تفسير الإمام الشافعي

سورة المنافقون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ)
الأم: المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنما كفف - اللَّه سبحانه - العباد الحكم على
الظاهر من القول والفعل، وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه، وقد قال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) .
وقد قيل: في قول اللَّه - عز وجل -: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)
ما هم بمخلصين.

(3/1362)


الأم (أيضاً) : باب الوصية للوارث:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: ما دل على ما وصفتَ من أنه لا
يحكم بالباطن؟
قيل: كتاب اللَّه ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ذكر اللَّه تبارك وتعالى المنافقين فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ)
قرأ إلى: (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) .
فأقرَّهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسم ويحكم لهم أحكام المسلمين، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن كفرهم، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم اتخذوا أيمانهم جُنة من القتل، بإظهار الأيمان على الإيمان.
الأم (أيضاً) : اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي مثل معنى هذا، من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيءِ من حق أخيه فلا يأخده فإنما أقطع له قطعة من النار" الحديث.
فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه يقضي على الظاهر من كلام الخصمين، وإنَّما يحل لهما، ويحرم عليهما فيما بينهما وبين
الله على ما يعلمان، ومن مثل هذا المعنى من كتاب اللَّه، قول اللَّه - عز وجل -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) إلى قوله: (لَكَاذِبُونَ) الآية.
فحقن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

(3/1363)


دماءهم بما أظهروا من الإسلام، وأقرهم على المناكحة والموارثة، وكان الله
أعلم بدينهم بالسرائر، فأخبره الله تعالى أنهم في النار فقال:
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية.
وهذا يوجب على الحكام ما وصفت من ترك الدلالة الباطنة، والحكم بالظاهر من القول، أو البينة، أو الاعتراف، أو الحجة.
الأم (أيضاً) : باب (ما يحرم به الدم من الإسلام) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فبين أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركاً حتى أظهر
الإيمان، وممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره، ثم أظهر الإيمان مانع لدم من
أظهره، في أي هذين الحالين كان، وإلى أي كفر صار، كفر يسرُّه، أو كفر يظهره، وذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر كظهور الدينِ الذي له أعياد، وإتيان كنائس، إنَّما كان كفر جحد وتعطيل، وذلك بين في كتاب الله - عزَّ وجلَّ، ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بأن الله - عزَّ وجلَّ أخبر عن المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة.
يعني - والله أعلم -: من القتل، ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة فقال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) الآية.
فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد

(3/1364)


الإيمان كفراً إذا سئلوا عنه أنكروه، وأظهروا الإيمان، وأقروا به، وأظهروا التوبة منه، وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله على الكفر.
الأم (أيضاً) : باب (القراءة في العيدين والجمعة) :
قال الربيع رحمه اللَّه: سألت الشَّافِعِي: بأي شيء تحب أن يقرأ في العيدين.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: بـ: (ق) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) ، وسألته بأي
شيء تستحب أن يقرأ في الجمعة؟
فقال: في الركعة الأولى بالجمعة، واختار في الثانية: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ)
لو قرأة (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) أو (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
كان حسناً، لأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأها كلها.
فقلت: وما الحجة في ذلك؟
فقال: إبراهيم - بن محمد - وغيره، عن جعفر، عن أبيه، عن عبيد الله بن
أبي رافع، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في إثر سورة الجمعة.
(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) .
الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال الله تعالى:
(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً)

(3/1365)


يعني - واللَّه تعالى أعلم - من القتل فمنعهم من
القتل، ولم يُزِل عنهم في الدنيا أحكام الإيمان بما أظهروا منه، وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار بعلمه بأسرارهم، وخلافها لعلانيئهم بالإيمان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - اللَّه تعالى - له في المنافقين وهم صنف
ثان: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) .
يعني - والله أعلم -: أيمانهم بما يسمع منهم من الشرك بعد إظهار الإيمان جُنة من القتل.
مختصر المزني: باب (طول القراءة وقصرها)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحب أن يقرأ في العشاء بسورة الجمعة.
و (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) وما أشبهها في الطول.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)
الأم: من ليس للإمام أن يغزوا به بحال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق فشهدها معه عدد، فتكلموا بما حكى اللَّه تعالى من قولهم: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) الآية.
وغير ذلك مما حكى الله من نفاقهم.

