تفسير التستري إِنَّ الْإِنْسَانَ
لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
السورة التي يذكر فيها العاديات
[سورة العاديات (100) : الآيات 6 الى 8]
إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلى
ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
(8)
قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [6] قال:
الكنود الكفور، وهو الذي خالف العهد وجانب الصدق وألف الهوى،
فحينئذ يؤيسه الله من كل بر وتقوى.
وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ [7] يعني الله شهيد على أفعاله
وأحواله وأسراره.
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [8] قال: الخير المراد
هاهنا ثلاث: حب النفس وحب الدنيا وحب الهوى، فسماها خيراً
لتعارف أهلها، وإنما الخير ثلاث: الاستغناء عن الخلق والافتقار
إلى الله عزَّ وجلَّ وأداء الأمر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها القارعة
[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا
الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ
الْمَبْثُوثِ (4)
قوله تعالى: الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ [1- 2] قال: يقرع
الله أعداءه بالعذاب.
وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ [3] تعظيم لها ولشدتها وكل شيء
في القرآن، وما أدراك فإنه لم يخبر به، كما قال: وَما
يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزاب: 63]
ولم يخبره بها إلا قوله تعالى: وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ
[3] ثم أخبره عنها.
قوله تعالى: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ
[4] يعني يجول بعضهم في بعض من هيبة الله عزَّ وجلَّ. وقيل:
القرع ثلاث، القرع للأبدان بسهام الموت، وقرع الأعمال بسؤال
الله إياهم، وقرع القلوب بخوف القطيعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها التكاثر
[سورة التكاثر (102) : آية 3]
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
قوله تعالى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [3] قال سهل: سيعلم من
أعرض عني أنه لا يجد مثلي، وأنشد: [من الوافر]
ستذكرني إذا جرَّبتَ غيري ... وتعلم أنني كنت لك كنزا
[سورة التكاثر (102) : آية 5]
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
قوله تعالى: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [5]
قال: اليقين النار، والإقرار باللسان فتيلة، والعمل زيته،
وابتداء اليقين بالمكاشفة، ثم المعاينة، والمشاهدة.
[سورة التكاثر (102) : الآيات 7 الى 8]
ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ
لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
قوله تعالى: لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ [7] قال: عين
اليقين ليس هو من اليقين، لكنه نفس الشيء وكليته. ثُمَّ
لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [8] قال: لا تأتي
على الخلق من الجن والإنس ساعة من ساعات الليل والنهار إلا
ولله عليهم فيها حق واجب، عرفه من عرفه، وجهله من جهله فيتثبت
أحوالهم يوم القيامة، ثم قرأ: لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ
النَّعِيمِ [8] .
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1/203)
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
السورة التي يذكر فيها العصر
[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
قوله تعالى: وَالْعَصْرِ [1] قيل: أي ورب الدهر. وقيل: أراد به
والعصر.
إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [2] يعني أبا لهب خسر أيامه
كلها.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [3] يعني
أدوا الفرائض كما فرضت عليهم.
وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ [3] أي بالله عزَّ وجلَّ.
وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [3] على أمره.
قيل: ما الصبر؟ قال: لا عمل أفضل من الصبر، ولا ثواب أكبر من
ثواب الصبر ولا زاد إلا التقوى، ولا تقوى إلا بالصبر، ولا معين
على الصبر لله إلا الله عزَّ وجلَّ «1» .
قيل: الصبر من الأعمال؟ قال: نعم الصبر من العمل بمنزلة الرأس
من الجسد، لا يصلح أحدهما إلا بصاحبه.
قيل: ما أجل الصبر؟ قال: أجله انتظار الفرج من الحق.
قيل: فما أصل الصبر؟ قال: مجاهدة النفس على إقامة الطاعات
وأدائها بأحكامها وحدودها ومكابدتها على اجتناب المعاصي صغيرها
وكبيرها.
قيل: والناس في الصبر كيف هم؟ قال: الناس في الصبر صنفان: فصنف
يصبرون للدنيا حتى ينالوا منها ما تشتهي أنفسهم، فهو الصبر
المذموم، وصنف يصبرون للآخرة طلباً لثواب الآخرة وخوفاً من
عذابها.
