تفسير الجلالين = 38 سُورَة ص
(1/597)
مَكِّيَّة وَآيَاتهَا 86 أَوْ 88 آيَة
نَزَلَتْ بَعْد الْقَمَر بسم الله الرحمن الرحيم
(1/598)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي
الذِّكْرِ (1)
{ص} اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِهِ
{وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر} أَيْ الْبَيَان أَوْ الشَّرَف
وَجَوَاب هَذَا الْقَسَم مَحْذُوف أَيْ مَا الْأَمْر كَمَا
قَالَ كُفَّار مَكَّة مِنْ تَعَدُّد الْآلِهَة
(1/598)
بَلِ الَّذِينَ
كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} مِنْ أَهْل
مَكَّة {فِي عِزَّة} حَمِيَّة وَتَكَبُّر عَنْ الْإِيمَان
{وَشِقَاق} خِلَاف وَعَدَاوَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/598)
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
{كَمْ} أَيْ كَثِيرًا {أَهْلَكْنَا مِنْ
قَبْلهمْ مِنْ قَرْن} أَيْ أُمَّة مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة
{فَنَادَوْا} حِين نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ {وَلَاتَ حِين
مَنَاص} أَيْ لَيْسَ الْحِين حِين فِرَار وَالتَّاء زَائِدَة
وَالْجُمْلَة حَال مِنْ فَاعِل نَادَوْا أَيْ اسْتَغَاثُوا
وَالْحَال أَنْ لَا مَهْرَب وَلَا مَنْجَى وَمَا اعْتَبَرَ
بِهِمْ كُفَّار مَكَّة
(1/598)
وَعَجِبُوا أَنْ
جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا
سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)
{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر
مِنْهُمْ} رَسُول مِنْ أَنْفُسهمْ يُنْذِرهُمْ وَيُخَوِّفهُمْ
النَّار بَعْد الْبَعْث وَهُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَقَالَ الْكَافِرُونَ} فيه وضع الظاهر
موضع المضمر {هذا ساحر كذاب}
(1/598)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ
إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
{أَجَعَلَ الْآلِهَة إلَهًا وَاحِدًا}
حَيْثُ قَالَ لَهُمْ قُولُوا لَا إلَه إلَّا اللَّه أَيْ
كَيْفَ يَسَع الْخَلْق كُلّهمْ إلَه وَاحِد {إنَّ هَذَا
لَشَيْء عُجَاب} أَيْ عَجِيب
(1/598)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ
مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ
هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
{وَانْطَلَقَ الْمَلَأ مِنْهُمْ} مِنْ
مَجْلِس اجْتِمَاعهمْ عِنْد أَبِي طَالِب وَسَمَاعهمْ فِيهِ
مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُولُوا لَا
إلَه إلَّا اللَّه {أَنِ امْشُوا} يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ
امْشُوا {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتكُمْ} اُثْبُتُوا عَلَى
عِبَادَتهَا {إنَّ هذا} المذكور من التوحيد {لَشَيْء يُرَاد}
مِنَّا
(1/598)
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا
فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّة
الْآخِرَة} أَيْ مِلَّة عِيسَى {إنْ} مَا {هَذَا إلَّا
اخْتِلَاق} كذب
(1/598)
أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ
الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي
بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)
{أَأُنْزِلَ} بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ
وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا عَلَى
الْوَجْهَيْنِ وَتَرْكه {عَلَيْهِ} عَلَى مُحَمَّد {الذِّكْر}
أَيْ الْقُرْآن {مِنْ بَيْننَا} وَلَيْسَ بِأَكْبَرِنَا ولا
أشرفنا أي لم ينزل عليه قال تعالى {بَلْ هُمْ فِي شَكّ مِنْ
ذِكْرِي} وَحْيِي أَيْ الْقُرْآن حَيْثُ كَذَّبُوا الْجَائِي
بِهِ {بَلْ لَمَّا} لَمْ {يَذُوقُوا عَذَاب} وَلَوْ ذَاقُوهُ
لَصَدَّقُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيمَا جَاءَ بِهِ وَلَا يَنْفَعهُمْ التَّصْدِيق حِينَئِذٍ
(1/598)
أَمْ عِنْدَهُمْ
خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
{أَمْ عِنْدهمْ خَزَائِن رَحْمَة رَبّك
الْعَزِيز} الْغَالِب {الْوَهَّاب} مِنْ النُّبُوَّة
وَغَيْرهَا فَيُعْطُونَهَا مَنْ شَاءُوا
1 -
(1/599)
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا
فِي الْأَسْبَابِ (10)
{أَمْ لَهُمْ مُلْك السَّمَاوَات
وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا} إنْ زَعَمُوا ذَلِكَ
{فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَاب} الْمُوَصِّلَة إلَى
السَّمَاء فَيَأْتُوا بِالْوَحْيِ فَيَخُصُّوا بِهِ مَنْ
شَاءُوا وَأَمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى هَمْزَة
الْإِنْكَار
1 -
(1/599)
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ
مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
{جُنْد مَا} أَيْ هُمْ جُنْد حَقِير
{هُنَالِكَ} فِي تَكْذِيبهمْ لَك {مَهْزُوم} صِفَة جُنْد {مِنْ
الْأَحْزَاب} صِفَة جُنْد أَيْضًا أَيْ كَالْأَجْنَادِ مِنْ
جِنْس الْأَحْزَاب الْمُتَحَزِّبِينَ عَلَى الْأَنْبِيَاء
قَبْلك وَأُولَئِكَ قَدْ قُهِرُوا وَأُهْلِكُوا فَكَذَا
نُهْلِك هَؤُلَاءِ
1 -
(1/599)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ
قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)
{كَذَّبَتْ قَبْلهمْ قَوْم نُوح} تَأْنِيث
قَوْم بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى {وَعَادٍ وَفِرْعَوْن ذُو
الْأَوْتَاد} كَانَ يُتَّدُ لِكُلِّ مَنْ يَغْضَب عَلَيْهِ
أَرْبَعَة أَوْتَاد يُشَدّ إلَيْهَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ
وَيُعَذِّبهُ
1 -
(1/599)
وَثَمُودُ وَقَوْمُ
لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)
{وَثَمُود وَقَوْم لُوط وَأَصْحَاب
الْأَيْكَة} أَيْ الْغَيْضَة وهم قوم شعيب عليه السلام {أولئك
الأحزاب}
1 -
(1/599)
إِنْ كُلٌّ إِلَّا
كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)
{إنْ} مَا {كُلّ} مِنْ الْأَحْزَاب {إلَّا
كَذَّبَ الرُّسُل} لِأَنَّهُمْ إذَا كَذَّبُوا وَاحِدًا
مِنْهُمْ فَقَدْ كَذَّبُوا جَمِيعهمْ لِأَنَّ دَعْوَتهمْ
وَاحِدَة وَهِيَ دَعْوَة التوحيد {فحق} وجب {عقاب}
1 -
(1/599)
وَمَا يَنْظُرُ
هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ
(15)
{وَمَا يَنْظُر} يَنْتَظِر {هَؤُلَاءِ}
أَيْ كُفَّار مَكَّة {إلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} هِيَ نَفْخَة
الْقِيَامَة تَحِلّ بِهِمْ الْعَذَاب {مَا لَهَا مِنْ فَوَاق}
بِفَتْحِ الْفَاء وَضَمّهَا رُجُوع
1 -
(1/599)
وَقَالُوا رَبَّنَا
عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
{وَقَالُوا} لَمَّا نَزَلَ {فَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ} إلَخْ {رَبّنَا عَجِّلْ لَنَا
قِطّنَا} أَيْ كِتَاب أَعْمَالنَا {قَبْل يَوْم الْحِسَاب}
قَالُوا ذَلِكَ استهزاء
1 -
(1/599)
اصْبِرْ عَلَى مَا
يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ
إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
قال تعالى} اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ
وَاذْكُرْ عَبْدنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْد} أَيْ الْقُوَّة فِي
الْعِبَادَة كَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيُفْطِر يَوْمًا وَيَقُوم
نِصْف اللَّيْل وَيَنَام ثُلُثه وَيَقُوم سُدُسه {إنَّهُ
أَوَّاب} رَجَّاعٌ إلَى مَرْضَاة اللَّه
(1/599)
1 -
(1/600)
إِنَّا سَخَّرْنَا
الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ
(18)
{إنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ
يُسَبِّحْنَ} بِتَسْبِيحِهِ {بِالْعَشِيِّ} وَقْت صَلَاة
الْعِشَاء {وَالْإِشْرَاق} وَقْت صَلَاة الضُّحَى وَهُوَ أَنْ
تُشْرِق الشَّمْس وَيَتَنَاهَى ضَوْءُهَا
1 -
(1/600)
وَالطَّيْرَ
مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
{و} سخرنا {الطير محشورة} مَجْمُوعَة
إلَيْهِ تُسَبِّح مَعَهُ {كُلّ} مِنْ الْجِبَال وَالطَّيْر
{لَهُ أَوَّاب} رَجَّاعٌ إلَى طَاعَته بِالتَّسْبِيحِ
2 -
(1/600)
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ
وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
{وَشَدَدْنَا مُلْكه} قَوَّيْنَاهُ
بِالْحَرَسِ وَالْجُنُود وَكَانَ يَحْرُس مِحْرَابه فِي كُلّ
لَيْلَة ثَلَاثُونَ أَلْف رَجُل {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة}
النُّبُوَّة وَالْإِصَابَة فِي الْأُمُور {وَفَصْل الخطاب}
البيان الشافي في كل قصد
2 -
(1/600)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ
الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
