأتي بالشهرين
متتابعين ليس فيهما فطر، وإذا صام بالأهلة صام هلالين، وإن
كانا تسعة، أو ثمانية وخمسين، أو ستين يوماً.
الأم (أيضاً) : الكفارة بالإطعام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ
بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ
مِسْكِينًا)
الآيتان.
(3/1312)
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فمن تظاهر
ولم يجد رقبة، ولم يستطع حين يريد الكفارة عن الظهار صوم شهرين
متتابعين، بمرض أو علة ما كانت، أجزأه أن يطعم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجزئه أن يطعم أقل من ستين
مسكيناً، كل
مسكين مدًّا من طعام بلده الذي يقتاته.
ولو أطعم ثلاثين مسكيناً مُدَّين مُدَّين في يوم واحد، أو أيام
متفرقة، لم يجزه
إلا عن ثلاثين، وكان متطوعاً بما زاد كل مسكين على مذ؛ لأن
معقولاً عن اللَّه - عز وجل - إذا أوجب طعام ستين مسكيناً أن
كل واحد منهم غير الآخر. ..
ولا يجزئه أن يعطيهم ثمن الطعام أضعافاً، ولا يعطيهم إلا مكيلة
طعام
لكل واحد. ..
ولا يجوز أن يكسوهم مكان الطعام. ..
ولا يجزئه إلا مسكين مسلم، وسواء الصغير منهم والكبير، ولا
يجزئه أن
يطعم عبداً ولا مكاتباً ولا أحداً على غير دين الإسلام. ..
وُيكَفرُ في الإطعام قبل المسيس؛ لأنها في معنى الكفارة قبلها.
الأم (أيضاً) : البحيرة والوصيلة والسائبة والحام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: تحرير الرقبة والأطعام ندب اللَّه
إليه حين ذكر تحرير
الرقبة، وقال اللَّه - عز وجل - في المُظَاهَرة: (فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل
الكتاب وإمائهم:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت - أي: للمحاور -: وكذلك حين
أوجب -
الله تعالى - عتق رقبة في الظهار.
ثم قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ)
لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبةٍ؟
قال: نعم.
(3/1313)
الرسالة: باب (الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: وما الذي يغرم الرجل
من جنايته
وما لزمه غير الخطأ؟
قلت: قال اللَّه: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) -
وذكر آيات غيرها مما يتعلق بالموضوع المطروح بالسؤال -.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي
بأصول الفقه)
أخبرنا محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع
قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: نال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية.
إلى قوله: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ
مِسْكِينًا) الآية.
فقلنا: لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة، ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين
مسكيناً، والإطعام قبل أن يتماسا.
واذا ذكر اللَّه الكفارة في العتق في موضع فقال: (رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ) الآية.
ثم ذكر كفارة مثلها، فقال: (رقبة) - كما في الظهار - نعلم أن
الكفارة لا
تكون إلا مؤمنة.
- ثم ساق الكلام إلى أن قال -: لأنهما مجتمعتان في أنهما
كفارتان - كما ذكر الشهود في البيع والزنا ولم يذكر عدلاً -
وشرط ذلك في الإشهاد على الوصية - وشرط العدل واجتماعهما في
أنهما شهادة يدل على أن لا تقبل فيها إلا العدول - وبسط الكلام
فيه -.
(3/1314)
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي
الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا
قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
الأم: الرجل يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (إِذَا
قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا
يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا)
الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد اللَّه
بن عمر، عن نافع.
عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -:
"لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه، ثم يخلفه فيه، ولكن تفسحوا
وتوسعوا" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأكره للرجل - من كان إماماً أو
غير إمام - أن
يقيم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن نأمرهم أن يتفسحوا.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال حدثني
أبي، عن ابن
عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا يعمِد الرجل إلى الرجل فيقيمه من مجلسه ثم يقعد فيه"
الحديث.
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن
جريج قال: قال
سليمان بن موسى، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال:
"لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل تفسحوا" الحديث.
(3/1315)
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا
بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه تبارك وتعالى لما خصَّ
به رسوله من
وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه، بالفرض على
خلقه بطاعته
في غير آية من كتابه، فقال: (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ
فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ
أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
الأم: باب (الولاء والحِلْف) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تقدست أسماؤه:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ
كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ
أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية.
