تفسير التستري وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
(3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ
الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى
مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا
مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ
فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ
يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ
الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ
رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ
(15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ
الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ
كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ
مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ
مَحْفُوظٍ (22)
السورة التي يذكر فيها البروج
[سورة البروج (85) : آية 3]
وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)
قوله تعالى: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [3] قال: قيل الشاهد الملك،
كما قال: سائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق: 21] ، والمشهود يوم القيامة،
وذلك يوم القيامة، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: الشاهد محمد
صلّى الله عليه وسلّم، والمشهود القرآن. وقيل: المشهود
الإنسان. وقال سهل: الشاهد نفس الروح، والمشهود نفس الطبع، لأن
نفس الطبع مع فهم العقل وفطنة القلب على كل واحد منهما شاهد،
والله على الكل شهيد.
[سورة البروج (85) : آية 14]
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)
قوله عزَّ وجلَّ: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ [14] يعني
الغفور للمذنبين، الودود للمغفرة، المتودد المتحبب إلى عباده،
بما أولاهم من سابغ نعمه، وجميل آلائه وإحسانه.
[سورة البروج (85) : آية 22]
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
قوله تعالى: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [22] قال: المحفوظ صدر
المؤمن، محفوظ عليه أن يناله غير أهله، لأن أهل القرآن هم أهل
الله وخاصته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الطارق
[سورة الطارق (86) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (1)
قوله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ [1] قال: السماء في
اللغة السمو والعلو، فباطنها روح محمد صلّى الله عليه وسلّم
قائم عند رب العزة والطارق.
[سورة الطارق (86) : الآيات 3 الى 4]
النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها
حافِظٌ (4)
النَّجْمُ الثَّاقِبُ [3] وهو قلبه، يعني مشرق بتوحيد الله
وتنزيهه ومداومة الأذكار ومشاهدة الجبار. وقال مرة أخرى:
الثاقب قلب المؤمن، يعني مشرق مطهر عن كل شك وريب جرت عليه من
وساوس العدو ونفس الطبع.
قوله تعالى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ [4] أي
على نفس الطبع حافظ من عصمة الله.
[سورة الطارق (86) : الآيات 9 الى 12]
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (9) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا
ناصِرٍ (10) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذاتِ
الصَّدْعِ (12)
قوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (9) فَما لَهُ مِنْ
قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ [9- 10] قال: أي يكشف عن النيات التي بها
تعبدهم الله فيما فرض عليهم ونهاهم عنه، فإن أعمال العباد يوم
القيامة موقوفة على مقاصدهم. ولقد كان الربيع يقول: السرائر
التي تخفى على الناس، وهي لله بواد، التمسوا دواءهن. ثم يقول:
وما دواؤهن؟ هو أن يتوب ثم لا يعود «1» . ثم قال سهل: آلة
الفقير ثلاثة أشياء: أداء فرضه وصيانة فقره وحفظ سره.
قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ [11] قال: ظاهرها ذات
الرجع بالمطر بعد المطر.
وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ [12] بالنبات، وباطنها القلب يرجع
بالندم بعد الذنب، وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ [12] الأرض
تنصدع من الموافقات بالأفعال والأقوال.
[سورة الطارق (86) : آية 16]
وَأَكِيدُ كَيْداً (16)
قوله تعالى: وَأَكِيدُ كَيْداً [16] قال: كيده بهم في الدنيا
الاستدراج والاغترار، وبالآخرة الحسرة عند نظرهم إلى إكرام
الموحدين وإعزازهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) شعب الإيمان 5/ 459 (رقم 7282) وسير أعلام النبلاء 4/ 259.
(1/191)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ
فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ
غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا
مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى
(7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ
الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10)
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ
الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ
فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)
السورة التي يذكر فيها الأعلى جلّ وعلا
[سورة الأعلى (87) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)
قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [1] قال: هو
تنزيهه عن الأضداد والأنداد في الظاهر، وفي الباطن مشاهدته
بالذكر في الصلاة دون مشاهدة غيره.