{وَهَلْ} مَعْنَى الِاسْتِفْهَام هُنَا
التَّعْجِيب وَالتَّشْوِيق إلَى اسْتِمَاع مَا بَعْده {أَتَاك}
يَا مُحَمَّد {نَبَأ الْخَصْم إذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَاب}
مِحْرَاب دَاوُدَ أَيْ مَسْجِده حَيْثُ مَنَعُوا الدُّخُول
عَلَيْهِ مِنْ الْبَاب لِشَغْلِهِ بِالْعِبَادَةِ أَيْ
خَبَرهمْ وَقِصَّتهمْ
2 -
(1/600)
إِذْ دَخَلُوا عَلَى
دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ
بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ
وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
{إذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ
مِنْهُمْ قَالُوا لا تخف} نَحْنُ {خَصْمَانِ} قِيلَ فَرِيقَانِ
لِيُطَابِق مَا قَبْله مِنْ ضَمِير الْجَمْع وَقِيلَ اثْنَانِ
وَالضَّمِير بِمَعْنَاهُمَا وَالْخَصْم يُطْلَق عَلَى
الْوَاحِد وَأَكْثَر وَهُمَا مَلَكَانِ جَاءَا فِي صُورَة
خَصْمَيْنِ وَقَعَ لَهُمَا مَا ذكر هنا عَلَى سَبِيل الْفَرْض
لِتَنْبِيهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَا وَقَعَ
مِنْهُ وَكَانَ لَهُ تِسْع وَتِسْعُونَ امْرَأَة وَطَلَبَ
امْرَأَة شَخْص لَيْسَ لَهُ غَيْرهَا وَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ
بِهَا {بَغَى بَعْضنَا عَلَى بَعْض فَاحْكُمْ بَيْننَا
بِالْحَقِّ وَلَا تَشْطُطْ} تَجُرْ {وَاهْدِنَا} أَرْشِدْنَا
{إلَى سَوَاء الصِّرَاط} وَسَط الطَّرِيق الصواب
2 -
(1/600)
إِنَّ هَذَا أَخِي
لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ
فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
{إنَّ هَذَا أَخِي} أَيْ عَلَى دِينِي
{لَهُ تِسْع وَتِسْعُونَ نَعْجَة} يُعَبَّر بِهَا عَنْ
الْمَرْأَة {ولي نعجة واحدة فقال أَكْفِلْنِيهَا} أَيْ
اجْعَلْنِي كَافِلهَا {وَعَزَّنِي} غَلَبَنِي {فِي الْخِطَاب}
أَيْ الْجِدَال وَأَقَرَّهُ الْآخَر عَلَى ذَلِكَ
(1/600)
2 -
(1/601)
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ
بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا
هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ
رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَك بِسُؤَالِ نَعْجَتك}
لِيَضُمّهَا {إلَى نِعَاجه وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاء}
الشُّرَكَاء {لِيَبْغِيَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض إلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَقَلِيل مَا هُمْ} مَا
لِتَأْكِيدِ الْقِلَّة فَقَالَ الْمَلَكَانِ صَاعِدَيْنِ فِي
صُورَتَيْهِمَا إلَى السَّمَاء قضى الرجل على نفسه فتنبه داود
قال تعالى {وَظَنَّ} أَيْ أَيْقَنَ {دَاوُد أَنَّمَا
فَتَنَّاهُ} أَوْقَعْنَاهُ فِي فِتْنَة أَيْ بَلِيَّة
بِمَحَبَّتِهِ تِلْكَ الْمَرْأَة {فاستغفر ربه وخر راكعا} أي
ساجدا {وأناب}
2 -
(1/601)
فَغَفَرْنَا لَهُ
ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ
عِنْدنَا لَزُلْفَى} أَيْ زِيَادَة خَيْر فِي الدُّنْيَا
{وَحُسْن مَآب} مَرْجِع فِي الْآخِرَة
2 -
(1/601)
يَا دَاوُودُ إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ
الْحِسَابِ (26)
{يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَة فِي
الْأَرْض} تَدَبَّرْ أَمْر النَّاس {فَاحْكُمْ بَيْن النَّاس
بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِع الْهَوَى} أَيْ هَوَى النَّفْس
{فَيُضِلّك عَنْ سَبِيل اللَّه} أَيْ عَنْ الدَّلَائِل
الدَّالَّة عَلَى تَوْحِيده {إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ
سَبِيل اللَّه} أَيْ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ {لَهُمْ
عَذَاب شَدِيد بِمَا نَسُوا} بِنِسْيَانِهِمْ {يَوْم
الْحِسَاب} الْمُرَتَّب عَلَيْهِ تَرْكهمْ الْإِيمَان وَلَوْ
أَيْقَنُوا بِيَوْمِ الْحِسَاب لَآمَنُوا فِي الدُّنْيَا
2 -
(1/601)
وَمَا خَلَقْنَا
السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ
ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ
النَّارِ (27)
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض
وَمَا بَيْنهمَا بَاطِلًا} عَبَثًا {ذَلِكَ} أَيْ خَلَقَ مَا
ذُكِرَ لَا لِشَيْءٍ {ظَنّ الَّذِينَ كَفَرُوا} مِنْ أَهْل
مَكَّة {فويل} واد {للذين كفروا من النار}
2 -
(1/601)
أَمْ نَجْعَلُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ
فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
{أَمْ نَجْعَل الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَات كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْض أَمْ
نَجْعَل الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} نَزَلَ لَمَّا قَالَ
كُفَّار مَكَّة لِلْمُؤْمِنِينَ إنَّا نُعْطِي فِي الْآخِرَة
مِثْل مَا تُعْطُونَ وَأَمْ بِمَعْنَى همزة الإنكار
2 -
(1/601)
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ
إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
{كِتَاب} خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف أَيْ
هَذَا {أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك مُبَارَك لِيَدَّبَّرُوا} أَصْله
يَتَدَبَّرُوا أُدْغِمَتْ التَّاء في الدال {آيَاته}
يَنْظُرُوا فِي مَعَانِيهَا فَيُؤْمِنُوا {وَلِيَتَذَكَّر}
يَتَّعِظ {أولوا الْأَلْبَاب} أَصْحَاب الْعُقُول
3 -
(1/601)
وَوَهَبْنَا
لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
(30)
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَان} ابْنه
{نِعْمَ الْعَبْد} أَيْ سُلَيْمَان {إنَّهُ أَوَّاب} رَجَّاعٌ
فِي التَّسْبِيح وَالذِّكْر فِي جَمِيع الْأَوْقَات
3 -
(1/601)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ
بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
{إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ} هُوَ
مَا بَعْد الزَّوَال {الصَّافِنَات} الْخَيْل جَمْع صَافِنَة
وَهِيَ الْقَائِمَة عَلَى ثَلَاث وَإِقَامَة الْأُخْرَى عَلَى
طَرَف الْحَافِر وَهُوَ مِنْ صَفَنَ يَصْفِن صُفُونًا
{الْجِيَاد} جَمْع جَوَاد وَهُوَ السَّابِق الْمَعْنَى
أَنَّهَا إذَا اُسْتُوْقِفَتْ سَكَنَتْ وَإِنْ رَكَضَتْ
سَبَقَتْ وَكَانَتْ أَلْف فَرَس عُرِضَتْ عَلَيْهِ بَعْد أَنْ
صَلَّى الظُّهْر لِإِرَادَتِهِ الْجِهَاد عَلَيْهَا لِعَدُوٍّ
فَعِنْد بُلُوغ الْعَرْض مِنْهَا تِسْعمِائَةِ غَرَبَتْ
الشَّمْس وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعَصْر فاغتم
(1/601)
3 -
(1/602)
فَقَالَ إِنِّي
أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى
تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
{فَقَالَ إنِّي أَحْبَبْت} أَيْ أَرَدْت
{حُبّ الْخَيْر} أَيْ الْخَيْل {عَنْ ذِكْر رَبِّي} أَيْ
صَلَاة الْعَصْر {حَتَّى تَوَارَتْ} أَيْ الشَّمْس
{بِالْحِجَابِ} أَيْ اسْتَتَرَتْ بِمَا يَحْجُبهَا عَنْ
الْأَبْصَار
3 -
(1/602)
رُدُّوهَا عَلَيَّ
فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
{رُدُّوهَا عَلَيَّ} أَيْ الْخَيْل
الْمَعْرُوضَة فَرَدُّوهَا {فَطَفِقَ مَسْحًا} بِالسَّيْفِ
{بِالسُّوقِ} جَمْع سَاق {وَالْأَعْنَاق} أَيْ ذَبْحهَا
وَقَطْع أَرْجُلهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّه تَعَالَى حَيْثُ
اشْتَغَلَ بِهَا عَنْ الصَّلَاة وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا
فَعَوَّضَهُ اللَّه خَيْرًا مِنْهَا وَأَسْرَعَ وَهِيَ الرِّيح
تَجْرِي بِأَمْرِهِ كَيْفَ شَاءَ
3 -
(1/602)
وَلَقَدْ فَتَنَّا
سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ
أَنَابَ (34)
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَان}
ابْتَلَيْنَاهُ بِسَلْبِ مُلْكه وَذَلِكَ لِتَزَوُّجِهِ
بِامْرَأَةٍ هَوَاهَا وَكَانَتْ تَعْبُد الصَّنَم فِي دَاره
مِنْ غَيْر عِلْمه وَكَانَ مُلْكه فِي خَاتَمه فَنَزَعَهُ
مَرَّة عِنْد إرَادَة الْخَلَاء وَوَضَعَهُ عِنْد امْرَأَته
الْمُسَمَّاة بِالْأَمِينَةِ عَلَى عَادَته فَجَاءَهَا جِنِّيّ
فِي صُورَة سُلَيْمَان فَأَخَذَهُ مِنْهَا {وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا} هُوَ ذَلِكَ الْجِنِّيّ وَهُوَ صَخْر
أَوْ غَيْره جَلَسَ عَلَى كُرْسِيّ سُلَيْمَان وَعَكَفَتْ
عَلَيْهِ الطَّيْر وَغَيْرهَا فَخَرَجَ سُلَيْمَان فِي غَيْر
هَيْئَته فَرَآهُ عَلَى كُرْسِيّه وَقَالَ لِلنَّاسِ أَنَا
سُلَيْمَان فَأَنْكَرُوهُ {ثُمَّ أَنَابَ} رَجَعَ سُلَيْمَان
إلَى مُلْكه بَعْد أَيَّام بِأَنْ وَصَلَ إلَى الْخَاتَم
فَلَبِسَهُ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيّه
3 -
