تفسير التستري السورة التي يذكر فيها البلد
[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لاَ أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا
الْبَلَدِ (2) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4)
قوله تعالى: لاَ أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [1] قال: يعني مكة.
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [2] يعني يوم فتح مكة جعلناها
لك حلالاً تقتل فيها من شئت من الكفار كما قال النبي صلى الله
عليه وسلّم: «إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما
أحلت لي ساعة من نهار» «2» ، فأقسم الله تعالى بمكة لحلول نبيه
فيها إعزازاً له وإذلالاً لأعدائه.
وَوالِدٍ وَما وَلَدَ [3] قال: الوالد: آدم، وما ولد: محمد
صلّى الله عليه وسلّم. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي
كَبَدٍ [4] أي في مشقة وشدة. قال: الكبد الانتصاب، أي لقد
خلقناه في بطن أنه منتصباً. كما قال مجاهد: إن الولد يكون في
بطن أمه منتصباً كانتصاب الأم، وملك موكل به، إذا اضجعت الأم
رفع رأسه، ولولا ذلك لغرق في الدم.
[سورة البلد (90) : الآيات 10 الى 11]
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ
(11)
قوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [10] قال: بيّنّا له
طريق الخير ليتبعه، وطريق الشر ليجتنبه، كما قال: إِنَّا
هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً
[الإنسان: 3] . وقيل: يعني التدبير.
قوله تعالى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [11] قال: أي فهلا
جاوز الصراط والعقبة دونها، وفي الباطن عقبتان، إحداهما:
الذنوب التي اجترحها، يعني بين يديه كالجبل يجاوزها بعتق رقبة،
أو إطعام في يوم ذي مجاعة وشدة مسكيناً قد لزق بالتراب من
الجهد والفاقة، ويتيماً بينه
__________
(1) شعب الإيمان 7/ 230.
(2) صحيح البخاري: كتاب الجنائز، رقم 1284.
(1/194)
أَوْ إِطْعَامٌ فِي
يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ
مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا
بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)
وبينه قرابة، والعقبة الأخرى: المعرفة لا
يقدر العارف عليها إلا بحول الله وقوته على عتق رقبة نفسه عن
الهوى،
[سورة البلد (90) : الآيات 14 الى 15]
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا
مَقْرَبَةٍ (15)
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [14] ضرورة الإيمان
قواماً، لا ظلماً وطغياناً بلذة نفس الطبع.
يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ [15] فاليتيم هاهنا القلب، طعامه
الوفاء، والمسكين العارف المتحير، فطعامه ألطافه ذا مقربة عند
الله وعند الخلق ذَا مَتْرَبَةٍ [16] .
[سورة البلد (90) : الآيات 17 الى 18]
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ
وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ
الْمَيْمَنَةِ (18)
قوله تعالى: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا
بِالْمَرْحَمَةِ [17] قال: يعني بالصبر على أمر الله، والتراحم
بين الخلق.
وقد سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما الإسلام؟ فقال:
«الصبر والسماح. فقيل: ما الإيمان؟ فقال:
طيب الكلام وإطعام الطعام» «1» . قال سهل: وأطيب الكلام ذكر
الله تعالى.
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ [18] قال: يعني الميامنين على
أنفسهم من أهوال ذلك اليوم، لا يحسون بدونه، كما كانوا في
الدنيا حياة بحياة، وأزلية بأزلية، وسراً بسر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الشمس
[سورة الشمس (91) : الآيات 3 الى 4]
وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4)
قوله تعالى: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها [3] قال: يعني نور
الإيمان يجلي ظلمة الجهل، ويطفئ لهيب النار.
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها [4] قال: يعني الذنوب والإصرار
عليها يغشى نور الإيمان، فلا يشرق في القلب، ولا يظهر أثره على
الصفات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن الهوى والشهوة
يغلبان العلم والعقل» «2» والبيان، لسابق القدرة من الله عزَّ
وجلّ.
[سورة الشمس (91) : الآيات 9 الى 10]
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها
(10)
قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [9] قال: أفلح من رزق
النظر في أمر معاده.
