تفسير الإمام الشافعي

سورة المعارج
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
الأم: تسرى العبد:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) .
فدل كتاب اللَّه - عز وجل - على أن ما أباحه من
الفروج فإنما أباحه من أحد الوجهين: النكاح، أو ما ملكت اليمين.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" الحديث.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -:. فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يكون مالكاً مالاً بحال، وأن ما نسب إلى ملكه إنما هو إضافة اسم ملك إليه لا حقيقته، كما يقال للمعلم غلمانك، وللراعي غنمك، وللقيم على الدار دارك إذا كان يقوم بأمرها.

(3/1400)


فلا يحل - والله تعالى أعلم - للعبد أن يتسرى، أذن له سيده أو لم يأذن له.
لأن الله تعالى إنما أحل التسري للمالكين، والعبد لا يكون مالكاً بحال.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في القضايا والشهادات:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيما يجب على المرء من القيام بشهادته إذا شهد -
وذكر عدة آيات تتعلق بالشهود والشهادة ومنها -:
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الذي أحفظه عن كل من سمعت منه - من أهل
العلم في هذه الآيات - أنه في الشاهد قد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن
يقوم بها على والديه، وولده، والقريب والبعيد، وللبغيض (البعيد والقريب) ، ولا يكتم عن أحدٍ، ولا يحابى بها، ولا يمنعها أحداً.

(3/1401)


سورة نوح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا)
الأم: القراءة في العيدين:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاحب أن يقرأ في العيدين: في الركعة الأولى بـ:
(ق) وفي الركعة الثانية بـ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) .
وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من
الاستسقاء: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) أحببت ذلك.
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي كتاب الله تبارك وتعالى دليل على ما وصفتُ.
قال اللَّه: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا)) الآية، فأقام جل ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه، في الأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء ودلائلهم التي باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامَها بالأكثر.

(3/1402)


قال الله عزَّ وجلَّ: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
الأم: كيف الخطبة في الاستسقاء ":
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويخطب الإمام في الاستسقاء خطبتين، كما يخطب
في صلاة العيدين، يكبر الله فيهما، ويحمده، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكثر فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر "كلامه، ويقول كثيراً: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) الآيتان.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا)
مختصر المزني: باب (يذكر فيه الأيام المعلومات والمعدودات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله،: والأيام المعلومات العشر، وآخرها يوم النحر.
والمعدودات ثلاثة أيام بعد النحر.
قال المزني رحمه الله: سماهن الله - عز وجل - باسمين مختلفين، وأجمعوا أن الاسمين لم يقعا على أيام واحدة، وإذا لم يقعا على أيام واحدة، فأشبه الأمرين أن تكون

(3/1403)


كل أيام منها غير الأخرى، كما أن اسم كل يوم غير الآخر، وهو ما قال
الشَّافِعِي عندي.
قال المزني رحمه اللَّه: فإن قيل لو كانت المعلومات العشر لكان النحر في
جميعها، فلما لم يجز النحر في جميعها بطل أن تكون المعلومات فيها، يقال له: قال الله - عز وجل -: (سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) الآيتان.
وليس القمر في جمعها وإنما هو في واحدها، أفيبطل أن يكون القمر فيهن نوراً كما قال الله - عز وجل -، وفي ذلك دليل لما قال الشَّافِعِي وبالله التوفيق.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - جواباً من جواب بعض من عبد غيره من هذا الصنف، حكى اللَّه تبارك وتعالى عنهم: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا) .
الآيتان.

(3/1404)


سورة الجن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
مناقب الشَّافِعِي:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض على الوجه: السجود لله بالليل والنهار.
ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
وقال: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الآية.
يعني: بالمساجد، ما يَسجُد عليه ابن آدم في صلاِته من الجبهة وغيرها.

(3/1405)


سورة المزمل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)
الأم: أول ما فرضت الصلاة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: سمعت من أثق بخبره وعلمه، يذكر أن اللَّه أنزل
فرضاً في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات
الخمس.

(3/1406)