(1/602)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ
لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
{قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي وَهْب لِي مُلْكًا
لَا يَنْبَغِي} لَا يَكُون {لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} أي سواي
نحو {فمن يهديه من بعدي} أي سوى الله {إنك أنت الوهاب}
3 -
(1/602)
فَسَخَّرْنَا لَهُ
الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيح تَجْرِي
بِأَمْرِهِ رُخَاء} لَيِّنَة {حَيْثُ أَصَابَ} أَرَادَ
3 -
(1/602)
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ
بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)
{وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء} يَبْنِي
الْأَبْنِيَة الْعَجِيبَة {وَغَوَّاص} فِي الْبَحْر
يَسْتَخْرِج اللُّؤْلُؤ
3 -
(1/602)
وَآخَرِينَ
مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)
{وَآخَرِينَ} مِنْهُمْ {مُقَرَّنِينَ}
مَشْدُودِينَ {فِي الْأَصْفَاد} الْقُيُود بجمع أيديهم إلى
أعناقهم
3 -
(1/602)
هَذَا عَطَاؤُنَا
فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
وقلنا له {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ}
أَعْطِ مِنْهُ مَنْ شِئْت {أو أمسك} عن الإعطاء {بغيرحساب}
أَيْ لَا حِسَاب عَلَيْك فِي ذَلِكَ
4 -
(1/602)
وَإِنَّ لَهُ
عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
{وَإِنَّ لَهُ عِنْدنَا لَزُلْفَى وَحُسْن
مَآب} تَقدَمَ مثله
4 -
(1/602)
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا
أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ
بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
{وَاذْكُرْ عَبْدنَا أَيُّوب إذْ نَادَى
رَبّه أَنِّي} أَيْ بِأَنِّي {مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ}
ضُرّ {وَعَذَاب} أَلَمْ وَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى الشَّيْطَان
وَإِنْ كَانَتْ الْأَشْيَاء كُلّهَا مِنْ اللَّه تَأَدُّبًا
مَعَهُ تَعَالَى
(1/602)
4 -
(1/603)
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ
هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
وقيل له {اركض} اضْرِبْ {بِرِجْلِك}
الْأَرْض فَضَرَبَ فَنَبَعَتْ عَيْن مَاء فَقِيلَ {هَذَا
مُغْتَسَل} مَاء تَغْتَسِل بِهِ {بَارِد وَشَرَاب} تَشْرَب
مِنْهُ فَاغْتَسَلَ وَشَرِبَ فَذَهَبَ عَنْهُ كُلّ دَاء كَانَ
بِبَاطِنِهِ وَظَاهِره
4 -
(1/603)
وَوَهَبْنَا لَهُ
أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى
لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْله وَمِثْلهمْ
مَعَهُمْ} أَيْ أَحْيَا اللَّه لَهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَاده
وَرَزَقَهُ مِثْلهمْ {رَحْمَة} نِعْمَة {مِنَّا وَذِكْرَى}
عِظَة {لِأُولِي الْأَلْبَاب} لِأَصْحَابِ الْعُقُول
4 -
(1/603)
وَخُذْ بِيَدِكَ
ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ
صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
{وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا} هُوَ حُزْمَة
مِنْ حَشِيش أَوْ قُضْبَان {فَاضْرِبْ بِهِ} زَوْجَتك وَكَانَ
قَدْ حَلَفَ لِيَضْرِبهَا مِائَة ضَرْبَة لِإِبْطَائِهَا
عَلَيْهِ يَوْمًا {وَلَا تَحْنَث} بِتَرْكِ ضَرْبهَا فَأَخَذَ
مِائَة عُود مِنْ الْإِذْخِر أَوْ غَيْره فَضَرَبَهَا بِهِ
ضَرْبَة وَاحِدَة {إنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ
الْعَبْد} أَيُّوب {إنَّهُ أَوَّاب} رَجَّاعٌ إلَى اللَّه
تَعَالَى
4 -
(1/603)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي
وَالْأَبْصَارِ (45)
{وَاذْكُرْ عِبَادنَا إبْرَاهِيم
وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أُولِي الْأَيْدِي} أَصْحَاب الْقَوَى
فِي الْعِبَادَة {وَالْأَبْصَار} الْبَصَائِر فِي الدِّين
وَفِي قِرَاءَة عَبْدنَا وَإِبْرَاهِيم بَيَان لَهُ وَمَا
بَعْده عُطِفَ عَلَى عَبْدنَا
4 -
(1/603)
إِنَّا
أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
{إنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} هِيَ
{ذِكْرَى الدَّار} الْآخِرَة أَيْ ذِكْرهَا وَالْعَمَل لَهَا
وَفِي قِرَاءَة بِالْإِضَافَةِ وهي للبيان
4 -
(1/603)
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا
لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)
{وَإِنَّهُمْ عِنْدنَا لَمِنَ
الْمُصْطَفَيْنَ} الْمُخْتَارِينَ {الْأَخْيَار} جَمْع خير
بالتشديد
4 -
(1/603)
وَاذْكُرْ
إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ
الْأَخْيَارِ (48)
{وَاذْكُرْ إسْمَاعِيل وَاَلْيَسَع} وَهُوَ
نَبِيّ وَاللَّام زَائِدَة {وَذَا الْكِفْل} اُخْتُلِفَ فِي
نُبُوَّته قِيلَ كَفَلَ مئة نَبِيّ فَرُّوا إلَيْهِ مِنْ
الْقَتْل {وَكُلّ} أَيْ كُلّهمْ {مِنْ الْأَخْيَار} جَمْع
خَيِّر بِالتَّثْقِيلِ
4 -
(1/603)
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
{هَذَا ذِكْر} لَهُمْ بِالثَّنَاءِ
الْجَمِيل هُنَا {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} الشَّامِلِينَ
لَهُمْ {لَحُسْن مَآب} مَرْجِع فِي الآخرة
5 -
(1/603)
جَنَّاتِ عَدْنٍ
مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)
{وجنات عَدْن} بَدَل أَوْ عَطْف بَيَان
لَحُسْن مَآب {مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب} مِنْهَا
5 -
(1/603)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا
يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)
{متكئين فيها} على الأرائك {يدعون فيها
بفاكهة كثيرة وشراب}
5 -
(1/603)
وَعِنْدَهُمْ
قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
{وَعِنْدهمْ قَاصِرَات الطَّرْف} حَابِسَات
الْعَيْن عَلَى أَزْوَاجهنَّ {أَتْرَاب} أَسْنَانهنَّ وَاحِدَة
وَهُنَّ بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سَنَة جَمْع تَرْب
5 -
(1/603)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ
لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53)
{هذا} المذكور {ما يوعدون} بِالْغِيبَةِ
وَبِالْخِطَابِ الْتِفَاتًا {لِيَوْمِ الْحِسَاب} أَيْ
لِأَجْلِهِ
5 -
(1/603)
إِنَّ هَذَا
لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)
{إنَّ هَذَا لَرِزْقنَا مَا لَهُ مِنْ
نَفَاد} أَيْ انْقِطَاع وَالْجُمْلَة حَال مِنْ رِزْقنَا أَوْ
خَبَر ثَانٍ لِإِنَّ أَيْ دَائِمًا أَوْ دَائِم
5 -
(1/603)
هَذَا وَإِنَّ
لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
{هذا} المذكور للمؤمنين {وإن للطاغين}
مستأنف {لشر مآب}
5 -
(1/603)
جَهَنَّمَ
يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)
{جَهَنَّم يَصْلَوْنَهَا} يَدْخُلُونَهَا
{فَبِئْسَ الْمِهَاد} الْفِرَاش
(1/603)
5 -
(1/604)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ
حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
{هَذَا} أَيْ الْعَذَاب الْمَفْهُوم مِمَّا
بَعْده {فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم} أَيْ مَاء حَارّ مُحْرِق
{وَغَسَّاق} بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد مَا يَسِيل مِنْ
صَدِيد أَهْل النَّار
5 -
(1/604)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ
أَزْوَاجٌ (58)
{وَآخَر} بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَاد {مِنْ
شَكْله} أَيْ مِثْل الْمَذْكُور مِنْ الْحَمِيم وَالْغَسَّاق
{أَزْوَاج} أَصْنَاف أَيْ عَذَابهمْ مِنْ أَنْوَاع مُخْتَلِفَة
5 -
(1/604)
هَذَا فَوْجٌ
مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو
النَّارِ (59)
وَيُقَال لَهُمْ عِنْد دُخُولهمْ النَّار
بِأَتْبَاعِهِمْ {هَذَا فوج} جمع {مقتحم} دَاخِل {مَعَكُمْ}
النَّار بِشِدَّةٍ فَيَقُول الْمُتَّبِعُونَ {لَا مرحبا بهم}
أي لا سعة عليهم {إنهم صالو النار}
6 -
(1/604)
قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ
لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ
الْقَرَارُ (60)
{قَالُوا} أَيْ الْأَتْبَاع {بَلْ أَنْتُمْ
لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ} أَيْ الْكُفْر
{لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَار} لَنَا وَلَكُمْ النَّار
6 -
(1/604)
قَالُوا رَبَّنَا مَنْ
قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ
(61)
{قَالُوا} أَيْضًا {رَبّنَا مَنْ قَدَّمَ
لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا} أَيْ مِثْل عَذَابه
عَلَى كفره {في النار}
6 -
(1/604)
وَقَالُوا مَا لَنَا
لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)
{وَقَالُوا} أَيْ كُفَّار مَكَّة وَهُمْ
فِي النَّار {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدّهُمْ}
في الدنيا {من الأشرار}
6 -
(1/604)
أَتَّخَذْنَاهُمْ
سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
{أَتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا} بِضَمِّ
السِّين وَكَسْرهَا كُنَّا نَسْخَر بِهِمْ فِي الدُّنْيَا
وَالْيَاء لِلنَّسَبِ أَيْ أَمَفْقُودُونَ هُمْ {أَمْ زَاغَتْ}
مَالَتْ {عَنْهُمُ الْأَبْصَار} فَلَمْ تَرَهُمْ وَهُمْ
فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ كَعَمَّارٍ وَبِلَال وَصُهَيْب وسلمان
6 -
(1/604)
إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ
تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
{إنَّ ذَلِكَ لَحَقّ} وَاجِب وُقُوعه
وَهُوَ {تَخَاصُم أَهْل النَّار} كَمَا تَقَدَّمَ
6 -
(1/604)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا
مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ
الْقَهَّارُ (65)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لِكُفَّارِ مَكَّة
{إنَّمَا أَنَا مُنْذِر} مُخَوِّف بِالنَّارِ {وَمَا مِنْ إلَه
إلَّا الله الواحد القهار} لخلقه
6 -
(1/604)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)
{رب السماوات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا
الْعَزِيز} الْغَالِب عَلَى أَمْره {الغفار} لأوليائه
6 -
(1/604)
قُلْ هُوَ نَبَأٌ
عَظِيمٌ (67)
{قل} لهم {هو نبأ عظيم}
6 -
(1/604)
أَنْتُمْ عَنْهُ
مُعْرِضُونَ (68)
{أنتم عنه معرضون} أي الْقُرْآن الَّذِي
أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ وَجِئْتُكُمْ فِيهِ بِمَا لا يعلم إلا
بوحي وهو قوله
6 -
(1/604)
مَا كَانَ لِيَ مِنْ
عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
{مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَإِ
الْأَعْلَى} أَيْ الْمَلَائِكَة {إذْ يَخْتَصِمُونَ} فِي شَأْن
آدَم حين قال الله تَعَالَى {إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض
خَلِيفَة} إلَخْ
7 -
(1/604)
إِنْ يُوحَى إِلَيَّ
إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)
{إنْ} مَا {يُوحَى إلَيَّ إلَّا أَنَّمَا
أَنَا} أي أني {نذير مبين} بين الإنذار
7 -
(1/604)
إِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)
اذكر {إذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ
إنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين} هُوَ آدَم
7 -
(1/604)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)
{فَإِذَا سَوَّيْته} أَتْمَمْته
{وَنَفَخْت} أَجْرَيْت {فِيهِ مِنْ رُوحِي} فَصَارَ حَيًّا
وَإِضَافَة الرُّوح إلَيْهِ تَشْرِيف لِآدَم وَالرُّوح جِسْم
لَطِيف يَحْيَا بِهِ الْإِنْسَان بِنُفُوذِهِ فِيهِ {فَقَعُوا
لَهُ سَاجِدِينَ} سُجُود تَحِيَّة بِالِانْحِنَاءِ
7 -
(1/604)
فَسَجَدَ
الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)
{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ
أَجْمَعُونَ} فِيهِ تَأْكِيدَانِ
(1/604)
7 -
(1/605)
إِلَّا إِبْلِيسَ
اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)
{إلَّا إبْلِيس} هُوَ أَبُو الْجِنّ كَانَ
بَيْن الْمَلَائِكَة {اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ}
فِي عِلْم اللَّه تعالى
7 -
(1/605)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ
مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ
أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
{قَالَ يَا إبْلِيس مَا مَنَعَك أَنْ
تَسْجُد لِمَا خَلَقْت بِيَدَيّ} أَيْ تَوَلَّيْت خَلْقه
وَهَذَا تَشْرِيف لِآدَم فَإِنَّ كُلّ مَخْلُوق تَوَلَّى
اللَّه خلقه {أستكبرت} الآن عن السجود استفهام توبيخ {أَمْ
كُنْت مِنَ الْعَالِينَ} الْمُتَكَبِّرِينَ فَتَكَبَّرْت عَنْ
السجود لكونك منهم
7 -
(1/605)
قَالَ أَنَا خَيْرٌ
مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)
{قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من
طين}
7 -
(1/605)
قَالَ فَاخْرُجْ
مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا} أَيْ مِنْ
الْجَنَّة وَقِيلَ مِنْ السَّمَاوَات {فَإِنَّك رَجِيم}
مَطْرُود
7 -
(1/605)
وَإِنَّ عَلَيْكَ
لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)
{وَإِنَّ عَلَيْك لَعْنَتِي إلَى يَوْم
الدِّين} الْجَزَاء
7 -
(1/605)
قَالَ رَبِّ
فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)
{قَالَ رَبّ فَأَنْظِرْنِي إلَى يَوْم
يُبْعَثُونَ} أَيْ الناس
8 -
(1/605)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ
الْمُنْظَرِينَ (80)
{قال فإنك من المنظرين}
8 -
(1/605)
إِلَى يَوْمِ
الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)
{إلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم} وَقْت
النَّفْخَة الْأُولَى
8 -
(1/605)
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)
{قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين}
8 -
(1/605)
إِلَّا عِبَادَكَ
مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)
{إلَّا عِبَادك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ}
أَيْ الْمُؤْمِنِينَ
8 -
(1/605)
قَالَ فَالْحَقُّ
وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
{قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول}
بِنَصْبِهِمَا وَرَفَعَ الْأَوَّل وَنَصَبَ الثَّانِي
فَنَصَبَهُ بِالْفِعْلِ بَعْده وَنَصَبَ الْأَوَّل قِيلَ
بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور وَقِيلَ عَلَى الْمَصْدَر أَيْ أُحِقّ
الْحَقّ وَقِيلَ عَلَى نَزْع حَرْف الْقَسَم وَرَفْعه عَلَى
أَنَّهُ مُبْتَدَأ مَحْذُوف الْخَبَر أَيْ فَالْحَقّ مِنِّي
وَقِيلَ فَالْحَقّ قَسَمِي وَجَوَاب الْقَسَم
8 -
(1/605)
لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
(85)
{لأملأن جهنم منك} بذريتك {وممن تبعك منهم}
أي الناس {أجمعين}
8 -
(1/605)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)
{قُلْ مَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ} عَلَى
تَبْلِيغ الرِّسَالَة {مِنْ أَجْر} جُعْل {وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُتَكَلِّفِينَ} الْمُتَقَوِّلِينَ الْقُرْآن مِنْ تِلْقَاء
نَفْسِي
8 -
(1/605)
إِنْ هُوَ إِلَّا
ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)
{إنْ هُوَ} أَيْ مَا الْقُرْآن {إلَّا
ذِكْر} عِظَة {لِلْعَالَمِينَ} لِلْإِنْسِ وَالْجِنّ
وَالْعُقَلَاء دُون الْمَلَائِكَة
8 -
(1/605)
وَلَتَعْلَمُنَّ
نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
{وَلَتَعْلَمُنَّ} يَا كُفَّار مَكَّة
{نَبَأَهُ} خَبَر صِدْقه {بَعْد حِين} أَيْ يَوْم الْقِيَامَة
وَعَلِمَ بِمَعْنَى عَرَفَ وَاللَّام قَبْلهَا لَام قَسَم
مُقَدَّر أَيْ وَاَللَّه = 39 سُورَة الزُّمَر
مَكِّيَّة إلَّا الْآيَات 52 و 53 و 54 فَمَدَنِيَّة
وَآيَاتهَا 75 نزلت بعد سبأ بسم الله الرحمن الرحيم
(1/605)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ
مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
{تنزيل الكتاب} القرآن مبتدأ {من الله}
خبره {الْعَزِيز} فِي مُلْكه {الْحَكِيم} فِي صُنْعه
(1/605)
إِنَّا أَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا
لَهُ الدِّينَ (2)
{إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك} يَا مُحَمَّد
{الْكِتَاب بِالْحَقِّ} مُتَعَلِّق بِأَنْزَل {فَاعْبُدِ
اللَّه مُخْلِصًا لَهُ الدِّين} مِنْ الشِّرْك أَيْ مُوَحِّدًا
لَهُ
(1/606)
أَلَا لِلَّهِ
الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى
اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا
هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ
كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
{أَلَا لِلَّهِ الدِّين الْخَالِص} لَا
يَسْتَحِقّهُ غَيْره {والذين اتخذوا من دونه} الْأَصْنَام
{أَوْلِيَاء} وَهُمْ كُفَّار مَكَّة قَالُوا {مَا نَعْبُدهُمْ
إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّه زُلْفَى} قُرْبَى مَصْدَر
بِمَعْنَى تَقْرِيبًا {إنَّ اللَّه يَحْكُم بَيْنهمْ} وَبَيْن
الْمُسْلِمِينَ {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} مِنْ أَمْر
الدِّين فَيَدْخُل الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّة وَالْكَافِرِينَ
النَّار {إنَّ اللَّه لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِب} فِي
