تفسير الجلالين = 46 سورة الأحقاف
(1/665)
حم (1)
{حم} اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِهِ
(1/665)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ
مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
{تنزيل الكتاب} القرآن مبتدأ {من الله}
خبره {الْعَزِيز} فِي مُلْكه {الْحَكِيم} فِي صُنْعه
(1/665)
مَا خَلَقْنَا
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا
بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا
أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
{ما خلقنا السماوات وَالْأَرْض وَمَا
بَيْنهمَا إلَّا} خَلْقًا {بِالْحَقِّ} لِيَدُلّ عَلَى
قُدْرَتنَا وَوَحْدَانِيّتنَا {وَأَجَل مُسَمَّى} إلَى
فَنَائِهِمَا يَوْم الْقِيَامَة {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا
أُنْذِرُوا} خُوِّفُوا به من العذاب {معرضون}
(1/666)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ
الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي
بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ} أَخْبِرُونِي {مَا
تَدْعُونَ} تَعْبُدُونَ {مِنْ دُون اللَّه} أَيْ الْأَصْنَام
مَفْعُول أَوَّل {أَرُونِي} أَخْبِرُونِي مَا تَأْكِيد {مَاذَا
خَلَقُوا} مَفْعُول ثَانٍ {مِنْ الْأَرْض} بَيَان مَا {أَمْ
لَهُمْ شِرْك} مُشَارَكَة {فِي} خَلْق {السَّمَاوَات} مَعَ
اللَّه وَأَمْ بِمَعْنَى هَمْزَة الْإِنْكَار {ائْتُونِي
بِكِتَابٍ} مُنَزَّل {مِنْ قَبْل هَذَا} الْقُرْآن {أَوْ
أَثَارَة} بَقِيَّة {مِنْ عِلْم} يُؤْثَر عَنْ الْأَوَّلِينَ
بِصِحَّةِ دَعْوَاكُمْ فِي عِبَادَة الْأَصْنَام أَنَّهَا
تُقَرِّبكُمْ إلَى اللَّه {إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فِي
دَعْوَاكُمْ
(1/666)
وَمَنْ أَضَلُّ
مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ
(5)
{وَمَنْ} اسْتِفْهَام بِمَعْنَى النَّفْي
أَيْ لَا أَحَد {أضل ممن يدعوا} يَعْبُد {مِنْ دُون اللَّه}
أَيْ غَيْره {مَنْ لَا يَسْتَجِيب لَهُ إلَى يَوْم
الْقِيَامَة} وَهُمْ الْأَصْنَام لَا يُجِيبُونَ عَابِدِيهِمْ
إلَى شَيْء يَسْأَلُونَهُ أَبَدًا {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ}
عِبَادَتهمْ {غَافِلُونَ} لِأَنَّهُمْ جَمَاد لَا يَعْقِلُونَ
(1/666)
وَإِذَا حُشِرَ
النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ
كَافِرِينَ (6)
{وَإِذَا حُشِرَ النَّاس كَانُوا} أَيْ
الْأَصْنَام {لَهُمْ} لِعَابِدِيهِمْ {أَعْدَاء وَكَانُوا
بِعِبَادَتِهِمْ} بِعِبَادَةِ عَابِدِيهِمْ {كَافِرِينَ}
جاحدين
(1/666)
وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} أَيْ أَهْل
مَكَّة {آيَاتنَا} الْقُرْآن {بَيِّنَات} ظَاهِرَات حَال
{قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} مِنْهُمْ {لِلْحَقِّ} أَيْ
الْقُرْآن {لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْر مُبِين} بَيِّن
ظَاهِر
(1/666)
أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي
مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ
كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ (8)
{أَمْ} بِمَعْنَى بَلْ وَهَمْزَة
الْإِنْكَار {يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أَيْ الْقُرْآن {قُلْ
إِنِ افْتَرَيْته} فَرْضًا {فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ
اللَّه} أَيْ مِنْ عَذَابه {شيئا} أي لا تقدرون على دفعه
عَنِّي إذَا عَذَّبَنِي اللَّه {هُوَ أَعْلَم بِمَا تُفِيضُونَ
فِيهِ} يَقُولُونَ فِي الْقُرْآن {كَفَى بِهِ} تَعَالَى
{شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ وَهُوَ الْغَفُور} لِمَنْ تَابَ
{الرَّحِيم} بِهِ فَلَمْ يُعَاجِلكُمْ بِالْعُقُوبَةِ
(1/667)
قُلْ مَا كُنْتُ
بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا
بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا
إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
{قُلْ مَا كُنْت بِدْعًا} بَدِيعًا {مِنَ
الرُّسُل} أي أول مرسل قد سَبَقَ قَبْلِي كَثِيرُونَ مِنْهُمْ
فَكَيْفَ تُكَذِّبُونِي {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَل بِي وَلَا
بِكُمْ} فِي الدُّنْيَا أَأَخْرُجُ مِنْ بَلَدِي أَمْ أُقْتَل
كَمَا فُعِلَ بِالْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي أَوْ تَرْمُونِي
بِالْحِجَارَةِ أَمْ يُخْسَف بِكُمْ كَالْمُكَذِّبِينَ
قَبْلكُمْ {إنْ} مَا {أَتَّبِع إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ} أَيْ
الْقُرْآن وَلَا أَبْتَدِع مِنْ عِنْدِي شَيْئًا {وَمَا أَنَا
إلَّا نَذِير مُبِين} بَيِّن الْإِنْذَار
1 -
(1/667)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ
شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ
وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (10)
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ} أَخْبِرُونِي مَاذَا
حَالكُمْ {إنْ كَانَ} أَيْ الْقُرْآن {مِنْ عِنْد اللَّه
وَكَفَرْتُمْ بِهِ} جُمْلَة حَالِيَّة {وَشَهِدَ شَاهِد مِنْ
بَنِي إسْرَائِيل} هُوَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام {عَلَى
مِثْله} أَيْ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه {فَآمَنَ}
الشَّاهِد {وَاسْتَكْبَرْتُمْ} تَكَبَّرْتُمْ عَنْ الْإِيمَان
وَجَوَاب الشَّرْط بِمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَلَسْتُمْ
ظَالِمِينَ دَلَّ عَلَيْهِ {إنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم
الظَّالِمِينَ}
1 -
(1/667)