قال: - أي الشَّافِعِي -: كأنه يعني لْول اللَّه - عز وجل -:
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
ثم نسخها في السورة معه بقول اللَّه جل ثناؤه:
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية.
فنسخ قيام الليل أو نصفه أو أقل أو كثر بما تيسر.
وما أشبه ما قال بما قال، وإن كنت أحب أن لا يدع أحد
أن يقرأ ما تيسر عليه من ليلته، ويقال: نسخت ما وصفت من المزمل بقول اللَّه - عز وجل -: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (كيف قراءة المصلي؟) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك،. تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأقل الترتيل ئرك العجلة في القراءة عن الإبانة، وكلما زاد على أقل الإبانة في القراءة كان أحب إليَّ، ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيها تمطيطاً، وأحب ما وصفت لكل فارئ في صلاة وغيرها، وأنا له في المصلي أشد استحباباً منه للقاري في غير صلاة، فإذا أيقن المصلي أن لم يبق من القراءة شيء إلا نطق به، أجزأته قراءته، ولا يجزئه أن يقرأ في صدره القرآن ولم ينطق به لسانه.
الأم (أيضاً) : باب (الخلاف فيه) أى: فيمن دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه ":
قال الشَّافِعِي رحمه الله: سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدةً شكراً لله - عز وجل -.
أخبرنا بذلك الدراوردي.
وسجد أبو بكر - رضي الله عنه - شكراً لله تبارك وتعالى حين جاءه قتل

(3/1407)


مسيلمة، وسجد عمر - رضي الله عنه - حين جاءه فتح مصر شكراً لله جل اسمه، فإذا جاز أن يتطوع لله بسجدة فكيف كرهت - الخطاب: للمحاوَر - أن يتطوع بأكثر منها؟
وقلت له: ولو أن رجلاً ذهب في قول الله تبارك وتعالى في المزمل حين خُفّفَ
قيام الليل ونصفه، قال: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية.
يعني: صلوا ما تيسر أن يكون، جعل ذلك إليهم فيما قد وضع عنهم فرضه بلا توقيت، كان أقرب إلى أن يشبه أن يكون هذا له حجة، واللَّه تعالى أعلم منك.
وقد أوتر عثمان بن عفان وسعد وغيرهما رضي اللَّه عنهم أجمعين بركعة
في الليل، لم يزيدوا عليها بعد المكتوبة.
أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال:
أخبرني عتبة بن محمد بن الحارث، أن كريباً مولى ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها فأخبرنا ابن
عباس رضي الله عنهما، فقال: أصاب - أي: بني -، ليس أحد منا أعلم من معاوية هي واحدة، أو خمس، أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء.
الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه، والسنة على بعضه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: مما نقل بعض مَن سمعت منه من أهل العلم: أن
الله أنزل فرضاً في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس فقال:
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) .
الآيات.
ثم نسخ هذا في السورة معه فقال:
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية.

(3/1408)


ولما ذكر الله بعد أمره بقيام الليل نصفه إلا قليلاً أو الزيادة عليه، فقال: (أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) الآية.
فخفف فقال: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)
قرأ إلى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) الآية.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فكان بيناً في كتاب اللَّه نسخ قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية.
فاحتمل قول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية، معنيين
أحدهما: أن يكون فرضاً ثابتاً؛ لأنه أزيل به فرض غيرُه.
والآخر: أن يكون فرضاً منسوخاً أزيل بغيره، كما أزيل به غيره، وذلك
لقول الله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) .
فاحتمل قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) :
أن يتهجد بغير الذي فُرضِ عليه، مما تيسر منه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد
المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على ألا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها: منسوخ بها استدلالاً بقول الله:
(فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) وأنها ناسخة لقيام الليل، ونصفه، وثلثه، وما تيسر.
ولسنا نحب لأحد تركَ أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصلياً به.
وكيف ما أكثر فهو أحب إلينا.
أخبرنا مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن
عبيد الله - رضي الله عنه - يقول: جاء أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته،

(3/1409)


ولا نفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"خمس صلوات في اليوم والليلة".
فقال: هل علي غيرها؟
فقال: " لا إلا أن تطوع ".
قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صيام شهر رمضان، فقال: هل عليَّ غيره؟
قال: " لا، إلا أن تطوع ".
فأدبر الرجل وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أفلح إن صدق" الحديث.
ورواه عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"خمس صلوات كتبهن الله على خلقه فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقنَّ: كان له عن الله عهداً أن يدخله الجنة" الحديث.

(3/1410)


سورة المدثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
الأم: باب (طهارة الثياب)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) الآية، فقيل: يصلي في ثياب طاهرة، وقيل: غير ذلك.
والأول أشبه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يغسل دم الحيض من الثوب.
فكل ثوب جُهل من ينسجه، أنسجه مسلم أو مشرك أو وثني أو مجوسي أو
كتابي، أو لبسه واحد من هؤلاء، أو صبي، فهو على الطهارة حتى يعلم أن فيه نجاسة، وكذلك ثياب الصبيان؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص وهي صبية عليها ثوب صبي.
والاختيار أن لا يصلى في ثوب مشرك ولا سراويل ولا إزار ولا رداء
حتى يغسل من غير أن يكون واجباً، وإذا صلى رجل في ثوب مشرك أو
مسلم، ثم علم أنه كان نجساً أعاد ما صلى فيه.

(3/1411)