(3/1316)
فميز اللَّه - عز وجل - بينهم بالدين، ولم
يقطع الأنساب بينهم، فدل ذلك على أن الأنساب ليست من الدين في
شيء.
الأنساب ثابتة لا تزول، والدين شيء يدخلون فيه، أو يخرجون منه.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات
متفرقة سوى ما مضى:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقال - واللَّه أعلم -: إن بعض
المسلمين تأثَّمَ من صلة المشركين، أحسب ذلك، لما نزل فرض
جهادهم، وقطع الولاية بينهم وبينهم، ونزل:
(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ
كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ
أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) . الآية.
(3/1317)
سورة الحشر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ
الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ
مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ
الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي
الْمُؤْمِنِينَ)
الأم: العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: كل ما كان مما يملكون لا روح
له، فإتلافه مباح بكل وجه، وكل ما زعمت أنه مباح، فحلال
للمسلمين فعله، وغير محرم عليهم تركه. ..
قال اللَّه تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ
الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ
مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ
الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي
الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم، وإخراب المؤمنين
بيوتهم، وَوَصفُه إياه جل ثناؤه كالرضا به.
الأم (أيضاً) : قطع أشجار العدو:
بعد أن ذكر قول أبي حنيفة وقول الأوزاعي،
(3/1318)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال أبو يوسف
رحمه الله: أخبرنا الثقة من أصحابنا.
عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا وهم
محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دارٍ من دورهم أحرقوها، فكان
بنو قريظة يخرجون فينقضونها ويأخذون حجارتها ليرموا بها
المسلمين، وقطع المسلمون نخلاً من نخلهم فأنزل الله:
(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي
الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا
روح فيه كالمسألة قبلها، ولعل أمر أبي بكر رضي الله عنه بأن
يكفوا عن أن يقطعوا شجراً مثمراً، إنما هو؛ لأنه سمع رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين،
فلما كان مباحاً له أن يفطع ويترك، اختار الترك نظراً
للمسلمين، وقد قطع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم بنى
النضير، فلما أسرع في النخل، قيل له: قد وعدكها الله، فلو
استبقيتها
لنفسك، فكفَّ القطعَ استبقاء، لا أن القطع محرّم.
فإن قال قائل: قد ترك في بني النضبر بعد القطع فهو ناسخ له؟
فقد قطع بخيبر وهي بعد بنى النضير، قيل: ثم قطع بالطائف، وهي
بعد هذا كله، وآخر غزاة لقي فيها رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قتالاً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ
تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ
وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
الأم: العبد المسلم يأبق إلى دار الحرب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمر رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - بقطع نخل من ألوان نخلهم، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى
رضاً بما صنعوا من قطع نخيلهم: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ
أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ
اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) .
(3/1319)
فرضي القطع وأباح الترك، فالقطع والترك
موجودان في الكتاب والسنة.
وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير
وترك، وقطع نخل غيرهم وترك، وممن غزا من لم يقطع نخله.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا أنس بن عياض، عن موسى بن
عقبة، عن
نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - قطع نخل بني النضير" الحديث.
أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن ابن شهاب رحمه اللَّه:
"أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - حرَّق أموال بني النضير"
فقال قائل:
وهان على سُراةِ بني لُؤَي ... حَريق بالبُويرةِ مُستَطِيرُ
فإن قال قائل: ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حرَّق مال
بني النضير ثم ترك.
قيل: على معنى ما أنزل اللَّه - عز وجل -، وقد قطع وحرق بخيبر،
وهي بعد - بني - النضير، وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قابل بها،
وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل (أبنَى) .
(3/1320)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا بعض
أصحابنا، عن عبد اللَّه بن جعفر
الأزهري قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة بن أسامة بن زيد قال:
أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أغزو صباحاً على
أهل (أبنى) وأحرِّق" الحديث.
الأم (أيضاً) : في قطع الشجر وحرق المنازل:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا بأس بقطع الشجر المثمر - وغير
المثمر -.
وتخريب العامر، وتحريفه من بلاد العدو، وكذلك لا بأس بتحريق ما
قدر لهم عليه من مال وطعام لا روح فيه؛ لأن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير، وأهل خيبر، وأهل الطائف،
وقطع، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - في بني النضير: (مَا
قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى
أُصُولِهَا) فأما ماله روح: فإنه يالم مما أصابه فقتله محرم،
إلا بأن يذبح فيؤكل، ولا يحل قتله لمغايظة العدو؛ لأن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
من قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها سأله الله عنها"
قيل: وما حقها يا رسول الله؟
قال: "يدعها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به " الحديث.
