تفسير الإمام الشافعي

سورة النازعات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه لنبيه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) .
فحجب عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - علم
الساعة، وكان من جاور ملائكة اللَّه المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد اللَّه
أقصر علماً من ملائكته وأنبيائه؛ لأن اللَّه - عز وجل - فرض على خلقه طاعة نبيه، ولم يجعل لهم بعد من الأمر شيئاً، وأولى أن لا يتعاطوا حكماً على غيب أحد، لا بدلالة، ولا ظن، لتقصير علمهم عن علم أنبيائه، الذين فرض اللَّه تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره، فإنه جل وعز ظاهر عليهم الحجج فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا، بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره. . .

(3/1422)


مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معاداً:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عروة قال: لم يزل
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن الساعة، حتى أنزل اللَّه عليه: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) الآية، فانتهى، الحديث.

(3/1423)


سورة التكوير
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
الأم: القراءة في الخطبة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثني محمد بن
عمرو بن حَلْحَلَة، عن أبي نعيم (وهب بن كيسان) ، عن حسن بن محمد بن
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أن عمر - رضي الله عنه - كان يقرأ في خطبته يوم الجمعة: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) حتى يبلغ: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) .
ثم يقطع السورة، الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن هشام، عن أبيه
أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ بذلك على المنبر، الحديث.

(3/1424)


مختصر المزني: ومن كتاب (اختلاف الحديث) باب (القراءة في الصلاة) :
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن مسعر، عن الوليد بن سريع.
عن عمرو بن حريث قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني يقرأ في الصبح: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) .
الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)
الأم: قتل الولدان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال جل ثناؤه: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) .. الآيتان.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغاراً
خوف العَيلَةِ عليهم، والعار بهم، فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد
المشركين دل على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب، وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب، من تحريم القتل بغير حق.

(3/1425)


قال الله عزَّ وجلَّ: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)
الأم: القراءة في الخطبة:
انظر تفسير الآية الأولى من سورة التكوير، لأنها مرتبطة بهذه الآية، فلا
حاجة للتكرار.
مختصر المزني: ومن كتاب (إيجاب الجمعة) :
انظر تفسير الآية الأولى من سورة التكوير، لأنها مرتبطة بهذه الآية، فلا
حاجة للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)
الأم: باب (الوتر والقنوت والآيات) :
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا يزيد بن هارون، عن حماد، عن
عاصم، عن أبي عبد الرحمن، أن علياً - رضي الله عنه - خرج حين ثوَّبَ المؤذن، فقال: أين السائل عن الوتر؟
نعم ساعة الوتر هذه، ثم قرأ: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) .. الآيتان.
وهم لا يأخذون بهذا، ويقولون ليس هذه من ساعات الوتر.

(3/1426)


مختصر المزني: ومن كتاب (اختلاف الحديث) باب (القراءة في الصلاة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن مسعر، عن الوليد بن سريع.
عن عمرو بن حريث، قال: سمعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني قرأ في الصبح: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
الأم: ما يكره من الكلام في الخطبة وغيرها:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال رجل يا رسول اللَّه: ما شاء اللَّه وشئت، فقال
رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "أمثلان؟!
قل ما شاء الله ثم شئت" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وابتداء المشيئة مخالفة للمعصية؛ لأن طاعة رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ومعصيته تبع لطاعة اللَّه تبارك وتعالى ومعصيته؛ لأن الطاعة والمعصية منصوصتان بفرض الطاعة من الله - عزَّ وجلَّ، فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاز أن يقال
فيه: من يطع اللَّه ورسوله، ومن يعص الله ورسوله لما وصفت.
والمشيئة إرادة اللَّه تعالى.

(3/1427)


قال الشَّافِعِي رحمه الله ئعاك: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الآية.
فأعلم خلقه أن: المشيئة له دون خلقه، وأن مشيئتهم لا
تكون إلا أن يشاء الله - عزَّ وجلَّ فيقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما شاء الله ثم شئت، ويقال: من يطع الله ورسوله على ما وصفت، من أن اللَّه تبارك وتعالى تعبد الخلق بأن فرض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أطيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أطيع اللَّه بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم.