(3/1366)


سورة التغابن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
أحكام القرآن: فصل (في معرفة العموم والخصوص) :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الآية.
فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء من سماء، وأرض، وذي روح، وشجر.
وغير ذلك، فالله خالقه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا)
الرسالة: بيان فرض الله في كتابه اتباع سنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -:
انظر تفسير الآيتين / 136 ولم 17 من سورة النساء، والآية / 158 من سورة الأعراف، فقد علق عليها العلامة أحمد محمد شاكر فليرجع إليهما ففيها تعليقات وأدب رائع في بيان الخطأ، وتوضيح الصواب.

(3/1367)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
الأم: الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر:
بعد أن ذكر حديث إرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - إلى اليمين معلماً وقاضياً
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله، ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولقول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
وما لم أعلم فيه مخالفاً من أهل العلم، ثم ذلك موجود في قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"إذا اجتهد. . ." الحديث.
لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة، وإنَّما هو شيء يحدثه من قِبَلِ
نفسه، فإذا كان هذا هكذا، فكتاب اللَّه والسنة والإجماع أولى من رأى نفسه، ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه.

(3/1368)


سورة الطلاق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)
الأم: جماع وجه الطن:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الآية، وقرئت: (لقُبُلِ عدتهن) وهما لا يختلفان في معنى.
أخبرنا مالك عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه طلق امرأته في
زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض، قال عمر - رضي الله عنه -: فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال:
مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء
أمسكها، وإن شاء طلقها قبل أن يمسَّ، فتلك العدة التي أمر الله - عزَّ وجلَّ أن تطلق لها النساء" الحديث.

(3/1369)


أخبرنا مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو
الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن (مولى عَزَّة) يسأل عبد اللَّه بن عمر، وأبو
الزبير يسمع، فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً؟
فقال ابن عمر رضي اللَّه عنهما: طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك" الحديث.
قال ابن عمر: قال اللَّه تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ في قُبُل عدتهنَّ)
أو (لقبل عدتهن) شك الشَّافِعِي، الحديث.
أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن مجاهد أنه كان يقرؤها
كذلك الحديث.
أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر أنه كان يقرؤها:
(إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لقُبُلِ عدتهن) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فبين والله أعلم في كتاب اللَّه - عز وجل بدلالة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القرآن والسنة في المرأة المدخول بها التي تحيض دون من سواها من المطلقات، أن تطلق لقبل عدتها، وذلك أن حكم اللَّه تعالى أن العدة على المدخول بها، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يأمر بطلاق طاهر من حيضها التي يكون لها طهر
وحيض، وبَين أن الطلاق يقع على الحائض؛ لأنه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه
الطلاق، فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قَبل الطلاق.

(3/1370)


الأم (أيضاً) : الخلاف في الطلاق الثلاث:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال: أنت طالق ألبتة ينوي ثلاثاً فهي ثلاث.
وإن نوى واحدة فواحدة، وإن قال: أنت طالق ينوي بها ثلاثاً فهي ثلاث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحب أن يكون الخيار في طهر لم يمسها فيه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحب أن لا يملك الرجل امرأته، ولا يخيرها، ولا
يخالعها، ولا يجعل إليها طلاقاً بخلع ولا غيره، ولا يوقع عليها طلاقاً إلا طاهراً
قبل جماع، قياساً على الطلقة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن تطلق طاهراً، وقال اللَّه - عز وجل -: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الآية.
فإذا كان هذا طلاقاً يوقعه الرجل أو توقعه المرأة
بأمر الرجل فهو كإيقاعه، فلا أحب أن يكون إلَّا وهي طاهر من غير جماع.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد، أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلاً أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: طلقت امرأتي مائة، فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -:
"تأخد ثلاثاً وتدع سبعاً وتسعين " الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن
عطاء وحده - عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال:
"وسبعاً وتسعين عدواناً، اتخذت بها آيات الله هزواً، فعاب عليه ابن عباس رضي الله عنهما

(3/1371)


كل ما زاد عن عدد الطلاق الدي لم يجعله الله إليه، ولم يعب عليه ما جعل الله إليه من الثلاث، وفي هذا دلالة على أنه يجوز له عنده أن يطلق ثلاثاً، ولا يجوز له ما لم يكن إليه.
الأم (أيضاً) : باب (الوصية للزوجة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الله تبارك وتعالى يقول للمطلقات:
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) .
فلما فرض اللَّه في المعتدة من الطلاق السكنى، وكانت المعتدة من الوفاة في معناها، احتملت أن يُجعل لها السكنى؛ لأنها في معنى المعتدات.
فإن كان هذا هكذا فالسكنى لها في كتاب اللَّه - عز وجل - منصوص، أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب، وإن لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السنة، ثم فيما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم: أن للمتوفى عنها السكنى ولا نفقة.
الأم (أيضاً) : الخلاف في نفقه المرأة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) الآية، وأخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمرو بن علقمة.
عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله تعالى:

(3/1372)


(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية.
قال: - ابن عباس - أن تبذو على أهل زوجها، فإن بذت فقد حل إخراجها، قال - أي: المحاور -: هذا تأويل قد
يحتمل ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ويحتمل غيره، أن تكون الفاحشة خروجها، وإن تكون الفاحشة أن تخرج للحد.
قال: فقلت له (أي: الشَّافِعِي) :
فإذا احتملت الآية ما وصفت، فأي المعاني أولى بها؟
قال: معنى ما وافقته السنة، فقلت فقد ذكرت لك السنة في فاطمة، فأوجَدتك ما قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.
الأم (أيضاً) : مُقَام المتوفي عنها، والمطلقاة في بيتها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى في المطلقات:
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، فكانت هذه الآية في المطلقات، وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة.
فاحتملت أن تكون: في فَرضِ السكنى للمطلقات، ومَنع إخراجهن تدل
على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الإخراج المتوفى عنهن؛ لأنهن في
معناهن في العدة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن على المتوفى عنها، أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله.

(3/1373)


واحتمل أن يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن، فيكون على
زوج المطلقة أن يسكنها؛ لأنه مالِك مالَه، ولا يكون على زوج المرأة المتوفى
عنها سُكْنَها؛ لأن ماله مملوك لغيره، وإنَّما كانت السكنى بالموت، إذ لا مال له - والله تعالى أعلم -.
الأم (أيضاً) : العذر الذي يكون للزوج أن يخرجَها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات:
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا عبد العزيز بن محمد - الدراوردي -، عن
محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية.
أنه كان يقول: "الفاحشة المبينة: أن تبذوَ على أهل زوجها، فإذا بذت فقد حل إخراجها "، الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث فاطمة بنت قيس إذ بذت على أهل زوجها؛ فأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، تدل على معنيين:
أحدهما: أن ما تاول ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله - عزَّ وجلَّ -:
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، هو: البذاء على أهل زوجها كما تأول - إن شاء الله تعالى -.

(3/1374)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبين إنما أذن لها أن تخرج من بيت زوجها، فلم يقل
لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: اعتدِّي حيث شئت، ولكنه حصنها حيث رضي إذ كان زوجها غائباً، ولم يكن له وكيل بتحصينها.
فإذا بذت المرأة على أهل زوجها، فجاء من بذائها ما يُخاف تساعر بذاءة
إلى تساعر الشر فلزوجها إن كان حاضراً إخراج أهله عنها، فإن لم يخرجهم
أخرجها إلى منزل غير منزله فحصَّنها فيه، وكان عليه كراؤه إذا كان له منعها
أن تعتد حيث شاءت، كان عليه كراء المنزل، وإن كان غائباً كان لوكيله من ذلك ماله، وإن لم يكن له وكيل، كان السلطان ولي الغائب، بفرض لها منزلاً فيحصنها فيه، فإن تطوع السلطان به، أو أهل المنزل فذلك ساقط عن الزوج، ولم نعلم فيما مضى أحداً بالمدينة كرى أحداً منزلاً، إنما كانوا يتطوعون بإنزال منازلهم، وبأموالهم مع منازلهم، وإن لم يتطوع به السلطان ولا غيره، فعلى زوجها كراء المنزل الذي تصير إليه.
الأم (أيضاً) : باب (حج المرأة والعبد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن اللَّه تعالى قال في المعتدات:
(وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية.
فقيل: يقام عليها الحد، فإذا كان هذا هكذا فقد
بين اللَّه - عز وجل - أنه لم يمنعها الخروج من حق لزمها.
وإن لم يكن هكذا وكان خروجها فاحشة.
فهي بالمعصية بالخروج إلى غير حق ألزم.
فإن قال قائل: ما دل على هذا؟
قيل: لم يختلف الناس - عَلِمتُه - أن
المعتدة تخرج من بيتها لإقامة الحد عليها، وكل حق لزمها.
والسنة تدل على أنها ئخرَجُ من بيتها للبذاء
كما أخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس.

