تفسير السمرقندي بحر العلوم

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)

سورة القيامة
وهي أربعون آية مكية

[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5)
قوله تعالى: لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ أجمع أهل التفسير أن معناه أقسم، واختلفوا في تفسير لا. قال بعضهم: والكلام زيادة للزينة، ويجري في كلام العرب زيادة لا، كما في آية أخرى. قال: قالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: 12] يعني: أن تسجد. وقال بعضهم: لا رد لكلامهم، حيث أنكروا البعث. فقال: ليس الأمر كما ذكر. ثم قال: أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ويقال: معناه أقسم برب يوم القيامة إنها كائنة. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ يعني: أقسم بخالق النفس اللوامة، وهي نفس ابن آدم، يلوم نفسه. كما روي عن ابن عباس، وعن عمر- رضي الله عنهم-: ما من نفس برة وفاجرة، إلا تلوم نفسها، إن كانت محسنة تقول: يا ليتني زدت إحساناً، وإن كانت سيئة تقول: يا ليتني تركت. ولم يذكر جواب القسم، لأن في الكلام دليلاً عليه، وهو قوله بَلى قادِرِينَ ومعناه: ولا أقسم بالنفس اللوامة، لتبعثن بعد الموت.
ثم قال عز وجل: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ يعني: أيظن الكافر أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ يعني:
أن لن يبعث الله بعد الموت. نزلت في أبي بن خلف، ويقال: في عدي بن الربيعة، لإنكار البعث بعد الموت. يقول الله تعالى: بَلى قادِرِينَ يعني: أن الله تعالى قادر عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ يعني: يجعل أصابعه ملتزقة، وألحق الراحة بالأنامل. وهذا قول ابن عباس. وقال القتبي: فكأنه يقول: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه في الآخرة، بلى قادرين على أن نسوي بنانه، يعني: أن نجمع ما صغر منه، ونؤلف بينه. أي: نعيد السلاميات على صغرها، ومن قدر على جمع هذا، فهو على جمع كبار العظام أقدر. وقال مجاهد: على أن نسوي خفه كخف البعير، لا يعمل به شيئاً. وقال سعيد بن جبير يعني: كنف البعير، أو كحافر الدابة والحمر، لأنه ليس من دابة، إلا وهي تأكل بفمها غير الإنسان.

(3/520)


يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)

قوله تعالى: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يعني: يقدم ذنوبه، ويؤخر توبته ويقول:
سوف أتوب، ولا يترك الذنوب، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه. وقال عكرمة: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يعني: يريد الذنوب في المستقبل. وقال القتبي: بل يريد الإنسان ليفجر أمامه، فقد كثرت فيه التفاسير. وقال سعيد بن جبير سوف أتوب، وقال الكلبي: يكثر الذنوب، ويؤخر التوبة. وقال آخرون: يتمنى الخطيئة، وفيه قول آخر على طريق الإنكار، بأن يكون الفجور بمعنى: التكذيب بيوم القيامة، ومن كذب بالحق، فقد فجر، وأصل الفجور: الميل. فقيل:
للكاذب والمكذب والفاسق فاجر، لأنه مال عن الحق.

[سورة القيامة (75) : الآيات 6 الى 30]
يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
كَلاَّ لا وَزَرَ (11) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15)
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25)
كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (30)
قوله تعالى: يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ يعني: يسأل متى يوم القيامة، تكذيباً بالبعث.
فكأنه قال: بل يريد الإنسان أن يكذب بيوم القيامة، وهو أمامه، وهو يسأل متى يكون. فبين الله تعالى في أي يوم يكون فقال: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ يعني: شخص البصر، وتحير. قرأ نافع فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ بنصب الراء، والباقون بالكسر. فمن قرأ بالنصب، فهو من برق يبرق بريقاً، ومعناه: شخص فلا يطرق من شدة الفزع. ومن قرأ بالكسر، يعني: فزع وتحير. وأصله: أن الرجل إذا رأى البرق تحير، وإذا رأى من أعاجيب يوم القيامة، تحير ودهش.
وَخَسَفَ الْقَمَرُ يعني: ذهب ضوؤه وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يعني: كالثورين المقرنين. ويقال: برق البصر، وخسف القمر. قال كوكب العين ذهب ضوؤه. وروى علي بن أبي طالب، - رضي الله عنه- أنه قال: يجعلان في نور الحجاب. ويقال: جمع الشمس والقمر، يعني: سوى بينهما في ذهاب نورهما، وإنما قال: وجمع الشمس والقمر، ولم يقل وجمعت، لأن المؤنث والمذكر إذا اجتمعا، فالغلبة للمذكر. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ

(3/521)