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا
سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ
فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ
آمَنُوا} أَيْ فِي حَقّهمْ {لَوْ كَانَ} الْإِيمَان {خَيْرًا
مَا سَبَقُونَا إلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا} أَيْ
الْقَائِلُونَ {بِهِ} أَيْ الْقُرْآن {فَسَيَقُولُونَ هَذَا}
أَيْ الْقُرْآن {إفْك} كذب {قديم}
1 -
(1/667)
وَمِنْ قَبْلِهِ
كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ
لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى
لِلْمُحْسِنِينَ (12)
{وَمِنْ قَبْله} أَيْ الْقُرْآن {كِتَاب
مُوسَى} أَيْ التَّوْرَاة {إمَامًا وَرَحْمَة} لِلْمُؤْمِنِينَ
بِهِ حَالَانِ {وَهَذَا} أَيْ الْقُرْآن {كِتَاب مُصَدِّق}
لِلْكُتُبِ قَبْله {لِسَانًا عَرَبِيًّا} حَال مِنْ الضَّمِير
فِي مُصَدِّق {لِيُنْذِر الذين ظلموا} مشركي مكة {و} هو {بشرى
للمحسنين} المؤمنين
1 -
(1/667)
إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}
على الطاعة {فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
(1/667)
1 -
(1/668)
أُولَئِكَ أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (14)
{أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة خَالِدِينَ
فِيهَا} حَال {جَزَاء} مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر بِفِعْلِهِ
الْمُقَدَّر أَيْ يُجْزَوْنَ {بما كانوا يعملون}
1 -
(1/668)
وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ
ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ
أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ
نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ
وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي
ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (15)
{ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} وَفِي
قِرَاءَة إحْسَانًا أَيْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُحْسِن إلَيْهِمَا
فَنَصَبَ إحْسَانًا عَلَى الْمَصْدَر بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر
وَمِثْله حَسَنًا {حَمَلَتْهُ أُمّه كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ
كُرْهًا} أَيْ عَلَى مَشَقَّة {وَحَمْله وَفِصَاله} مِنْ
الرَّضَاع {ثَلَاثُونَ شَهْرًا} سِتَّة أَشْهُر أَقَلّ مُدَّة
الْحَمْل وَالْبَاقِي أَكْثَر مُدَّة الرَّضَاع وَقِيلَ إنْ
حَمَلَتْ بِهِ سِتَّة أَوْ تِسْعَة أَرْضَعَتْهُ الْبَاقِي
{حَتَّى} غَايَة لِجُمْلَةٍ مُقَدَّرَة أَيْ وَعَاشَ حَتَّى
{إذَا بَلَغَ أَشُدّهُ} هُوَ كَمَال قُوَّته وَعَقْله وَرَأْيه
أَقَلّه ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سَنَة أَوْ ثَلَاثُونَ {وَبَلَغَ
أَرْبَعِينَ سَنَة} أَيْ تَمَامهَا وَهُوَ أَكْثَر الْأَشُدّ
{قَالَ رَبّ} إلَخْ نَزَلَ فِي أَبِي بَكْر الصِّدِّيق لَمَّا
بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَة بَعْد سَنَتَيْنِ مِنْ مَبْعَث
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ بِهِ ثُمَّ
آمَنَ أَبَوَاهُ ثُمَّ ابْنه عبد الرحمن وبن عَبْد الرَّحْمَن
أَبُو عَتِيق {أَوْزِعْنِي} أَلْهِمْنِي {أَنْ أَشْكُر
نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمْت} بِهَا {عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدِيَّ} وَهِيَ التَّوْحِيد {وَأَنْ أَعْمَل صَالِحًا
تَرْضَاهُ} فَأَعْتَقَ تِسْعَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
يُعَذَّبُونَ فِي اللَّه وأصلح لي في ذريتي فكلهم مؤمنون {إني
تبت إليك وإني من المسلمين}
1 -
(1/668)
أُولَئِكَ الَّذِينَ
نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ
عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ
الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)
{أُولَئِكَ} أَيْ قَائِلُو هَذَا الْقَوْل
أَبُو بَكْر وَغَيْره {الَّذِينَ نَتَقَبَّل عَنْهُمْ أَحْسَن}
بِمَعْنَى حَسَن {مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَز عَنْ سَيِّئَاتهمْ
فِي أَصْحَاب الْجَنَّة} حَال أَيْ كَائِنِينَ فِي جُمْلَتهمْ
{وَعْد الصِّدْق الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} فِي قَوْله
تَعَالَى {وَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات
جَنَّات}
1 -
(1/668)
وَالَّذِي قَالَ
لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ
وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ
اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ
مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)
{وَاَلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ} وَفِي
قِرَاءَة بِالْإِدْغَامِ أُرِيدَ بِهِ الْجِنْس {أُفٍّ}
بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحهَا بِمَعْنَى مَصْدَر أَيْ نَتْنًا
وَقُبْحًا {لَكُمَا} أَتَضَجَّر مِنْكُمَا {أَتَعِدَانِنِي}
وَفِي قِرَاءَة بِالْإِدْغَامِ {أَنْ أُخْرَجَ} مِنْ الْقَبْر
{وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُون} الْأُمَم {مِنْ قَبْلِي} وَلَمْ
تَخْرُج مِنْ الْقُبُور {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّه}
يسألانه الغوث برجوعه ويقولان إنْ لَمْ تَرْجِع {وَيْلك} أَيْ
هَلَاكك بِمَعْنَى هَلَكْت {آمِن} بِالْبَعْثِ {إنَّ وَعْد
اللَّه حَقّ فَيَقُول مَا هَذَا} أَيْ الْقَوْل بِالْبَعْثِ
{إلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ} أَكَاذِيبهمْ
(1/668)
1 -
(1/669)
أُولَئِكَ الَّذِينَ
حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا
خَاسِرِينَ (18)
{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ} وَجَبَ
{عَلَيْهِمْ الْقَوْل} بِالْعَذَابِ {في أمم قد خلت من قبلهم
من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين}
1 -
(1/669)
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ
مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ (19)
{وَلِكُلٍّ} مِنْ جِنْس الْمُؤْمِن
وَالْكَافِر {دَرَجَات} فَدَرَجَات الْمُؤْمِنِينَ فِي
الْجَنَّة عَالِيَة وَدَرَجَات الْكَافِرِينَ فِي النَّار
سَافِلَة {مِمَّا عَمِلُوا} أَيْ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ
الطَّاعَات وَالْكَافِرُونَ مِنْ الْمَعَاصِي
{وَلِيُوَفِّيَهُمْ} أَيْ اللَّه وَفِي قِرَاءَة بِالنُّونِ
{أَعْمَالهمْ} أَيْ جَزَاءَهَا {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}
شَيْئًا يُنْقَص لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُزَاد لِلْكُفَّارِ
2 -
(1/669)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ
الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ
طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ
بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ
تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا
كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)
{وَيَوْم يُعْرَض الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى
النَّار} بِأَنْ تُكْشَف لَهُمْ يُقَال لَهُمْ {أَذْهَبْتُمْ}
بِهَمْزَةٍ وَبِهَمْزَتَيْنِ وَبِهَمْزَةٍ وَمَدَّة وَبِهِمَا
وَتَسْهِيل الثَّانِيَة {طَيِّبَاتكُمْ} بِاشْتِغَالِكُمْ
بِلَذَّاتِكُمْ {فِي حَيَاتكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ}
تَمَتَّعْتُمْ {بِهَا فاليوم تجزون عذاب الهون} أي الهوان {بما
كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} تَتَكَبَّرُونَ {فِي الْأَرْض
بِغَيْرِ الْحَقّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} بِهِ
وَتُعَذَّبُونَ بِهَا
2 -
(1/669)
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ
إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ
النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ
يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)
{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ} هُوَ هُود
عَلَيْهِ السَّلَام {إذْ} إلَخْ بَدَل اشْتِمَال {أَنْذَرَ
قَوْمه} خَوَّفَهُمْ {بِالْأَحْقَافِ} وَادٍ بِالْيَمَنِ بِهِ
مَنَازِلهمْ {وَقَدْ خَلَتْ النُّذُر} مَضَتْ الرُّسُل {مِنْ
بَيْن يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفه} أَيْ مِنْ قَبْل هُود وَمِنْ
بَعْده إلَى أَقْوَامهمْ {أَنْ} أَيْ بِأَنْ قَالَ {لَا
تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه} وَجُمْلَة وَقَدْ خَلَتْ مُعْتَرِضَة
{إنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ} إنْ عَبَدْتُمْ غَيْر اللَّه {عذاب
يوم عظيم}
2 -
(1/669)
قَالُوا أَجِئْتَنَا
لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ
كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)
{قَالُوا أَجِئْتنَا لِتَأْفِكنَا عَنْ
آلِهَتنَا} لِتَصْرِفنَا عَنْ عِبَادَتهَا {فَأْتِنَا بِمَا
تَعِدنَا} مِنْ الْعَذَاب عَلَى عِبَادَتهَا {إنْ كُنْت مِنَ
الصَّادِقِينَ} فِي أَنَّهُ يأتينا
(1/669)
2 -
(1/670)
قَالَ إِنَّمَا
الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ
وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)
{قَالَ} هُود {إنَّمَا الْعِلْم عِنْد
اللَّه} هُوَ الَّذِي يَعْلَم مَتَى يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب
{وَأُبَلِّغكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ} إلَيْكُمْ {وَلَكِنِّي
أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} باستعجالكم العذاب
2 -
(1/670)
فَلَمَّا رَأَوْهُ
عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ
مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا
عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} أَيْ مَا هُوَ
الْعَذَاب {عَارِضًا} سَحَابًا عَرَضَ فِي أُفُق السَّمَاء
{مُسْتَقْبِل أَوْدِيَتهمْ قَالُوا هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا}
أَيْ مُمْطِر إيَّانَا قال تعالى {بَلْ هُوَ مَا
اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} مِنْ الْعَذَاب {رِيح} بَدَل مِنْ مَا
{فِيهَا عَذَاب أَلِيم} مؤلم
2 -
(1/670)
تُدَمِّرُ كُلَّ
شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا
مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)
{تُدَمِّر} تُهْلِك {كُلّ شَيْء} مَرَّتْ
عَلَيْهِ {بِأَمْرِ رَبّهَا} بِإِرَادَتِهِ أَيْ كُلّ شَيْء
أَرَادَ إهْلَاكه بِهَا فَأَهْلَكَتْ رِجَالهمْ وَنِسَاءَهُمْ
وَصِغَارهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنْ طَارَتْ بِذَلِكَ بَيْن
السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَزَّقَتْهُ وَبَقِيَ هُود وَمَنْ
آمَنَ مَعَهُ {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إلَّا مَسَاكِنهمْ
كَذَلِكَ} كَمَا جَزَيْنَاهُمْ {نَجْزِي الْقَوْم المجرمين}
غيرهم
2 -
(1/670)
وَلَقَدْ
مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا
لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى
عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ
مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)