(3/1428)


سورة المطففين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الحافظ قال: سمعت أبا محمد جعفر بن محمد بن
الحارث يقول: سمعت أبا عبد اللَّه الحسين بن محمد بن الضحاك (المعروف بابن بحر) يقول: سمعت إسماعيل بن يحيى المزني يقول: سمعت ابن هرم القرشي يقول:
سمعت الشَّافِعِي يقول في قول اللَّه - عز وجل -: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) الآية.
قال: فلما حجبهم في السخط، كان في هذا دليل على أنهم
يرونه في الرضا.
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في إثبات الرؤيا) :
أنبأني أبو القاسم (الحسن بن محمد بن حبيب المفسِّر) رحمه اللَّه، إجازة.
قال: سمعت أبا علي (الحسن بن أحمد الخياط) النَّسوي بها، يقول: سمعت

(3/1429)


أبا نعيم (عبد الملك بن محمد بن عدي الجُرجاني) يقول: سمعت الربيع بن
سليمان يقول: كنت ذات يوم عند الشَّافِعِي رحمه اللَّه وجاءه كتاب من الصعيد - وهو اسم موضع بمصر - يسألونه عن قول اللَّه جل ذكره:
(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) الآية.
فكتب فيه: لما حجب اللَّه قوماً بالسخط، دلَّ على أن
قوماً يرونه بالرضا.
قال الربيع: قلت له: أو تدين بهذا يا سيدي؟
فقال: واللَّه لو لم يوقن محمد ابن إدريس أنه يرى ربه في الميعاد لما عبده في الدنيا.
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد
الأسدأباذي قال: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال: حدثنا المزني قالْ سمعت ابن هرم القرشي يقول:
سمعت الشَّافِعِي يقول في قول اللَّه - عز وجل -: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) الآية.
قال: هذا دليل على أن أولياءه يرونه يوم القيامة - ثم ذكر
الرواية التي: ذكرت في أحكام القرآن، وزاد في نهايتها " -:
قال: فقال أبو النجم القزويني: يا أبا إبراهيم، به تقول؟
قال: نعم، وبه أدين اللَّه - عز وجل -. قال: فقام
إليه عصام وقبَّل رأسه وقال: يا سيد الشَّافِعِيين اليوم بيَّضتَ وجوهنا.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن عمر الدارقطني
الحافظ، قال: ذكر إسحاق الطحان المصري، قال: حدثنا سعيد بن أسد قال:
قلت للشافعي: ما تقول في حديث الرؤية؛ فقال لي: يا ابن أسد، اقض عليَّ، حييت أو متُّ: إن كل حديث يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني أقول به، وإن لم يبلغني.

(3/1430)


سورة الانشقاق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأما الثالث: وهو الذي في اختلاف مالك
والشَّافِعِي رضي الله عنهما، ففيه سألت الشَّافِعِي عن السجود في:
(إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) ، قال: فيها سجدة.
فقلت له: وما الحجة أن فيها سجدة؟
قال: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قرأ لهم:
(إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية، فسجد فيها.
فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها، الحديث.

(3/1431)


أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا بعض أصحابنا، عن مالك، أن عمر بن عبد العزيز، أمر محمد بن مسلم أن يأمر القُرَّاء أن يسجدوا في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: تجدون عمر يأمر بالسجود في:
(إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية.
ومعه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأي أبي هريرة، ولم تسمعوا أحداً خالف هذا، وهذا عندكم العمل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمانه، وأبو هريرة، رضي الله عنه في الصحابة، ثم عمر بن عبد العزيز في التابعين، والعمل يكون عندكم يقول عمر وحده، وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن يقال، كيف زعمتم أن أبا هريرة - رضي الله عنه - سجد في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية، وأن عمر أمر بالسجود فيها.
وأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سجد في النجم، ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل، وهذا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من علماء التابعين.
فقال قولكم: اجتمع الناس لما حكوا فيه غير ما قلتم، بيِّن في قولكم أن ليس
كما قلتم، ثم رويتم عن عمر بن الخطاب أنه سجد في النجم ثم لا تروون عن
غيره خلافه؟!.
السنن المأثورة: كتاب الصلاة (ما جاء في آية السجدة) :
حدثنا المزني قال:

(3/1432)


حدثنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن
أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة قال: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الحديث.
حدثنا أحمد قال: حدثنا المزني قال:
حدثنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا عد العزيز بن محمد الدراوردي قال:
حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه رآه يسجد في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية، قال أبو سلمة: فلما انصرف، قلت له: سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها قال: "إنني لو لم أرَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها لم أسجد" الحديث.

(3/1433)