تفسير الجلالين = 48 سُورَة الفتح
(1/678)
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ
فَتْحًا مُبِينًا (1)
{إنَّا فَتَحْنَا لَك} قَضَيْنَا بِفَتْحِ
مَكَّة وَغَيْرهَا فِي الْمُسْتَقْبَل عِنْوَة بِجِهَادِك
{فَتْحًا مُبِينًا} بَيِّنًا ظاهرا
(1/678)
لِيَغْفِرَ لَكَ
اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ
وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا
مُسْتَقِيمًا (2)
{لِيَغْفِر لَك اللَّه} بِجِهَادِك {مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ} مِنْهُ لِتُرَغِّب
أُمَّتك فِي الْجِهَاد وَهُوَ مُؤَوَّل لِعِصْمَةِ
الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالدَّلِيلِ
الْعَقْلِيّ الْقَاطِع مِنْ الذُّنُوب وَاللَّام للعلة الغائبة
فَمَدْخُولهَا مُسَبَّب لَا سَبَب {وَيُتِمّ} بِالْفَتْحِ
الْمَذْكُور {نِعْمَته} إنْعَامه {عَلَيْك وَيَهْدِيَك} بِهِ
{صِرَاطًا} طَرِيقًا {مُسْتَقِيمًا} يُثَبِّتك عَلَيْهِ وَهُوَ
دِين الْإِسْلَام
(1/679)
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ
نَصْرًا عَزِيزًا (3)
{وَيَنْصُرك اللَّه} بِهِ {نَصْرًا
عَزِيزًا} ذَا عِزّ لَا ذُلّ لَهُ
(1/679)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا
إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَة}
الطُّمَأْنِينَة {فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا
إيمَانًا مَعَ إيمَانهمْ} بِشَرَائِع الدِّين كُلَّمَا نَزَلَ
وَاحِدَة مِنْهَا آمَنُوا بِهَا وَمِنْهَا الْجِهَاد
{وَلِلَّهِ جُنُود السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَلَوْ أَرَادَ
نَصْر دِينه بِغَيْرِكُمْ لَفَعَلَ {وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا}
بِخَلْقِهِ {حَكِيمًا} فِي صُنْعه أَيْ لَمْ يَزَلْ متصفا بذلك
(1/679)
لِيُدْخِلَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ
عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ
فَوْزًا عَظِيمًا (5)
{ليدخل} متعلق بمحذوف أي أمر بالجهاد
{الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ
تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا ويكفر عنهم سيئاتهم
وكان ذلك عند الله فوزا عظيما}
(1/679)
وَيُعَذِّبَ
الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ
وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ
عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
(6)
{وَيُعَذِّب الْمُنَافِقِينَ
وَالْمُنَافِقَات وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات
الظَّانِّينَ بِاَللَّهِ ظَنّ السَّوْء} بِفَتْحِ السِّين
وَضَمّهَا فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة ظَنُّوا أَنَّهُ لَا
يَنْصُر مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمُؤْمِنِينَ {عَلَيْهِمْ دَائِرَة السَّوْء} بِالذُّلِّ
وَالْعَذَاب {وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ}
أَبْعَدَهُمْ {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
مَرْجِعًا
(1/679)
وَلِلَّهِ جُنُودُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
(7)
{وَلِلَّهِ جُنُود السَّمَاوَات وَالْأَرْض
وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا} فِي مُلْكه {حَكِيمًا} فِي صُنْعه
أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
(1/679)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ
شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)
{إنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا} عَلَى
أُمَّتك فِي الْقِيَامَة {وَمُبَشِّرًا} لَهُمْ فِي الدُّنْيَا
{وَنَذِيرًا} مُنْذِرًا مُخَوِّفًا فِيهَا مَنْ عَمِلَ سُوءًا
بِالنَّارِ
(1/679)
لِتُؤْمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ
وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)
{لِيُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله}
بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِيهِ وَفِي الثَّلَاثَة بَعْده
{وَيُعَزِّرُوهُ} يَنْصُرُوهُ وَقُرِئَ بِزَايَيْنِ مَعَ
الفوقانية {ويوقروه} يعظموا وضميرها لله أو لرسوله {ويسبحوه}
أي لله {بُكْرَة وَأَصِيلًا} بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ
(1/679)
1 -
(1/680)
إِنَّ الَّذِينَ
يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ
فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى
نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ
فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
{إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك} بَيْعَة
الرِّضْوَان بِالْحُدَيْبِيَةِ {إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه}
هُوَ نَحْو {مَنْ يُطِعِ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه}
{يَد اللَّه فَوْق أَيْدِيهمْ} الَّتِي بَايَعُوا بِهَا
النَّبِيّ أَيْ هُوَ تَعَالَى مُطَلِّع عَلَى مُبَايَعَتهمْ
فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا {فَمَنْ نَكَثَ} نَقَضَ الْبَيْعَة
{فَإِنَّمَا يَنْكُث} يَرْجِع وَبَال نَقْضه {عَلَى نَفْسه
وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه} بالياء
والنون {أجرا عظيما}
1 -
(1/680)
سَيَقُولُ لَكَ
الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا
وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ
مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ
اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ
بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
(11)
{سَيَقُولُ لَك الْمُخَلَّفُونَ مِنَ
الْأَعْرَاب} حَوْل الْمَدِينَة أَيْ الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ
اللَّه عَنْ صُحْبَتك لَمَّا طَلَبْتهمْ لِيَخْرُجُوا مَعَك
إلَى مَكَّة خَوْفًا مِنْ تَعَرُّض قُرَيْش لَك عَام
الْحُدَيْبِيَة إذَا رَجَعْت مِنْهَا {شَغَلَتْنَا أَمْوَالنَا
وَأَهْلُونَا} عَنْ الْخُرُوج مَعَك {فَاسْتَغْفِرْ لَنَا}
اللَّه مِنْ تَرْك الْخُرُوج مَعَك قَالَ تَعَالَى مُكَذِّبًا
لَهُمْ {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ} أَيْ مِنْ طَلَب
الِاسْتِغْفَار وَمَا قَبْله {مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهمْ}
فَهُمْ كَاذِبُونَ فِي اعْتِذَارهمْ {قُلْ فَمَنْ} اسْتِفْهَام
بِمَعْنَى النَّفْي أَيْ لَا أَحَد {يَمْلِك لَكُمْ مِنَ
اللَّه شَيْئًا إنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} بِفَتْحِ الضَّاد
وَضَمّهَا {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّه
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا
بِذَلِكَ
1 -
(1/680)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ
لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى
أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ
وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)
{بَلْ} فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلِانْتِقَالِ
مِنْ غَرَض إلَى آخَر {ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِب
الرَّسُول وَالْمُؤْمِنُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا
وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبكُمْ} أَيْ أَنَّهُمْ
يُسْتَأْصَلُونَ بِالْقَتْلِ فَلَا يَرْجِعُونَ {وَظَنَنْتُمْ
ظَنّ السَّوْء} هَذَا وَغَيْره {وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا}
جَمْع بَائِر أَيْ هَالِكِينَ عِنْد اللَّه بِهَذَا الظن
1 -
(1/680)
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ
سَعِيرًا (13)
{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرَسُوله
فَإِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين سعيرا} نارا شديدة
1 -
(1/680)
وَلِلَّهِ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
(14)
{ولله ملك السماوات وَالْأَرْض يَغْفِر
لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء وَكَانَ اللَّه غَفُورًا
رَحِيمًا} أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِمَا ذُكِرَ
(1/680)
1 -
(1/681)
سَيَقُولُ
الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ
لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ
يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا
كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ
تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا
(15)
{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ}
الْمَذْكُورُونَ {إذَا انْطَلَقْتُمْ إلَى مَغَانِم} هِيَ
مَغَانِم خَيْبَر {لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا} اُتْرُكُونَا
{نَتَّبِعكُمْ} لِنَأْخُذ مِنْهَا {يُرِيدُونَ} بِذَلِكَ {أَنْ
يُبَدِّلُوا كَلَام اللَّه} وَفِي قِرَاءَة كَلِم اللَّه
بِكَسْرِ اللَّام أَيْ مَوَاعِيده بِغَنَائِم خَيْبَر أَهْل
الْحُدَيْبِيَة خَاصَّة {قل لن تتبعونا كذالكم قَالَ اللَّه
مِنْ قَبْل} أَيْ قَبْل عَوْدنَا {فَسَيَقُولُونَ بَلْ