{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا} فِي
الَّذِي {إنْ} نَافِيَة أَوْ زَائِدَة {مَكَّنَّاكُمْ} يَا
أَهْل مَكَّة {فِيهِ} مِنْ الْقُوَّة وَالْمَال {وَجَعَلْنَا
لَهُمْ سَمْعًا} بِمَعْنَى أَسْمَاعًا {وَأَبْصَارًا
وَأَفْئِدَة} قُلُوبًا {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعهمْ وَلَا
أَبْصَارهمْ وَلَا أَفْئِدَتهمْ مِنْ شَيْء} أَيْ شَيْئًا مِنْ
الْإِغْنَاء وَمِنْ زَائِدَة {إذْ} مَعْمُولَة لأَغْنَى
وَأُشْرِبَتْ مَعْنَى التَّعْلِيل {كَانُوا يَجْحَدُونَ
بِآيَاتِ اللَّه} بِحُجَجِهِ الْبَيِّنَة {وَحَاقَ} نَزَلَ
{بِهِمْ ما كانوا به يستهزءون} أي العذاب
2 -
(1/670)
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا
مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنَ
الْقُرَى} أَيْ مِنْ أَهْلهَا كَثَمُودِ وَعَادٍ وَقَوْم لُوط
{وَصَرَّفْنَا الآيات} كررنا الحجج البينات {لعلهم يرجعون
(1/670)
2 -
(1/671)
فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ
الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً
بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ (28)
{فَلَوْلَا} هَلَّا {نَصَرَهُمْ} بِدَفْعِ
الْعَذَاب عَنْهُمْ {الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه}
أَيْ غَيْره {قُرْبَانًا} مُتَقَرَّبًا بِهِمْ إلَى اللَّه
{آلِهَة} مَعَهُ وَهُمْ الْأَصْنَام وَمَفْعُول اتَّخَذَ
الْأَوَّل ضَمِير مَحْذُوف يَعُود عَلَى الْمَوْصُول أَيْ هُمْ
وَقُرْبَانًا الثَّانِي وَآلِهَة بَدَل مِنْهُ {بَلْ ضَلُّوا}
غَابُوا {عَنْهُمْ} عِنْد نُزُول الْعَذَاب {وَذَلِكَ} أَيْ
اتِّخَاذهمْ الْأَصْنَام آلِهَة قُرْبَانًا {إفْكهمْ} كَذِبهمْ
{وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} يَكْذِبُونَ وَمَا مَصْدَرِيَّة
أَوْ مَوْصُولَة وَالْعَائِد مَحْذُوف أَيْ فيه
2 -
(1/671)
وَإِذْ صَرَفْنَا
إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ
وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
{و} اذكر {إِذْ صَرَفْنَا} أَمَلْنَا
{إلَيْك نَفَرًا مِنْ الْجِنّ} جِنّ نَصِيبِينَ بِالْيَمَنِ
أَوْ جِنّ نِينَوَى وَكَانُوا سَبْعَة أَوْ تِسْعَة وَكَانَ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْل يُصَلِّي
بِأَصْحَابِهِ الْفَجْر رَوَاهُ الشَّيْخَانِ {يَسْتَمِعُونَ
الْقُرْآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا} أَيْ قَالَ بَعْضهمْ
لِبَعْضٍ {أَنْصِتُوا} اصْغَوْا لِاسْتِمَاعِهِ {فَلَمَّا
قُضِيَ} فُرِغَ مِنْ قِرَاءَته {وَلَّوْا} رَجَعُوا {إلَى
قَوْمهمْ مُنْذِرِينَ} مُخَوِّفِينَ قَوْمهمْ الْعَذَاب إنْ
لَمْ يُؤْمِنُوا وَكَانُوا يَهُودًا وَقَدْ أَسْلَمُوا
3 -
(1/671)
قَالُوا يَا قَوْمَنَا
إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)
{قَالُوا يَا قَوْمنَا إنَّا سَمِعْنَا
كِتَابًا} هُوَ الْقُرْآن {أُنْزِلَ مِنْ بَعْد مُوسَى
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ} أَيْ تَقَدُّمه
كَالتَّوْرَاةِ {يَهْدِي إلَى الْحَقّ} الْإِسْلَام {وَإِلَى
طَرِيق مُسْتَقِيم} أَيْ طَرِيقه
3 -
(1/671)
يَا قَوْمَنَا
أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ
مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)
{يَا قَوْمنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّه}
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْإِيمَان
{وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِر} اللَّه {لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ}
أَيْ بَعْضهَا لِأَنَّ مِنْهَا الْمَظَالِم وَلَا تُغْفَر
إلَّا بِرِضَا أَصْحَابهَا {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم}
مُؤْلِم
3 -
(1/671)
وَمَنْ لَا يُجِبْ
دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ
لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
(32)
{وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِي اللَّه فَلَيْسَ
بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْض} أَيْ لَا يُعْجِز اللَّه بِالْهَرَبِ
منه فيفوته {وليس له} لمن لا يجيب {مِنْ دُونه} أَيْ اللَّه
{أَوْلِيَاء} أَنْصَار يَدْفَعُونَ عَنْهُ الْعَذَاب
{أُولَئِكَ} الَّذِينَ لَمْ يُجِيبُوا {فِي ضلال مبين}
بين ظاهر
3 -
(1/671)
أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ
الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)
{أو لم يَرَوْا} يَعْلَمُوا أَيْ مُنْكِرُو
الْبَعْث {أَنَّ اللَّه الذي خلق السماوات وَالْأَرْض وَلَمْ
يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} لَمْ يَعْجِز عَنْهُ {بِقَادِرٍ} خَبَر
أَنَّ وَزِيدَتْ الْبَاء فِيهِ لِأَنَّ الْكَلَام فِي قُوَّة
أَلَيْسَ اللَّه بِقَادِرٍ {عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى
بَلَى} هُوَ قَادِر عَلَى إحياء الموتى {إنه على كل شيء قدير
(1/671)
3 -
(1/672)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ
الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ
قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا
كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34)
{وَيَوْم يُعْرَض الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى
النَّار} بِأَنْ يُعَذَّبُوا بِهَا يُقَال لَهُمْ {أَلَيْسَ
هَذَا} التَّعْذِيب {بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب
بما كنتم تكفرون}
3 -
(1/672)
فَاصْبِرْ كَمَا
صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ
لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ
يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ
يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
{فاصبر} على أذى قومك {كما صبر أولوا
الْعَزْم} ذَوُو الثَّبَات وَالصَّبْر عَلَى الشَّدَائِد {مِنَ
الرُّسُل} قَبْلك فَتَكُون ذَا عَزْم وَمِنْ لِلْبَيَانِ
فَكُلّهمْ ذَوُو عَزْم وَقِيلَ لِلتَّبْعِيضِ فَلَيْسَ
مِنْهُمْ آدَم لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ نَجِد لَهُ
عَزْمًا} وَلَا يُونُس لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَكُنْ
كَصَاحِبِ الْحُوت {وَلَا تَسْتَعْجِل لَهُمْ} لِقَوْمِك
نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ قِيلَ كَأَنَّهُ ضَجِرَ مِنْهُمْ
فَأَحَبَّ نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ فَأُمِرَ بِالصَّبْرِ
وَتَرْك الِاسْتِعْجَال لِلْعَذَابِ فإنه نازل لا محالة {كأنهم
يوم يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} مِنْ الْعَذَاب فِي الْآخِرَة
لِطُولِهِ {لَمْ يَلْبَثُوا} فِي الدُّنْيَا فِي ظَنّهمْ {إلا
ساعة من نهار} هذا القرآن {بلاغ} تَبْلِيغ مِنْ اللَّه
إلَيْكُمْ {فَهَلْ} أَيْ لَا {يُهْلَك} عِنْد رُؤْيَة
الْعَذَاب {إلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} أي الكافرون = 47
سورة القتال أو محمد
(1/672)
الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)
{الَّذِينَ كَفَرُوا} مِنْ أَهْل مَكَّة
{وَصَدُّوا} غَيْرهمْ {عَنْ سَبِيل اللَّه} أَيْ الْإِيمَان
{أَضَلَّ} أَحْبَطَ {أَعْمَالهمْ} كَإِطْعَامِ الطَّعَام
وَصِلَة الْأَرْحَام فَلَا يَرَوْنَ لَهَا فِي الْآخِرَة
ثَوَابًا وَيُجْزَوْنَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ فَضْله
تَعَالَى
(1/672)
وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)
{وَاَلَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ الْأَنْصَار
وَغَيْرهمْ {وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ
عَلَى مُحَمَّد} أَيْ الْقُرْآن {وَهُوَ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ
كَفَّرَ عَنْهُمْ} غَفَرَ لَهُمْ {سَيِّئَاتهمْ وَأَصْلَحَ
بَالهمْ} حَالهمْ فَلَا يَعْصُونَهُ
(1/672)
ذَلِكَ بِأَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ
اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)
{ذَلِكَ} أَيْ إضْلَال الْأَعْمَال
وَتَكْفِير السَّيِّئَات {بِأَنَّ} بِسَبَبِ أَنَّ {الَّذِينَ
كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِل} الشَّيْطَان {وَأَنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقّ} الْقُرْآن {مِنْ
رَبّهمْ كَذَلِكَ} أَيْ مِثْل ذَلِك الْبَيَان {يَضْرِب اللَّه
لِلنَّاسِ أَمْثَالهمْ} يُبَيِّن أَحْوَالهمْ أَيْ فَالْكَافِر
يُحْبِط عَمَله وَالْمُؤْمِن يَغْفِر لَهُ
(1/673)
فَإِذَا لَقِيتُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا
أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا
بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا
ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ
لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
{فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا
فَضَرْب الرِّقَاب} مَصْدَر بَدَل مِنْ اللَّفْظ بِفِعْلِهِ
أَيْ فَاضْرِبُوا رِقَابهمْ أَيْ اُقْتُلُوهُمْ وَعَبَّرَ
بِضَرْبِ الرِّقَاب لِأَنَّ الْغَالِب فِي الْقَتْل أَنْ
يَكُون بِضَرْبِ الرَّقَبَة {حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ}
أَكْثَرْتُمْ فِيهِمْ الْقَتْل {فَشُدُّوا} فَأَمْسِكُوا
عَنْهُمْ وَأْسِرُوهُمْ وَشُدُّوا {الْوَثَاق} مَا يُوثَق بِهِ
الْأَسْرَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْد} مَصْدَر بَدَل مِنْ
اللَّفْظ بِفِعْلِهِ أَيْ تَمُنُّونَ عَلَيْهِمْ
بِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ غَيْر شَيْء {وَإِمَّا فِدَاء}
تُفَادُونَهُمْ بِمَالٍ أَوْ أَسْرَى مُسْلِمِينَ {حَتَّى
تَضَع الْحَرْب} أَيْ أَهْلهَا {أَوْزَارهَا} أَثْقَالهَا مِنْ
السِّلَاح وَغَيْره بِأَنْ يُسْلِم الْكُفَّار أَوْ يَدْخُلُوا
فِي الْعَهْد وَهَذِهِ غَايَة لِلْقَتْلِ وَالْأَسْر {ذَلِكَ}
خَبَر مُبْتَدَأ مُقَدَّر أَيْ الْأَمْر فِيهِمْ مَا ذُكِرَ
{وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} بِغَيْرِ قِتَال
{وَلَكِنْ} أَمَرَكُمْ بِهِ {ليبلوا بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ}
مِنْهُمْ فِي الْقِتَال فَيَصِير مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ إلَى
الْجَنَّة وَمِنْهُمْ إلَى النَّار {وَاَلَّذِينَ قُتِلُوا}
وَفِي قِرَاءَة قَاتَلُوا الْآيَة نَزَلَتْ يَوْم أُحُد وَقَدْ
فَشَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْقَتْل وَالْجِرَاحَات {فِي سَبِيل
اللَّه فَلَنْ يُضِلّ} يُحْبِط {أعمالهم}
(1/673)
سَيَهْدِيهِمْ
وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)
{سَيُهْدِيهِمْ} فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة إلَى مَا يَنْفَعهُمْ {وَيُصْلِح بَالهمْ} حَالهمْ
فِيهِمَا وَمَا فِي الدُّنْيَا لِمَنْ لَمْ يُقْتَل
وَأُدْرِجُوا فِي قُتِلُوا تَغْلِيبًا
(1/673)
وَيُدْخِلُهُمُ
الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
{وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة عَرَّفَهَا}
بَيَّنَهَا {لَهُمْ} فَيَهْتَدُونَ إلَى مَسَاكِنهمْ مِنْهَا
وَأَزْوَاجهمْ وَخَدَمهمْ مِنْ غَيْر اسْتِدْلَال