نِسْبَة الْوَلَد إلَيْهِ {كُفَّار} بِعِبَادَتِهِ غير الله
(1/606)
لَوْ أَرَادَ اللَّهُ
أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)
{لَوْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يَتَّخِذ
وَلَدًا} كَمَا قَالُوا {اتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا}
{لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُق مَا يَشَاء} وَاِتَّخَذَهُ وَلَدًا
غَيْر مَنْ قَالُوا من الملائكة بنات الله وعزير بن الله
والمسيح بن اللَّه {سُبْحَانه} تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ اتِّخَاذ
الْوَلَد {هو الله الواحد القهار} لخلقه
(1/606)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ
وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ
الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
{خلق السماوات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ}
مُتَعَلِّق بخَلَقَ {يُكَوِّر} يُدْخِل {اللَّيْل عَلَى
النَّهَار} فَيَزِيد {وَيُكَوِّر النَّهَار} يُدْخِلهُ {عَلَى
اللَّيْل} فَيَزِيد {وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ
يَجْرِي} فِي فُلْكه {لِأَجَلٍ مُسَمَّى} لِيَوْمِ الْقِيَامَة
{أَلَا هُوَ الْعَزِيز} الْغَالِب عَلَى أَمْره الْمُنْتَقِم
مِنْ أَعْدَائِهِ {الْغَفَّار} لِأَوْلِيَائِهِ
(1/606)
خَلَقَكُمْ مِنْ
نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ
لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ
فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي
ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة} أَيْ
آدَم {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا} حَوَّاء {وَأَنْزَلَ
لَكُمْ مِنَ الأنعام} الإبل والبقر والغنم والضأن وَالْمَعْز
{ثَمَانِيَة أَزْوَاج} مِنْ كُلٍّ زَوْجَانِ ذَكَر وَأُنْثَى
كَمَا بَيَّنَ فِي سُورَة الْأَنْعَام {يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون
أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق} أَيْ نُطَفًا ثُمَّ
عُلَقًا ثُمَّ مُضَغًا {فِي ظُلُمَات ثَلَاث} هِيَ ظُلْمَة
الْبَطْن وَظُلْمَة الرَّحِم وَظُلْمَة الْمَشِيمَة {ذَلِكُمُ
اللَّه رَبّكُمْ لَهُ الْمُلْك لَا إلَه إلَّا هُوَ فَأَنَّى
تُصْرَفُونَ} عَنْ عِبَادَته إلَى عِبَادَة غَيْره
(1/606)
إِنْ تَكْفُرُوا
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ
الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
{إنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ
عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر} وَإِنْ
أَرَادَهُ مِنْ بَعْضهمْ {وَإِنْ تَشْكُرُوا} اللَّه
فَتُؤْمِنُوا {يَرْضَهْ} بِسُكُونِ الْهَاء وبضمها مَعَ
إشْبَاع وَدُونه أَيْ الشُّكْر {لَكُمْ وَلَا تَزِر} نَفْس
{وَازِرَة وِزْر} نَفْس {أُخْرَى} أَيْ لَا تَحْمِلهُ {ثُمَّ
إلَى رَبّكُمْ مَرْجِعكُمْ فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ إنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي
الْقُلُوب
(1/607)
وَإِذَا مَسَّ
الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ
إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو
إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ
عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ
مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ} أَيْ
الْكَافِرَ {ضُرٌّ دَعَا رَبّه} تَضَرَّعَ {مُنِيبًا} رَاجِعًا
{إلَيْهِ ثُمَّ إذَا خَوَّلَهُ نِعْمَة} أَعْطَاهُ إنْعَامًا
{مِنْهُ نَسِيَ} تَرَكَ {ما كان يدعوا} يتضرع {إليه من قبل}
وهو الله فما في موضع من {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا}
شُرَكَاء {لِيُضِلّ} بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّهَا {عَنْ
سَبِيله} دِين الْإِسْلَام {قُلْ تَمَتَّعْ بكفرك قليلا} بقية
أجلك {إنك من أصحاب النار}
(1/607)
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ
آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ
وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ
أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
{أمن} بتخفيف الميم {هُوَ قَانِت} قَائِم
بِوَظَائِف الطَّاعَات {آنَاء اللَّيْل} سَاعَاته {سَاجِدًا
وَقَائِمًا} فِي الصَّلَاة {يَحْذَر الْآخِرَة} أي يخاف عذابها
{ويرجوا رَحْمَة} جَنَّة {رَبّه} كَمَنْ هُوَ عَاصٍ
بِالْكُفْرِ أو غيره وَفِي قِرَاءَة أَمْ مَنْ فَأَمْ
بِمَعْنَى بَلْ والهمزة {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ لَا
يَسْتَوِيَانِ كَمَا لَا يَسْتَوِي العالم والجاهل {إنما
يتذكر} يتعظ {أولوا الْأَلْبَاب} أَصْحَاب الْعُقُول
(1/607)
1 -
(1/608)
قُلْ يَا عِبَادِ
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا
فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
(10)
{قُلْ يَا عِبَاد الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا رَبّكُمْ} أَيْ عَذَابه بِأَنْ تُطِيعُوهُ
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا} بِالطَّاعَةِ
{حَسَنَة} هِيَ الْجَنَّة {وَأَرْض اللَّه وَاسِعَة}
فَهَاجِرُوا إلَيْهَا مِنْ بَيْن الْكُفَّار وَمُشَاهَدَة
الْمُنْكَرَات {إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ} عَلَى
الطَّاعَة وَمَا يُبْتَلَوْنَ بِهِ {أَجْرهمْ بِغَيْرِ حِسَاب}
بِغَيْرِ مِكْيَال وَلَا مِيزَان
1 -
(1/608)
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ
أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)
{قُلْ إنِّي أُمِرْت أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ
مُخْلِصًا لَهُ الدِّين} مِنَ الشِّرْك
1 -
(1/608)
وَأُمِرْتُ لِأَنْ
أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)
{وَأُمِرْت لِأَنْ} أَيْ بِأَنْ {أَكُونَ
أَوَّل الْمُسْلِمِينَ} من هذه الأمة
1 -
(1/608)
قُلْ إِنِّي أَخَافُ
إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)
{قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}
1 -
(1/608)
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ
مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)
{قُلِ اللَّه أَعْبُد مُخْلِصًا لَهُ
دِينِي} مِنَ الشرك
1 -
(1/608)
فَاعْبُدُوا مَا
شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونه}
غَيْره فِيهِ تَهْدِيد لَهُمْ وَإِيذَان بِأَنَّهُمْ لَا
يَعْبُدُونَ اللَّه تَعَالَى {قُلْ إنَّ الْخَاسِرِينَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْم
الْقِيَامَة} بِتَخْلِيدِ الْأَنْفُس فِي النَّار وَبِعَدَمِ
وُصُولهمْ إلَى الْحُور الْمُعَدَّة لَهُمْ فِي الْجَنَّة لَوْ
آمَنُوا {أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخَسْرَان المبين} البين
1 -
(1/608)
لَهُمْ مِنْ
فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ
ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ
فَاتَّقُونِ (16)
{لَهُمْ مِنْ فَوْقهمْ ظُلَل} طِبَاق {مِنَ
النَّار وَمِنْ تَحْتهمْ ظُلَل} مِنَ النَّار {ذَلِكَ يُخَوِّف
اللَّه بِهِ عِبَاده} أَيْ الْمُؤْمِنِينَ لِيَتَّقُوهُ يَدُلّ
عليه {يا عباد فاتقون}
1 -
(1/608)
وَالَّذِينَ
اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى
اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)
{وَاَلَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوت}
الْأَوْثَان {أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا} أقبلوا {إلى الله
لهم البشري} بالجنة {فبشر عباد}
1 -
(1/608)
الَّذِينَ
يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو
الْأَلْبَابِ (18)
{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل
فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وَهُوَ مَا فِيهِ صَلَاحهمْ
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه وَأُولَئِكَ هم أولوا
الْأَلْبَاب} أَصْحَاب الْعُقُول
(1/608)
1 -
(1/609)
أَفَمَنْ حَقَّ
عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي
النَّارِ (19)
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَة
الْعَذَاب} أَيْ {لَأَمْلَأَن جَهَنَّم} الْآيَة {أَفَأَنْتَ
تُنْقِذ} تُخْرِج {مَنْ فِي النَّار} جَوَاب الشَّرْط
وَأُقِيمَ فِيهِ الظَّاهِر مَقَام الْمُضْمَر وَالْهَمْزَة
لِلْإِنْكَارِ وَالْمَعْنَى لَا تَقْدِر عَلَى هِدَايَته
فَتُنْقِذهُ مِنْ النَّار
2 -
(1/609)
لَكِنِ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ
مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ
اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقُوا رَبّهمْ}
بِأَنْ أَطَاعُوهُ {لَهُمْ غُرَف مِنْ فَوْقهَا غُرَف
مَبْنِيَّة تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار} أَيْ مِنْ
تَحْت الْغُرَف الْفَوْقَانِيَّة وَالتَّحْتَانِيَّة {وَعْد
اللَّه} مَنْصُوب بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر {لَا يُخْلِف اللَّه
الْمِيعَاد} وَعْده
2 -
(1/609)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ
فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا
أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ
يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي
الْأَلْبَابِ (21)
{أَلَمْ تَرَ} تَعْلَم {أَنَّ اللَّه
أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيع}
أَدْخَلَهُ أَمْكِنَة نَبْع {فِي الْأَرْض ثُمَّ يُخْرِج بِهِ
زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانه ثُمَّ يَهِيج} يَيْبَس
{فَتَرَاهُ} بَعْد الْخُضْرَة مَثَلًا {مُصْفَرًّا ثُمَّ
يَجْعَلهُ حُطَامًا} فُتَاتًا {إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى}
تَذْكِيرًا {لِأُولِي الْأَلْبَاب} يَتَذَكَّرُونَ بِهِ
لِدَلَالَتِهِ عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه تَعَالَى وَقُدْرَته
2 -
(1/609)
أَفَمَنْ شَرَحَ
اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ
رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ
اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره
لِلْإِسْلَامِ} فَاهْتَدَى {فَهُوَ عَلَى نُور مِنْ رَبّه}
كَمَنْ طُبِعَ عَلَى قَلْبه دَلَّ عَلَى هَذَا {فَوَيْل}
كَلِمَة عَذَاب {لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبهمْ مِنْ ذِكْر اللَّه}
أَيْ عَنْ قَبُول الْقُرْآن {أُولَئِكَ فِي ضَلَال مُبِين}
بَيِّن
2 -
(1/609)
اللَّهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
{اللَّه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيث
كِتَابًا} بَدَل مِنْ أَحْسَن أَيْ قُرْآنًا {مُتَشَابِهًا}
أَيْ يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا فِي النَّظْم وَغَيْره
{مَثَانِيَ} ثُنِيَ فِيهِ الْوَعْد وَالْوَعِيد وَغَيْرهمَا
{تَقْشَعِرّ مِنْهُ} تَرْتَعِد عِنْد ذكره وَعِيده {جُلُود
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} يَخَافُونَ {رَبّهمْ ثُمَّ تَلِينَ}
تَطْمَئِنّ {جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إلَى ذِكْر اللَّه} أَيْ
عِنْد ذِكْر وَعْده {ذَلِكَ} أَيْ الْكِتَاب {هدى الله يهدي به
من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد
(1/609)
2 -
(1/610)
أَفَمَنْ يَتَّقِي
بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ
لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
{أَفَمَنْ يَتَّقِي} يَلْقَى {بِوَجْهِهِ
سُوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة} أَيْ أَشَدّه بِأَنْ
يُلْقَى فِي النَّار مَغْلُولَة يَدَاهُ إلَى عُنُقه كَمَنْ
أَمِنَ مِنْهُ بِدُخُولِ الْجَنَّة {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ}
أَيْ كُفَّار مَكَّة {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} أَيْ
جَزَاءَهُ
2 -
(1/610)
كَذَّبَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَشْعُرُونَ (25)
{كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ}
رُسُلهمْ فِي إتْيَان الْعَذَاب {فَأَتَاهُمُ الْعَذَاب مِنْ
حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} مِنْ جِهَة لَا تَخْطِر بِبَالِهِمْ
2 -
(1/610)
فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ
الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ
أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)
{فَأَذَاقَهُمْ اللَّه الْخِزْي} الذُّلّ
وَالْهَوَان مِنْ الْمَسْخ وَالْقَتْل وَغَيْره {فِي الْحَيَاة
الدُّنْيَا وَلَعَذَاب الْآخِرَة أَكْبَر لَوْ كَانُوا} أَيْ
الْمُكَذِّبُونَ {يَعْلَمُونَ} عَذَابهَا ما كذبوا
2 -
(1/610)
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا
لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (27)
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا} جَعَلْنَا {لِلنَّاسِ
فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ كُلّ مَثَل لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ} يَتَّعِظُونَ
2 -
(1/610)
قُرْآنًا عَرَبِيًّا
غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} حَال مُؤَكِّدَة
{غَيْر ذِي عِوَج} أَيْ لَبْس وَاخْتِلَاف {لَعَلَّهُمْ
يَتَّقُونَ} الْكُفْر
2 -
(1/610)
ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا
سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ
لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
{ضَرَبَ اللَّه} لِلْمُشْرِكِ
وَالْمُوَحِّد {مَثَلًا رَجُلًا} بَدَل مِنْ مَثَلًا {فِيهِ
شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ} مُتَنَازِعُونَ سَيِّئَة أخلاقهم
{ورجلا سالما} خَالِصًا {لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}
تَمْيِيز أَيْ لَا يَسْتَوِي الْعَبْد لِجَمَاعَةٍ وَالْعَبْد
لِوَاحِدٍ فَإِنَّ الْأَوَّل إذَا طَلَبَ مِنْهُ كُلّ مِنْ
مَالِكَيْهِ خِدْمَته فِي وَقْت وَاحِد تَحَيَّرَ فِيمَنْ
يَخْدُمهُ مِنْهُمْ وَهَذَا مَثَل لِلْمُشْرِكِ وَالثَّانِي
مَثَل لِلْمُوَحِّدِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} وَحْده {بَلْ
أَكْثَرهمْ} أَيْ أَهْل مَكَّة {لَا يَعْلَمُونَ} مَا
يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ العذاب فيشركون
3 -
(1/610)
إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)
{إنَّك} خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} سَتَمُوتُ
وَيَمُوتُونَ فَلَا شَمَاتَة بِالْمَوْتِ نَزَلَتْ لَمَّا
اسْتَبْطَئُوا مَوْته صَلَّى اللَّه عليه وسلم
(1/610)
3 -
(1/611)
ثُمَّ إِنَّكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
{ثُمَّ إنَّكُمْ} أَيّهَا النَّاس فِيمَا
بَيْنكُمْ مِنْ المظالم {يوم القيامة عند ربكم تختصمون}
3 -
(1/611)
فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ
جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)
{فَمَنْ} أَيْ لَا أَحَد {أَظْلَم مِمَّنْ
كَذَّبَ عَلَى اللَّه} بِنِسْبَةِ الشَّرِيك وَالْوَلَد
إلَيْهِ {وَكَذَّبَ بِالصَّدْقِ} بِالْقُرْآنِ {إذْ جَاءَهُ
أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى} مَأْوًى {لِلْكَافِرِينَ}
بَلَى
3 -
(1/611)
وَالَّذِي جَاءَ
بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
{وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} هُوَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَصَدَّقَ بِهِ}
هُمْ الْمُؤْمِنُونَ فَاَلَّذِي بِمَعْنَى الَّذِينَ
{أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الشِّرْك
3 -
(1/611)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ
عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)
{لهم ما يشائون عِنْد رَبّهمْ ذَلِكَ
جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} لِأَنْفُسِهِمْ بِإِيمَانِهِمْ
3 -
(1/611)
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ
عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
{لِيُكَفِّر اللَّه عَنْهُمْ أَسْوَأ
الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرهمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي
كَانُوا يَعْمَلُونَ} أَسْوَأ وَأَحْسَن بمعنى السيء والحسن
3 -
(1/611)
أَلَيْسَ اللَّهُ
بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
{أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَبْده} أَيْ
النَّبِيّ بَلَى {وَيُخَوِّفُونَك} الْخِطَاب لَهُ
{بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه} أَيْ الأصنام أن تقتله أو تخبله
{ومن يضلل الله فما له من هاد}
3 -
(1/611)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ
فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي
انْتِقَامٍ (37)
{وَمَنْ يَهْدِ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ
مُضِلّ أَلَيْسَ اللَّه بِعَزِيزٍ} غَالِب عَلَى أَمْره {ذِي
انْتِقَام} مِنْ أَعْدَائِهِ بَلَى
3 -
(1/611)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ
أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ
قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ
(38)
{ولئن} لام قسم {سألتهم من خلق السماوات
والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم مَا تَدْعُونَ} تَعْبُدُونَ
{مِنْ دُون اللَّه} أَيْ الْأَصْنَام {إنْ أَرَادَنِي اللَّه
بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَات ضُرّه ?} لَا {أَوْ أَرَادَنِي
بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَات رَحْمَته} لَا وَفِي
قِرَاءَة بِالْإِضَافَةِ فِيهِمَا {قُلْ حَسْبِيَ اللَّه
عَلَيْهِ يَتَوَكَّل الْمُتَوَكِّلُونَ} يثق الواثقون
3 -
(1/611)
قُلْ يَا قَوْمِ
اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ (39)
{قُلْ يَا قَوْم اعْمَلُوا عَلَى
مَكَانَتكُمْ} حَالَتكُمْ {إنِّي عَامِل} على حالتي {فسوف
تعلمون
(1/611)
4 -
(1/612)
مَنْ يَأْتِيهِ
عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)
{من} موصول مَفْعُول الْعِلْم {يَأْتِيه
عَذَاب يُخْزِيه وَيَحِلّ} يَنْزِل {عَلَيْهِ عَذَاب مُقِيم}
دَائِم هُوَ عَذَاب النَّار وَقَدْ أَخْزَاهُمْ اللَّه
بِبَدْرٍ
4 -
(1/612)
إِنَّا أَنْزَلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى
فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا
أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)
{إنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب
لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ} مُتَعَلِّق بِأَنْزَلَ {فَمَنِ اهْتَدَى
فَلِنَفْسِهِ} اهْتِدَاؤُهُ {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلّ
عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} فتجبرهم على
الهدى
4 -
(1/612)
اللَّهُ يَتَوَفَّى
الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي
مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
{الله يتوفى الأنفس حين موتها و}
يَتَوَفَّى {الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا} أَيْ
يَتَوَفَّاهَا وَقْت النَّوْم {فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى
عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى} أَيْ وَقْت مَوْتهَا وَالْمُرْسَلَة نَفْس
التَّمْيِيز تَبْقَى بِدُونِهَا نَفْس الْحَيَاة بِخِلَافِ
الْعَكْس {إنَّ فِي ذَلِكَ} الْمَذْكُور {لَآيَات} دَلَالَات
{لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الْقَادِر
عَلَى ذَلِكَ قَادِر عَلَى الْبَعْث وَقُرَيْش لَمْ
يَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ
4 -
(1/612)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا
يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43)
{أَمْ} بَلْ {اتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه}
أَيْ الْأَصْنَام آلِهَة {شُفَعَاء} عِنْد اللَّه بِزَعْمِهِمْ
{قُلْ} لهم {أ} يشفعون {ولو كانوا لا يملكون شيئا} مِنْ
الشَّفَاعَة وَغَيْرهَا {وَلَا يَعْقِلُونَ} أَنَّكُمْ
تَعْبُدُونَهُمْ وَلَا غَيْر ذَلِكَ لَا
4 -
(1/612)
قُلْ لِلَّهِ
الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)
{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعًا} أَيْ
هُوَ مُخْتَصّ بها فلا يشفع أحد الا بإذنه {له ملك السماوات
والأرض ثم إليه ترجعون}
4 -
(1/612)
وَإِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ
دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّه وَحْده} أَيْ دُون
آلِهَتهمْ {اشْمَأَزَّتْ} نَفَرَتْ وَانْقَبَضَتْ {قُلُوب
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ
الَّذِينَ مِنْ دُونه} أَيْ الأصنام {إذا هم يستبشرون
(1/612)
4 -
(1/613)
قُلِ اللَّهُمَّ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا
كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
{قُلْ اللَّهُمَّ} بِمَعْنَى يَا اللَّه
{فَاطِر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مُبْدِعهمَا {عَالِم
الْغَيْب وَالشَّهَادَة} مَا غَابَ وَمَا شُوهِدَ {أنت تحكم
بين عبادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} مِنْ أَمْر
الدِّين اهْدِنِي لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقّ
4 -
(1/613)
وَلَوْ أَنَّ
لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ
مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا
يَحْتَسِبُونَ (47)
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي
الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ
سُوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة وَبَدَا} ظَهَرَ {لَهُمْ
مِنَ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} يَظُنُّونَ
4 -
(1/613)
وَبَدَا لَهُمْ
سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُونَ (48)
{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا
وَحَاقَ} نَزَلَ {بهم ما كانوا به يستهزءون} أي العذاب
4 -
(1/613)
فَإِذَا مَسَّ
الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ
نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ
هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ} الْجِنْس
{ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إذا خَوَّلْنَاهُ} أَعْطَيْنَاهُ
{نِعْمَة} إنْعَامًا {مِنَّا قَالَ إنَّمَا أُوتِيته عَلَى
عِلْم} مِنْ اللَّه بِأَنِّي لَهُ أَهْل {بَلْ هِيَ} أَيْ
الْقَوْلَة {فِتْنَة} بَلِيَّة يُبْتَلَى بِهَا الْعَبْد
{وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَنَّ التَّخْوِيل
اسْتِدْرَاج وَامْتِحَان
5 -
(1/613)
قَدْ قَالَهَا
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (50)
{قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ}
مِنْ الْأُمَم كقارون وقومه الراضين بها {فما أغنى عنهم ما
كانوا يكسبون}
5 -
(1/613)
فَأَصَابَهُمْ
سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ
سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ
بِمُعْجِزِينَ (51)
{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا}
أَيْ جَزَاؤُهَا {وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ} أَيْ
قُرَيْش {سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ
بِمُعْجِزِينَ} بِفَائِتِينَ عَذَابنَا فَقُحِطُوا سَبْع
سِنِينَ ثُمَّ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ
(1/613)
5 -
(1/614)
أَوَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
{أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه
يَبْسُط الرِّزْق} يُوَسِّعهُ {لِمَنْ يَشَاء} امْتِحَانًا
{وَيَقْدِر} يُضَيِّقهُ لِمَنْ يَشَاء ابْتِلَاء {إنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يؤمنون} به
5 -
(1/614)
قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
{قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا} بِكَسْرِ النُّون وَفَتْحهَا
وَقُرِئَ بِضَمِّهَا تَيْأَسُوا {مِنْ رَحْمَة اللَّه إنَّ
اللَّه يَغْفِر الذنوب جميعا} لمن تاب من الشرك {إنه هو الغفور
الرحيم}
5 -
(1/614)
وَأَنِيبُوا إِلَى
رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ
الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)
{وَأَنِيبُوا} ارْجِعُوا {إلَى رَبّكُمْ
وَأَسْلِمُوا} أَخْلِصُوا الْعَمَل {لَهُ مِنْ قَبْل أَنْ
يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} بِمَنْعِهِ إنْ
لَمْ تَتُوبُوا
5 -
(1/614)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ
مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ
(55)
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ
إلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ} هُوَ الْقُرْآن {مِنْ قَبْل أَنْ
يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب بَغْتَة وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}
قَبْل إتْيَانه بِوَقْتِهِ
5 -
(1/614)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ
يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ
كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
فَبَادِرُوا قَبْل {أَنْ تَقُول نَفْس يَا
حَسْرَتَى} أَصْله يَا حَسْرَتِي أَيْ نَدَامَتِي {عَلَى مَا
فرطت في جنب الله} أي طاعته {وَإِنْ} مُخَفَّفَة مِنْ
الثَّقِيلَة أَيْ وَإِنِّي {كُنْت لَمِنَ السَّاخِرِينَ}
بِدِينِهِ وَكِتَابه
5 -
(1/614)
أَوْ تَقُولَ لَوْ
أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
{أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي}