(3/1375)


مختصر المزني: باب (مقام المطلقة في بيتها والمتوفى عنها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى في المطلقات: (وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، وقال - صلى الله عليه وسلم - لفُرَيعة بنت مالك حين أخبرته أن زوجها قُتل، وأنه لم يتركها في مسكن يملكه:
"اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " الحديث.
قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: الفاحشة المبينة أن تبذو على أهل
زوجها، فإن بذت فقد حل إخراجها.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قدوم الشَّافِعِي العراق أيام المأمون) :
أبو ثور رحمه اللَّه: قلت - أي: للشافعي -: رحمك اللَّه، وما الخاص الذي
يريد به - الله تعالى - العام؟ وما العام الذي يريد به الخاص؟
(وكنا لا نعرف الخاص من العام، ولا العام من الخاص) .
فقال الشَّافِعِي رحمه الله: قوله جل وعلا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ)
إنما أراد به أبا سفيان.
وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ)
فهذا خاص يريد - اللَّه تعالى - به العام.

(3/1376)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)
الأم: باب (ما يجب على المرء من القيام بشهادته) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله وقال اللَّه تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) الآية.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -:
والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن
يقوم بها على والديه وولده، والقريب والبعيد، وللبغيض القريب والبعيد، ولا يكتم عن أحد ولا يحابى بها ولا يمنعها أحداً، ثم تتفرع الشهادات فيجتمعون ويختلفون فيما يلزم منها وما لا يلزم.
الأم (أيضاً) : الحربي يدخل دار الإسلام بأمان فأودع ماله ثم رجع:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قَدِم الحربي دار الإسلام بأمان فمات، فالأمان
لنفسه وماله، ولا يجوز أن تؤخذ من ماله شيء، وعلى الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا، ولا يقبل إن لم تعرف ورثته شهادة أحد غير المسلمين، ولا يجوز في هذه الحال، ولا في غيرها شهادة أحد خالف دين الإسلام لقول اللَّه تعالى:

(3/1377)


(ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، وقوله: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)
وهذا مكتوب في كتاب الشهادات.
الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور -: أفتجيز شهادة أهل
الذمة على وصية مسلم اليوم كما زعمت أنها في القرآن؟
قال: لا. قلت: ولم؟
قال: هي منسوخة. قلت: بماذا؟
قال بقوله تعالى: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية.
قلت: وما نُسِخ لم يُعمل به، وعُمِل بالذي نسخه.
قال: نعم. قلت: فقد زعمت بلسانك أنك - قد - خالفت القرآن، إذ زعمت أن اللَّه شرط أن لا يجوز إلا مسلم، وأجزت كافراً - أي: شهادة الكافر -، وإذا نسخت فيما زعمت أنها نزلت فيه، أفتثبت في غير ما نزلت فيه؛ قال: لا.
قلت: فما الحجة في إجازة شهادة أهل الذمة؟
قال: إن شريحاً أجازها، فقلت له: أنت تزعم أنها منسوخة لقول اللَّه - عز وجل -: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، أو (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ)
يعني المؤمنين ثم تخالف هذا؟!
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت قول الله عزَّ وجلَّ:
(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)
وقوله: (حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)
فشرط العدل في هاتين الآيتين. . .

(3/1378)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور - أرأيت لو قال لك قائل: أجز في البيع، والقذف، وشهود الزنا غير العدل كما قلت في العتق؛ لأني لم أجد في التنزيل شرط العدل كما وجدته في غير هذه الأحكام، قال: ليس ذلك له، قد يُكتفى بقول اللَّه - عز وجل (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية.
فإذا ذكر الشهود فلا يقبلون إلا ذوي عدل، وإن سكت عن ذكر العدل فاجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا يقبل فيها إلا العدل.
قلت: هذا كما قلت، فلِمَ لم تقل بهذا؟!
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فالناس مجتمعون على أن
لا يجيزوا شهادة أهل الأوثان.
قلنا: الذي تحتج بإجماعهم معك من أصحابنا لم يردوا شهادة أهل الأوثان إلا من قول الله - عزَّ وجلَّ: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) والآية
معها، وبذلك رذوا شهادة أهل الذمة، فإن كانوا أخطؤوا فلا نحتج بإجماع
المخطئين معك، وإن كانوا أصابوا فاتبعهم، فقد اتبعوا القرآن، فلم يجيزوا شهادة من خالف دين الإسلام، قال: فإنما شريحاً أجاز شهادة أهل الذمة.
فقلت له: وخالف شريحاً غيره من أهل دار السنة والهجرة والنصرة، فأبوا
إجازة شهادتهم ابن المسيب، وأبو بكر بن حرّم وغيرهما.
الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)
وقال: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، أفرأيت حاكمين شهد عندهما
شاهدان بأعيانهما، فكانا عند أحد الحاكمين عدلين، وعند الآخر غير عدلين؛

(3/1379)