الأم (أيضاً) ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم:
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: وإذا أصاب المسلمون غنائم، من
متاع أو
غنم فعجزوا عن حمله، ذبحوا الغنم، وحرقوا المتاع، وحرقوا لحوم
الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك.
(3/1321)
وقال الأوزاعي رحمه اللَّه نهى أبو بكر أن
تعفر بهيمة إلا لمأكلة، وأخذ
بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل
ذبح
الشاة والبقرة ليأكل طائفة ويدع سائرها.
وقال أبو يوسف رحمه اللَّه: قول اللَّه في كتابه أحق أن يتبع،
قال اللَّه:
(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً
عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ
الْفَاسِقِينَ) .
واللينة فيما بلغنا: النخلة. وكل ما قطع من شجرهم وحُرِّق من
نخلهم
ومتاعهم، فهو من العون عليهم والقوة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أما كل ما لا روح فيه للعدو، فلا
بأس أن يحرقه
المسلمون، ويخربوه بكل وجه؛ لأنه لا يكون معذباً، إنما - يكون
- المعذب ما يألم بالعذاب من ذوات الأرواح، قد قطع رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - أموال بني النضير، وحرقها، وقطع من أعناب
الطائف، وهي آخر غزاة غزاها النبي - صلى الله عليه وسلم -، لقي
فيها
حرباً.
أما ذوات الأرواح فإن زُعم أنها قياس على ما لا روح فيه.
فليقل للمسلمين: أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت،
فإن زعم أن المسلمين ذبحوا ما يذبح منها، فإنما أحِل ذبحها
للمنفعة، أن تكون مأكولة.
الأم (أيضاً) قطع أشجار العدو:
قال أبو حنيفة رحمه اللَّه: لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم
وتحريق
ذلك؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا
فَبِإِذْنِ اللَّهِ) الآية.
(3/1322)
وقال الأوزاعي رحمه الله: أبو بكر يتأول
هذه الآية، وقد نهى عن ذلك.
وعمل به أئمة المسلمين.
وقال أبو يوسف رحمه الله: أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن أصحاب
رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة
إذا غلبوا على دار من دورهم أحرقوها، فكان بنو قريظة يخرجون،
فينقضونها، ويأخذون حجارتها؛ ليرموا بها المسلمين، وقطع
المسلمون نخلاً من نخلهم فأنزل الله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ
بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)
وأنزل اللَّه - عز وجل -: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ
تَرَكْتُمُوهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا روح
فيه كالمسألة
قبلها..
ثم ذكر ما كثب في تفسير الآية / 2، فلا حاجة لتكرارها حول هذه
النقطة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْهُمْ)
الأم: قَسمُ الغنيمة والفيء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه،
غير ضيافة
من مر بهم من المسلمين، فهو على وجهين لا يخرج منهما، كلاهما
مبين قي
كتاب الله تعالى، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي
فعله عليه الصلاة والسلام:
(3/1323)
ئأحدهما: الغنيمة. قال الله - عز وجل - في
سورة الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) .
والوجه الثاني: الفيء. وهو مقسوم في كتاب الله - عزَّ وجلَّ في
سورة الحشر، قال الله تبارك وتعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ
عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) إلى قوله: (رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
فهذان المالان اللذان خولهما الله تعالى من جعلهما له من
أهل دينه، وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها، وعلى
أهل الذمة
ضيافة، وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت، فهو لمن مرَّ بهم من
المسلمين
خاص دون العام من المسلمين خارج من المالين.
وعلى الإمام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن
يُلزمُه إياها.
الأم (أيضاً) : الخمس فيما لم يوجف عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما وجدتُ الله - عزَّ وجلَّ قد
قال في سورة الحشر: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْهُمْ) الآية.
فحكم فيها حكمه فيما أوجف عليه بالخيل والركاب.
ودلت السنة على أن ذلك الحكم على خمسها، علمتُ أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قد أمضى لمن جعل الله له شيئاً مما جعل الله
له، وإن لم نُثبت فيه خبراً عنه، كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم
ذي القربى من الموجف عليه، كما علمت أن قد أنفذ لليتامى
والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه، مما جُعل لهم بشهادة
أقوى من خبر رجل عن رجل، بأن اللَّه - عز وجل - قد أدَّى إليه
رسوله، كما أوجب عليه أداءه والقيام به.