بِالطَّاعَةِ فَاهْتَدَيْت {لَكُنْت مِنَ الْمُتَّقِينَ}
عَذَابه
5 -
(1/614)
أَوْ تَقُولَ حِينَ
تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ (58)
{أَوْ تَقُول حِين تَرَى الْعَذَاب لَوْ
أَنَّ لِي كَرَّة} رَجْعَة إلَى الدُّنْيَا {فَأَكُون مِنَ
الْمُحْسِنِينَ} الْمُؤْمِنِينَ فَيُقَال لَهُ مِنْ قِبَل
اللَّه
5 -
(1/614)
بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ
آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ
الْكَافِرِينَ (59)
{بَلَى قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي} الْقُرْآن
وَهُوَ سَبَب الْهِدَايَة {فَكَذَّبْت بِهَا وَاسْتَكْبَرْت}
تَكَبَّرْت عَنْ الْإِيمَان بها {وكنت من الكافرين
(1/614)
6 -
(1/615)
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ
تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ
مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى
لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
{وَيَوْم الْقِيَامَة تَرَى الَّذِينَ
كَذَبُوا عَلَى اللَّه} بِنِسْبَةِ الشَّرِيك وَالْوَلَد
إلَيْهِ {وُجُوههمْ مُسَوَّدَة أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى}
مَأْوًى {لِلْمُتَكَبِّرِينَ} عَنْ الْإِيمَان بلى
6 -
(1/615)
وَيُنَجِّي اللَّهُ
الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
{وَيُنَجِّي اللَّه} مِنْ جَهَنَّم
{الَّذِينَ اتَّقَوْا} الشِّرْك {بِمَفَازَتِهِمْ} أَيْ
بِمَكَانِ فَوْزهمْ مِنْ الْجَنَّة بِأَنْ يجعلوا فيه {لا
يمسهم السوء ولا هم يحزنون}
6 -
(1/615)
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
{اللَّه خَالِقُ كُلّ شَيْء وَهُوَ عَلَى
كُلّ شَيْء وَكِيل} مُتَصَرِّف فِيهِ كَيْفَ يَشَاء
6 -
(1/615)
لَهُ مَقَالِيدُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ
اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)
{لَهُ مَقَالِيد السَّمَاوَات وَالْأَرْض}
أَيْ مَفَاتِيح خَزَائِنهمَا مِنْ الْمَطَر وَالنَّبَات
وَغَيْرهمَا {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه}
الْقُرْآن {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} مُتَّصِل بِقَوْلِهِ
{وَيُنَجِّي اللَّه الَّذِينَ اتَّقُوا} إلَخْ وَمَا بَيْنهمَا
اعتراض
6 -
(1/615)
قُلْ أَفَغَيْرَ
اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)
{قُلْ أَفَغَيْر اللَّه تَأْمُرُونِّي
أَعْبُد أَيّهَا الْجَاهِلُونَ} غَيْر مَنْصُوب بِأَعْبُد
الْمَعْمُول لِتَأْمُرُونِّي بِتَقْدِيرِ أَنْ بِنُونٍ
وَاحِدَة وَبِنُونَيْنِ بِإِدْغَامٍ وَفَكّ
6 -
(1/615)
وَلَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
(65)
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْك وَإِلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلك} والله {لئن أشركت} يا محمد فرضا
{ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}
6 -
(1/615)
بَلِ اللَّهَ
فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
{بَلِ اللَّه} وَحْده {فَاعْبُدْ وَكُنْ
مِنَ الشَّاكِرِينَ} إنعامه عليك
6 -
(1/615)
وَمَا قَدَرُوا
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
{وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره} مَا
عَرَفُوهُ حَقّ مَعْرِفَته أَوْ مَا عَظَّمُوهُ حَقّ عَظَمَته
حِين أَشْرَكُوا بِهِ غَيْره {وَالْأَرْض جَمِيعًا} حَال أَيْ
السَّبْع {قَبْضَته} أَيْ مَقْبُوضَة لَهُ أَيْ في ملكه وتصرفه
{يوم القيامة والسماوات مَطْوِيَّات} مَجْمُوعَات
{بِيَمِينِهِ} بِقُدْرَتِهِ {سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا
يشركون} معه
(1/615)
6 -
(1/616)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا
مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ
قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
{وَنُفِخَ فِي الصُّور} النَّفْخَة
الْأُولَى {فَصَعِقَ} مَاتَ {من في السماوات ومن في الأرض
إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه} مِنْ الْحُور وَالْوِلْدَان
وَغَيْرهمَا {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ} أَيْ
جَمِيع الْخَلَائِق الْمَوْتَى {قِيَام يَنْظُرُونَ}
يَنْتَظِرُونَ مَا يُفْعَل بِهِمْ
6 -
(1/616)
وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ
بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ
بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْض} أَضَاءَتْ
{بِنُورِ رَبّهَا} حِين يَتَجَلَّى اللَّه لِفَصْلِ الْقَضَاء
{وَوُضِعَ الْكِتَاب} كِتَاب الْأَعْمَال لِلْحِسَابِ {وَجِيءَ
بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء} أَيْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ
بِالْبَلَاغِ {وَقُضِيَ بَيْنهمْ بِالْحَقِّ} أَيْ الْعَدْل
{وَهُمْ لَا يظلمون} شيئا
7 -
(1/616)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ
نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
{وَوُفِّيَتْ كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ}
أَيْ جَزَاءَهُ {وَهُوَ أَعْلَم} عَالِم {بِمَا يَفْعَلُونَ}
فَلَا يَحْتَاج إلى شاهد
7 -
(1/616)
وَسِيقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا
فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ
رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا
بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى
الْكَافِرِينَ (71)
{وَسِيق الَّذِينَ كَفَرُوا} بِعُنْفٍ
{إلَى جَهَنَّم زُمَرًا} جَمَاعَات مُتَفَرِّقَة {حَتَّى إذَا
جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابهَا} جَوَاب إذَا {وَقَالَ لَهُمْ
خَزَنَتهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَتْلُونَ
عَلَيْكُمْ آيَات رَبّكُمْ} الْقُرْآن وَغَيْره
{وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى
وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَة الْعَذَاب} أَيْ {لَأَمْلَأَن
جَهَنَّم} الآية {على الكافرين}
7 -
(1/616)
قِيلَ ادْخُلُوا
أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى
الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
{قِيلَ اُدْخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم
خَالِدِينَ فِيهَا} مُقَدِّرِينَ الْخُلُود {فَبِئْسَ مَثْوَى}
مَأْوَى {الْمُتَكَبِّرِينَ} جَهَنَّم
(1/616)
7 -
(1/617)
وَسِيقَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا
جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
{وَسِيق الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبّهمْ}
بِلُطْفٍ {إلَى الْجَنَّة زُمَرًا حَتَّى إذَا جَاءُوهَا
وَفُتِحَتْ أَبْوَابهَا} الْوَاو فِيهِ لِلْحَالِ بِتَقْدِيرِ
قَدْ {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتهَا سَلَام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ}
حَال {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} مُقَدِّرِينَ الْخُلُود
فِيهَا وَجَوَاب إذَا مُقَدَّر أَيْ دُخُولهَا وَسَوْقهمْ
وَفَتْح الْأَبْوَاب قَبْل مَجِيئِهِمْ تَكْرِمَة لَهُمْ
وَسَوْق الْكُفَّار وَفَتْح أَبْوَاب جَهَنَّم عِنْد
مَجِيئِهِمْ لِيَبْقَى حَرّهَا إلَيْهِمْ إهَانَة لَهُمْ
7 -
(1/617)
وَقَالُوا الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ
نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ (74)
{وَقَالُوا} عُطِفَ عَلَى دُخُولهَا
الْمُقَدَّر {الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْده}
بِالْجَنَّةِ {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْض} أَيْ أَرْض الْجَنَّة
{نَتَبَوَّأ} نَنْزِل {مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ نَشَاء}
لِأَنَّهَا كُلّهَا لَا يُخْتَار فِيهَا مَكَان عَلَى مَكَان
{فَنِعْمَ أَجْر الْعَامِلِينَ} الْجَنَّة
7 -
(1/617)
وَتَرَى
الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
{وَتَرَى الْمَلَائِكَة حَافِّينَ} حَال {مِنْ حَوْل الْعَرْش}
مِنْ كُلّ جَانِب مِنْهُ {يُسَبِّحُونَ} حَال مِنْ ضَمِير
حَافِّينَ {بِحَمْدِ رَبّهمْ} مُلَابِسِينَ لِلْحَمْدِ أَيْ
يَقُولُونَ سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ {وَقُضِيَ بَيْنهمْ}
بَيْن جَمِيع الْخَلَائِق {بِالْحَقِّ} أَيْ الْعَدْل
فَيَدْخُل الْمُؤْمِنُونَ الْجَنَّة وَالْكَافِرُونَ النَّار
{وَقِيلَ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ} خَتْم
اسْتِقْرَار الْفَرِيقَيْنِ بِالْحَمْدِ مِنْ الْمَلَائِكَة
|