يقول: أين الملجأ من النار؟ قرئ في الشاذ، أين المفر بالكسر للفاء، على معنى: أين مكان الفرار. وقراءة العامة بالنصب، يعني: أين الفرار.
ثم قال: كَلَّا لاَ وَزَرَ يعني: حقاً لا جبل يلجئون إليه، فيمنعهم من النار، ولا شجر يواريهم. والوزر في كلام العرب، الجبل الذي يلتجئ إليه، والوزر والستر هنا، الشيء الذي يستترون به. وقال عكرمة: ولا وزر. يعني: منعه. وقال الضحاك: يعني: لا حصن لهم يوم القيامة. ثم قال عز وجل: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
يعني: المرجع يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
يعني: يسأل ويبين له، ويجازى بما قدم من الأعمال وأخر، من سنة صالحة أو سيئة.
قوله عز وجل: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
يعني: جوارح العبد شاهدة عليه.
ومعناه على الإنسان من نفسه شاهد، يشهد عليه كل عضو بما فعل. ويقال يعني: جوارح، العبد شاهدة عليه، ومعناه رقيب بعضها على بعض. والبصيرة أدخلت فيها الهاء للمبالغة، كما يقال: رجل علامة. وقال الحسن: على نفسه بصيرة، يعني: بعيوب غيره، الجاهل بعيوب نفسه وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
يعني: ولو تكلم بعذر لم يقبل منه. ويقال: ولو أرخى ستوره، يعني: أنه شاهد على نفسه، وإن أذنب في الستور.
قوله تعالى: لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
يعني: لا تعجل بقراءة القرآن، من قبل أن يفرغ جبريل- عليه السلام- من قراءته وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، - رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إذا نزل عليه القرآن، تعجل به للحفظ فنزل: لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
لِتَعْجَلَ
بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
يعني: حفظه في قلبك وَقُرْآنَهُ
يعني: يقرأ عليك جبريل، حتى تحفظه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
يعني: إذا قرأ عليك جبريل فاقرأ أنت بعد قراءته وفراغه وقال محمد بن كعب: فاتبع قراءته، يعني: فاتبع حلاله وحرامه. وقال الأخفش: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
يعني: تأليفه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
يعني: تأليفه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ يعني: بيان أحكامه وحدوده. ويقال: علينا بيانه، يعني: شرحه. ويقال: بيان فرائضه، كما بين على لسان النبيّ صلّى الله عليه وسلم.
ثم نزل بعد هذه الأحكام، قوله تعالى: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ يعني: تحبون العمل للدنيا وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ يعني: تتركون العمل للآخرة. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو بل يحبون بالياء، على معنى الخبر عنهم. والباقون بالتاء، على معنى المخاطبة. ثم بين حال ذلك اليوم فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ أي: حسنة مشرقة مضيئة، كما قال في آية أخرى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) [المطففين: 24] إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ يعني: ناظرين يومئذ إلى الله تبارك وتعالى. وقال مجاهد: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ يعني: تنتظر الثواب من ربها. وهذا القول لا يصح، لأنه مقيد بالوجوه، موصول بإلى، ومثل هذا، لا يستعمل في الانتظار.

(3/522)


فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)

ثم قال عز وجل: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ يعني: عابسة. ويقال: كريهة. ويقال: كاسفة ومسودة تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ يعني: تعلم أنه قد نزل بها العذاب والشدة. يعني: تعلم هذه الأنفس. ويقال: الفاقرة الداهية، ويقال: قد أيقنت أن العذاب نازل بها. ثم قال عز وجل: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ يعني: حقاً إذا بلغت النفس إلى الحلقوم. يعني: خروج الروح وَقِيلَ مَنْ راقٍ
يعني: يقول من حضر عند الموت، هل من طبيب حاذق يداويه؟
ويقال: من راق، يعني: من يشفي من هذا الحال. ويقال: من راق، يعني: من يقدر أن يرقي من الموت. يعني: لا يقدر أحد أن يرقي من الموت. والعرب تقول: من الرقية، رقى يرقي رقيةً، ومن الرقيّ وهو الصعود، رقي يرقى رقياً، فهو راق منهما.
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ يعني: استيقن أنه ميت، وأنه يفارق الروح من الجسد. ويقال: وقيل من راق، أن الملائكة الذين حضروا لقبض روحه يقول: بعضهم لبعض، من راق يعني من يصعد منا بروحه إلى السماء، فأيقن عند ذلك أنه الفراق وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ قال ابن عباس: يعني: التفت شدتان أخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من الآخرة.
وروى وكيع، عن بشير بن المهاجر قال: سمعت الحسن يقول: والتفت الساق بالساق، قال:
هما ساقان إذا التفتا في الكفن، إلى ربك يومئذٍ المساق يعني: يساق العبد إلى ربه.