(1/673)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
{يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا
اللَّه} أَيْ دِينه وَرَسُوله {يَنْصُركُمْ} عَلَى عَدُوّكُمْ
{وَيُثَبِّت أَقْدَامكُمْ} يُثَبِّتكُمْ في المعترك
(1/673)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا
فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)
{وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا} مِنْ أَهْل مَكَّة
مُبْتَدَأ خَبَره تَعِسُوا يَدُلّ عَلَيْهِ {فَتَعْسًا لَهُمْ}
أَيْ هَلَاكًا وَخَيْبَة مِنْ اللَّه {وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ}
عُطِفَ عَلَى تعسوا
(1/673)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)
{ذَلِكَ} التَّعْس وَالْإِضْلَال
{بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ الله} من القرآن المشتمل
على التكاليف {فأحبط أعمالهم}
1 -
(1/674)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا
فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ
أَمْثَالُهَا (10)
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْض
فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ
دَمَّرَ اللَّه عَلَيْهِمْ} أَهْلَكَ أَنْفُسهمْ وَأَوْلَادهمْ
وَأَمْوَالهمْ {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالهَا} أَيْ أَمْثَال
عَاقِبَة مَا قَبْلهمْ
1 -
(1/674)
ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا
مَوْلَى لَهُمْ (11)
{ذَلِكَ} نَصْر الْمُؤْمِنِينَ وَقَهْر
الْكَافِرِينَ {بِأَنَّ اللَّه مولى} ولي وناصر {الذين آمنوا
وأن الكافرين لا مولى لهم}
1 -
(1/674)
إِنَّ اللَّهَ
يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ
وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)
{إنَّ اللَّه يُدْخِل الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا
الْأَنْهَار وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ} فِي
الدُّنْيَا {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام} أَيْ
لَيْسَ لَهُمْ هَمّ إلَّا بُطُونهمْ وَفُرُوجهمْ وَلَا
يَلْتَفِتُونَ إلَى الْآخِرَة {وَالنَّار مَثْوَى لَهُمْ}
مَنْزِل وَمُقَام وَمَصِير
1 -
(1/674)
وَكَأَيِّنْ مِنْ
قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي
أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)
{وَكَأَيِّنْ} وَكَمْ {مِنْ قَرْيَة}
أُرِيدَ بِهَا أَهْلهَا {هِيَ أَشَدّ قُوَّة مِنْ قَرْيَتك}
مَكَّة أَيْ أَهْلهَا {الَّتِي أَخْرَجَتْك} رُوعِيَ لَفْظ
قَرْيَة {أَهْلَكْنَاهُمْ} رُوعِيَ مَعْنَى قَرْيَة الْأُولَى
{فَلَا نَاصِر لَهُمْ} من إهلاكنا
1 -
(1/674)
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)
{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة} حُجَّة
وَبُرْهَان {مِنْ رَبّه} وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ {كَمَنْ
زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله} فَرَآهُ حَسَنًا وَهُمْ كُفَّار
مَكَّة {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} فِي عِبَادَة الْأَوْثَان
أَيْ لَا مُمَاثَلَة بينهما
1 -
(1/674)
مَثَلُ الْجَنَّةِ
الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ
غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ
طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ
وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ
فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
(15)
{مَثَل} أَيْ صِفَة {الْجَنَّة الَّتِي
وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} الْمُشْتَرَكَة بَيْن دَاخِلِيهَا
مُبْتَدَأ خَبَره {فِيهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن}
بِالْمَدِّ وَالْقَصْر كَضَارِبِ وَحَذِر أَيْ غَيْر
مُتَغَيِّر بِخِلَافِ مَاء الدُّنْيَا فَيَتَغَيَّر بِعَارِضٍ
{وَأَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه} بِخِلَافِ
لَبَن الدُّنْيَا لِخُرُوجِهِ مِنْ الضُّرُوع {وَأَنْهَار مِنْ
خَمْر لَذَّة} لَذِيذَة {لِلشَّارِبِينَ} بِخِلَافِ خَمْر
الدُّنْيَا فَإِنَّهَا كَرِيهَة عِنْد الشُّرْب {وَأَنْهَار
مِنْ عَسَل مُصَفَّى} بِخِلَافِ عَسَل الدُّنْيَا فَإِنَّهُ
بِخُرُوجِهِ مِنْ بُطُون النَّحْل يُخَالِط الشَّمْع وَغَيْره
{وَلَهُمْ فِيهَا} أَصْنَاف {مِنْ كُلّ الثَّمَرَات
وَمَغْفِرَة مِنْ رَبّهمْ} فَهُوَ رَاضٍ عَنْهُمْ مَعَ
إحْسَانه إلَيْهِمْ بِمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ سَيِّد الْعَبِيد
فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُون مَعَ إحْسَانه إلَيْهِمْ
سَاخِطًا عَلَيْهِمْ {كَمَنْ هُوَ خَالِد فِي النَّار} خَبَر
مُبْتَدَأ مُقَدَّر أَيْ أَمَّنْ هُوَ فِي هَذَا النَّعِيم
{وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا} أَيْ شَدِيد الْحَرَارَة {فَقَطَّعَ
أَمْعَاءَهُمْ} أَيْ مَصَارِينهمْ فَخَرَجَتْ مِنْ أَدْبَارهمْ
وَهُوَ جَمْع مِعَى بِالْقَصْرِ وَأَلِفه عَنْ يَاء
لِقَوْلِهِمْ مِيعَان
(1/674)
1 -
(1/675)
وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ
قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا
أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ
وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)
{وَمِنْهُمْ} أَيْ الْكُفَّار {مَنْ
يَسْتَمِع إلَيْك} فِي خُطْبَة الْجُمُعَة وَهُمْ
الْمُنَافِقُونَ {حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدك قَالُوا
لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم} لِعُلَمَاء الصحابة منهم بن
مسعود وبن عَبَّاس اسْتِهْزَاء وَسُخْرِيَّة {مَاذَا قَالَ
آنِفًا} بِالْمَدِّ وَالْقَصْر أَيْ السَّاعَة أَيْ لَا
نَرْجِع إلَيْهِ {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلَى
قُلُوبهمْ} بِالْكُفْرِ {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} فِي
النِّفَاق
1 -
(1/675)
وَالَّذِينَ
اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)
{وَاَلَّذِينَ اهْتَدَوْا} وَهُمْ
الْمُؤْمِنُونَ {زَادَهُمْ} اللَّه {هُدَى وَآتَاهُمْ
تَقْوَاهُمْ} أَلْهَمَهُمْ مَا يَتَّقُونَ بِهِ النَّار
1 -
(1/675)
فَهَلْ يَنْظُرُونَ
إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ
أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ
(18)
{فَهَلْ يَنْظُرُونَ} مَا يَنْتَظِرُونَ
أَيْ كُفَّار مَكَّة {إلَّا السَّاعَة أَنْ تَأْتِيهِمْ} بَدَل
اشْتِمَال مِنْ السَّاعَة أَيْ لَيْسَ الْأَمْر إلَّا أَنْ
تَأْتِيهِمْ {بَغْتَة} فَجْأَة {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطهَا}
عَلَامَاتهَا مِنْهَا بَعْثَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْشِقَاق الْقَمَر وَالدُّخَان
{فَأَنَّى لَهُمْ إذَا جَاءَتْهُمْ} السَّاعَة {ذِكْرَاهُمْ}
تُذَكِّرهُمْ أَيْ لَا يَنْفَعهُمْ
1 -
(1/675)
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَه إلَّا اللَّه}
أَيْ دُمْ يَا مُحَمَّد عَلَى عِلْمك بِذَلِكَ النَّافِع فِي
الْقِيَامَة {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك} لِأَجْلِهِ قِيلَ لَهُ
ذَلِكَ مَعَ عِصْمَته لِتَسْتَنّ بِهِ أُمَّته وَقَدْ فَعَلَهُ
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي لأستغفر الله في
كل يوم مئة مَرَّة {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} فِيهِ
إكْرَام لَهُمْ بِأَمْرِ نَبِيّهمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ
{وَاَللَّه يَعْلَم مُتَقَلَّبكُمْ} مُتَصَرَّفكُمْ
لِإِشْغَالِكُمْ فِي النَّهَار {وَمَثْوَاكُمْ} مَأْوَاكُمْ
إلَى مَضَاجِعكُمْ بِاللَّيْلِ أَيْ هُوَ عَالِم بِجَمِيعِ
أَحْوَالكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا فَاحْذَرُوهُ
وَالْخِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ وغيرهم
2 -
(1/675)
وَيَقُولُ الَّذِينَ
آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ
مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ
عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)
{وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا} طَلَبًا
لِلْجِهَادِ {لَوْلَا} هَلَّا {نُزِّلَتْ سُورَة} فِيهَا ذِكْر
الْجِهَاد {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة مُحْكَمَة} أَيْ لَمْ
يُنْسَخ مِنْهَا شَيْء {وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال} أَيْ
طَلَبه {رَأَيْت الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض} أَيْ شَكّ
وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ {يَنْظُرُونَ إلَيْك نَظَرَ
الْمَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْت} خَوْفًا مِنْهُ
وَكَرَاهَة لَهُ أَيْ فَهُمْ يَخَافُونَ مِنْ الْقِتَال
وَيَكْرَهُونَهُ {فَأَوْلَى لَهُمْ} مُبْتَدَأ خَبَره
2 -
(1/675)
طَاعَةٌ وَقَوْلٌ
مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ
لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)
{طَاعَة وَقَوْل مَعْرُوف} أَيْ حَسَن لَك
{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْر} أَيْ فُرِضَ الْقِتَال {فَلَوْ
صَدَقُوا الله} في الإيمان والطاعة {لكان خيرا لهم} وَجُمْلَة
لَوْ جَوَاب إذَا
(1/675)
2 -
(1/676)
فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ} بِكَسْرِ السِّين
وَفَتْحهَا وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغِيبَة إلَى الْخِطَاب
أَيْ لَعَلَّكُمْ {إنْ تَوَلَّيْتُمْ} أَعْرَضْتُمْ عَنْ
الْإِيمَان {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامكُمْ} أَيْ تَعُودُوا إلَى أَمْر الْجَاهِلِيَّة مِنْ
الْبَغْي وَالْقِتَال
2 -
(1/676)
أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ
(23)
{أُولَئِكَ} أَيْ الْمُفْسِدُونَ
{الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّه فَأَصَمَّهُمْ} عَنْ اسْتِمَاع
الْحَقّ {وَأَعْمَى أَبْصَارهمْ} عَنْ طَرِيق الهدى
2 -
(1/676)
أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
(24)
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن}
فَيَعْرِفُونَ الْحَقّ {أَمْ} بَلْ {عَلَى قُلُوب} لَهُمْ
{أَقْفَالهَا} فَلَا يَفْهَمُونَهُ
2 -
(1/676)
إِنَّ الَّذِينَ
ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ
(25)
{إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا} بِالنِّفَاقِ
{عَلَى أَدْبَارهمْ مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى
الشَّيْطَان سَوَّلَ} أَيْ زَيَّنَ {لَهُمْ وَأُمْلِيَ لَهُمْ}
بِضَمِّ أَوَّله وَبِفَتْحِهِ وَاللَّام وَالْمُمْلِي
الشَّيْطَان بِإِرَادَتِهِ تَعَالَى فَهُوَ المضل لهم
2 -
(1/676)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
إِسْرَارَهُمْ (26)
{ذَلِكَ} أَيْ إضْلَالهمْ {بِأَنَّهُمْ
قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّه} أَيْ
لِلْمُشْرِكِينَ {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْض الْأَمْر} أَيْ
الْمُعَاوَنَة عَلَى عَدَاوَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَثْبِيط النَّاس عَنْ الْجِهَاد مَعَهُ