قيل: فالصبر للآخرة هو على نوع واحد أو على أنواع؟ قال: الصبر
للآخرة له أربع مقامات:
فثلاث منها فرض، والرابع فضيلة: صبر على طاعة الله عزَّ وجلَّ
وصبر على معصيته وصبر على المصائب من عنده «2» . أو قال: صبر
على أمر الله عزَّ وجلَّ، وصبر على نهيه، وصبر على أفعال الله
عزَّ وجلَّ، فهذه ثلاث مقامات منه، وهي فرض، والمقام الرابع
فضيلة وهو الصبر على أفعال المخلوقين. قال الله تعالى: وَإِنْ
عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:
126] الآية، كم بالمثل وفضل الصبر، ثم قال: وَاصْبِرْ وَما
صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل: 127] ولا يعين عليه إلا هو.
ولقد لحق رجل بأويس القرني رحمه الله فسمعه يقول: اللهم إني
أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة وبدن عاري، فإنه ليس في بيتي
من الطعام إلا ما في بطني، وليس شيء من الدنيا إلا ما على
ظهري. قال: وعلى ظهره خريقة قد تردى بها «3» .
__________
(1) الحلية 10/ 198 وطبقات الصوفية 1/ 171 وسير أعلام النبلاء
13/ 331.
(2) قوت القلوب 1/ 331، 351- 352، وهو قول الحسن البصري.
(3) شعب الإيمان 1/ 524 وصفوة الصفوة 3/ 53- 54 والحلية 2/ 87
وسير أعلام النبلاء 4/ 30.
(1/204)
وَيْلٌ لِكُلِّ
هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ
فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
قال: وأتاه رجل فقال له: يا أويس كيف
أصبحت؟ أو قال: وكيف أمسيت؟ قال: أحمد الله على كل حال، وما
تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظن أنه لا يمسي، وإذا أمسى ظن أنه
لا يصبح، إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحاً، وإن حق الله عزَّ
وجلَّ في مال المسلم لم يدع له في ماله فضة ولا ذهباً، وإن
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع لمؤمن صديقاً، نأمر
بالمعروف فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك من الفاسقين
أعواناً، حتى والله لقد قذفوني بالعظائم، وأيم الله لا أدع أن
أقوم لله فيهم بحقه، ثم أخذ الطريق «1» . فهذا أويس قد بلغ هذا
المقام في الصبر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الهمزة
[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً
وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ [1] يعني المغتاب إذا غاب
الرجل عنه اغتابه.
لُمَزَةٍ [1] يعني الطاعن إذا رآه طعن فيه، نزلت في الوليد بن
المغيرة.
الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ [2] قال: استعبد ماله
لدنياه.
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ [3] قال: أي أخلده لدار
البقاء. وقيل: أخلده من الموت.
[سورة الهمزة (104) : آية 6]
نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
قوله تعالى: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [6] أي لا تخمد بأكل
الجلد واللحم، حتى يخلص حرها إلى القلوب. والنيران أربعة: نار
الشهوة ونار الشقاوة ونار القطيعة ونار المحبة. فنار الشهوة
تحرق الطاعات، ونار الشقاوة تحرق التوحيد، ونار القطيعة تحرق
القلوب، ونار المحبة تحرق النيران كلها.
ولقد حكي أن علي بن الحسين «2» رضي الله عنه دخل مغارة مع
أصحاب له، فرأى امرأة في المغارة وحدها، فقال لها: من أنت؟
قالت: أمة من إماء الله، إليك عني لا يذهب الحب. فقال لها علي
رضي الله عنه: وما الحب؟ قالت: أخفى من أن يرى، وأبين من أن
يخفى، كمونه في الحشاء ككمون النار في الحجر، إن قدحته أورى
وإن تركته توارى «3» ، ثم أنشأت تقول:
[من البسيط]
إنَّ المحبينَ في شغلٍ لسيِّدهم ... كَفِتيَة الكهفِ لا يدرون
كم لبثوا
__________
(1) كتاب الزهد الكبير 2/ 219 وصفوة الصفوة 3/ 53 وسير أعلام
النبلاء 4/ 30، 33.
(2) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي (38- 94
هـ) : يلقب بزين العابدين. أحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم
والورع. كان يقوت مائة بيت سرا. (الأعلام 4/ 277) .
(3) ذم الهوى ص 346 وربيع الأبرار 4/ 23 وتزيين الأسواق ص 30
ومصارع العشاق 1/ 175، 2/ 217 والظرف والظرفاء ص 159.
(1/205)
|