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [10] قال: خسرت نفس أغواها الله
عزَّ وجلَّ، فلم تنظر في أمر معاده.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) في اعتقاد أهل السنة 4/ 846: (قيل للحسن: ما الإيمان؟ قال:
الصبر والسماح. قال: الصبر عن محارم الله، بفرائض الله) .
(2) تقدم الحديث في تفسير سورة البقرة، والآية (26) من سورة ص،
وهو من قول الحارث بن أسد في الحلية 10/ 88.
(1/195)
وَاللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ
الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى
(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ
وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى
(11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا
لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا
تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي
كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ
عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ
رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
السورة التي يذكر فيها الليل
[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 8]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2)
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ
لَشَتَّى (4)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ
وَاسْتَغْنى (8)
قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى [1] قال: باطنها نفس
الطبع.
وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى [2] نفس الروح.
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [3] أي ومن خلق الخوف
والرجاء، فالخوف ذكر والرجاء أنثى.
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [4] فمنه ما هو خالص ومنه ما هو
مشوب بالأحداث.
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى [5-
6] أبو بكر الصديق رضي الله عنه أعطى من نفسه وماله مجهوده،
واتقى سكونه إلى نفس الطبع، وصدق بالحسنى كلمة التوحيد.
وقيل: بالجزاء، ويقال: هو الإخلاص.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى [7] هو العود إلى الخير.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى [8] أبو جهل بخل بطاعته لله
ورسوله، واستغنى: أظهر من نفسه الاستغناء عنهما.
[سورة الليل (92) : الآيات 10 الى 11]
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ
إِذا تَرَدَّى (11)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى [10] أي نسهل عليه العمل، بعمل أهل
النار، ألا تراه كيف قال عقبه: وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ
إِذا تَرَدَّى [11] في النار.
[سورة الليل (92) : آية 13]
وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13)
وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى [13] فالآخرة نفس الروح،
والأولى نفس الطبع، يهدي واحد إلى نفس الروح، وآخر إلى نفس
الطبع.
[سورة الليل (92) : آية 17]
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)
قوله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي
مالَهُ يَتَزَكَّى [17- 18] قال: الأتقى هو الصديق هو أتقى
الناس فإن الناس أعطوا واتقوا وهو لم ير الفاني وأبقى لنفسه
الباقي كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ماذا أبقيت
لنفسك؟ قال: الله ورسوله» «1» .
[سورة الليل (92) : آية 21]
وَلَسَوْفَ يَرْضى (21)
قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يَرْضى [21] قال: يعني بما له عندنا،
وهو محل الفضل، لا محل الثواب، سراً بسر، وحياة بحياة، وأزلية
بأزلية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) شعب الإيمان 2/ 106 (رقم 1298) والحديث قاله صلّى الله
عليه وسلّم مخاطبا به أبا بكر الصديق.
(1/196)
وَالضُّحَى (1)
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا
قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا
تَقْهَرْ (9)
السورة التي يذكر فيها الضحى
[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2)
قوله تعالى: وَالضُّحى [1] قال: هو نفس الروح في الباطن.
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى [2] يعني نفس الطبع إذا سكن إلى نفس
الروح في إدامة الذكر إلى الله تعالى.
[سورة الضحى (93) : آية 4]
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4)
قوله تعالى: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى [4] قال:
ادخرت لك من المقام المحمود ومحل الشفاعة خيراً مما أعطيتك في
الدنيا من النبوة والرسالة.
[سورة الضحى (93) : الآيات 6 الى 9]
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى
(7) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا
تَقْهَرْ (9)
قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى [6] قال: يعني ألم
يجدك فرداً فآواك إلى أصحابك.
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [7] قال: أي وجدك لا تعرف قدر نفسك
فعرفك قدرك، ووجدك ضالاً عن معاني محض مودتك فسقاك من شراب
مودته بكأس محبته، فهداك إلى معرفته، وخلع عليك خلع نبوته
ورسالته ليدل بهما على قربه ووحدانيته. قال: وفيها وجه آخر:
ووجدك نفسك نفس الطبع فقير إلى سبيل المعرفة.
وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى [8] قال: وجد نفسك حيرانة والهة
إلى المعرفة بنا، فقيرة إليها، فقوى نفس روحك فأغناها بالقرآن
والحكمة. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الغنى
كثرة العرض، إنَّما الغنى غنى النفس» «1» .
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ [9] فقد ذقت طعم اليتيم.
قال: ووجه آخر: فقد علمت موقع اللطف من قلب اليتيم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) مسند إسحاق بن راهويه 1/ 332.
(1/197)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي
أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ
مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
السورة التي يذكر فيها الانشراح
[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ
(2)
قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [1] قال: ألم نوسع
لك صدرك بنور الرسالة فجعلناه معدناً للحقائق. قال: وأول الشرح
بنور الإسلام كما قال الله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ
يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الأنعام: 125] ثم
قال: يزداد المنازل بعده، فيكون الأنوار على قدر المواهب من
البصائر.
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ [2] قال: يعني أزلنا عنك السكون
إلى غيرنا من همة نفس الطبع، فجعلناك ساكناً إلينا قابلاً عنا
بنا.
[سورة الشرح (94) : الآيات 4 الى 5]
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
(5)
قوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [4] قال: وصلنا اسمك
باسمنا في الأذان والتوحيد، فلا يقبل إيمان العبد حتى يؤمن بك.
قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [5] قال: عظم الله
تعالى حال الرجاء في هذه الآية بكرمه وخفي لطفه، فذكر اليسر
مرتين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «لن يغلب عسر
يسرين» «1» ، يعني فطنة القلب والعقل يسران يغلبان نفس الطبع،
فيعيدانه إلى الإخلاص، وهو معنى الآية في الباطن، أي فإن مع
شدة نفس الطبع في افتقاره إلى ذات الحق عزَّ وجلَّ إلى نفس
الروح والعقل وفطنة القلب وهو في الباطن تسكين قلب محمد صلّى
الله عليه وسلّم على الإعانة خوفاً، فقال: إنا سلطنا على نفس
الطبع الكثيف منك لطائف نفس الروح والعقل والقلب والفهم التي
سبقت بالموهبة الجليلة قبل بدوِّ الخلق بألف عام، فغلبت نفس
الطبع.
[سورة الشرح (94) : آية 7]
فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
فَإِذا فَرَغْتَ [7] من صلاتك المكتوبة وأنت جالس فَانْصَبْ
[7] إلى ربك وارجع إليه، كما كنت قبل نفس الطبع، قبل بدوّ
الخلق، فرداً بفرد، وسراً بسر، فوهب الله له مثل منزلته
السابقة في الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن لي
مع الله وقتاً لا يسعني غيره» «2» ، هذا باطن الآية، وظاهرها
ما عليه الظاهر.
__________
(1) المستدرك على الصحيحين 2/ 329، 575.
(2) فيض القدير 4/ 6.
(1/198)
لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ
أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
وحكى أبو عمرو بن العلاء فقال: «هربنا من الحجاج «1» فدخلنا
البادية فأقمنا بها دهراً نتردد من حي إلى حي، فبينا أنا خارج
في بعض الأحياء ذات غداة متوزع الخاطر مبهم القلب ضيق الصدر،
إذ سمعت شيخاً من الأعراب مجتازاً يقول «2» : [من الخفيف]
صَبِّرِ النَّفسَ ينجلي كُلّ هَمٍّ ... إنّ في الصبر حيلةَ
المُحتالِ
ربّما تكره النفوسُ من الشيء ... له فَرجَةٌ كحلِّ العِقالِ
فلم يستتم الشيخ إنشاد البيتين حتى رأيت فارساً من بعيد ينادي:
قد مات الحجاج. قال: فسألت الشيخ عن الفرجة، فقال: الفرجة بضم
الفاء: في الحائط والعود ونحوهما، والفرجة بفتح الفاء:
في الأمر من الشدة والنوائب. قال أبو عمرو: فلم أدر بأيهما كنت
أشد سروراً، بموت الحجاج أم بهذه الفائدة «3» .
والله سبحانه وتعالى أعلم. |