(3/1324)
الأم (أيضاً) : كتاب (السبق والنضال)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ
عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا - أي: السبق - داخل في معنى
ما ندب الله - عز وجل - إليه، وحَمِدَ عليه أهل دينه من
الأعداد لعدوه القوة ورباط الخيل، والآية الأخرى:
(فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ)
الآية؛ لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها، يرغب أهلها في
اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها، والغنيمة عليها، كانت من
العطايا الجائزة بما وصفتها، فالاستباق فيها حلال، وفيما سواها
محرم.
الأم (أيضاً) : الرجل يغنم وحده:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعث رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - عمرو بن أمية الضمري، ورجلاً من الأنصار، سرية وحدهما،
وبعث عبد اللَّه بن أنيس سرية وحده، فإذا سن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أن الواحد يتسرى وحده، وكثر منه من العدد،
ليصيب من
العدو غِرَّة بالحيلة، أو يعطب، فيعطب في سبيل اللَّه، وحكم
الله بأن ما أوجف عليه المسلمون فيه الخمس، وسن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - أن أربعة أخماسه للموجفين.
فسواء قليل الموجفين وكثيرهم، لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه.
فأما ما احتج به - يقصد: أبا يوسف رحمه اللَّه - من قول اللَّه
- عز وجل -: (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا
رِكَابٍ) الآية، وحكم اللَّه في أن ما لا يوجفون عليه بخيل ولا
ركاب لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ومن سمى معه، فإنما
أولئك قوم قاتلوا بالمدينة
(3/1325)
بني النضير، فقاتلوهم بين بيوتهم، لا
يوجفون بخيل ولا ركاب، ولم يكلفوا مؤنة، ولم يفتتحوا عنوة،
وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -
ومن ذكر معهم، والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين، لو
أوجفوا الخيل والركاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
خالصاً يضعها حيث يضع ماله، ثم أجمع أئمة المسلمين على أنه
ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فهو لجماعة
المسلمين؛ لأن أحداً لا يقوم بعده
مقامه - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانت حجة أبي يوسف رحمه
الله - في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب،
كان ينبغي أن يقول: يخمس ما أصاب، وتكون الأربعة الأخماس لهما؛
لأنهما موجفان.
فإن زعم أنهما غير موجفين انبغى أن يقول: هذا لجماعة المسلمين،
أو الذين
زعم أنهم ذكروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سورة
الحشر فما قال بما تأول، ولا بكتاب في الخمس، فإن الله - عزَّ
وجلَّ أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك أوجف عليها أو لم يوجف.
قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)
الأم: قسم الغنيمة والفيء:
انظر تفسير الآية السابقة فهما مرتبطان ببعضهما في التفسير.
(3/1326)
الأم (أيضاً) : الرجل يغنم وحده:
انظر تفسير الآية السابقة فبعد أن ذكر الشَّافِعِي رحمه الله -
آراء العلماء في
الرجل يغنم وحده واستشهاد أبي يوسف رحمه الله بالآيتين:
(وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا
أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ)
وقال: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى) الآية.
في رده على الإمام الأوزاعي - رحمه الله - أي: ردَّ
الشَّافِعِي - على هذه الآية باجتهاده على مستوى الدليل
الوارد في الآيتين / 6 و 7 من سورة الحشر، ومن السنة النبوية -
وقد سبق بيانه في تفسير الآية / 6 السابقة -.
الأم (أيضاً) : الخمس فيما لم يوجف عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قك - أي: للمحاور - لما احتمل قول
عمر - رضي الله عنه - أن يكون الكل لرسول الله - صلى الله عليه
وسلم -، وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين،
فيما أوجف عليه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون الخمس،
فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيها مقام المسلمين،
استدللنا بقول اللَّه - عز وجل - في الحشر: (فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) الآية.
على أن لهم الخمس، وأن الخمس إذا كان لهم، ولا يُشَكُّ أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - سلمه لهم، فاستدللنا إذ كان حكم
الله - عز وجل - في الأنفال:
(3/1327)
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)
فاتفق الحكمان في سورة الحشر، وسورة الأنفال لقوم موصوفين،
وإنما لهم من ذلك الخمس لا غيره.
