تفسير الجلالين = 42 سورة الشورى
(1/638)
حم (1)
{حم}
(1/638)
عسق (2)
{عسق} اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِهِ
(1/638)
كَذَلِكَ يُوحِي
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (3)
{كَذَلِكَ} أَيْ مثل ذلك الإيحاء {يوحي
إليك و} أوحى {إلى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك اللَّه} فَاعِل
الْإِيحَاء {الْعَزِيز} فِي مُلْكه {الْحَكِيم} فِي صُنْعه
(1/638)
لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ
الْعَظِيمُ (4)
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي
الْأَرْض} مُلْكًا وَخَلْقًا وَعَبِيدًا {وَهُوَ الْعَلِيّ}
عَلَى خَلْقه {العظيم} الكبير
(1/638)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ
أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
{تكاد} بالتاء والياء {السماوات ينفطرون}
بِالنُّونِ وَفِي قِرَاءَة بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد {مِنْ
فَوْقهنَّ} أَيْ تَنْشَقّ كُلّ وَاحِدَة فَوْق الَّتِي
تَلِيهَا مِنْ عَظَمَة اللَّه تَعَالَى {وَالْمَلَائِكَة
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ} أَيْ مُلَابِسِينَ لِلْحَمْدِ
{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْض} مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
{أَلَا إنَّ اللَّه هُوَ الْغَفُور} لِأَوْلِيَائِهِ
{الرَّحِيم} بِهِمْ
(1/638)
وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ
عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)
{وَاَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونه} أَيْ
الْأَصْنَام {أَوْلِيَاء اللَّه حَفِيظ} مُحْصٍ {عَلَيْهِمْ}
لِيُجَازِيَهُمْ {وَمَا أَنْتَ عليهم بوكيل} تحصل المطلوب منهم
وما عَلَيْك إلَّا الْبَلَاغ
(1/638)
وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ
الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا
رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ
(7)
{وَكَذَلِكَ} مِثْل ذَلِكَ الْإِيحَاء
{أَوْحَيْنَا إلَيْك قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِر} تُخَوِّف
{أُمّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا} أَيْ أَهْل مَكَّة وَسَائِر
النَّاس {وَتُنْذِر} النَّاس {يَوْم الْجَمْع} يَوْم
الْقِيَامَة تُجْمَع فِيهِ الْخَلَائِق {لا ريب} شك {فيه
فَرِيق} مِنْهُمْ {فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير}
النار
(1/639)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ
يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ
وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)
{وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَهُمْ أُمَّة
وَاحِدَة} أَيْ عَلَى دِين وَاحِد وَهُوَ الْإِسْلَام
{وَلَكِنْ يُدْخِل مَنْ يَشَاء فِي رَحْمَته وَالظَّالِمُونَ}
الْكَافِرُونَ {مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِير} يَدْفَع
عَنْهُمْ العذاب
(1/639)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ
الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
{أم اتخذوا من دونه} أي الأصنام {أولياء}
أَمْ مُنْقَطِعَة بِمَعْنَى بَلْ الَّتِي لِلِانْتِقَالِ
وَالْهَمْزَة لِلْإِنْكَارِ أَيْ لَيْسَ الْمُتَّخِذُونَ
أَوْلِيَاء {فَاَللَّه هُوَ الْوَلِيّ} أَيْ النَّاصِر
لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْفَاء لِمُجَرَّدِ الْعَطْف {وهو يحيي
الموتى وهو على كل شيء قدير}
1 -
(1/639)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ
فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ
رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)
{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ} مَعَ الْكُفَّار
{فِيهِ مِنْ شَيْء} مِنْ الدِّين وَغَيْره {فَحُكْمه}
مَرْدُود {إلَى اللَّه} يَوْم الْقِيَامَة يَفْصِل بَيْنكُمْ
قُلْ لَهُمْ {ذَلِكُمُ اللَّه رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْت
وَإِلَيْهِ أُنِيب} أَرْجِع
1 -
(1/639)
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
{فَاطِر السَّمَاوَات وَالْأَرْض}
مُبْدِعهمَا {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا}
حَيْثُ خَلَقَ حَوَّاء مِنْ ضِلْع آدَم {وَمِنْ الْأَنْعَام
أَزْوَاجًا} ذُكُورًا وَإِنَاثًا {يَذْرَؤُكُمْ}
بِالْمُعْجَمَةِ يَخْلُقكُمْ {فِيهِ} فِي الْجَعْل الْمَذْكُور
أَيْ يُكَثِّركُمْ بِسَبَبِهِ بِالتَّوَالُدِ وَالضَّمِير
لِلْأَنَاسِيِّ وَالْأَنْعَام بِالتَّغْلِيبِ {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْء} الْكَاف زَائِدَة لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا
مِثْل لَهُ {وَهُوَ السَّمِيع} لِمَا يُقَال {الْبَصِير} لِمَا
يُفْعَل
1 -
(1/639)
لَهُ مَقَالِيدُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ
وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
{لَهُ مَقَالِيد السَّمَاوَات وَالْأَرْض}
أَيْ مَفَاتِيح خَزَائِنهمَا مِنْ الْمَطَر وَالنَّبَات
وَغَيْرهمَا {يَبْسُط الرِّزْق} يُوَسِّعهُ {لِمَنْ يَشَاء}
امْتِحَانًا {وَيَقْدِر} يُضَيِّقهُ لِمَنْ يَشَاء ابتلاء {إنه
بكل شيء عليم
(1/639)
1 -
(1/640)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ
الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ
كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ
يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ
يُنِيبُ (13)
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّين مَا وَصَّى
بِهِ نُوحًا} هُوَ أَوَّل أَنْبِيَاء الشَّرِيعَة {وَاَلَّذِي
أَوْحَيْنَا إلَيْك وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيم وَمُوسَى
وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّين وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}
هَذَا هُوَ الْمَشْرُوع الْمُوصَى بِهِ وَالْمُوحَى إلَى
مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ التَّوْحِيد
{كَبُرَ} عَظُمَ {عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ
إلَيْهِ} مِنْ التَّوْحِيد {اللَّه يَجْتَبِي إلَيْهِ} إلَى
التَّوْحِيد {مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ يُنِيب}
يُقْبِل إلَى طاعته
1 -
(1/640)
وَمَا تَفَرَّقُوا
إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا
بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ
أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ
مُرِيبٍ (14)
{وَمَا تَفَرَّقُوا} أَيْ أَهْل
الْأَدْيَان فِي الدِّين بِأَنْ وَحَّدَ بَعْض وَكَفَرَ بَعْض
{إلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم} بِالتَّوْحِيدِ
{بَغْيًا} مِنْ الْكَافِرِينَ {بَيْنهمْ وَلَوْلَا كَلِمَة
سَبَقَتْ مِنْ رَبّك} بِتَأْخِيرِ الْجَزَاء {إلَى أَجَل
مُسَمَّى} يَوْم الْقِيَامَة {لَقُضِيَ بَيْنهمْ} بِتَعْذِيبِ
الْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا
الْكِتَاب مِنْ بَعْدهمْ} وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى
{لَفِي شَكّ مِنْهُ} مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {مُرِيب} مُوقِع فِي الرِّيبَة
1 -
(1/640)
فَلِذَلِكَ فَادْعُ
وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ
وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا
وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا
حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
{فَلِذَلِكَ} التَّوْحِيد {فَادْعُ} يَا
مُحَمَّد النَّاس {وَاسْتَقِمْ} عَلَيْهِ {كَمَا أُمِرْت وَلَا
تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ} فِي تَرْكه {وَقُلْ آمَنْت بِمَا
أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَاب وَأُمِرْت لِأَعْدِل} أَيْ بِأَنْ
أَعْدِل {بَيْنكُمْ} فِي الْحُكْم {اللَّه رَبّنَا وَرَبّكُمْ
لَنَا أَعْمَالنَا وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ} فَكُلّ يُجَازَى
بِعَمَلِهِ {لَا حُجَّة} خُصُومَة {بَيْننَا وَبَيْنكُمْ}
هَذَا قَبْل أَنْ يُؤْمَر بِالْجِهَادِ {اللَّه يَجْمَع
بَيْننَا} فِي الْمُعَاد لِفَصْلِ الْقَضَاء {وَإِلَيْهِ
الْمَصِير} الْمَرْجِع
(1/640)
1 -
(1/641)
وَالَّذِينَ
يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ
حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ
وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي} دِين
{اللَّه} نَبِيّه {مِنْ بَعْد مَا اُسْتُجِيبَ لَهُ}
بِالْإِيمَانِ لِظُهُورِ مُعْجِزَته وهم اليهود {حجتهم داحضة}
باطلة {عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد}
1 -
(1/641)
اللَّهُ الَّذِي
أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ
لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
{اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَاب}
الْقُرْآن {بِالْحَقِّ} مُتَعَلِّق بِأَنْزَلَ {وَالْمِيزَان}
الْعَدْل {وَمَا يُدْرِيك} يَعْلَمك {لَعَلَّ الساعة} أي
إتيانها {قريب} وَلَعَلَّ مُعَلَّق لِلْفِعْلِ عَنْ الْعَمَل
وَمَا بَعْده سَدَّ مَسَدّ الْمَفْعُولَيْنِ
1 -
(1/641)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا
مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا
إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ
بَعِيدٍ (18)
{يَسْتَعْجِل بِهَا الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِهَا} يَقُولُونَ مَتَى تَأْتِي ظَنًّا مِنْهُمْ
أَنَّهَا غَيْر آتِيَة {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ}
خَائِفُونَ {مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقّ أَلَا
إنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ} يُجَادِلُونَ {فِي السَّاعَة لَفِي
ضَلَال بَعِيد}
1 -
(1/641)
اللَّهُ لَطِيفٌ
بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ
الْعَزِيزُ (19)
{اللَّه لَطِيف بِعِبَادِهِ} بَرّهمْ
وَفَاجِرهمْ حَيْثُ لَمْ يُهْلِكهُمْ جُوعًا بِمَعَاصِيهِمْ
{يَرْزُق مَنْ يَشَاء} مِنْ كُلّ مِنْهُمْ مَا يَشَاء {وَهُوَ
الْقَوِيّ} عَلَى مُرَاده {الْعَزِيز} الْغَالِب عَلَى أَمْره
2 -
(1/641)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ
حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ
يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
{مَنْ كَانَ يُرِيد} بِعَمَلِهِ {حَرْث
الْآخِرَة} أَيْ كَسْبهَا وَهُوَ الثَّوَاب {نَزِدْ لَهُ فِي
حَرْثه} بالتضعيف فيه بالحسنة إلَى الْعَشْرَة وَأَكْثَر
{وَمَنْ كَانَ يُرِيد حَرْث الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا}
بِلَا تَضْعِيف مَا قُسِمَ له {وما له في الآخرة من نصيب}
2 -
(1/641)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ
شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ
وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)
{أَمْ} بَلْ {لَهُمْ} لِكُفَّارِ مَكَّة
{شُرَكَاء} هُمْ شَيَاطِينهمْ {شَرَعُوا} أَيْ الشُّرَكَاء
{لَهُمْ} لِلْكُفَّارِ {مِنْ الدِّين} الْفَاسِد {مَا لَمْ
يَأْذَن بِهِ اللَّه} كَالشِّرْكِ وَإِنْكَار الْبَعْث
{وَلَوْلَا كَلِمَة الْفَصْل} أَيْ الْقَضَاء السَّابِق
بِأَنَّ الْجَزَاء فِي يَوْم الْقِيَامَة {لَقُضِيَ بَيْنهمْ}
وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّعْذِيبِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا
{وَإِنَّ الظَّالِمِينَ} الْكَافِرِينَ {لَهُمْ عَذَاب أَلِيم}
مؤلم
(1/641)
2 -
(1/642)
تَرَى الظَّالِمِينَ
مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ
الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ
هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
{تَرَى الظَّالِمِينَ} يَوْم الْقِيَامَة
{مُشْفِقِينَ} خَائِفِينَ {مِمَّا كَسَبُوا} فِي الدُّنْيَا
مِنْ السَّيِّئَات أَنْ يُجَازَوْا عَلَيْهَا {وَهُوَ} أَيْ
الْجَزَاء عَلَيْهَا {وَاقِع بِهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة لَا
مَحَالَة {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فِي
رَوْضَات الْجَنَّات} أَنْزَههَا بِالنِّسْبَةِ إلَى من دونهم
{لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير}
2 -
(1/642)
ذَلِكَ الَّذِي
يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً
نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
(23)
{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّر} مِنْ
الْبِشَارَة مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا بِهِ {اللَّه عِبَاده
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات قُلْ لَا
أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ} عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة {أَجْرًا
إلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع أَيْ
لَكِنْ أَسْأَلكُمْ أَنْ تَوَدُّوا قَرَابَتِي الَّتِي هِيَ
قَرَابَتكُمْ أَيْضًا فَإِنَّ لَهُ فِي كُلّ بَطْن مِنْ
قُرَيْش قَرَابَة {وَمَنْ يَقْتَرِف} يَكْتَسِب {حَسَنَة}
طَاعَة {نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} بِتَضْعِيفِهَا {إنَّ
اللَّه غَفُور}
لِلذُّنُوبِ {شَكُور} لِلْقَلِيلِ فَيُضَاعِفهُ
2 -
(1/642)
أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ
يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ
وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ (24)
{أَمْ} بَلْ {يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى
اللَّه كَذِبًا} بِنِسْبَةِ الْقُرْآن إلَى اللَّه تَعَالَى
{فَإِنْ يَشَأِ اللَّه يَخْتِم} يَرْبِط {عَلَى قَلْبك}
بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ بِهَذَا الْقَوْل وَغَيْره وَقَدْ
فَعَلَ {وَيَمْحُ اللَّه الْبَاطِل} الَّذِي قَالُوهُ
{وَيُحِقّ الْحَقّ} يُثْبِتهُ {بِكَلِمَاتِهِ} الْمُنَزَّلَة
عَلَى نَبِيّه {إنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي
الْقُلُوب
2 -
(1/642)
وَهُوَ الَّذِي
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ
السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ
عِبَاده} مِنْهُمْ {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَات} الْمُتَابِ
عَنْهَا {وَيَعْلَم مَا يَفْعَلُونَ} بِالْيَاءِ وَالتَّاء
2 -
(1/642)
وَيَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ
مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)
{وَيَسْتَجِيب الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} يُجِيبهُمْ إلَى ما يسألون {ويزيدهم
من فضله والكافرون لهم عذاب شديد
(1/642)
2 -
(1/643)
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ
الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ
يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ
بَصِيرٌ (27)
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّه الرِّزْق
لِعِبَادِهِ} جَمِيعهمْ {لَبَغَوْا} جَمِيعهمْ أَيْ طَغَوْا
{فِي الْأَرْض وَلَكِنْ يُنَزِّل} بِالتَّخْفِيفِ وَضِدّه مِنْ
الْأَرْزَاق {بِقَدَرٍ مَا يَشَاء} فَيَبْسُطهَا لِبَعْضِ
عِبَاده دُون بَعْض وَيَنْشَأ عَنْ البسط البغي {إنه بعباده
خبير بصير}
2 -
(1/643)
وَهُوَ الَّذِي
يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ
رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّل الْغَيْث}
الْمَطَر {مِنْ بَعْد مَا قَنَطُوا} يَئِسُوا مِنْ نُزُوله
{وَيَنْشُر رَحْمَته} يَبْسُط مَطَره {وَهُوَ الْوَلِيّ}
الْمُحْسِن لِلْمُؤْمِنِينَ {الْحَمِيد} المحمود عندهم
2 -
(1/643)
وَمِنْ آيَاتِهِ
خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ
دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
{ومن آياته خلق السماوات والأرض و} خلق {ما
بَثَّ} فَرَّقَ وَنَشَرَ {فِيهِمَا مِنْ دَابَّة} هِيَ مَا
يَدِبّ عَلَى الْأَرْض مِنْ النَّاس وَغَيْرهمْ {وَهُوَ عَلَى
جَمْعهمْ} لِلْحَشْرِ {إذَا يَشَاء قَدِير} فِي الضَّمِير
تَغْلِيب الْعَاقِل عَلَى غَيْره
3 -
(1/643)
وَمَا أَصَابَكُمْ
مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ
كَثِيرٍ (30)
{وَمَا أَصَابَكُمْ} خِطَاب
لِلْمُؤْمِنِينَ {مِنْ مُصِيبَة} بَلِيَّة وَشِدَّة {فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أَيْ كَسَبْتُمْ مِنْ الذُّنُوب
وَعَبَّرَ بِالْأَيْدِي لِأَنَّ أَكْثَر الْأَفْعَال تُزَاوَل
بها {ويعفوا عَنْ كَثِير} مِنْهَا فَلَا يُجَازِي عَلَيْهِ
وَهُوَ تَعَالَى أَكْرَم مِنْ أَنْ يُثْنِي الْجَزَاء فِي
الْآخِرَة وَأَمَّا غَيْر الْمُذْنِبِينَ فَمَا يُصِيبهُمْ فِي
الدُّنْيَا لِرَفْعِ دَرَجَاتهمْ فِي الْآخِرَة
3 -
(1/643)
وَمَا أَنْتُمْ
بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)
{وَمَا أَنْتُمْ} يَا مُشْرِكُونَ
{بِمُعْجِزِينَ} اللَّه هَرَبًا {فِي الْأَرْض} فَتُفَوِّتُوهُ
{وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه} أَيْ غَيْره {مِنْ وَلِيّ
وَلَا نَصِير} يَدْفَع عَذَابه عَنْكُمْ
3 -
(1/643)
وَمِنْ آيَاتِهِ
الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)
{وَمِنْ آيَاته الْجَوَار} السُّفُن {فِي
الْبَحْر كَالْأَعْلَامِ} كَالْجِبَالِ فِي الْعِظَم
3 -
(1/643)
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ
الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
{إنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيح
فَيَظْلَلْنَ} يَصِرْنَ {رَوَاكِد} ثَوَابِت لَا تَجْرِي
{عَلَى ظَهْره إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار
شَكُور} هُوَ الْمُؤْمِن يَصْبِر فِي الشِّدَّة وَيَشْكُر فِي
الرَّخَاء
(1/643)
3 -
(1/644)
أَوْ يُوبِقْهُنَّ
بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
{أَوْ يُوبِقهُنَّ} عُطِفَ عَلَى يُسْكِنِ
أَيْ يُغْرِقهُنَّ بِعَصْفِ الرِّيح بِأَهْلِهِنَّ {بِمَا
كَسَبُوا} أَيْ أَهْلهنَّ مِنْ الذُّنُوب {وَيَعْفُ عَنْ
كَثِير} مِنْهَا فَلَا يغرق أهله
3 -
(1/644)
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ
يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
{وَيَعْلَمُ} بِالرَّفْعِ مُسْتَأْنَف
وَبِالنَّصْبِ مَعْطُوف عَلَى تَعْلِيل مُقَدَّر أَيْ
يُغْرِقهُمْ لِيَنْتَقِم مِنْهُمْ وَيَعْلَم {الَّذِينَ
يُجَادِلُونَ فِي آيَاتنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيص} مَهْرَب
مِنْ الْعَذَاب وَجُمْلَة النَّفْي سَدَّتْ مَسَدّ مَفْعُولَيْ
يَعْلَم وَالنَّفْي مُعَلَّق عَنْ الْعَمَل
3 -
(1/644)
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ
خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ (36)
{فَمَا أُوتِيتُمْ} خِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ
وَغَيْرهمْ {مِنْ شَيْء} مِنْ أَثَاث الدُّنْيَا {فَمَتَاع
الْحَيَاة الدُّنْيَا} يُتَمَتَّع بِهِ فِيهَا ثُمَّ يَزُول
{وَمَا عِنْد اللَّه} مِنْ الثَّوَاب {خَيْر وَأَبْقَى
لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ} وَيَعْطِف
عَلَيْهِ
3 -
(1/644)
وَالَّذِينَ
يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا
غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
{وَاَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر
الْإِثْم وَالْفَوَاحِش} مُوجِبَات الْحُدُود مِنْ عَطْف
الْبَعْض عَلَى الْكُلّ {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ
يَغْفِرُونَ} يَتَجَاوَزُونَ
3 -
(1/644)
وَالَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ
شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
{وَاَلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}
أَجَابُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ مِنْ التَّوْحِيد
وَالْعِبَادَة {وَأَقَامُوا الصَّلَاة} أَدَامُوهَا
{وَأَمْرهمْ} الَّذِي يَبْدُو لَهُمْ {شُورَى بَيْنهمْ}
يَتَشَاوَرُونَ فِيهِ وَلَا يَعْجَلُونَ {وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ} أَعْطَيْنَاهُمْ {يُنْفِقُونَ} فِي طَاعَة
اللَّه وَمَنْ ذُكِرَ صِنْف
3 -
(1/644)
وَالَّذِينَ إِذَا
أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
{وَاَلَّذِينَ إذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْي}
الظُّلْم {هُمْ يَنْتَصِرُونَ} صِنْف أَيْ يَنْتَقِمُونَ
مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ بِمِثْلِ ظُلْمه كما قال تعالى
4 -
(1/644)
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى
اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
{وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا}
سُمِّيَتْ الثَّانِيَة سَيِّئَة لِمُشَابَهَتِهَا لِلْأُولَى
فِي الصُّورَة وَهَذَا ظَاهِر فِيمَا يُقْتَصّ فِيهِ مِنْ
الْجِرَاحَات قَالَ بَعْضهمْ وَإِذَا قَالَ لَهُ أَخْزَاك
اللَّه فَيُجِيبهُ أَخْزَاك اللَّه {فَمَنْ عَفَا} عَنْ
ظَالِمه {وَأَصْلَحَ} الْوُدّ بَيْنه وَبَيْن الْمَعْفُوّ
عَنْهُ {فَأَجْره عَلَى اللَّه} أَيْ إنَّ اللَّه يَأْجُرهُ
لَا مَحَالَة {إنَّهُ لَا يُحِبّ الظَّالِمِينَ ?} أَيْ
الْبَادِئِينَ بِالظُّلْمِ فَيَتَرَتَّب عَلَيْهِمْ عقابه
(1/644)
4 -
(1/645)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ
بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه} أَيْ
ظُلْم الظَّالِم إيَّاهُ {فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ
سَبِيل} مُؤَاخَذَة
4 -
(1/645)
إِنَّمَا السَّبِيلُ
عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(42)
{إنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ
يَظْلِمُونَ النَّاس وَيَبْغُونَ} يَعْمَلُونَ {فِي الْأَرْض
بِغَيْرِ الْحَقّ} بِالْمَعَاصِي {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب
أَلِيم} مُؤْلِم
4 -
(1/645)
وَلَمَنْ صَبَرَ
وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
{وَلَمَنْ صَبْر} فَلَمْ يَنْتَصِر
{وَغَفَرَ} تَجَاوَزَ {إنَّ ذَلِكَ} الصَّبْر وَالتَّجَاوُز
{لَمِنْ عَزْم الْأُمُور} أَيْ مَعْزُومَاتهَا بِمَعْنَى
الْمَطْلُوبَات شَرْعًا
4 -
(1/645)
وَمَنْ يُضْلِلِ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى
الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ
إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ
وَلِيّ مِنْ بَعْده} أَيْ أَحَد يَلِي هِدَايَته بَعْد إضْلَال
اللَّه إيَّاهُ {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوْا
الْعَذَاب يَقُولُونَ هَلْ إلَى مَرَدٍّ} إلَى الدُّنْيَا
{مِنْ سَبِيل} طَرِيق
4 -
(1/645)
وَتَرَاهُمْ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ
مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ
الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ
مُقِيمٍ (45)
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أَيْ
النَّار {خَاشِعِينَ} خَائِفِينَ مُتَوَاضِعِينَ {مِنْ الذُّلّ
يَنْظُرُونَ} إلَيْهَا {مِنْ طَرْف خَفِيّ} ضَعِيف النَّظَر
مُسَارَقَة وَمِنْ ابْتِدَائِيَّة أَوْ بِمَعْنَى الْبَاء
{وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة}
بِتَخْلِيدِهِمْ فِي النَّار وَعَدَم وُصُولهمْ إلَى الْحُور
الْمُعَدَّة لَهُمْ فِي الْجَنَّة لَوْ آمَنُوا وَالْمَوْصُول
خَبَر إنَّ {أَلَا إنَّ الظَّالِمِينَ} الْكَافِرِينَ {فِي
عَذَاب مُقِيم} دَائِم هُوَ مِنْ مَقُول اللَّه تَعَالَى
4 -
(1/645)
وَمَا كَانَ لَهُمْ
مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)
{وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاء
يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه} أَيْ غَيْره يَدْفَع
عَذَابه عَنْهُمْ {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ
سَبِيل} طَرِيق إلَى الْحَقّ فِي الدُّنْيَا وَإِلَى الْجَنَّة
في الآخرة
4 -
(1/645)
اسْتَجِيبُوا
لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ
لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا
لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ} أَجِيبُوهُ
بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَة {مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِي يَوْم}
هُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لَا مَرَدّ لَهُ مِنَ اللَّه} أَيْ
أَنَّهُ إذَا أَتَى بِهِ لَا يَرُدّهُ {مَا لَكُمْ مِنْ ملجإ}
تلجأون إلَيْهِ {يَوْمئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير} إنْكَار
لذنوبكم
(1/645)
4 -
(1/646)
فَإِنْ أَعْرَضُوا
فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا
الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا
رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
{فَإِنْ أَعْرَضُوا} عَنْ الْإِجَابَة
{فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} تَحْفَظ أَعْمَالهمْ
بِأَنْ تُوَافِق الْمَطْلُوب مِنْهُمْ {إنْ} مَا {عَلَيْك
إلَّا الْبَلَاغ} وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْجِهَادِ
{وَإِنَّا إذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَان مِنَّا رَحْمَة} نِعْمَة
كَالْغِنَى وَالصِّحَّة {فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ}
الضَّمِير لِلْإِنْسَانِ بِاعْتِبَارِ الْجِنْس {سَيِّئَة}
بَلَاء {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهمْ} أَيْ قَدَّمُوهُ
وَعَبَّرَ بِالْأَيْدِي لِأَنَّ أَكْثَر الْأَفْعَال تُزَاوَل
بِهَا {فَإِنَّ الْإِنْسَان كفور} للنعمة
4 -
(1/646)
لِلَّهِ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ
يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
{لِلَّهِ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض
يَخْلُق مَا يَشَاء يهب لمن يشاء} من الأولاد {إناث ويهب لمن
يشاء الذكور}
5 -
(1/646)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ
ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا
إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
{أَوْ يُزَوِّجهُمْ} أَيْ يَجْعَلهُمْ
{ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا} فَلَا
يَلِد وَلَا يُولَد لَهُ {إنَّهُ عَلِيم} بِمَا يَخْلُق
{قَدِير} عَلَى ما يشاء
5 -
(1/646)
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ
حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا
يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمهُ
اللَّه إلَّا} أَنْ يُوحِي إلَيْهِ {وَحْيًا} فِي الْمَنَام
أَوْ بِإِلْهَامٍ {أَوْ} إلَّا {مِنْ وَرَاء حِجَاب} بِأَنْ
يُسْمِعهُ كَلَامه وَلَا يَرَاهُ كَمَا وَقَعَ لِمُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَام {أَوْ} إلَّا أَنْ {يُرْسِل رَسُولًا}
مَلَكًا كَجِبْرِيل {فَيُوحِي} الرَّسُول إلَى الْمُرْسَل
إلَيْهِ أَيْ يُكَلِّمهُ {بِإِذْنِهِ} أَيْ اللَّه {مَا
يَشَاء} اللَّه {إنَّهُ عَلِيّ} عَنْ صِفَات الْمُحْدَثِينَ
{حَكِيم} في صنعه
5 -
(1/646)
وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ
تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ
جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
{وَكَذَلِكَ} أَيْ مِثْل إيحَائِنَا إلَى
غَيْرك مِنْ الرُّسُل {أَوْحَيْنَا إلَيْك} يَا مُحَمَّد
{رُوحًا} هُوَ الْقُرْآن بِهِ تَحْيَا الْقُلُوب {مِنْ
أَمْرنَا} الَّذِي نُوحِيهِ إلَيْك {مَا كُنْت تَدْرِي}
تَعْرِف قَبْل الْوَحْي إلَيْك {مَا الْكِتَاب} الْقُرْآن
{وَلَا الْإِيمَان} أَيْ شَرَائِعه وَمَعَالِمه وَالنَّفْي
مُعَلَّق لِلْفِعْلِ عَنْ الْعَمَل وَمَا بَعْده سَدَّ مَسَدّ
الْمَفْعُولَيْنِ {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ} أَيْ الرُّوح أَوْ
الْكِتَاب {نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاء مِنْ عِبَادنَا
وَإِنَّك لَتَهْدِي} تَدْعُو بِالْوَحْيِ إلَيْك {إلَى صِرَاط}
طَرِيق {مُسْتَقِيم} دين الإسلام
(1/646)
5 -
(1/647)
صِرَاطِ اللَّهِ
الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا
إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
{صِرَاط اللَّه الَّذِي لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض} مُلْكًا وَخَلْقًا
وَعَبِيدًا {أَلَا إلَى اللَّه تَصِير الْأُمُور} تَرْجِع = 43
سُورَة الزُّخْرُف
(1/647)
حم (1)
{حم} اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِهِ
(1/647)
وَالْكِتَابِ
الْمُبِينِ (2)
{وَالْكِتَاب} الْقُرْآن {الْمُبِين}
الْمُظْهِر طَرِيق الْهُدَى وَمَا يُحْتَاج إلَيْهِ مِنْ
الشَّرِيعَة
(1/647)
إِنَّا جَعَلْنَاهُ
قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
{إنَّا جَعَلْنَاهُ} أَوْجَدْنَا الْكِتَاب
{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} بِلُغَةِ الْعَرَب {لَعَلَّكُمْ} يَا
أَهْل مَكَّة {تَعْقِلُونَ} تَفْهَمُونَ معانيه
(1/647)
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ
الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
{وَإِنَّهُ} مُثْبَت {فِي أُمّ الْكِتَاب}
أَصْل الْكُتُب أَيْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ {لَدَيْنَا} بَدَل
عِنْدنَا {لَعَلِيٌّ} عَلَى الْكُتُب قَبْله {حَكِيم} ذُو
حِكْمَة بَالِغَة
(1/647)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ
الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
{أَفَنَضْرِب} نَمْسِك {عَنْكُمُ الذِّكْر}
الْقُرْآن {صَفْحًا} إمْسَاكًا فَلَا تُؤْمَرُونَ وَلَا
تُنْهَوْنَ لِأَجْلِ {أَنْ كُنْتُمْ قوما مسرفين} مشركين لا
(1/647)
وَكَمْ أَرْسَلْنَا
مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6)
{وكم أرسلنا من نبي في الأولين}
(1/647)
وَمَا يَأْتِيهِمْ
مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7)
{وَمَا} كَانَ {يَأْتِيهِمْ} أَتَاهُمْ
{مِنْ نَبِيّ إلَّا كانوا به يستهزءون} كَاسْتِهْزَاءِ قَوْمك
بِك وَهَذَا تَسْلِيَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/647)
فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ
مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)
{فَأَهْلَكْنَا أَشَدّ مِنْهُمْ} مِنْ
قَوْمك {بَطْشًا} قُوَّة {وَمَضَى} سَبَقَ فِي آيَات {مَثَل
الْأَوَّلِينَ} صِفَتهمْ فِي الْإِهْلَاك فَعَاقِبَة قَوْمك
كَذَلِكَ
(1/647)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ
خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)
{ولئن} لام قسم {سألتهم من خلق السماوات
وَالْأَرْض لَيَقُولَنَّ} حُذِفَ مِنْهُ نُون الرَّفْع
لِتَوَالِي النُّونَات وَوَاو الضَّمِير لِالْتِقَاءِ
السَّاكِنَيْنِ {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم} آخِر
جَوَابهمْ أَيْ اللَّه ذُو الْعِزَّة والعلم زاد تعالى
1 -