[سورة الأعلى (87) : آية 3]
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3)
قوله تعالى: قَدَّرَ فَهَدى [3] قال: قدر عليهم الشقاوة
والسعادة، ثم تولى أهل السعادة، ووكل أهل الشقاوة إلى أنفسهم،
قال: والهدى هدايان: أحدهما البيان، والآخر التولي من الله
تعالى، ألا ترون كيف يهتدي إلى سبب معاشه إلى ثدي أمه لتولي
الله إياه وإلهامه إياه.
[سورة الأعلى (87) : آية 14]
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [14] قال: أي فاز
وسعد من اتقى الله في السر والعلانية.
[سورة الأعلى (87) : آية 16]
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16)
قوله تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا [16] قال:
ما ينبغي للمؤمن أن يكون في الدنيا إلا كمثل رجل ركب خشبة في
البحر، وهو يقول: يا رب يا رب، لعل أن ينجيه منها، وما من عبد
مؤمن زهد في الدنيا إلا وكّل الله به ملكاً حكيماً يغرس في
قلبه أنواع الحكم، كما يغرس أهل الدنيا في بساتينهم من طرف
الأشجار، والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الغاشية
[سورة الغاشية (88) : الآيات 2 الى 3]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3)
قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ [2] أي ذليلة، لأن
الله تعالى أمرها أن تخشع وتذل وتفتقر إليه في الدنيا، فلم
تفعل، فأذلها في الآخرة بالذلة الباقية.
قوله تعالى: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ [3] أي عاملة في الدنيا بأنواع
البدع والضلالات، ناصبة في الآخرة بالعذاب في الدركات.
[سورة الغاشية (88) : آية 5]
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [5] أي من عين صديد قد تناهى حرها
كما قال: «حميم» أي قد بلغ في الحر منتهاه.
[سورة الغاشية (88) : الآيات 8 الى 9]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9)
قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ [8] أي نعمة وكرامة.
لِسَعْيِها راضِيَةٌ [9] في الآخرة.
[سورة الغاشية (88) : الآيات 12 الى 13]
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)
قوله تعالى: فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ [12] أي مطردة في عين
أخدود. فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [13] يعني الفرش مرفوعة، على
كل سرير سبعون فراشاً، كل فراش في ارتفاع غرفة من غرف الدنيا.
قال سهل: ذكر الله تعالى هذه النعم ليرغبهم فيها، ويحذرهم
عقوبته على قدر سلطانه، وكرامته على قدر عظيم شأنه وسلطانه،
فلم ينجع ذلك في قلوب كفار مكة فذكر قدرته كي يعتبروا،
[سورة الغاشية (88) : آية 17]
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)
فقال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ
خُلِقَتْ [17] وهو في الباطن أمر للمؤمنين بالتذلل والافتقار
إليه، فقال: انظروا إلى الإبل كيف خلقت، مع خلقتها وقوتها كيف
تنقاد لصبي يقودها فلا يكون لها تحير ولا لها دونها اختيار،
فلا تعجز أن تكون لربك كالإبل لصاحبها، ولهذا قال الرسول صلّى
الله عليه وسلّم: «كن لربك كالجمل الأنف» «1» ، يعني المطاوع،
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) في المستدرك على الصحيحين 1/ 130: (إن المؤمن كالجمل
الأنف، حيثما انقيد انقاد) .
(1/192)
وَالْفَجْرِ (1)
وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ
إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ
الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي
الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ
بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ
طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ
(12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ
رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا
مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ
رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ
فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
السورة التي يذكر فيها الفجر
[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ
(3)
قوله تعالى: وَالْفَجْرِ [1] قال: ظاهرها الفجر الصبح.
وَلَيالٍ عَشْرٍ [2] قال: يعني عشر ذي الحجة وهي الأيام
المعلومات.
وَالشَّفْعِ [3] آدم وحواء وقيل جميع ما خلق الله من الأضداد،
الليل والنهار والنور والظلمة والموت والحياة.