[سورة القيامة (75) : الآيات 31 الى 40]
فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (35)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (39) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40)
ثم قال عز وجل: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وهو أبو جهل بن هشام، يعني: لم يصدق بتوحيد الله تعالى، وبمحمد صلّى الله عليه وسلم، ولم يصل لله تعالى. ويقال: وَلا صَلَّى يعني: ولا أسلم. فسمي المسلم مصلياً وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى يعني: كذب بالتوحيد، وتولى يعني:
أعرض عن الإيمان ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى قال القتبي: يعني: وأصله في اللغة يتمطط فقلبت الطاء ياء فصار يتمطى يعني: ذهب إلى أهله يتمطى يعني: ويتبختر في مشيته أَوْلى لَكَ فَأَوْلى وعيد على أثر وعيد، يعني: احذر يا أبا جهل. ومعنى أَوْلى لَكَ أي: قرب لك يا أبا جهل. وقال سعيد بن جبير: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم لأبي جهل: أولى لك فأولى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثم نزل به القرآن. وقال الزجاج: معناه أولى لك يعني: يوجب لك المكروه يا أبا جهل، والعرب تقول أولى بفلان، إذا وعد له مكروهاً. وقال القتبي: أولى لك تهديد ووعيد

(3/523)


كما قال: فأولى لهم ثم ابتدأ فقال: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ [محمد: 21] .
ثم قال: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً يعني: أن يترك مهملاً، لا يؤمر ولا ينهى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى يعني: أليس قد خلق من ماء مهين. قرأ ابن عامر وحفص، عن عاصم، من منى يمنى بالهاء، والباقون بالتاء على معنى التأنيث، لأن النطفة مؤنثة. ومن قرأ بالياء، انصرف إلى المعنى وهو الماء ثُمَّ كانَ عَلَقَةً يعني: صارت بعد النطفة علقة فَخَلَقَ فَسَوَّى يعني: جمع خلقه في بطن أمه مستوياً، معتدل القامة فَجَعَلَ مِنْهُ يعني: خلق من المني الزَّوْجَيْنِ يعني: لونين من الخلق الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التقرير، يعني: إن هذا الذي يفعل مثل هذا، هو قادر. على أن يحيي الموتى. وذكر عن ابن عباس، أنه كان إذا قرأ أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى قال: سبحانك اللهم بلى قادر، والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

(3/524)


هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)

سورة الإنسان
وهي إحدى وثلاثون آية مدنية

[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 14]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (4)
إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9)
إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (14)
قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ يعني: قد أتى على أدم حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ يعني:
أربعين سنة لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً يعني: لم يدر ما اسمه، ولا ما يراد به إلا الله تعالى.
وذلك أن الله تعالى، لما أراد أن يخلق آدم، أمر جبريل- عليه السلام-، أن يجمع التراب فلم يقدر. ثم أمر إسرافيل فلم يقدر، ثم أمر عزرائيل عليهم السلام، فجمع التراب من وجه الأرض، فصار التراب طيناً، ثم صار صلصالاً، وكان على حاله أربعين سنة، قبل أن ينفخ فيه الروح. وروى معمر، عن قتادة قال: كان آدم آخر ما خلق من الخلق، خلق كل شيء قبل آدم.
ثم قال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ يعني: مختلطاً ماء الرجل وماء

(3/525)


المرأة، لا يكون الولد إلا منهما جميعاً. ماء الرجل أبيض ثخين، وماء المرأة أصفر رقيق نَبْتَلِيهِ يعني: لكي نبتليه بالخير والشر فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً يعني: جعلنا له سمعاً يسمع به الهدى، وبصراً يبصر به الهدى. وقال مقاتل: في الآية تقديم، يعني: جعلناه سميعاً بصيراً، يعني: جعلنا له سمعاً لنبتليه، يعني: لنختبره.
قوله عز وجل: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ يعني: بينا له، وعرفناه طريق الخير وطريق الكفر.
ويقال: سبيل السعادة والشقاوة إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً يعني: إما أن يكون موحداً، وإما أن يكون جاحداً لوحدانية الله تعالى. ويقال: إما شاكراً لنعمه، وإما كفوراً لنعمه. ثم بين ما أعد للكافرين فقال: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ يعني: في الآخرة سَلاسِلَ وَأَغْلالًا يعني: هيئنا لهم أغلالاً، تغل بها أيمانهم إلى أعناقهم وَسَعِيراً يعني: وقوداً.
ثم بين ما أعد للشاكرين فقال: إِنَّ الْأَبْرارَ يعني: الصادقين في إيمانهم يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ يعني: من خمر كانَ مِزاجُها كافُوراً يعني: على برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل ليس ككافور الدنيا ولا كمسكها ولكنه وصف بها حتى يهتدى به القلوب أو يقال:
الكافور اسم عين في الجنة يمزج بها الخمر عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يعني: عين الكافور يشرب بها أولياء الله تعالى في الجنة يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً يعني: يمزجونها تمزيجاً. وقال ابن عباس: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً في قصورهم وديارهم، وذلك، أن عين الكافور، يشرب بها المقربون صرفاً غير ممزوج، ولغيرهم ممزوجاً. ويقال: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً يعني: يفجرون تلك العين في الجنة كيف أحبوا، كما يفجر الرجل النهر الذي يكون له في الدنيا هاهنا، وهاهنا حيث شاء.
ثم بين أفعالهم في الدنيا فقال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ يعني: يتمون الفرائض. ويقال: أوفوا بالنذر وَيَخافُونَ يَوْماً وهو يوم القيامة كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً يعني: عذابه فاشياً ظاهراً، وهو أن السموات قد انشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وفارت المياه ثم قال عز وجل: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ يعني: على قلته وشهوته وحاجته مِسْكِيناً وهو الطائف بالأبواب وَيَتِيماً وَأَسِيراً يعني: من أسر من دار الشرك. ويقال: أهل اليمن. وذكر أن الآية نزلت في شأن علي بن أبي طالب، وفاطمة- رضي الله عنهما وكانا صائمين فجاءهما سائل وكان عندهما قوت يومهما فأعطيا السائل بعض ذلك الطعام ثم جاءهما يتيم فأعطياه من ذلك الطعام ثم جاءهما أسير فأعطياه الباقي فمدحهما الله تعالى لذلك، ويقال: نزلت في شأن رجل من الأنصار ثم قال عز وجل: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ يعني: ينوون بأدائهم، ويضمرون في قلوبهم وجه الله تعالى. ويقولون: لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً يعني: لا نريد منكم مكافأة في الدنيا، ولا ثوابا في الآخرة إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً

(3/526)


وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)

يعني: العبوس الذي تعبس فيه الوجوه، من هول ذلك اليوم، والقمطرير الشديد العبوس.
ويقال: عبوساً، أي: يوم يعبس فيه الوجوه، فجعل عبوساً من صفة اليوم. كما قال: فِي يَوْمٍ عاصِفٍ [إبراهيم: 18] أراد عاصف الريح والقمطرير الشديد. يعني: ينقبض الجبين وما بين الأعين، من شدة الأهوال. ويقال: قمطريراً نعت ليوم. ويقال: يوم قمطرير، إذا كان شديداً.
يعني: يوماً شديداً صعبا.
ثم قال عز وجل: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ يعني: دفع الله عنهم عذاب ذلك اليوم وَلَقَّاهُمْ يعني: أعطاهم نَضْرَةً حسن الوجوه وَسُرُوراً يعني: فرحاً في قلوبهم قوله تعالى: وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا يعني: أعطاهم الثواب بما صبروا في الدنيا جَنَّةً وَحَرِيراً يعني: لباسهم فيها حرير. ويقال: بما صبروا على الطاعات. ويقال: على المصائب. وقوله عز وجل: مُتَّكِئِينَ فِيها يعني: ناعمين في الجنة عَلَى الْأَرائِكِ يعني: على السرر، وفي الجمال واحدها أريكة لاَ يَرَوْنَ فِيها شَمْساً يعني: لا يصيبهم فيها حر الشمس وَلا زَمْهَرِيراً يعني: ولا برد الشتاء.
ثم قال عز وجل: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها يعني: قريبة عليهم ظلال الشجر. وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا يعني: قربت ثمارها ويقال سخرت قطوفها يعني: مجنى ثمرها تذليلاً يعني: قريباً ينالها القاعد والقائم. وروى بن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أرض الجنة من فضة، وترابها مسك، وأصول شجرها ذهب وفضة، وأغصانها لؤلؤ وزبرجد، والورق والثمر تحت ذلك، فمن أكل قائماً لم يؤذه، ومن أكل جالساً لم يؤذه، ومن أكل مضطجعاً لم يؤذه. ثم قرأ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا وقال أهل اللغة. ذللت أي: أدنيت منهم، من قولك: حائط ذليل إذا كان قصير السمك. والقطوف والثمرة واحدها قطف، وهو نحو قوله تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ [الحاقة: 23] .

[سورة الإنسان (76) : الآيات 15 الى 31]
وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19)
وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (28) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (29)
وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31)

(3/527)


ثم قال عز وجل: وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ وهي كيزان مدققة الرأس، لا عرى لها كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ يعني: في صفاء القارورة، وبياض الفضة. وروي عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لو أخذت فضة من فضة الدنيا، فضربتها حتى جعلتها مثل جناح الذباب لم تر الماء من ورائه، ولكن قوارير الجنة من فضة في صفاء القوارير، كبياض الفضة.
قرأ نافع، وعاصم، والكسائي سلاسلاً وقواريراً، كلهن بإثبات الألف والتنوين. وقرأ حمزة بإسقاط الألف كلها، وكان أبو عمرو يثبت الألف في الأولى من قوارير، ولا يثبتها في الثانية.
قال أبو عبيد: رأيت في مصحف عثمان، رضي الله عنه الذي قال له مصحف الإمام قوارير بالألف، والثانية كان بالألف، فحكت ورأيت أثرها بيناً هناك، وأما السلاسل فرأيتها قد رست. وقال بعض أهل اللغة: الأجود في العربية، أن لا ينصر فيه سلاسل وقوارير، لأن كل جمع يأتي بعد ألفه حرفان أو ثلاثة، أوسطها ساكن، فإنه لا ينصرف، فأما من صرفه ونون، فإنه رده إلى الأصل في الازدواج إذا وقعت الألف بغير تنوين ثم قال: قَدَّرُوها تَقْدِيراً يعني: على قدر كف الخدم، ويقال: على قدر كف المخدوم ولا يحجز، ويقال: على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه. ويقال: على مقدار الذي لا يزيد ولا ينقص ليكون الري لشربهم وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً يعني: خمراً وشراباً كانَ مِزاجُها يعني: خلطها زَنْجَبِيلًا عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا وقال القتبي: والزنجبيل اسم العين، وكذلك السلسبيل ويقال: إن السلسبيل اللبن والزنجبيل طعمه، والعرب تضرب به المثل. وقال مقاتل: إنما سمي السلسبيل، لأنها تسيل عليهم في الطريق وفي منازلهم، وقال أبو صالح: بلغني أن السلسبيل شديد الجرية.
وقال بعضهم: معناه كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا عيناً فيها تسمى سلسبيلاً يعني: عيناً تسمى الزنجبيل وتم الكلام ثم قال: سلسبيلاً يعني: سل الله تعالى السبيل إليها.
قوله تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ يعني: لا يكبرون، ويكونون على سن واحدة إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً قال قتادة: كثرتهم وحسنهم، كاللؤلؤ المنثور وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً يعني: إذا رأيت هناك ما في الجنة، رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً يعني:
على رؤوسهم التيجان، كما يكون على رأس ملك من الملوك. ويقال: وَمُلْكاً كَبِيراً يعني:
لا يدخل رسول رب العزة، إلا بإذنهم.
ثم قال عز وجل: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ يعني: على ظهورهم ثياب سندس.

(3/528)


قرأ نافع، وحمزة بجزم الياء وكسر الهاء. والباقون بنصب الياء وضم الهاء. فمن قرأ بالجزم، فمعناه الذي يعلوهم، وهو اسم فاعل، من علا يعلو. ومن قرأ بالنصب نصبه على الظرف، كما قال: فوقهم ثياب. وروي عن ابن مسعود، أنه قرأ عاليتهم ثياب، يعني: الوجه الأعلى.
ثم قال: ثياب سندس، خضر بالكسر وَإِسْتَبْرَقٌ قرأ نافع، وعاصم في رواية حفص، خضر واستبرق كلاهما بالضم. والباقون كلاهما بالكسر، فمن قرأ بالضم، لأنه نعت الثياب. يعني:
ثياباً خضراً. ومن قرأ بالكسر، فهو نعت للسندس، ومن قرأ واستبرق بالضم، فهو نسق على الثياب. ومعناه: عليهم سندس واستبرق، ومن قرأ بالكسر، يكون عليهم ثياب من هذين النوعين.
ثم قال عز وجل: وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وهو جمع السوار وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً يعني: الذي سقاهم خدمهم. ويقال: الذين يشربون من قبل أن يدخلوا الجنة. ثم قال: إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً يعني: الذي وصف لكم في الجنة، ثواباً لأعمالكم وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً يعني: عملكم مقبولاً. يعني: يبشرون بهذا إذا أرادوا أن يدخلوا الجنة. ثم قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا يعني: أنزلنا عليك القرآن تنزيلاً، يعني: إنزالاً فالمصدر للتأكيد.
ثم قال عز وجل: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ يعني: استقم على أمر الله تعالى ونهيه. ويقال:
اصبر على أذى الكفار. وقال: على تبليغ الرسالة وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً آثماً يعني:
فاجراً وهو الوليد بن المغيرة، أو كفوراً يعني: ولا كفوراً، وهو عتبة بن ربيعة. قال للنبي صلّى الله عليه وسلم: إن فعلت هذا لأجل المال، فارجع حتى أدفع إليك من المال، ما تصير به أكثر مالاً من أهل مكة. فنزلت هذه الآية وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً.
ثم قال عز وجل: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ يعني: صلِ باسم ربك بُكْرَةً وَأَصِيلًا يعني:
بكرة وعشياً يعني: صلاة الفجر، وصلاة الظهر والعصر وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ يعني: فصلِّ لله المغرب والعشاء وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا يعني: بعد المكتوبة، فهذا للنبي صلّى الله عليه وسلم خاصة. ويقال له ولأصحابه: وهذا أمر استحباب، لا أمر وجوب. ثم قال عز وجل: إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ يعني: يختارون الدنيا وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يعني: يتركون العمل لما هو أمامهم يَوْماً ثَقِيلًا يعني: ليوم ثقيل وقال مجاهد: وراءهم يعني: خلفهم.
قوله تعالى: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ يعني: قوينا خلقهم ليطيعوني، فلم يطيعوني. ويقال: شددنا مفاصلهم بالعصب، والعروق والجلد، لكي لا ينقطع المفاصل وقت تحريكها. ويقال: شددنا أسرهم، أي: قبلهم ودبرهم، لكي لا يسيل البول والغائط، إلا عند الحاجة وَإِذا شِئْنا يعني: إذا أردنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا يعني: أي نخلق خلقاً أمثل منهم،

(3/529)


وأطوع لله إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ يعني: هذه السورة عظة لكم. ويقال: هذه الآيات فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا يعني: فمن شاء أن يتعظ فليتعظ، فقد بينا له الطريق.
ثم قال عز وجل: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يعني: إلا أن يشاء لكم فيوفقكم.
يعني: إن جاهدتم فيوفقكم كقوله: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ [العنكبوت: 69] الآية. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو وَمَا يشاؤن بالياء على معنى الخبر عنهم. والباقون بالتاء على معنى المخاطبة. ثم قال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً يعني: كان عليماً قبل خلقكم، من يتخذ السبيل، ولم يشرك ويوحد حَكِيماً حكم بالبداية لمن كان أهلاً لذلك.
قوله تعالى: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ يعني: يكرم بالإسلام من كان أهلاً لذلك.
ويقال: يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رحمته، يعني: في نعمته وهي الجنة، في رحمته وفضله وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً يعني: يدخل الظالمين في عذاب أليم. ويقال: يعذب الظالمين. وقرئ في الشاذ والظالمون، وقراءة العامة والظالمين بالنصب. ومعناه: ويعذب الظالمين، ويكون لهم عذاباً أليماً، تفسيراً لهذا المضمر. والله أعلم.

(3/530)


وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)

سورة المرسلات
وهي خمسون آية مكية

[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 15]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4)
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (9)
وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
قوله تعالى: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً قال الكلبي، ومقاتل يعني: الملائكة أرسلوا بالمعروف. ويقال: كثرتها لها عرف كعرف الفرس. وقال أهل اللغة: ويحتمل وجهين، أحدهما: أنها متتابعة بعضها في إثر بعض، وهو مشتق من عرف الفرس. ووجه آخر: أنه يرسل بالعرف، أي: بالمعروف. وروى سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي عبيدة الساعدي قال: سألت عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما عن قوله: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً قال: الريح فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً قال: الريح وَالنَّاشِراتِ نَشْراً قال: الريح فَالْفارِقاتِ فَرْقاً قال: حسبك معناه وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً يعني: أرسل الرياح متتابعة كعرف الفرس فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً يعني: الريح الشديدة التي تدر التراب بالبراري، وسمي ريح عاصف وَالنَّاشِراتِ نَشْراً يعني: الريح التي تنشر السحاب.
ويقال النَّاشِراتِ نَشْراً يعني: البعث يوم القيامة، ويقال: الملائكة الذين ينشرون من الكتاب. فَالْفارِقاتِ فَرْقاً يعني: القرآن فَرَّقَ بين الحق والباطل. ويقال: هو القبر فرق بين الدنيا والآخرة. ويقال: آيات القرآن، التي فيها بيان عقوبة الكفار.
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً يعني: فالمنزلات وحياً، وهم الملائكة عُذْراً أَوْ نُذْراً يعني: أنزل الوحي عذراً من الله تعالى من الظلم، أو نذراً لخلقه من عذابه. قرأ حمزة، والكسائي، وأبو

(3/531)


أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)

عمرو، وعاصم في رواية حفص، بضم العين وجزم الذال، أو نذراً بضم النون وجزم الذال.
والباقون بضم الحرفين في كليهما، فمعناهما إنذار، وهو جمع نذر يعني: لإنذار. ومن قرأ بالجزم فمعناه كذلك، وهو للتخفيف، وإنما نصب عذراً أو نذراً، لأنهما مفعولاً لهما فمعناه فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً للإعذار والإنذار.
ثم قال عز وجل: إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ وهو جواب قسم. أقسم الله تعالى بهذه الأشياء، إن ما توعدون من أمر الساعة والبعث لواقع. يعني: لكائن ولنازل. ثم قال عز وجل:
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ يعني: الموعد الذي يوعدون، في اليوم الذي فيه طمست النجوم، يعني: ذهب ضوءها وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ يعني: انشقت من خوف الرحمن وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ يعني: قلعت من أصولها، حتى سويت بالأرض وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ يعني: جمعت وروى منصور، عن إبراهيم وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ قال: وعدت. وقال مجاهد أي: أجلت. قرأ أبو عمرو وقتت بغير همزة، والقرب تقول صلى القوم إحداناً ووحداناً، ومعناهما واحد، يعني: يجعل لها وقتاً واحداً. وقيل: جمعت لوقتها.
ثم قال: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ على وجه التعظيم، يعني: لأي يوم أجلت الرسل، ليشهدوا على قومهم. ثم بين فقال: لِيَوْمِ الْفَصْلِ يعني: أجلها ليوم الفصل وهو يوم القضاء، ويقال: يوم الفصل يعني: يوم يفصل بين الحبيب والحبيبة وبين الرجل وأمه وأبيه وأخيه وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ يعني: ما تدري أي يوم القضاء تعظيماً لذلك اليوم وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ يعني: الشدة من العذاب في ذلك اليوم، للذين أنكروا، وجحدوا بيوم القيامة.

[سورة المرسلات (77) : الآيات 16 الى 31]
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20)
فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25)
أَحْياءً وَأَمْواتاً (26) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30)
لاَّ ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)
ثم قال عز وجل: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ يعني: ألم يهلك الله تعالى من كان قبلهم بتكذيبهم لأنبيائهم ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ يعني: نهلك الآخرين يعني: إن كذبوا رسلهم

(3/532)


كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ يعني: هكذا يفعل الله بالكفار وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ يعني:
الذين كذبوا رسلهم ثم قال: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ يعني: من نطفة، وهو ماء ضعيف فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ يعني: في رحم الأم. إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ يعني: إلى وقت معروف، وهو وقت الخروج من البطن.
فَقَدَرْنا يعني: فخلقنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ يعني: نعم الخالق، وهو أحسن الخالقين.
قرأ نافع، والكسائي فَقَدَرْنا بتشديد الدال المهملة، والباقون بالتخفيف، ومعناهما واحد.
يقال: قدرت كذا وكذا، وقد يعني: خلقه في بطن الأم نطفة، ثم علقة ثم مضغة. يعني: قدرنا خلقه قصيراً وطويلاً، فنعم القادرون. يعني: فنعم ما قدر الله تعالى خلقهم، ثم أخبرهم بصنعه ليعتبروا، فيؤمنوا بالبعث، وعرفوا الخلق الأول فقال: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ يعني: الشدة من العذاب لمن رأى الخلق الأول، فأنكر الخلق الثاني. ويقال: فنعم القادرون، يعني: نعم المقدرون. ويقال: نعم المالكون.
ثم قال عز وجل: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً يعني: أوعية للخلق. ويقال: موضع القرار، ويقال: بيوتاً ومنزلاً أَحْياءً وَأَمْواتاً يعني: ظهرها منازل الأحياء، وبطنها منازل الأموات. وقال الأخفش: يعني: أوعية للأحياء والأموات. وقال الشعبي: بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم. ويقال: يعني: نظمكم فيها، والكفت الضم وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ يعني:
الجبال الثقال: شامِخاتٍ يعني: عاليات طوالاً وَأَسْقَيْناكُمْ مَّاء فُراتاً يعني: ماءً عذباً من السماء، ومن الأرض وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ يعني: ويل لمن عاين هذه الأشياء، وأنكر وحدانية الله تعالى والبعث.
ثم قال عز وجل: انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ يعني: يوم الفصل. يقال لهؤلاء الذين أنكروا البعث، انطلقوا إلى ما كنتم تكذبون، يعني: انطلقوا إلى العذاب. ثم قال عز وجل: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ وذلك أنه يخرج عنق من النار، فيحيط الكفار مثل السرادق، ثم يخرج من دخان جهنم ظل أسود، فيفرق فيهم ثلاث فرق رؤوسهم، فإذا فرغ من عرضهم قيل لهم انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ ينفعهم وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ يعني: السرادق من لهب النار. وقال القتبي: وذلك أن الشمس تدنو من رؤوسهم، يعني: رؤوس الخلق أجمع، وليس عليهم يومئذ لباس، ولا لهم أكنان.
ينجي الله تعالى برحمته من يشاء إلى ظل من ظله.
ثم قال للمكذبين: انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه، انطلقوا إلى ظل، أي: دخان من نار جهنم قد يسطع. ثم افترق ثلاث فرق، فيكونون فيه، إلى أن يفرغ من الحساب، كما يكون أوليائه في ظله. ثم يؤمر لكل فريق إلى مستقره الجنة، أو إلى النار. ثم

(3/533)


إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)

وصف الظل فقال لاَّ ظَلِيلٍ يعني: لا يظلكم من حر هذا اليوم، بل يزيدكم من لهب النار، إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ وهذا مثل قوله وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) [الواقعة: 43] وهو الدخان وهو سرادق أهل النار، كما ذكر المفسرون.

[سورة المرسلات (77) : الآيات 32 الى 50]
إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هذا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41)
وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
ثم قال عز وجل: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ يعني: النار ترمي بشرر القصر. قال الكلبي: يعني: يشبه القصر، وهو القصور الأعاريب التي على الماء. واحدهما عربة، وهي الأرحية التي تكون على الماء، تطحن الحنطة. وقال مقاتل: القصور أصول الشجر العظام.
وقال مقاتل: إنها ترمي بشرر كالقصر. أراد القصور من قصور أحياء العرب. وقرأ بعضهم كالقصر بنصب الصاد شبه بأعناق النخل، ثم شبه في لونه بالجمالات الصفر. فقال: كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ وهو أسود. والعرب تسمي السود من الإبل الصفرُ، لأنه يشوبه صفرة، كما قال الأعشى:
تِلْكَ خَيْلِي وَتِلْكَ منها رِكَابِي ... هُنَّ صُفْرٌ أَوْلاَدُهَا كالزَّبِيبِ
يعني: أسود، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: جِمالَتٌ صُفْرٌ وهي جمع جمل يقال: جمل وجمال وجمالة وقرأ الباقون: جمالات وهو جمع الجمع وقال ابن عباس- رضي الله عنه- جمالات حيال السفينة يجمع بعضها إلى بعض حتى يكون مثل أوساط الرجال وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ يعني: ويل لمن جحد هذا اليوم بعد ما سمعه ثم قال عز وجل: هذا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ يعني: لا يتكلمون وهذا في بعض أحوال يوم القيامة ومواضعها وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ يعني: لا يؤذن لهم في الكلام يعني: الكفار ليعتذروا وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ

(3/534)


لِلْمُكَذِّبِينَ
يعني: ويل لمن جحد يوم القيامة وهو يقدر على الكلام في هذا اليوم يعني: كان في الدنيا يقدر على المعذرة فتركها ثم قال عز وجل: هذا يَوْمُ الْفَصْلِ يعني: يوم القضاء ويقال: يوم الفصل يعني: بين أهل الجنة وبين أهل النار جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ يعني:
جمعناكم يا أمة محمد صلّى الله عليه وسلم مع من مضى قبلكم فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ يعني: إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ يعني: ويل لمن أنكر قدرة الله والبعث والجمع يوم القيامة ثم قال عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ يعني: إن الذين يتقون الشرك والفواحش.
قال الكلبي: في ظلال الأشجار. وقال مقاتل: يعني: في الجنان والقصور يعني: قصور الجنة وعيون يعني: أنهار جارية وَفَواكِهَ يعني: وألوان الفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ يعني:
يتمنون ويقال لهم: كُلُوا يعني: من الطعام وَاشْرَبُوا من الشراب هَنِيئاً يعني: سائغاً مريئاً لا يؤذيهم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يعني: ثواباً لكم بما عملتم في الدنيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني: هكذا يثبت الله الموحدين المحسنين المؤمنين في أعمالهم وأفعالهم وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ يعني: ويل لمن أنكر هذا الثواب ثم قال للمجرمين عز وجل: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا يعني: كلوا في الدنيا كما تأكل البهائم وعيشوا مدة قليلة إلى منتهى آجالكم إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ يعني: مشركين، وهذا وعيد وتهديد وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ يعني: لمن رضي بالدنيا ولا يقر بالبعث ثم قال عز وجل: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ يعني:
اخضعوا لله تعالى بالتوحيد لا يخضعون، ويقال: وإذا قيل لهم صلوا وأقروا بالصلاة لا يركعون يعني: لا يقرون بها ولا يصلون.
يعني: ويل طويل لمن لا يقر بالصلاة ولا يؤديها وقال مقاتل: نزلت في ثقيف قالوا:
أنحني في الصلاة لأنه مذلة علينا ثم قال عز وجل: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ يعني: إن لم يصدقوا به فبأي كلام يصدقون يعني: إن لم يصدقوا بالقرآن ولم يقروا به فبأي حديث يصدقون يعني: هذا الكلام لا باطل فيه يعني: لا حديث أصدق منه ولا دعوة أبلغ من دعوى النبي صلّى الله عليه وسلم والله أعلم بالصواب.

(3/535)