(1/648)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (10)
{الذي جعل لكم الأرض مهادا} فِرَاشًا
كَالْمَهْدِ لِلصَّبِيِّ {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا}
طُرُقًا {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلَى مَقَاصِدكُمْ فِي
أَسْفَاركُمْ
1 -
(1/648)
وَالَّذِي نَزَّلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً
مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)
{وَاَلَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء
بِقَدَرٍ} أَيْ بِقَدْرِ حَاجَتكُمْ إلَيْهِ وَلَمْ يُنْزِلهُ
طُوفَانًا {فَأَنْشَرْنَا} أَحْيَيْنَا {بِهِ بَلْدَة مَيْتًا
كَذَلِكَ} أَيْ مِثْل هَذَا الْإِحْيَاء {تُخْرَجُونَ} مِنْ
قُبُوركُمْ أَحْيَاء
1 -
(1/648)
وَالَّذِي خَلَقَ
الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ
وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
{وَاَلَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاج}
الْأَصْنَاف {كُلّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْك} السُّفُن
{وَالْأَنْعَام} كَالْإِبِلِ {مَا تَرْكَبُونَ} حُذِفَ
الْعَائِد اخْتِصَارًا وَهُوَ مَجْرُور فِي الْأَوَّل أَيْ
فِيهِ مَنْصُوب فِي الثَّانِي
1 -
(1/648)
لِتَسْتَوُوا عَلَى
ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا
اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ
لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
{لِتَسْتَوُوا} لِتَسْتَقِرُّوا {عَلَى
ظُهُوره} ذَكَرَ الضَّمِير وَجَمَعَ الظَّهْر نَظَرًا لِلَفْظِ
مَا وَمَعْنَاهَا {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَة رَبّكُمْ إذَا
اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَان الَّذِي سَخَّرَ
لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مقرنين} مطيقين
1 -
(1/648)
وَإِنَّا إِلَى
رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
{وَإِنَّا إلَى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}
لَمُنْصَرِفُونَ
1 -
(1/648)
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ
عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)
{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَاده جُزْءًا}
حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه لِأَنَّ الْوَلَد
جُزْء مِنْ الْوَالِد وَالْمَلَائِكَة مِنْ عِبَاده تَعَالَى
{إنَّ الْإِنْسَان} الْقَائِل مَا تَقَدَّمَ {لَكَفُور مُبِين}
بَيِّن ظَاهِر الكفر
1 -
(1/648)
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا
يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)
{أَمْ} بِمَعْنَى هَمْزَة الْإِنْكَار
وَالْقَوْل مُقَدَّر أَيْ أَتَقُولُونَ {اتَّخَذَ مِمَّا
يَخْلُق بَنَات} لِنَفْسِهِ {وَأَصْفَاكُمْ} أَخْلَصَكُمْ
{بِالْبَنِينَ} اللَّازِم مِنْ قَوْلكُمْ السَّابِق فَهُوَ
مِنْ جُمْلَة الْمُنْكَر
1 -
(1/648)
وَإِذَا بُشِّرَ
أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِمَا ضَرَبَ
لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا} جَعَلَ لَهُ شَبَهًا بِنِسْبَةِ
الْبَنَات إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَلَد يُشْبِه الْوَالِد
الْمَعْنَى إذَا أُخْبِرَ أَحَدهمْ بِالْبِنْتِ تُولَد لَهُ
{ظَلَّ} صَارَ {وَجْهه مُسْوَدًّا} مُتَغَيِّرًا تَغَيُّر
مُغْتَمّ {وَهُوَ كَظِيم} مُمْتَلِئ غَمًّا فَكَيْفَ يَنْسُب
الْبَنَات إلَيْهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ
(1/648)
1 -
(1/649)
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ
فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)
{أو} همزة الإنكار واو الْعَطْف بِجُمْلَةِ
أَيْ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ {مَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة}
الزِّينَة {وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين} مُظْهِر
الْحُجَّة لِضَعْفِهِ عَنْهَا بِالْأُنُوثَةِ
1 -
(1/649)
وَجَعَلُوا
الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا
أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ
(19)
{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ
عِبَاد الرَّحْمَن إنَاثًا أَشَهِدُوا} حَضَرُوا {خَلْقهمْ
سَتُكْتَبُ شَهَادَتهمْ} بِأَنَّهُمْ إنَاث {وَيُسْأَلُونَ}
عَنْهَا فِي الْآخِرَة فَيَتَرَتَّب عَلَيْهِمْ الْعِقَاب
2 -
(1/649)
وَقَالُوا لَوْ شَاءَ
الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ
عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)
{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَن مَا
عَبَدْنَاهُمْ} أَيْ الْمَلَائِكَة فَعِبَادَتنَا إيَّاهُمْ
بِمَشِيئَتِهِ فَهُوَ رَاضٍ بِهَا قال تعالى {مَا لَهُمْ
بِذَلِكَ} الْمَقُول مِنْ الرِّضَا بِعِبَادَتِهَا {مِنْ عِلْم
إنْ} مَا {هُمْ إلَّا يَخْرُصُونَ} يَكْذِبُونَ فِيهِ
فَيَتَرَتَّب عَلَيْهِمْ الْعِقَاب بِهِ
2 -
(1/649)
أَمْ آتَيْنَاهُمْ
كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)
{أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْله}
أَيْ الْقُرْآن بِعِبَادَةِ غَيْر اللَّه {فَهُمْ بِهِ
مُسْتَمْسِكُونَ} أَيْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ
2 -
(1/649)
بَلْ قَالُوا إِنَّا
وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ
مُهْتَدُونَ (22)
{بَلْ قَالُوا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا
عَلَى أُمَّة} مِلَّة {وَإِنَّا} مَاشُونَ {عَلَى آثَارهمْ
مُهْتَدُونَ} بِهِمْ وَكَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْر اللَّه
2 -
(1/649)
وَكَذَلِكَ مَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا
قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ
وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك
فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير إلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا}
مُنَعَّمُوهَا مِثْل قَوْل قَوْمك {إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا
عَلَى أُمَّة} ملة {وإنا على آثارهم مقتدون} متبعون
2 -
(1/649)
قَالَ أَوَلَوْ
جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ
قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)
{قل} لهم {أ} تتبعون ذلك {ولو جِئْتُكُمْ
بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا
إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أَنْتَ وَمَنْ قَبْلك {كافرون}
قَالَ تَعَالَى تَخْوِيفًا لَهُمْ
2 -
(1/649)
فَانْتَقَمْنَا
مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
(25)
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أَيْ مِنْ
الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ قَبْلك {فانظر كيف كان عاقبة
المكذبين}
2 -
(1/649)
وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا
تَعْبُدُونَ (26)
{و} اذكر {إِذْ قَالَ إبْرَاهِيم لِأَبِيهِ
وَقَوْمِهِ إنَّنِي بَرَاء} أي بريء {مما تعبدون}
2 -
(1/649)
إِلَّا الَّذِي
فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)
{إلا الذي فطرني} خلقني {فإنه سيهدين}
يرشدني لدينه
(1/649)
2 -
(1/650)
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً
بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)
{وَجَعَلَهَا} أَيْ كَلِمَة التَّوْحِيد
الْمَفْهُومَة مِنْ قَوْله إنِّي ذَاهِب إلَى رَبِّي
سَيَهْدِينِ {كَلِمَة بَاقِيَة فِي عَقِبه} ذُرِّيَّته فَلَا
يَزَال فِيهِمْ مَنْ يُوَحِّد اللَّه {لَعَلَّهُمْ} أَيْ أَهْل