قال: فعلى الذي هما عنده عدلان أن يجيزهما، وعلى الآخر، الذي هما
عنده غير عدلين، أن يردهما.
قلت له: فهذا الاختلاف. قال: نعم.
فقلت له: أراك إذن جعلت الاختلاف حُكمين؟
فقال: لا يوجد في المغيَّب إلا هذا، وكل وإن اختلف فعله وحكمه فقد أدى ما عليه. قلت: فهكذا قلنا.
الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - قال اللَّه تبارك وتعالى:
(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية.
قال: فلم قلت: إنها تكون للأزواج، الرجعة في العدة قبل التطليقة الثالثة.
فقلت له: لما بين اللَّه - عز وجل - في كتابه: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَاآ) .
قال: فلم قلت في قول اللَّه تعالى في المطلقات: (فَإِذَا بَلَغنَ أجَلَهُن
فَا"تسِكُوهُن بِمَغرُولمحي أو فَارِقُوهُن بِمَغزوفم) الآية، إذا قاربن بلوغ أجلهن.
وقلت: في قول اللَّه - عز وجل - في المتوفى عنها زوجها: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية.
هذا إذا قضين أجلهن؛ والكلام فيهما واحد!
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: (بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) يحتمل قاربن البلوغ.
وبلغن: فرغن مما عليهن، فكان سياق الكلام في الآيتين دليل على فرق بينهما، لقول اللَّه تبارك وتعالى في الطلاق: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية.
وقال: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)

(3/1380)


فلا تؤمر بالإمساك إلا من يجوز له الإمساك في العدة؛ فيمن ليس لهن أن
يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة، حتى تنقضي العدة، وهو كلام عربي هذا
من أبينه، وأقله خفاء؛ لأن الآيتين تدلان على افتراقهما بسياق الكلام فيهما.
الأم (أيضاً) : ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر اللَّه تبارك وتعالى الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء:
الطلاق، والفراق، والسراح، وقال عزَّ وجلَّ: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)
وقال جل ثناؤه: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية.
وقال تبارك اسمه لنبيه في أزواجه: (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فمن خاطب امرأته فأفرد لها اسماً من هذه
الأسماء، فقال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو قد فارقتك، أو قد سرحتك لزمه طلاق، ولم ينو في الحكم، ونوَّينَاه فيما بينه وبين الله تعالى.
الأم (أيضاً) : باب (الشهادة في الطلاق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر الله - عزَّ وجلَّ في الطلاق والرجعة بالشهادة، وسمى فيها عدد الشهادات فانتهى إلى شاهدين، فدل ذلك على أن كمال الشهادة على

(3/1381)


الطلاق والرجعة شاهدان، فإذا كان ذلك كمالها لم يجز فيها شهادة أقل من
شاهدين.
الأم (أيضاً) : عدة المطلقة يملك زوجُها رجعتَها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن قال هذا، ذهب إلى أن المطلق كان: إذا ارتجع
في العدة ثبتت الرجعة، لما جعل اللَّه - عز وجل - في العدة له من الرجعة، وإلى أن قول اللَّه - عز وجل -:
(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية.
لمن راجع ضراراً في العدة لا يريد حبس المرأة رغبة.
ولكن عضلاً عن أن تحل لغيره.
الأم (أيضاً) : الإذن في الهجرة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان المسلمون المستضعفين بمكة زماناً، لم يؤذن لهم
فيه بالهجرة منها، ثم أذن اللَّه - عز وجل - لهم بالهجرة، وجعل لهم مخرجاً فيقال نزلت:
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الآية.
فأعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قد جعل اللَّه
ئبارك وتعالى لهم بالهجرة مخرجاً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)
الأم: العدد (عدة المدخول بها التي تحيض) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: جعل - اللَّه تبارك وتعالى - على الحُيَّض الأقراء.
وعلى المؤيسات وغير البوالغ الشهور، فقال: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) .

(3/1382)


فإذا كانت تحيض فإنها تصبر إلى الإياس من المحيض بالسن التي من بلغتها من نسائها أو أكثرهن لم تحض، فينقطع عنها الحيض في تلك المدة، وقد قيل: إن مدتها أكثر الحمل، وهو أربع سنين، ولم تحض كانت مؤيسة من المحيض فاعتدت ثلاثة أشهر، وقيل: تتربص تسعة أشهر
- واللَّه تعالى أعلم -، ثم تعتد ثلاثة أشهر.
الأم (أيضاً) : عدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: سمعت من أرضى من أهل العلم بقول: إن أول ما
أنزل اللَّه - عز وجل - من العدد (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)
فلم يعلموا ما عدة المرأة التي لا أفراء لها، وهي: التي لا تحبض، ولا الحامل، فأنزل اللَّه عز ذكره: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) الآية، فجعل عدة المؤشمة، والتي لم تحض ثلاثة أشهر.
وقوله: (إِنِ ارْتَبْتُمْ) فلم تدروا ما تعتد غير ذات الأقراء.
وقال اللَّه تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
قال - أي: الشَّافِعِي -: وهذا - والله أعلم - يشبه ما قالوا.
الأم (أيضاً) : العدة من الموت والطلاق والزوج غائب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال عز ذكره: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.