فقال - أي: المحاور -: فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه
الكل؟
قلت: نعم، فلهم الكل وندع الخبر، قال لا يجوز عندنا ترك الخبر،
والخبر يدل على معنى الخاص والعام.
فقال لي قائل غيره: فكيف زعمت أن الخمس ثابت في الجزية، وما
أخذه
الولاة من مشرك بوجه من الوجوه، فذكرت له الآية في الحشر.
قلت: في هذا كفاية، وفي أن أصل ما قسم اللَّه من المال ثلاثة
وجوه:
1 - الصدقات: وهي ما أخذ من مسلم، فتلك لأهل الصدقات لا لأهل
الفيء.
2 - ما غُنِم بالخيل والركاب فتلك: على ما قسم الله - عز وجل
-.
3 - والفيء: الذي - لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب.
فهل تعلم رابعاً؛ قال: لا.
قلت فبهذا قلنا: الخمس ثابت لأهله في كل ما أخذ من مشرك؛ لأنه
لا يعدو ما أخذ منه أبداً أن يكون غنيمة، أو فيئاً.
والفيء: ما رده اللَّه تعالى على أهل دينه من مال - من خالف
دينه -.
الأم: (أيضاً) المُدَّعي والمُدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فإنه بلغني أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما جاءكم عني فاعرضوه
على القرآن، فإن وافقه فأنا قلته، وإن خالفه فلم أقله" الحديث.
(3/1328)
فقلت له: فهذا غير معروض عندنا عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، والمعروض عن رسول اللَّه - صلى
الله عليه وسلم - عندنا خلاف هذا، وليس يعرف ما أراد خاصاً
وعاماً، وفرضاً وأدباً، وناسخاً ومنسوخاً إلا بسنته - صلى الله
عليه وسلم - فيما أمره الله - عزَّ وجلَّ به، فيكون الكتاب
بحكم الفرض، والسنة تبينه.
قال: وما دل على ذلك؛ فلت: قول الله عزَّ وجلَّ:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا) الآية.
فقد بين الله عزَّ وجلَّ: أن الرسول قد يسن - السنة
ليست بنص في كتاب -، وفرض اللَّه على الناس طاعته.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة، قال: حدثني
سالم أبو
النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -:
"لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما
نهيت عنه، أو أمرت به، فيقول: ما ندري ما وجدنا في كتاب الله
اتبعناه" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له: لو كان هذا الحديث الذي
احتججت
به ثابتاً كنت قد تركته فيما وصفنا وفيما سنصف بعض ما يحضرنا
منه، إن شاء الله تعالى.
الأم: (أيضاً) : باب (حكاية الطائفة التي ردت الأخبار) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قلت - أي: للمحاور -: لفد فرض
اللَّه جل وعز علينا اتباع أمره - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا) الآية.
(3/1329)
قال - أبي: المحاور -: إنه ليبين في
التنزيل أن علينا فرضاً أن نأخذ الذي
أمرنا به، وننتهي عما نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: قلت: والفرض علينا، وعلى من هو قبلنا، ومن بعدنا واحد؟
قال: نعم.
فقلت: فإن كان ذلك علينا فرضاً في اتباع أمر رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -، أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئاً فقد دلنا على
الأمر الذي يؤخذ به فرضه؛ قال: نعم.
قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه - عز وجل - في اتباع
أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أو أحد قبلك، أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - إلا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: ما أجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه إلا بقبول الخبر عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن في أن لا آخذ ذلك إلا
لما دلَّني على أن اللَّه أوجب على أن أقبل عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -.
الأم (أيضاً) : بيان فرائض الله تعالى:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - الفرائض -
في كتابه من وجهين:
أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استغني فيه بالتنزيل عن
التأويل، وعن الخبر.
والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه -
صلى الله عليه وسلم -، ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - في كتابه بقوله - عز وجل -:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا) الآية.
وبقوله تبارك اسمه:
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) .
(3/1330)
وبقوله - عز وجل -:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ)
مع غير آية في القرآن بهذه المعنى، فمن قبل عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فبفرض اللَّه - عز وجل - قَبِل.
الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه اطه: فإن قيل: فما الجملة؛ قيل: ما فرض
اللَّه من صلاة
وزكاة وحج، فدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الصلاة
وعددها ووقتها والعمل فيها؟
وكيف الزكاة وفي أي المال هي؟ وفي أي وقت هي؟ وكم قَدرها؟ وبين
كيف الحج والعمل فيه وما يدخل به فيه، وما يخرج به منه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل: فهل يقال لهذا كما قيل
للأول قبل عن
الله؟
قيل: نعم، فإن قيل: فمن أين قبل؟
قيل: قبل عن الله، لكلامه جملة وقَبِل تفسيره عن اللَّه، بأن
اللَّه فرض طاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال - عز وجل -:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا) الآية.
مناقب الشَّافِعِي رحمه الله: باب (ما يستدل به على فقه
الشَّافِعِي وتقدمه فيه
وحسن استنباطه) :
قال البيهقي رحمه الله: أخبرنا محمد بن الحسن السلمي قال: سمعت
أحمد
ابن الحسن الأصبهاني يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن بشر
الحافظ يقول:
سمعت عبد اللَّه بن محمد بن هارون يقول:
(3/1331)
سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله
يقول بمكة: سلوني عما شئتم
أخبركم من كتاب اللَّه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال
له رجل:
أصلحك اللَّه، ما تقول في المُحرم قتل زُنبوراً؛ قال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال اللَّه تعالى:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) الآية، حدثنا سفيان بن
عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة - رضي
الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:
اقتدوا باللَّذَين من بعدي: أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما -
وحدثنا سفيان، عن مِسعر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن
عمر رضي اللَّه عنه أنه أمر بقتل الزُنبور.
قال البيهقي رحمه اللَّه: ورأيته في (كتاب أبي نعيم الأصبهاني)
بإسناد له
عن أبي بكر بن محمد بن يزيد بن حكيم المستملي.
عن الشَّافِعِي رحمه الله: غير أنه جعل السؤال عن كل فرخ
الزنبور.
وقال في الإسناد: حدثنا سفيان، عن زائدة، عن عبد الملك بن
عمير، عن
مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة، وقال في إسناده حديث عمر:
حدثونا عن إسرائيل، قال المستملي: حدثنا أبو أحمد، عن إسرائيل،
عن ابراهيم بن
عبد الأعلى، عن سُوَيد بن غفلة، أن عمر بن الخطاب - رضي الله
عنه - أمر بقتل الزنبور.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي المعقول أن ما أمر بقتله فحرام
أكله.
(3/1332)
قال الله عزَّ وجلَّ: (لِلْفُقَرَاءِ
الْمُهَاجِرِينَ)
أحكام القرآن: الإذن بالهجرة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم دخل أهل المدينة في الإسلام،
فأمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فهاجرت إليهم، غير
مُحَرّم على من بقي ترك الهجرة.
وذكر اللَّه - عز وجل - أهل الهجرة فقال:
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ)
وقال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) الآية.
آداب الشَّافِعِي ومناقبه: ما ذكر من مناظرة الشَّافِعِي لمحمد
بن الحسن وغيره:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -:
(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ) الآية
نسب الدار إلى مالكها؛ أو غير مالكها؟!
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة:
"من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن"
الحديث.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"هل ترك عقيل لنا من رِبَاع" الحديث.
نسب الديار إلى أربابها؛ أو إلى غير أربابها؟
وقال لي: اشترى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دار السجن من
مالكِ؟ أو من غير مالك؟ فلما علمت أن الحجة قد لزمنني قمت.
(3/1333)
وجاء في طبقات الشَّافِعِية: قال إسحاق
فقلت: الدليل على صحة
قولي: أن بعض التابعين قال به: فقال الشَّافِعِي لبعض
الحاضرين: من هذا؟
فقيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ابن راهويه) .
فقال الشَّافِعِي رحمه الله: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك
فقيههم؟
قال إسحاق: هكذا يزعمون.
فقال الشَّافِعِي رحمه الله: ما أحوجني أن يكون غيرك، فكنت آمر
بعرك
أذنيه، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنت
تقول: قال: عطاء، وطاووس، والحسن، وإبراهيم؟!
وهل لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟!
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا
فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ)
الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثن السنة على من تزول
عنه
بالعذر..) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: جماع الإحصان أن يكون دون التحصين
مانع من
تناول المحرم، فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج
والإصابة مانع، وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما منع
أحْصَن.
قال الله تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ
لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)
وقال: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى
مُحَصَّنَةٍ) .
يعني ممنوعة.
(3/1334)
|