مَكَّة {يَرْجِعُونَ} عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ إلَى دِين
إبْرَاهِيم أَبِيهِمْ
2 -
(1/650)
بَلْ مَتَّعْتُ
هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ
مُبِينٌ (29)
{بَلْ مَتَّعْت هَؤُلَاءِ} الْمُشْرِكِينَ
{وَآبَاءَهُمْ} وَلَمْ أُعَاجِلهُمْ بالعقوبة {حتى جاءهم الحق}
القرآن {وَرَسُول مُبِين} مُظْهِر لَهُمْ الْأَحْكَام
الشَّرْعِيَّة وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
3 -
(1/650)
وَلَمَّا جَاءَهُمُ
الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)
{ولما جاءهم الحق} القرآن {قالوا هذا سحر
وإنا به كافرون}
3 -
(1/650)
وَقَالُوا لَوْلَا
نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ
عَظِيمٍ (31)
{وَقَالُوا لَوْلَا} هَلَّا {نُزِّلَ هَذَا
الْقُرْآن عَلَى رَجُل مِنْ} أَهْل {الْقَرْيَتَيْنِ} مِنْ
أَيَّة مِنْهُمَا {عَظِيم} أَيْ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة
بِمَكَّة أَوْ عُرْوَة بْن مَسْعُود الثقفي بالطائف
3 -
(1/650)
أَهُمْ يَقْسِمُونَ
رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ
بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا
وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَة رَبّك}
النُّبُوَّة {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنهمْ مَعِيشَتهمْ فِي
الْحَيَاة الدُّنْيَا} فَجَعَلْنَا بَعْضهمْ غَنِيًّا
وَبَعْضهمْ فَقِيرًا {وَرَفَعْنَا بَعْضهمْ} بِالْغِنَى {فَوْق
بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذ بَعْضهمْ} الْغَنِيّ {بَعْضًا}
الْفَقِير {سُخْرِيًّا} مُسَخَّرًا فِي الْعَمَل لَهُ
بِالْأُجْرَةِ وَالْيَاء لِلنَّسَبِ وَقُرِئَ بِكَسْرِ السِّين
{وَرَحْمَة رَبّك} أَيْ الْجَنَّة {خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ}
فِي الدُّنْيَا
3 -
(1/650)
وَلَوْلَا أَنْ
يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ
يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ
وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)
{وَلَوْلَا أَنْ يَكُون النَّاس أُمَّة
وَاحِدَة} عَلَى الْكُفْر {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُر
بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ} بَدَل مِنْ لِمَنْ {سَقْفًا}
بِفَتْحِ السِّين وَسُكُون الْقَاف وَبِضَمِّهِمَا جَمْعًا
{مِنْ فِضَّة وَمَعَارِج} كَالدَّرَجِ مِنْ فِضَّة {عَلَيْهَا
يَظْهَرُونَ} يَعْلُونَ إلَى السَّطْح
3 -
(1/650)
وَلِبُيُوتِهِمْ
أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34)
{ولبيوتهم أبوابا} من فضة {و} جَعَلْنَا
لَهُمْ {سُرُرًا} مِنْ فِضَّة جَمْع سَرِير {عليها يتكئون}
3 -
(1/650)
وَزُخْرُفًا وَإِنْ
كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
{وَزُخْرُفًا} ذَهَبًا الْمَعْنَى لَوْلَا
خَوْف الْكُفْر عَلَى الْمُؤْمِن مِنْ إعْطَاء الْكَافِر مَا
ذُكِرَ لَأَعْطَيْنَاهُ ذَلِكَ لِقِلَّةِ خَطَر الدُّنْيَا
عِنْدنَا وَعَدَم حَظّه فِي الْآخِرَة فِي النَّعِيم {وَإِنْ}
مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة {كُلّ ذَلِكَ لَمَا}
بِالتَّخْفِيفِ فَمَا زَائِدَة وَبِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى
إلَّا فَإِنْ نَافِيَة {مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا}
يَتَمَتَّع بِهِ فِيهَا ثُمَّ يَزُول {وَالْآخِرَة} الجنة {عند
ربك للمتقين
(1/650)
3 -
(1/651)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ
ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ
قَرِينٌ (36)
{وَمَنْ يَعْشُ} يَعْرِض {عَنْ ذِكْر
الرَّحْمَن} أَيْ الْقُرْآن {نُقَيِّض} نُسَبِّب {لَهُ
شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين} لَا يُفَارِقهُ
3 -
(1/651)
وَإِنَّهُمْ
لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
مُهْتَدُونَ (37)
{وَإِنَّهُمْ} أَيْ الشَّيَاطِين
{لَيَصُدُّونَهُمْ} أَيْ الْعَاشِينَ {عَنِ السَّبِيل} أَيْ
طَرِيق الْهُدَى {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} فِي
الْجَمْع رِعَايَة مَعْنَى مَنْ
3 -
(1/651)
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا
قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ
فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
{حَتَّى إذَا جَاءَنَا} الْعَاشِي
بِقَرِينِهِ يَوْم الْقِيَامَة {قال} له {يا} للتنبيه {ليت
بَيْنِي وَبَيْنك بُعْد الْمَشْرِقَيْنِ} أَيْ مِثْل بُعْد مَا
بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب {فَبِئْسَ الْقَرِين} أَنْتَ لي
قال تعالى
3 -
(1/651)
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ
الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ
مُشْتَرِكُونَ (39)
{وَلَنْ يَنْفَعكُمْ} أَيْ الْعَاشِينَ
تَمَنِّيكُمْ وَنَدَمكُمْ {الْيَوْم إذْ ظَلَمْتُمْ} أَيْ
تَبَيَّنَ لَكُمْ ظُلْمكُمْ بِالْإِشْرَاكِ فِي الدُّنْيَا
{أَنَّكُمْ} مَعَ قُرَنَائِكُمْ {فِي الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ}
عِلَّة بِتَقْدِيرِ اللَّام لِعَدَمِ النَّفْع وَإِذْ بَدَل
مِنْ الْيَوْم
4 -
(1/651)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ
الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ (40)
{أَفَأَنْتَ تُسْمِع الصُّمّ أَوْ تَهْدِي
الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَال مُبِين} بَيِّن أَيْ فَهُمْ
لا يؤمنون
4 -
(1/651)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ
بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)
{فَإِمَّا} فِيهِ إدْغَام نُون إنْ
الشَّرْطِيَّة فِي مَا الزَّائِدَة {نَذْهَبَنَّ بِك} بِأَنْ
نُمِيتك قَبْل تَعْذِيبهمْ {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ}
فِي الْآخِرَة
4 -
(1/651)
أَوْ نُرِيَنَّكَ
الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)
{أَوْ نُرِيَنك} فِي حَيَاتك {الَّذِي
وَعَدْنَاهُمْ} بِهِ مِنْ الْعَذَاب {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ}
عَلَى عَذَابهمْ {مُقْتَدِرُونَ} قادرون
4 -
(1/651)
فَاسْتَمْسِكْ
بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(43)
{فَاسْتَمْسِكْ بِاَلَّذِي أُوحِيَ إلَيْك}
أَيْ الْقُرْآن {إنَّك على صراط} طريق {مستقيم}
4 -
(1/651)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ
لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
{وَإِنَّهُ لَذِكْر} لَشَرَف {لَك
وَلِقَوْمِك} لِنُزُولِهِ بِلُغَتِهِمْ {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}
عَنْ الْقِيَام بِحَقِّهِ
4 -
(1/651)
وَاسْأَلْ مَنْ
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ
دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك
مِنْ رُسُلنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُون الرَّحْمَن} أَيْ غَيْره
{آلِهَة يعبدون} قيل هُوَ عَلَى ظَاهِره بِأَنْ جَمَعَ لَهُ
الرُّسُل لَيْلَة الْإِسْرَاء وَقِيلَ الْمُرَاد أُمَم مِنْ
أَيّ أَهْل الْكِتَابَيْنِ وَلَمْ يَسْأَل عَلَى وَاحِد مِنْ
الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُرَاد مِنْ الْأَمْر بِالسُّؤَالِ
التَّقْرِير لِمُشْرِكِي قُرَيْش أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ رَسُول
مِنْ اللَّه وَلَا كِتَاب بِعِبَادَةِ غَيْر اللَّه
(1/651)
4 -
(1/652)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ
إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا
إلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ} أي القبط {فقال إني رسول رب
العالمين}
4 -
(1/652)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ
بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47)
{فلما جاءهم بآياتنا} الدالة على رسالته
{إذا هم منها يضحكون}
4 -
(1/652)
وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ
آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ
بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)
{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَة} مِنْ آيَات
الْعَذَاب كَالطُّوفَانِ وَهُوَ مَاء دَخَلَ بُيُوتهمْ
وَوَصَلَ إلَى حُلُوق الْجَالِسِينَ سَبْعَة أَيَّام
وَالْجَرَاد {إلَّا هِيَ أَكْبَر مِنْ أُخْتهَا} قَرِينَتهَا
الَّتِي قَبْلهَا {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ} عَنْ الْكُفْر
4 -
(1/652)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَ
السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ
إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)
{وَقَالُوا} لِمُوسَى لَمَّا رَأَوُا
الْعَذَاب {يَا أَيُّهَا السَّاحِر} أَيْ الْعَالِم الْكَامِل
لِأَنَّ السِّحْر عِنْدهمْ عِلْم عَظِيم {اُدْعُ لَنَا رَبّك
بِمَا عَهِدَ عِنْدك} مِنْ كَشْف الْعَذَاب عَنَّا إنْ آمَنَّا
{إنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} أَيْ مُؤْمِنُونَ
5 -
(1/652)
فَلَمَّا كَشَفْنَا
عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
{فَلَمَّا كَشَفْنَا} بِدُعَاءِ مُوسَى
{عَنْهُمْ الْعَذَاب إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} يَنْقُضُونَ
عَهْدهمْ وَيُصِرُّونَ عَلَى كُفْرهمْ
5 -
(1/652)
وَنَادَى فِرْعَوْنُ
فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ
وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا
تُبْصِرُونَ (51)
{وَنَادَى فِرْعَوْن} افْتِخَارًا {فِي
قَوْمه قَالَ يَا قَوْم أَلَيْسَ لِي مُلْك مِصْر وَهَذِهِ
الْأَنْهَار} مِنْ النِّيل {تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} أَيْ تَحْت
قُصُورِي {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} عَظَمَتِي
5 -
(1/652)
أَمْ أَنَا خَيْرٌ
مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)
{أَمْ} تُبْصِرُونَ وَحِينَئِذٍ {أَنَا
خَيْر مِنْ هَذَا} أَيْ مُوسَى {الَّذِي هُوَ مَهِين} ضَعِيف
حَقِير {وَلَا يَكَاد يُبِين} يُظْهِر كَلَامه لِلُثْغَتِهِ
بِالْجَمْرَةِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا فِي صِغَره
5 -
(1/652)
فَلَوْلَا أُلْقِيَ
عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ
الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)
{فَلَوْلَا} هَلَّا {أُلْقِيَ عَلَيْهِ}
إنْ كَانَ صَادِقًا {أساورة مِنْ ذَهَب} جَمْع أَسْوِرَة
كَأَغْرِبَةِ جَمْع سِوَار كَعَادَتِهِمْ فِيمَنْ
يُسَوِّدُونَهُ أَنْ يُلْبِسُوهُ أَسْوِرَة ذَهَب
وَيُطَوِّقُونَهُ طَوْق ذَهَب {أَوْ جَاءَ مَعَهُ
الْمَلَائِكَة مُقْتَرِنِينَ} مُتَتَابِعِينَ يَشْهَدُونَ
بِصِدْقِهِ
5 -
(1/652)
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ
فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)
{فَاسْتَخَفَّ} اسْتَفَزَّ فِرْعَوْن
{قَوْمه فَأَطَاعُوهُ} فِيمَا يُرِيد من تكذيب موسى {إنهم
كانوا قوما فاسقين
(1/652)
5 -
(1/653)
فَلَمَّا آسَفُونَا
انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
{فلما آسفونا} أغضبونا {انتقمنا منهم
فأغرقناهم أجمعين}
5 -
(1/653)
فَجَعَلْنَاهُمْ
سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} جَمْع سَالِف
كَخَادِمٍ وَخَدَم أَيْ سَابِقِينَ عِبْرَة {وَمَثَلًا
لِلْآخَرِينَ} بَعْدهمْ يَتَمَثَّلُونَ بِحَالِهِمْ فَلَا
يَقْدَمُونَ عَلَى مِثْل أَفْعَالهمْ
5 -
(1/653)
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ
مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
{ولما ضرب} جعل {بن مَرْيَم مَثَلًا} حِين
نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون
اللَّه حَصَب جَهَنَّم} فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ رَضِينَا أَنْ
تَكُون آلِهَتنَا مَعَ عِيسَى لِأَنَّهُ عُبِدَ مِنْ دُون
اللَّه {إذَا قَوْمك} أَيْ الْمُشْرِكُونَ {مِنْهُ} مِنْ
الْمَثَل {يَصِدُّونَ} يَضْحَكُونَ فَرَحًا بِمَا سَمِعُوا
5 -
(1/653)
وَقَالُوا
أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا
جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
{وَقَالُوا أَآلِهَتنَا خَيْر أَمْ هُوَ}
أَيْ عِيسَى فَنَرْضَى أَنْ تَكُون آلِهَتنَا مَعَهُ {مَا
ضَرَبُوهُ} أَيْ الْمَثَل {لَك إلَّا جَدَلًا} خُصُومَة
بِالْبَاطِلِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ مَا لِغَيْرِ الْعَاقِل فَلَا
يَتَنَاوَل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام {بَلْ هُمْ قَوْم
خَصِمُونَ} شديدو الخصومة
5 -
(1/653)
إِنْ هُوَ إِلَّا
عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي
إِسْرَائِيلَ (59)
{إنْ} مَا {هُوَ} عِيسَى {إلَّا عَبْد
أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بِالنُّبُوَّةِ {وَجَعَلْنَاهُ}
بِوُجُودِهِ مِنْ غَيْر أَب {مَثَلًا لِبَنِي إسْرَائِيل} أَيْ
كَالْمَثَلِ لِغَرَابَتِهِ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى قُدْرَة
اللَّه تَعَالَى عَلَى مَا يشاء
6 -
(1/653)
وَلَوْ نَشَاءُ
لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ
(60)
{وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ}
بَدَلكُمْ {مَلَائِكَة فِي الْأَرْض يَخْلُفُونَ} بِأَنْ
نُهْلِككُمْ
6 -
(1/653)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ
لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا
صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
{وَإِنَّهُ} أَيْ عِيسَى {لَعِلْم
لِلسَّاعَةِ} تُعْلَم بِنُزُولِهِ {فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا}
أَيْ تَشُكُّنَّ فِيهَا حُذِفَ منه نون الرفع للجزم واو
الضَّمِير لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ {وَ}
قُلْ لَهُمْ {اتَّبِعُونِ} عَلَى التَّوْحِيد {هَذَا} الَّذِي
آمُركُمْ بِهِ {صِرَاط} طَرِيق {مُسْتَقِيم}
6 -
(1/653)
وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ
الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)
{وَلَا يَصُدَّنكُمْ} يَصْرِفَنكُمْ عَنْ
دِين اللَّه {الشَّيْطَان إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين} بَيِّن
الْعَدَاوَة
(1/653)
6 -
(1/654)
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى
بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ
وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ}
بِالْمُعْجِزَاتِ وَالشَّرَائِع {قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ
بِالْحِكْمَةِ} بِالنُّبُوَّةِ وَشَرَائِع الْإِنْجِيل
{وَلِأُبَيِّن لَكُمْ بَعْض الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} مِنْ
أَحْكَام التَّوْرَاة مِنْ أَمْر الدِّين وَغَيْره فَبَيَّنَ
لَهُمْ أمر الدين {فاتقوا الله وأطيعون}
6 -
(1/654)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ
رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ
(64)
{إنَّ اللَّه هُوَ رَبِّي وَرَبّكُمْ
فَاعْبُدُوهُ هَذَا صراط} طريق {مستقيم}
6 -
(1/654)
فَاخْتَلَفَ
الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)
{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ}
فِي عِيسَى أَهُوَ الله أو بن اللَّه أَوْ ثَالِث ثَلَاثَة
{فَوَيْل} كَلِمَة عَذَاب {لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} كَفَرُوا
بِمَا قَالُوهُ فِي عِيسَى {مِنْ عَذَاب يَوْم أَلِيم} مُؤْلِم
6 -
(1/654)
هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (66)
{هَلْ يَنْظُرُونَ} أَيْ كُفَّار مَكَّة
أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ {إلَّا السَّاعَة أَنْ تَأْتِيهِمْ}
بَدَل مِنْ السَّاعَة {بَغْتَة} فَجْأَة {وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ} بِوَقْتِ مجيئها قبله
6 -
(1/654)
الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
(67)
{الْأَخِلَّاء} عَلَى الْمَعْصِيَة فِي
الدُّنْيَا {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة مُتَعَلِّق
بِقَوْلِهِ {بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إلَّا الْمُتَّقِينَ}
الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّه عَلَى طَاعَته فَإِنَّهُمْ
أَصْدِقَاء وَيُقَال لَهُمْ
6 -
(1/654)
يَا عِبَادِ لَا
خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)
{يَا عِبَاد لَا خَوْف عَلَيْكُمْ الْيَوْم
وَلَا أنتم تحزنون}
6 -
(1/654)
الَّذِينَ آمَنُوا
بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)
{الذين آمنوا} نعت لعبادي {بآياتنا} القرآن
{وكانوا مسلمين}
7 -
(1/654)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ
أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
{اُدْخُلُوا الْجَنَّة أَنْتُمْ} مُبْتَدَأ
{وَأَزْوَاجكُمْ} زَوْجَاتكُمْ {تُحْبَرُونَ} تُسَرُّونَ
وَتُكْرَمُونَ خَبَر الْمُبْتَدَأ
7 -
(1/654)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ
بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ
الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (71)
{يُطَاف عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ} بِقِصَاعٍ
{مِنْ ذَهَب وَأَكْوَاب} جَمْع كُوب وَهُوَ إنَاء لَا عُرْوَة
لَهُ لِيَشْرَب الشَّارِب مِنْ حَيْثُ شَاءَ {وَفِيهَا مَا
تشتهيه الأنفس} تلذذا {وتلذ الأعين} نظرا {وأنتم فيها خالدون}
7 -
(1/654)
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ
الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)
{وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم
تعملون}
7 -
(1/654)
لَكُمْ فِيهَا
فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)
{لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَة كَثِيرَة مِنْهَا}
أَيْ بَعْضهَا {تأكلون} وكل ما يؤكل يخلف بدله
7 -
(1/654)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ
فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)
{إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون}
7 -
(1/654)
لَا يُفَتَّرُ
عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)
{لَا يُفَتَّر} يُخَفَّف {عَنْهُمْ وَهُمْ
فِيهِ مُبْلِسُونَ} ساكتون سكوت يأس
7 -
(1/654)
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ
وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)
{وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين
(1/654)
7 -
(1/655)
وَنَادَوْا يَا
مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ
مَاكِثُونَ (77)
{وَنَادَوْا يَا مَالِك} هُوَ خَازِن
النَّار {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك} لِيُمِتْنَا {قَالَ} بَعْد
أَلْف سَنَة {إنكم ماكثون} مقيمون في العذاب دائما
7 -
(1/655)
لَقَدْ جِئْنَاكُمْ
بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)
قال تعالى {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ} أَيْ أَهْل
مَكَّة {بِالْحَقِّ} عَلَى لسان الرسول {ولكن أكثركم للحق
كارهون}
7 -
(1/655)
أَمْ أَبْرَمُوا
أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
{أَمْ أَبْرَمُوا} أَيْ كُفَّار مَكَّة
أَحْكَمُوا {أَمْرًا} فِي كَيْد مُحَمَّد النَّبِيّ {فَإِنَّا
مُبْرِمُونَ} مُحْكِمُونَ كَيْدنَا فِي إهْلَاكهمْ
8 -
(1/655)
أَمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى
وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَع
سِرّهمْ وَنَجْوَاهُمْ} مَا يُسِرُّونَ إلَى غَيْرهمْ وَمَا
يَجْهَرُونَ بِهِ بَيْنهمْ {بَلَى} نَسْمَع ذَلِكَ
{وَرُسُلنَا} الْحَفَظَة {لَدَيْهِمْ} عِنْدهمْ {يَكْتُبُونَ}
ذَلِكَ
8 -
(1/655)
قُلْ إِنْ كَانَ
لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
{قُلْ إنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد}
فَرْضًا {فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ} لِلْوَلَدِ لَكِنْ
ثَبَتَ أَنْ لَا وَلَد لَهُ تَعَالَى فَانْتَفَتْ عِبَادَته
8 -
(1/655)
سُبْحَانَ رَبِّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
(82)
{سبحان رب السماوات وَالْأَرْض رَبّ
الْعَرْش} الْكُرْسِيّ {عَمَّا يَصِفُونَ} يَقُولُونَ مِنْ
الْكَذِب بِنِسْبَةِ الْوَلَد إلَيْهِ
8 -
(1/655)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا
وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ
(83)
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} فِي بَاطِلهمْ
{وَيَلْعَبُوا} فِي دُنْيَاهُمْ {حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ
الَّذِي يُوعَدُونَ} فِيهِ الْعَذَاب وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة
8 -
(1/655)
وَهُوَ الَّذِي فِي
السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ
الْعَلِيمُ (84)
{وهو الذي} هو {في السماء إلَه}
بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِسْقَاط الْأُولَى
وَتَسْهِيلهَا كَالْيَاءِ أي معبود {وفي الأرض إله} وَكُلّ
مِنْ الظَّرْفَيْنِ مُتَعَلِّق بِمَا بَعْده {وَهُوَ
الْحَكِيم} فِي تَدْبِير خَلْقه {الْعَلِيم} بِمَصَالِحِهِمْ
8 -
(1/655)
وَتَبَارَكَ الَّذِي
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)
{وتبارك} تعظم {الذي له ملك السماوات
وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا وَعِنْده عِلْم السَّاعَة} مَتَى
تقوم {وإليه يرجعون} بالياء والتاء
(1/655)
8 -
(1/656)
وَلَا يَمْلِكُ
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ
شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
{وَلَا يَمْلِك الَّذِينَ يَدْعُونَ}
يَعْبُدُونَ أَيْ الْكُفَّار {مِنْ دُونه} أَيْ مِنْ دُون
اللَّه {الشَّفَاعَة} لِأَحَدٍ {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ}
أَيْ قَالَ لَا إلَه إلَّا اللَّه {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
بِقُلُوبِهِمْ مَا شَهِدُوا بِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَهُمْ
عِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة فَإِنَّهُمْ يَشْفَعُونَ
لِلْمُؤْمِنِينَ
8 -
(1/656)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ
(87)
{وَلَئِنْ} لَام قَسَم {سَأَلْتهمْ مَنْ
خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه} حُذِفَ مِنْهُ نُون الرَّفْع
وَوَاو الضَّمِير {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} يُصْرَفُونَ عَنْ
عِبَادَة اللَّه
8 -
(1/656)
وَقِيلِهِ يَا رَبِّ
إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)
{وَقِيلِهِ} أَيْ قَوْل مُحَمَّد النَّبِيّ
وَنَصْبه عَلَى الْمَصْدَر بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر أَيْ
وَقَالَ {يَا رَبّ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون}
8 -
(1/656)
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ
وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
قال تعالى {فَاصْفَحْ} أَعْرِضْ {عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَام}
مِنْكُمْ وَهَذَا قَبْل أَنْ يُؤْمَر بِقِتَالِهِمْ {فَسَوْفَ
يَعْلَمُونَ} بِالْيَاءِ والتاء تهديد لهم |