(3/1383)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في حكم الله عز ذكره، أن العدة من يوم
يقع الطلاق وتكون الوفاة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا علمت المرأة يقين وفاة الزوج، أو طلاقه ببينة
تقوم لها على موته، أو طلاقه، أو أي علم صادق ثبت عندها، اعتدت من يوم يكون الطلاق، وتكون الوفاة وإن لم تعتد حتى تمضي عدة الطلاق والوفاة، لم يكن عليها عدة؛ لأن العدة إنما هي مدة تمر عليها، فإذا مرت عليها فليس عليها مقام مثلها.
الأم (أيضاً) : باب (الوصية للزوجة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - في عدة الطلاق:
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) .
1 - فاحتملت الآية: أن تكون في المطلقة لا تحيض خاصة؛ لأنها سياقها.
2 - واحتملت أن تكون: في المطلقة، كل معتدة مطلقة تحيض ومتوفى
عنها؛ لأنها جامعة.
3 - ويحتمل أن يكون: استئناف كلام على المعتدات.
فإن قال قائل: فأي معانيها أولى بها؟
قيل - واللَّه تعالى أعلم -: فأما الذي
يشبه فأن تكون في كل معتدة ومستبرأة.

(3/1384)


فإن قال: ما دل على ما وصفت؟
قيل: - قال الشَّافِعِي -: لما كانت
العدة استبراء وتعبداً، وكان وضع الحمل براءة من عدة الوفاة، هادماً للأربعة أشهر والعشر، كان هكذا في جميع العدد والاستبراء - واللَّه أعلم -، مع أن المعقول أن وضع الحمل غاية براءة الرحم حتى لا يكون في النفس - منه - شيء، فقد يكون في النفس شيء في جميع العدد والاستبراء، وإن كان ذلك براءة في الظاهر - واللَّه سبحانه وتعالى الموفق -.
الأم (أيضاً) : عدة الحامل:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ في المطلقات: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فافي مطلقة طُلقت حاملاً، فأجلُها أن تضع حملها.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإن كانت تحيض على الحمل، تركت الصلاة، واجتنبها زوجها، ولم تنقضِ عدتها بالحيض؛ لأنها ليست من أهله، إنما أجلها أن تضع حملها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن كانت ترى أنها حامل، وهي تحيض فارتابت.
أحْصَتِ الحيضَ، ونظرت في الحمل، فإن مرّت لها ثلاث حيض فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، وقد بانَ لها أن ليس بها حمل فقد انقضت عدتها بالثلاث الحيض، فإن ارتجعها زوجها في حال ارتيابها بعد ثلاث حيض، وقفنا الرجعة فإن بانَ بها حمل فالرجعة ثابتة، وإن بانَ أن ليس بها حمل فالرجعة باطلة.

(3/1385)


الأم (أيضاً) : باب (في قطع العبد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى:
(وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
فقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: تعتد آخر الأجلين.
وروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما مثل قوله، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:
إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت.
وفي هذا كتاب وسنة، وفي الأقراء قبله كتاب ودلالة من سنة.
الرسالة: في العدد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى:
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
فقال بعض أهل العلم: قد أوجب اللَّه على المتوفى عنها زوجها أربعة
أشهر وعشراً، وذكر أن أجل الحامل أن تضع، فإذا جمعت أن تكون حاملاً متوفى عنها: أتت بالعدتين معاً، كما أجدها في كل فرضين جعلا عليها أتت بهما معاً.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسبيعة بنت الحارث الأسلمية، ووضعت بعد وفاة زوجها بأيام:
"قد حللت فنزوجي" الحديث.
دلَّ هذا على أن العدة في الوفاة والعدة في الطلاق بالأقراء والشهور؛ إنما أريد به من لا حمل به من النساء، وأن الحمل إذا كان فالعدة سواه ساقطة.