تَحْسُدُونَنَا} أَنْ نُصِيب مَعَكُمْ مِنْ الْغَنَائِم
فَقُلْتُمْ ذَلِكَ {بَلْ كَانُوا لَا يَفْقُهُونَ} مِنْ
الدِّين {إلَّا قَلِيلًا} مِنْهُمْ
1 -
(1/681)
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ
مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا
يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا
تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
(16)
{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَاب}
الْمَذْكُورِينَ اخْتِبَارًا {سَتُدْعَوْنَ إلَى قَوْم أُولِي}
أَصْحَاب {بَأْس شَدِيد} قِيلَ هُمْ بَنُو حَنِيفَة أَصْحَاب
الْيَمَامَة وَقِيلَ فَارِس وَالرُّوم {تُقَاتِلُونَهُمْ} حَال
مُقَدَّرَة هِيَ الْمَدْعُوّ إلَيْهَا فِي الْمَعْنَى {أَوْ}
هُمْ {يُسْلِمُونَ} فَلَا تُقَاتِلُونَ {فَإِنْ تُطِيعُوا}
إلَى قِتَالهمْ {يُؤْتِكُمْ اللَّه أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ
تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْل يُعَذِّبكُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا} مُؤْلِمًا
1 -
(1/681)
لَيْسَ عَلَى
الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى
الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا
عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج} فِي
تَرْك الْجِهَاد {وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُوله يُدْخِلهُ}
بِالْيَاءِ وَالنُّون {جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا
الْأَنْهَار وَمَنْ يتول يعذبه} بالياء والنون {عذابا أليما}
1 -
(1/681)
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ
عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
إذْ يُبَايِعُونَك} بِالْحُدَيْبِيَةِ {تَحْت الشَّجَرَة} هِيَ
سَمُرَة وَهُمْ أَلْف وثلاثمائة أَوْ أَكْثَر ثُمَّ
بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يُنَاجِزُوا قُرَيْشًا وَأَنْ لَا
يَفِرُّوا مِنْ الْمَوْت {فَعَلِمَ} اللَّه {مَا فِي
قُلُوبهمْ} مِنْ الصِّدْق وَالْوَفَاء {فَأَنْزَلَ السَّكِينَة
عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} هُوَ فَتْح
خَيْبَر بَعْد انْصِرَافهمْ مِنْ الْحُدَيْبِيَة
1 -
(1/681)
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً
يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)
{وَمَغَانِم كَثِيرَة يَأْخُذُونَهَا} مِنْ
خَيْبَر {وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا} أَيْ لَمْ يَزَلْ
مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
(1/681)
2 -
(1/682)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ
مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ
وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً
لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)
{وَعَدَكُمْ اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة
تَأْخُذُونَهَا} مِنْ الْفُتُوحَات {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ}
غَنِيمَة خَيْبَر {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاس عَنْكُمْ} فِي
عِيَالكُمْ لَمَّا خَرَجْتُمْ وَهَمَّتْ بِهِمْ الْيَهُود
فَقَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْب {وَلِتَكُونَ} أَيْ
الْمُعَجَّلَة عَطْف عَلَى مُقَدَّر أَيْ لِتَشْكُرُوهُ {آيَة
لِلْمُؤْمِنِينَ} فِي نَصْرهمْ {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا
مُسْتَقِيمًا} أَيْ طَرِيق التَّوَكُّل عَلَيْهِ وَتَفْوِيض
الْأَمْر إليه تعالى
2 -
(1/682)
وَأُخْرَى لَمْ
تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ
اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)
{وَأُخْرَى} صِفَة مَغَانِم مُقَدَّرًا
مُبْتَدَأ {لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} هِيَ مِنْ فَارِس
وَالرُّوم {قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا} عَلِمَ أَنَّهَا
سَتَكُونُ لَكُمْ {وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرًا}
أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
2 -
(1/682)
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا
يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22)
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
بِالْحُدَيْبِيَةِ {لَوَلَّوُا الْأَدْبَار ثم لا يجدون وليا}
يحرسهم {ولا نصيرا}
2 -
(1/682)
سُنَّةَ اللَّهِ
الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ
اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)
{سُنَّة اللَّه} مَصْدَر مُؤَكَّد
لِمَضْمُونِ الْجُمْلَة قَبْله مِنْ هَزِيمَة الْكَافِرِينَ
وَنَصْر الْمُؤْمِنِينَ أَيْ سَنَّ اللَّه ذَلِكَ سُنَّة
{الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْل وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ
اللَّه تَبْدِيلًا} مِنْهُ
2 -
(1/682)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ
أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ
مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ
اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّة} بِالْحُدَيْبِيَةِ
{مِنْ بَعْد أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} فَإِنَّ ثَمَانِينَ
مِنْهُمْ طَافُوا بِعَسْكَرِكُمْ لِيُصِيبُوا مِنْكُمْ
فَأَخَذُوا وَأُتِيَ بِهِمْ إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَفَا عَنْهُمْ وَخَلَّى سَبِيلهمْ
فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب الصُّلْح {وَكَانَ اللَّه بما يعملون
بَصِيرًا} بِالْيَاءِ وَالتَّاء أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا
بذلك
(1/682)
2 -
(1/683)
هُمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا
رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ
أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ
عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ
تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا (25)
{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ
عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام} أَيْ عَنْ الْوُصُول إلَيْهِ
{وَالْهَدْي} مَعْطُوف عَلَى كم {مَعْكُوفًا} مَحْبُوسًا حَال
{أَنْ يَبْلُغ مَحِلّه} أَيْ مَكَانه الَّذِي يُنْحَر فِيهِ
عَادَة وَهُوَ الْحَرَم بَدَل اشْتِمَال {وَلَوْلَا رِجَال
مُؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات} مَوْجُودُونَ بِمَكَّة مَعَ
الْكُفَّار {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ} بصفة الإيمان {أن تطؤوهم}
أَيْ تَقْتُلُوهُمْ مَعَ الْكُفَّار لَوْ أُذِنَ لَكُمْ فِي
الْفَتْح بَدَل اشْتِمَال مِنْ هُمْ {فَتُصِيبكُمْ مِنْهُمْ
مَعَرَّة} أَيْ إثْم {بِغَيْرِ عِلْم} مِنْكُمْ بِهِ
وَضَمَائِر الْغِيبَة لِلصِّنْفَيْنِ بِتَغْلِيبِ الذُّكُور
وَجَوَاب لَوْلَا مَحْذُوف أَيْ لَأُذِنَ لَكُمْ فِي الْفَتْح
لَكِنْ لَمْ يُؤْذَن فِيهِ حِينَئِذٍ {لِيُدْخِل اللَّه فِي
رَحْمَته مَنْ يَشَاء} كَالْمُؤْمِنِينَ الْمَذْكُورِينَ {لَوْ
تَزَيَّلُوا} تَمَيَّزُوا عَنْ الْكُفَّار {لَعَذَّبْنَا
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ} مِنْ أَهْل مَكَّة حِينَئِذٍ
بِأَنْ نَأْذَن لَكُمْ فِي فَتْحهَا {عَذَابًا أَلِيمًا}
مُؤْلِمًا
2 -
(1/683)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ
كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ
الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى
رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ
التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ
اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
{إذْ جَعَلَ} مُتَعَلِّق بِعَذَّبْنَا
{الَّذِينَ كَفَرُوا} فَاعِل {فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّة}
الْأَنَفَة مِنْ الشَّيْء {حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة} بَدَل
مِنْ الْحَمِيَّة وَهِيَ صَدّهمْ النَّبِيّ وَأَصْحَابه عَنْ
الْمَسْجِد الْحَرَام {فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته عَلَى
رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فَصَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ
يَعُودُوا مِنْ قَابِل وَلَمْ يَلْحَقهُمْ مِنْ الْحَمِيَّة
مَا لَحِقَ الْكُفَّار حَتَّى يُقَاتِلُوهُمْ {وَأَلْزَمَهُمْ}
أَيْ الْمُؤْمِنِينَ {كَلِمَة التَّقْوَى} لَا إلَه إلَّا
اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَأُضِيفَتْ إلَى التَّقْوَى
لِأَنَّهَا سَبَبهَا {وَكَانُوا أَحَقّ بِهَا} بِالْكَلِمَةِ
مِنْ الْكُفَّار {وَأَهْلهَا} عَطْف تَفْسِيرِيّ {وَكَانَ
اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا}
أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ وَمِنْ مَعْلُومه
تَعَالَى أَنَّهُمْ أَهْلهَا
2 -
(1/683)
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ
رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ
تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)
{لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُوله الرُّؤْيَا
بِالْحَقِّ} رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي النَّوْم عَام الْحُدَيْبِيَة قَبْل خُرُوجه
أَنَّهُ يَدْخُل مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه آمِنِينَ
وَيَحْلِقُونَ وَيُقَصِّرُونَ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابه
فَفَرِحُوا فَلَمَّا خَرَجُوا مَعَهُ وَصَدَّهُمْ الْكُفَّار
بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَجَعُوا وَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ
وَرَابَ بَعْض الْمُنَافِقِينَ نَزَلَتْ وَقَوْله بِالْحَقِّ
مُتَعَلِّق بِصَدَقَ أو حال من الرؤيا وما بعدها تفسيرها
{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إنْ شَاءَ اللَّه}
لِلتَّبَرُّكِ {آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسكُمْ} أَيْ جَمِيع
شُعُورهَا {وَمُقَصِّرِينَ} بَعْض شُعُورهَا وَهُمَا حَالَانِ
مُقَدَّرَتَانِ {لَا تَخَافُونَ} أبدا {فعلم} في الصلح {ما لا
تَعْلَمُوا} مِنْ الصَّلَاح {فَجَعَلَ مِنْ دُون ذَلِكَ} أَيْ
الدُّخُول {فَتْحًا قَرِيبًا} هُوَ فَتْح خَيْبَر
وَتَحَقَّقَتْ الرُّؤْيَا فِي الْعَام الْقَابِل
2 -
(1/683)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى
وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ} أَيْ دِين الْحَقّ {عَلَى الدِّين
كُلّه} عَلَى جَمِيع بَاقِي الْأَدْيَان {وَكَفَى بِاَللَّهِ
شَهِيدًا} أَنَّك مُرْسَل بِمَا ذُكِرَ كَمَا قَالَ اللَّه
تعالى
(1/683)
2 -
(1/684)
مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ
مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ
فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ
الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ
مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
{مُحَمَّد} مُبْتَدَأ {رَسُول اللَّه}
خَبَره {وَاَلَّذِين مَعَهُ} أَيْ أَصْحَابه مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ مُبْتَدَأ خَبَره {أَشِدَّاء} غِلَاظ {عَلَى
الْكُفَّار} لَا يَرْحَمُونَهُمْ {رُحَمَاء بَيْنهمْ} خَبَر
ثَانٍ أَيْ مُتَعَاطِفُونَ مُتَوَادُّونَ كَالْوَالِدِ مَعَ
الْوَلَد {تَرَاهُمْ} تُبْصِرهُمْ {رُكَّعًا سُجَّدًا}
حَالَانِ {يَبْتَغُونَ} مُسْتَأْنَف يَطْلُبُونَ {فَضْلًا مِنْ
اللَّه وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ} عَلَامَتهمْ مُبْتَدَأ {فِي
وُجُوههمْ} خَبَره وَهُوَ نُور وَبَيَاض يُعْرَفُونَ بِهِ فِي
الْآخِرَة أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِي الدُّنْيَا {مِنْ أَثَر
السُّجُود} مُتَعَلِّق بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخَبَر أَيْ
كَائِنَة وَأُعْرِبَ حَالًا مِنْ ضَمِيره الْمُنْتَقِل إلَى
الْخَبَر {ذَلِكَ} الْوَصْف الْمَذْكُور {مَثَلهمْ} صِفَتهمْ
مُبْتَدَأ {فِي التَّوْرَاة} خَبَره {وَمَثَلهمْ فِي
الْإِنْجِيل} مُبْتَدَأ خَبَره {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ}
بِسُكُونِ الطَّاء وَفَتْحهَا فِرَاخه {فَآزَرَهُ} بِالْمَدِّ
وَالْقَصْر قَوَّاهُ وَأَعَانَهُ {فَاسْتَغْلَظَ} غَلُظَ
{فَاسْتَوَى} قَوِيَ وَاسْتَقَامَ {عَلَى سُوقه} أُصُوله جَمْع
سَاق {يُعْجِب الزُّرَّاع} أَيْ زُرَّاعه لِحُسْنِهِ مِثْل
الصَّحَابَة رَضِيَ الله عنهم بذلك لأنهم بدأوا فِي قِلَّة
وَضَعْف فَكَثُرُوا وَقَوُوا عَلَى أَحْسَن الْوُجُوه
{لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّار} مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ دَلَّ
عَلَيْهِ مَا قَبْله أَيْ شُبِّهُوا بِذَلِكَ {وَعَدَ اللَّه
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُمْ}
الصَّحَابَة وَمِنْ لِبَيَانِ الْجِنْس لَا لِلتَّبْعِيضِ
لِأَنَّهُمْ كُلّهمْ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَة {مَغْفِرَة
وَأَجْرًا عَظِيمًا} الْجَنَّة وَهُمَا لِمَنْ بَعْدهمْ
أَيْضًا فِي آيَات = 49 سُورَة الْحُجُرَات
(1/684)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(1)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تُقَدِّمُوا} مِنْ قَدَّمَ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ أَيْ لَا
تُقَدِّمُوا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْل {بَيْن يَدَيِ اللَّه
وَرَسُوله} الْمُبَلِّغ عَنْهُ أَيْ بِغَيْرِ إذْنهمَا