[سورة الفجر (89) : الآيات 3 الى 4]
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4)
وَالْوَتْرِ [3] هو الله تعالى.
وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [4] ليلة الجمع تذهب بما فيها قال:
باطنها والفجر محمد صلّى الله عليه وسلّم منه تفجرت أنوار
الإيمان وأنوار الطاعات وأنوار الكونين.
وَلَيالٍ عَشْرٍ [2] العشرة من أصحابه الذين شهد لهم بالجنة.
وَالشَّفْعِ [3] الفرض والسنة. وَالْوَتْرِ [3] نية الإخلاص
لله تعالى في الطاعات دون رؤية غيره فيهان.
وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [4] أمته وذلك السواد الأعظم كما قال
صلّى الله عليه وسلّم: «ليلة أسري بي رأيت سواداً عظيماً ما
بين السماء والأرض فقلت: ما هذا السواد يا جبريل؟ قال: هذه
أمتك ولك سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، لم تكلمهم
الخطايا، ولم يدنسوا بالدنيا لا يعرفون إلا الله» «1» ، فأقسم
الله به وبأصحابه وبأمته.
[سورة الفجر (89) : الآيات 14 الى 16]
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا
مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ
رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ
عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16)
وجواب القسم: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [14] يعني طريق
الكل عليه يجازيهم بأعمالهم فأما سالم أو غيره يقول: يجعل
رصداً من الملائكة على جسر جهنم معهم الحسك يسألون الخلق عن
الفرائض.
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ
وَنَعَّمَهُ [15] قال: يعني بعض المؤمنين إذا اختبره ربه
بالنعمة فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ [15] بما أعطاني من السعة
والرزق وذلك له استدراج واغترار. وقد قال الحسن رضي الله عنه:
لا يزال العبد بخير ما علم ما الذي يفسد عمله. ومنهم من يزين
له ما هو فيه ومنهم من تغلبه الشهوة.
وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [16]
أي قتر عليه رزقه. فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ [16] بالفقر،
يقول الله: كلا لم أبتله بالغنى لكرامته، ولم أبتله بالفقر
لهوانه علي.
ولقد حكي أن فتح الموصلي رجع إلى أهله بعد صلاة العتمة وكان
صائماً فقال: عشوني فقال: ما عندنا شيء نعشيك به: قال: فما لكم
جلوس في الظلمة؟ قالوا: ما عندنا زيت نسرج به.
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب الطب، باب من اكتوى، رقم 5378، وباب من
لم يرق، رقم 5420 وكتاب الرقاق، باب يدخل الجنة، رقم 6175.
(1/193)
يَا أَيَّتُهَا
النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ
رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
قال: فقعد يبكي من الفرح إلى الصباح وقال: إلهي مثلي يترك بلا
عشاء بلا سراج، بأي يد كانت مني يا مولاي «1» .
[سورة الفجر (89) : الآيات 27 الى 30]
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى
رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي
(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [27]
قال: هذا خطاب لنفس الروح الذي به حياة نفس الطبع والمطمئنة
المصدقة بثواب الله وعقابه.
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [28] بطريق الآخرة راضِيَةً [28] عن
الله بالله مَرْضِيَّةً [28] عنها لسكونها إلى الله عزَّ
وجلَّ.
فَادْخُلِي فِي عِبادِي [29] أي في جملة أوليائي الذين هم
عبادي حقاً وَادْخُلِي جَنَّتِي [30] قال سهل: الجنة جنتان:
أحدهما الجنة نفسها، والأخرى حياة بحياة وبقاء ببقاء.
كما روي في الخبر: يقول الملائكة للمنفردين يوم القيامة: امضوا
إلى منازلكم في الجنة، فيقولون: ما الجنة عندنا، وإنما انفردنا
لمعنى منه إلينا، لا نريد سواه حياة طيبة.
والله سبحانه وتعالى أعلم. |