(3/1386)


قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
الأم: نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.
فكان بيناً - والله تعالى أعلم في هذه الآية - أنها في المطلقة التي لا يملك
زوجها رجعتها، من قِبَلِ أن اللَّه - عز وجل - لما أمر بالسكنى عامًّا ثم قال: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
دلَّ على أن الصنف الذي أمِر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن صنف دلَّ الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن؛ لأنه إذا أوجب لمطلقة بصفة نفقة، ففي ذلك دليل على أنه لا تجب لمن كان في غير صفتها من المطلقات.
الأم (أيضاً) : الخلاف في نفقه المرأة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ في المطلقات:
(وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
فاستدللنا على أن لا فرض في الكتاب لمطلقة مالكة لأمرها غير حامل.

(3/1387)


قال - أي: المحاور -: فإنه - سبحانه وتعالى - قد ذكر المطلقات مرسلات، لم يخصص واحدة دون الأخرى، وإن كان كما تقول ففيه دلالة على أن لا نفقة لمطلقة، وإن كان زوجها يملك الرجعة، وما مبتدأ السورة إلا على المطلقة للعدة.
قلتُ له: قد يطلق للعدة ثلاثاً.
قال - أي: المحاور -: فلو كان كما تقوق ما كانت الدلالة على أنه أراد
بمنع النفقة المبتوتة دون التي له رجعة عليها.
قلتُ: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طًله ئثبت أن الممنوعة النفقة المبتوتة بحميع الطلاق دون التي لزوجها عليها الرجعة، ولو لم تدل السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فكانت
الآية تأمر بنفقة الحامل، وقد ذكر المطلقات فيها، دلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون الطلقات سواها، فلم يجز أن ينفق على مطلقة إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل إلى غيرها من المطلقات، فيُنفق عليها بالإجماع دون غيرها.
الأم (أيضاً) : عدة الأمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك إن كانت - أي: الأمة - مطلقة طلاقاً لا
يملك الرجعة، كانت عليه نفقتها حاملاً ما لم يخرجها سيدها من منزله؛ لأن
الله - عز وجل - يقول في المطلقات: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.
ولم نجد أثراً لازماً ولا إجماعاً بأن لا ينفق على الأمة الحامل، ولو
ذهبنا إلى أن نزعم أن النفقة على الحامل إنما هي للحمل، كانت نفقة الحمل لا تبلغ بعض نفقة أمة، وكما يكون لو كان مولوداً لم تبلغ نفقته بعض نفقة أمه، ولكنه حكم اللَّه تعالى علينا اتباعه تعبداً.

(3/1388)


وقد ذهب بعض الناس إلى أن جعل للمطلقة لا يملك زوجها رجعتها
النفقة قياساً على الحامل، فقال: الحامل محبوسة بسببه، وكذلك المعتدة بغير
الحمل محبوسة بسببه عن الأزواج.
فذهبنا: إلى أنه غلط، وإنَّما أنفقنا على الحامل بحكم اللَّه - عز وجل - لا بأنها محبوسة بسببه، وقد تكون محبوسة بسببه بالموت ولا نفقة لها، واستدللنا بالسنة على أن لا نفقة للتي لا يملك زوجها رجعتها إذا لم تكن حاملاً.
الأم (أيضاً) : باب (الطلاق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً وقد دخل بها، فإن
أبا حنيفة رحمه اللَّه تعالى كان يقول في ذلك: لها السكنى والنفقة حتى تنقضي
عدتها وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: لها السكنى وليس لها النفقة. وقال أبو حنيفة: ولِمَ؟ وقد قال الله - عزَّ وجلَّ في كتابه: (فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
وبلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه جعل للمطلقة ثلاثاً السكنى والنفقة.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً ولا حبل بها، فلها
السكنى وليس لها نفقة، وهذا مكتوب في كتاب الطلاق.
الأم (أيضاً) : باب (سكنى المطلقات ونفقاتهن) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عز ذكره في المطلقات: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.

(3/1389)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه - عز وجل - المطلقات جملة لم يخصص منهن مطلقة دون مطلقة، فجعل على أزواجهن أن يسكنوهن من وجدهن، وحرم عليهم أن يخرجوهن، وعليهن أن يخرجن إلا أن - يأتين - بفاحشة مبينة فيحل إخراجهن، فكان من خوطب بهذه الآية من الأزواج يحتمل أن إخراج الزوج امرأته المطلقة من بيتها منعها السكنى.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويحتمل أمر اللَّه - عز وجل - بإسكانهن وأن لا يخرجن، ولا يخرجن مع ما وصفت أن لا يخرجن بحال ليلاً ولا نهاراً، ولا لمعنى إلا معنى عذر.
وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم في المطلقة هذا المذهب، فقال: لا
يخرجن ليلاً ولا نهاراً بحال إلا من عذر.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو فعلت هذا كان أحب إليَّ، وكان احتياطاً لا
يبقى في القلب معه شيء.
الأم (أيضاً) : الإجارات:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأجارات أصول في أنفسها، بيوع على وجهها.
وهذا كله جائز، قال الله تبارك وتعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)
فأجاز الإجارة على الرضاع، والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته.
وكثرة اللبن وقلته، ولكن لما لم يوجد فيه إلا هذا جازت عليه، وإذا جازت عليه جازت على مثله، وما هو في مثل معناه، وأحرى أن يكون أبين منه.