{وَاتَّقُوا اللَّه إنَّ اللَّه سَمِيع} لِقَوْلِكُمْ {عَلِيم}
بِفِعْلِكُمْ نَزَلَتْ فِي مُجَادَلَة أَبِي بَكْر وَعُمَر
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْمِير الْأَقْرَع بْن حَابِس أَوْ
الْقَعْقَاع بْن مَعْبَد وَنَزَلَ فِيمَنْ رَفَعَ صَوْته عِنْد
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/684)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ
بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ
لَا تَشْعُرُونَ (2)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ} إذَا نَطَقْتُمْ {فَوْق صَوْت
النَّبِيّ} إذَا نَطَقَ {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ}
إذَا نَاجَيْتُمُوهُ {كَجَهْرِ بعضكم لبعض} بل دون ذلك
إجلالاله {أَنْ تَحْبَط أَعْمَالكُمْ وَأَنْتُمْ لَا
تَشْعُرُونَ} أَيْ خَشْيَة ذَلِكَ بِالرَّفْعِ وَالْجَهْر
الْمَذْكُورَيْنِ وَنَزَلَ فِيمَنْ كَانَ يَخْفِض صَوْته عِنْد
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَبِي بَكْر
وَعُمَر وَغَيْرهمَا رَضِيَ الله عنهم
(1/685)
إِنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ
الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
{إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتهمْ
عِنْد رَسُول اللَّه أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ} اخْتَبَرَ
{اللَّه قُلُوبهمْ لِلتَّقْوَى} أَيْ لِتَظْهَر مِنْهُمْ
{لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم} الجنة ونزل في قوم جاؤوا
وَقْت الظَّهِيرَة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مَنْزِله فَنَادَوْهُ
(1/685)
إِنَّ الَّذِينَ
يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْقِلُونَ (4)
{إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء
الْحُجُرَات} حُجُرَات نِسَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَمْع حُجْرَة وَهِيَ مَا يُحْجَر عَلَيْهِ مِنْ
الْأَرْض بِحَائِطٍ وَنَحْوه وَكَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ
نَادَى خَلْف حُجْرَة لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ فِي أَيّ
حُجْرَة مُنَادَاة الْأَعْرَاب بِغِلْظَةٍ وَجَفَاء
{أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ} فِيمَا فَعَلُوهُ مَحَلّك
الرَّفِيع وَمَا يُنَاسِبهُ مِنْ التعظيم
(1/685)
وَلَوْ أَنَّهُمْ
صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} أَنَّهُمْ فِي
مَحَلّ رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَقِيلَ فَاعِل لِفِعْلٍ
مُقَدَّر أَيْ ثَبَتَ {حَتَّى تَخْرُج إلَيْهِمْ لَكَانَ
خَيْرًا لَهُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم} لِمَنْ تَابَ
مِنْهُمْ وَنَزَلَ فِي الْوَلِيد بْن عُقْبَة وَقَدْ بَعَثَهُ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي
الْمُصْطَلِق مُصَدِّقًا فَخَافَهُمْ لِتِرَةٍ كَانَتْ بَيْنه
وَبَيْنهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة فَرَجَعَ وَقَالَ إنَّهُمْ
مَنَعُوا الصَّدَقَة وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَهَمَّ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَزْوِهِمْ فجاؤوا
مُنْكِرِينَ مَا قَالَهُ عَنْهُمْ
(1/685)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ
جَاءَكُمْ فَاسِق بِنَبَإٍ} خَبَر {فَتَبَيَّنُوا} صِدْقه مِنْ
كَذِبه وَفِي قِرَاءَة فَتَثَبَّتُوا مِنْ الثَّبَات {أَنْ
تُصِيبُوا قَوْمًا} مَفْعُول لَهُ أَيْ خَشْيَة ذَلِكَ
{بِجَهَالَةٍ} حَال مِنْ الْفَاعِل أَيْ جَاهِلِينَ
{فَتُصْبِحُوا} تَصِيرُوا {عَلَى مَا فَعَلْتُمْ} مِنْ
الْخَطَأ بِالْقَوْمِ {نَادِمِينَ} وَأَرْسَلَ صلى الله عليه
وسلم إلَيْهِمْ بَعْد عَوْدهمْ إلَى بِلَادهمْ خَالِدًا فَلَمْ
يَرَ فِيهِمْ إلَّا الطَّاعَة وَالْخَيْر فَأَخْبَرَ النَّبِيّ
بذلك
(1/685)
وَاعْلَمُوا أَنَّ
فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ
الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ
الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ
الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ
الرَّاشِدُونَ (7)
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللَّه}
فَلَا تَقُولُوا الْبَاطِل فَإِنَّ اللَّه يُخْبِرهُ
بِالْحَالِ {لَوْ يُطِيعكُمْ فِي كَثِير مِنَ الْأَمْر}
الَّذِي تُخْبِرُونَ بِهِ عَلَى خِلَاف الْوَاقِع فَيُرَتَّب
