تفسير التستري

السورة التي يذكر فيها التين

[سورة التين (95) : الآيات 4 الى 6]
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [4] قال: أي في أحسن قامة وأحسن صورة.
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ [5] يعني نقلناه من حال إلى حال حتى أدركه الهرم.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [6] في شبابهم، فإنهم إذا ضعفوا وشاخوا أمرنا الملائكة تكتب لهم الأعمال التي كانت تكتب لهم حال شبابهم.
فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [6] أي لا ينقطع عنهم أجور أعمالهم وإن ضعفوا عنها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي (40- 95 هـ) : قائد، داهية، خطيب. ثبتت له إمارة العراق عشرين سنة. (الأعلام 2/ 168) . [.....]
(2) البيتان لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص 111- 112 ولأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص 444 وله أو لحنيف بن عمير أو لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب في شرح شواهد المغني 2/ 707.
(3) شرح شواهد المغني 2/ 707 وخزانة الأدب 2/ 544.

(1/199)


كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)

السورة التي يذكر فيها العلق

[سورة العلق (96) : آية 6]
كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6)
قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى [6] قال: أي رؤية الغنى تورث الاستغناء، والاستغناء يورث الطغيان. وقد قال الحسن رحمة الله عليه: لقد قصر نظر عبد زويت عنه الدنيا، ثم لم يعلم أن ذلك نظر من الله، لقد قصر علم عبد بسطت له الدنيا، فلم يخش أن يكون ذلك مكراً من الله تعالى يمكر به «1» . ثم قال: والله ما بسطت الدنيا لعبد إلا طغى كائناً من كان، ثم تلا قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [6- 7] .

[سورة العلق (96) : آية 14]
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14)
قوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى [14] قال: ليس له وراء، وهو وراء كل وراء.

[سورة العلق (96) : الآيات 17 الى 18]
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18)
قوله تعالى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ [17] قال: يعني عشيرته.
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [18] يعني خزنة جهنم، أرجلهم في الأرض ورؤوسهم في السماء الدنيا. وإنما سموا الزبانية من الزبن وهو الدفع، يدفعون الجهنميين في قفاهم بأيديهم وأرجلهم.
فلما سمع أبو جهل ذكر الزبانية هرب إلى قومه، فقالوا له: أخِفْتَه؟ فقال: لا، ولكن خفت الزبانية، لا أدري من هم.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

السورة التي يذكر فيها القدر

[سورة القدر (97) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [1] قال: ليلة القدر قدرت فيها الرحمة على عباده.

[سورة القدر (97) : الآيات 4 الى 5]
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
قوله تعالى: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ [4- 5] أي سلام من الظلمة أوقات العارفين به، والقائمين معه على حدود الأحكام في الأوامر والنواهي.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) في الحلية 7/ 68 أن سفيان الثوري قال: (ما بسطت الدنيا على أحد إلا اغترارا، وما زويت عنه إلا اختبارا) .

(1/200)


وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)

السورة التي يذكر فيها البينة

[سورة البينة (98) : آية 5]
وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
قوله تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [5] قال: العلم كله في الحركات حتى يصير إلى الإخلاص، فإذا بلغ إلى الإخلاص صار طمأنينة، فمن كان علمه يقيناً وعمله إخلاصاً أذهب الله عنه ثلاثة أشياء، الجزع والجهل والعمل، وأعطاه بدل الجزع الصبر، وبدل الجهل العلم، وبدل العلم ترك الاختيار، ولا يكون هذا إلا للمتقين.
قيل: وما الإخلاص؟ قال: الإجابة، فمن لم تكن له الإجابة فلا إخلاص له.
وقال: الإخلاص على ثلاث معان: إخلاص العبادة لله، وإخلاص العمل له، وإخلاص القلب له.

[سورة البينة (98) : آية 8]
جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
قوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [8] قال: الخشية سر، والخشوع علانية، من خشعت جوارحه لم يقربه الشيطان. قيل: فما الخشوع؟ قال: الوقوف بين يدي الله، والصبر على ذلك. قال: وكمال الخشية ترك الآثام في السر والعلانية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

السورة التي يذكر فيها الزلزلة

[سورة الزلزلة (99) : الآيات 6 الى 8]
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً [6] قال: يتبع كل أحد ما كان يعتمده، فمن اعتمد فضل الله اتبع فضله، ومن اعتمد عمله اتبع عمله، ومن اعتمد الشفاعة اتبع الشفاعة.
قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [7] قال: لما نزلت هذه الآية خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال في خطبته: «ألا وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق، يقضي فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار، ألا فاعلموا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [7- 8] » «1» .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إتمام التقوى أن يتقي الله عبده، حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراماً يكون حجاباً بينه وبين الحرام «2» .
__________
(1) الحلية 1/ 264- 265 وكتاب الأم 1/ 202.
(2) الزهد لابن مبارك 1/ 18.

(1/201)


قال سهل: لا تستصغر شيئاً من الذنوب وإن قل، فإنهم قالوا: أربعة بعد الذنب أشد من الذنب: الإصرار والاستبشار والاستصغار والافتخار.
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنهما: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الكافر يرى ذنوبه كذبابة وقعت على أنفه فقال هكذا بيده فطارت «1» .
ثم قال سهل: معشر المسلمين لقد أعقبتم الإقرار باللسان واليقين في القلب، أن الله واحد ليس كمثله شيء، وإن لكم يوماً يبعثكم فيه ويسألكم فيه عن مثاقيل الذر من أعمالكم، فإن كان خيراً أثابكم فيه، وإن كان شراً عاقبكم عليه إن شاء، فحققوه بالفعل.
قيل له: وكيف لنا أن نحققه بالفعل؟
قال: بخمسة أشياء لا بد لكم منها: أكل الحلال، ولبس الحلال، وحفظ الجوارح، وأداء الحقوق كما أمرتم به، وكف الأذى عن المسلمين، كيلا يذهب بأعمالكم قصاصاً في القيامة، ثم استعينوا على ذلك كله بالله حتى يتمها لكم.
قيل له: فكيف تصح للعبد هذه الأحوال؟
قال: لا بد له من عشرة أشياء يدع منها خمساً ويتمسك بخمس ويدع وساوس العدو، ويتبع العقل فيما يزجره، ويدع اهتمامه لأمر الدنيا ويتركها لأهلها، ويهتم بالآخرة ويعين أهلها ويدع اتباعه الهوى ويتقي الله على كل حال، ويترك المعصية ويشتغل بالطاعة، ويدع الجهل والإقامة عليه حتى يحكم عمله، ويطلب العلم ويعمل به.
قيل له: وكيف لنا أن نقيمها ونعمل بها؟
قال: لا بد من أربعة أشياء: لا يتعب نفسه فيما كان مصيره إلى التراب، ولا يرغب فيه، ولا يتخذ إخواناً مصيرهم إلى التراب، ولا يرغب فيهم.
قيل: كيف ذلك؟
قال: يعلم أنه عبد، مولاه عالم بحاله، شاهد، قادر على فرحه وترحه، رحيم به «2» .
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سنن الترمذي 4/ 658 (رقم 2492) وسنن البيهقي الكبرى 10/ 188 ومسند أحمد 1/ 383 وجامع العلوم والحكم 1/ 174 والزهد لابن مبارك 1/ 23 والزهد لهناد 2/ 448 وفيض القدير 2/ 372.
(2) وردت أقوال التستري وما سئل عنه في الحلية 10/ 208- 209.

(1/202)