(3/1390)


الأم (أيضاً) : وجوب نفقه المرأة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) .
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا ابن عيينه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هنداً قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما يدخل بيتي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة.
عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها حدثته أن هنداً أم معاوية، جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما
يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سراً وهو لا يعلم، فهل عليَّ في ذلك من
شيء؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"خدي ما يكفيك وولدك بالمعروف" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (في قول الله عزَّ وجلَّ:
(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية.
بيان أن على الأب أن يقوم بالمؤنة التي في صلاح
صغار ولده من رضاع، ونفقة، وكسوة، وخدمة.

(3/1391)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم، ثم لا
نفقة لهم عليه إلا أن يتطوع، إلا أن يكونوا زَمنَى فينفق عليهم قياساً على النفقة عليهم، إذا كانوا لا يُغنون أنفسهم في الصغر، وسواء في ذلك الذكر والأنثى.
الأم (أيضاً) : النفقة على الأقارب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففي كتاب الله - عزَّ وجلَّ، ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيان أن الإجارة جائزة على ما يعرف الناس، إذ قال اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.
والرضاع يختلف فيكون صبي أكثر رضاعاً من صبي، وتكون امرأة أكثر لبناً
من امرأة، ويختلف لبنها فيقل ويكثر، فنجوز الإجارة على هذا؛ لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا.
الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في النكاح على الإجارة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الصداق ثمن من الأثمان، فكل ما يصلح أن يكون
ثمناً صلح أن يكون صداقاً. ..
فإن قال قائل: ما دلَّ على هذا؟
قيل: إذا كان المهر ثمناً كان في معنى هذا، وقد أجازه اللَّه - عز وجل - في الإجارة في كتابه، وأجازه المسلمون، وقال اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.
مختصرالمزني: نفقة التي لا يملك زوجها رجعتها وغير ذلك:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى:
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)
وقال: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)

(3/1392)


فلما أوجب اللَّه لها نفقة بالحمل، دل على أن لا نفقة لها بخلاف الحمل.
ولا أعلم خلافاً أن التي يملك رجعتها في معاني الأزواج في أن عليه نفقتها
وسكناها، وأن طلاقه، وإيلاءه، وظهاره، ولعانه يقع عليها وأنها ترثه ويرثها.
فكانت الآية على غيرها من المطلقات، وهي التي لا يملك رجعتها وبذلك
جاءت سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فاطمة بنت قيس: بتَّ زوجُها طلاقَها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
"ليس لكِ عليه نفقة" الحديث.
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في العدة وفي الرضاع وفي النفقات:
وبهذا الإسناد في (الإملاء) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يلزم المرأة رضاع ولدها، كانت عند زوجها، أو لم تكن، إلا إن شاءت.
وسواء كانت شريفة، أو دنيَّة، أو موسرة، أو معسرة.
لقول اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)
الأم: باب (قَذرِ النفقة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والنفقة نفقتان:
1 - نفقة الموسر.

(3/1393)


2 - ونفقة المقتر عليه رزقه، وهو: الفقير، قال اللَّه - عز وجل -: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأقل ما يلزم المقتر من نفقة امرأته بالمعروف ببلدهما.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن كان المعروف أن الأغلب من نظرائها لا تكون
إلا مخدومة، عالها وخادماً لها واحداً لا يزيد عليه، وأقل ما يعولها به وخادمها
ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه، وذلك مدٌّ بمدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون (حنطة كان أو شعيراً أو ذرة أو أرزاً أو سلقاَ)
ولخادمها مثله، ومكيلة من أدُمِ بلادها (زيتاً كان أو سمناً) ، بقدر ما يكفي ما
وصفت من ثلاثين مداً في الشهر، ولخادمها شبيه به، ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها، ولا يكون ذلك لخادمها؛ لأنه ليس بالمعروف لها.

(3/1394)