قَالُوا ذَلِكَ سِرًّا فَأَظْهَرَهُ اللَّه تَعَالَى
{وَاَللَّه يَعْلَم إسْرَارهمْ} بِفَتْحِ الْهَمْزَة جَمْع سر
وبكسرها مصدر
2 -
(1/676)
فَكَيْفَ إِذَا
تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ (27)
{فكيف} حالهم {إذا تَوَفَّتْهُمْ
الْمَلَائِكَة يَضْرِبُونَ} حَال مِنْ الْمَلَائِكَة
{وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ} ظُهُورهمْ بِمَقَامِع مِنْ حَدِيد
2 -
(1/676)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ
اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)
{ذَلِكَ} التَّوَفِّي عَلَى الْحَالَة
الْمَذْكُورَة {بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّه
وَكَرِهُوا رِضْوَانه} أَيْ الْعَمَل بما يرضيه {فأحبط
أعمالهم}
2 -
(1/676)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ
أَضْغَانَهُمْ (29)
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ
مَرَض أَنْ لَنْ يُخْرِج اللَّه أَضْغَانهمْ} يُظْهِر
أَحْقَادهمْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمُؤْمِنِينَ
3 -
(1/676)
وَلَوْ نَشَاءُ
لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
أَعْمَالَكُمْ (30)
{ولو نشاء لأريناكهم} عرفناكم وَكُرِّرَتْ
اللَّام فِي {فَلَعَرَفْتهمْ بِسِيمَاهُمْ} عَلَامَتهمْ
{وَلَتَعْرِفَنهُمْ} الْوَاو لِقَسَمٍ مَحْذُوف وَمَا بَعْدهَا
جَوَابه {فِي لَحْن الْقَوْل} أَيْ مَعْنَاهُ إذَا تَكَلَّمُوا
عِنْدك بِأَنْ يَعْرِضُوا بِمَا فِيهِ تَهْجِين أَمْر
الْمُسْلِمِينَ {والله يعلم أعمالكم
(1/676)
3 -
(1/677)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم} نَخْتَبِرَنَّكُمْ
بِالْجِهَادِ وَغَيْره {حَتَّى نَعْلَم} عِلْم ظُهُور
{الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} فِي الْجِهَاد
وَغَيْره {وَنَبْلُو} نُظْهِر {أَخْبَاركُمْ} مِنْ طَاعَتكُمْ
وَعِصْيَانكُمْ فِي الْجِهَاد وَغَيْره بِالْيَاءِ وَالنُّون
فِي الْأَفْعَال الثَّلَاثَة
3 -
(1/677)
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا
الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ
يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)
{إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ
سَبِيل اللَّه} طَرِيق الْحَقّ {وَشَاقُّوا الرَّسُول}
خَالَفُوهُ {مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى} هُوَ
مَعْنَى سَبِيل اللَّه {لَنْ يَضُرُّوا اللَّه شَيْئًا
وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالهمْ} يُبْطِلهَا مِنْ صَدَقَة وَنَحْوهَا
فَلَا يَرَوْنَ لَهَا فِي الْآخِرَة ثَوَابًا نَزَلَتْ فِي
الْمُطْعِمِينَ مِنْ أَصْحَاب بَدْر أَوْ فِي قُرَيْظَة
وَالنَّضِير
3 -
(1/677)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ}
بِالْمَعَاصِي مَثَلًا
3 -
(1/677)
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا
الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ
يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)
{إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ
سَبِيل اللَّه} طَرِيقه وَهُوَ الْهُدَى {ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ
كُفَّار فَلَنْ يَغْفِر اللَّه لَهُمْ} نَزَلَتْ فِي أَصْحَاب
القليب
3 -
(1/677)
فَلَا تَهِنُوا
وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ
وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
{فَلَا تَهِنُوا} تَضْعُفُوا {وَتَدْعُوا
إلَى السَّلْم} بِفَتْحِ السِّين وَكَسْرهَا أَيْ الصُّلْح
مَعَ الْكُفَّار إذَا لَقِيتُمُوهُمْ {وَأَنْتُمْ
الْأَعْلَوْنَ} حُذِفَ مِنْهُ وَاو لَام الْفِعْل
الْأَغْلَبُونَ الْقَاهِرُونَ {وَاَللَّه مَعَكُمْ}
بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر {وَلَنْ يَتِركُمْ} يُنْقِصكُمْ
{أَعْمَالكُمْ} أَيْ ثَوَابهَا
3 -
(1/677)
إِنَّمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا
يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)
{إنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا} أَيْ
الِاشْتِغَال فِيهَا {لَعِب وَلَهْو وَإِنْ تُؤْمِنُوا
وَتَتَّقُوا} اللَّه وَذَلِكَ مِنْ أُمُور الْآخِرَة
{يُؤْتِكُمْ أُجُوركُمْ وَلَا يَسْأَلكُمْ أَمْوَالكُمْ}
جميعها بل الزكاة المفروضة فيها
(1/677)
3 -
(1/678)
إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا
فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)
{وإن يَسْأَلكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ}
يُبَالِغ فِي طَلَبهَا {تَبْخَلُوا وَيُخْرِج} الْبُخْل
{أَضْغَانكُمْ} لِدِينِ الْإِسْلَام
3 -
(1/678)
هَا أَنْتُمْ
هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ
عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ
لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
{هَا أَنْتُمْ} يَا {هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي
سَبِيل اللَّه} مَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ {فَمِنْكُمْ مَنْ
يَبْخَل وَمَنْ يَبْخَل فَإِنَّمَا يَبْخَل عَنْ نَفْسه}
يُقَال بَخِلَ عَلَيْهِ وَعَنْهُ {وَاَللَّه الْغَنِيّ} عَنْ
نَفَقَتكُمْ {وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاء} إلَيْهِ {وَإِنْ
تَتَوَلَّوْا} عَنْ طَاعَته {يَسْتَبْدِل قَوْمًا غَيْركُمْ}
أَيْ يَجْعَلهُمْ بَدَلكُمْ {ثُمَّ لَا يَكُونُوا
أَمْثَالكُمْ} فِي التَّوَلِّي عَنْ طَاعَته بَلْ مُطِيعِينَ
لَهُ عَزَّ وَجَلَّ |