عَلَى ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ {لَعَنِتُّمْ} لَأَثِمْتُمْ دُونه
إثْم التَّسَبُّب إلَى الْمُرَتَّب {وَلَكِنَّ اللَّه حَبَّبَ
إِلَيْكُمُ الْإِيمَان وَزَيَّنَهُ} حَسَّنَهُ {فِي قُلُوبكُمْ
وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان}
اسْتِدْرَاك مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى دُون اللَّفْظ لِأَنَّ
مَنْ حُبِّبَ إلَيْهِ الْإِيمَان إلَخْ غَايَرَتْ صِفَته صِفَة
مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْره {أُولَئِكَ هُمْ} فِيهِ الْتِفَات عَنْ
الْخِطَاب {الرَّاشِدُونَ} الثَّابِتُونَ عَلَى دِينهمْ
(1/686)
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ
وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)
{فَضْلًا مِنَ اللَّه} مَصْدَر مَنْصُوب
بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر أَيْ أَفْضَل {وَنِعْمَة} مِنْهُ
{وَاَللَّه عَلِيم} بِهِمْ {حَكِيم} فِي إنْعَامه عَلَيْهِمْ
(1/686)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ
فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَضِيَّة هِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم ركب حمارا ومر على بن أبي فبال الحمار
فسد بن أبي أنفه فقال بن رَوَاحَة وَاَللَّه لَبَوْل حِمَاره
أَطْيَب رِيحًا مِنْ مِسْكك فَكَانَ بَيْن قَوْمَيْهِمَا ضَرْب
بِالْأَيْدِي وَالنِّعَال وَالسَّعَف {اقْتَتَلُوا} جُمِعَ
نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ كُلّ طَائِفَة جَمَاعَة
وَقُرِئَ اقْتَتَلَتَا {فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا} ثُنِّيَ
نَظَرًا إلَى اللَّفْظ {فَإِنْ بَغَتْ} تَعَدَّتْ {إحْدَاهُمَا
عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء}
تَرْجِع {إلَى أَمْر اللَّه} الْحَقّ {فَإِنْ فَاءَتْ
فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا بِالْعَدْلِ} بِالْإِنْصَافِ
{وَأَقْسِطُوا} اعْدِلُوا {إن الله يحب المقسطين}
1 -
(1/686)
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
{إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة} فِي
الدِّين {فَأَصْلِحُوا بَيْن أخويكم} إذا تنازعا وقرئ إخوتكم
بالفوقانية {واتقوا الله لعلكم ترحمون
(1/686)
1 -
(1/687)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ
يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى
أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ
بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (11)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
يَسْخَر} الْآيَة نَزَلَتْ فِي وَفْد تَمِيم حِين سَخِرُوا
مِنْ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ كَعَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ
وَالسُّخْرِيَّة الِازْدِرَاء وَالِاحْتِقَار {قَوْم} أَيْ
رِجَال مِنْكُمْ {مِنْ قَوْم عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا
مِنْهُمْ} عِنْد اللَّه {وَلَا نِسَاء} مِنْكُمْ {مِنْ نِسَاء
عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا
أَنْفُسكُمْ} لَا تَعِيبُوا فَتُعَابُوا أَيْ لَا يَعِبْ
بَعْضكُمْ بَعْضًا {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} لَا
يَدْعُو بَعْضكُمْ بَعْضًا بِلَقَبٍ يَكْرَههُ وَمِنْهُ يَا
فَاسِق يَا كَافِر {بِئْسَ الِاسْم} أَيْ الْمَذْكُور مِنْ
السُّخْرِيَّة وَاللَّمْز وَالتَّنَابُز {الْفُسُوق بَعْد
الْإِيمَان} بَدَل مِنْ الِاسْم أَنَّهُ فِسْق لِتَكَرُّرِهِ
عَادَة {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} مِنْ ذلك {فأولئك هم الظالمون}
1 -
(1/687)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
{يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيرًا مِنَ الظَّنّ إنَّ بَعْض الظَّنّ إثْم} أَيْ مُؤْثِم
وَهُوَ كَثِير كَظَنِّ السَّوْء بِأَهْلِ الْخَيْر مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ كَثِير بِخِلَافِهِ بِالْفُسَّاقِ
مِنْهُمْ فَلَا إثْم فِيهِ فِي نَحْو مَا يَظْهَر مِنْهُمْ
{وَلَا تَجَسَّسُوا} حذف منه إحدى التاءين ولا تَتَّبِعُوا
عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ وَمَعَايِبهمْ بِالْبَحْثِ عَنْهَا
{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضكُمْ بَعْضًا} لَا يَذْكُرهُ بِشَيْءٍ
يَكْرَههُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ {أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ أَنْ
يَأْكُل لَحْم أَخِيهِ مَيْتًا}
بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَيْ لَا يَحْسُن بِهِ
{فَكَرِهْتُمُوهُ} أَيْ فَاغْتِيَابه فِي حَيَاته كَأَكْلِ
لَحْمه بَعْد مَمَاته وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْكُمْ الثَّانِي
فَكَرِهْتُمُوهُ فَاكْرَهُوا الْأَوَّل {وَاتَّقُوا اللَّه}
أَيْ عِقَابه فِي الِاغْتِيَاب بِأَنْ تَتُوبُوا مِنْهُ {إنَّ
اللَّه تَوَّاب} قَابِل تَوْبَة التَّائِبِينَ {رَحِيم} بِهِمْ
1 -
(1/687)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
{يأيها النَّاس إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَر وَأُنْثَى} آدَم وَحَوَّاء {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا}
جَمْع شَعْب بِفَتْحِ الشِّين هُوَ أَعْلَى طَبَقَات النَّسَب
{وَقَبَائِل} هِيَ دُون الشُّعُوب وَبَعْدهَا الْعَمَائِر
ثُمَّ الْبُطُون ثُمَّ الْأَفْخَاذ ثُمَّ الْفَصَائِل آخِرهَا
مِثَاله خُزَيْمَة شَعْب كِنَانَة قَبِيلَة قُرَيْش عِمَارَة
بِكَسْرِ الْعَيْن قُصَيّ بَطْن هَاشِم فَخْذ الْعَبَّاس
فَصِيلَة {لِتَعَارَفُوا} حُذِفَ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ
لِيَعْرِف بَعْضكُمْ بَعْضًا لَا لِتُفَاخِرُوا بِعُلُوِّ
النَّسَب وَإِنَّمَا الْفَخْر بِالتَّقْوَى {إنَّ أَكْرَمكُمْ
عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّه عَلِيم} بِكُمْ {خبير}
ببواطنكم
(1/687)
1 -
(1/688)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ
آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ
تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ
أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
{قَالَتِ الْأَعْرَاب} نَفَر مِنْ بَنِي
أَسَد {آمَنَّا} صَدَّقْنَا بِقُلُوبِنَا {قُلْ} لَهُمْ {لَمْ
تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} انْقَدْنَا ظَاهِرًا
{وَلَمَّا} أَيْ لَمْ {يَدْخُل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ}
إلَى الْآن لَكِنَّهُ يَتَوَقَّع مِنْكُمْ {وَإِنْ تُطِيعُوا
اللَّه وَرَسُوله} بِالْإِيمَانِ وغيره {لا يالتكم}
بِالْهَمْزِ وَتَرْكه وَبِإِبْدَالِهِ أَلِفًا لَا يُنْقِصكُمْ
{مِنْ أَعْمَالكُمْ} أَيْ مِنْ ثَوَابهَا {شَيْئًا إنَّ اللَّه
غَفُور} لِلْمُؤْمِنِينَ {رَحِيم} بِهِمْ
1 -
(1/688)
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ
لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)
{إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} أَيْ
الصَّادِقُونَ فِي إيمَانهمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْد
{الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله ثم لَمْ يَرْتَابُوا}
لَمْ يَشُكُّوا فِي الْإِيمَان {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه} فَجِهَادهمْ يَظْهَر بِصِدْقِ
إيمَانهمْ {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} فِي إيمَانهمْ لَا
مَنْ قَالُوا آمَنَّا وَلَمْ يُوجَد مِنْهُمْ غير الإسلام
1 -
(1/688)
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ
اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
{قُلْ} لَهُمْ {أَتُعَلِّمُونَ اللَّه
بِدِينِكُمْ} مُضَعَّف عَلِمَ بِمَعْنَى شَعَرَ أَيْ
أَتُشْعِرُونَهُ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ في قولكم آمنا {والله
يَعْلَم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض والله بكل
شيء عليم}
1 -
(1/688)
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ
أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ
بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
{يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسْلَمُوا} مِنْ
غَيْر قِتَال بِخِلَافِ غَيْرهمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْد
قِتَاله مِنْهُمْ {قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامكُمْ}
مَنْصُوب بِنَزْعِ الْخَافِض الْبَاء وَيُقَدَّر قَبْل أَنْ
فِي الْمَوْضِعَيْنِ {بَلِ اللَّه يَمُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ
هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فِي
قَوْلكُمْ آمَنَّا
1 -
(1/688)
إِنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{إنَّ اللَّه يَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَيْ مَا
غَابَ فِيهِمَا {وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ}
بِالْيَاءِ وَالتَّاء لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ |