تفسير الطبري جامع البيان ت شاكر

فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)

القول في تأويل قوله عز ذكره: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}
اختلف أهل التأويل فيمَ نزلت هذه الآية. (1)
فقال بعضهم: نزلت [في الذين عزلوا أموال اليتامى الذين كانوا عندهم، وكرهوا أن يخالطوهم في مأكل أو في غيره، وذلك حين نزلت (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [سورة الأنعام: 152] ، وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) [سورة النساء: 10] .
* ذكر من قال ذلك] : (2)
4182 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [سورة الأنعام: 152، والإسراء: 34] عزلوا أموال اليتامى، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت:" وإن تخالطوهم فإخوانكم، والله يعلمَ المفسدَ من المصْلح، ولو شاء الله لأعنتكم"، فخالطوهم. (3)
__________
(1) في المطبوعة: "فيما نزلت"، والأجود ما أثبت.
(2) ما بين القوسين زيادة استظهرتها من سياق الكلام، واستجزت أن أزيدها بين الأقواس في متن الكتاب، حتى لا تنقطع على القارئ قراءته، وكان مكانها في المطبوعات والمخطوطات بياض.
(3) الأثر: 4182 - أخرجه الحاكم في المستدرك 2: 278 مطولا، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وكان في المطبوعة. "فإخوانكم ولو شاء لأعنتكم"، فأتممت الآية على تنزيلها.

(4/349)


4183 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، و (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [سورة النساء: 10] ، انطلق من كان عنده يتيمٌ فعزل طعامَه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضُل الشيء من طعامه فيُحبس له حتى يأكله أو يفسُد. فاشتدَّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:" ويسألونك عن اليتامى قل إصْلاح لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم"، فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم. (1)
4184 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد قال: لما نزلت: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، قال: كنا نصنع لليتيم طعامًا فيفضُل منه الشيء، فيتركونه حتى يَفسد، فأنزل الله:" وإن تخالطوهم فإخوانكم". (2)
4185- حدثنا يحيى بن داود الوسطي قال، حدثنا أبو أسامة، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم قال: سئل عبد الرحمن بن أبي ليلى عن مال اليتيم فقال: لما نزلت: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، اجتُنبت مخالطتهم، واتقوا كل شيء، حتى اتقوا الماء، فلما نزلت" وإن تخالطوهم فإخوانكم"، قال: فخالطوهم.
4186 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" ويسألونك عن اليتامى" الآية كلها، قال: كان الله أنزل قبل ذلك في
__________
(1) الأثر: 4183 - أخرجه أبو داود 3: 155 رقم: 2871، والنسائي 6: 256.
(2) الأثر: 4184 - قوله"عن سعيد قال" يعني قال ابن عباس، كما هو ظاهر الخبر.

(4/350)


"سورة بني إسرائيل" (1) (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، فكبُرت عليهم، فكانوا لا يخالطونهم في مأكل ولا في غيره، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله الرخصة فقال:" وإن تخالطوهم فإخوانكم".
4187 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: لما نزلت: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، اعتزل الناس اليتامى فلم يخالطوهم في مأكل ولا مشرب ولا مال، قال: فشق ذلك على الناس، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:" ويسألونك عن اليتامى قُل إصلاحٌ لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم".
4188 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:" ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم" الآية، قال: فذكر لنا والله أعلمُ أنه أنزل في"بني إسرائيل": (2) (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) فكبُرت عليهم، فكانوا لا يخالطونهم في طعام ولا شراب ولا غير ذلك. فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله الرخصة فقال:" ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم"، يقول: مخالطتهم في ركوب الدابة وشرب اللبن وخدمة الخادم. يقول: الوليّ الذي يلي أمرهم، فلا بأس عليه أن يركب الدابة أو يشرب اللبن أو يخدمه الخادم.
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
4189 - حدثني عمرو بن علي قال، حدثنا عمران بن عيينة قال، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:" إنّ الذينَ يأكلون أموالَ اليتامى ظُلما إنما يأكلون في بطونهم" الآية، قال: كان يكون في حِجْر الرجل اليتيمُ فيعزل طعامه وشرابه وآنيته، فشقّ ذلك على المسلمين، فأنزل
__________
(1) "سورة بني إسرائيل" هي"سورة الإسراء".
(2) "سورة بني إسرائيل" هي"سورة الإسراء".

(4/351)


الله:" وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح"، فأحل خُلطتهم. (1)
4190 - حدثني أبو السائب قال، حدثنا حفص بن غياث قال، حدثنا أشعث، عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية:" إنّ الذين يأكلونَ أموالَ اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسَيصْلونَ سعيرًا"، قال: فاجتنب الناس الأيتامَ، فجعل الرجل يعزل طعامه من طعامه، وماله من ماله، وشرابه من شرابه. قال: فاشتد ذلك على الناس، فنزلت:" وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح". قال الشعبي: فمن خالط يتيما فليتوسَّع عليه، ومن خالطه ليأكل من ماله فلا يفعل.
4191 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: قوله:" ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير"، وذلك أن الله لما أنزل:" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصْلون سعيرًا"، كره المسلمون أن يضمُّوا اليتامى، وتحرَّجوا أن يخالطوهم في شيء، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:" قل إصلاحٌ لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم".
4192 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله:" ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم"، قال: لما نزلت"سورة النساء"، عزل الناس طعامهم فلم يخالطوهم. قال: ثم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا يشقُّ علينا أن نعزل طعام اليتامى وهم يأكلون معنا! فنزلت:" وإن تخالطوهم فإخوانكم" = قال ابن جريج، وقال مجاهد: عزلوا طعامهم عن طعامهم وألبانهم عن ألبانهم وأدْمهم عن أدْمِهم، (2) فشقّ ذلك عليهم، فنزلت:" وإن تخالطوهم
__________
(1) الأثر: 4189- أخرجه النسائي 6: 256- 257. وفي المطبوعة: "فأحل لهم خلطم والهصوا من النسائي.
(2) الأدم (بضم فسكون) والإدام: ما يؤتدم به، أي ما يؤكل بالخبر أي شيء كان، وفي الحديث: "نعم الإدام الخل".

(4/352)


فإخوانكم"، قال: مخالطة اليتيم في المراعي والأدْم = قال ابن جريج، وقال ابن عباس: الألبان وخِدمة الخادم وركوب الدابة = قال ابن جريج: وفي المساكن، قال: والمساكن يومئذ عزيزةٌ.
4193 - حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر قال، أخبرنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت:" ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" و" إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا"، قال: اجتنب الناس مالَ اليتيم وطعامه، حتى كان يفسُد، إنْ كان لحمًا أو غيره. فشقّ ذلك على الناس، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:" ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير" (1)
4194 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد = أو عيسى، عن قيس بن سعد، شك أبو عاصم - عن مجاهد:" وإن تخالطوهم فإخوانكم"، قال: مخالطة اليتيم في الرِّعْي والأدْم. (2)
* * *
وقال آخرون: بل كان اتقاء مال اليتيم واجتنابه من أخلاق العرب، فاستفتوا في ذلك لمشقته عليهم، فأفتوا بما بيَّنه الله في كتابه.
* ذكر من قال ذلك:
4195 - حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح"، قال: كانت العرب يشددون في اليتيم حتى لا يأكلوا معه في قصعة واحدة، ولا يركبوا له بعيرًا، ولا يستخدموا له خادمًا،
__________
(1) الأثر: 4193- أخرجه النسائي 6: 256.
(2) الرعي (بكسر الراء وسكون العين) : الكلأ نفسه، كالمرعى.

(4/353)


فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عنه، فقال:" قل إصلاح لهم خيرٌ"، يصلح له ماله وأمره له خيرٌ، وإن يخالطه فيأكل معه ويطعمه ويرْكب راحلته ويحمله ويستخدم خادمه ويخدمه، فهو أجودُ" والله يعلم المفسدن من المصلح".
4196 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خيرٌ" إلى" إن الله عزيز حكيم"، وإن الناس كانوا إذا كان في حِجْر أحدهم اليتيمُ جعل طعامه على ناحية، ولبنه على ناحية، مخافة الوِزر، وإنه أصاب المؤمنين الجَهْد، فلم يكن عندهم ما يجعلون خدمًا لليتامى، فقال الله:" قل إصلاحٌ لهم خير وإن تخالطوهم" إلى آخر الآية.
4197 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:" ويسألونك عن الناس"، كانوا في الجاهلية يعظِّمون شأنَ اليتيم، فلا يمسُّون من أموالهم شيئًا، ولا يركبون لهم دابة، ولا يطعمون لهم طعامًا. فأصابهم في الإسلام جَهْدٌ شديد، حتى احتاجوا إلى أموال اليتامى، فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن شأنِ اليتامَى وعن مخالطتهم، فأنزل الله:" وإن تخالطوهم فإخوانكم"، يعني"بالمخالطة": ركوب الدابة، وخدمة الخادم، وشربَ اللبن.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا: ويسألك يا محمد أصحابك عن مال اليتامى، وخلطهم أموالهم به في النفقة والمطاعمة والمشاربة والمساكنة والخدمة، فقل لهم: تفضُّلكم عليهم بإصلاحكم أموالهم - من غير مَرْزِئة شيء من أموالهم، (1) وغير أخذ عوض من أموالهم على إصلاحكم ذلك لهم - خيرُ لكم عند الله وأعظمُ
__________
(1) يقال: "رزأه في ماله رزءًا (بضم فسكون) ومرزئة (بفتح الميم وسكون الراء وكسر الزاي) : أصاب منه خيرًا ما كان، فنقص من ماله.

(4/354)


لكم أجرًا، لما لكم في ذلك من الأجر والثواب = وخيرٌ لهم في أموالهم في عاجل دنياهم، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم ="وإنْ تخالطوهم" فتشاركوهم بأموالكم أموالهم في نفقاتكم ومطاعمكم ومشاربكم ومساكنكم، فتضمُّوا من أموالهم عوضًا من قيامكم بأمورهم وأسبابهم وإصلاح أموالهم، فهم إخوانكم، والإخوان يعين بعضهم بعضًا، ويكنُفُ بعضهم بعضًا، (1) فذو المال يعينُ ذا الفاقة، وذو القوة في الجسم يعين ذا الضعف. يقول تعالى ذكره: فأنتم أيها المؤمنون وأيتامكم كذلك، إن خالطتموهم بأموالكم = فخلطتم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم، وسائر أموالكم بأموالهم، فأصبتم من أموالهم فَضْل مَرْفَق بما كان منكم من قيامكم بأموالهم وولائهم، ومعاناة أسبابهم، على النظر منكم لهم نظرَ الأخ الشفيق لأخيه، العامل فيما بينه وبينه بما أوجب الله عليه وألزمه = فذلك لكم حلالٌ، لأنكم إخوان بعضكم لبعض، كما:-
4198 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:" وإن تخالطوهم فإخوانكم"، قال: قد يخالط الرجل أخاه.
4199 - حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن أبي مسكين، عن إبراهيم قال: إني لأكره أن يكون مال اليتيم كالعُرة. (2)
4200 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم، عن عائشة قالت: إنى لأكره أن يكون مالُ اليتم عندي عُرَّةً، حتى أخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي. (3)
* * *
__________
(1) كنفه يكنفه: حاطه وصانه وكان إلى جنبه وعاونه، والمكانفة: المعاونة. وأصلها من"الكنف"، وهو حضن الرجل. ويقال: "هو في كنف الله"، أي في كلاءته وحفظه وحرزه ورعايته.
(2) العرة: القذر وعذرة الناس، يريد: أن يتجنبه تجنب القذر.
(3) الأثر: 4200- في تفسير ابن كثير 1: 505، والدر المنثور 1: 256، ولم أجده في مكان آخر. و"العرة"، سلف شرحها. وفي تفسير ابن كثير"عندي حدة"، ولعل صوابها ما في التفسير.

(4/355)


قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قال:" فإخوانُكم"، فرفع"الإخوان"؟ وقال في موضع آخر: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا) [سورة البقرة: 239]
قيل: لافتراق معنييهما. وذلك أنّ أيتام المؤمنين إخوان المؤمنين، خالطهم المؤمنون بأموالهم أو لم يخالطوهم. فمعنى الكلام: وإن تخالطوهم فهم إخوانكم. و"الإخوان" مرفوعون بالمعنى المتروك ذكره، وهو"هم" لدلالة الكلام عليه = وأنه لم يرد"بالإخوان" الخبر عنهم أنهم كانوا إخوانًا من أجل مخالطة وُلاتهم إياهم. ولو كان ذلك المراد، لكانت القراءة نصبًا، وكان معناه حينئذ: وإن تخالطوهم فخالطوا إخوانكم، ولكنه قرئ رفعًا لما وصفت: من أنهم إخوان للمؤمنين الذين يلونهم، خالطوهم أو لم يخالطوهم.
وأما قوله: (فرجالا أو رُكبانًا) ، فنصبٌ، لأنهما حالان للفعل، غير دائمين، (1) ولا يصلح معهما"هو". وذلك أنك لو أظهرت"هو" معهما لاستحال الكلام. ألا ترى أنه لو قال قائل:"إن خفت من عدوك أن تصلي قائمًا فهو راجل أو راكب"، لبطل المعنى المرادُ بالكلام؟ وذلك أن تأويل الكلام. فإن خفتم أن تصلوا قيامًا من عدوكم، فصلوا رجالا أو ركبانًا. ولذلك نصبه إجراءً على ما قبله من الكلام، كما تقول في نحوه من الكلام:"إن لبست ثيابًا فالبياض" فتنصبه، لأنك تريد: إن لبست ثيابًا فالبس البياض - ولستَ تريد الخبر عن أن جميع ما يلبس من الثياب فهو البياض. ولو أردت الخبر عن ذلك لقلت:"إن لبستَ ثيابًا فالبياضُ" رفعًا، إذ كان مخرج الكلام على وجه الخبر منك عن اللابس، أنّ كل ما يلبس من الثياب فبياضٌ. لأنك تريد حينئذ: إن لبست ثيابًا فهي بياضٌ. (2)
__________
(1) في المطبوعة"غير ذاتيين":، وهو تصحيف فاحش لا معنى له، والصواب ما أثبت والحال غير الدائمة، هي الحال المشتقة المنتقلة، والدائم هو الجامد والثابت.
(2) انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء أيضًا 1: 141- 142.

(4/356)


فإن قال: فهل يجوز النصب في قوله:" فإخوانكم".
قيل: جائز في العربية. فأما في القراءة، فإنما منعناه لإجماع القرأة على رفعه. وأما في العربية، فإنما أجزناه، لأنه يحسن معه تكريرُ ما يحمل في الذي قبله من الفعل فيهما: وإن تخالطوهم، فإخوانكم تخالطون - فيكون ذلك جائزًا في كلام العرب. (1)
* * *
(2)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: إن ربكم قد أذن لكم في مخالطتكم اليتامى على ما أذن لكم به، (3) فاتقوا الله في أنفسكم أن تخالطوهم وأنتم تريدون أكل أموالهم بالباطل، وتجعلون مخالطتكم إياهم ذريعة لكم إلى إفساد أموالهم وأكلها بغير حقها، فتستوجبوا بذلك منه العقوبة التي لا قِبل لكم بها، فإنه يعلم من خالط منكم يتيمه - فشاركه في مطعمه ومشربه ومسكنه وخدمه ورعاته في حال مخالطته إياه - ما الذي يقصد بمخالطته إياه: إفسَاد ماله وأكله بالباطل، أم إصلاحه وتثميره؟ لأنه لا يخفى عليه منه شيء، (4) ويعلم أيُّكم المريد إصلاح ماله، من المريد إفسادَه. كما:-
__________
(1) انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء أيضًا 1: 141- 142.
(2) من أول تفسير هذه الآية يبدأ الجزء الرابع من المخطوطة العتيقة التي اعتمدناها. وأولها:
{بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم}
ربّ أَعِن برَحْمَتِك}
(3) في المطبوعة والمخطوطة: "إن ربكم وإن أذن لكم. . . " وهو كلام مختل، وكأن الذي أثبت قريب من الصواب.
(4) في المخطوطة"لا نها عليه منه شيء"، وفيها تصحيف لم أتبينه، والذي في المطبوعة جيد في سياق المعنى.

(4/357)


4201 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله تعالى ذكره:" والله يعلم المفسد من المصلح" قال: الله يعلم حين تخلط مالك بماله: أتريد أن تصلح ماله، أو تفسده فتأكله بغير حق؟
4202 - حدثني أبو السائب قال، حدثنا حفص بن غياث قال، حدثنا أشعث، عن الشعبي:" والله يعلم المفسد من المصلح"، قال الشعبي: فمن خالط يتيمًا فليتوسَّع عليه، ومن خالطه ليأكل ماله فلا يفعلْ. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولو شاء الله لحرَّم ما أحله لكم من مخالطة أيتامكم بأموالكم أموالَهم، فجَهَدكم ذلك وشقّ عليكم، ولم تقدروا على القيام باللازم لكم من حق الله تعالى والواجب عليكم في ذلك من فرضه، ولكنه رخَّص لكم فيه وسهله عليكم، رحمةً بكم ورأفةً.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:" لأعنتكم". فقال بعضهم بما:-
4203 - حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد - أو عيسى، عن قيس بن سعد - عن مجاهد = شك أبو عاصم = في قول الله تعالى ذكره:" ولو شاء الله لأعنتكم" لحرم عليكم المرعى والأدْم.
__________
(1) الأثر: 4202- في المخطوطة والمطبوعة: "حدثني أبو السائب، قال حدثنا أشعث. . . "، وهو إسناد ناقص، أسقط"قال حدثنا حفص بن غياث"، وقد مضى هذا الإسناد مرارًا، أقربه: 4190، وهذا الأثر مختصره.

(4/358)


قال أبو جعفر: يعني بذلك مجاهد: رعي مواشي والي اليتيم مع مواشي اليتيم، والأكلَ من إدامه. لأنه كان يتأول في قوله:" وإن تخالطوهم فإخوانكم"، أنه خُلْطة الوليّ اليتيم بالرِّعْي والأدْم. (1)
* * *
4204 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" ولو شاء الله لأعنتكم"، يقول: لو شاء الله لأحرجكم فضيَّق عليكم، ولكنه وسَّع ويسَّر فقال: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) [سورة النساء: 6]
4205 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتاده:" ولو شاء الله لأعنتكم"، يقول: لجهدكم، فلم تقوموا بحقّ ولم تؤدُّوا فريضة.
4206 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع نحوه = إلا أنه قال: فلم تعملوا بحقّ.
4207 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" ولو شاء الله لأعنتكم"، لشدد عليكم.
4208 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله:" ولو شاء الله لأعنتكم"، قال: لشقّ عليكم في الأمر. ذلك العنتُ.
4209 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قوله:" ولو شاء الله لأعنتكم"، قال: ولو شاء الله لجعل ما أصبتُم من أموال اليتامى مُوبقًا.
* * *
وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرت عنه، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيها، فإنها متقارباتُ المعاني. لأن من حُرِّم عليه شيء فقد ضُيِّق عليه في ذلك
__________
(1) انظر الأثر السالف رقم: 4194.

(4/359)


الشيء، ومن ضُيق عليه في شيء فقد أحْرِج فيه، ومن أحرج في شيء أو ضيِّق عليه فيه فقد جُهِد. وكل ذلك عائد إلى المعنى الذي وصفت من أن معناه: الشدة والمشقة.
ولذلك قيل:"عَنِت فلانٌ" = إذا شق عليه الأمر، وجهده، = (1) "فهو يعنَتُ عَنَتًا"، كما قال تعالى ذكره: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) [سورة التوبة: 128] ، يعني ما شق عليكم وآذاكم وجَهدكم، ومنه قوله تعالى ذكره: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) [سورة النساء: 25] . فهذا إذا عَنِت العانِت. فإن صيَّره غيره كذلك، قيل:"أعنته فلانٌ في كذا" = إذ جهده وألزمه أمرًا جهده القيام به ="يُعْنِته إعناتًا". فكذلك قوله:" لأعنتكم" معناه: لأوجب لكم العنَت بتحريمه عليكم ما يَجْهدكم ويحرجكم، مما لا تطيقون القيام باجتنابه، وأداء الواجب له عليكم فيه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لأوبقكم وأهلككم.
* ذكر من قال ذلك:
4210 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قرأ علينا:" ولو شاء الله لأعنتكم"، قال ابن عباس: ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقًا.
4211 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن فضيل - وجرير، عن منصور = وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور = عن الحكم،
__________
(1) في المطبوعة: "عنت فلانًا" وهو خطأ، والفعل لازم، كما سيأتي. وفي المخطوطة والمطبوعة: "إذا شق عليه وجهده"، والصواب زيادة"الأمر".

(4/360)


عن مقسم، عن ابن عباس:" ولو شاء الله لأعنتكم" قال: لجعل ما أصبتم مُوبقًا. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله"عزيز" في سلطانه، لا يمنعه مانع مما أحل بكم من عقوبة لو أعنتكم بما يجهدكم القيام به من فرائضه فقصرتم في القيام به، ولا يقدرُ دافعٌ أن يدفعه عن ذلك ولا عن غيره مما يفعله بكم وبغيركم من ذلك لو فعله، (2) ولكنه بفضل رحمته منَّ عليكم بترك تكليفه إياكم ذلك = وهو"حكيم" في ذلك لو فعله بكم وفي غيره من أحكامه وتدبيره، لا يدخل أفعاله خلل ولا نقصٌ ولا وَهْي ولا عيب، (3) لأنه فِعل ذي الحكمة الذي لا يجهل عواقبَ الأمور فيدخل تدبيره مذمّة عاقبة، كما يدخل ذلك أفعال الخلق لجهلهم بعواقب الأمور، لسوء اختيارهم فيها ابتداءً.
* * *
__________
(1) الأثر: 4211- قد سلف بالإسناد الثاني برقم: 4209.
(2) في المطبوعة: "لو فعله هو لكنه"، والصواب الجيد من المخطوطة.
(3) في المخطوطة: "ولا وهاء ولا عيب". وقد سلف في هذا الجزء 4: 18، 155، والتعليق رقم: 1، وما قيل في خطأ ذلك، واستعمال الفقهاء له.

(4/361)


وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في هذه الآية: هل نزلت مرادًا بها كل مشركة، أم مراد بحكمها بعض المشركات دون بعض؟ (1) وهل نسخ منها بعد وجوب الحكم بها شيء أم لا؟
فقال بعضهم: نزلت مرادًا بها تحريم نكاح كل مشركة على كلّ مسلم من أيّ أجناس الشِّرك كانت، عابدةَ وثن كانت، (2) أو كانت يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو من غيرهم من أصناف الشرك، ثم نسخ تحريم نكاح أهل الكتاب بقوله: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) إلى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [سورة المائدة: 4-5]
* ذكر من قال ذلك:
4212 - حدثني علي بن واقد قال، حدثني عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ"، ثم استثنى نساءَ أهل الكتاب فقال: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) حِلٌّ لكم (إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) . (3)
4213 - حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين
__________
(1) في المطبوعة: "أم مرادًا بحكمها"، بالنصب، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) في المطبوعة: "عابدة وثن أو كانت يهودية. . . "، وفي المخطوطة: "عابدة وثن كانت يهودية. . . "، وكلاهما مضطرب، والصواب ما أثبت بزيادة"كانت".
(3) الأثر: 4212- في المخطوطة والمطبوعة"حدثني علي بن واقد، قال حدثني عبد الله ابن صالح"، والصواب ما أثبت. وهذا إسناد كثير الدوران فيما مضى وفيما سيأتي، وأقربه رقم: 4204. والآية في المطبوعة والمخطوطة كما أثبتها، بين جزئي الآية بقوله: "حل لكم"، وإسقاط قوله تعالى"من قبلكم"، وأخشى أن يكون ناسخ قد تصحف عليه فجعل هذه هذه. ولكني أثبت ما اتفقت عليه النسخ.

(4/362)


بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ"، فنُسخ من ذلك نساء أهل الكتاب، أحلّهُن للمسلمين.
4214 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن"، قال: نساءُ أهل مكة ومن سواهنّ من المشركين، ثم أحل منهن نساء أهل الكتاب.
4215 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.
4216 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:" ولا تنكحوا المشركات" إلى قوله:" لعلهم يتذكرون"، قال: حرم الله المشركات في هذه الآية، ثم أنزل في"سورة المائدة"، فاستثنى نساء أهل الكتاب فقال: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) .
* * *
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية مرادًا بحكمها مشركات العرب، لم ينسخ منها شيء ولم يُستثن، وإنما هي آية عامٌّ ظاهرُها، خاصٌّ تأويلها. (1)
* ذكر من قال ذلك:
4217 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن"، يعني: مشركات العرب اللاتي ليس فيهن كتاب يقرأنه. (2)
4218 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا
__________
(1) في المخطوطة، والمطبوعة: "بل هي آية عامة ظاهرها. . . "، والصواب ما أثبت.
(2) في المخطوطة، "يقرأ به" وتلك أجود.

(4/363)


معمر، عن قتادة قوله:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ"، قال: المشركات، مَنْ ليس من أهل الكتاب، وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية. (1)
4219 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة في قوله:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ"، يعني مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتابٌ يقرأنه.
4220 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير قوله:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ"، قال: مشركات أهل الأوثان.
* * *
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية مرادًا بها كل مشركة من أيّ أصناف الشرك كانت، غير مخصوص منها مشركةٌ دون مشركة، وثنيةً كانت أو مجوسية أو كتابيةً، ولا نُسخ منها شيء.
* ذكر من قال ذلك:
4221 - حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني قال، حدثنا أبي قال، حدثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري قال، حدثنا شهر بن حوشب قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرَّم كل ذات دين غير الإسلام، وقال الله تعالى ذكره: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [سورة المائدة: 5] ، وقد نكح طلحة بن عبيد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية، فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه غضبًا شديدًا، حتى همّ بأن يسطُو عليهما. فقالا نحن نطلِّق يا أمير المؤمنين،
__________
(1) يعني: حذيفة بن اليمان، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب سره صلى الله عليه وسلم في المنافقين. لم يعلمهم أحد إلا حذفة، أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانظر الأثر الآتي برقم: 4221.

(4/364)


ولا تغضب! فقال: لئن حل طلاقُهن لقد حل نكاحهن، ولكن أنتزعهن منكم صَغَرة قِماءً. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله قتادة: من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ" من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات = وأن الآية عام ظاهرها خاص باطنها، لم ينسخ منها شيء = وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها. وذلك أنّ الله تعالى ذكره أحل بقوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) - للمؤمنين من نكاح محصناتهن، مثلَ الذي أباح لهم من نساء المؤمنات.
وقد بينا في غير هذا الموضع من كتابنا هذا، وفي كتابنا (كتاب اللطيف من البيان) : (2) أن كل آيتين أو خبرين كان أحدهما نافيًا حكم الآخر في فطرة العقل، فغير جائز أن يقضَى على أحدهما بأنه ناسخ حكم الآخر، إلا بحجة من خبر قاطع للعذر مَجيئُه. وذلك غير موجود، أن قوله: (3) (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) ناسخٌ ما كان قد وجبَ تحريمه من النساء بقوله:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ". فإذ لم يكن ذلك موجودًا كذلك، (4) فقول القائل:"هذه ناسخة هذه"، دعوى لا برهان له عليها، والمدعي دعوَى
__________
(1) الأثر: 4221-"عبد الحميد بن برهام الفزاري"، مترجم في التهذيب، وثقه أبو داود وابن معين وغيرهما، وقال شعبة: صدوق إلا أنه يروي عن شهر بن حوشب، وعابوا عليه كثرة روايته عن شهر، وشهر ضعيف. وقد سلف كلام أخي في توثيق شهر رقم: 1389، وفي عبد الله بن بهرام: 1605. وقال ابن كثير في التفسير 1: 507 بعد روايته الخبر: "هو حديث غريب جدًا، وهذا الأثر غريب عن عمر". وكلام الطبري الآتي بعد قاض بضعفه.
والصغرة جمع صاغر: هو الراضي بالذل. وقماء جمع قميء: وهو الذليل الصاغر وإن لم يكن قصيرًا. والقميء: القصير. وفي المخطوطة وابن كثير"قمأة"، وليس جمعًا قياسيا، ولا هو وارد في كتب اللغة، ولكن إن صح الخبر، فهو إتباع لقوله: "صغرة" ومثله كثير في كلامهم.
(2) انظر ما سلف 2: 534- 535/ ثم 3: 385، 563.
(3) في المطبوعة: "بأن قوله": وأثبت ما في المخطوطة، وهو أعرق في العربية.
(4) في المخطوطة والمطبوعة: "فإن لم يكن ذلك"، وهو خطأ صرف، والصواب ما أثبت. وإلا تناقض كلام أبي جعفر.

(4/365)


لا برهان له عليها متحكم، والتحكم لا يعجز عنه أحدٌ. (1)
* * *
وأما القول الذي روي عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنه: من تفريقه بين طلحة وحذيفة وامرأتيهما اللتين كانتا كتابيتين، فقولٌ لا معنى له - لخلافه ما الأمة مجتمعة على تحليله بكتاب الله تعالى ذكره، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من القول خلاف ذلك، بإسناد هو أصح منه، وهو ما:-
4222 - حدثني به موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنا سفيان بن سعيد، عن يزيد بن أبي زياد، عن زيد بن وهب قال، قال عمر: المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة. (2)
* * *
وإنما ذكره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم نكاحَ اليهودية والنصرانية، حذارًا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك، فيزهدوا في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني، فأمرهما بتخليتهما. كما:
4223 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا الصلت بن بهرام، عن شقيق قال: تزوج حذيفة يهودية، فكتب إليه عمر:" خلِّ سبيلها"، فكتب إليه:" أتزعُمُ أنها حرامٌ فأخلي سبيلها؟ "، فقال:" لا أزعم
__________
(1) حجج أبي جعفر في استدلاله، قاضية له على كل خصم خالفه، وهي حجج بصير بالمعاني، مؤيد بالعقل، قادر على البيان عن المعاني الخفية، والفصل بين المعاني المتداخلة.
(2) الحديث: 4222- هذا إسناد صحيح متصل إلى عمر.
محمد بن بشر بن الفرافصة بن المختار العبدي الحافظ: ثقة باتفاقهم. سفيان بن سعيد: هو الثوري. زيد بن وهب الجهني. تابعي كبير مخضرم، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبض وهو في الطريق. وهو ثقة كثير الحديث. له ترجمة في تاريخ بغداد 8: 440- 442، والإصابة 3: 46- 47.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 7: 172، من طريق سفيان -وهو الثوري- بهذا الإسناد.
وذكره ابن كثير 1: 507- 508، عن رواية الطبري، وصحح إسناده.

(4/366)


أنها حرام، ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن". (1)
وقد:-
4224 - حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا إسحاق الأزرق، عن شريك، عن أشعث بن سوار، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوَّجون نساءَنا. (2)
* * *
فهذا الخبر - وإن كان في إسناده ما فيه - فالقول به، لإجماع الجميع على صحة القول به، أولى من خبر عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب.
* * *
فمعنى الكلام إذًا: ولا تنكحوا أيها المؤمنون مشركاتٍ، غير أهل الكتاب، حتى يؤمنَّ فيصدِّقن بالله ورسوله وما أنزل عليه.
* * *
__________
(1) الخبر: 4223- الصلت بن بهرام التيمي الكوفي: ثقة، وثقه أحمد، وابن معين، وغيرهما. وقد فصلنا القول في شأنه في صحيح ابن حبان، رقم: 81 بتحقيقنا.
شقيق: هو ابن سلمة الأسدي، التابعي الكبير المشهور. مضى في: 177.
والخبر رواه البيهقي أيضًا 7: 172، من طريق سفيان، بهذا الإسناد.
وذكره ابن كثير 1: 507، عن رواية الطبري، وقال: "وهذا إسناد صحيح. وروى الخلال، عن محمد بن إسماعيل، عن وكيع، عن الصلت، نحوه". وذكره السيوطي 1: 256، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق.
وذكره الجصاص في أحكام القرآن 1: 333، والقرطبي في تفسيره: 3: 68، بدون إسناد. ووقع في المطبوعة هنا، وفي ابن كثير، والسيوطي"المؤمنات"!! بدل"المومسات". وهو تحريف غريب، في ثلاثة كتب. وصوابه وتصححه من البيهقي والجصاص والقرطبي.
(2) الحديث: 4224- إسحق الأزرق: هو إسحق بن يوسف، مضى في: 332. شريك: هو ابن عبد الله النخعي القاضي، مضى في: 2527. الحسن: هو البصري.
وهذا الحديث لم أجده في شيء من دواوين الحديث، غير هذا الموضع. ونقله عنه ابن كثير 1: 508 ثم نقل كلام الطبري الذي عقبه، ثم قال: "كذا قال ابن جرير رحمه الله".
وتعقيب ابن جرير بأنه"وإن كان في إسناده ما فيه" - لعله يشير رحمه الله إلى القول بأن الحسن البصري لم يسمع من جابر. ففي المراسيل لابن أبي حاتم، ص: 13"حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: قال علي بن المديني: الحسن لم يسمع من جابر بن عبد الله شيئًا. سئل أبو زرعة: الحسن لقي جابر بن عبد الله؟ قال: لا. حدثنا محمد بن سعيد بن بلج، قال: سمعت عبد الرحمن بن الحكم يقول سمعت جريرًا يسأل بهزًا عن الحسن: من لقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لم يسمع من جابر بن عبد الله. سألت أبي: سمع الحسن من جابر؟ قال: ما أرى، ولكن هشام بن حسان يقول: عن الحسن، حدثنا جابر بن عبد الله، وأنا أنكر هذا، إنما الحسن عن جابر كتاب، مع أنه أدرك جابرًا".
وأنا أرى أن رواية هشام بن حسان كافية في إثبات سماع الحسن من جابر. فقد قال ابن عيينة: "كان هشام أعلم الناس بحديث الحسن".
ومعنى هذا الحديث ثابت عن جابر، موقوفا عليه من كلامه. رواه الشافعي في الأم ج 5 ص 6، من رواية أبي الزبير، عن جابر، وكذلك رواه البيهقي 7: 172، من طريق الشافعي.
والموقوف -عندنا- لا يعلل به المرفوع، بل هو يؤيده ويثبته، كما بينا ذلك في غير موضع من كتبنا. والحمد لله.

(4/367)


القول في تأويل قوله تعالى: {وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" ولأمة مؤمنة" بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله، خيرٌ عند الله وأفضل من حرة مشركة كافرة، وإن شرُف نسبها وكرُم أصلها. يقول: ولا تبتغوا المناكح في ذوات الشرف من أهل الشرك بالله، فإنّ الإماء المسلمات عند الله خير مَنكحًا منهن.
* * *
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل نكح أمة، فعُذل في ذلك، وعُرضت عليه حرة مشركة.
* ذكر من قال ذلك:
4225 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم"، قال: نزلت في عبد الله بن رواحة، وكانت له أمة سوداءُ، وأنه غضب عليها فلطمها. ثم فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبرها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ما هي يا عبد الله؟ قال: يا رسول الله، هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوءَ وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال:

(4/368)


هذه مؤمنة! فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق لأعتِقنَّها ولأتزوجنَّها! ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين فقالوا: تزوج أمة!! وكانوا يريدون أن يَنكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل الله فيهم:" ولأمةٌ مؤمنة خيرٌ من مشركة" و" عبدٌ مؤمن خيرٌ من مشرك".
4226 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني الحجاج قال، قال ابن جريج في قوله:" ولا تنكحوا إلى المشركات حتى يؤمنَّ"، قال: المشركات - لشرفهن - حتى يؤمن.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وإن أعجبتكم المشركة من غير أهل الكتاب في الجمال والحسب والمال، فلا تنكحوها، فإن الأمة المؤمنة خيرٌ عند الله منها.
* * *
وإنما وضعت"لو" موضع"إن" لتقارب مخرجيهما، ومعنييهما، ولذلك تجاب كل واحدة منهما بجواب صَاحبتها، على ما قد بينا فيما مضى قبْل. (1)
* * *
__________
(1) انظر ما سلف 2: 458 ومعاني القرآن للفراء 1: 143.

(4/369)


القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك، أن الله قد حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركًا كائنًا من كان المشرك، ومن أيّ أصناف الشرك كان، فلا تنكحوهنَّ أيها المؤمنون منهم، فإنّ ذلك حرام عليكم، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله، خير لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك، ولو شرُف نسبه وكرم أصله، وإن أعجبكم حسبه ونسبه.
* * *
وكان أبو جعفر محمد بن عليّ يقول: هذا القولُ من الله تعالى ذكره، دلالةٌ على أن أولياء المرأة أحق بتزويجها من المرأة.
4227 - حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي قال، أخبرنا حفص بن غياث، عن شيخ لم يسمه، قال أبو جعفر: النكاح بوليّ في كتاب الله، ثم قرأ:" ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا" برفع التاء.
4228 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة والزهري في قوله:" ولا تنكحوا المشركين"، قال: لا يحل لك أن تنكح يهوديًّا أو نصرانيًّا ولا مشركًا من غير أهل دينك.
4229 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج:" ولا تنكحوا المشركين" - لشرفهم -" حتى يؤمنوا".
4230 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري:" ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا"، قال: حرَّم المسلمات على رجالهم - يعني رجال المشركين.
* * *

(4/370)


القول في تأويل قوله تعالى: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" أولئك"، هؤلاء الذين حرمت عليكم أيها المؤمنون مناكحتهم من رجال أهل الشرك ونسائهم، يدعونكم إلى النار = يعني: يدعونكم إلى العمل بما يدخلكم النار، وذلك هو العمل الذي هم به عاملون من الكفر بالله ورسوله. يقول: ولا تقبلوا منهم ما يقولون، ولا تستنصحوهم، ولا تنكحوهم ولا تنكحوا إليهم، فإنهم لا يألونكم خبالا ولكن اقبلوا من الله ما أمركم به فاعملوا به، وانتهوا عما نهاكم عنه، فإنه يدعوكم إلى الجنة = يعني بذلك يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنة، ويوجب لكم النجاة إن عملتم به من النار، وإلى ما يمحو خطاياكم أو ذنوبكم، فيعفو عنها ويسترها عليكم.
* * *
وأما قوله:" بإذنه"، (1) فإنه يعني: أنه يدعوكم إلى ذلك بإعلامه إياكم سبيلَه وطريقَه الذي به الوصول إلى الجنة والمغفرة.
* * *
ثم قال تعالى ذكره:" ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون"، يقول: ويوضح حججه وأدلته في كتابه الذي أنزله على لسان رسوله لعباده، ليتذكروا فيعتبروا، ويميزوا بين الأمرين اللذين أحدهما دَعَّاءٌ إلى النار والخلود فيها، والآخر دَعَّاءٌ إلى الجنة وغفران الذنوب، فيختاروا خيرهما لهم. ولم يجهل التمييز بين هاتين إلا غبيّ [غَبين] الرأي مدخول العقل.
* * *
__________
(1) انظر معنى"الإذن" فيما سلف 2: 449/ ثم هذا الجزء 4: 286

(4/371)


وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" ويسألونك عن المحيض"، ويسألك يا محمد أصحابك عن الحيض.
* * *
وقيل:"المحيض"، لأن ما كان من الفعل ماضيه بفتح عين الفعل، وكسرها في الاستقبال، مثل قول القائل:" ضرَب يضرِب، وحبَس يحبِس، ونزل ينزل"، فإن العرب تبني مصدره على"المفعَل" والاسم على"المفعِل"، مثل"المضرَب، والمضرِب" من"ضربتُ"،"ونزلت منزلا ومنزلا". ومسموع في ذوات الياء والألف والياء،"المعيش والمعاش" و"المعيبُ والمعاب"، كما قال رؤبة في المعيش:
إلَيْكَ أَشْكُو شِدَّةَ المَعيشِ ... وَمَرَّ أَعْوَامٍ نَتَفْنَ رِيشِي (1)
* * *
وإنما كان القوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذُكر لنا - عن الحيض، لأنهم كانوا قبل بيان الله لهم ما يتبينون من أمره، لا يساكنون حائضًا في بيت، ولا يؤاكلونهنَّ في إناء ولا يشاربونهن. فعرَّفهم الله بهذه الآية، أنّ الذي عليهم في أيام حيض نسائهم: أن يجتنَّبوا جماعهن فقط، دون ما عدا ذلك من
__________
(1) ديوانه: 78، من قصيدة يمدح فيها الحارث بن سليم الهجيمي، وبين البيتين في الديوان: * دَهْرًا تَنَفَّى المُخَّ بِالتَّمْشِيشِ *
ورواية الديوان، بعده: وَجَهْدَ أَعْوَامٍ بَرَيْنَ رِيشِي ... نَتْفَ الحُبَارى عَنْ قَرًى رَهِيشِ

(4/372)


مضاجعتهن ومؤاكلتهن ومشاربتهن، كما:-
4231 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" ويسألونك عن المحيض" حتى بلغ:" حتى يطهرن" فكان أهلُ الجاهلية لا تساكنهم حائضٌ في بيت، ولا تؤاكلهم في إناءٍ، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك، فحرَّم فرْجها ما دامت حائضًا، وأحل ما سوى ذلك: أن تصبغ لك رأسك، وتؤاكلك من طعامك، وأن تضاجعك في فراشك، إذا كان عليها إزارٌ محتجزةً به دونك. (1)
4232 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
* * *
وقد قيل: إنهم سألوا عن ذلك، لأنهم كانوا في أيام حيضهن يجتنبون إتيانهن في مخرج الدم، ويأتونهنّ في أدبارهن، فنهاهم الله عن أن يقربوهن في أيام حيضهن حتى يطهرن، ثم أذن لهم - إذا تطهَّرن من حيضهن - في إتيانهن من حيث أمرَهم باعتزالهنَّ، وحرم إتيانهن في أدبارهنَّ بكل حال.
* ذكر من قال ذلك:
4233 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا خصيف قال، حدثني مجاهد قال، كانوا يجتنبون النساء في المحيض ويأتونهن في أدبارهن، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله:" ويسألونك عن المحيض" إلى:" فإذا تطهرن فأتوهنّ من حيث أمركم الله" - في الفرج لا تعدوه. (2)
* * *
__________
(1) احتجز بالإزار: إذا شده على وسطه. والحجزة (بضم الحاء وسكون الجيم) : موضع شد الإزار، ثم يسمى الإزار نفسه حجزة، وجمعه حجز.
(2) في المطبوعة: "ولا تعدوه"، والصواب في المخطوطة بحذف الواو.

(4/373)


وقيل: إن السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كان ثابتَ بن الدَّحداح الأنصاري.
4234 - حدثني بذلك موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: قل لمن سألك من أصحابك يا محمد عن المحيض:"هو أذى".
* * *
"والأذى" هو ما يؤذى به من مكروه فيه. وهو في هذا الموضع يسمى"أذى" لنتن ريحه وقذره ونجاسته، وهو جامع لمعان شتى من خلال الأذى، غير واحدة.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك، على تقارب معاني بعض ما قالوا فيه من بعض.
فقال بعضهم: قوله:" قل هو أذى"، قل هو قَذَر.
* ذكر من قال ذلك:
4235 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:" قل هو أذى"، قال: أما"أذى" فقذرٌ.
4236 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:" قل هو أذى"، قال:"قل هو أذى"، قال: قذرٌ.
* * *

(4/374)


وقال آخرون: قل هو دمٌ.
* ذكر من قال ذلك:
4237 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" ويسألونك عن المحيض قل هو أذى"، قال: الأذى الدم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" فاعتزلوا النساء في المحيض"، فاعتزلوا جماع النساء ونكاحهن في محيضهنّ، كما:-
4238 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:" فاعتزلوا النساء في المحيض"، يقول: اعتزلوا نكاحَ فُروجهنّ.
* * *
واختلف أهل العلم في الذي يجب على الرجل اعتزاله من الحائض.
فقال بعضهم: الواجبُ على الرجل، اعتزالُ جميع بدنها أن يباشره بشيء من بدنه.
* ذكر من قال ذلك:
4239 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا عوف، عن محمد قال: قلت لعبيدة: ما يحلُّ لي من امرأتي إذا كانت حائضًا؟ قال: الفراش واحد، واللحاف شتى. (1)
__________
(1) الأثر: 4239- في المطبوعة والمخطوطة: "اللحاف واحد والفراش شتى". وهو باطل المعنى، وسيأتي على الصواب من طريق آخر برقم: 4241.

(4/375)


4240 - حدثني تميم بن المنتصر قال، أخبرنا يزيد قال، حدثنا محمد، عن الزهري، عن عروة، عن ندبة مولاة آل عباس قالت: بعثتني ميمونة ابنة الحارث - أو: حفصة ابنة عمر - إلى امرأة عبد الله بن عباس، وكانت بينهما قرابةٌ من قبل النساء، فوجدت فراشَها معتزلا فراشَه، فظنت أن ذلك عن الهجران، فسألتها عن اعتزال فراشِه فراشَها، فقالت: إنيّ طامث، وإذا طمثت اعتزل فراشي. فرجعتُ فأخبرتُ بذلك ميمونة - أو حفصة - فردَّتني إلى ابن عباس، تقول لك أمك: أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! فوالله لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مع المرأة من نسائه وإنها لحائض، وما بينه وبينها إلا ثوبٌ ما يجاوز الركبتين. (1)
4241 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب وابن عون، عن محمد قال: قلت لعبيدة: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قال: الفراش واحد واللحاف شتى، فإن لم يجد إلا أن يردَّ عليها من ثوبه، ردَّ عليها منه.
* * *
__________
(1) الحديث: 4240- يزيد: هو ابن هرون. محمد: هو ابن إسحاق. ندبد مولاة آل عباس: هي مولاة ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، خالة ابن عباس. فلعلها نسبت هنا"مولاة آل عباس" للقرابة بين ابن عباس وميمونة. وهي ثقة، ذكرها ابن حبان في الثقات ص: 359، ولكنه وهم إذ ذكر أنه يروي عنها الزهري؛ والزهري روى عنها بالواسطة. وترجمها ابن سعد 8: 364. وذكرها ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة.
واختلف في ضبط اسمها، فقيل بضم النون أو فتحها مع سكون الدال ثم فتح الباء الموحدة. وقيل بدية" بضم الباء الموحدة ثم فتح الدال ثم فتح الياء التحتية المشددة.
والحديث رواه أحمد في المسند 6: 332 (حلبي) عن يزيد بن هرون، بهذا الإسناد، نحوه، مع بعض اختصار. وهو في روايته عن ميمونة جزمًا، ليس فيه الشك بينها وبين حفصة. وهو الصواب ولعل الشك هنا من الطبري، أو من شيخه تميم بن المنتصر.
ثم إن ابن إسحاق خطأ هنا في جعل الحديث"عن الزهري، عن عروة". ولعل الخطأ من يزيد بن هرون. والصواب أنه"عن الزهري، عن حبيب مولى عروة، عن ندبة". وبذلك تضافرت الروايات في هذا الإسناد، كما سيأتي. ويؤيده أن ابن سعد ذكر في ترجمتها أنها تروي عن عروة، وروى بإسناده خبرًا عنها عن عروة بن الزبير.
و"حبيب مولى عروة": هو حبيب الأعور، مولى عروة بن الزبير. وهو تابعي ثقة، قال ابن سعد: "مات قديمًا في آخر سلطان بني أمية". وأخرج له مسلم في صحيحه.
والحديث رواه -على الصواب- البيهقي في السنن الكبرى 1: 313، من طريق بشر بن شعيب بن أبي حمزة، عن أبيه، عن الزهري، قال: "أخبرني حبيب مولى عروة بن الزبير، أن ندبة مولاة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته أنها أرسلتها ميمونة إلى عبد الله بن عباس. . . "، فذكره مطولا.
ثم إن الحديث معروف من هذا الوجه على الصواب، مختصرًا بدون ذكر قصة ابن عباس.
فرواه أحمد في المسند 6: 332 (حلبي) ، عن حجاج وأبي كامل، عن الليث، عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة، ولم يذكر لفظه، وأحاله على الرواية السابقة. ثم رواه بعد ذلك، ص: 335- 336، عن حجاج وأبي كامل، بالإسناد نفسه. وذكر لفظه مختصرًا عن ميمونة، دون القصة.
وكذلك رواه أبو داود: 267، وابن حبان في صحيحه 2: 569 (مخطوطة الإحسان) . والبيهقي 1: 313 - كلهم من طريق الليث بن سعد، به. وكذلك رواه النسائي 1: 54- 55، 67، من طريق يونس والليث- كلاهما عن ابن شهاب، به مختصرًا.
فعن هذه الروايات كلها استيقنت أن رواية ابن إسحاق -هنا وعند أحمد-"عن الزهري، عن عروة" خطأ.

(4/376)


واعتل قائلو هذه المقالة: بأنّ الله تعالى ذكره أمر باعتزال النساء في حال حيضهنّ، ولم يخصصن منهن شيئًا دون شيء، وذلك عامٌّ على جميع أجسادهنّ، واجبٌ اعتزالُ كل شيء من أبدانهن في حيضهنّ.
* * *
وقال آخرون: بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهن، موضع الأذى، وذلك موضعُ مخرج الدم.
* ذكر من قال ذلك:
4242 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثني عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن قال، حدثنا مروان الأصفر، عن مسروق بن الأجدع قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: كل شيء إلا الجماع. (1)
__________
(1) الحديث: 4242- مروان الأصفر، أبو خلف: تابعي ثقة: و"الأصفر": بالفاء، ووقع في المطبوعة بالغين. وهو تحريف.
مسروق بن الأجدع الهمداني: تابعي كبير ثقة، من سادات التابعين وفقهائهم.
وهذا الحديث نقله ابن كثير 1: 510 عن هذا الموضع. وكذلك نقله السيوطي 1: 260، ولم ينسباه لغير الطبري.
وهو عندنا حديث مرفوع بالمعنى، وإن كان لفظه موقوفًا على عائشة. لأن الصحابي إذا حكى عما يحل ويحرم فالثقة به أن لا يحكي ذلك إلا عمن يؤخذ عنه الحلال والحرام، وهو معلم الخير، صلى الله عليه وسلم. وهذا عند الإطلاق، إلا أن تدل دلائل على أنه يقول ذلك اجتهادًا واستنباطًا من دلائل الكتاب والسنة. وانظر الأحاديث التالية لهذا.

(4/377)


4243 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا سعيد بن زريع قال، حدثنا سعيد = وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد = عن قتادة قال: ذكر لنا عن عائشة أنها قالت: وأين كان ذو الفراشَين وذو اللحافين؟! (1)
4244 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: قلت لعائشة: ما يحرم على الرجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: فرجها. (2)
4245 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن كتاب أبي قلابة: أنّ مسروقًا ركب إلى عائشة فقال: السلام على النبي وعلى أهل بيته. فقالت عائشة: أبو عائشة! مرحبًا! فأذنوا له فدخل، فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي! فقالت: إنما أنا أمُّك، وأنت ابني! فقال: ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ قالت له: كل شيء إلا فرجها. (3)
4246 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا حجاج، عن ميمون بن مهران، عن عائشة قالت: له ما فوق الإزار. (4)
__________
(1) في المخطوطة: "وأينا كان. . . ".
(2) الحديث: 4244- سالم ابن أبي الجعد: تابعي ثقة معروف، أخرج له الأئمة الستة. وهذا الحديث في معنى الحديث السابق: 4242، من وجه آخر، وبلفظ آخر. وإسناده صحيح.
(3) الحديث: 4245- وهذا في معنى الحديثين السابقين، مع تفصيل في قصة السؤال والجواب. وإسناده صحيح أيضًا.
(4) الحديث: 4246- ابن أبي زائدة: هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، مضى في: 2338. حجاج: هو ابن أرطأة.
وهذا في معنى ما قبله.

(4/378)


4247 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن نافع: أن عائشة قالت في مضاجعة الحائض: لا بأس بذلك إذا كان عليها إزار.
4248 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي معشر قال: سألتُ عائشة: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ فقالت: كل شيء إلا الفرج. (1)
4249 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال، قال ابن عباس: إذا جعلت الحائض على فرجها ثوبًا أو ما يكفُّ الأذى، فلا بأس أن يباشر جلدُها زوجَها. (2)
4250 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا يزيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه سئل: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قال: ما فوق الإزار.
4251 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هاشم بن القاسم قال، حدثنا الحكم بن فضيل، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: اتق من الدم مثل موضع النعل. (3)
__________
(1) الحديث: 4248- هكذا وقع هذا الإسناد هنا. وهو إسناد ناقص على اليقين. فإن"أبا معشر": هو زياد بن كليب التميمي الحنظلي، وهو يروي عن التابعين. وهو ثقة، ولكنه لم يدرك عائشة، فلا يمكن أن يقول: "سألت عائشة".
وصواب الإسناد، كما في المحلى لابن حزم 2: 183"روينا عن أيوب السختياني، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق، قال: سألت عائشة: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قالت: كل شيء إلا الفرج". فسقط من الإسناد رجلان: إبراهيم النخعي، ومسروق، وهو الذي سأل عائشة. وهكذا ذكره ابن حزم، فلم يذكر إسناده إلى أيوب.
وقد رواه الطحاوي في معاني الآثار 2: 22، بإسناده، من طريق عمرو بن خالد، عن عبيد الله -وهو ابن عمرو الرقى الجزري-"عن أيوب، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عائشة". ولم يذكر لفظه، إحالة على رواية أخرى قبله، بمعناه.
(2) الخبر: 4249 -هذا إسناد منقطع- محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: تابعي ثقة معروف. ولكن روايته عن ابن عباس مرسلة، كما صرح بذلك ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 32/184.
(3) الخبر: 4251- الحكم بن فضيل، أبو محمد الواسطي: ثقة، وثقه ابن معين وغيره. مترجم في الكبير 1/2/337، وابن أبي حاتم 1/2/126- 127، والتعجيل، والميزان، ولسان الميزان. وله ترجمة وافية في تاريخ بغداد 8: 221- 223. والبخاري لم يذكر فيه حرجًا.
والخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 1: 314، من طريق الحسن بن مكرم. عن أبي النضر هاشم بن القاسم، بهذا الإسناد.

(4/379)


4252 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن عكرمة، عن أم سلمة قالت في مضاجعة الحائض: لا بأس بذلك إذا كان على فرجها خرقة. (1)
4253 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: للرجل من امرأته كل شيء ما خلا الفرج - يعني وهي حائض.
4254 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن قال: يبيتان في لحاف واحد - يعني الحائض - إذا كان على الفرج ثوب.
4255 - حدثنا تميم قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن ليث قال: تذاكرنا عند مجاهد الرجل يلاعب امرأته وهي حائض، قال: اطعن بذكرك حيث شئت فيما بين الفخذين والأليتين والسرة، ما لم يكن في الدبر أو الحيض. (2)
4256 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر قال: يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ قال: إذا كفَّت الأذى.
4257 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثني
__________
(1) الحديث: 4252 - هذا إسناد صحيح. وهو وإن كان موقوفًا على أم سلمة، فإن معناه ثابت عنها مرفوعًا أيضًا:
فروى البيهقي 1: 311، من طريق يزيد بن زريع، "حدثنا خالد، عن عكرمة، عن أم سلمة: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحاف، فأصابها الحيض، فقال لها: قومي فاتزري ثم عودي".
وثبت نحو معناه عن أم سلمة أيضًا، بأطول من هذا، من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، مرفوعًا. رواه مسلم 1: 95، والبيهقي 1: 311، وذكر أنه أخرجه البخاري ومسلم.
(2) في المطبوعة: "حيثما شئت"، وأثبت ما في المخطوطة.

(4/380)


عمران بن حدير قال، سمعت عكرمة يقول، كل شيء من الحائض لك حلال غير مجرى الدم.
* * *
قال أبو جعفر: وعلة قائل هذه المقالة، قيامُ الحجة بالأخبار المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يباشر نساءه وهن حُيَّض، ولو كان الواجبُ اعتزالَ جميعهنّ، لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما صحّ ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علم أن مراد الله تعالى ذكره بقوله:" فاعتزلوا النساءَ في المحيض"، هو اعتزال بعض جسدها دون بعض. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يكون ذلك هو الجماع المجمع على تحريمه على الزوج في قُبُلها، دون ما كان فيه اختلاف من جماعها في سائر بدنها.
* * *
وقال آخرون: بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهنّ في حال حيضهن، ما بين السرّة إلى الركبة، وما فوق ذلك ودونه منها.
* ذكر من قال ذلك:
4258 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن شريح قال: له ما فوق السرة - وذكر الحائض.
4259 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا يزيد، عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن الحائض: ما لزوجها منها؟ فقال: ما فوق الإزار.
4260 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب وابن عون، عن محمد قال: قال شريح: له ما فوق سُرَّتها.
4261 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن واقد

(4/381)


بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال: سئل سعيد بن المسيب: ما للرجل من الحائض؟ قال: ما فوق الإزار.
* * *
وعلة من قال هذه المقالة، صحةُ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما:-
4262 - حدثني به ابن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا سليمان الشيباني = وحدثني أبو السائب قال، حدثنا حفص قال، حدثنا الشيباني = قال حدثنا عبد الله بن شداد بن الهاد قال، سمعت ميمونة تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض، أمرها فأتزرت".
4263 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشرها وهي حائض فوق الإزار. (1)
4264 - حدثني سفيان بن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا، أمرها فأتزرت بإزار ثم يباشرها.
4265 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا أمرَها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتزر، ثم يباشرها. (2)
__________
(1) الحديثان: 4262، 4263 - حفص: هو ابن غياث، الشيباني سليمان: هو أبو إسحاق الشيباني سليمان بن أبي سليمان. وسفيان في الحديث الثاني: هو الثوري.
والحديثان في معنى واحد. وقد ذكره ابن كثير 1: 511، بلفظ أولهما عن الصحيحين، وكذلك ذكره السيوطي 1: 259، وزاد نسبته لابن أبي شيبة. وأبي داود، والبيهقي. وانظر البخاري 1: 64، ومسلم 1: 95، والسنن الكبرى 1: 311.
(2) الحديثان: 4264، 4265- هما حديث واحد بإسنادين. وذكره السيوطي 1: 259، عن ابن أبي شيبة، والصحيحين، وأبي داود، وابن ماجه، بزيادة في آخره. وانظر البخاري 1: 63. ومسلم 1: 95، وأبا داود: 112، 113، والنسائي 1: 54، 67، والبيهقي 1: 310- 311.

(4/382)


ونظائر ذلك من الأخبار التي يطول باستيعاب ذكر جميعها الكتاب (1)
قالوا: فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فجائز، وهو مباشرة الحائض ما دون الإزار وفوقه، وذلك دون الركبة وفوق السرة، وما عدا ذلك من جسد الحائض فواجبٌ اعتزالُه، لعموم الآية.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: إن للرجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتَزَر ودونه، لما ذكرنا من العلة لهم. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك. (3) فقرأه بعضهم:" حتى يطهرن" بضم"الهاء" وتخفيفها. وقرأه آخرون بتشديد"الهاء" وفتحها.
وأما الذين قرءوه بتخفيف"الهاء" وضمها، فإنهم وجهوا معناه إلى: ولا تقربوا النساء في حال حيضهنّ حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويَطهُرن. وقال بهذا التأويل جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
4266 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي ومؤمل قالا حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" ولا تقربوهن حتى يطهرن"، قال: انقطاع الدم.
__________
(1) في المخطوطة: "جميع ذكرها"، والصواب ما في المطبوعة.
(2) في المخطوطة إسقاط قوله: "لهم".
(3) في المطبوعة: "اختلف القراء"، وقد مضى مثل ذلك مرارًا، وتركناه في بعض المواضع كما هو في المطبوعة. ولكنا سنقيمه منذ الآن على المخطوطة دون الإشارة إليه بعد هذا الموضع إلى آخر الكتاب، إن شاء الله.

(4/383)


4267 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن سفيان، - أو عثمان بن الأسود -:" ولا تقربوهن حتى يطهرن"، حتى ينقطع الدم عنهن.
4268 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد الله العتكي، عن عكرمة في قوله:" ولا تقربوهن حتى يطهرن"، قال: حتى ينقطع الدم. (1)
* * *
وأما الذين قرءوا ذلك بتشديد"الهاء" وفتحها، فإنهم عنوا به: حتى يغتسلن بالماء. وشددوا"الطاء" لأنهم قالوا: معنى الكلمة: حتى يتطهَّرْنَ، أدغمت"التاء" في"الطاء" لتقارب مخرجيهما.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ: (حَتَّى يَطَّهَّرْنَ) بتشديدها وفتحها، بمعنى: حتى يغتسلن - لإجماع الجميع على أن حرامًا على الرجل أن يقرَب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتى تطهر.
* * *
وإنما اختُلف في"التطهر" الذي عناه الله تعالى ذكره، فأحل له جماعها.
فقال بعضهم: هو الاغتسال بالماء، لا يحل لزوجها أن يقربها حتى تغسل جميع بدنها. (2)
وقال بعضهم: هو الوضوء للصلاة.
وقال آخرون: بل هو غسل الفرج، فإذا غسلت فرجها، فذلك تطهرها الذي يحلّ به لزوجها غشيانُها.
* * *
__________
(1) الأثر: 4268-"عبيد الله العتكي" هو عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب العتكي، رأى أنسًا، وروى عن عكرمة وسعيد بن جبير وغيرهما من التابعين.
(2) في المطبوعة: "ولا يحل. . . " بزيادة الواو.

(4/384)


فإذا كان إجماعٌ من الجميع أنها لا تحلُّ لزوجها بانقطاع الدم حتى تطَّهر، كان بيِّنًا أن أولى القراءتين بالصواب أنفاهما للَّبس عن فهم سامعها. وذلك هو الذي اخترنا، إذ كان في قراءة قارئها بتخفيف"الهاء" وضمها، ما لا يؤمن معه اللبس على سامعها من الخطأ في تأويلها، فيرى أن لزوج الحائض غشيانَها بعد انقطاع دم حيضها عنها، (1) وقبل اغتسالها وتطهُّرها.
* * *
فتأويل الآية إذًا: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى، فاعتزلوا جماع نسائكم في وقت حيضهنّ، ولا تقربوهن حتى يغتسلن فيتطهرن من حيضهن بعد انقطاعه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" فإذا تطهَّرن فأتوهن"، فإذا اغتسلن فتطهَّرن بالماء فجامعوهن.
* * *
فإن قال قائل: أففرض جماعهن حينئذ؟
قيل: لا.
فإن قال: فما معنى قوله إذًا:" فأتوهن"؟
قيل: ذلك إباحة ما كان منَع قبل ذلك من جماعهن، وإطلاقٌ لما كان حَظَر في حال الحيض، وذلك كقوله: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) [سورة المائدة: 2] ، وقوله: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ) [سورة الجمعة: 10] ، وما أشبه ذلك.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:" فإذا تطهرن".
فقال بعضهم: معنى ذلك، فإذا اغتسلن.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) في المطبوعة: "أن للزوج غشيانها"، وأثبت ما في المخطوطة.

(4/385)


4269 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاومة بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" فإذا تطهَّرن" يقول: فإذا طهُرت من الدم وتطهَّرت بالماء.
4270 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثني ابن مهدي ومؤمل قالا حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فإذا تطهرن"، فإذا اغتسلن. (1)
4271 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد الله العتكي، عن عكرمة في قوله:" فإذا تطهرن"، يقول: اغتسلن.
4272 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن سفيان - أو عثمان بن الأسود:-" فإذا تطهرن"، إذا اغتسلن.
4273 - حدثنا عمران بن موسى، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عامر، عن الحسن: في الحائض ترى الطهر، قال: لا يغشاها زوجُها حتى تغتسل وتحلَّ لها الصلاة. (2)
4275 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن مغيره، عن إبراهيم: أنه كره أن يطأها حتى تغتسل - يعني المرأة إذا طهُرت.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فإذا تطهَّرن للصلاة.
* ذكر من قال ذلك:
4276 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا ليث، عن طاوس ومجاهد أنهما قالا إذا طهُرت المرأة من الدم فشاء زوجها أن يأمرَها
__________
(1) الأثر: 4270- كان في المطبوعة: "محمد بن مهدي"، وهو خطأ، وزيادة فاسدة والصواب من المخطوطة. و"ابن مهدي" هو عبد الرحمن بن مهدي. الإمام العلم، قال الشافعي: لا أعرف له نظيرًا في الدنيا. مات سنة 198 - مترجم في التهذيب وغيره.
(2) سقط من الترقيم: 4274

(4/386)


بالوضوء قبل أن تغتسل - إذا أدركه الشَّبَق فليُصب.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل الآية، قولُ من قال: معنى قوله:" فإذا تطهَّرن"، فإذا اغتسلن، لإجماع الجميع على أنها لا تصير بالوضوء بالماء طاهرًا الطُّهرَ الذي يحل لها به الصلاة. وإن القولَ لا يخلو في ذلك من أحد أمرين:
= إما أن يكون معناه: فإذا تطهَّرن من النجاسة فأتوهن.
فإن كان ذلك معناه، فقد ينبغي أن يكون متى انقطع عنها الدم فجائزٌ لزوجها جماعُها، إذا لم تكن هنالك نجاسة ظاهرة. هذا، إن كان قوله:" فإذا تطهَّرن" جائزًا استعماله في التطهُّر من النجاسة، ولا أعلمه جائزًا إلا على استكراه الكلام.
= أو يكون معناه: فإذا تطهَّرن للصلاة. وفي إجماع الجميع من الحجة على أنه غير جائز لزوجها غشيانها بانقطاع دم حيضها، (1) إذا لم يكن هنالك نجاسة، دون التطهر بالماء إذا كانت واجدته = أدلُّ الدليل على أن معناه: فإذا تطهرن الطهرَ الذي يجزيهن به الصلاة.
وفي إجماع الجميع من الأمة على أن الصلاة لا تحل لها إلا بالاغتسال، أوضح الدلالة على صحة ما قلنا: من أن غشيانها حرام إلا بعد الاغتسال، وأن معنى قوله:" فإذا تطهرن"، فإذا اغتسلن فصرن طواهرَ الطهرَ الذي يجزيهنّ به الصلاة.
* * *
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "في إجماع الجميع" بإسقاط الواو، والسياق يوجبها، وهذا سياقها؛"وفي إجماع الجميع. . . أدل الدليل. . . "

(4/387)


القول في تأويل قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله".
فقال بعضهم: معنى ذلك: فأتوا نساءكم إذا تطهَّرن من الوجه الذي نهيتُكم عن إتيانهن منه في حال حيضهن، وذلك: الفرجُ الذي أمر الله بترك جماعهن فيه في حال الحيض. (1)
* ذكر من قال ذلك:
4277 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني أبان بن صالح، عن مجاهد قال، قال ابن عباس في قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهُنَّ.
4278 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، يقول: في الفرج، لا تعدوه إلى غيره، فمن فعل شيئًا من ذلك فقد اعتدَى.
4279 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة في قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: من حيث أمركم أن تعتزلوا.
4280 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير أنه قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس: أتاه رجلٌ فوقف على رأسه فقال: يا أبا العباس - أو: يا أبا الفضل - ألا تشفيني عن آية المحيض؟ قال: بلى! فقرأ:" ويسألونك
__________
(1) "الإتيان": كناية عن اسم"الجماع" وسيأتي تفسير ذلك في ص: 398

(4/388)


عن المحيض" حتى بلغ آخر الآية، فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم، منْ ثَمَّ أمِرت أن تأتي. (1)
4281 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن عثمان، عن مجاهد قال: دبُر المرأة مثله من الرجل، ثم قرأ:" ويسألونك عن المحيض" إلى" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهن. (2)
4282 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: أمِروا أن يأتوهن من حيث نُهوا عنه.
4283 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا خصيف قال، حدثني مجاهد:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، في الفرج، ولا تعْدوه.
4284 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، يقول: إذا تطهرن فأتوهن من حيث نُهي عنه في المحيض.
4285 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن سفيان - أو: عثمان بن الأسود-:" فأتوهن من حيث أمركم الله" باعتزالهنّ منه.
4286 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، أي: من الوجه الذي يأتي منه المحيض، طاهرًا غيرَ حائض، ولا تعدوا ذلك إلى غيره.
__________
(1) في المطبوعة: "ثم أمرت" بحذف"من"، وهو خطأ، والصواب من المخطوطة، ومما سيأتي رقم: 4325. بمعنى: هناك. وسيأتي الخبر بتمامه في رقم: 4325. وسنذكر فيه ترجمة رجاله.
(2) الأثر: 4281 - في المطبوعة: "عمرة عن مجاهد"، وهو خطأ، والصواب من المخطوطة. و"ابن أبي زائدة"، هو يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة. و"عثمان"، هو عثمان بن الأسود مولى بني جمح، وقد سلفت روايته عن مجاهد، أقربها رقم: 2782.

(4/389)


4287 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: طواهرَ من غير جماع ومن غير حيض، من الوجه الذي يأتي [منه] المحيض، ولا يتعدَّه إلى غيره = قال سعيد: ولا أعلمه إلا عن ابن عباس. (1)
4288 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:" فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله"، من حيث نُهِيتم عنه في المحيض = وعن أبيه، عن ليث، عن مجاهد في قوله:" فإذا تطهَّرن فأتوهن من حيث أمركم الله"، من حيث نُهيتهم عنه، واتقوا الأدبار.
4289 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن يزيد بن الوليد، عن إبراهيم في قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: في الفرج.
* * *
وقال آخرون: معناها: فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله فيه أن تأتوهن منه. وذلك الوجه، هو الطهر دون الحيض. فكان معنى قائل ذلك في الآية: فأتوهنّ من قُبْل طُهرهنّ لا من قُبْل حيضهن. (2)
* ذكر من قال ذلك:
4290 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
__________
(1) قوله: "طواهر" جمع امرأة"طاهر"، وليس في كتب اللغة بل فيه"طاهرات" ولكنه جمع قياسي، مثل حامل وحوامل، وسيأتي في رقم: 4295، 4296، وسيأتي جمعها على"طهر" رقم 4298، 4300. وفي المطبوعة: "ولا يتعدى إلى غيره" والصواب من المخطوطة.
(2) "قبل" (بضم فسكون) ، يقال: "كان ذلك في قبل الشتاء وقبل الصيف"، أي في أوله وعند إقباله. وفي الحديث: "طلقوا النساء لقبل عدتهن" - ويروى: "في قبل طهرهن" أي في إقباله وأوله، وحين يمكنها الدخول في العدة، والشروع فيها، فتكون لها محسوبة. وذلك في حالة الطهر. وكذلك قوله هنا: "من قبل الطهر"، أي: في حال الطهر.

(4/390)


حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، يعني أن يأتيها طاهرًا غيرَ حائض.
4291 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين في قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: من قُبْل الطهر. (1)
4292 - حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزين بمثله.
4293 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن أبي رزين:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، يقول: ائتوهنّ من عند الطهر.
4294 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا علي بن هاشم، عن الزبرقان، عن أبي رزين:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: من قُبْل الطهر، ولا تأتوهن من قُبْل الحيضة. (2)
4295 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد الله العتكي، عن عكرمة قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، يقول: إذا اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله. يقول: طواهر غير حُيَّض. (3)
4296 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال يقول: طواهر غيرَ حُيَّض. (4)
4297 - حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا
__________
(1) انظر ص 390، تعليق: 2.
(2) في المطبوعة: "الحيض" وأثبتنا ما في المخطوطة.
(3) انظر ما سلف رقم: 4287، والتعليق عليه.
(4) انظر ما سلف رقم: 4287، والتعليق عليه.

(4/391)


أسباط، عن السدي قوله:" من حيث أمركم الله"، من الطهر.
4298 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك:"فأتوهن"، طُهَّرًا غير حيَّض. (1)
4299 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: ائتوهن طاهرات غير حُيَّض.
4300 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا سلمة بن نبيط، عن الضحاك:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: طهَّرًا غير حيَّض في القُبُل. (2)
* * *
وقال آخرون: بلى معنى ذلك: فأتوا النساء من قِبل النكاح، لا من قِبل الفُجور.
* ذكر من قال ذلك:
4301 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا إسماعيل الأزرق، عن أبي عمر الأسدي، عن ابن الحنفية:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، قال: من قِبل الحلال، من قِبل التزويج.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك عندي قولُ من قال: معنى ذلك: فأتوهن من قُبْل طهرهن. وذلك أن كل أمر بمعنى، فنهيٌ عن خلافه وضده. وكذلك النهي عن الشيء أمرٌ بضده وخلافه. فلو كان معنى قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، فأتوهن من قِبل مخرج الدم الذي نهيتكم أن تأتوهن من قبله في حال حيضهن - لوجب أن يكون قوله:" ولا تقربوهن حتى يطهُرن"،
__________
(1) قوله"طهر"، جمع امرأة"طاهر"، وهو جمع قياسي لم تذكره المعاجم كالذي سلف"طواهر" و"فاعل" الصفة، إذا كانت فيه"تاء" ظاهرة، مثل"ضاربة" - أو مقدرة مثل حائض فقياسه: "فواعل"، و"فعل" (بضم الفاء وتشديد عينه وفتحها) .
(2) قوله"طهر"، جمع امرأة"طاهر"، وهو جمع قياسي لم تذكره المعاجم كالذي سلف"طواهر" و"فاعل" الصفة، إذا كانت فيه"تاء" ظاهرة، مثل"ضاربة" - أو مقدرة مثل حائض فقياسه: "فواعل"، و"فعل" (بضم الفاء وتشديد عينه وفتحها) .

(4/392)


تأويله: ولا تقربوهن في مخرج الدم، دون ما عدا ذلك من أماكن جسدها، فيكون مطلقا في حال حيضها إتيانهن في أدبارهن.
وفي إجماع الجميع =: على أن الله تعالى ذكره لم يُطْلِق في حال الحيض من إتيانهن في أدبارهن شيئًا حرَّمه في حال الطُّهر، ولا حرِّم من ذلك في حال الطهر شيئًا أحله في حال الحيض = ما يُعلم به فسادُ هذا القول.
وبعد، فلو كان معنى ذلك على ما تأوَّله قائلو هذه المقالة، لوجب أن يكون الكلام: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله = (1) حتى يكون معنى الكلام حينئذ على التأويل الذي تأوله، ويكون ذلك أمرًا بإتيانهن في فروجهن. لأنّ الكلام المعروفَ إذا أريد ذلك، أن يقال:" أتى فلان زَوجته من قِبَل فرجها" - ولا يقال: أتاها من فرجها - إلا أن يكون أتاها من قِبَل فرجها في مكان غير الفرج.
* * *
فإن قال لنا قائل: فإنَّ ذلك وإنْ كان كذلك، فليس معنى الكلام: فأتوهن في فروجهن - وإنما معناه: فأتوهن من قِبَل قُبُلهن في فروجهن -، كما يقال:" أتيتُ هذا الأمرَ من مَأتاه".
قيل له: إن كان ذلك كذلك، فلا شك أن مأتى الأمر ووجهه غيره، وأن ذلك مطلبه. فإن كان ذلك على ما زعمتم، فقد يجب أن يكون معنى قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله"، غير الذي زعمتم أنه معناه بقولكم: ائتوهن من قبل مخرج الدم، ومن حيث أمِرتم باعتزالهن - ولكن الواجبُ أن يكون تأويلُه على ذلك: فأتوهن من قبل وُجوههنّ في أقبالهن، كما كان قول القائل:" ائت الأمر من مأتاه"، إنما معناه: اطلبه من مطلبه، ومطلبُ الأمر غيرُ الأمر المطلوب.
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "من حيث أمركم الله"، وهو نص الآية، ولكنه أراد"في حيث"، كما يدل عليه سائر كلامه، فلذلك أثبتها على الصواب إن شاء الله.
وانظر ما يؤيد ذلك أيضًا في معاني القرآن للفراء 1: 143.

(4/393)


فكذلك يجب أن يكون مأتى الفرج - الذي أمر الله في قولهم بإتيانه - غير الفرج. (1)
وإذا كان كذلك، وكان معنى الكلام عندهم: فأتوهن من قبل وجوههن في فروجهن - وجب أن يكون على قولهم محرَّمًا إتيانهن في فروجهن من قِبل أدبارهن. وذلك إن قالوه، خرج من قاله من قِيل أهل الإسلام، وخالف نص كتاب الله تعالى ذكره، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك أن الله يقول: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ، وأذن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن.
فقد تبين إذًا إذْ كان الأمر على ما وصفنا، فسادُ تأويل من قال ذلك: فأتوهن في فروجهن حيث نهيتكم عن إتيانهنّ في حال حيضهن = وصحةُ القول الذي قلناه، وهو أن معناه: فأتوهن في فروجهنّ من الوجه الذي أذن الله لكم بإتيانهن، وذلك حال طهْرهن وتطهُّرهن، دون حال حيضهن.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" إن الله يحب التوابين"، المنيبين من الإدبار عن الله وعن طاعته، إليه وإلى طاعته. وقد بينا معنى"التوبة" قبل. (2)
* * *
واختلف في معنى قوله:" ويحب المتطهِّرين".
فقال بعضهم: هم المتطهِّرون بالماء.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) في المخطوطة: "فكذلك يجب مأتى الفرج"، وفي المطبوعة: "فكذلك يجب أن مأتى الفرج" والذي أثبته أشبه بالسياق وبالصواب.
(2) انظر ما سلف 1: 547/ 2: 72- 73/ 3: 81، 259- 261.

(4/394)


4302 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا طلحة، عن عطاء قوله:" إن الله يحب التوابين"، قال: التوابين من الذنوب =" ويحب المتطهرين" = قال: المتطهرين بالماء للصلاة.
4303 - حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا طلحة، عن عطاء، مثله.
4304 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء:" إن الله يحب التوابين" من الذنوب، لم يصيبوها =" ويحب المتطهرين"، بالماء للصلوات. (1)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك:" إن الله يحب التوابين"، من الذنوب =" ويحب المتطهرين"، من أدبار النساء أن يأتوها.
* ذكر من قال ذلك:
4305 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا إبراهيم بن نافع قال، سمعت سليمان مولى أم علي قال، سمعت مجاهدًا يقول: من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين. (2)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك:"ويحب المتطهرين"، من الذنوب أن يعودوا فيها بعد التوبة منها.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) في المطبوعة: "للصلاة"، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) الأثر: 4305-"إبراهيم بن نافع" المخزومي المكي، روى عن ابن أبي نجيح، وكثير بن كثير، وعطاء بن أبي رباح، وعدة. روى عنه أبو عامر العقدي وأبو نعيم وغيرهما. كان حافظًا، وكا أوثق شيخ بمكة، وهو ثقة، وكان أحمد يطريه. و"سليمان مولى أم علي"، هو سليم المكي، أبو عبد الله، روى عن مجاهد. وعنه إبراهيم بن نافع وابن جريج وجماعة، صدوق من كبار أصحاب مجاهد. وكلاهما مترجم في التهذيب.

(4/395)


4306 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:" يحب التوابين"، من الذنوب، لم يصيبوها =" ويحب المتطهرين"، من الذنوب، لا يعودون فيها.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ من قال:" إنّ الله يحب التوابين من الذنوب، ويحب المتطهرين بالماء للصلاة". لأن ذلك هو الأغلب من ظاهر معانيه.
وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر أمرَ المحيض، فنهاهم عن أمور كانوا يفعلونها في جاهليتهم: من تركهم مساكنة الحائض ومؤاكلتها ومشاربتها، وأشياء غير ذلك مما كان تعالى ذكره يكرهها من عباده. فلما استفتى أصحابُ رسولِ الله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، (1) أوحى الله تعالى إليه في ذلك، فبيَّن لهم ما يكرهه مما يرضاه ويحبه، وأخبرهم أنه يحب من خلقه من أناب إلى رضاه ومحبته، تائبًا مما يكرهه.
وكان مما بيَّن لهم من ذلك، (2) أنه قد حرّم عليهم إتيان نسائهم وإن طهُرن من حيضهن حتى يغتسلن، ثم قال: ولا تقربوهن حتى يطهُرن، فإذا تطهَّرن فأتوهن، فإن الله يحب المتطهرين = يعني بذلك: المتطهرين من الجنابة والأحداث للصلاة، والمتطهرات بالماء - من الحيض والنفاس والجنابة والأحداث - من النساء.
* * *
وإنما قال:" ويحب المتطهرين" - ولم يقل" المتطهرات" - وإنما جرى قبل ذلك ذكرُ التطهر للنساء، لأن ذلك بذكر" المتطهرين" يجمع الرجال والنساء. ولو ذكر ذلك بذكر" المتطهرات"، لم يكن للرجال في ذلك حظ، وكان للنساء خاصة. فذكر الله تعالى ذكره بالذكر العام جميعَ عباده المكلفين، إذ كان قد
__________
(1) في المطبوعة: "أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك" بإسقاط"رسول الله" الثانية وأثبت الصواب من المخطوطة.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "مع ذلك"، والذي أثبته هو الصواب الحق.

(4/396)


نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)

تعبَّد جميعَهم بالتطهر بالماء، وإن اختلفت الأسباب التي توجب التطهر عليهم بالماء في بعض المعاني، واتفقت في بعض.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم مُزدَرَعُ أولادكم، فأتوا مُزدرعكم كيف شئتم، وأين شئتم.
* * *
وإنما عني بـ "الحرث" المزدَرَع، و"الحرث" هو الزرع، (1) ولكنهن لما كن من أسباب الحرث، جعلن"حرثًا"، إذ كان مفهومًا معنى الكلام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
4307 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال حدثنا ابن المبارك، عن يونس، عن عكرمة، عن ابن عباس:" فأتوا حرثكم"، قال: منبت الولد.
4308 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" نساؤكم حرث لكم"، أما"الحرث"، فهي مَزْرَعة يحرث فيها.
* * *
__________
(1) انظر معنى"الحرث" فيما سلف من هذا الجزء 4: 239، 240. هذا، وقد كان في المطبوعة: "وإنما عني بالحرث وهو الزرع المحترث والمزدرع"، وليست بشيء - وكان في المخطوطة مضطربًا، فلذلك اضطربت المطبوعة. كان هكذا: "وإنما عنى بالزرع، وهو الحرث المزرع والمزدرع"، وضرب على"بالزرع" وكتب"بالحرث" ثم وضع فوق"الحرث والمزدرع" ميمًا على كل كلمة من الكلمتين، يريد بذلك تقديم هذه على هذه، ولكن بقيت الجملة فاسدة أشد فساد، ولم يستطع الناسخ أو طابع المطبوعة أن يرده إلى سياق صحيح، فرددته إلى السياق الصحيح إن شاء الله.

(4/397)


القول في تأويل قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فانكحوا مزدرَع أولادكم من حيث شئتم من وجوه المأتى.
* * *
و"الإتيان" في هذا الموضع، كناية عن اسم الجماع. (1)
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى قوله:" أنى شئتم".
فقال بعضهم: معنى"أنَّى"، كيف.
* ذكر من قال ذلك:
4309 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:" فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، قال: يأتيها كيف شاء، ما لم يكن يأتيها في دبرها أو في الحيض.
4310 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله:" نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: ائتها أنى شئت، مقبلةً ومدبرةً، ما لم تأتها في الدُّبر والمحيض.
4311 - حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، يعني بالحرث الفرجَ. يقول: تأتيه كيف شئت، مستقبلهُ ومستدبرهُ (2) وعلى أيّ ذلك أردت، بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره، وهو قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله".
__________
(1) انظر ما مضى قريبًا ص: 388 والتعليق: 1
(2) الأثر: 4311 - في سنن البيهقي 8: 196، وفيها وفي المطبوعة: "مستقبلة ومستدبرة". وأثبت ما في المخطوطة، فهو جيد.

(4/398)


4312 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن عبد الكريم، عن عكرمة:" فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، قال: يأتيها كيف شاء، ما لم يعمل عمل قوم لوط.
4313 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا الحسن بن صالح، عن ليث، عن مجاهد:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: يأتيها كيف شاء، واتَّق الدبر والحيض.
4314 - حدثني عبيد الله بن سعد قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي قال، حدثني يزيد: أن ابن كعب كان يقول: إنما قوله:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: ائتها مضجعةً وقائمة ومنحرفةً ومقبلةً ومدبرةً كيف شئت، إذا كان في قُبُلها. (1)
__________
(1) الأثر: 4314- كان هذا الإسناد في المطبوعة: حدثني عبيد الله بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه قال، حدثني يزيد. . "، والصواب إسناد المخطوطة الذي أثبته كما سترى. ولكن يظهر أن الناسخ أو الطابع خلط بين هذا الإسناد الذي أثبتناه والإسناد الآخر الكثير الدوران في التفسير، وهو: "حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس" وقد مضى الكلام في هذا الإسناد برقم: 305.
أما إسنادنا هذا، فإن"عبيد الله بن سعد" فهو: عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو الفضل البغدادي" روى عن أبيه وعمه يعقوب بن إبراهيم وغيرهما، وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهما. قال ابن أبي حاتم: "كتبت عنه مع أبي وهو صدوق" مات سنة 260.
أما عمه، فهو يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد. روى عن أبيه وشعبة، وابن أخي الزهري والليث. وعنه ابن أخيه عبيد الله بن سعد، وأحمد وإسحاق وابن معين. كان ثقة مأمونًا، كتب عنه الناس علما جليلا. مات سنة 208.
وأما أبوه، فهو إبراهيم بن سعد الزهري، وأبو إسحاق المدني، نزيل بغداد. روى عن أبيه وعن الزهري وهشام بن عروة ومحمد بن إسحاق وشعبة ويزيد بن الهاد. روى عنه ابناه يعقوب وسعد وأبو داود والطيالسي وغيرهم.
قال أحمد: ثقة، أحاديثه مستقيمة. مات سنة 183.
وأما"يزيد"، فهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي. روى عن جماعة كثيرة، منهم محمد بن كعب القرظي، وروى عنه شيخه، يحيى بن سعد الأنصاري وإبراهيم بن سعد والليث بن سعد. ذكره ابن حبان في الثقات، وكان كثير الحديث. مات سنة 139. وأما"ابن كعب"، فهو"محمد بن كعب القرظي"، فهو تابعي، مضت ترجمته.
وسيأتي هذا الإسناد نفسه على الصواب، مع خطأ فيه برقم: 4321.

(4/399)


4315 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن مرة الهمداني قال: سمعته يحدث أن رجلا من اليهود لقي رجلا من المسلمين فقال له: أيأتي أحدكم أهلهُ باركًا؟ قال: نعم. قال: فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنزلت هذه الآية:" نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، يقول: كيف شاء، بعد أن يكون في الفرج.
4316 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، إن شئت قائمًا أو قاعدًا أو على جنب، إذا كان يأتيها من الوجه الذي يأتي منه المحيضُ، ولا يتعدَّى ذلك إلى غيره.
4317 - حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، ائت حرثك كيف شئتَ من قُبُلها، ولا تأتيها في دبرها." أنى شئتم"، قال: كيف شئتم.
4318 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال: أن عبد الله بن علي حدثه: أنه بلغه أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا يومًا ورجل من اليهود قريبٌ منهم، فجعل بعضهم يقول: إنيّ لآتي امرأتي وهي مضطجعة. ويقول الآخر: إني لآتيها وهي قائمة. ويقول الآخر: إني لآتيها على جنبها وباركةً. فقال اليهودي: ما أنتم إلا أمثال البهائم! ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة! فأنزل الله تعالى ذكره:" نساؤكم حرثٌ لكم"، فهو القُبُل. (1)
* * *
وقال آخرون: معنى:" أنى شئتم"، من حيث شئتم، وأي وجه أحببتم.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) الأثر: 4318- هو عبد الله بن علي بن السائب بن عبيد القرشي المطلبي، روى عن عثمان بن عفان، وحصين بن محصن الأنصاري وعمرو بن أحيحة بن الجلاح، وعنه سعيد بن أبي هلال. مترجم في التهذيب.

(4/400)


4319 - حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا ابن أبي فديك، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهل، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يكره أن تُؤتى المرأة في دبرها، ويقول: إنما الحرث من القُبُل الذي يكون منه النسل والحيض = وينهى عن إتيان المرأة في دُبُرها ويقول: إنما نزلت هذه الآية:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: من أيّ وجه شئتم. (1)
4320 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا ابن واضح قال، حدثنا العتكي، عن عكرمة:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: ظهرها لبطنها غير مُعاجَزة - يعني الدبر. (2)
4321 - حدثنا عبيد الله بن سعد قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي،
__________
(1) الأثر: 4319 - مضى في رقم: 180"موسى بن سهل الرازي"، هكذا جاء في المطبوعة ولكنه في المخطوطة"سهل بن موسى الرازي"، فرجح أخي السيد أحمد أنه خطأ من الناسخ، وأنه لم يجد له ترجمة. ولكن أبا جعفر الطبري قد روى عنه في مواضع من تاريخه: "سهل بن موسى الرازي"، وهكذا هو في المخطوطة هناك، وجاء هنا على ذلك في المخطوطة والمطبوعة. فالصواب أن يكون في رقم: 180"سهل بن موسى الرازي"، كما في المخطوطة هناك.
و"سهل بن موسى الرازي"، لم يترجم بهذا الاسم في الكتب، ولكني رأيت الطبري يروي عنه في التاريخ 1: 169: "حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا ابن أبي فديك. . . "، فالذي في التاريخ يؤيد ما في التفسير. ثم روى عنه في التاريخ 2: 214"حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء. . . "، فرأيت في ترجمة"عبد الرحمن بن مغراء" في التهذيب أنه يروي عنه"سهل بن زنجلة". و"سهل بن زنجلة" هو: سهل بن أبي سهل الرازي"، روى عن جماعة كثيرة منهم يحيى بن سعيد القطان وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن ابن مغراء" وروى عنه ابن ماجه فأكثر، وأبو حاتم، وقد بغداد سنة 231. وترجم له الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 9: 116- 118، ولم يذكروا تاريخ وفاته. فأخشى أن يكون"سهل بن أبي سهل الرازي"، هو"سهل بن موسى الرازي" نفسه - لم يعرفوا اسم أبيه"موسى"، وعرفه الطبري، لأنه من ناحية بلاده، وأرجو أن يأتي بعد في أسانيد أبي جعفر ما يكشف عن الحق في ذلك.
وأما"ابن أبي فديك"، هو: محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديلي مولاهم. مترجم في التهذيب، وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة 200.
(2) الأثر: 4320- هو الإسناد السالف رقم: 4295.

(4/401)


عن يزيد، [عن الحارث بن كعب] ، عن محمد بن كعب، قال: إن ابن عباس كان يقول: اسق نباتك من حيث نباته. (1)
4322 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:" فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، يقول: من أين شئتم. ذكر لنا - والله أعلم - أن اليهود قالوا: إن العرب يأتون النساء من قِبَل إعجازهن، فإذا فعلوا ذلك، جاء الولد أحول، فأكذب الله أحدوثتهم فقال:" نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم".
4323 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال يقول: ائتوا النساء في [غير] أدبارهن على كل نحو = (2) قال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح قال: تذاكرنا هذا عند ابن عباس، فقال ابن عباس: ائتوهن من حيث شئتم، مُقبلة ومدبرةً. فقال رجل: كأنَّ هذا حلالٌ! (3) فأنكر عطاء أن يكون هذا هكذا، وأنكره، كأنه إنما يريد الفرج، مقبلةً ومدبرة في الفرج.
* * *
وقال آخرون معنى قوله:" أنى شئتم"، متى شئتم.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) الأثر: 4321- قد سلف هذا الإسناد برقم: 4314، ولكن وقع في المخطوطة هنا زيادة عن الحارث بن كعب- فوضعناها بين قوسين. ولم أجد في الرواة من يسمى"الحارث بن كعب"، مع أنه تابعي قل أن يغفلوا مثله. فلذلك أخشى أن يكون خطأ أو سبق قلم من ناسخ، ولعله كان"عن يزيد بن الهاد، عن ابن كعب- وهو محمد بن كعب" فصحف الناسخ وحرف. وقد مضى الكلام في هذا الإسناد، فراجعه هناك. وقد رواه البيهقي في السنن 1: 196 من طريق"عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس"، فهذا يؤيد ما رجحته من زيادة هذا الذي بين القوسين أو تصحيفه وتحريفه.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: "ائتوا النساء في أدبارهن"، وهو لا يستقيم أبدًا، والزيادة بين القوسين لا بد منها للخروج من هذا الفساد. ومجاهد لا يقول بهذا، بل الثابت في الرواية عند إنكاره وإكفار فاعله (ابن كثير 1: 522) .
(3) في المطبوعة: "كان هذا حلالا"، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة.

(4/402)


4324 - حدثت عن حسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: مَتى شئتم.
4325 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي - وهو عمار الدُّهني -، عن سعيد بن جبير أنه قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس، أتاه رجلٌ فوقف على رأسه فقال: يا أبا العباس - أو: يا أبا الفضل - ألا تشفيني عن آية المحيض؟ (1) فقال: بلى! فقرأ:" ويسألونك عن المحيض" حتى بلغ آخر الآية، فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم، من ثَمَّ أمرت أن تأتي. فقال له الرجل: يا أبا الفضل، كيف بالآية التي تتبعها:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"؟ فقال: إي! ويحك! وفي الدُّبُر من حَرْث!! لو كان ما تقول حقًّا، لكان المحيض منسوخًا! إذا اشتغل من ههنا، جئتَ من ههنا! ولكن: أنى شئتم من الليل والنهار. (2)
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أين شئتم، وحيث شئتم.
* ذكر من قال ذلك:
4326 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا ابن عون، عن
__________
(1) في المطبوعة: "من آية المحيض"، والصواب من المخطوطة، ومما مضى رقم: 4280.
(2) الأثر: 4325 - سلف صدره في رقم: 4280، كما أشرنا إليه هناك، "أبو صخر" هو: حميد بن زياد الخراط المصري، مترجم في التهذيب، قال أحمد: "ليس به بأس". مات سنة 189. و"أبو معاوية البجلي"، قد صرح الطبري هنا أنه: عمار بن معاوية الدهني. ذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة 133، وكلاهما مترجم في التهذيب.
هذا وفي المطبوعة والمخطوطة: "إي ويحك"، (بكسر الهمزة وسكون الياء) بمعنى"نعم" حرف جواب، يكون لتصديق المخبر، ولإعلام المستخبر، ولوعد الطالب، فتقع بعد: "قام زيد -وهل قام زيد- واضرب زيدًا" ونحوهن، كما تقع"نعم" بعدهن. وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام، ولا تقع عند الجميع إلا قبل القسم (شرح شواهد المغني لابن هشام) . وأنا أرجح أن تكون الكلمة محرفة، وصوابه"أنى ويحك" (بفتح الهمزة وتشديد النون وفتحها) : أي: أين ذهبت -أو: كيف قلت- ويحك؟

(4/403)


نافع قال، كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلم. قال: فقرأت ذات يوم هذه الآية:" نساؤكم حرثٌ لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال: أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت: لا! قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. (1)
4326 م - حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، حدثنا ابن عون، عن نافع، قال: قرأتُ ذاتَ يوم:" نساؤكم حرْثٌ لكم فائتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال ابن عمر: أتدري فيمَ نزلتْ
؟ قلتُ: لا! قال: نزلتْ في إتيان النساء في أدْبارهنّ) . (2)
4327 - حدثني إبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم قال، حدثنا أبو عمر الضرير قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم صاحب الكرابيس، عن ابن عون، عن نافع قال: كنت أمسك على ابن عُمر المصحف، إذ تلا هذه الآية:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال: أن يأتيها في دبرها. (3)
__________
(1) الحديث: 4326 - يعقوب: هو ابن إبراهيم الدورقي الحافظ. ابن علية: هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي.
وهذا الإسناد صحيح جدًا. وانظر التخريج في: 4327.
(2) الحديث: 4326 مكرر -هذا الحديث زدناه من ابن كثير 1: 516- 517، حيث نقله عن الطبري بهذا النص، إسنادًا ومتنًا. ويؤيد ثبوته في هذا الموضع، أن الحافظ ابن حجر ذكره في الفتح 8: 141، عن الطبري، حيث ذكر رواية من مسند إسحاق بن راهويه وتفسيره، ثم قال: "هكذا أورده ابن جرير، من طريق إسماعيل بن علية، عن ابن عون مثله، ثم أشار إلى الحديث التالي لهذا: 4327، فقال: "ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي، عن ابن عون، نحوه". وذكره الحافظ في التلخيص أيضًا، ص: 307، قال: "وكذا رواه الطبري، من طريق ابن علية، عن ابن عون". فثبت وجود هذا الحديث في تفسير الطبري، وتعين موضعه في هذا الموضع واضحًا. والحمد لله.
(3) الحديث: 4327 - أبو عمر الضرير: هو حفص بن عمر الأكبر، مضى في: 3562، ووقع هناك في المطبوعة"أبو عمرو"، وبينا أنه خطأ. وقد ثبت فيها هنا على الصواب.
إسماعيل بن إبراهيم صاحب الكرابيس: ثقة. ترجمه البخاري في الكبير 1/1/342، فلم يذكر فيه حرجًا. وذكره ابن حبان في الثقات. وهو"صاحب الكرابيس" يعني الثياب. ولذلك يقال له"الكرابيسي" بالياء، نسبة إلى بيعها. ووقع في المطبوعة، (صاحب الكرابيسي) بلفظ النسبة مع كلمة"صاحب". وهو خطأ.
وهذه الأحاديث الثلاثة صحيحة ثابتة عن ابن عمر. وهي حديث واحد بأسانيد ثلاثة. وسيأتي أيضًا نحو معناها: 4331.
وقد روى البخاري 8: 140- 141 معناه عن نافع، عن ابن عمر، بثلاثة أسانيد. ولكنه كنى عن ذلك الفعل ولم يصرح بلفظه. وأطال الحافظ في الإشارة إلى كثير من أسانيده.
وذكره السيوطي 1: 265، ونسبه لمن ذكرنا.
ونقل الحافظ في الفتح 8: 141، عن ابن عبد البر، قال: "ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه". ونحو هذا نقل السيوطي 1: 266 عن ابن عبد البر.

(4/404)


4328 - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال، حدثنا الدراوردي قال، قيل لزيد بن أسلم: إن محمد بن المنكدر ينهى عن إتيان النساء في أدبارهن. فقال زيد: أشهد على محمد لأخبرني أنه يفعله. (1)
4329 - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك بن أنس أنه قيل له: يا أبا عبد الله، إن الناس يروون عن سالم:" كذب العبد، أو: العلجُ، على أبي"! فقال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له: فإنَّ الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار: أنه سأل ابن عمر فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إنا نشتري الجواري فنُحمِّض لهن؟ فقال: وما التحميض؟ قال: الدُّبُر. فقال ابن عمر: أفْ! أفْ! يفعل ذلك مؤمن! - أو قال: مسلم! - فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب، عن ابن عمر، مثل ما قال نافع. (2)
__________
(1) الخبر: 4328 -عبد الملك بن مسلمة المصري: روى عنه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر- كثيرًا. وهو ضعيف، ترجمه ابن أبي حاتم 2/2/371، وذكر أن أباه روى عنه، وأنه قال: "هو مضطرب الحديث، ليس بقوي"، وأنه حدثه بحديث موضوع، وأن أبا زرعة قال: "ليس بالقوي، هو منكر الحديث". وله ترجمة في الميزان ولسان الميزان.
(2) الخبر: 4329 -أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر المصري الفقيه: مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2/2/274- 275، باسم"عبد الرحمن بن أبي الغمر"، دون ذكر اسم أبيه"أحمد". وهو من شيوخ البخاري، روى عنه خارج الصحيح.
عبد الرحمن بن القاسم بن خالد، الفقيه المصري، راوي الفقه عن مالك، ثقة مأمون، من أوثق أصحاب مالك.
وهذا الخبر نقله ابن كثير 1: 521- 522، عن هذا الموضع. ولكن وقع فيه خطأ في اسم ابن أبي الغمر، هكذا: "أبو زيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر".
ونقله الحافظ في الفتح 8: 142، والتلخيص، ص: 308، مختصرًا، ونسبه أيضًا للنسائي والطحاوي، وقال في الفتح: "وأخرجه الدارقطني، من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك. وقال: هذا محفوظ عن مالك صحيح".
ونقله السيوطي 1: 266، مطولا، ونقل كلام الدارقطني.

(4/405)


4330 - حدثني محمد بن إسحاق قال، أخبرنا عمرو بن طارق قال، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن موسى بن أيوب الغافقي قال: قلت لأبي ماجد الزيادي: إنّ نافعًا يحدث عن ابن عمر في دُبر المرأة. فقال: كذب نافع! صحبت ابن عمر ونافعٌ مملوكٌ، فسمعته يقول: ما نظرت إلى فرج امرأتي منذ كذا وكذا. (1)
4331 - حدثني أبو قلابة قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثني أبي، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: في الدبر. (2)
__________
(1) الخبر: 4330 -عمرو بن طارق: هو عمرو بن الربيع بن طارق الهلالي المصري، وهو ثقة. نسب هنا إلى جده. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3/1/233. يحيى بن أيوب: هو الغافقي المصري. مضى في: 3877.
موسى بن أيوب بن عامر الغافقي الهباري المصري: ثقة، روى عنه الليث بن سعد، وابن المبارك، ووثقه ابن معين.
أبو ماجد الزيادي: تابعي، ترجمه البخاري في الكنى، رقم: 688، وابن أبي حاتم 4/2/455 ورويا عنه هذا الخبر، بلفظين مختلفين، مخالفين لما هنا.
فقال البخاري: "أبو ماجد الزيادي، سمع ابن عمر، قال: ما نظرت إلى فرج امرأة منذ أسلمت. قاله يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، سمع موسى بن أيوب، عن أبي ماجد".
وقال ابن أبي حاتم: "أبو ماجد الزيادي، سمع عبد الله بن عمرو، قال: ما نظرت إلى فرجي منذ أسلمت. روى عنه موسى بن أيوب الغافقي. سمعت أبي يقول ذلك".
والظاهر أن"عبد الله بن عمرو"، عند ابن أبي حاتم -تحريف ناسخ أو طابع. ولكن لا يزال الاختلاف قائمًا في المعنى بين هاتين الروايتين، وبينهما وبين رواية الطبري هذه. ولم أجد ما يرجح إحداها على غيرها.
(2) الخبر: 4331 -أبو قلابة، شيخ الطبري: هو الرقاشي الضرير الحافظ، واسمه: عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد، وهو ثقة، روى عنه الأئمة، منهم ابن خزيمة، وابن جرير، وأبو العباس الأصم. وقال أبو داود سليمان بن الأشعث: "رجل صدوق، أمين مأمون، كتبت عنه بالبصرة". وقال الطبري: "ما رأيت أحفظ منه". مترجم في التهذيب. ابن أبي حاتم 2/2/369- 370، وتاريخ بغداد 10: 425- 427، وتذكرة الحفاظ 2: 143- 144. عبد الصمد: هو ابن عبد الوارث.
وهذا الخبر رواه البخاري 8: 140- 141، عن إسحاق، هو ابن راهويه، عن عبد الصمد. ولكنه حذف المكان بعد حرف"في"، فلم يذكر لفظه. وذكر الحفاظ في الفتح أنه صريح في رواية الطبري هذه.
ونقله ابن كثير 1: 517، عن الطبري بإسناده. ونقله السيوطي 1: 265، ونسبه للبخاري وابن جرير.

(4/406)


4332 - حدثني أبو مسلم قال، حدثنا أبو عمر الضرير قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا روح بن القاسم، عن قتادة قال: سئل أبو الدرداء عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال: هل يفعل ذلك إلا كافر! قال روح: فشهدت ابن أبي مليكة يُسأل عن ذلك فقال: قد أردته من جارية لي البارحةَ فاعتاص عليّ، فاستعنت بدهن أو بشحم. قال: فقلت له، سبحان الله!! أخبرنا قتادة أنّ أبا الدرداء قال: هل يفعل ذلك إلا كافر! فقال: لعنك الله ولعن قتادة! فقلت: لا أحدث عنك شيئًا أبدًا! ثم ندمت بعد ذلك. (1)
* * *
قال أبو جعفر (2) واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم، بما:-
4333 - حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، أخبرنا أبو بكر بن أبي أويس الأعشى، عن سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك، فأنزل الله:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم". (3)
__________
(1) الخبر: 4332 - هو في الحقيقة خبران، أولهما عن أبي الدرداء، وثانيهما أثر عن ابن أبي مليكة لا يصلح للاستدلال. فكلامنا عن خبر أبي الدرداء.
وقد رواه الطبري هنا بإسناده إلى قتادة، "قال: سئل أبو الدرداء. . . "، وهو منقطع. فقد رواه أحمد في المسند: 6968 م بإسناده إلى قتادة، قال: "وحدثني عقبة بن وساج، عن أبي الدرداء، قال: وهل يفعل ذلك إلا كافر"؟! . وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى 7: 199. وقد خرجناه في شرح المسند.
(2) من هنا ابتداء جزء من التقسيم القديم للتفسير فيما يظهر، فإنه قد كتب بعد ما سلف.
"يتلُوه: واعتل قائلو هذه المقالة
وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه كثيرًا"
ثم بدأ صفحة جديدة أولها:
"بسم الله الرحمن الرحيم"
ربّ أعن يا كريم
(3) الحديث: 4333 - أبو بكر بن أبي أويس: هو عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس المدني الأعشى، وهو ثقة.
سليمان بن بلال أبو أيوب المدني: ثقة معروف، أخرج له الأئمة الستة.
وهذا الحديث نقله ابن كثير 1: 517، من رواية النسائي، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، كمثل رواية الطبري وإسناده سواء. ونقله الحافظ في التلخيص: 307- 308، والسيوطي 1: 265- 266، ونسباه للنسائي والطبري فقط.

(4/407)


4334 - حدثني يونس قال، أخبرني ابن نافع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن رجلا أصاب امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر الناس ذلك وقالوا: أثْفَرها! فأنزل الله تعالى ذكره:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" الآية. (1)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ائتوا حرثكم كيف شئتم - إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا.
* ذكر من قال ذلك:
4335 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا الحسن بن صالح، عن ليث، عن عيسى بن سنان، عن سعيد بن المسيب:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا.
4336 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن يونس، عن أبي إسحاق، عن زائدة بن عمير، عن ابن عباس قال: إن شئت فاعزل، وإن شئت فلا تعزل. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأما الذين قالوا: معنى قوله:" أنى شئتم"، كيف شئتم مقبلة ومدبرة في الفرْج والقُبُل، فإنهم قالوا: إن الآية إنما نزلت في استنكار قوم من اليهود، استنكروا إتيان النساء في أقبالهن من قِبل أدبارهن. قالوا: وفي ذلك دليل على صحة ما قلنا،
__________
(1) الحديث: 4334- هذا حديث مرسل، لأن عطاء بن يسار تابعي. وقوله"أثفرها": من"الثفر"، بفتح الثاء المثلثة والفاء، وهو ما يوضع للدابة تحت ذنبها يشد به السرج. شبه ذلك الفعل بوضع الثفر على دبر الدابة.
(2) الخبر: 4336- أبو إسحاق: هو السبيعي. زائدة بن عمير الطائي الكوفي: تابعي ثقة وثقه ابن معين وغيره. قال البخاري في الكبير 2/1/394: "سمع ابن عباس". وترجمه ابن أبي حاتم 1/2/612، وذكره ابن سعد في الطبقات 6: 218.

(4/408)


من أن معنى ذلك على ما قلنا. واعتلوا لقيلهم ذلك بما:-
4337 - حدثني به أبو كريب قال، حدثنا المحاربي قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عَرَضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية وأساله عنها، حتى انتهى إلى هذه الآية:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة، (1) ويتلذذون بهن مقبلاتٍ ومدبراتٍ. فلما قدموا المدينة تزوّجوا في الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شيء لم نكن نُؤْتَى عليه! فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، إن شئت فمقبلة، وإن شئت فمدبرة، وإن شئت فباركة، وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث. يقول: ائت الحرث من حيث شئت.
4338- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق بإسناده نحوه. (2)
4339 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابرًا يقول: إن اليهود كانوا يقولون: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول. فأنزل الله تعالى ذكره:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم".
__________
(1) شرح الرجل امرأته شرحًا: إذا سلقها فوطئها نائمة على قفاها.
(2) الحديثان: 4337- 4338- هما حديث واحد، بإسنادين. وأبان بن صالح بن عمير بن عبيد: ثقة، وثقه ابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم.
والحديث رواه أبو داود: 2164، والحاكم في المستدرك 2: 195، 279، والبيهقي 7: 195- 196، مطولا ومختصرًا، من طريق محمد بن إسحاق. وقال الحاكم في الموضع الأول: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم. ولم يخرجاه بهذه السياقة". ووافقه الذهبي.
ونقله ابن كثير 1: 516، عن رواية أبي داود. وكذلك الحافظ في التلخيص، ص: 308.
ونقله السيوطي 1: 263، وزاد نسبته لابن راهويه، والدارمي، وابن المنذر، والطبراني.

(4/409)


4340- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قالت اليهود: إذا أتى الرجل امرأته في قُبُلها من دُبُرها، وكان بينهما ولد، كان أحول. فأنزل الله تعالى ذكره:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم". (1)
4341 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن
__________
(1) الحديثان: 4339- 4340- هما حديث واحد، بإسنادين، ولفظين متقاربين. وهو حديث صحيح مشهور. رواه البخاري 8: 141- 143، من طريق سفيان، وهو الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر.
ونقله ابن كثير 1: 514، من رواية البخاري، ثم من رواية ابن أبي حاتم. وذكره السيوطي 1: 261، وزاد نسبته إلى أصحاب السنن الأربعة، والبيهقي، وغيرهم.
وهو في سنن البيهقي 1947-: 195، من ثلاثة طرق، عن ابن المنكدر، عن جابر. وذكره أنه رواه مسلم في صحيحه من تلك الطرق الثلاث.
وسيأتي بنحوه: 4346، من رواية شعبة، عن ابن المنكدر، عن جابر.
وانظر المنتقى: 3652، 3653.

(4/410)


عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أم سلمة زوح النبي صلى الله عليه وسلم قالت: تزوج رجل امرأةً فأراد أن يجبِّيَها، فأبت عليه، (1) وقالت: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم! قالت أم سلمة: فذكرتْ ذلك لي، فذكرت أم سلمة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أرسلي إليها. فلما جاءت قرأ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نساؤكم حرْث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، صِمامًا واحدًا، صِمامًا واحدًا. (2)
4342 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن عبد الله بن عثمان، عن ابن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أم سلمة قالت: قدِم المهاجرون فتزوجوا في الأنصار، وكانوا يُجَبُّون، وكانت الأنصار لا تفعل ذلك، فقالت امرأة لزوجها: حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله عن ذلك! فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فاستحيت أن تسأله، فسألتُ أنا، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليها:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"،"صمامًا واحدًا، صمامًا واحدًا". (3)
4343 - حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. (4)
4344 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله:"
__________
(1) جبى الرجل أو المرأة يجبى تجبية: أن ينكب على وجهه باركًا، وهو السجود. شبه هذا بهيئة السجود.
(2) الحديث: 4341- عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري المكي: تابعي، ثقة حجة، كما قال ابن معين. و"خثيم": بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة، مصغرًا. ووقع في المطبوعة، هنا، وفي: 4344"جشم"، وهو تصحيف. عبد الرحمن بن سابط: تابعي معروف، مضت ترجمته: 599.
حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: تابعية ثقة.
والحديث رواه أحمد في المسند 6: 305 (حلبي) ، عن عفان، عن وهيب، عن عبد الله بن عثمان ابن خثيم، بهذا الإسناد، نحوه، مطولا. ونقله ابن كثير 1: 515 عن رواية المسند. وواقع في مطبوعته تحريف وتصحيف.
ورواه البيهقي 7: 195، بنحوه مختصرًا، من طريق سفيان، ومن طريق روح بن القاسم - كلاهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم.
وذكره السيوطي 1: 262، مطولا. وزاد نسبته لابن أبي شيبة، والدارمي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم.
وسيأتي عقب هذا، مطولا ومختصرًا: 4342- 4345.
الصمام ما أدخل في فم القارورة تسد به. فسمى الفرج به، لأنه موضع صمام، على التشبيه وحذف المضاف. ومعناه: في مسلك واحد.
(3) الحديث: 4342- سفيان: هو الثوري، روى الحديث عن عبد الله بن عثمان. ولكن وقع في المطبوعة"سفيان بن عبد الله بن عثمان"! وهو خطأ سخيف. ووقع في المخطوطة"عن ابن سليط" بدل"ابن سابط". وهو خطأ. والحديث مكرر ما قبله بنحوه.
(4) الحديث: 4343- أبو أحمد: هو الزبيري، محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي. والحديث مكرر ما قبله.

(4/411)


نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: صمامًا واحدًا، صمامًا واحدًا". (1)
4345 - حدثني محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال، حدثني وهيب قال، حدثني عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط قال: قلت لحفصة، إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أستحيي منك أن أسألك؟ قالت: سل يا بنيّ عما بدا لك! قلت: أسألك عن غِشيان النساء في أدبارهن؟ قالت: حدثتني أم سلمة قالت: كانت الأنصار لا تُجَبِّي، وكان المهاجرون يُجَبُّون، فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار = ثم ذكر نحو حديث أبي كريب، عن معاوية بن هشام. (2)
4346 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثني وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن ابن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: إن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته باركة جاء الولد أحول. فنزلت" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم". (3)
4347 - حدثني محمد بن أحمد بن عبد الله الطوسي قال، حدثنا الحسن بن موسى قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكتُ!! قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حوَّلتُ رحلي الليلة! قال: فلم يردّ
__________
(1) الحديث: 4344- هو مكرر ما قبله مختصرًا. وهكذا رواه الترمذي 4: 75، مختصرًا عن ابن أبي عمر عن سفيان، وهو الثوري به.
(2) الحديث: 4345- يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي، المقرئ النحوي ثقة، أخرج له مسلم في صحيحه.
وهيب -بالتصغير-: هو ابن خالد بن عجلان وهو ثقة ثبت حجة.
والحديث مكرر: 4342، بنحوه حيث أحال الطبري لفظ هذا على لفظ ذلك.
(3) الحديث: 4346- هو مكرر: 4339، 4340. ووقع في المخطوطة"باركًا" بدل"باركة" وهو خطأ.

(4/412)


عليه شيئًا، قال: فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، أقبِل وأدبِر، واتق الدُّبر والحيْضة". (1)
4348 - حدثنا زكريا بن يحيى المصري قال، حدثنا أبو صالح الحراني قال، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عامر بن يحيى أخبره، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس: أن ناسًا من حميرَ أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أشياء، فقال رجل منهم: يا رسول الله، إنّي رجل أحب النساء، فكيف ترى في ذلك؟ فأنزل الله تعالى ذكره في"سورة البقرة" بيان ما سألوا عنه، وأنزل فيما سأل عنه الرجل:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتها مُقبلةً ومُدبرةً، إذا كان ذلك في الفرج". (2)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا قولُ من قال: معنى قوله" أنى شئتم"، من أيّ وجه شئتم. وذلك أن"أنَّى" في كلام العرب كلمة تدلّ إذا ابتدئ بها في الكلام - على المسألة عن الوجوه والمذاهب. فكأن القائل
__________
(1) الحديث: 4347- محمد بن أحمد بن عبد الله الطوسي: لم أعرفه ولا وجدت له ترجمة الحسن بن موسى الأشيب: ثقة حافظ متثبت، من شيوخ أحمد، يكثر الرواية عنه في المسند.
يعقوب القمي: مضت ترجمته في: 617. جعفر: هو ابن أبي مغيرة. مضى أيضًا في: 617. والحديث رواه أحمد في المسند: 2703 عن شيخه حسن بن موسى الأشيب بهذا الإسناد وقد خرجناه هناك. ونزيد أنه رواه أيضًا ابن حبان في صحيحه 6: 364- 365 (مخطوطة الإحسان) والبيهقي 7: 198.
(2) الحديث: 4348- زكريا بن يحيى بن صالح القضاعي المصري: ثقة من شيوخ مسلم في صحيحه.
أبو صالح الحراني: هو عبد الغفار بن داود بن مهران، وهو ثقة من شيوخ البخاري في صحيحه.
يزيد بن أبي حبيب المصري: ثقة أخرج له الجماعة، قال الليث بن سعد: "يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالمنا". وقال ابن سعد: "كان مفتي أهل مصر في زمانه، وكان حليما عاقلا". حنش الصنعاني: مضى في: 1914.
والحديث ذكره ابن كثير 1: 514- 515 من رواية ابن أبي حاتم في تفسيره، عن يونس عن ابن وهب عن ابن لهيعة. بهذا الإسناد. وذكره السيوطي 1: 262- 263، وزاد نسبته للطبراني والخرائطي. وروى أحمد في المسند: 2414- نحوه ولكن فيه أن السائلين كانوا من الأنصار. وإسناده ضعيف، من أجل رشدين بن سعد في إسناده.

(4/413)


إذا قال لرجل:"أنى لك هذا المال"؟ يريد: من أيّ الوجوه لك. ولذلك يجيب المجيبُ فيه بأن يقول:"من كذا وكذا"، كما قال تعالى ذكره مخبرًا عن زكريا في مسألته مريم: (أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) [سورة آل عمران: 37] . وهي مقاربة"أين" و"كيف" في المعنى، ولذلك تداخلت معانيها، فأشكلت"أنَّى" على سامعيها ومتأوِّليها، (1) حتى تأوَّلها بعضهم بمعنى:"أين"، وبعضهم بمعنى"كيف"، وآخرون بمعنى:"متى" - وهي مخالفة جميع ذلك في معناها، وهن لها مخالفات.
وذلك أن"أين" إنما هي حرف استفهام عن الأماكن والمحال - وإنما يستدل على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها. ألا ترى أن سائلا لو سأل آخر فقال:"أين مالك"؟ لقال:"بمكان كذا"، ولو قال له:"أين أخوك"؟ لكان الجواب أن يقول:"ببلدة كذا أو بموضع كذا"، فيجيبه بالخبر عن محل ما سأله عن محله. فيعلم أن"أين" مسألة عن المحل.
ولو قال قائل لآخر:"كيف أنت"؟ لقال:"صالح، أو بخير، أو في عافية"، وأخبره عن حاله التي هو فيها، فيعلم حينئذ أن"كيف" مسألةٌ عن حال المسؤول عن حاله.
ولو قال له:"أنَّى يحيي الله هذا الميت؟ "، لكان الجواب أن يقال:"من وجه كذا ووجه كذا"، فيصف قولا نظيرَ ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) [سورة البقرة: 259] فعلا (2) حين بعثه من بعد مماته.
__________
(1) في المخطوطة: "على سامعيها ومتاولها" بالجمع مرة والإفراد أخرى. وفي المطبوعة: "على سامعها ومتأولها" بالإفراد.
(2) قوله"فعلا" مفعول قوله: "نظير ما وصف الله. . . فعلا" يعني أن الله تعالى وصف بعد ذلك"فعلا" وهذا الفعل هو بعثه من بعد مماته، وذلك قول الله تعالى في عقب ذلك} :
فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ {

(4/414)


وقد فرَّقت الشعراء بين ذلك في أشعارها، فقال الكميت بن زيد:
تَذَكَّر مِنْ أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ شُرْبَهُ ... يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ كَذِي الهَجْمَةِ الأبِلْ (1)
وقال أيضًا:
أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ - آبَكَ - الطَّرَبُ ... مِنْ حَيْثُ لا صَبْوَةٌ وَلا رِيَبُ (2)
فيجاء بـ "أنى" للمسألة عن الوجه، وبـ "أين" للمسألة عن المكان، فكأنه قال: من أيّ وجه، ومن أي موضع راجعك الطرب؟
والذي يدل على فساد قول من تأول قول الله تعالى ذكره:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، كيف شئتم - أو تأوله بمعنى: حيث شئتم = أو بمعنى: متى شئتم = أو بمعنى: أين شئتم = أن قائلا لو قال لآخر:"أنى تأتي أهلك؟ "، لكان الجواب
__________
(1) اللسان (أبل) آمره يؤامره: شاوره. وقوله: "نفيسه" جعل النفس نفسين، لأن النفس تأمر. المرء بالشيء وتنهى عنه، وذلك في كل مكروه أو مخوف فجعلوا ما يأمره"نفسًا" وما ينهاه"نفسًا" وقد بينها الممزق العبدي في قوله: أَلاَ مَنْ لِعَيْنٍ قَدْ نَآهَا حَمِيمُهَا ... وَأَرَّقَنِي بَعْدَ المَنَامِ هُمُومُها
فَبَاتَتْ له نَفْسَانِ شَتَّى هُمُومُها ... فنَفْسٌ تُعَزِّيهَا ونفْسٌ تَلُومُها
و"الهجمة": القطعة الضخمة من الإبل من السبعين إلى المئة. ويقال: "رجل أبل" إذا كان حاذقا بمصلحة الإبل والقيام عليها. ولم أجد شعر الكميت، ولكني أرجح أن هذا البيت من أبيات في حمار وحش، قد أخذ أتنه (وهي إناثه) ليرد بها ماء، فوقف بها في موضع عين قديمة كان شرب منها، فهو متردد في موقفه، فشبهه يراعى الإبل الكثيرة، إذا كان خبيرًا برعيتها فوقف بها ينظر أين يسلك إلى الماء والمرعى.
(2) الهاشميات: 31. قوله: "آبك" معترضة بين كلامين كما تقول: "ويحك" بين كلامين وسياقه"أنى ومن أين الطرب"؟ و"آبك" بمعنى"ويلك" يقال لمن تنصحه ولا يقبل ثم يقع فيما حذرته منه، كأنه بمعنى: أبعدك الله! دعاء عليه؟ من ذلك قول رجل من بني عقيل: أَخَبَّرْتَنِي يَا قَلْبُ أَنَّكَ ذُو غَرًى ... بَليْلَي? فَذُقْ مَا كُنْتَ قبلُ تَقُولُ!
فآبَكَ! هلاَّ وَاللَّيَالِي بِغِرَّةٍ ... تُلِمُّ وَفِي الأَيَّامِ عَنْكَ غُفُولُ!!
بيد أن أبا جعفر فسر"آبك" بمعنى: "راجعك الطرب" من الأوبة، وهو وجه في التأويل، ولكن الأجود ما فسرت والشعر بعده دال على صواب ما ذهبت إليه.

(4/415)


أن يقول:"من قُبُلها، أو: من دُبُرها"، كما أخبر الله تعالى ذكره عن مريم = إذْ سئلت: (أَنَّى لَكِ هَذَا) = أنها قالت: (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) .
وإذ كان ذلك هو الجواب، فمعلومٌ أن معنى قول الله تعالى ذكره:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، إنما هو: فأتوا حرثكم من حيثُ شئتم من وجوه المأتى - وأنّ ما عدا ذلك من التأويلات فليس للآية بتأويل.
وإذ كان ذلك هو الصحيح، فبيِّنٌ خطأ قول من زعم أن قوله:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، دليلٌ على إباحة إتيان النساء في الأدبار، لأن الدُّبر لا مُحْتَرَثَ فيه، (1) وإنما قال تعالى ذكره:" حرث لكم"، فأتوا الحرث من أيّ وجوهه شئتم. وأيُّ مُحْتَرَث في الدُبر فيقال: ائته من وجهه؟ وبيِّنٌ بما بينا، (2) صحةُ معنى ما روي عن جابر وابن عباس: من أن هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين:"إذا أتَى الرجلُ المرأةَ من دُبرها في قُبُلها، جاء الولد أحول". (3)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك:
فقال بعضهم: معنى ذلك: قدموا لأنفسكم الخيرَ.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) في المطبوعة: "لا يخترث فيه" وكلاهما قريب، والذي في المخطوطة جود.
(2) في المطبوعة: "وتبين بما بينا" والصواب من المخطوطة، وهو عطف على قوله آنفًا: "فبين خطأ من زعم".
(3) حجة أبي جعفر في هذا الفصل من أحسن البيان عن معاني القرآن وعن معاني ألفاظه وحروفه وهي دليل على أن معرفة العربية، وحذقها والتوغل في شعرها وبيانها وأساليبها أصل من الأصول، لا يحل لمن يتكلم في القرآن أن يتكلم فيه حتى يحسنه ويحذقه. ورحم الله ابن إدريس الشافعي حيث قال- فيما رواه الخطيب البغدادي عنه في كتاب"الفقيه والمتفقه".
"لا يحلُّ لأحدٍ أنْ يُفْتِي في دِينِ اللهِ إلّا رجلًا عارفًا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله ومكيِّه ومدنيِّه، وما أريدَ به= ويكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناسخ والمنسوخ ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن= ويكون بصيرًا باللغة بصيرًا بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف = ويكون بعد هذا مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار= وتكون له قريحةٌ بعد هذا. فإذا كانَ هكذا فله أنْ يتكلّم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكنْ هكذا، فليس له أن يفتي".
فليت من يتكلم في القرآن والدين من أهل زماننا يتورع من مخافة ربه، ومن هول عذابه يوم يقوم الناس لرب العالمين.

(4/416)


4349 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله:" وقدموا لأنفسكم"، فالخيرَ.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقدموا لأنفسكم ذكرَ الله عند الجماع وإتيان الحرث قبل إتيانه.
* ذكر من قال ذلك:
4350 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد، عن عطاء - قال: أراه عن ابن عباس:-" وقدموا لأنفسكم"، قال: يقول:"بسم الله"، التسمية عند الجماع. (1)
* * *
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل الآية ما روينا عن السدي، وهو أن قوله:" وقدموا لأنفسكم"، أمرٌ من الله تعالى ذكره عبادَه بتقديم الخير والصالح من الأعمال ليوم معادهم إلى ربهم، عُدّةً منهم ذلك لأنفسهم عند لقائه في موقف الحساب، فإنه قال تعالى ذكره: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) [سورة البقرة: 110 \ وسورة المزمل: 20] .
__________
(1) في المطبوعة: "قال: التسمية عند الجماع يقول: بسم الله" على التقديم والتأخير.

(4/417)


وإنما قلنا: ذلك أولى بتأويل الآية، لأن الله تعالى ذكره عقَّب قوله:" وقدموا لأنفسكم" بالأمر باتقائه في ركوب معاصيه. فكان الذي هو أولى بأن يكون قبلَ التهدُّد على المعصية - إذ كان التهدُّد على المعصية عامًّا - الأمرُ بالطاعة عامًّا. (1)
* * *
فإن قال لنا قائل: وما وجه الأمر بالطاعة بقوله:" وقدِّموا لأنفسكم"، من قوله:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"؟
قيل: إن ذلك لم يقصد به ما توهمتَه: وإنما عنى به: وقدموا لأنفسكم من الخيرات التي ندبناكم إليها بقولنا:" يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين"، وما بعده من سائر ما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجيبوا عنه، مما ذكره الله تعالى ذكره في هذه الآيات. ثم قال تعالى ذكره: قد بيّنا لكم ما فيه رَشَدكم وهدايتكم إلى ما يُرضي ربكم عنكم، فقدِّموا لأنفسكم الخيرَ الذي أمركم به، واتخذوا عنده به عهدًا، لتجدوه لديه إذا لقيتموه في معادكم = واتقوه في معاصيه أن تقربوها، وفي حدوده أن تُضِيعوها، واعلموا أنكم لا محالة ملاقوه في معادكم، فَمُجازٍ المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته. (2)
* * *
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "الذي هو أولى بأن يكون قبل التهدد عامًا" وفي المطبوعة: "التهديد"، وهي جملة غير مستقيمة، فحذفت"الذي" وزدت: "إذ كان التهدد على المعصية"، ليستقيم معنى الكلام وسياقه.
(2) في المطبوعة: "فمجازي" بالياء في آخره. والصواب ما أثبت.

(4/418)


القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) }
قال أبو جعفر: وهذا تحذيرٌ من الله تعالى ذكره عبادَه: أن يأتوا شيئًا مما نهاهم عنه من معاصيه = وتخويفٌ لهم عقابَه عند لقائه، كما قد بيَّنا قبل = وأمرٌ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبشر من عباده، بالفوز يوم القيامة وبكرامة الآخرة وبالخلود في الجنة، من كان منهم محسنًا مؤمنًا بكتبه ورسله، وبلقائه، مصدِّقًا إيمانَه قولا بعمله ما أمره به ربُّه، وافترض عليه من فرائضه فيما ألزمه من حقوقه، وبتجنُّبه ما أمره بتجنُّبه من معاصيه. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم".
فقال بعضهم: معناه: ولا تجعلوه عِلَّة لأيمانكم، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس قال:"عليّ يمين بالله ألا أفعل ذلك" - أو"قد حلفت بالله أن لا أفعله"، فيعتلّ في تركه فعل الخير والإصلاح بين الناس بالحلف بالله.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) انظر ما سلف، مقالة الطبري في"ملاقو ربهم" 2: 20- 22.

(4/419)


4351 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه:" ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح، ثم يعتلّ بيمينه، يقول الله:" أن تبرُّوا وتتقوا" هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح، وإن حلفت كفَّرت عن يمينك وفعلت الذي هو خيرٌ لك.
4352 - حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه مثله = إلا أنه قال: وإن حلفت فكفِّر عن يمينك، وافعل الذي هو خير.
4353 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبرُّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، قال: هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدق، أو أن يكون بينه وبين إنسان مغاضبة فيحلف لا يُصلح بينهما ويقول:"قد حلفت". قال: يكفّر عن يمينه:" ولا تجعلوا الله عُرضة لأيمانكم".
4354 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" ولا تجعلوا الله عُرضةً لأيمانكم أن تبرُّوا وتتقوا"، يقول: لا تعتلُّوا بالله، أن يقول أحدكم إنه تألَّى أن لا يصل رَحمًا، (1) ولا يسعى في صلاح، ولا يتصدَّق من ماله. مهلا مهلا بارك الله فيكم، فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان، فلا تطيعوه، ولا تُنْفِذوا له أمرًا في شيء من نذروكم ولا أيمانكم.
4355 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبر، فإذا قيل له، قال:"قد حلفتُ".
__________
(1) تألى الرجل: أقسم بالله، ومثله"آل".

(4/420)


4356 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، سألت عطاء عن قوله:" ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، قال: الإنسان يحلف أن لا يصنع الخير، الأمرَ الحسن، يقول:"حلفت"! قال الله: افعل الذي هو خيرٌ وكفِّر عن يمينك، ولا تجعل الله عرضةً.
4357 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك، يقول في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الآية: هو الرجل يحرّم ما أحل الله له على نفسه، فيقول:"قد حلفت! فلا يصلح إلا أن أبرَّ يميني"، فأمرهم الله أن يكفّروا أيمانهم ويأتوا الحلال. (1)
4358 - حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، أما" عُرضة"، فيعرض بينك وبين الرجل الأمرُ، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله. وأما" تبرُّوا"، فالرجل يحلف لا يبرُّ ذا رحمه فيقول:"قد حلفت! "، فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه، وليبَرَّه، ولا يبالي بيمينه. وأما" تصلحوا"، فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه، فيحلف أن لا يصلح بينهما، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه. وهذا قبل أن تنزل الكفَّارات. (2)
4359 - حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: يحلف أن لا يتقي الله، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين، فلا يمنعه يمينُه.
* * *
__________
(1) الأثر: 4357- في المطبوعة: "حدثت عن عمار بن الحسن، قال سمعت أبا معاذ" وهو خطأ صرف والصواب من المخطوطة، وهو مع ذلك إسناد دائر في التفسير أقربه رقم: 4324. و"الحسين" هو"الحسين بن الفرج".
(2) انظر كلام أبي جعفر في هذا الأثر فيما بعد ص: 426.

(4/421)


وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير.
* ذكر من مال ذلك:
4360 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، يقول: لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفِّر عن يمينك واصنع الخير.
4361 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا".
4362 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف أن لا يبرّ قرابته، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين. يقول: فليفعل، وليكفِّر عن يمينه.
4363 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن إبراهيم النخعي في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، قال: لا تحلف أن لا تتقي الله، ولا تحلف أن لا تبرَّ ولا تعمل خيرًا، ولا تحلف أن لا تصل، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس، ولا تحلف أن تقتل وتقطَع.
4364 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن داود، عن سعيد بن جبير = ومغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا تجعلوا الله

(4/422)


عرضة" الآية، قالا هو الرجل يحلف أن لا يبر، ولا يتقي، ولا يصلح بين الناس. وأمِر أن يتقي الله، ويصلحَ بين الناس، ويكفّر عن يمينه.
4365 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل = عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، فأمروا بالصلة والمعروف والإصلاح بين الناس. فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعله، وليدع يمينه. (1)
4366 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الآية، قال: ذلك في الرجل يحلف أن لا يبر، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس. فأمره الله أن يدع يمينه، ويصل رحمه، ويأمر بالمعروف، ويصلح بين الناس.
4367 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب قال، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، قالت: لا تحلفوا بالله وإن بررتم.
4368 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج قال: حُدثت أن قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، الآية، نزلت في أبي بكر، في شأن مِسْطَح.
4369 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الآية، قال: يحلف الرجل أن لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يصل رحمه.
__________
(1) الأثر: 4365- هو في المخطوطة إسناد واحد جاء هكذا: "حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح. . . " والذي في المطبوعة هو الصحيح، وهما إسنادان دائران في التفسير. الأول منهما أقربه رقم: 4132 والثاني منهما أقربه رقم: 3872

(4/423)


4370 - حدثني المثنى، حدثنا سويد، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: يحلف أن لا يتقي الله، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين. فلا يمنعه يمينه. (1)
4371 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبى سلمة، عن سعيد، عن مكحول أنه قال في قول الله تعالى ذكره:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: هو أن يحلف الرجل أن لا يصنع خيرًا، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس. نهاهم الله عن ذلك.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية، تأويلُ من قال: معنى ذلك:"لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبينَ الله وبين الناس".
* * *
وذلك أن"العُرْضة"، في كلام العرب، القوة والشدة. يقال منه:"هذا الأمر عُرْضة لك" (2) يعني بذلك: قوة لك على أسبابك، ويقال:"فلانة عُرْضة للنكاح"، أي قوة، (3) ومنه قول كعب بن زهير في صفة نوق:
مِنْ كُلِّ نَضَّاحةِ الذِّفْرَى إذَا عَرِقَتْ، ... عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ (4)
يعني بـ "عرضتها": قوتها وشدتها.
* * *
__________
(1) الأثر: 4370- هذا الأثر ليس في المخطوطة في هذا المكان، وهو الصواب. وهو مكرر الذي مضى برقم: 4359- وفي المطبوعة هنا"فلا ينفعه يمينه" وهو خطأ ظاهر. وكأن أولى أن يحذف ولكني أبقيته للدلالة على اختلاف النسخ.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "عرضة له" وأثبت ما هو أولى بالصواب.
(3) أخشى أن يكون الصواب الجيد: "أي قرية".
(4) ديوانه: 9، وسيأتي في التفسير 5: 79/11: 108/27: 62 (بولاق) من قصيدته المشهورة. نضح الرجل بالعرق نضحا، فض به حتى سال سيلانًا. ونضاحة: شديدة النضح. والذفرى: الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن، وهو من الناس والحيوان جميعا: العظم الشاخص خلف الأذن. وسيلان عرقها هناك، ممدوح في الإبل. والطامس: الدارس الذي أمحى أثره. والأعلام: أعلام الطريق، تبنى في جادة الطريق ليستدل بها عليه إذا ضل الضال. وأرض مجهولة: إذا كان لا أعلام فيها ولا جبال، فلا يهتدي فيها السائر. يقول: إذا نزلت هذه المجاهل، عرفت حينئذ قوتها وشدتها وصبرها على العطش والسير في الفلوات.

(4/424)


فمعنى قوله تعالى ذكره:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" إذًا: لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس. ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البر والإصلاح بين الناس، فليحنث في يمينه، وليبرَّ، وليتق الله، وليصلح بين الناس، وليكفّر عن يمينه.
* * *
وترك ذكر"لا" من الكلام، لدلالة الكلام عليها، واكتفاءً بما ذُكر عما تُرِك، كما قال أمرؤ القيس:
فَقُلْتُ يَمِينَ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيكَ وَأَوْصَالِي (1)
بمعنى: فقلت: يمين الله لا أبرح، فحذف"لا"، اكتفاء بدلالة الكلام عليها.
* * *
وأما قوله:" أن تبروا"، فإنه اختلف في تأويل"البر"، الذي عناه الله تعالى ذكره.
فقال بعضهم: هو فعل الخير كله. وقال آخرون: هو البر بذي رحمه، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى. (2)
* * *
وأولى ذلك بالصواب قول من قال:"عني به فعل الخير كله". وذلك أن أفعال الخير كلها من"البر"، ولم يخصص الله في قوله:" أن تبرُّوا" معنى دون معنى من معاني"البر"، فهو على عمومه، والبر بذوي القرابة أحد معاني"البر".
* * *
وأما قوله:" وتتقوا"، فإن معناه: أن تتقوا ربكم فتحذروه وتحذروا عقابه في
__________
(1) ديوانه: 141 وسيأتي في التفسير 13: 28 (بولاق) وهو من قصيدته التي لا تبارى وهي مشهورة وما قبل البيت وما بعده مشهور.
(2) انظر ما سلف في معاني"البر" 2: 8/ ثم 3: 336- 338، 556.

(4/425)


فرائضه وحدوده أن تضيعوها أو تتعدَّوْها. وقد ذكرنا تأويل من تأوَّل ذلك أنه بمعنى"التقوى" قبل. (1)
* * *
وقال آخرون في تأويله بما:-
4372 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله:" أن تبروا وتتقوا" قال: كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" الآية. قال: ويقال: لا يتق بعضكم بعضًا بي، تحلفون بي وأنتم كاذبون، ليصدقكم الناس وتصلحون بينهم، فذلك قوله:" أن تبروا وتتقوا"، الآية. (2)
* * *
وأما قوله:" وتصلحوا بين الناس"، فهو الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مَأثَم فيه، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه.
* * *
وأما الذي ذكرنا عن السدي: من أنّ هذه الآية نزلت قبل نزول كفارات الأيمان، (3) فقولٌ لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة. والخبر عما كان، لا تدرك صحته إلا بخبر صادق، وإلا كان دعوى لا يتعذر مِثلها وخلافها على أحد. (4)
وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الأيمان في"سوره المائدة"، واكتفى بذكرها هناك عن إعادتها ههنا، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجبَ من الكفارات في الأيمان التي يحنث فيها الحالف.
* * *
__________
(1) انظر الآثار رقم: 4361، 4363، 4364.
(2) الأثر: 4372- هو الأثر السالف رقم: 4361 وتتمته.
(3) يعني الأثر السالف رقم: 4358.
(4) في المخطوطة"لا يبعد مثلها. . . " غير منقوطة كأنها"لا سعد"، والذي في المطبوعة أجود.

(4/426)


وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك:"والله سميع" لما يقوله الحالفُ منكم بالله إذا حلف فقال:"والله لا أبر ولا أتقي ولا أصلح بين الناس"، ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم ="عليم" بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك، ألخير تريدون أم غيره؟ لأني علام الغيوب وما تضمره الصدور، لا تخفى عليّ خافية، ولا ينكتم عني أمر عَلَن فطهر، أو خَفي فبَطَن.
وهذا من الله تعالى ذكره تهدُّد ووعيدٌ. يقول تعالى ذكره: واتقون أيها الناس أن تظهروا بألسنتكم من القول، أو بأبدانكم من الفعل، ما نهيتكم عنه - أو تضمروا في أنفسكم وتعزموا بقلوبكم من الإرادات والنيات بفعل ما زجرتكم عنه، فتستحقوا بذلك مني العقوبة التي قد عرَّفتكموها، فإنّي مطَّلع على جميع ما تعلنونه أو تُسرُّونه.
* * *

(4/427)


لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)

القول في تأويل قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، وفي معنى"اللغو".
فقال بعضهم في معناه: لا يؤاخذكم الله بما سبقتكم به ألسنتكم من الأيمان على عجلة وسرعة، فيوجب عليكم به كفارة إذا لم تقصدوا الحلف واليمين. وذلك كقول القائل:"فعلت هذا والله، أو: أفعله والله، أو: لا أفعله والله"، على سبوق المتكلم بذلك لسانُه، بما وصل به كلامه من اليمين. (1)
__________
(1) قوله: "سبوق مصدر"سبق" لم يرد في كتب اللغة، ولكن أبا جعفر قد كرر استعماله. وانظر ما سلف في هذا الجزء 4: 287 والتعليق: 4، وما سيأتي: 456، تعليق: 4

(4/427)


* ذكر من قال ذلك:
4373 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هي"بلى والله"، و"لا والله".
4374 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن القاسم، عن عائشة في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قالت:"لا والله"، و"بلى والله".
4375 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة نحوه.
4376 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألت عائشة عن لغو اليمين، قالت: هو"لا والله" و"بلى والله"، ما يتراجع به الناس. (1)
4377 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قول الله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قالت:"لا والله" و"بلى والله".
4378 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قالت:"لا والله" و"بلى والله"، يصل بها كلامه.
4379 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن عبد الملك، عن عطاء قال: دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين،
__________
(1) راجعه الكلام مراجعة، وتراجعا القول: هو معاودة الكلام وجوابه أو التلازم في الأمور، كقوله تعالى: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} أي يتلاومون.

(4/428)


قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"؟ قالت: هو"لا والله"، و"بلى والله"، ليس مما عقَّدتم الأيمان.
4380 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا ابن أبي ليلى، عن عطاء قال: أتيت عائشة مع عبيد بن عمير، فسألها عبيد عن قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، فقالت عائشة: هو قول الرجل:"لا والله" و"بلى والله"، ما لم يعقد عليه قلبه.
4381 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن جريج، عن عطاء قال: انطلقت مع عبيد بن عمير إلى عائشة وهي مجاورة في ثَبِير، فسألها عبيد عن لغو اليمين، قالت:"لا والله" و"بلى والله".
4382 - حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال، حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني قال، حدثنا إبراهيم الصائغ، عن عطاء في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو قول الرجل في بيته:"كلا والله" و"بلى والله". (1)
4383 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا
__________
(1) الأثر: 4382- محمد بن موسى بن نفيع الحرشي البصري روى عنه الترمذي والنسائي وقال النسائي"صالح" وذكره ابن حبان في الثقات، ووهاه أبو داود وضعفه. مات سنة 248. وكان في المطبوعة: "الحرسي" وهو تصحيف. وحسان بن إبراهيم الكرماني العنزي قاضي كرمان. روى عن سعيد بن مسروق وسفيان بن سعيد الثوري، وعنه حميد بن مسعدة وغيره. قال أحمد: "حديثه حديث أهل الصدق". وقال النسائي"ليس بالقوي" مات سنة 186. و"إبراهيم الصائغ" هو: إبراهيم بن ميمون الصائغ، روى عن عطاء وغيره. قال أبو حاتم: "لا بأس به، يكتب حديثه". قتله أبو مسلم الخراساني سنة 131 يعرندس، قال أبو داود: كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء سيبها.
هذا وقد روى هذا الحديث أبو داود في سننه 3: 304 رقم: 3254 عن حميد بن مسعدة، عن حسان بن إبراهيم. . " ثم قال: "روى هذا الحديث داود بن أبي الفرات عن إبراهيم الصائغ موقوفا على عائشة وكذلك رواه الزهري وعبد الملك بن أبي سليمان ومالك بن مغول وكلهم عن عطاء عن عائشة موقوفا". ورواه مالك في الموطأ: 2: 477 عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة موقوفًا، كما سيأتي في روايات الطبري. ورواه البخاري موقوفًا أيضًا (11: 476 فتح الباري) واستقصى الحافظ القول فيه. وانظر سنن البيهقي 10: 48 وما بعدها.

(4/429)


معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قالت: هم القوم يتدارءون في الأمر، فيقول هذا:"لا والله، وبلى والله، وكلا والله"، يتدارءون في الأمر، لا تعقد عليه قلوبهم. (1)
4384 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة عن الشعبي في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: قول الرجل:"لا والله، وبلى والله"، يصل به كلامه، ليس فيه كفارة.
4385 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا المغيرة، عن الشعبي قال: هو الرجل يقول:"لا والله، وبلى والله"، يصلُ حديثه.
4386 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا ابن عون قال، سألت عامرًا عن قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو"لا والله، وبلى والله".
4387 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = جميعًا، عن ابن عون، عن الشعبي مثله.
4388 - حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال، حدثنا أيوب قال، قال أبو قلابة في:"لا والله، وبلى والله"، أرجو أن يكون لغة = وقال يعقوب في حديثه: أرجو أن يكون لغوًا = وقال ابن وكيع في حديثه: أرجو أن يكون لغة، ولم يشك. (2)
4389 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع وهناد قالوا، حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: لا والله، وبلى والله.
__________
(1) تدارأ القوم في الأمر: اختلفوا فيه، فتخاصموا وتدافعوا وتراجعوا القول بينهم.
(2) يعني بقوله هنا: "لغة" أي لغة من لغات العرب، وأسلوبا من أساليبهم في القول كقولهم: "قالك الله""ويحك" لا يريدون الدعاء عليه، فهذا أيضًا لا يريد اليمين، إنما يريد التوثيق في كلامه.

(4/430)


4390 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن مالك، عن عطاء، قال: سمعت عائشة تقول في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قالت:"لا والله، وبلى والله".
4391 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن عطاء مثله.
4392 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن عكرمة في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو قول الناس:"لا والله، وبلى والله".
4393 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الشعبي وعكرمة قالا"لا والله وبلى والله".
4394 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء قال: دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة فسألها، فقالت:"لا والله، وبلى والله".
4395 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن ابن أبي ليلى، وأشعث، عن عطاء، عن عائشة:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" قالت:"لا والله، وبلى والله".
4396 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي وجرير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:"لا والله، وبلى والله".
4397 - حدثنا ابن وكيع وهناد قالا حدثنا يعلى، عن عبد الملك، عن عطاء قال: قالت عائشة في قول الله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قالت: هو قولك:"لا والله، وبلى والله"، ليس لها عَقد الأيمان.
4398 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن الشعبي قال: اللغو قول الرجل:"لا والله، وبلى والله"، يصل به كلامه، ما لم يشك شيئًا يعقِد عليه قلبه.
4399 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو، أن

(4/431)


سعيد بن أبي هلال حدثه: أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول: سمعت عائشة تقول: لغو اليمين قول الرجل:"لا والله، وبلى والله"، فيما لم يعقد عليه قلبه.
4400 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال عمرو = وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي، عن عطاء، عن عائشة بذلك.
4401 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: الرجلان يتبايعان، فيقول أحدهما:"والله لا أبيعك بكذا وكذا"، ويقول الآخر:"والله لا أشتريه بكذا وكذا"، فهذا اللغو، لا يؤاخذ به.
* * *
وقال آخرون: بل اللغو في اليمين، اليمينُ التي يحلفُ بها الحالف وهو يرى أنه كما يحلف عليه، ثم يتبين غير ذلك، وأنه بخلاف الذي حلف عليه.
* ذكر من قال ذلك:
4402 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرني ابن نافع، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، عن أبي هريرة أنه كان يقول: لغو اليمين، حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه، فإذا هو غير ذلك.
4403 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، واللغو: أن يحلف الرجل على الشيء يراه حقًا، وليس بحق.
4404 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، هذا في الرجل يحلف على أمرِ إضرارٍ أن يفعله فلا يفعله، (1) فيرى الذي هو خير منه، فأمره الله أن يكفّر عن يمينه ويأتي الذي هو خير. ومن اللغو أيضًا أن يحلف الرجل على أمر لا يألو فيه الصدق، وقد أخطأ في يمينه، (2) فهذا الذي عليه الكفارة ولا إثم عليه
__________
(1) في المخطوطة"إصرارًا" وفي الدر المنثور 1: 269"أو لا يفعله" وسيأتي برقم: 4463 مختصرًا.
(2) في الدر المنثور: "وقد أخطأ في ظنه"، وهي أشبه بالصواب والمخطوطة والمطبوعة مجتمعان على"في يمينه" وانظر تعليق الطبري فيما سيأتي على هذا الأثرن وقوله في تفسيره وبيانه: ص: 445 وما بعدها.

(4/432)


4405 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا أبو داود قال، حدثنا هشام، عن قتادة، عن سليمان بن يسار في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: خطأ غير عَمد.
4406 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن في هذه الآية،" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو أن تحلف على الشيء، وأنت يُخيَّل إليك أنه كما حلفت، وليس كذلك. فلا يؤاخذه الله ولا كفارة، ولكن المؤاخذة والكفارة فيما حلف عليه على علم.
4407 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا وكيع، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن قال: هو الرجل يحلف على اليمين، لا يرى إلا أنه كما حلف.
4408 - حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الحسن:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف على اليمين يرى أنها كذلك، وليست كذلك.
4409 - حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف على الشي، وهو يرى أنه كذلك، فلا يكون كما قال، فلا كفارة عليه.
4410 - حدثنا هناد وأبو كريب وابن وكيع قالوا، حدثنا وكيع، عن سفيان = وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري =، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف على الشيء لا يرى إلا أنها كما حلف عليه، وليست كذلك.

(4/433)


4411 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح في قول الله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: من حلف بالله ولا يعلم إلا أنه صادق فيما حلف.
4412 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، حلِف الرجل على الشيء وهو لا يعلم إلا أنه على ما حلف عليه، فلا يكون كما حلف، كقوله:"إن هذا البيت لفلان"، وليس له = و"إن هذا الثوب لفلان"، وليس له.
4413 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه فيه صادق.
4414 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه، فلا يكون كذلك. قال: فلا يؤاخذكم بذلك. قال: وكان يحبّ أن يُكفّر.
4415 - حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا الجعفي، عن زائدة، عن منصور قال: قال إبراهيم:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: أن يحلف على الشيء وهو يرى أنه صادق وهو كاذب، فذلك اللغو، لا يؤاخذ به. (1)
4416 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور،
__________
(1) الأثر: 4415-"الجعفي" هو حسين بن علي بن الوليد الجعفي. قال أحمد: "ما رأيت أفضل من حسين وسعيد بن عامر". قال العجلي: "ثقة، وكان صالحًا لم أر رجلا قط أفضل منه، وكان صحيح الكتاب. يقال إنه لم يطأ أنثى قط، وكان جميلا. وكان زائدة يختلف إليه إلى منزله يحدثه، فكان أروى الناس عنه. وكان الثوري إذا رآه عانقه وقال: هذا راهب جعفي". مات سنة 203 (التهذيب) .

(4/434)


عن إبراهيم نحوه = إلا أنه قال: إن حلفت على الشيء، وأنت ترى أنك صادق، وليس كذلك.
4417 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك أنه قال: اللغو، الرجل يحلف على الأيمان، وهو يرى أنه كما حلف. (1)
4418 - حدثني إسحاق بن [إبراهيم بن] حبيب بن الشهيد قال، (2) حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن زياد قال: هو الذي يحلف على اليمين يرى أنه فيها صادق.
4419 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال، حدثنا بكير بن أبي السميط، عن قتادة في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو الخطأ غير العمد، الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك.
4420 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن منصور، ويونس، عن الحسن قال: اللغو، الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك، فليس عليه فيه كفارة.
4421 - حدثنا هناد وابن وكيع = قال هناد: حدثنا وكيع، وقال ابن وكيع: حدثني أبي = عن عمران بن حدير قال: سمعت زرارة بن أوفى قال: هو الرجل يحلف على اليمين لا يرى إلا أنها كما حلف.
4422 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا عمر بن بشير قال: سئل عامر عن هذه الآية:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"،
__________
(1) في المطبوعة: "أبو إدريس"، والصواب من المخطوطة، وهو: عبد الله بن إدريس الأودي سلفت ترجمته فراجعه في الفهرست.
(2) الزيادة بين القوسين للبيان، واتفقت المخطوطة والمطبوعة على إسقاط"إبراهيم بن" ولكنه مضى دائما بتمامه، وأقربه رقم: 4373. فلذلك أتممته.

(4/435)


قال: اللغو أن يحلف الرجل لا يألو عن الحق، فيكون غير ذلك. فذلك اللغو الذي لا يؤاخذ به. (1)
4423 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، فاللغو اليمين الخطأ غير العمد، أن تحلف على الشيء وأنت ترى أنه كما حلفت عليه، ثم لا يكون كذلك. فهذا لا كفارة عليه ولا مأثم فيه.
4424 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، أما اللغو: فالرجل يحلف على اليمين وهو يرى أنها كذلك، فلا تكون كذلك. فليس عليه كفارة.
4425 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: اللغو اليمين الخطأ في غير عمد: أن يحلف على الشيء وهو يرى أنه كما حلف عليه. وهذا ما ليس عليه فيه كفارة.
4426 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن أبي مالك قال: أما اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها، فالرجل يحلف على اليمين وهو يرى أنه فيها صادق، فذلك اللغو.
4427 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك مثله = إلا أنه قال: الرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه، فلا يكون كذلك. فليس عليه فيه كفارة، وهو اللغو.
4428 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني معاوية بن صالح،
__________
(1) الأثر: 4422- عمر بن بشير الهمداني أبو هانئ روى عن الشعبي. روى عنه وكيع وأبو نعيم قال أحمد: "صالح الحديث" وقال ابن معين: "ضعيف" وقال أبو حاتم: "ليس بقوي يكتب حديثه". مترجم في الجرح والتعديل. و"عامر" هو عامر الشعبي مضى مرارًا.

(4/436)


عن يحيى بن سعيد، وعن ابن أبي طلحة - كذا قال ابن أبي جعفر - (1) قالا من قال:"والله لقد فعلت كذا وكذا" وهو يظن أن قد فعله، ثم تبيَّن له أنه لم يفعله، فهذا لغو اليمين، وليس عليه فيه كفارة.
4429 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن رجل، عن الحسن في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو الخطأ غيرُ العمد، كقول الرجل:"والله إن هذا لكذا وكذا"، وهو يرى أنه صادق، ولا يكون كذلك = قال معمر: وقاله قتادة أيضًا.
4430 - حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمرو قال: سئل سعيد عن اللغو في اليمين، قال سعيد، وقال مكحول: الخطأ غيرُ العمد، ولكن الكفارة فيما عقدت قلوبكم.
4431 - حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمرو، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول أنه قال: اللغو الذي لا يؤاخذ الله به، أن يحلف الرجل على الشيء الذي يظن أنه فيه صادق، فإذا هو فيه غير ذلك، فليس عليه فيه كفارة، وقد عفا الله عنه.
4432 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: إذا حلف على اليمين وهو يرى أنه فيه صادق، وهو كاذب، (2) فلا يؤاخذ به، وإذا حلف على اليمين وهو يعلم أنه كاذب، فذاك، الذي يؤاخذ به.
* * *
وقال آخرون: بل اللغو من الأيمان التي يحلف بها صاحبها في حال الغضب،
__________
(1) هكذا جاء هذا الإسناد في المخطوطة والمطبوعة، ولم أستطع أن أتبين صوابه، فأبقيته كما هو حتى يتبين مما يأتي كيف كان صوابه. وأخشى أن يكون قد سقط بين الكلامين إسناد آخر.
(2) في المخطوطة: "أنه صادق" بحذف"فيه".

(4/437)


على غير عقد قلب ولا عزم، ولكن وُصْلةً للكلام.
* ذكر من قال ذلك:
4433 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن خالد، عن عطاء، عن وَسيم، [عن طاوس] ، عن ابن عباس قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. (1)
4434 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا أبو حمزة، عن عطاء، عن طاوس قال: كل يمين حلف عليها رجل وهو غضبان، فلا كفَّارة عليه فيها، قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" (2)
* * *
__________
(1) الأثر: 4433- مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، روى عنه البخاري وهو متقن ثقة، مات سنة 219، مترجم في التهذيب. و"خالد" هو: خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الواسطي. قال البخاري في الكبير 2/1/147: "قال علي: سماع خالد عن عطاء بن السائب أخيرًا، وسماع حماد بن زيد من عطاء صحيح". مات سنة 182 ومترجم في التهذيب. و"عطاء" هو عطاء ابن السائب. و"وسيم" مترجم في الجرح والتعديل 4/2/46، والكبير للبخاري 4/2/181 وقال: "وسيم" عن طاوس عن ابن عباس، في يمين اللغو. قاله خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب". وفي المطبوعة: "رستم" وهو خطأ. وفي المطبوعة والمخطوطة إسقاط"عن طاوس" والصواب ما أثبته بين القوسين. كما نص عليه البخاري، وكما رواه البيهقي.
وهذا الخبر أشار إليه البخاري في الكبير كما نقلنا عنه. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 10: 49، من طريق سعيد بن منصور"عن خالد عن عطاء بن السائب، عن وسيم عن طاوس، عن ابن عباس". فالظاهر من هذا كله -ومما سيأتي- أنه سقط من نسخ الطبري هنا"عن طاوس" بين"وسيم" و"ابن عباس".
وذكره ابن كثير 1: 527، من تفسير ابن أبي حاتم بإسناده من طريق مسدد"حدثنا خالد حدثنا عطاء عن طاوس عن ابن عباس". فالظاهر أنه وقع سقط في مطبوعة ابن كثير، بحذف"عن وسيم" بين عطاء وطاوس.
وذكره أيضًا السيوطي 1: 269 ونسبه لسعيد بن منصور، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي"من طريق طاوس عن ابن عباس".
وهذا الخبر شاهد جيد للحديث المرفوع من حديث ابن عباس الآتي: 4435.
(2) الأثر: 4434-"أبو حمزة" هو: محمد بن ميمون المرزوي، أبو حمزة السكري مات سنة: 166.
وهذا الخبر من كلام طاوس يؤيد روايته السابقة عن ابن عباس. وهو شاهد آخر للحديث المرفوع التالي له.

(4/438)


وعلة من قال هذه المقالة، ما:-
4435 - حدثني به أحمد بن منصور المروزي قال، حدثنا عمر بن يونس اليمامي قال، حدثنا سليمان بن أبي سليمان الزهري، عن يحيى بن أبي كثير، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمين في غضب". (1)
* * *
وقال آخرون: بل اللغو في اليمين: الحلفُ على فعل ما نهى الله عنه، وترك ما أمر الله بفعله.
* ذكر من قال ذلك:
4436 - حدثنا هناد قال، حدثنا حفص بن غياث، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير قال: هو الذي يحلف على المعصية، فلا يفي ويكفِّر يمينه، قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم".
__________
(1) الحديث: 4435- هذا إسناد صحيح. أحمد بن منصور بن راشد، أبو صالح الحنظلي المرزوي شيخ الطبري: ثقة.
عمر بن يونس بن القاسم اليمامي: ثقة ثبت، وثقه أحمد وابن معين.
سليمان بن أبي سليمان الزهري اليمامي: ثقة ترجمه البخاري في الكبير 2/2/20، وذكر أنه روى عن يحيى بن أبي كثير وأنه سمع منه عمر بن يونس. ثم لم يذكر فيه حرجًا. وترجمه ابن أبي حاتم 2/1/122 بنحو ترجمة البخاري، ثم روى عن أبيه أبي حاتم أنه قال: "هو شيخ ضعيف". وذكره ابن حبان في الثقاتوقال: "ربما خالف". كما نقل عنه الحافظ في لسان الميزان 3: 95. وقد خلط بعضهم بينه وبين راو آخر ضعيف جدًا، هو"سليمان بن داود اليمامي" لأنه يكثر الرواية عن يحيى بن أبي كثير. ولكن هذا غير ذاك كما فرق بينهما البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان وحقق ذلك الحافظ في لسان الميزان. ولكن كلام الحافظ يوهم أن البخاري ضعف الراوي هنا، لأنه زعم أن أبا حاتم تبع البخاري في ذلك. والبخاري لم يذكر جرحًا في الكبير ولا ترجمه في الصغير ولا ذكره في الضعفاء. فالحق أنه ثقة.
وهذا الحديث لم أجده في مكان آخر، إلا أنه ذكره الحافظ في الفتح 11: 490 ونسبه للطبراني في الأوسط، ثم قال: "وسنده ضعيف". ولم أجده في مجمع الزوائد. وإنما ضعفه الحافظ فيما أرى والله أعلم- بأنه ذهب إلى تضعيف سليمان بن أبي سليمان. وأنا أخالفه في ذلك، كما بينت من قبل.

(4/439)


4437 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا داود، عن سعيد بن جبير قال: لغو اليمين: أنْ يحلِف الرجل على المعصية لله، لا يؤاخذه الله بإلغائها. (1)
4438 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن سعيد بن جبير بنحوه = وزاد فيه، قال: وعليه كفارة. (2)
4439 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى ويزيد بن هارون، عن داود، عن سعيد بنحوه.
4440 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن سعيد بن جبير:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف على المعصية، فلا يؤاخذه الله أن يكفِّر عن يمينه، ويأتي الذي هو خير.
4441 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شعبة = عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: الرجل يحلف على المعصية، فلا يؤاخذه الله بتركها.
4442 - حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال، حدثنا إسحاق، عن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند قال، حدثنا خالد بن إلياس، عن أم أبيه: أنها حلفت أن لا تكلم ابنة ابنها - ابنة أبي الجهم - فأتت سعيد بن المسيب وأبا بكر وعروة بن الزبير فقالوا: لا يمين في معصية، ولا كفارة عليها. (3)
4443 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "بإيفائها" والصواب ما أثبت. وانظر ص: 441 تعليق: 1
(2) في المطبوعة: "وعليه كفارة" وأثبت ما في المخطوطة.
(3) الأثر: 4442- الحسن بن الصباح البزار الواسطي روى عنه البخاري وأبو داود والترمذي كان ثقة صاحب سنة، مات سنة 249. وخالد بن إلياس بن صخر أبو الهيثم العدوي قال أحمد: متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء ولا يكتب حديثه.

(4/440)


الرجل يحلف على المعصية، فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها. قلت: فكيف يصنع؟ قال: يكفر عن يمينه ويترك المعصية.
4444 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف على الحرام، فلا يؤاخذه الله بتركه.
4445 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا داود، عن سعيد بن جبير قال في لغو اليمين قال: هي اليمين في المعصية، قال: أو لا تقرأ فتفهم؟ قال الله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ) [سورة المائدة: 89] ، قال: فلا يؤاخذه بالإلغاء، ولكن يؤاخذه بالتمام عليها. (1) قال: وقال:" لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" إلى قوله:" فإنّ الله غفور حليم". (2)
4446 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: الرجل يحلف على المعصية، فلا يؤاخذه الله بتركها، ويكفِّر.
4447 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن عاصم، عن الشعبي، عن مسروق، في الرجل يحلف على المعصية، فقال: أيكفِّر خُطوات الشيطان؟ ليس عليه كفارة.
4448 - حدثني ابن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس مثل ذلك.
__________
(1) في المطبوعة: "بالإيفاء" وفي المخطوطة: "بالإيفاد" والصواب"بالإلغاء" ألغى الشيء: أبطله وأسقطه. وتم على الأمر تمامًا: استمر عليه وأنفذه.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "والله غفور حليم" سها الكاتب، وهذا صواب القراءة.

(4/441)


4449 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، في الرجل يحلف على المعصية، قال: كفارتها أن يتوب منها.
4450 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن الشعبي أنه كان يقول: يترك المعصية ولا يكفر، ولو أمرتُه بالكفارة لأمرته أن يَتِمّ على قوله.
4451 - حدثنا يحيى بن داود الواسطي قال، حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن عامر، عن مسروق قال: كل يمين لا يحلّ لك أن تفي بها، فليس فيها كفارة.
* * *
وعلة من قال هذا القول من الأثر، ما:-
4452 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير قال، حدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر فيما لا يملك فلا نذر له، ومن حلف على معصية لله فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رَحِمٍ فلا يمينَ له". (1)
4453 - حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا علي بن مسهر، عن حارثة بن محمد، عن عمرة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمينِ قطيعةِ رحم أو معصية لله، فبِرُّه أن يحنَث بها ويرجع عن يمينه. (2)
* * *
__________
(1) الحديث: 4452- رواه الحاكم في المستدرك 4: 300 من طريق الحسن بن علي بن عفان العامري. والبيهقي في السنن الكبرى 10: 23 من طريق أحمد بن عبد الحميد الحارثي- كلاهما عن أبي أسامة، بهذا الإسناد. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وتعقبه الذهبي فقال: "عبد الرحمن: متروك" وقال أبو حاتم: "شيخ" و"عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة": ثقة كما مضى في: 3827.
ومعنى الحديث ثابت من أوجه كثيرة، مجموعًا ومفرقًا في المسند: 6732، 6780، 6781، 6932، 6990.
(2) الحديث: 4453- هذا حديث ضعيف جدًا.
علي بن مسهر القرشي الكوفي الحافظ: ثقة ثبت، ممن جمع الحديث والفقه أخرج له. الأئمة الستة.
حارثة بن محمد: هو حارثة بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن يروي عن جدته أم أبيه عمرة بنت عبد الرحمن وهو ضعيف جدًا. قال البخاري في الكبير 2/1/87، والصغير: 174، والضعفاء: 11-"منكر الحديث" وقال أحمد: "ضعيف ليس بشيء". وقال البخاري في الصغير: "لم يعتد أحمد بحارثة بن أبي الرجال".
والحديث لم أجده في شيء من المراجع.

(4/442)


وقال آخرون: اللغو من الأيمان: كل يمين وصَل الرجل بها كلامه، على غير قصدٍ منه إيجابَها على نفسه.
* ذكر من قال ذلك:
4454 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا هشام قال، حدثنا حماد، عن إبراهيم قال: لغو اليمين، أن يصل الرجل كلامه بالحلف:"والله ليأكلن، والله ليشربن" ونحو هذا، لا يتعمد به اليمين، ولا يريد به حلفًا. ليس عليه كفارة.
4455 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم: لغو اليمين، ما يصل به كلامه:"والله لتأكلن، والله لتشربن".
4456 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد:" لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم"، قال: هما الرجلان يتساومان بالشيء، فيقول أحدهما:"والله لا أشتريه منك بكذا"، ويقول الآخر:"والله لا أبيعك بكذا وكذا".
4457 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب: أن عروة حدثه: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أيمان اللغو، ما كان في الهزل والمراء والخصومة، والحديث الذي لا يعتمد عليه القلب. (1)
* * *
__________
(1) أخشى أن يكون الصواب: "لا يعقد عليه. . . ".

(4/443)


وعلة من قال هذا القول من الأثر، ما:-
4458 - حدثنا به محمد بن موسى الحرشي قال، حدثنا عبيد الله بن ميمون المرادي قال، حدثنا عوف الأعرابي، عن الحسن بن أبي الحسن قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون - يعني: يرمون - ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم فقال: أصبت والله، وأخطأت! فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله! قال: كلا أيمان الرُّماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة. (1)
* * *
وقال آخرون: اللغو من الأيمان، ما كان من يمينٍ بمعنى الدعاء من الحالف على نفسه: إن لم يفعل كذا وكذا، أو بمعنى الشرك والكفر.
* ذكر من قال ذلك:
4459 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا إسماعيل بن مرزوق، عن يحيى بن أيوب، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم في قول الله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: هو كقول الرجل:"أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا - أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدًا"، فهو هذا، ولا يترك الله له مالا ولا ولدًا. يقول: لو يؤاخذكم الله بهذا لم يترك لكم شيئًا.
__________
(1) الحديث: 4458- محمد بن موسى بن نفيع الحرشي شيخ الطبري: ثقة ذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي: "صالح".
عبيد الله بن ميمون المرادي: لا أعرف من هو؟ ولم أجد له ترجمة. وفي ابن كثير - عن هذا الموضع: "عبد الله" بدل"عبيد الله" فلا أدري أيهما الصحيح. والحسن بن أبي الحسن: هو الحسن البصري.
وهذا الحديث نقله ابن كثير 1: 527 عن هذا الموضع. وقال: "هذا مرسل حسن، عن الحسن" ولعله أعجبه الجناس والسجع أما المرسل فإنه ضعيف، لجهالة الواسطة بعد التابعي كما هو معروف.
ونقله السيوطي أيضًا 1: 269 ولم ينسبه لغير الطبري.

(4/444)


4460 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا إسماعيل قال، حدثني يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحارث، عن زيد بن أسلم بمثله.
4461 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا إسماعيل بن مرزوق قال، حدثني يحيى بن أيوب، أن زيد بن أسلم كان يقول في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، مثل قول الرجل:"هو كافر، وهو مشرك". قال: لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قلبه.
4462 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: اللغو في هذا: الحلف بالله ما كان بالألسن، فجعله لغوًا، وهو أن يقول:"هو كافر بالله، وهو إذًا يشرك بالله، وهو يدعو مع الله إلهًا"، فهذا اللغو الذي قال الله في"سورة البقرة".
* * *
وقال آخرون: اللغو في الأيمان: ما كانت فيه كفارة.
* ذكر من قال ذلك:
4463 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، فهذا في الرجل يحلف على أمر إضرار أن يفعله فلا يفعله، فيرى الذي هو خير منه، فأمره الله أن يكفر يمينه، ويأتي الذي هو خير. (1)
4464 - حدثني يحيى بن جعفر قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: اليمين المكفرة.
* * *
وقال آخرون: اللغو من الأيمان: هو ما حنث فيه الحالف ناسيًا.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) الأثر: 4463- هو مختصر الأثر السالف رقم: 4404 وانظر التعليق هناك.

(4/445)


4465 - حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا هشيم قال، أخبرني مغيرة، عن إبراهيم قال: هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينساه، يعني في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم".
* * *
قال أبو جعفر: و"اللغو" من الكلام في كلام العرب، كلّ كلام كان مذمومًا وسَقَطًا لا معنى له مهجورًا، (1) يقال منه:"لغا فلان في كلامه يلغُو لَغْوًا" إذا قال قبيحًا من الكلام، ومنه قول الله تعالى ذكره: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) [سورة القصص: 55] ، وقوله: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [سورة الفرقان: 72] . ومسموع من العرب:"لَغَيْتُ باسم فلان"، بمعنى أولعت بذكره بالقبيح. فمن قال:"لَغَيْت"، قال:"ألْغَى لَغًا"، وهي لغة لبعض العرب، ومنه قول الراجز: (2)
وَرَبِّ أَسْرَابِ حَجيجٍ كُظَّم ... عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ (3)
فإذا كان"اللغو" ما وصفت، وكان الحالفُ بالله:"ما فعلت كذا" وقد فعل،"ولقد فعلتُ كذا" وما فعل - واصلا بذلك كلامه على سبيل سُبوق لسانه من غير تعمد إثم في يمينه، (4) ولكن لعادة قد جرت له عند عجلة الكلام = والقائلُ:"والله إنّ هذا لَفُلان" وهو يراه كما قال، أو:"والله ما هذا فلان! " وهو يراه ليس به = والقائلُ:"ليفعلنّ كذا والله - أو: لا يفعل كذا والله" على سبيل ما وصفنا من عجلة الكلام وسبوق اللسان للعادة، (5) على غير تعمد
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "وفعلا" وهي كلمة محرفة بلا شك، والصواب فيما أرجح وسقطا" لم يجد الناسخ قراءتها فحرفها. و"السقط": الخطأ، وما تسقطه فلا تعتد به. وهجر يهجر هجرًا: إذا خلط في كلامه وهذي وأفحش. والكلام مهجور.
(2) هو رؤية بن العجاج.
(3) مضى تخريج هذا الرجز في 3: 488- 489.
(4) انظر التعليق على قوله"سبوق" فيما سلف من هذا الجزء: 287، تعليق: 4/ وص: 427
(5) انظر التعليق على قوله"سبوق" فيما سلف من هذا الجزء: 287، تعليق: 4/ وص: 427

(4/446)


حلف على باطل = والقائل:"هو مشرك، أو هو يهودي أو نصراني، إن لم يفعل كذا - أو إن فعل كذا" من غير عزم على كفر أو يهودية أو نصرانية = (1) جميعهم قائلون هُجْرًا من القول وذميمًا من المنطق، (2) وحالفون من الأيمان بألسنتهم ما لم تتعمد فيه الإثمَ قلوبهم = (3) كان معلومًا أنهم لُغاةٌ في أيمانهم، لا تلزمهم كفارة في العاجل، ولا عقوبة في الآجل، لإخبار الله تعالى ذكره أنه غير مؤاخذ عبادَه، بما لغوا من أيمانهم، وأنّ الذي هو مؤاخذهم به، ما تعمدت فيه الإثمَ قلوبُهم.
وإذ كان ذلك كذلك = وكان صحيحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من حلف على يمين فرأى غيرَها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه"، فأوجب الكفارة بإتيان الحالف ما حلف أن لا يأتيه، مع وجوب إتيان الذي هو خير من الذي حلف عليه أن لا يأتيه، وكانت الغرامةُ في المال - أو إلزام الجزاء من المجزيِّ أبْدالَ الجازين = (4) لا شك عقوبةً كبعض العقوبات التي جعلها الله تعالى ذكره نكالا لخلقه فيما تعدَّوا من حدوده، وإن كان
__________
(1) سياق هذه الجمل التي وضعت قبلها الخطوط: فإذا كان اللغو ما وصفت، وكان الحالف. . . والقائل. . . والقائل. . . والقائل. . . جميعهم قائلون. . . "
(2) الهجر من الكلام (بضم الهاء وسكون الجيم) : القول السيء القبيح والتخليط والفحش.
(3) قوله: "كان معلومًا. . . " جواب قوله: "وإذا كان اللغو ما وصفت وكان الحالف بالله. . . " وقوله: "لغاة" جمع"لاغ" مثل"قاض وقضاة".
(4) في المطبوعة: "أبدان الجارين" وفي المخطوطة"أبدان الجازين" زكأن الصواب ما أثبت فإنه يعني بهذا، ما فرضه الله تعالى في قوله في سورة المائدة: 95
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}
وقد فسر الطبري الجزاء هناك (7: 28) فقال: "وعليه كفارة بدل". فقوله هنا: "المجزي" يعني الصيد المقتول الذي يكون جزاؤه مثله من النعم، وقوله"من المجزي" يعني"بدلا منه". والأبدال هنا هي الكفارات. والجازي: المكفر عن قتله الصيد بمثله من النعم.

(4/447)


يجمع جميعها أنها تمحيص وكفارات لمن عوقب بها فيما عوقبوا عليه = (1) كان بينًا أنّ من ألزم الكفارة في عاجل دنياه فيما حلف به من الأيمان فحنِث فيه، وإن كانت كفارة لذنبه، فقد واخذه الله بها بإلزامه إياه الكفارة منها، وإن كان ما عجَّل من عقوبته إياه على ذلك، مُسْقطًا عنه عقوبته في آجله. وإذ كان تعالى ذكره قد واخذه بها، فغيرُ جائز لقائل أن يقول وقد وأخذه بها: هي من اللغو الذي لا يؤاخذ به قائله.
فإذ كان ذلك غيرَ جائز، فبيِّنٌ فساد القول الذي روي عن سعيد بن جبير أنه قال:"اللغو الحلف على المعصية"، لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن على الحالف على معصية الله كفارة بحِنْثه في يمينه. وفي إيجاب سعيدٍ عليه الكفارة، دليلٌ واضح على أن صاحبها بها مؤاخذ، لما وصفنا من أن من لزمه الكفارة في يمينه، فليس ممن لم يؤاخذ بها.
فإذا كان"اللغو" هو ما وصفنا = مما أخبرنا الله تعالى ذكره أنه غير مؤاخذنا به - وكلُّ يمين لزمت صاحبَها بحنثه فيها الكفارةُ في العاجل، أو أوعد الله تعالى ذكره صاحبها العقوبةَ عليها في الآجل، وإن كان وَضَع عنه كفارتها في العاجل - فهي مما كسبته قلوب الحالفين، وتعمدت فيه الإثم نفوس المقسمين. وما عدا ذلك فهو"اللغو"، وقد بينا وجوهه = (2) فتأويل الكلام إذًا: لا تجعلوا الله أيها المؤمنون قوةً لأيمانكم، (3) وحجة لأنفسكم في إقسامكم، في أن لا تبرُّوا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس، فإن الله لا يؤاخذكم بما لَغَتْه ألسنتكم من أيمانكم فنطقت به من قبيح
__________
(1) سياق هذه الجملة: "وإذ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا عن رسول الله. . . وكانت الغرامة في المال. . . كان بينًا أن. . . "
(2) سياق هذه الجملة: فإذ كان اللغو هو ما وصفنا. . . وكل يمين لزمت صاحبها بحنثه. . . فهي مما كسبته قلوب الحالفين. . . فتأويل الكلام إذا. . . "
(3) في المطبوعة: "عرضة لأيمانكم" والصواب ما أثبت من المخطوطة.

(4/448)


الأيمان وذميمها، على غير تعمُّدكم الإثم، وقصدِكم بعزائم صدوركم إلى إيجاب عَقْد الأيمان التي حلفتم بها، ولكنه إنما يؤاخذكم بما تعمدتم فيه عقد اليمين وإيجابها على أنفسكم، وعزمتم على الإتمان على ما حلفتم عليه بقصدٍ منكم وإرادة، (1) فيلزمكم حينئذ إمّا كفارة في العاجل، وإمّا عقوبة في الآجل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أوعد الله تعالى ذكره بقوله:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" عبادَه أنه مؤاخذهم به، (2) بعد إجماع جميعهم على أن معنى قوله:" بما كسبت قلوبكم"، ما تعمدت. (3)
فقال بعضهم: المعنى الذي أوعد الله عبادَه مؤاخذتهم به: هو حلف الحالف منهم على كذب وباطل.
* ذكر من قال ذلك:
4466 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: إذا حلف الرجل على اليمين وهو يرى أنه صادق وهو كاذب، فلا يؤاخذ بها. وإذا حلف وهو يعلم أنه كاذب، فذاك الذي يؤاخذ به.
__________
(1) "الإتمام على ما حلفتم" يعني الاستمرار عليه وإمضاءه. وقد سلف آنفًا في كلامه"التمام عليها" ص 441 و"تم على قوله" في الأثر: 4450 ولكنه استعمل هنا"الإتمام" من"أتم على الأمر" وليست في كتب اللغة ولكنها جائزة في العربية، صحيحة في قياسها.
(2) "عباده" مفعول: "أوعد الله تعالى. . . "
(3) انظر تفسير"الكسب" فيما سلف 2: 273-274/ ثم 3: 100، 101، 128، 129.

(4/449)


4467 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن منصور قال: قال إبراهيم:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، قال: أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب، فذاك الذي يؤاخذ به.
4468 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، أن تحلف وأنت كاذب.
4469 - حدثني المثنى قال، [حدثنا عبد الله بن صالح] حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ) [سورة المائدة: 89] ، وذلك اليمين الصبر الكاذبة، يحلف بها الرجل على ظلم أو قطيعة، فتلك لا كفارة لها إلا أن يترك ذلك الظلم، أو يرد ذلك المال إلى أهله، وهو قوله تعالى ذكره: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا) إلى قوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [سورة آل عمران: 77] . (1)
4470 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، ما عَقَدتْ عليه.
4471 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
4472 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء قال:
__________
(1) الأثر: 4469- الآية التي في صدر هذا الأثر، هي آية المائدة وأخشى أن يكون الصواب ما تن فيه من آية البقرة ولكن المطبوعة والمخطوطة اتفقتا جميعا على ذلك. بيد أني أرجح ما قلت، لأن أبا جعفر روى في تفسير آية المائدة (7: 11 بولاق) عن"المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح. . . " إلى آخر إسناده إلى ابن عباس ثم ذكر آية المائدة ولم يأت فيها بنص هذا الأثر. وقد أسقط في المخطوطة والمطبوعة ما وضعته بين القوسين، وهو إسناد دائر في التفسير، أقربه رقم: 4463.
وقوله: "اليمين الصبر" الأجود أن تكون"يمين الصبر" بحذف التعريف، وإن كانت هذه جائزة حسنة. ويمين الصبر: هي اليمين التي يمسكك الحاكم عليها حتى تحلف وإن حلف إنسان بغير إحلافن لم تكن"يمين صبر".

(4/450)


لا تؤاخذ حتى تُصْعِد للأمر، (1) ثم تحلف عليه بالله الذي لا إله إلا هو، فتعقد عليه يمينك.
* * *
= قال أبو جعفر: والواجب على هذا التأويل أن يكون قوله تعالى ذكره:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، في الآخرة بها بما شاء من العقوبات - وأن تكون الكفارة إنما تلزم الحالف في الأيمان التي هي لغو. وكذلك روي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أنه كان لا يرى الكفارة إلا في الأيمان التي تكون لغوًا، فأما ما كسبته القلوب وعقدت فيه على الإثم، فلم يكن يوجبُ فيه الكفارة. وقد ذكرنا الرواية عنهم بذلك فيما مضى قبل. (2)
وإذ كان ذلك تأويلَ الآية عندهم، فالواجب على مذهبهم أن يكون معنى الآية في سورة المائدة: (3) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم - ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان، (4) واحفظوا أيمانكم.
وبنحو ما ذكرناه عن ابن عباس من القول في ذلك، كان سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وجماعة أخر غيرهم يقولون، وقد ذكرنا الرواية عنهم بذلك آنفًا. (5)
* * *
(6)
__________
(1) في المطبوعة: "تقصد لأمر" والإصعاد: الإقبال على الشيء والتوجه له، ومنه قول حسان بن ثابت في خيل: [يُبَارِينَ الأَْعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ ... عَلَى أَكتَافِهَا الأَسَلُ الظَّمَاءُ]
يعني مقبلات متوجهات نحوكم.
(2) انظر ما سلف الأثر رقم: 4404.
(3) سورة المائدة: 89.
(4) في المخطوطة والمطبوعة"ولكن يؤاخذكم بما عقدتم واحفظوا" فأثبت الكلمة التي أغفلها الناسخ من الآية. ويعني الطبري أن قوله تعالى: "ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان" من المقدم الذي يراد به التأخير، ولذلك ساق الآية بنصها إلا هذه الجملة، فأخرها إلى مكانها على معنى تأويلهم هذا.
(5) هي الآثار السالفة من: 4436.
وإلى هذا الموضع انتهى تقسيم قديم للنسخة التي نقلت عنها مخطوطتنا وجاء فيها ما نصه.
"يتلوه: وَقال آخَرُونَ: المَعْنَى الذِي أَوْعَدَ اللهُ عِبَادَهُ المُؤَاخذةَ.
وَصَلى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِي وَآلِهِ كَثِيرًا * * *
على الأصل المنقول منه
بَلَغْتُ بِالسمَاعِ مِنْ أوله بِقرَاءَتي عَلَى القَاضِي أبي الحَسَن الخِصيبي، عنْْ أبي محمد الفرغَاني، عَنْ أبي جعفر الطبريّ - وَأخِي عليّ حرسه الله، ومحمد بن علي ألا. . . ونَصر بن الحسين الطبري ومحمد بن محمد بن أحمد بن عيسى السعدي- في شعبام سنة ثمان وَأَربع مئة".
(6) أوله في المخطوطة:
"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحِيمِ
رَبّ يَسِّرْ"

(4/451)


وقال آخرون: المعنى الذي أوعد الله تعالى عبادَه المؤاخذةَ بهذه الآية، (1) هو حلف الحالف على باطل يعلمه باطلا. وفي ذلك أوجب الله عندهم الكفارة، دون اللغو الذي يحلف به الحالف وهو مخطئ في حلفه، يحسب أن الذي حلف عليه كما حلف، وليس ذلك كذلك.
* ذكر من قال ذلك:
4473 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، يقول: بما تعمدت قلوبكم، وما تعمدت فيه المأثم، فهذا عليك فيه الكفارة.
4473 م - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله سواء.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "المؤاخذة به بهذه الآية" والذي في المخطوطة أجود.

(4/452)


وكأنَّ قائلي هذه المقالة، وجَّهوا تأويل مؤاخذة الله عبدَه على ما كسبه قلبه من الأيمان الفاجرة، إلى أنها مؤاخذةٌ منه له بها بإلزامه الكفارة فيه. وقال بنحو قول قتادة جماعة أخر، في إيجاب الكفارة على الحالف اليمينَ الفاجرةَ، منهم عطاءٌ والحكم.
4474 - حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا حدثنا هشيم قال، أخبرنا حجاج، عن عطاء والحكم، أنهما كانا يقولان فيمن حلف كاذبًا متعمدًا: يكفِّر.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك معنيان: أحدهما مؤاخذ به العبد في حال الدنيا بإلزام الله إياه الكفارةَ منه، والآخر منهما مؤاخذٌ به في الآخرة إلا أن يعفو.
* ذكر من قال ذلك:
4475 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" أمَّا،" ما كسبت قلوبكم" فما عقدت قلوبكم، فالرجل يحلف على اليمين يعلم أنها كاذبة - إرادةَ أن يقضي أمرَه. والأيمان ثلاثة:"اللغو، والعمد، والغَموس". والرجل يحلف على اليمين وهو يريد أن يفعل، ثم يرى خيرًا من ذلك، فهذه اليمين التي قال الله تعالى ذكره:" ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان"، فهذه لها كفارة.
* * *
وكأنَّ قائل هذه المقالة، وجَّه تأويل قوله:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، إلى غير ما وجَّه إليه تأويل قوله:" ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان"، وجعل قوله:" بما كسبت قلوبكم"، الغموسَ من الأيمان التي يحلف بها الحالف على علم منه بأنه في حلفه بها مبطل - وقوله:" بما عقدتم الأيمان"، اليمينَ التي يستأنف فيها الحِنث أو البرَّ، وهو في حال حلفه بها عازم على أن يبرَّ فيها.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك: هو اعتقاد الشرك بالله والكفر.
* ذكر من قال ذلك:

(4/453)


4476 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا إسماعيل بن مرزوق قال، حدثني يحيى بن أيوب، عن محمد - يعني ابن عجلان -: أن زيد بن أسلم كان يقول في قول الله تعالى ذكره:" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، مثل قول الرجل:"هو كافر، هو مشرك"، قال: لا يؤاخذه الله حتى يكون ذلك من قلبه. (1)
4477 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"، قال: اللغو في هذا، الحلف بالله ما كان بالألسن، فجعله لغوًا، وهو أن يقول:"هو كافر بالله، وهو إذًا يشرك بالله، وهو يدعو مع الله إلهًا"، فهذا اللغو الذي قال الله تعالى في"سورة البقرة":" ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، قال: بما كان في قلوبكم صدقًا، واخذك به. فإن لم يكن في قلبك صدقًا لم يؤاخذك به، وإن أثمتَ. (2)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، أن يقال: إن الله تعالى ذكره أوعد عباده أن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم من الأيمان، فالذي تكسبه قلوبهم من الأيمان هو ما قصدته وعزمت عليه على علم ومعرفة منها بما تقصده وتريده، وذلك يكون منها على وجهين:
أحدهما: على وجه العزم على ما يكون به العازم عليه في حال عزمه بالعزم عليه آثمًا، وبفعله مستحقًا المؤاخذةَ من الله عليها. وذلك كالحالف على الشيء الذي لم يفعله أنه قد فعله، وعلى الشيء الذي قد فعله أنه لم يفعله، قاصدًا قِيلَ الكذب، (3) وذاكرًا أنه قد فعل ما حلف
__________
(1) الأثر: 4476- هو الأثر السالف رقم: 4461.
(2) الأثر: 4477- هو تمام الأثر السالف رقم: 4462.
(3) في المخطوطة"أصل الكذب" خطأ من ناسخ لم يحسن قراءة الأصل، وفي المطبوعة: "القيل الكذب" والصواب الجيد ما أثبت.

(4/454)


عليه أنه لم يفعله، أو أنه لم يفعل ما حلف عليه أنه قد فعل. فيكون الحالف بذلك - إن كان من أهل الإيمان بالله وبرسوله - في مشيئة الله يوم القيامة، إن شاء واخذه به في الآخرة، وإن شاء عفا عنه بتفضله، ولا كفارة عليه فيها في العاجل، لأنها ليست من الأيمان التي يحنث فيها. وإنما تجب الكفارة في الأيمان بالحنث فيها. والحالف الكاذب في يمينه، ليست يمينه مما يُتْبَدَأ فيه الحنث، فتلزم فيه الكفارة. (1)
والوجه الآخر منهما: على وجه العزم على إيجاب عقد اليمين في حال عزمه على ذلك. فذلك مما لا يؤاخذ به صاحبه حتى يحنث فيه بعد حلفه. فإذا حنِث فيه بعد حلفه، كان مؤاخذا بما كان اكتسبه قلبه - من الحلف بالله على إثم وكذِب - في العاجل بالكفارة التي جعلها الله كفارةً لذنبه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك:"والله غفورٌ" لعباده فيما لَغَوْا من أيمانهم التي أخبر الله تعالى ذكره أنه لا يؤاخذهم بها، ولو شاء وَاخذهم بها = ولما واخذهم به فكفَّروها في عاجل الدنيا بالتكفير فيه، (2) ولو شاء واخذهم في آجل الآخرة بالعقوبة عليه، فساتر عليهم فيها، (3) وصافح لهم بعفوه عن العقوبة فيها، وغير ذلك من ذنوبهم ="حليمٌ" في تركه معاجلة أهل معصيته العقوبةَ على معاصيهم.
* * *
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "وإنما الكفارة تجب" ولكن المخطوطة قد وضعت بين الكلمتين علامة هكذا"~" هي التي تدل على تقديم آخر الكلمتين على الأولى.
(2) في المطبوعة"ولما واخذهم بها" والصواب من المخطوطة. والسياق. "والله غفور لعباده فيما لغوا من أيمانهم. . ولما واخذهم به.
(3) قوله: "فساتر" عطف عليه قوله: "والله غفور".

(4/455)


لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)

القول في تأويل قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" للذين يؤلون"، للذين يقسمون أليَّة،"والألية" الحلف، كما:-
4478 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا مسلمة بن علقمة قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب في قوله:" للذين يؤلون"، يحلفون.
* * *
يقال:"آلى فلان يُؤْلي إيلاء وأليَّة"، كما قال الشاعر:
كَفَيْنَا مَنْ تَغَيَّبَ في تُرَابٍ ... وَأَحْنَثْنَا أَليَّةَ مُقْسِمِينَا (1)
ويقال:"أَلْوة وأُلْوة"، كما قال الراجز:
* يَا أُلْوَةٌ مَا أُلْوَةٌ مَا أُلْوَتِي * (2)
وقد حكي عنهم أيضًا أنهم يقولون:"إلوة" مكسورة الألف.
* * *
"والتربص": النظر والتوقف.
* * *
ومعنى الكلام: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر، فترك ذكر"أن يعتزلوا"، اكتفاء بدلالة ما ظهر من الكلام عليه.
* * *
واختلف أهل التأويل في صفة اليمين التي يكون بها الرجل موليًا من امرأته.
__________
(1) لم أجد البيت ولم أعرف قائله. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "من تراب" وصواب معناه يقتضي ما أثبت.
(2) لم أجد هذا الرجز. وفي المطبوعة: "ما ألوى" والصواب من المخطوطة.

(4/456)


فقال بعضهم: اليمين التي يكون بها الرجل موليًا من امرأته: أن يحلف عليها في - حال غضب على وجه الضِّرار - أن لا يجامعها في فرجها، (1) فأما إن حلف على غير وجه الإضرار، وعلى غير غضب، فليس هو موليًا منها.
* ذكر من قال ذلك:
4479 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن حريث بن عميرة، عن أم عطية قالت، قال جبير: أرضعي ابن أخي مع ابنك! فقالت: ما أستطيع أن أرضع اثنين! فحلف أن لا يقرَبها حتى تفطِمه. فلما فطمته مرّ به على المجلس، فقال له القوم: حسنًا ما غَذَوْتموه! قال جبير: إنيّ حلفت ألا أقربها حتى تفطمه! فقال له القوم: هذا إيلاءٌ!! فأتى عليًا فاستفتاه، فقال: إن كنتَ فعلت ذلك غضبًا فلا تصلح لك امرأتك، وإلا فهي امرأتك. (2)
4480 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك، أنه سمع عطية بن جبير قال: توفيت أمُّ صبيٍّ نسيبةٌ لي،
__________
(1) في المطبوعة: "على وجه الإضرار لها". والضرار: إلحاق الضرر بها، وفي الموضع التالي: "الإضرار" في المطبوعة والمخطوطة.
(2) الآثار: 4479- 4485- خبر سماك ذكره البخاري في الكبير 4/1/12"عطية بن جبير العنزي قاله شعبة عن سماك. وقال سفيان عن سماك عن أبي عطية بن جبير. وقال أبو الأحوص عن حريث بن عميرة عن أم عطية: أن جبيرا حلف فأتى عليًا". وفي الجرح والتعديل 1/2/262: "حريث بن عميرة روى عن أم عطية. روى عنه سماك بن حرب في رواية أبي الأحوص عن سماك عنه. وروى إبراهيم بن طهمان عن سماك عن حريث عن عطية بن جبير عن أبيه قال: قلت لعلي - سمعت أبي يقول ذلك". وذكره ابن أبي حاتم أيضًا في الجرح والتعديل 3/1381- 382: "عطية بن جبير العنزي" واختلف فيه الرواة من سماك بن حرب. فقال شعبة عن سماك عن عطية بن جبير، قال قلت لعلي رضي الله عنه. وروى أبو الأحوص عن سماك عن حريث بن عمير عن عطية عن علي. وروى حماد بن سلمة عن سماك، عن أم عطية عن علي. وروى سفيان الثوري عن سماك عن أبي عطية بن جبير، عن علي - سمعت أبي يقول بعض ذلك وبعضه من قبلي"
ورواه البيهقي في السنن 7: 381- 382 من طريق داود بن أبي هند عن سماك عن رجل من بني عجل، عن أبي عطية أنه تزوج امرأة أخيه وهي ترضع بابن أخيه" ورواه من طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه عن شعبة عن سماك عن عطية بن جبير قال: كانت أمي ترضع صبيًا. . . "

(4/457)


فكانت امرأة أبي تُرضعه، فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه. فلما مضت أربعة أشهر قيل له: قد بانت منك! - وأحسب، شك أبو جعفر، قال -: فأتى عليًا يستفتيه فقال: إن كنت قلت ذلك غضبًا فلا امرأة لك، وإلا فهي امرأتك.
4481 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني سماك قال، سمعت عطية بن جبير - يذكر نحوه عن علي.
4482 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال، حدثنا داود، عن سماك، عن رجل من بني عجل، عن أبي عطية: أنه توفي أخوه وترك ابنًا له صغيرًا، فقال أبو عطية لامرأته: أرضعيه! فقالت: إنى أخشى أن تُغِيلهما، (1) فحلف أن لا يقربها حتى تفطمهما، ففعل حتى فطمتهما. فخرج ابن أخي أبي عطية إلى المجلس، فقالوا: لَحُسْنَ ما غذا أبو عطية ابن أخيه! (2) قال: كلا! زعمت أم عطية أنيّ أغيلهما، فحلفتُ أن لا أقربها حتى تفطمهما. فقالوا له: قد حرُمت عليك امرأتك! فذكرت ذلك لعلي رضي الله عنه، فقال علي: إنما أردتَ الخيرَ، وإنما الإيلاء في الغضب.
4483 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن سماك، عن أبي عطية: أن أخاه توفي - فذكر نحوه.
4484 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب: أن رجلا هلك أخوه فقال لامرأته: أرضعي
__________
(1) أغالت المرأة ولدها، وأغال فلان ولده: إذ غشى أمه وهو ترضعه. واسم لبنها ذاك"الغيل" كانوا يقولون: إذا شربه الولد ضوى واعتل منه، واسم الفعل"الغيلة" (بكسر الغين) وفي سني البيهقي: "إني أخشى أن تغتاله" وهي اشتقاق منها، لم يرد في كتب اللغة.
(2) في المطبوعة: "غذي" وما في المخطوطة أجود وقوله: "لحسن" أصلها"حسن" فعل (بفتح الحاء وضم السين) فنقل إلى معنى المدح فخففت السين وسكنت ونقلت حركتها إلى الحاء قال سهم بن حنظلة الغنوي: لم يمْنِعْ النَّاسُ مِنِّي مَا أَرَدْتُ وَمَا ... أُعْطِيهِمُ مَا أَرَادُوا حُسْنَ ذَا أَدَبَا
فهي بمنزلة"نعم وبئس".

(4/458)


ابن أخي. فقالت: أخاف أن تقع عليّ! فحلف أن لا يمسَّها حتى تفطِم. فأمسك عنها، حتى إذا فطمته أخرج الغلامَ إلى قومه، فقالوا: لقد أحسنت غذاءه! فذكر لهم شأنه، فذكروا امرأته، قال: فذهب إلى علي - فاستحلفه بالله:"ما أردت بذلك؟ "، يعني إيلاءً، قال: فردَّها عليه.
4485 - حدثنا علي بن عبد الأعلى قال، (1) حدثنا المحاربي، عن أشعث بن سوار، عن سماك، عن عطية بن أبي عطية قال، توفي أخ لي وترك يتيما له رضيعًا، وكنت رجلا معسرًا، لم يكن بيدي ما أسترضع له. قال: فقالت لي امرأتي، وكان لي منها ابن ترضعه - إن كفيتني نفسَك كفيتكهما! فقلت: وكيف أكفيك نفسي؟ قالت: لا تقربني. فقلت: والله لا أقربك حتى تفطميهما. قال: ففطمتهما وخرجا على القوم، فقالوا: ما نراك إلا قد أحسنت ولايتهما! قال: فقصصت عليهم القصة، فقالوا: ما نراك إلا آليت منها وبانت منك! قال: فأتيت عليًا فقصصت عليه القصة، فقال: إنما الإيلاء ما أريد به الإيلاء.
4486 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر البرساني قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب.
4487 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب.
4488 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا ابن وكيع، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب. (2)
__________
(1) هكذا في المخطوطة والمطبوعة. وأظن الصواب"محمد بن عبد الأعلى الصنعاني" شيخ الطبري. ولم أجد في شيوخه: "علي بن عبد الأعلى". وانظر ما سيأتي رقم: 4669.
(2) الأثر: 4488-"عبد الرحمن" هو عبد الرحمن بن مهدي. "أبو وكيع" هو: الجراح ابن مليح الرؤاسي. قال أبو داود: ثقة. وقال النسائي: ليس به بأس. وسئل الدارقطني عنه فقال: ليس بشيء هو كثير الوهم. قيل: يعتبر به؟ قال: لا. وفي المخطوطة والمطبوعة: "ابن وكيع" وهو خطأ. وانظر المحل لابن حزم 10: 45 و"أبو فزارة" هو: راشد بن كيسان العبسي. قال ابن معين: ثقة. وقال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا كان فوقه ودونه ثقة. وله عند مسلم حديث واحد.

(4/459)


4489 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن سماك بن حرب، عن أبي عطية، عن عليّ قال: لا إيلاء إلا بغضب. (1)
4490 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، أن عليا قال: إذا قال الرجل لامرأته وهي تُرضع:"والله لا قرَبتُك حتى تفطمي ولدي"، يريد به صلاحَ ولده، قال: ليس عليه إيلاء.
4491 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحاق بن منصور السلولي، عن محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى عليّ فقال: إني قلت لامرأتي لا أقرَبُها سنتين. قال: قد آليت منها. قال: إنما قلت لأنها ترضع! قال: فلا إذًا.
4492 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن أبي عطية، عن علي أنه كان يقول: إنما الإيلاء ما كان في غضب، يقول الرجل:"والله لا أقربك، والله لا أمسُّك! ". فأما ما كان في إصلاح من أمر الرضاع وغيره، فإنه لا يكون إيلاء، ولا تَبِين منه. (2)
4493 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - قال، حدثنا حماد بن زيد، عن حفص، عن الحسن: أنه سئل عنها فقال: لا والله، ما هو بإيلاء.
__________
(1) الأثر: 4489- مختصر رقم: 4482 من طريق آخر، وانظر التعليق السالف على الأثر رقم: 4479.
(2) الأثر: 4492- طريق آخر لحديث أبي عطية السالف رقم: 4482 وانظر التعليق على الأثر: 4479.

(4/460)


4494 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا بشر بن منصور، عن ابن جريج، عن عطاء قال: إذا حلف من أجل الرَّضاع فليس بإيلاء.
4495 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس قال: سألت ابن شهاب عن الرجل يقول: والله لا أقرب امرأتي حتى تفطم ولدي! قال: لا أعلم الإيلاء يكون إلا بحلف بالله، فيما يريد المرء أن يضارَّ به امرأتَه من اعتزالها، ولا نعلم فريضةَ الإيلاء إلا على أولئك، فلا ترى أنّ هذا الذي أقسم بالاعتزال لامرأته حتى تفطم ولده، أقسم إلا على أمر يتحرَّى به فيه الخير، فلا نرى وَجبَ على هذا ما وجب على المولي الذي يُولِي في الغضب.
* * *
وقال آخرون: سواءٌ إذا حلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها في فرجها، كان حلفه في غضب أو غير غضب، كلّ ذلك إيلاء.
* ذكر من قال ذلك:
4496 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم - في رجل قال لامرأته:"إن غَشِيتُك حتى تفطمي ولدَك فأنت طالق"، فتركها أربعة أشهر. قال: هو إيلاء.
4497 - حدثنا محمد بن يحيى قال، أخبرنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي قال: كل شيء يحول بينه وبين غشيانها، فتركها حتى تمضي أربعة أشهر، فهو داخلٌ عليه.
4498 - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن القعقاع قال: سألت الحسن عن رجل ترضع امرأته صبيًا، فحلف أن لا يطأها حتى تفطم ولدها، فقال: ما أرى هذا بغضب، وإنما الإيلاء في الغضب = قال: وقال ابن سيرين: ما أدري ما هذا

(4/461)


الذي يحدِّثون؟! إنما قال الله:" للذين يؤلون من نسائهم" إلى" فإن الله سميع عليم"، إذا مضت أربعة أشهر، فليخطبها إن رغب فيها. (1)
4499 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم - في رجل حلفَ أن لا يكلم امرأته - قال: كانوا يرون الإيلاء في الجماع.
4500 - حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال، قال: كل يمين منعت جماعًا حتى تمضي أربعه أشهر، فهي إيلاء.
4501 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت إسماعيل وأشعث، عن الشعبي مثله.
4502 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي قالا كل يمين منعت جماعًا فهي إيلاء.
* * *
وقال آخرون: كل يمين حلف بها الرجل في مَسَاءة امرأته، فهي إيلاء منه منها، على الجماع حلف أو غيره، في رضًا حلف أو سخط.
* ذكر من قال ذلك:
4503 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن خصيف، عن الشعبي قال: كل يمين حالت بين الرجل وبين امرأته فهي إيلاء، إذا قال:"والله لأغضبنَّك، والله لأسوأنَّك، والله لأضربنَّك"، وأشباه هذا.
__________
(1) الأثر: 4489- حبان بن موسى بن سوار السلمي، أبو محمد المرزوي روى عن ابن المبارك وأبي حمزة السكري وغيرهما، وعنه البخاري ومسلم. ذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة 233. مترجم في التهذيب. وفي المخطوطة والمطبوعة: "حسان بن موسى" وقد مضى على الصواب في رقم: 2914 وسيأتي على الصواب في رقم: 4528. و"أبو عوانة" هو: الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة. وسئل ابن المبارك: من أروى الناس -أو أصح الناس- حديثًا عن مغيرة؟ قال: أبو عوانة. مترجم في التهذيب.

(4/462)


4504 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن أبي ذئب العامريّ: أن رجلا من أهله قال لامرأته:"إن كلمتك سنة فأنت طالق"، واستفتى القاسم وسالمًا فقالا إن كلمتها قبل سنة فهي طالق، وإن لم تكلمها فهي طالقٌ إذا مضت أربعة أشهر.
4505 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، سمعت حمادًا قال، قلت لإبراهيم: الإيلاء: أن يحلفَ أن لا يجامعها ولا يكلمها ولا يجمع رأسه برأسها، أو ليغضبنَّها، أو ليحرِمنَّها، أو ليسوأنَّها؟ قال: نعم.
4506 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم عن رجل قال لامرأته:"والله لأغيظنك"! فتركها أربعة أشهر، قال: هو إيلاء.
4507 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، سمعت شعبة قال: سألت، الحكم فذكر مثله.
4508 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثنا يونس قال، قال ابن شهاب، حدثني سعيد بن المسيب: (1) أنه إن حلف رجل أن لا يكلم امرأته يومًا أو شهرًا، قال: فإنا نرى ذلك يكون إيلاءً. وقال: إلا أن يكون حلف أن لا يكلمها، فكان يمسُّها فلا نرى ذلك يكون من الإيلاء. والفَيْءُ، أن يفيء إلى امرأته فيكلمها أو يمسها. فمن فعل ذلك، قبل أن تمضي الأربعة أشهر، (2) فقد فاء. ومن فاء بعد أربعة أشهر وهي في عِدَّتها، فقد فاء وملك امرأته، غير أنه مضت لها تطليقة.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "حدثني سعيد بن المسيب أنه قال إن حلف. . . " والصواب من المخطوطة بحذف"قال".
(2) في المطبوعة: "الأربعة الأشهر" والذي في المخطوطة صواب في العربية لا بأس به.

(4/463)


قال أبو جعفر: وعلة من قال:"إنما الإيلاء في الغضب والضَرار": أنّ الله تعالى ذكره إنما جعل الأجلَ الذي أجَّل في الإيلاء مخرجًا للمرأة من عَضْل الرجل وضراره إياها، (1) فيما لها عليه من حُسن الصحبة والعِشرة بالمعروف. وإذا لم يكن الرجل لها عاضلا ولا مُضارًا بيمينه وحلفه على ترك جماعها، بل كان طالبًا بذلك رضاها، وقاضيًا بذلك حاجتها، لم يكن بيمينه تلك مُوليًا، لأنه لا معنى هنالك لَحِق المرأةَ به من قِبَل بعلها مساءةٌ وسوء عشرة، (2) فيجعل الأجل - الذي جُعل للمولي - لها مخرجًا منه. (3)
* * *
وأما علة من قال:"الإيلاء في حال الغضب والرضا سواء"، عموم الآية، وأن الله تعالى ذكره لم يخصص من قوله:" للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر" بعضًا دون بعض، بل عمّ به كلَّ مُولٍ ومُقسِم. فكل مقسِم على امرأته أن لا يغشاها مدةً هي أكثر من الأجل الذي جَعل الله له تربُّصه، فمُولٍ من امرأته عند بعضهم. وعند بعضهم: هو مُولٍ، وإن كانت مدة يمينه الأجل الذي جُعل له تربُّصه.
* * *
وأما علة من قال بقول الشعبي والقاسم وسالم: أن الله تعالى ذكره جعل الأجل الذي حدَّه للمُولي مخرجًا للمرأة مِن سوء عشرتها بعلها إياها وضراره بها. وليست اليمين عليها بأن لا يجامعها ولا يقرَبها، بأولى بأن تكون من معاني سوء العشرة والضِّرار، من الحلف عليها أن لا يكلمها أو يسوءَها أو يغيظها. لأن كل ذلك ضررٌ عليها وسوء عشرة لها.
* * *
__________
(1) العضل من الزوج لامرأته: أن يضارها ولا يحسن عشرتها، فهو لا يعاملها معاملة الأزواج ولا يتركها تتصرف في نفسها.
(2) في المطبوعة: "يلحق المرأة" والصواب من المخطوطة.
(3) في المخطوطة والمطبوعة: "الذي جعل المولى" وصواب السياق يقتضي ما أثبت. والضمير في"منه" راجع إلى"لا معنى هنالك".

(4/464)


قال أبو جعفر: وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك بالصواب، قولُ من قال: كل يمين منَعت المقسم الجماعَ أكثر من المدة التي جعل الله للمولي تربُّصَها، قائلا في غضب كان ذلك أو رضًا. وذلك للعلة التي ذكرناها قبل لقائلي ذلك.
وقد أتينا على فساد قول من خالف ذلك في كتابنا (كتاب اللطيف) بما فيه الكفاية، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فإن رجعوا إلى ترك ما حلَفوا عليه أن يفعلوه بهن من ترك جماعهن، فجامعوهن وحنِثوا في أيمانهم ="فإن الله غفورٌ"، لما كان منهم من الكذب في أيمانهم بأن لا يأتوهن ثم أتوهُن، ولما سلف منهم إليهن، (1) من اليمين على ما لم يكن لهم أن يحلفوا عليه فحلفوا عليه ="رحيم" بهم وبغيرهم من عباده المؤمنين.
* * *
وأصل"الفيء"، الرجوع من حال إلى حال، ومنه قوله تعالى ذكره: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) إلى قوله (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) [سورة الحجرات: 9] ، يعني: حتى ترجع إلى أمر الله. ومنه قول الشاعر: (2)
فَفاءَتْ وَلَمْ تَقْضِ الَّذِي أَقْبَلَتْ لَهُ ... وَمِنْ حَاجَةِ الإنْسَانِ مَا لَيْسَ قَاضِيَا (3)
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "وبما سلف" والسياق يتطلب ما أثبت.
(2) هو سحيم عبد بني الحسحاس.
(3) ديوانه: 19 وحماسة ابن الشجري: 160 وغيرهما من قصيدته الغراء العجيبة وقد مضى منها بيت فيما سلف 1: 106ن 447. والضمير في قوله: "ففاءت" إلى صاحبته التي ذكرها وذكر ما بينه وبينها. ورواية الطبري وابن الشجري أحب إي من رواية الديوان: "ولم تقض الذي هو أهله". يقول: عادت إلى أهلها وقد أضاعت ما كانت مزمعة أن تفعله، أنساها حبه وغزله ما كانت نوته وإرادته. فيعزيها بأن المرء ربما طلب قضاء شيء ويشاء الله غيره فإذا هو لا يقتضيه.

(4/465)


يقال منه:"فاء فلان يفيء فَيْئة" - مثل"الجيئة" و"فَيْأ". و"الفَيْئة" المرة. (1) فأما في الظلّ فإنه يقال:"فاء الظلّ يفيء فُيُوءًا وفَيْأ"، وقد يقال:"فيوءًا" أيضًا في المعنى الأول، (2) لأن"الفيء" في كل الأشياء بمعنى الرجوع.
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا فيما يكون به المولي فائيًا.
فقال بعضهم: لا يكون فائيًا إلا بالجماع.
* ذكر من قال ذلك:
4509 - حدثنا علي بن سهل الرملي قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الفيء الجماع.
4510 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو نعيم، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الفيء الجماع. (3)
4511 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس مثله.
4512 - حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن صاحب له، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس مثله.
__________
(1) يريد أنه بناء المرة الواحدة إلا أنه وضع موضع المصدر مثل: "الرجفة والرحمة" والاسم من ذلك"الفيئة والجئة" (بكسر الفاء والجيم منهما) .
(2) أكثر كتب اللغة تجعل"الفيوء" مصدرًا في المعنى الأول ولا تجعله مصدرًا في معنى الظل. وما قاله الطبري حسن وثيق.
(3) الأثر: 4510- يزيد بن زياد بن أبي الجعد الأشجعي الغطفاني مولى لهم، روى عن الحكم بن عتيبة وعاصم الجحدري وعمه عبيد بن أبي الجعد، وأخيه سلمة بن زياد وغيرهم. وعنه وكيع وابن نمير وأبو نعيم وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات. وكان في المطبوعة"يزيد بن أبي زياد عن أبي الجعد" والصواب من المخطوطة.

(4/466)


4513 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حصين، عن الشعبي، عن مسروق قال: الفيءُ الجماع.
4514 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن الشعبي، عن مسروق مثله.
4515 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل قال: كان عامر لا يرى الفيء إلا الجماع.
4516 - حدثنا تميم بن المنتصر قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا إسماعيل، عن عامر بمثله.
4517 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير قال: الفيء الجماع.
4518 - حدثنا أبو عبد الله النشائي قال، حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير مثله. (1)
4519 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن سعيد بن جبير قال: الفيءُ الجماع، لا عذرَ له إلا أن يجامع وإن كان في سجن أو سفر - سعيدٌ القائل.
4520 - حدثني محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن جبير أنه قال: لا عذرَ له حتى يغشى.
4521 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن حماد وإياس، عن الشعبي = قال أحدهما: عن مسروق = قال: الفيء الجماع = وقال الآخر: عن الشعبي: الفيء الجماع.
__________
(1) الأثر: 4518-"أبو عبد الله النشائي" هو محمد بن حرب بن حرمان النشائي، ويقال النشاستجي، أبو عبد الله الواسطي. روى عن إسماعيل بن علية ومحمد بن يزيد الواسطي وإسحاق بن يوسف الأزرق وغيرهم. مات سنة 255. مترجم في التهذيب.

(4/467)


4522 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب - في رجل آلى من امرأته، ثم شغله مرض - قال: لا عذر له حتى يغشى.
4523 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادة، عن سعيد بن جبير - في الرجل يولي من امرأته قبل أن يدخل بها أو بعد ما دخل بها، فيعرض له عارضٌ يحبسه، أو لا يجد ما يَسُوق: أنه إذا مضت أربعة أشهر، أنها أحق بنفسها.
4524 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم والشعبي قالا إذا آلى الرجل من امرأته، ثم أراد أن يفيء، فلا فيء إلا الجماع.
* * *
وقال آخرون:"الفيء": المراجعة باللسان أو القلب في حال العذر، وفي غير حال العذر الجماع.
* ذكر من قال ذلك:
4525 - حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة أنهما قالا إذا كان له عذرٌ فأشهد، فذاك له = يعني في رجل آلى من امرأته فشغله مرضٌ أو طريق، فأشهد على مراجعة امرأته.
4526 - حدثنا محمد بن يحيى قال، أخبرنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن صاحب له، عن الحكم قال: تذاكرنا أنا والنخعي ذاك، (1) فقال النخعي: إذا كان له عذر فأشهد، فقد فاء. وقلت أنا: لا عذر له حتى يغشى. فانطلقنا إلى أبي وائل، فقال: إني أرجو إذا كان له عذر فأشهد، جاز. (2)
__________
(1) في المطبوعة: "ذلك" وأثبت ما في المخطوطة وهما سواء.
(2) الأثر: 4526-"أبو وائل" وهو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره. وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وغيرهم من الصحابة والتابعين.
قال الأعمش قال لي أبو وائل: يا سليمان لو رأيتني ونحن هراب من خالد بن الوليد فوقعت من البعير فكادت تندق عنقي! فلو مت يومئذ كانت النار! قال: وكنت يومئذ ابن إحدى عشرة سنة. ومات بعد الجماجم سنة 83. مترجم في التهذيب.

(4/468)


4527 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن قال: إنْ آلى، ثم مرض أو سُجن أو سافر فراجع، فإنّ له عذرًا أن لا يجامع = قال: وسمعت الزهري يقول مثل ذلك.
4528 - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم - في النفساء يُولي منها زوجها - قال: هذه في مُحارِب، سئل عنها أصحاب عبد الله فقالوا: إذا لم يستطع كفَّر عن يمينه، وأشهد على الفيء. (1)
4529 - حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي الشعثاء قال: نزل به ضيفٌ فآلى من امرأته فنفست، (2) فأراد أن يفيء، فلم يستطع أن يقرَبها من أجل نفاسها، فأتى علقمة فذكر ذلك له، فقال: أليس قد فئتَ بقلبك ورَضيت؟ قال: بلى! قال: فقد فئت! هي امرأتك!
4530 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الأعمش، عن إبراهيم: أن رجلا آلى من امرأته فولدت قبل أن تمضي أربعة أشهر، أراد الفيئة فلم يستطع من أجل الدم حتى مضت أربعة أشهر، فسأل عنها علقمة بن قيس فقال: أليس قد راجعتها في نفسك؟ قال: بلى! قال: فهي امرأتك.
4531 - حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، أخبرنا عامر،
__________
(1) الأثر: 4528- انظر"حبان بن موسى" فيما سلف الأثر رقم: 4498. وقوله: "هذه في محارب" يعني قبيلة محارب الذين منهم أبو الشعثاء المحاربي: "سليم بن أسود بن حنظلة المحاربي" سيظهر في الآثار التالية، ولا سيما الأثر رقم: 4535 فقد ذكر صاحب الإيلاء هناك.
(2) نفست المرأة (بالبناء للمجهول) ونفست (بفتح فكسر) نفسًا (بفتحتين) ونفاسًا: ولدت. وأصله من"النفس" (بفتح فسكون) وهو: الدم وسميت بذلك لما يكون مع الولد وبعده من الدم.

(4/469)


عن الحسن قال: إذا آلى من امرأته ثم لم يقدر أن يغشاها من عذر، قال: يُشهد أنه قد فاء، وهي امرأته.
4532 - حدثنا عمران قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا عامر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة بمثله.
4533 - حدثنا ابن بشار = قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنى أبي، عن قتادة، عن عكرمة قال: وحدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة قال: إذا آلى من امرأته فجهد أن يغشاها فلم يستطع، فله أن يُشهد على رَجْعتها.
4534 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة: أنهما سئلا عن رجل آلى من امرأته، فشغله أمر، فأشهد على مراجعة امرأته، قالا إذا كان له عذرٌ فذاك له.
4535 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا غندر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: انطلقت أنا وإبراهيم إلى أبي الشعثاء، فحدَّث أن رجلا من بني سعد بن همّام آلى من امرأته فنُفِست، فلم يستطع أن يقرَبها، فسأل الأسود - أو بعض أصحاب عبد الله - فقال: إذا أشهد فهي امرأته.
4536 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا غندر قال، حدثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم أنه قال: إن كان له عذرٌ فأشهد، فذلك له - يعني المُولي من امرأته.
4537 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنه كان يحدث عن أبي الشعثاء، عن علقمة وأصحاب عبد الله أنهم قالوا - في الرجل إذا آلى من امرأته فنُفِست - قالوا: إذا أشهد فهي امرأته.
4538 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد قال:

(4/470)


إذا آلى الرجل من امرأته ثم فاء، فليشهد على فَيْئه. وإذا آلى الرجل من امرأته وهو في أرض غير الأرض التي فيها امرأته، فليشهد على فيئه. فإن أشهدَ وهو لا يعلم أن ذلك لا يجزيه من وقوعه عليها، فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها، فهي امرأته. وإن علم أنه لا فيء إلا في الجماع في هذا الباب، ففاء وأشهد على فيئه ولم يقع عليها حتى مضت أربعة أشهر، فقد بانتْ منه.
4539 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس قال: قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب: أنه إذا آلى الرجل من امرأته، قال: فإن كان به مرضٌ ولا يستطيع أن يمسَّها، أو كان مسافرًا فحبس، قال: فإذا فاء وكفَّر عن يمينه، فأشهد على فيئه قبل أن تمضي أربعة أشهر، فلا نراه إلا قد صلح له أن يُمسك امرأته، ولم يذهب من طلاقها شيء. قال، وقال ابن شهاب - في رجل يُولي من امرأته، ولم يبق لها عليه إلا تطليقة، فيريد أن يفيء في آخر ذلك وهو مريض أو مسافر، أو هي مريضة أو طامث أو غائبة لا يقدر على أن يبلغها، حتى تمضي أربعة أشهر - أله في شيء من ذلك رخصة، أن يكفر عن يمينه ولم يقدر على أن يطأ امرأته؟ قال: نرى، والله أعلم، إن فاء قبل الأربعة الأشهر فهي امرأته، بعد أن يشهد على ذلك، ويكفِّر عن يمينه، وإن لم يبلغها ذلك من فيئته، فإنه قد فاء قبل أن يكون طلاقًا.
4540 - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: الفيء الجماع. فإن هو لم يقدر على المجامعة وكانت به علة مرض أو كان غائبًا أو كان محرمًا أو شيء له فيه عذر، ففاء بلسانه وأشهد على الرضا، فإنّ ذلك له فيءٌ إن شاء الله.
* * *
وقال آخرون:"الفيء" المراجعة باللسان بكلّ حال.
* ذكر من قال ذلك:

(4/471)


4541 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، عن منصور وحماد، عن إبراهيم قال: الفيء أن يفيء بلسانه.
4542 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن زياد الأعلم، عن الحسن قال: الفيء الإشهاد. (1)
4543 - حدثنا المثنى قال، حدثني الحجاج قال، حدثنا حماد، عن زياد الأعلم، عن الحسن مثله.
4544 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: إن فاء في نفسه أجزأه، يقول: قد فاء.
4545 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن رجاء قال: ذكروا الإيلاء عند إبراهيم فقال: أرأيت إن لم ينتشر ذكره؟ إذا أشهدَ فهي امرأته.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما اختلف المختلفون في تأويل"الفيء" على قدر اختلافهم في معنى اليمين التي تكون"إيلاءً".
فمن كان من قوله: إن الرجل لا يكون موليًا من امرأته الإيلاءَ الذي ذكره الله في كتابه إلا بالحلف عليها أن لا يجامعها، جعل الفيءَ الرجوعَ إلى فعل ما حلف عليه أن لا يفعله من جماعها، وذلك الجماعُ في الفرج إذا قدر على ذلك وأمكنه = وإذا لم يقدر عليه ولم يمكنه، فإحداثَ النية أن يفعله إذا قدر عليه وأمكنه، (2)
__________
(1) الأثر: 4542-"زياد الأعلم" هو زياد بن حسان بن قرة الباهلي روى عن أنس والحسن وابن سيرين. وعنه عون والحمادان. وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم. وقال أحمد: "ثقة ثقة" قال أبو حاتم: "هو من قدماء أصحاب الحسن". وقال الدارقطني: "هو قليل الحديث". مترجم في التهذيب.
(2) في المطبوعة: "بإحداث النية" وهو خطأ صرف صوابه من المخطوطة. وقوله"فإحداث" منصوب عطفًا على قوله: "جعل الفيء الرجوع. . . " بمعنى أنه إذا لم يقد عليه ولم يمكنه، جعل الفيء إحداث النية.

(4/472)


وإبداء ما نوى من ذلك بلسانه ليعلمه المسلمون، (1) في قول من قال ذلك.
* * *
وأما قولُ من رأى أنّ الفيء هو الجماع دون غيره، فإنه لم يجعل العائقَ له عذرًا، ولم يجعل له مخرجًا من يمينه غيرَ الرجوع إلى ما حلف على تركه، وهو الجماع.
* * *
وأما من كان من قوله أنه قد يكون موليًا منها بالحلف على ترك كلامها، أو على أن يسوءَها أو يغيظها أو ما أشبه ذلك من الأيمان، فإن الفيء عنده الرجوعُ إلى ترك ما حلف عليه أن يفعله - مما فيه من مساءتها - بالعزم على الرجوع عنه، وإبداء ذلك بلسانه، (2) في كل حال عزم فيها على الفيء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في ذلك عندنا، قولُ من قال:"الفيء هو الجماع"، لأن الرجل لا يكون موليًا عندنا من امرأته إلا بالحلف على ترك جماعها المدةَ التي ذكرنا، للعلل التي وصفنا قبلُ. فإذ كان ذلك هو الإيلاء، (3) فالفيء الذي يبطل حكم الإيلاء عنه، لا شك أنه غير جائز أن يكون إلا ما كان للذي آلى عليه خلافًا. (4) لأنه لما جعل حكمه إن لم يفئ إلى ما آلى على تركه، الحكمَ الذي بينه الله لهم في كتابه، كان الفيء إلى ذلك، معلومٌ أنه فعلُ ما آلى على تركه إن أطاقه، (5) وذلك هو الجماع. غير أنه إذا حيل بينه وبين الفيء - الذي
__________
(1) في المطبوعة: "وأبدى" وهو خطأ مخل بالكلام، لم يحسن قراءة الخط القديم، وهو"وابدا" وظنه فعلا كالذي سبقه قوله: "وإبداء" منصوب عطفًا على قوله: "فإحداث" كما بينته في التعليق الآنف.
(2) في المطبوعة: "وأبدى ذلك بلسانه" خطأ فاسد، وانظر التعليق السالف. وقوله: "وإبداء مرفوع معطوف على"الرجوع" في قوله: "فإن الفيء عنده الرجوع. . . "
(3) في المطبوعة: "فإذا كان ذلك" خطأ وضعف والصواب الجيد من المخطوطة.
(4) في المطبوعة: "إلا ما كان الذي آلى. . . " وهو فساد والصواب من المخطوطة وقوله: "خلافًا" أي مخالفًا، كما سلف مئات من المرات.
(5) في المطبوعة: "معلومًا أنه. . . " والذي في المخطوطة جيد صحيح.

(4/473)


هو جماعٌ - (1) بعذر، فغير جائز أن يكون تاركًا جماعها على الحقيقة (2) . لأن المرء إنما يكون تاركًا = ما له إلى فعله وتركه سبيل. فأما من لم يكن له إلى فعل أمر سبيل، فغير كائنٍ تاركَهُ.
وإذ كان ذلك كذلك، فإحداث العزم في نفسه على جماعها، مجزئ عنه في حال العذر، حتى يجد السبيل إلى جماعها. وإن أبدى ذلك بلسانه وأشهدَ على نفسه في تلك الحال بالأوبة والفيء، كان أعجبَ إليّ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) }
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك:"فإن الله غفورٌ" لكم فيما اجترمتم بفيئكم إليهنّ، من الحِنْث في اليمين التي حلفتم عليهن بالله أن لا تَغْشَوْهنّ ="رحيم" بكم في تخفيفه عنكم كفَّارةَ أيمانكم التي حلفتم عليهن، ثم حنِثتم فيه.
* ذكر من قال ذلك:
4546 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن:" فإن فاءوا فإن الله غفور رحيمٌ"، قال: لا كفارة عليه.
4547 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن قال: إذا فاء فلا كفَّارة عليه.
4548 - حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا
__________
(1) في المطبوعة: "هو الجماع" والصواب من المخطوطة.
(2) في المخطوطة: "فغير جائز تاركًا جماعها" ثم غير في المطبوعة إلى: "فغير كائن تاركًا جماعها" والجيد الذي يدل عليه السياق، زيادة"أن يكون" كما فعلت. وإن كان آخر كلام أبي جعفر قد حسن هذا التغيير الذي جاء في المطبوعة.

(4/474)


أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كانوا يرون في قول الله:" فإن فاءوا فإنّ الله غفور رحيم": أن كفارته فيؤه. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا التأويل الذي ذكرنا هو التأويل الواجبُ على قول من زعم أنّ كل حانث في يمين هو في المُقام عليها حَرِجٌ، (2) فلا كفارة عليه في حنثه فيها، وأن كفارته الحنث فيها.
* * *
وأما على قول من أوجب على الحانث في كل يمين حلف بها [كفارة] ، (3) برًّا كان الحنِث فيها أو غير بِرّ، فإن تأويله:"فإن الله غفور" للمُولين من نسائهم فيما حنِثوا فيه من إيلائهم، فإن فاؤوا فكفّروا أيمانهم، بما ألزم الله الحانثين في أيمانهم من الكفارة ="رحيم" بهم، بإسقاطه عنهم العقوبة في العاجل والآجل على ذلك، بتكفيره إياه بما فرض عليهم من الجزاء والكفارة، وبما جعل لهم من المَهَل الأشهرَ الأربعة، (4) فلم يجعل فيها للمرأة التي آلى منها زوجها ما جعل لها بعد الأشهر الأربعة، كما:-
4549 - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا يحيى بن بشر، أنه سمع عكرمة يقول:" للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق" - قال: وتلك رحمة الله! مَلَّكه أمرَها الأربعة الأشهر إلا من معذرة. لأن الله قال: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) [سورة النساء: 34] . (5)
* * *
* ذكر بعض من قال: إذا فاء المولي فعليه الكفارة.
__________
(1) الأثر: 4548-"حبان بن موسى" سلف في هذا الإسناد برقم: 4528، وانظر أيضًا رقم: 4498 والتعليق عليه، وقد كان في المطبوعة والمخطوطة هنا: "حماد بن موسى" وهو خطأ وتحريف. وانظر ما سيأتي رقم: 4549.
(2) "حرج": آثم. وقد أسلفنا قول أهل اللغة في هذا الحرف، في الجزء 2: 423 تعليق: 1، ثم في هذا الجزء 4: 224، تعليق: 1
(3) الزيادة بين القوسين لا بد منها، ويدل عليها سياق التفسير الآتي.
(4) المهل (بفتح فسكون، وبفتحتين) مصدر"مهلته" وهي كأمهلته: أي أنظرته ولم أعاجله.
(5) الأثر: 4549- انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 4548. و"يحيى بن بشر الخراساني أبو وهب روى عن عكرمة وروى عنه ابن المبارك. قال ابن المبارك: "إذا حدثك يحيى ابن بشر عن إنسان فلا تبالي أن لا تسمعه منه". مترجم في الكبير 4/2/263 والجرح والتعديل 4/12/13. وقد سلف في إسناد الطبري رقم: 3619، 3652 ويأتي في رقم: 4749.

(4/475)


4550 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر"، وهو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها، فيتربَّص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفَّر يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
4551 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال: حدثني يونس قال، حدثني ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب بنحوه.
4552 - حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم قال: إذا آلى فغشيها قبل الأربعة الأشهر، كفَّر عن يمينه.
4553 - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم - في النُّفَساء يولي منها زوجها - قال: هذه في مُحارب، سئل عنها أصحاب عبد الله، فقالوا: إذا لم يستطع كفر عن يمينه وأشهد على الفيء. (1)
4554 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: إن فاء فيها كفَّر يمينه، وهي امرأته.
4555 - حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
4556 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام، عن الأعمش، عن إبراهيم
__________
(1) الأثر: 4553- انظر الأثر السالف 4528، ثم الآثار التي تليه والتعليق عليها.

(4/476)


وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)

في الإيلاء قال: يوقَف قبل أن تمضي الأربعة الأشهر، فإن راجعها فهي امرأته، وعليه يمين: يكفِّرها إذا حنِث.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا التأويل الثاني هو الصحيح عندنا في ذلك، لما قد بينا من العلل في كتابنا (كتاب الأيمان) ، من أن الحنث موجبٌ الكفارةَ في كل ما ابتدئ فيه الحنث من الأيمان بعد الحلف، على معصية كانت اليمين أو على طاعة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى قول الله تعالى ذكره:" وإن عزموا الطلاق".
فقال بعضهم: معنى ذلك: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربُّصُ أربعة أشهر، فإن فاؤوا فرجعوا إلى ما أوجب الله لهنّ من العِشرة بالمعروف في الأشهر الأربعة التي جعل الله لهم تربُّصهم عنهن وعن جماعهن، وعشرتهن في ذلك بالواجب"فإن الله لهم غفور رحيم". وإن تركوا الفيء إليهن، (1) في الأشهر الأربعة التي جعل الله لهم التربص فيهنّ حتى ينقضين، طُلِّق منهم نساؤهم اللاتي آلوا منهن بمضيهن. (2) ومضيُّهن عند قائلي ذلك: هو الدلالة على عزم المولي على طلاق امرأته التي إلى منها.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "فإن تركوا الفيء لليمين. . . " وهو خطأ غريب فاسد، لم يحسنوا قراءة ما في المخطوطة.
(2) الضمير في قوله: "بمضيهن" إلى الأشهر الأربعة.

(4/477)


ثم اختلف متأوِّلو هذا التأويل بينهم في الطلاق الذي يلحقها بمضيّ الأشهر الأربعة.
فقال بعضهم: هو تطليقة بائنة.
* ذكر من قال ذلك:
4557 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا محمد بن بشر، عن سعيد، عن قتادة، عن خِلاس أو الحسن، عن علي قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. (1)
4558 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة: أن عليًا وابن مسعود كانا يجعلانها تطليقة، إذا مضت أربعة أشهر فهي أحق بنفسها = قال قتادة: وقولُ عليّ وعبد الله أعجبُ إليّ في الإيلاء. (2)
4559 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: أنّ عليًا قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر بانت بتطليقة.
4560 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا معمر، عن عطاء الخراساني، عن أبي سلمة: أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت كانا يقولان: إذا مضت الأربعة الأشهر، فهي واحدة بائنة.
__________
(1) الأثر: 4557-"أبو هشام" هو محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي أبو هشام الرفاعي قاضي بغداد يتكلمون فيه. مترجم في التهذيب. ومحمد بن بشر بن الفرافصة بن المختار العبدي روى عن هشام بن عروة وعبيد الله بن عمر العمري وسعيد بن أبي عروبة. مترجم في التهذيب. و"خلاس" بكسر الخاء وفتح اللام المخففة هو: خلاس بن عمر الهجري البصري. روى عن علي وعمار بن ياسر وعائشة وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم. وعنه قتادة وعوف الأعرابي وداود بن أبي هند. وهو ثقة. مترجم في التهذيب.
(2) أقوال الصحابة والتابعين في الإيلاء تجدها مستوفاة في نصب الراية 3: 241- 243، والمحلى لابن حزم 10: 42- 49 وسنن البيهقي 7: 376- 382 وفتح الباري 9: 375- 379 وابن كثير والدر المنثور في تفسير الآية. هذا ولم يستوف أحد ذكر هذه الآثار كما استوفاها أبو جعفر رحمه الله.

(4/478)


4561 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرنا عطاء الخراساني قال: سمعني أبو سلمة بن عبد الرحمن أسأل ابن المسيب عن الإيلاء، فمررت به فقال: ما قال لك ابن المسيب؟ فحدثته بقوله، فقال: أفلا أخبرك ما كان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت يقولان؟ قلت: بلى! قال: كانا يقولان: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة، وهي أحق بنفسها.
4562 - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن عطاء الخراساني قال، حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن عثمان بن عفان قال: إذا مضت أربعة أشهر من يوم آلى، فتطليقة بائنة.
4563 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن معمر = أو حُدثت عنه = عن عطاء الخراساني، عن أبي سلمة، عن عثمان وزيد: أنهما كانا يقولان: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة.
4564 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال: آلى عبد الله بن أنيس من امرأته، فمكثت ستة أشهر، فأتى ابن مسعود فسأله، فقال: أعلمها أنها قد مُلِّكت أمرَها. فأتاها فأخبرها، وأصْدقها رطلا من وَرِقٍ.
4565 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله: أنه كان يقول في الإيلاء: إذا مضت الأربعة الأشهر، فهي تطليقة بائنة.
4566 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله مثل ذلك.
4567 - حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: آلى عبد الله بن أنيس من امرأته، قال: فخرج فغاب عنها ستة أشهر، ثم جاء فدخل عليها، فقيل: إنها قد بانت منك! فأتى عبد الله، فذكر

(4/479)


ذلك له، فقال له عبد الله: قد بانت منك، فَأتها فأعلمها واخطبها إلى نفسها. (1) فأتاها فأعلمها أنها قد بانت منه، وخطبها إلى نفسها، وأصدقها رِطلا من وَرِق. (2)
4568 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب، عن عطاء قال، حدثنا داود، عن عامر، عن ابن مسعود أنه قال، في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بائنة.
4569 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثني عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر: أن رجلا من بني هلال يقال له فلان ابن أنيس = أو: عبد الله بن أنيس = أراد من أهله ما يريد الرجلُ من أهله، فأبت، فحلف أن لا يقرَبها. فطرأ على الناس بعثٌ من الغد، فخرج فغاب ستة أشهر ثم قدم، فأتى أهله ما يرى أن عليه بأسًا! فخرج إلى القوم فحدثهم بسَخَطه على أهله حيث خرج، وبرضاه عنهم حين قدم. فقال القوم: فإنها قد حرُمت عليك! فأتى ابن مسعود فسأله عن ذلك، فقال ابن مسعود: أما علمت أنها حرُمت عليك؟ قال لا! قال: فانطلق فاستأذن عليها، فإنها ستنكر ذلك، ثم أخبرها أنّ يمينك التي كنت حلفتَ عليها صارت طلاقًا، وأخبرها أنها واحدة، وأنها أملك بنفسها، فإن شاءت خطبتها فكانت عندك على ثنتين، وإلا فهي أملكُ بنفسها.
4570 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد الله قال، في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وتعتدّ ثلاثة قروء. (3)
4571 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان،
__________
(1) في المطبوعة: "وأعلمها واخطبها" وأثبت ما في المخطوطة.
(2) الورق (بفتح الواو، وكسر الراء، أو سكونها- وبكسر الواو وسكون الراء) : هي الفضة والدراهم المضروبة.
(3) "أبو عبيدة" هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ويقال اسمه"عامر بن عبد الله" ويقال اسمه كنيته. روى عن أبيه ولم يسمع منه. مترجم في التهذيب وغيره.

(4/480)


عن منصور والأعمش ومغيرة، عن إبراهيم: أن عبد الله بن أنيس آلى من امرأته، فمضت أربعةُ أشهر، ثم جامعها وهو ناسٍ، فأتى علقمة، فذهب به إلى عبد الله، فقال عبد الله: بانت منك فاخطبها إلى نفسها، فأصدقها رطلا من فضة.
4572 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أيوب= وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب= عن أبي قلابة: أن النعمان بن بشير آلى من امرأته، فضرب ابنُ مسعود فخذَه وقال: إذا مضت أربعة أشهر فاعترفْ بتطليقة. (1)
4573 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت داود، عن عامر: أن ابن مسعود قال في المُولي: إذا مضت أربعة أشهر ولم يفئ فقد بانت منه امرأته بواحدة وهو خاطب.
4574 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: عَزْم الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر.
4575- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، مثله.
4576- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس: أنه قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بائنة. (2)
4577- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد، عن جعفر بن برقان، عن
__________
(1) اعترف بالشيء: أقر به.
(2) في المطبوعة: "حدثنا محمد بن جعفر" أول الإسناد أسقط منه"حدثنا محمد بن المثنى قال" وصوابه من المخطوطة، وهو بين من الإسناد قبله.

(4/481)


عبد الأعلى بن ميمون بن مهران، عن عكرمة أنه قال: إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة= فذكر ذلك عن ابن عباس. (1)
4578 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو نعيم، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال، عزيمة الطلاق انقضاء الأربعة. (2)
4579- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، مثله.
4580- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن فضيل قال، حدثنا الأعمش، عن حبيب، عن سعيد بن جبير: أن أمير مكة سأله عن المُولي، فقال: كان ابن عمر يقول: إذا مضت أربعة أشهر مُلِّكت أمرها= وكان ابن عباس يقول ذلك.
4581- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا حفص، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال، إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة.
4582- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا حفص، عن حجاج، عن سالم المكي، عن ابن الحنفية، مثله.
4583 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبى وشعيب، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبان بن صالح، عن ابن شهاب:
__________
(1) الأثر: 4577-"خالد بن مخلد القطواني". أبو الهيثم البجلي. روى عنه البخاري ومسلم وأبو كريب قال ابن معين: لا بأس بهن مات سنة 213. مترجم في التهذيب. و"جعفر بن برقان الكلابي". روى عن يزيد الأصم والزهري وعطاء وميمون بن مهران وعبد الأعلى بن ميمون وهو ثقة: وكان أميًا لا يقرأ ولا يكتب ولكن كانت له رواية وفقه وفتوى مات سنة 150. مترجم في التهذيب. و"عبد الأعلى بن ميمون" سمع أباه وعكرمة وعطاء، وسمع منه جعفر بن برقان مترجم في الجرح والتعديل 3/1/27.
(2) الأثر: 4578- في المطبوعة والمخطوطة"يزيد بن زياد عن أبي الجعد" وقد سلف مثل هذا الخطأ وصححناه فهو"يزيد بن زياد بن أبي الجعد" فيما سلف رقم: 510: 0

(4/482)


أن قبيصة بن ذؤيب قال في الإيلاء: هي تطليقة بائنة وتأتنف العدة (1) وهي أملكُ بأمرها.
4584 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن شريح: أنه أتاه رجل فقال: إني آليت من امرأتي فمضت أربعة أشهر قبل أن أفيء؟ فقال شريح:" وإذ عزموا الطلاقَ فإن الله سميع عليم"- لم يزده عليها. فأتى مسروقًا فذكر ذلك له، فقال: يرحم الله أبا أمية لو أنا قلنا مثل ما قال لم يفرِّج أحد عنه! وإنما أتاه ليفرِّج عنه! ثم قال: هي تطليقة بائنة، وأنت خاطبٌ من الخطَّاب.
4585- حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة أنه سمع الشعبي، يحدث: أنه شهد شُرَيحًا - وسأله رجل عن الإيلاء - فقال:" للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر" الآية قال: فقمت من عنده، فأتيتُ مسروقًا، فقلت: يا أبا عائشة= وأخبرته بقول شريح، فقال: يرحم الله أبا أمية، لو أن الناس كلهم قالوا مثل هذا، منْ كان يفرج عنا مثل هذا! ثم قال: إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة بائنة.
4586 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو داود، عن جرير بن حازم قال، قرأت في كتاب أبي قلابة عند أيوب: سألت سالم بن عبد الله وأبا سلمة بن عبد الرحمن فقالا إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقه بائنة.
8587 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو داود، عن جرير بن حازم، عن قيس بن سعد، عن عطاء قال، إذا مضت أربعة أشهر، فهي تطليقة بائنة، ويخطبها في العِدَّة.
4588- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر، عن أبيه-
__________
(1) ائتنف الأمر ائتنافًا واستأنفه: أخذ أوله وابتدأه أو استقبله. من"الأنف" (بفتح فسكون) وأنف كل شيء أوله.

(4/483)


في الرجل يقول لامرأته:"والله لا يجمع رأسي ورأسك شيء أبدًا! "، ويحلف أن لا يقربها أبدًا= فإن مضت أربعة أشهر ولم يفئ، كانت تطليقة بائنة، وهو خاطب- قول علي وابن مسعود وابن عباس والحسن.
4589 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: أنه سئل عن رجل قال لامرأته:"إن قرَبتُك فأنت طالق ثلاثًا"، قال، فإذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وسقط ذلك.
4590 - حدثنا سوّار قال، حدثنا بشر بن المفضل= وحدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع = جميعًا، عن يزيد بن إبراهيم، قال، سمعت الحسن ومحمدًا في الإيلاء، قالا إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت بتطليقة بائنة، وهو خاطب من الخطاب.
4591- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد قال، كنا نتحدث في الأليَّة أنها إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة.
4592 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام، عن الأعمش، عن إبراهيم في الإيلاء قال: إن مضت= يعني: أربعة أشهر= بانت منه.
4593 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن النخعي قال: إن قرَبها قبل الأربعة الأشهر فقد بانت منه بثلاث، وإن تركها حتى تمضي الأربعة الأشهر بانت منه بالإيلاء = في رجل قال لامرأته:"أنت طالق ثلاثًا إن قربتك سنة".
4594 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادة قال: أعتم عبيد الله بن زياد عند هندٍ في ليلة أم عثمان ابنة عمر بن عبيد الله، فلما أتاها أمرت جواريها، فأغلقنَ الأبواب دونه، فحلف أن لا يأتيها

(4/484)


حتى تأتيه، فقيل له: إن مضت أربعة أشهر ذهبتْ منك. (1)
4595 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عوف قال: بلغني أن الرجل إذا آلى من امرأته فمضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، ويخطبها إن شاء.
4596 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر"- في الذي يُقسم، وإن مضت الأربعة الأشهر فقد حرُمت عليه، فتعتدُّ عدّة المطلقة وهو أحد الخطاب.
4597 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب قال، إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة. (2)
4598 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإنّ فاءوا فإنّ الله غفورٌ رحيم"- وهذا في الرجل يولي من امرأته ويقول:"والله لا يجتمع رأسي ورأسك، ولا أقربك، ولا أغشاك! "، فكان أهل الجاهلية يعدُّونه طلاقًا، فحدّ الله لهما أربعة أشهر، فإن فاء فيها كفر يمينه وهي امرأته، وإن مضت أربعة أشهر ولم يفئ فهي تطليقة بائنة، وهي أحق بنفسها، وهو أحد الخطاب.
4599- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.
__________
(1) الأثر: 4594-"هند" هي: هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري و"أم عثمان بنت عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي" وهما زوجتاه. وقوله: "أعتم" أي تأخر وأبطأ في الليل وقد مرت قطعة منه، والعتمة: ظلام الليل.
(2) الأثر: 4597- انظر الأثر السالف رقم: 4583.

(4/485)


4600- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر"، قال: كان ابن مسعود وعمر بن الخطاب يقولان: إذا مضت أربعة أشهر فهي طالق بائنة، وهي أحقُّ بنفسها.
4601 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو وهب، عن جويبر، عن الضحاك:" للذين يؤلون" الآية، هو الذي يحلف أن لا يقرب امرأته، فإن مضت أربعة أشهر ولم يفئ ولم يطلِّق، بانت منه بالإيلاء. فإن رجعت إليه فمهرٌ جديد، ونكاح ببيِّنة، ورضًا من الوليّ. (1)
* * *
وقال آخرون: بل الذي يلحقها بمضي الأربعة الأشهر: تطليقةٌ، يملك فيها الزوجُ الرحعةَ.
* ذكر من قال ذلك:
4602 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قالا إذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر، فواحدة وهو أملك برجعتها. (2)
4603 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن إدريس، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال، إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة يملك الرَّجعة. (3)
4604 - حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن مكحول قال، إذا مضت أربعة اشهر فهي تطليقة، يملك الرجعة.
__________
(1) في المطبوعة: "ورضا من المولى" وهو خطأ والصواب من المخطوطة.
(2) الأثر: 4602- في الموطأ: 557، بغير هذا اللفظ وفي المطبوعة: "لرجعتها" والصواب من المخطوطة.
(3) الأثر 4603- لم أجده بلفظه في الموطأ، وكأنه مختصر الذي سلف.

(4/486)


4605 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال، هي واحدة وهو أحق بها= يعني إذا مضت الأربعة الأشهر= وكان الزهري يفتي بقول أبي بكر هذا.
4606 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا الليث قال، حدثني يونس قال، قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أنه قال: إذا آلى الرجل من امرأته فمضت الأربعة الأشهر قبل أن يفيء فهي تطليقة وهو أملك بها ما كانت في عِدَّتها.
4607 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا يحيى بن يمان قال، حدثنا أبو يونس القوي قال، قال لي سعيد بن المسيب: ممن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق! قال، لعلك ممن يقول:"إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت! "، لا! ولو مضت أربع سنين. (1)
4608 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا حجاج بن رِشْدين قال: حدثنا عبد الحبار بن عمر، عن ربيعة: أنه قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة، وتستقبل عِدَّتها، وزوجها أحق برجعتها. (2)
4609 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، كان ابن شبرمة يقول: إذا مضت أربعة أشهر فله الرجعة = ويخاصِم بالقرآن، ويتأوَّل
__________
(1) الأثر: 4607-"أبو القوي" هو: الحسن بن يزيد بن فروخ الضمري ويقال العجلي. سكن الكوفة. قال ابن معين: "هو الذي يقال له الطواف". وسمي"القوي" لقوته على العبادة قال وكيع: "بكى حتى عمى وصلى حتى حدب وطاف حتى أقعد" وثقه ابن معين والنسائي. مترجم في التهذيب.
(2) الأثر: 4608-"حجاج بن رشدين بن سعد المصري". روى عن أبيه وحيوة بن شريح وعنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. قال ابن أبي حاتم: سألت أي عنه: "لا علم لي به، لم أكتب عن أحد عنه". وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه ابن عدي مات سنة 211. مترجم في لسان الميزان والجرح والتعديل 1/2160. و"عبد الجبار بن عمر الأيلي" سمع الزهري وبيعة وعطاء الخراساني وأبا الزناد؟ روى عنه ابن وهب وسعيد بن أبي مريم. سئل يحيى بن معين عنه فقال: ضعيف ليس بشيء". وقال أبو زرعة: "ضعيف الحديث ليس بقوي" مترجم في الجرح والتعديل 3/1/31- 32.

(4/487)


هذه الآية: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) [سورة البقرة: 228] ، ثم نزع: (1) " للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر فإذ فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزَموا الطلاق فإن الله سميع عليم"
4610 - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، قال أبو عمر: ونحن في ذلك = يعني في الإيلاء = على قول أصحابنا الزهريّ ومكحول أنها تطليقة - يعني مضيّ الأربعة الأشهر - وهو أملك بها في عدتها. (2)
* * *
وقال آخرون: معنى قوله:" للذين يؤلون من نسائهم" إلى قوله:" فإنّ الله سميع عليم"="للذين يؤلون" على الاعتزال من نسائهم، تنظُّرُ أربعة أشهر بأمره وأمرها="فإن فاؤوا" بعد انقضاء الأشهر الأربعة إليهنّ، فرجعوا إلى عشرتهن بالمعروف، وترك هجرانهن، وأتوْا إلى غشيانهن وجماعهن="فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق" فأحدثوا لهن طلاقًا بعد الأشهر الأربعة="فإن الله سميع" لطلاقهم إياهن="عليم" بما فعلوا بهن من إحسان وإساءة.
وقال متأوِّلو هذا التأويل: مضي الأشهر الأربعة يوجب للمراة المطالبةَ على زوجها المُولي منها، بالفيء أو الطلاق، ويجب على السلطان أن يقف الزوج على ذلك، فإن فاء أو طلَّق، وإلا طلَّق عليه السلطان.
* ذكر من قال ذلك:
4611 - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، أخبرنا المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب: أن عمر قال في
__________
(1) نزع بالآية والشعر، وانتزع بهما: تمثل. ويقال أيضًا للرجل إذا استنبط معنى آية من كتاب الله: "قد انتزع معنى جيدًا- ونزعه": أي استخرجه.
(2) الأثر: 4610-"الوليد بن مسلم القرشي" الدمشقي عالم الشام. قال أحمد: "ما رأيت أعقل منه. وقال مروان بن محمد: "إذا كتبت حديث الأوزاعي عن الوليد فلا تبالي من فاتك، وقال: "كان الوليد عالما بحديث الأوزاعي". مات بعد انصرافه من الحج سنة 194. "أبو عمرو" هو الإمام الجليل أبو عمرو الأوزاعي"عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد" الفقيه المشهور.

(4/488)


الإيلاء: لا شيء عليه حتى يُوقَف، فيطلق أو يمسك. (1)
4612- حدثني عبد الله بن أحمد بن شَبَّويه قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا يحيى بن أيوب، عن المثنى، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب، مثله. (2)
4613- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا غندر قال، حدثنا شعبة، عن سماك قال، سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن عمر بن الخطاب: أنه قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر لم يجعله شيئًا.
4614 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن عيينة، عن الشيباني، عن الشعبي، عن عمرو بن سلمة، عن علي: أنه كان يقف المولي بعد الأربعة الأشهر حتى يفيء أو يطلق.
4615 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن الشيباني، عن الشعبي، عن عمرو بن سلمة، عن علي: قال في الإيلاء: يُوقَف.
4616- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الشيباني، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي: أنه كان يَقِفُه.
4617- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن الشيباني، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي: أنه كان يوقفه. (3)
4618- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، عن مروان بن الحكم، عن على قال: يُوَقف المُولي عند انقضاء الأربعة
__________
(1) الأثر: 4611-"هو المثنى بن الصباح اليماني". أصله من أبناء اليمن بفارس روى عن طاوس ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن شعيب. قال يحيى بن سعيد وذكر عنده: "لم نتركه من أجل عمرو بن الشعيب ولكن كان منه اختلاط في عطاء". وقال أحمد: "لا يساوي حديثه شيئًا، مضطرب الحديث" وضعفه ابن معين وغيره. مات سنة 149.
(2) الأثر: 4612-"عبد الله بن أحمد بن شبويه" سلف في رقم: 1909.
(3) الأثر: 4617- في المخطوطة: "عن ابن أبي ليلى في الإيلاء قال، يوقف" ليس فيه"عن علي: أنه كان يوقفه".

(4/489)


الأشهر حتى يفيء أو يطلق= قال أبو كريب، قال ابن إدريس: وهو قول أهل المدينة.
4619 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، عن مروان، عن علي مثله.
4620 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، عن مروان بن الحكم، عن علي قال، المُولي إمَّا أن يفيء، وإما أن يطلّق.
4621 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع، عن مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، أن عثمان كان يقف المولي بقول أهل المدينة.
4622- حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت قال، لقيت طاوسًا فسألته، فقال: كان عثمان يأخذ بقول أهل المدينة.
4623 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا همام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي الدرداء أنه قال: ليس له أجل وهي معصية، يوقف في الإيلاء، فإما أن يمسك، وإما أن يطلق.
4624- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا همام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب أن أبا الدرداء: قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فانه يوقف، إما أن يفيء، وإما أن يطلق.
4625 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أن أبا الدرداء كان يقول: هي معصية، ولا تحرم عليه امرأته بعد الأربعة الأشهر، ويجعل عليها العدّة بعد الأربعة الأشهر.
4626 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة أن أبا الدرداء وسعيد بن المسيب قالا يوقف عند انقضاء الأربعة

(4/490)


الأشهر، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق، ولا يزال مقيما على معصية حتى يفيء أو يطلق.
4627 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة أن أبا الدرداء وعائشة قالا يوقف المولي عند انقضاء الأربعة، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق.
4628 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الدرداء وسعيد بن المسيب، نحوه.
4629 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، قال، (1) حدثنا الحسن، عن ابن أبى مليكة قال، قالت عائشة: يوقف عند انقضاء الأربعة الأشهر، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق. قال: قلت: أنتَ سمعتها؟ قال: لا تُبَكِّتْني. (2)
4630- حدثنا إبراهيم بن مسلم بن عبد الله قال، حدثنا عمران بن ميسرة قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا حسن بن الفرات بإسناده عن عائشة، مثله. (3)
4631- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا عبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكه، عن عائشة، مثله.
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "أبو إدريس" وهو خطأ ورواية أبي كريب عن ابن إدريس كثيرة دائرة في التفسير أقربها آنفًا رقم: 4609، وقد مضت ترجمته.
(2) التبكيت: استقبال الرجل بما يكره. والتبكيت أيضًا: التقريع والتوبيخ.
(3) الأثر: 4629- 4630-"أبو مسلم": إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجي. أو الكشي مضى في رقم: 3562، 4327. وكان في المطبوعة هنا: "إبراهيم بن مسلم بن عبد الله" وهم الناسخ فحذف الكنية"أبو مسلم" وأقحم"بن مسلم" بينه وبين أبيه. و"عمران بن ميسرة المنقري". روى عن عبد الله بن إدريس. وعنه البخاري وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو مسلم الكجي: وثقه الدارقطني. مات سنة 213. مترجم في التهذيب. و"الحسن بن الفرات بن أبي عبد الرحمن التميمي الفزاز" وهو المذكور في الإسناد السالف: 4629. روى عن أبي معشر وابن أبي مليكة وأبيه فرات. وعنه ابنه زياد وعبد الله بن إدريس ووكيع وأبو نعيم وغيرهم. وثقه ابن معين وابن حبان وأبو حاتم. مترجم في التهذيب والجرح والتعديل 1/2/32.

(4/491)


4632 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: إذا آلى الرجل أن لا يمسَّ امرأته، فمضت أربعة أشهر، فإما أن يمسكها كما أمره الله، وإما أن يطلقها لا يوجب عليه الذي صَنع طلاقًا ولا غيره. (1)
4633 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس بن يزيد وناجية بن بكر وابن أبي الزناد، عن أبي الزناد قال، أخبرني القاسم بن محمد: أنّ خالد ابن العاص المخزومي كانت عنده ابنة أبي سعيد بن هشام، وكان يحلف فيها مرارًا كثيرة أن لا يقربها الزمانَ الطويلَ قال، فسمعت عائشة تقول له: ألا تتقي الله يا ابن العاص في ابنة أبي سعيد؟ أما تخْرج؛ أما تقرأ هذه الآية التي في"سورة البقرة"؟ قال: فكأنها تؤثِّمه، ولا ترى أنه فارق أهله. (2)
4634 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال في المولي: لا يحلّ له إلا ما أحل الله له: إما أن يفيء، وإما أن يطلق.
4635 - حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا عيد الله بن نمير قال، أخبرنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، نحوه. (3)
4636 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال، لا يجوز للمُولي أن لا يفعل ما أمره الله، يقول:
__________
(1) الأثر: 4632-"عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب" أحد الفقهاء السبعة. روى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر وابنه عبد الرحمن بن القاسم. كان في المطبوعة والمخطوطة"عبد الله بن عمر" وانظر سنن البيهقي 8: 378.
(2) الأثر: 4633-"يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي". روى عن الزهري ونافع وهشام بن عروة. وعنه الليث والأوزاعي وابن المبارك وابن وهب، ثقة. مات بصعيد مصر سنة 159. مترجم في التهذيب. "وأما" ناجية بن بكر" فلم أجد من يسمى بهذا الإسم من الرواة ولكن ابن وهب يروى عن"بكر بن مضر المصري" فأخشى أن يكون في الكلام زيادة وتصحيف. والله أعلم. وفي المطبوعة والمخطوطة: "يا ابن أبي العاص" والصواب ما أثبت. وانظر نسب قريش: 312.
(3) الأثر: 4635- في المخطوطة: "عن عبد الله عن نافع" في هذا الموضع وحده.

(4/492)


يبيِّن رجعتها، أو يطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر - يبين رجعتها، أو يطلق = قال أبو كريب. قال ابن إدريس وزاد فيه. وراجعته فيه، فقال قولا معناه: إن له الرجعة.
4637 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا شعبة، عن سماك، عن سعيد بن جبير أن عمر قال نحوا من قول ابن عمر.
4638 - حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا جرير بن حازم قال، أخبرنا نافع أن ابن عمر قال في الإيلاء: يوقف عند الأربعة الأشهر.
4639 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: إذا آلى الرجل أن لا يمس امرأته فمضت أربعة أشهر، فإما أن يمسكها كما أمره الله، وإما أن يطلقها ولا يوجب عليه الذي صنعَ طلاقًا ولا غيره.
4640 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن عيينة، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال، سألت ابن عمر عن الإيلاء فقال: الأمراء يقضون بذلك.
4641 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال، يوقف المولي بعد انقضاء الأربعة. فإما أن يطلِّق، وإما أن يفيء.
4642 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال، سألت اثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الرجل يولي من امرأته، فكلهم يقول: ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة الأشهر فيوقف، فإن فاء وإلا طلق.
4643 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب، قال حدثنا داود،

(4/493)


عن سعيد بن المسيب - في الرجل يولي من امرأته- قال: كان لا يرى أن تدخل عليه فرقه حتى يطلق. (1)
4644 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن سعيد بن المسيب: في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر: إنما جعله الله وقتًا لا يحل له أن يجاوزَ حتى يفيء أو يطلِّق، فإن جاوز فقد عصى الله لا تحرُمُ عليه امرأته.
4645 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن فضيل، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب قال، إذا مضت أربعة أشهر، فإما أن يفيء، وإما أن يطلِّق.
4646 - حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتاده، عن ابن المسيب: في الإيلاء: يوقف عند انقضاء الأربعة الأشهر، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق.
4647- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن معمر= أو حدثته عنه= (2) عن عطاء الخراساني قال، سألت ابن المسيب عن الإيلاء، فقال: يُوقف.
4648 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عطاء الخراساني، عن ابن المسيب= وعن ابن طاوس، عن أبيه، قالا يوقف المولي بعد انقضاء الأربعة، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق. (3) .
__________
(1) قوله: "فرقه" هكذا في المخطوطة وفي المطبوعة: "فرقة" والأرجح أنها مصحفة عن كلمة معناها: بيته، أو غرفته.
(2) في المطبوعة: "حدثته" وما أثبت من المخطوطة.
(3) عند هذا الموضع، انتهى تقسيم من تقاسيم النسخة التي نقت عنها نسختنا ويلي ذلك الأثر ما نصه:
"وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيرًا * * *
على الأصل
بلغت بالقراءة من أوله سماعًا من القاضي أبي الحسن الخصيب بن عبد الله عن أبي محمد الفرغاني، عن أبي جعفر الطبري. وسمع معي أخي عليٌّ حرسه الله وأحمد بن عمر بن مديدة الجهاري، ونصر بن الحسين الطبريّ ومحمد بن عليّ الأموي. وكتب محمد بن عيسى السعدي في شعبان من سنة ثمان وأربعمائة- والقاضي يقابلني بكتابه"

(4/494)


4649 - (1) حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، حدثني مالك بن أنس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مثل ذلك= يعني مثل قول عمر بن الخطاب في الإيلاء: لا شيء عليه، حتى يوقف، فيطلق، أو يمسك. (2)
4650 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال في الإيلاء: يوقف.
4651 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح= وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح= عن مجاهد في قوله:" للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر"، قال إذا مضى أربعة أشهر أخذ فيوقف حتى يراجع أهله، أو يطلِّق.
4652 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن عيينة، عن أيوب، عن سليمان بن يسار: أن مروان وَقفه بعد ستة أشهر.
4653 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود،
__________
(1) أول التقسيم ما نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم"
(2) الأثر: 4649- هذا إسناد آخر للأثر: 4602 فيما سلف وأما خير عمر فهو الذي مضى برقم: 4611.

(4/495)


عن عمر بن عبد العزيز في الإيلاء قال، يوقف عند الأربعة الأشهر حتى يفيء، أو يطلق.
4654 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي عن ابن عباس قوله:" للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر"، هو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها، فيتربص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفر عن يمينه، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها أجبره السلطان إما أن يفيء فيراجع، وإما أن يعزم فيطلق، كما قال الله سبحانه.
4655 - حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا "الآية، قال: كان علي وابن عباس يقولان: إذا آلى الرجل من امرأته فمضت الأربعة الأشهر فإنه يوقف فيقال له: أمسكتَ أو طلَّقت، فإن أمسك فهي امرأته، وإن طلق فهي طالق.
4656 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" للذين يؤلون من نسائهم" قال: هو الرجل يحلف أن لا يصيب امرأته كذا وكذا، فجعل الله له أربعة أشهر يتربص بها. وقال: قول الله تعالى ذكره:" تربص أربعة أشهر"، يتربص بها=" فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم" فإذا رفعته إلى الإمام ضرب له أجلَ أربعةِ أشهر، (1) فإن فاء وإلا طَلَّق عليه، فإن لم ترفعه فإنما هو حقٌّ لها تركته.
4657- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، عن مالك قال، لا يقع على المولي طلاق حتى يوقف، ولا يكون موليًا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر، فإذا حلف على أربعة أشهر فلا إيلاء عليه، لأنه يوقف عند الأربعة الأشهر، وقد سقطت عنه اليمين، فذهب الإيلاء
__________
(1) في المطبوعة: "أجلا أربعة أشهر" وأثبت ما في المخطوطة.

(4/496)


(1)
4658 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد قال، قال ابن عمر: حتى يرفع إلى السلطان، وكان أبي يقول ذلك ويقول: لا والله وإن مضت أربعُ سنين حتى يوقَف.
4659 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا فطر قال، قال محمد بن كعب القرظي وأنا معه: لو أن رجلا آلى من امرأته أربعَ سنين لم نُبِنْها منه حتى نجمع بينهما، (2) فإن فاء فاء، وإن عزم الطلاق عزم.
4660 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا عبد العزيز الماجشون، عن داود بن الحصين قال، سمعت القاسم بن محمد يقول: يوقف إذا مضت الأربعة.
* * *
وقال آخرون: ليس الإيلاء بشيء.
* ذكر من قال ذلك:
4661 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا ابن علية، عن عمرو بن دينار قال، سألت ابن المسيَّب عن الإيلاء فقال: ليس بشيء.
4662 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثني جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران قال، سألت ابن عمر عن رجل آلى من امرأته، فمضتْ أربعة أشهر فلم يفئ إليها، فتلا هذه الآية:" للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر" الآية.
4663 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا مسعر،
__________
(1) الأثر: 4657- لم أجد نصه في الموطأ ومعناه فيه (الموطأ: 556- 558) .
(2) في المطبوعة: "لم نكبها منه" كأنه من"الإكنان" تصحيف ناسخ والصواب من المخطوطة.

(4/497)


عن حبيب بن أبي ثابت قال، أرسلت إلى عطاء أسأله عن المولي، فقال: لا علم لي به.
* * *
وقال آخرون من أهل هذه المقالة: بل معنى قوله:"وإن عزموا الطلاق": وإن امتنعوا من الفيئة، بعد استيقاف الإمام إيّاهم على الفيء أو الطلاق.
* ذكر من قال ذلك:
4664 - حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال، يوقف المولي عند انقضاء الأربعة، فإن فاء جعلها امرأته، وإن لم يفئ جعلها تطليقة بائنة.
4665 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم قال، يوقف المولي عند انقضاء الأربعة، فإن لم يفئ فهي تطليقة بائنة.
* * *
قال أبو جعفر: وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر كتاب الله تعالى ذكره، قولُ عمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومن قال بقولهم في الطلاق= أن قوله:" فإن فاءوا فإنّ الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإنّ الله سميع عليم" إنما معناه: فإن فاءوا بعد وَقف الإمام إياهم من بعد انقضاء الأشهر الأربعة، فرجعوا إلى أداء حق الله عليهم لنسائهم اللائي آلوا منهن، فإن الله لهم غفور رحيم="وإن عزموا الطلاق" فطلَّقوهن="فإن الله سميع"، لطلاقهم إذا طلَّقوا="عليم" بما أتوا إليهن.
وإنما قلنا ذلك أشبه بتأويل الآية، لأن الله تعالى ذكره ذكر حين قال:" وإن عزموا الطلاق"،"فإن الله سميع عليم" (1) ومعلوم أنّ انقضاء الأشهر الأربعة غير مسموع، وإنما هو معلوم، فلو كان"عزم الطلاق" انقضاء الأشهر الأربعة لم تكن الآية مختومة بذكر الله الخبر عن الله تعالى ذكره أنه"سميع عليم"،
__________
(1) فصلنا بين شطري الآية لأن ذلك مراد الطبري. يعني أن الله تعالى حين قال"وإن عزموا الطلاق"- ختم الآية بقوله: "فإن الله سميع عليم".

(4/498)


وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)

كما أنه لم يختم الآية التي ذكر فيها الفيء إلى طاعته = في مراجعة المولي زوجته التي آلى منها، وأداء حقها إليها = بذكر الخبر عن أنه"شديد العقاب"، إذْ لم يكن موضعَ وعيد على معصية، ولكنه ختم ذلك بذكر الخبر عن وصفه نفسه تعالى ذكره بأنه"غفور رحيم"، إذْ كان موضعَ وَعد المنيب على إنابته إلى طاعته، فكذلك ختم الآية التي فيها ذكر القول، والكلام بصفة نفسه بأنه للكلام"سميع" وبالفعل"عليم"، فقال تعالى ذكره: وإن عزم المؤلون على نسائهم على طلاق من آلوا منه من نسائهم="فإن الله سميع" لطلاقهم إيّاهن إن طلقوهن="عليم" بما أتوا إليهنّ، مما يحل لهم، ويحرُم عليهم. (1) .
وقد استقصينا البيان عن الدلالة على صحة هذا القول في كتابنا (كتاب اللطيف من البيان عن أحكام شرائع الدين) ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره:"والمطلقات" اللواتي طُلِّقن بعد ابتناء أزواجهن بهنّ، وإفضائهم إليهن، إذا كن ذوات حيض وطهر-"يتربصن بأنفسهن" عن نكاح الأزواج ="ثلاثةَ قُرُوْءٍ".
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل"القرء" الذي عناه الله بقوله:" يتربَّصن بأنفسهن ثلاثة قروء"
__________
(1) هذا فقه أبي جعفر لمعاني كتاب ربه، وتجويده لدلائل البلاغة والبيان في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيه البرهان لمن طلب الحق من وجوهه بالورع والصبر والبصر ومعرفة ما توجبه الألفاظ من المعاني.

(4/499)


فقال بعضهم: هو الحيض.
* ذكر من قال ذلك:
4666 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" قال: حِيَضٍ. (1)
4667 - حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:" ثلاثة قروء" أي ثلاث حِيَض. يقول: تعتدّ ثلاث حِيَض.
4668 - حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا همام بن يحيى قال، سمعت قتادة في قوله:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" يقول: حمل عدة المطلقات ثلاث حيض، ثم نُسخ منها المطلقة التي طُلِّقت قبل أن يدخل بها زوجها، واللائي يَئِسْن من المحيض، واللائي لم يحضن، والحامل.
4669 - حدثنا علي بن عبد الأعلى قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال، القروءُ الحِيَض. (2)
4670 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" قال: ثلاث حيض.
4671 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا ابن جريج قال، قال عمرو بن دينار: الأقراءُ الحيَض عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) الحيضة (بكسر الحاء) الاسم من الحيض والحال التي تلزمها الحائض من التجنب والتحيض والجمع"حيض" (بكر الحاء وفتح الياء) وأما"الحيضة" المرة الواحدة من الحيض، جمعها"حيضات" (بفتح وسكون) .
(2) الأثر: 4669- في المطبوعة والمخطوطة: "علي بن عبد الأعلى" وانظر ما سلف رقم: 4485، وأخشى أن يكون الصواب"محمد بن عبد الأعلى" وقد سلف مرارًا.

(4/500)


4672 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن رجل سمع عكرمة قال: الأقراءُ الحِيَض، وليس بالطهر، قال تعالى:" فطلِّقوهن لعدتهن"، ولم يقل:"لقروئهن".
4673 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" قالا ثلاث حيض.
4674 - حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" أما ثلاثة قروء: فثلاث حيض.
4675 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي: أنه رُفِع إلى عمر، فقال لعبد الله بن مسعود: لتقولنَّ فيها. فقال: أنت أحق أن تقول! قال: لتقولن. قال: أقول: إن زوجها أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. قال، ذاك رأيي وافقتَ ما في نفسي! فقضى بذلك عُمر. (1)
4676- حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، عن قتادة، أن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود، فذكر نحوه.
4677 - حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، أن عمر بن الخطاب وابن مسعود قالا زُوجُها أحق بها ما لم تغتسل= أو قالا تحلَّ لها الصلاة. (2)
4678 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا
__________
(1) الأثر: 4675- قال السيوطي أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد. ورواه البيهقي في السنن 7: 417 مطولا بغير هذا اللفظ، من طريق"الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة: أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت. . " وانظر المحلى 10: 258، وسيأتي من طرق أخرى.
(2) يعني: ما لم تحل لها الصلاة.

(4/501)


سعيد بن أبي عروبة= قال، حدثنا مطر، أن الحسن حدثهم: أن رجلا طلق امرأته، ووكَّل بذلك رجلا من أهله= أو إنسانًا من أهله= فغفل ذلك الذي وكله بذلك حتى دخلت امرأته في الحيضة الثالثة، وقرَّبت ماءها لتغتسل، فانطلق الذي وُكِّل بذلك إلى الزوج، فأقبل الزوج وهي تريد الغُسل، فقال: يا فلانة، قالت: ما تشاء؟ قال: إني قد راجعتك! قالت: والله ما لك ذلك! قال: بلى والله! قال: فارتفعا إلى أبي موسى الأشعري، فأخذ يمينها بالله الذي لا إله إلا هو: إن كنت لقد اغتسلت حين ناداك. قالت: لا والله، ما كنت فعلت، ولقد قربت مائي لأغتسل. فردها على زوجها، وقال: أنتَ أحقُّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
4679- حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن مطر، عن الحسن، عن أبي موسى الأشعري بنحوه.
4680 - حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا يونس، عن الحسن قال، قال عمر: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
4681 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا أبو هلال، عن قتادة، عن يونس بن جبير: أن عمر بن الخطاب طلق امرأته، فأرادت أن تغتسل من الحيضة الثالثة، فقال عمر بن الخطاب: امرأتي ورب الكعبة! فراجعها= قال ابن بشار: فذكرت هذا الحديث لعبد الرحمن بن مهدي، فقال: سمعتُ هذا الحديث من أبي هلال، عن قتاده، وأبو هلال لا يحتمل هذا. (1)
4682 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان،
__________
(1) الأثر: 4681-"أبو الوليد": هو هشام بن عبد الملك الباهل البصري أبو الوليد الطيالسي الحافظ الحجة، كان ثقة ثبتا حجة من عقلاء الناس توفي سنة 227، وولد سنة 133"وأبو هلال" هو: محمد بن سليم أبو هلال الراسبي لبصري روى عنه عبد الرحمن بن مهدي. قال أحمد: "يحتمل في حديثه إلا أنه يخالف في قتادة وهو مضطرب الحديث". مات سنة 167.

(4/502)


عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا عند عمر بن الخطاب، فجاءت امرأة فقالت: إن زوجي طلقني واحدة أو ثنتين، فجاء وقد وضعت مائي، وأغلقت بابي، ونزعت ثيابي. فقال عمر لعبد الله: ما ترى؟ قال: أراها امرأته ما دون أن تحل لها الصلاة. قال عمر: وأنا أرى ذلك. (1)
4683 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود: أنه قال- في رجل طلق امرأته ثم تركها حتى دخلت في الحيضة الثالثة، فأرادت أن تغتسل، ووضعت ماءها لتغتسل، فراجعها-: فأجازه عمر وعبد الله بن مسعود.
4684- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، بمثله= إلا أنه قال: ووضعت الماء للغسل، فراجعها، فسأل عبد الله وعمر، فقال: هو أحق بها ما لم تغتسل.
4685 - حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان عمر وعبد الله يقولان: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة يملك الرجعة، فهو أحق بها ما لم تغتسل من حيضتها الثالثة.
4686 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا المغيرة، عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين، فهو أحق برجعتها، وبينهما الميراث ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
4687 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن الحسن: أن رجلا طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم وكلَّ بها بعض أهله، فغفل الإنسان حتى دخلت مغتسلها، وقرَّبت غسلها. فأتاه فآذنه، فجاء فقال: إني قد راجعتك! فقالت: كلا والله! قال: بلى والله! قالت: كلا والله! قال: بلى
__________
(1) الأثر: 4682- هو أحد أسانيد الأثر السالف رقم: 4675، وكذلك الآثار التي تليه.

(4/503)


والله! قال: فتخالفا، فارتفعا إلى الأشعريّ، واستحلفها بالله لقد كنتِ اغتسلت وحلَّت لك الصلاة. فأبت أن تحلف، فردَّها عليه. (1)
4688 - حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، حدثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، أنّ عمر استشار ابن مسعود في الذي طلق امرأته تطليقة أو ثنتين، فحاضت الحيضة الثالثة، فقال ابن مسعود: أراه أحق بها ما لم تغتسل، فقال عمر: وافقت الذي في نفسي. فردّها على زوجها.
4689 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا النعمان بن راشد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن عليا كان يقول: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. (2)
4690 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار قال، سمعت سعيد بن جبير يقول: إذا انقطع الدم فلا رجعة.
4691 - حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال، إذا طلق الرجل امرأته وهي طاهر اعتدت ثلاث حيض سوى الحيضة التي طهُرت منها.
4692- حدثني محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن مطر، عن عمرو بن شعيب، أن عمر سأل أبا موسى عنها- وكان بلغه قضاؤه فيها- فقال أبو موسى: قضيتُ أن زوجها أحقُّ بها ما لم تغتسل.
فقال عمر: لو قضيت غير هذا لأوجعت لك رأسك.
4693 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن علي بن أبي طالب قال - في
__________
(1) الأثر: 4687- طريق آخر للأثر السالف رقم: 4678.
(2) الأثر: 46890-"النعمان بن راشد الجزري" روى عن الزهري قال أحمد: مضطرب الحديث روى أحاديث مناكير. وقال ابن معين: ضعيف مضطرب الحديث، وقال مرة: ثقة وقال البخاري وأبو حاتم: في حديثه وهم كثير وهو في الأصل صدوق.

(4/504)


الرجل يتزوَّج المرأة فيطلقها تطليقة أو ثنتين- قال، لزوجها الرجعة عليها، حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحلَّ لها الصلاة.
4694 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن رفيع، عن أبي عبيدة بن عبد الله قال، أرسل عثمان إلى أبي يسأله عنها، فقال أبي: وكيف يفتى منافق؟ فقال عثمان: أعيذُك بالله أن تكون منافقًا، ونعوذ بالله أن نسمِّيك منافقًا، ونعيذك بالله أن يَكون مثلُ هذا كان في الإسلام، ثم تموت ولم تبيِّنه! قال: فإني أرى أنه أحق بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحلَّ لها الصلاة. قال: فلا أعلم عثمان إلا أخذ بذلك. (1)
4695 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة= قال، وأخبرنا معمر، عن قتادة= قالا راجع رجل امرأته حين وضعت ثيابها تريدُ الاغتسال فقال: قد راجعتك. فقالت: كلا! فاغتسلت. ثم خاصمها إلى الأشعري، فردَّها عليه.
4696 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن رفيع، عن معبد الجهني قال، إذا غسلت المطلقة فرجها من الحيضة الثالثة بانت منه وحلَّت للأزواج. (2)
__________
(1) الأثر: 4694- زيد بن رفيع الجزري، روى عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وروى عنه معمر، وزيد بن أبي أنيسة. كان فقيها فاضلا ورعًا. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال أحمد: ثقة ما به بأس. قيل لأحمد: سمع من أبي عبيدة؟ قال: نعم. وضعفه الدارقطني وقال النسائي: ليس بالقوي مترجم في الجرح والتعديل 1/2/563 ولسان الميزان. و"أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود في شأن المصاحف. وفي المخطوطة: "عن أبي عبيدة عن عبد الله" وهو خطأ محض.
وهذا الأث رواه البيهقي في السنن الكبرى 7: 417 مختصرًا وفيه خطأ في ضبط لفظ"أبي" وضعت على الياء شدة، وهو خطأ.
(2) الأثر: 4696-"معبد الجهني" يقال: "معبد بن عبد الله بن عكيم" ويقال: "معبد بن عبد الله بن عويم" ويقال: "معبد بن خالد" وهو من التابعين روى عنه الحسن وقتادة وزيد بن رفيع ومالك بن دينار وعوف الأعرابي. كان رأسا في القدر، قدم المدينة فأفسد بها ناسًا.
حديثه صالح، ومذهبه رديء. وكان الحسن يقول: إياكم ومعبد فإنه ضال مضل- يعني كلامه في القدر. وقال ابن معين ثقة. وقال أبو حاتم: كان صدوقًا في الحديث. مترجم في التهذيب.

(4/505)


4697- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن حماد، عن إبراهيم: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يحلّ لزوجها الرجعةُ عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، ويحلّ لها الصوم.
4698- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
4699- حدثنا محمد بن يحيى. قال: حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن دُرُسْت، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن علي، مثله. (1)
* * *
وقال آخرون: بل"القرء" الذي أمر الله تعالى ذكره المطلقات أن يعتددن به: الطهر.
* ذكره من قال ذلك:
4700 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة. قالت: الأقراء الأطهار.
4701- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني عبد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه. عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول: الأقراء الأطهار.
__________
(1) الأثر: 4699-"درست" (بضم الدال والراء وسكون السين) . ترجمه البخاري في الكبير 1/2/231 قال: "درست قال ابن عيينة: سمعت سعيد بن أبي عروبة يقول: حدثنا درست عن الزهري- وكان درست قدم علينا من البصرة كيس حافظ". وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1/2/438: "درست: روى عن الزهري روى عنه ابن أبي عروبة قدم عليهم البصرة. سمعت أبي يقول ذلك". وهو غير"درست بن حمزة البصري" و"درست بن زياد الرقاشي البصري". وكان في المطبوعة: "درسب" بالباء وهو خطأ وفي المخطوطة غير منقوط- وسيأتي مثل هذا الإسناد برقم: 4725.

(4/506)


4702 - حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عمرة وعروة، عن عائشة قالت: إذا دحلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج= قال الزهري: قالت عمرة: كانت عائشة تقول: القرء: الطُّهر، وليس بالحيضة.
4703 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، مثل قول زيد وعائشة.
4704 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر، مثل قول زيد.
4705 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قال: إذا دخلت المطلَّقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلَّت للأزواج= قال معمر: وكان الزهري يفتي بقول زيد.
4706- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول: بلغني أن عائشة قالت: إنما الأقراء: الأطهار.
4707- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت قال، إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها.
4708 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن ابن المسيب: في رجل طلق امرأته واحدة أو ثنتين قال- قال زيد بن ثابت: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها = وزاد ابن أبي عدي قال: قال علي بن أبي طالب: هو أحق بها ما لم تغتسل.
4709- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد،

(4/507)


عن قتادة، عن ابن المسيب، عن زيد وعلي، بمثله.
4710- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت قال، إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا ميراثَ لها.
4711 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية = وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب= قالا جميعً، حدثنا أيوب، عن نافع، عن سليمان بن يسار: أن الأحوص -رجل من أشراف أهل الشام- طلق امرأته تطليقة أو ثنتين، فمات وهي في الحيضة الثالثة، فرُفعت إلى معاوية، فلم يوجد عنده فيها علم. فسأل عنها فضالة بن عبيد ومَنْ هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يوجد عندهم فيها علم، فبعث معاوية راكبًا إلى زيد بن ثابت، فقال: لا ترثه، ولو ماتت لم يرثها. فكان ابن عمر يرى ذلك. (1)
4712 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له الأحوص من أهل الشام طلق امرأته تطليقة، فمات وقد دخلت في الحيضة الثالثة، فرفع إلى معاوية، فلم يدر ما يقول، فكتب فيها إلى زيد بن ثابت، فكتب إليه زيد:"إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فلا ميراث بينهما".
4713 - حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد،
__________
(1) الأثر: 4711- 4713- رواه الشافعي في الأم 5: 192 من طريق مالك عن نافع وزيد بن أسلم عن سليمان بن يسار" وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 415 من طريق آخر مختصرًا. و"الأحوص" هو: الأحوص بن حكيم بن عمير (وهو عمرو) بن الأسود العنسي الهمداني. رأى أنسًا عبد الله بن بسر"وروى أبيه وطاووس وغيرهما وقال البخاري: "سمع أنسا" وروى عنه سفيان وروى عنه سفيان بن عيينة وهو صدوق حديثه ليس بالقوي". وكان الأحوص رجلا عابدًا مجتهدًا، وولى عمل حمص. قال عبد الرحمن بن الحكم: "كان صاحب شرطة ومن بعض المسودة" وقال ابن حميد: "قدم الأحوص الري مع المهدي وكان قدومه سنة 168". مترجم في التهذيب وتاريخ ابن عساكر 2: 332- 333.

(4/508)


عن أيوب، عن نافع، عن سليمان بن يسار، أن رجلا يقال له الأحوص، فذكر نحوه عن معاوية وزيد.
4714- حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن أيوب، عن نافع قال، قال ابن عمر: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها.
4715- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال في المطلقة: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت.
4716 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني عمر بن محمد، أن نافعًا أخبره، عن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت أنهما كانا يقولان: إذا دخلت المرأة في الدم من الحيضة الثالثة، فإنها لا ترثه ولا يرثها، وقد برئت منه وبرئ منها. (1)
4717- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، بلغني، عن زيد بن ثابت قال: إذا طلقت المرأة، فدخلت في الحيضة الثالثة أنه ليس بينهما ميراث ولا رجعة.
4718 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد، يقول: سمعت سالم بن عبد الله يقول مثل قول زيد بن ثابت.
4719 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، وسمعت يحيى يقول: بلغني عن أبان بن عثمان أنه كان يقول ذلك.
__________
(1) الأثر: 4716- عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب روى عن أبيه وجده وعم أبيه سالم، وعن نافع مولى ابن عمر وغيرهم. وكان في المخطوطة مضطرب الاسم ولكنه يقرأ كما هو في المطبوعة وهو الصواب. وفي المخطوطة أيضًا"وقد ترث منه ويرث منها" والصواب في المطبوعة والسنن الكبرى للبيهقي.

(4/509)


4720- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله، عن زيد بن ثابت، مثل ذلك. (1)
4721- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن نافع: أن معاوية بعث إلى زيد بن ثابت، فكتب إليه زيد:"إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت"، وكان ابن عمر يقوله.
4722 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سليمان وزيد بن ثابت أنهما قالا إذا حاضت الحيضة الثالثة فلا رجعة، ولا ميراث.
4723- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا هشام بن حسان، عن قيس بن سعد، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن زيد بن ثابت قال، إذا طلق الرجل امرأته، فرأت الدم في الحيضة الثالثة، فقد انقضت عدتها.
4724- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة عن موسى بن شداد، عن عمر بن ثابت الأنصاري قال، كان زيد بن ثابت يقول: إذا حاضت المطلقة الثالثة قبل أن يراجعها زوجها فلا يملك رَجعتها. (2)
4725 - حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن دُرُسْت، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن عائشة وزيد بن ثابت قالا
__________
(1) الأثر: 4720- في المطبوعة: "حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الوهاب وأثبت ما في المخطوطة، وهو سبق قلم من ناسخ آخر.
(2) الأثر: 4724-"موسى بن شداد" ترجمه البخاري في الكبير 41/286 وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4/1/146 وقال: "روى عن عمرو بن ثابت. روى عنه مغيرة بن مقسم الضبي+ سمعت أبي يقول ذلك". ولم يزد البخاري شيئًا. وأما"عمر بن ثابت الأنصاري" فهو مترجم في التهذيب روى عن أبي أيوب الأنصاري وبعض الصحابة. والظاهر أن ما في الطبري هو الصواب وأن ما جاء في التاريخ الكبير والجرح والتعديل"عمرو بن ثابت" فهو خطأ فلم أجد"عمرو بن ثابت" أنصاريًا ومن هذه الطبقة.

(4/510)


إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها. (1)
* * *
قال أبو جعفر:"والقروء" في كلام العرب: جمع"قُرْء"، (2) وقد تجمعه العرب"أقراء" يقال في"فعل" منه:"أقرأت المراة"- إذا صارت ذات حيض وطُهر-" فهي تقرئ إقراء". وأصل"القُرء" في كلام العرب: الوقتُ لمجيء الشيء المعتاد مجيئه لوقت معلوم، ولإدبار الشيء المعتاد إدبارُه لوقت معلوم. ولذلك قالت العرب:"قرأت حاجةُ فلان عندي"، بمعنى: دنا قضاؤها، وحَان وقت قضائها (3) "واقرأ النجم" إذا جاء وقت أفوله،"وأقرأ" إذا جاء وقت طلوعه، كما قال الشاعر:
إذَا مَا الثُّرَيَّا وَقَدْ أقْرَأَتْ ... أَحَسَّ السِّمَا كَانِ مِنْها أُفُولا (4)
وقيل:"أقرأت الريح"، إذا هبت لوقتها، كما قال الهذلي: (5)
شَنِئْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ ... إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ (6)
بمعنى: هبت لوقتها وحين هُبوبها. ولذلك سمى بعض العرب وقت مجيء الحيض"قُرءًا"، إذا كان دمًا يعتاد ظهوره من فرج المرأة في وقت، وكمونُه في آخر، فسمي وقت مجيئه"قُرءًا"، كما سمَّى الذين سمَّوا وقت مجيء الريح لوقتها"قُرءًا".
__________
(1) الأثر: 4725- سلف هذا الإسناد برقم 4699- وترجمه"درست" وكان في المطبوعة هنا أيضًا "درسب" بالباء وهو خطأ كما أسلفنا والإسناد في المخطوطة هكذا: ". . . حدثنا عبد الأعلى عن سعيد بن المسيب أن عائشة. . . " أسقط من الإسناد ما هو ثابت في المطبوعة وهو الصواب.
(2) في المطبوعة: "والقرء في كلام العرب جمعه قروء" وأثبت ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة: "وجاء وقت قضائها" والذي أثبته ما في المخطوطة.
(4) لم أجد هذا البيت وهو متعلق ببيت بعده فيما أرجح فتركت شرحه حتى أعثر على تمام معناه.
(5) هو مالك بن الحارث أحد بني كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل.
(6) ديوان الهذليين 3: 83 وشيء الشيء يشنأه شناءة: كرهه. والعقر: اسم مكان و"خليل" الذي نسب إليه هو جد جرير بن عبد الله البجلي.

(4/511)


4726 - ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبّيْش: دعي الصلاة أيام أقرائك. (1)
بمعنى: دعي الصلاة أيام إقبال حيضك.
وسمى آخرون من العرب وقت مجيء الطهر"قُرءًا"، إذْ كان وقت مجيئه وقتًا لإدبار الدم دم الحيض، وإقبال الطهر المعتاد مجيئُه لوقت معلوم. فقال في ذلك الأعشى ميمون بن قيس:
وَفيِ كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لأقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا (2) مُوَرِّثَةٍ مَالا وَفِي الذِّكْرِ رِفْعةً ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءٍ نِسَائِكَا (3)
فجعل"القُرء": وقت الطهر.
* * *
قال أبو جعفر: ولما وصفنا من معنى:"القُرء" أشكل تأويل قول الله:" والمطلقات يتربَّصن بأنفسهن ثلاثة قروء" على أهل التأويل.
__________
(1) الأثر: 4726- ساقه بغير إسناد وحديث فاطمة بنت أبي حبيش: ثابت من طرق قال ابن كثير في تفسير 1: 534 وذكر هذا الحديث"رواه أبو دواد والنسائي من طريق المنذرين المغير، عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "دعى الصلاة أيام أقرائك". ثم قال: "ولكن المنذر هذا مجهول ليس بمشهور وذكره ابن حبان في الثقات" وكذلك قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4/1/242. وانظر سنن أبي داود 1: 114- 117 تفصيل ذلك.
وانظر البخاري (فتح الباري 1: 348- وما بعده من أبواب الحيض) ومسلم 4: 16- 21 وفاطمة بنت أبي حبيش بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية.
(2) ديوانه: 67، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 74 وغيرهما كثير. يمدح هوذة بن على الحنفي، وقد ذكر فيها من فضائل هوذة ومآثره ما ذكر. جشم الأمر يجشمه جثما وجشامة: تكلفه على جهد ومشقة وركب أجسمه والعزيم والعزيمة والعزم: الجد وعقد القلب على أمر أنك فاعله. والعزاء: حسن الصبر عن فقد ما يفقد الإنسان. يقول لهوذة: كم من لذة طيبة صبرت النفس عنها في سبيل تشييد ملكك بالغزو المتصل عامًا بعد عام.
(3) قوله: "مورثة" صفة لقوله: "غزوة" يقول: تعزيت عن كل متاع فهجرت نساءك في وقت طهرهن فلم تقربهن، وآثرت عليهن الغزو، فكانت غزواتك غني في المال، ورفعة في الذكر، وبعدًا في الصيت.

(4/512)


فرأى بعضهم أن الذي أمِرت به المرأة المطلقة ذات الأقراء من الأقراء، أقراء الحيض، وذلك وقت مجيئه لعادته التي تجيء فيه- فأوجب عليها تربُّص ثلاث حيَض بنفسها عن خطبة الأزواج.
* * *
ورأى آخرون: أنّ الذي أمرت به من ذلك، إنما هو أقراءُ الطهر- وذلك وقت مجيئه لعادته التي تجيء فيه- فأوجب عليها تربُّص ثلاث أطهار.
* * *
فإذْ كان معنى"القُرء" ما وصفنا لما بيَّنا، وكان الله تعالى ذكره قد أمرَ المريدَ طلاقَ امرأته أن لا يطلقها إلا طاهرًا غير مُجامعة، وحرَّم عليه طلاقها حائضًا= كان اللازمُ المطلقةَ المدخولَ بها إذا كانت ذات أقراء (1) تربُّص أوقات محدودة المبلغ بنفسها عقيب طلاق زوجها إياها، أن تنظرَ إلى ثلاثة قروء بين طهريْ كل قرءٍ منهنّ قرءٌ، هو خلاف ما احتسبته لنفسها قروءًا تتربصهن. (2) فإذا انقضين، فقد حلت للأزواج، وانقضت عدّتها، وذلك أنها إذا فعلت ذلك، فقد دخلت في عداد من تربَّصُ من المطلقات بنفسها ثلاثةَ قروء، بين طُهريْ كل قرءٍ منهن قرءٌ له مخالفٌ. وإذا فعلت ذلك، كانت مؤدية ما ألزمها ربها تعالى ذكره بظاهر تنزيله.
فقد تبيَّن إذًا -إذ كان الأمر على ما وصفنا- أنّ القرءَ الثالثَ من أقرائها على ما بينا، الطهرُ الثالث= وأنّ بانقضائه ومجيء قرء الحيض الذي يتلوه، انقضاءُ عدّتها.
* * *
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "وكان اللازم. . . " و"الواو" هنا مفسدة للمعنى لأن الطبري يريد أن يقول إن"القرء" من الألفاظ ذوات المعنى المشترك. فهو يدل على وقت مجيء الطهر وعلى وقت مجيء الحيض. ولما كان الله تعالى قد أمر الرجل أن يطلق امرأته في طهر لم يجامعها فيه، وحرم عليه طلاقها حائضًا كان اللازم المطلقة أن تنظر إلى ثلاثة قروء. . . "
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "وهو خلاف. . . " والصواب إسقاط"واو" العطف يعني: أن هذا القرء الذي بين الطهرين خلاف ما احتسبته لنفسها قروءًا تتربصهن. وذلك لأن لفظ"قرء" مشترك المعنى بين الحيض والطهر. وفي المخطوطة والمطبوعة: "فتربصهن" وهو تصحيف والصواب ما أثبت. وسيأتي هذا المعنى واضحا فما يلي من عبارته.

(4/513)


فإن ظن ذو غباء (1) أنَّا إذْ كنا قد نسمِّي وقت مجيء الطهر"قُرءًا"، ووقت مجيء الحيض"قرءًا"، أنه يلزمنا أن نجعل عدة المرأة منقضية بانقضاء الطهر الثاني، إذ كان الطهرُ الذي طلقها فيه، والحيضة التي بعده، والطهر الذي يتلوها،"أقراءً" كلها (2) فقد ظن جهلا.
وذلك أن الحكم عندنا- في كل ما أنزله الله في كتابه- على ما احتمله ظاهرُ التنزيل، ما لم يبيّن الله تعالى ذكره لعباده، أنّ مراده منه الخصوص، إما بتنزيل في كتابه، أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا خصّ منه البعض، كان الذي خصَّ من ذلك غيرَ داخل في الجملة التي أوجب الحكم بها، وكان سائرها على عمومها، كما قد بيَّنا في كتابنا: (كتاب لطيف القول من البيان عن أصول الأحكام) وغيره من كتبنا.
فـ "الأقراء" التي هي أقراءُ الحيض بين طُهريْ أقراء الطهر، غير محتسبة من أقراء المتربِّصة بنفسها بعد الطلاق، لإجماع الجميع من أهل الإسلام: أن"الأقراء" التي أوجبَ الله عليها تربَّصُهن، ثلاثة قروء، بين كل قرء منهن أوقات مخالفاتُ المعنى لأقرائها التي تربَّصُهن، وإذْ كن مستحقات عندنا اسم"أقراء"، فإن ذلك من إجماع الجميع لم يُجِزْ لها التربّص إلا على ما وصفنا قبل.
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذه الآية دليل واضح على خطأ قول من قال:"إن امرأة المُولي التي آلى منها، تحل للأزواج بانقضاء الأشهر الأربعة، إذا كانت قد حاضت ثلاث حيضٍ في الأشهر الأربعة". لأن الله تعالى ذكره إنما أوجبَ عليها العدّة بعد عزم المُولي على طلاقها، وإيقاع الطلاق بها بقوله:" وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم والمطلقات يتربَّصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، فأوجب تعالى
__________
(1) في المطبوعة: "ذو غباوة" وأثبت ما في المخطوطة.
(2) يعني: أن طهر التطليق قرء، والحيضة قرء، والطهر الثاني قرء، فهي ثلاثة قروء تتربصها المطلقة.

(4/514)


ذكره على المرأة إذا صارت مطلقة- تربُّص ثَلاثة قروء فمعلوم أنها لم تكن مطلقة يوم آلى منها زوجها، لإجماع الجميع على أنّ الإيلاء ليس بطلاق موجب على المولى منها العِدّة.
وإذ كان ذلك كذلك، فالعدة إنما تلزمها بعد الطلاق، والطلاق إنما يلحقها بما قد بيناه قبل.
* * *
قال أبو جعفر: وأما معنى قوله:" والمطلقات" فإنه: والمخلَّياتُ السبيل، غير ممنوعات بأزواج ولا مخطوبات، وقول القائل:"فلانة مطلقه" إنما هو"مفعَّلة" من قول القائل:"طلَّق الرجل زوجته فهي مطلَّقة". وأما قولهم:"هي طالق"، فمن قولهم:"طلَّقها زوجها فطّلُقت هي، وهي تطلُق طلاقًا، وهي طالق". وقد حكي عن بعض أحياء العرب أنها تقول:"طَلَقت المرأة". (1) وإنما قيل ذلك لها، إذا خلاها زوجها، كما يقال للنعجة المهملة بغير راع ولا كالئ، إذا خرجت وحدها من أهلها للرعي مُخلاةً سبيلها:"هي طالق"، فمثلت المرأة المخلاة سبيلها بها، وسُميت بما سُميت به النعجة التي وصفنا أمرها. وأما قولهم:"طُلِقت المرأة"، فمعنى غير هذا، إنما يقال في هذا إذا نُفِست. (2) هذا من"الطَّلْق"، والأول من"الطلاق".
* * *
وقد بينا أن"التربُّص" إنما هو التوقف عن النكاح، وحبسُ النفس عنه في غير هذا الموضع. (3)
* * *
__________
(1) "طلق" هنا بفتح الطاء واللام أما التي سبقت قبلها بفتح الطاء وضم اللام مثل"كرم".
(2) نفست المرأة (بضم فكسر) ونفست (بفتح فكسر) : ولدت فهي نفساء. والطلق: طلق المخاض عند الولادة وهو الوجع والفعل منه بالبناء للمجهول بضم الطاء وكسر اللام.
(3) انظر ما سلف في معنى"التربص" من هذا الجزء 4: 456.

(4/515)


القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:
فقال بعضهم: تأويله:"ولا يحلّ"، لهن يعني للمطلقات="أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن"، من الحيض إذا طُلِّقن، حرّم عليهن أن يكتمن أزواجهن الذين طلَّقوهن، في الطلاق الذي عليهم لهنّ فيه رجعة يبتغين بذلك إبطال حقوقهم من الرجعة عليهن. (1)
* ذكر من قال ذلك:
4727 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال، قال الله تعالى ذكره:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" إلى قوله:" وللرجال عليهنّ درجة والله عزيز حكيم" قال: بلغنا أنّ"ما خلق في أرحامهن" الحمل، وبلغنا أن الحيضة، فلا يحل لهنّ أن يكتمن ذلك، لتنقضي العدة ولا يملك الرجعة إذا كانت له
4728 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: الحيض
4729 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: أكبرُ ذلك الحيض. (2)
__________
(1) في المخطوطة: "حقوقهن" والصواب ما في المطبوعة.
(2) الأثر: 4729- في الدر المنثور 1: 276 بنصه هنا ثم قال: "وفي لفظ: أكثر ما عنى به الحيض" وسيأتي كذلك برقم: 4733، ولكن المخطوطة تخالفهن جميعًا ففيها، "إذا كثر ذلك الحيض" وكلها قريب في معناه بعضه من بعض.

(4/516)


4730 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت مطرّفًا، عن الحكم قال، قال إبراهيم في قوله:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ" قال: الحيض
4731 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة في قوله:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: الحيض= ثم قال خالد: الدم.
* * *
وقال آخرون: هو الحيض، غير أن الذي حرّم الله تعالى ذكره عليها كتمانَه فيما خلق في رحمها من ذلك، هو أن تقول لزوجها المطلِّق وقد أراد رجعتها قبل الحيضة الثالثة:" قد حضتُ الحيضةَ الثالثة" كاذبةً لتبطل حقه بقيلها الباطلَ في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
4732 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبيدة بن معتِّب، عن إبراهيم في قوله:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: الحيض، المرأةُ تعتد قُرْأين، ثم يريد زوجها أن يراجعها، فتقول: قد حضتُ الثالثة" (1)
4733 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: أكثر ما عني به الحيض. (2)
* * *
__________
(1) الأثر: 4732- في المخطوطة"عبده بن مغيب" غير منقوطة وفي المطبوعة: "بن مغيث" خطأ. وعبيدة بن معتب الضبي روى عن إبراهيم النخعي واالشعبي وعاصم بن بهدلة وغيرهم. روى عنه شعبة والثوري ووكيع وهشيم وعلي بن مسهر وغيرهم. وكان سيء الحفظ ضريرًا متروك الحديث. وقال ابن حبان: "اختلط بأخرة فبطل الاحتجاج به".
(2) الأثر: 4733- انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 4729.

(4/517)


وقال آخرون: بل المعنى الذي نُهِيتْ عن كتمانه زوجَها المطلِّقَ: الحبلُ والحيضُ جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
4734 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا الأشعث، عن نافع، عن ابن عمر:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن"، من الحيض والحمل، لا يحل لها إن كانت حائضًا أن تكتُم حيضها، ولا يحل لها إن كانت حاملا أن تكتُم حملها.
4735 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت مطرِّفًا، عن الحكم، عن مجاهد في قوله:" ولا يحل لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن"، قال: الحمل والحيض= قال أبو كريب: قال ابن إدريس: هذا أوَّل حديث سمعته من مطرِّف.
4736 - حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن مطرف، عن الحكم، عن مجاهد، مثله= إلا أنه قال: الحبل.
4737 - حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن ليث، عن مجاهد في قوله:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: من الحيض والولد
4738 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" ولا يحلّ لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن"، قال: من الحيض والولد
4739 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: لا يحلّ للمطلَّقة أن تقول:"إني حائض"،

(4/518)


وليست بحائض= ولا تقول:"إني حبلى" وليست بحبلى= ولا تقول:"لستُ بحبلى"، وهي حُبلى.
4740 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
4741 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن الحجاج، عن مجاهد قال، الحيض والحبل= قال، تفسيره أن لا تقول:"إني حائض"، وليست بحائض="ولا لست بحائض"، وهي حائض=: ولا" أني حبلى"، وليست بحبلى= ولا"لست بحبلى"، وهي حبلى.
4742 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن الحجاج، عن القاسم بن نافع، عن مجاهد نحو هذا التفسير في هذه الآية. (1)
4743 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، مثله= وزاد فيه: قال: وذلك كله في بُغض المرأة زوجها وحبِّه
4744 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" يقول: لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الحيض والحبل، لا يحلّ لها أن تقول:"إني قد حضت" ولم تحض= ولا يحلّ أن تقول:"إني لم أحض"، وقد حاضت= ولا يحل لها أن تقول:"إني حبلى" وليست بحبلى= ولا أن تقول:"لست بحبلى"، وهي حبلى
4745 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" الآية قال، لا يكتمن الحيض
__________
(1) الأثر: 4742-"القاسم بن نافع بن أبي بزة" وهو القاسم بن أبي بزة" روى عن أبي الطفيل وأبي معبد ومجاهد وسعيد بن جبير روى عنه عمرو بن دينار وعبد الملك بن أبي سلمان وابن جريج، وابن أبي ليلى وحجاج بن أرطأة. مترجم في الجرح والتعديل 3/2/122.

(4/519)


ولا الولد، ولا يحل لها أن تكتمه وهو لا يعلم متى تحلّ، لئلا يرتجعها- تُضارُّة (1)
4746 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:" ولا يحل لهن أن يتكتمن ما خلق الله في أرحامهن" يعني الولد قال: الحيضُ والولدُ هو الذي ائتُمِن عليه النساء.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك الحبل.
ثم اختلف قائلو ذلك في السبب الذي من أجله نُهِيتْ عن كتمان ذلك الرجلَ، (2) فقال بعضهم: نهيت عن ذلك لئلا تبطل حقَّ الزوج من الرجعة، إذا أراد رجعتها قبل وضعها وحملها.
* ذكر من قال ذلك:
4747 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن قباث بن رزين، عن علي بن رباح أنه حدثه: أن عمر بن الخطاب قال لرجل: اتل هذه الآية فتلا. فقال: إن فلانة ممن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ = وكانت طُلِّقت وهي حبلى، فكتمت حتى وضعت (3)
__________
(1) في المطبوعة: "مضارة" والصواب من المخطوطة أي: تفعل ذلك تضاره بذلك.
(2) قوله: "الرجل" منصوب بالمصدر وهو قوله: "كتمان ذلك" مفعول به.
(3) الأثر: 4747- قباث بن رزين بن حميد بن صالح اللخمي أبو هاشم المصري روى عن عم أبيه سلمة وعلي بن رباح وعكرمة وروى عنه ابن المبارك وابن لهيعة وابن وهب. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال أبو حاتم: لا بأس بحديثه. وقد ذكرت له قصة في التهذيب: أن ملك الروم أمره أن يناظر البطريق. فقال للبطرك. كيف أنت؟ وكيف ولدك؟ فقال البطارقة: ما أجهلك! تزعم أن للبطرك ولدًا وقد نزهه الله عن ذلك! قال: فقلت لهم: تنزهون البطرك عن الولد، ولا تنزهون الله تعالى -وهو خالق الخلق أجمعين- عن الولد! قال: فنخر البطرك نخرة عظيمة وقال: أخرج هذا هذه الساعة عن بلدك لئلا يفسد عليك دينك، فأطلقه. قال ابن حجر"وقد وقع شبيه هذه القصة للقاضي أبي بكر الباقلاني: لما توجه بالرسالة إلى ملك الروم وظهر من هذا أنه مسبوق بهذا الإلزام. والله أعلم". وتوفي قباث سنة 156.
و"علي بن رباح بن قصير اللخمي روى عن عمرو بن العاص وسراقة بن مالك ومعاوية بن أبي سفيان وأبي قتادة الأنصاري وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة. وفد على معاوية وذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل مصر. وقال: كان ثقة. وغزا إفريقية وذهبت عينه يوم ذي الصواري في البحر مع ابن أبي سرح سنة 34 ولد سنة عشرة من الهجرة ومات سنة 114.

(4/520)


4748 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل، فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها، وهو قوله:" ولا يحل لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إنْ كن يؤمنَّ بالله واليوم الآخر"
4749 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول: الطلاق مرّتان بينهما رجعة، فإن بدا له أن يطلِّقها بعد هاتين فهي ثالثة، وإن طلقها ثلاثًا فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره. إنما اللاتي ذكرن في القرآن:" ولا يحلُّ لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنَّ بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحقُّ بردهنَّ"، هي التي طلقت واحدة أو ثنتين، ثم كتمتْ حملها لكي تنجو من زوجها، فأما إذا بتَّ الثلاثَ التطليقات، فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجًا غيره. (1)
* * *
وقال آخرون: السبب الذي من أجله نُهين عن كتمان ذلك أنهن في الجاهلية كنّ يكتمنَه أزواجهن، خوف مراجعتهم إياهُنّ، حتى يتزوجن غيرهم، فيُلحق نسب الحمل- الذي هو من الزوج المطلِّق- بمن تزوجته. فحرم الله ذلك عليهن. (2)
* ذكر من قال ذلك:
4750 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا سويد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: كانت المرأة إذا طُلِّقت كتمت ما في بطنها وحملها لتذهب بالولد إلى غير أبيه، فكره الله ذلك لهنّ.
__________
(1) الأثر: 4749- يحيى بن بشر الخراساني سلفت ترجمته في الأثر: 4549.
(2) في المطبوعة: "فيلحق بسببه الحمل. . . " وهو خطأ فاسد صوابه من المخطوطة.

(4/521)


4751 - حدثني محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: علم الله أنّ منهن كواتم يكتمن الولد. وكان أهل الجاهلية كان الرجل يطلّق امرأته وهي حامل، (1) فتكتم الولد وتذهبُ به إلى غيره، وتكتُم مخافة الرجعة، فنهى الله عن ذلك، وقدَّم فيه. (2)
4752 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة:" ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن"، قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر منها
* * *
وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله نُهين عن كتمان ذلك، هو أنّ الرجل كان إذا أراد طلاق امرأته سألها هل بها حملٌ؟ كيلا يطلقها، وهي حامل منه (3) للضرر الذي يلحقُه وولدَه في فراقها إن فارقها، فأمِرن بالصدق في ذلك ونُهين عن الكذب.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) قوله: "وكان أهل الجاهلية كان الرجل. . " عربي فصيح جيد، ليس بخطأ وحذف خبر كان الأولى لاستغنائه بما بعده عنه. وانظر مثله فيما سيأتي في الأثر: 4781 عن قتادة أيضًا بهذا الإسناد.
(2) الأثر: 4751- سلف هذا الإسناد مرارا وأقر به رقم: 4676، 4677، 4679ن 4692، 4713، 4714ن 4725 وغيرها. ولا بد من بيان رجاله"محمد بن يحيى بن أبي حزم القطعي" أبو عبد الله البصري. روى عن عمه حزم بن مهران وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الصمد بن عبد الوارث وغيرهم. روى عنه مسلم وأبو داود والترمذي والبخاري في غير الجامع. قال أبو حاتم: صالح الحديث صدوق. مات سنة 253. و"عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن محمد القرشي السامي البصري" يلقب أبا همام، فكان يغضب منه روى عن داود بن أبي هند وسعيد الجريري وسعيد بن أبي عروبة وحميد الطويل وخالد الحذاء وغيرهم. وروى عنه إسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد بن بشار بندار ونصر بن الجهضمي وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وكان متقنًا للحديث قدريًا غير داعية إليه. مات سنة 198.
* وقوله: "وقدم فيه" أي أمر فيه بما أمر.
(3) في المطبوعة: "لكيلا" وأثبت ما في المخطوطة.

(4/522)


4753 - حدثني موسى قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (1) " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن"، فالرجل يريد أن يطلق امرأته فيسألها: هل بك حمل؟ فتكتمه إرادةَ أن تفارقه، فيطلقها وقد كتمته حتى تضع. وإذا علم بذلك فإنها تردّ إليه، عقوبةً لما كتمته، وزوجها أحق برجعتها صاغرةً.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: الذي نُهيت المرأة المطلَّقة عن كتمانه زوجها المطلِّقَها تطليقة أو تطليقتين مما خلق الله في رحمها- الحيضُ والحبَل. لأنه لا خلاف بين الجميع أنّ العِدّة تنقضي بوضع الولد الذي خلق الله في رحمها، كما تنقضي بالدم إذا رأته بعد الطهر الثالث، في قول من قال:"القُرء" الطهر، وفي قول من قال: هو الحيض، إذا انقطع من الحيضة الثالثة، فتطهرت بالاغتسال. (2)
فإذا كان ذلك كذلك= وكان الله تعالى ذكره إنما حرَّم عليهن كتمانَ المطلِّق الذي وصفنا أمره، ما يكونُ بكتمانهن إياه بُطُول حقه الذي جعله الله له بعد الطلاق عليهن إلى انقضاء عِدَدهن، (3) وكان ذلك الحق يبطل بوضعهن ما في بطونهن إن كن حواملَ، وبانقضاء الأمراء الثلاثة إن كن غير حوامل= (4) علم أنهن
__________
(1) الأثر: 4753- كان في المطبوعة والمخطوطة: "حدثني موسى قال حدثنا أسباط" بإسقاط"قال حدثنا عمرو" وهو خطأ صرف. هو إسناد دائر دورانًا في التفسير أقربه رقم: 4674.
(2) في المطبوعة: "تطهرت للاغتسال" وهو معرق في الخطأ والصواب من المخطوطة.
(3) قوله: "ما يكون بكتمانهن. . " هذه الجملة مفعول به منصوب بالمصدر"كتمان" وقوله: "بطول" مصدر"بطل الشيء يبطل بطولا وبطلانًا" وقد سلف ذلك فيما مضى 2: 426 ثم 3: 205 تعليق: 6 وهذا الجزء 4: 146.
(4) قوله: "علم" جواب قوله آنفًا: "وإذ كان ذلك كذلك. . " وما بينهما معطوف بعضه على بعض.

(4/523)


منَهيَّات عن كتمان أزواجهن المطلِّقِيهنَّ من كل واحد منهما، (1) - أعني من الحيض والحبل - مثل الذي هنَّ مَنْهيَّاتٌ عنه من الآخر، وأن لا معنى لخصوص مَنْ خصّ بأن المراد بالآية من ذلك أحدهما دون الآخر، إذ كانا جميعًا مما خلق الله في أرحامهن، وأنّ في كل واحدة منهما من معنى بُطول حق الزوج بانتهائه إلى غاية، مثل ما في الآخر.
ويُسأل من خصّ ذلك- فجعله لأحد المعنيين دون الآخر- عن البرهان على صحة دعواه من أصْل أو حجة يجب التسليم لها، ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
* * *
وأما الذي قاله السدي (2) من أنه معنيٌّ به نهي النساء كتمانَ أزواجهن الحبلَ عند إرادتهم طلاقهن، فقولٌ لما يدل عليه ظاهر التنزيل مخالف، وذلك أن الله تعالى ذكره قال:" والمطلَّقات يتربَّصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلقَ الله في أرحامهن"، بمعنى: ولا يحل أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الثلاثة القروء، إن كنّ يؤمنَّ بالله واليوم الآخر.
وذلك أنّ الله تعالى ذكره ذكر تحريم ذلك عليهن، بعد وصفه إياهن بما وَصفهن به، من فراق أزواجهن بالطلاق، وإعلامهن ما يلزمهن من التربُّص، معرِّفًا لهن بذلك ما يحرُم عليهن وما يحلّ، وما يلزمُهن من العِدَّة ويجبُ عليهن فيها. فكان مما عرّفهن: أنّ من الواجب عليهن أن لا يكتمن أزواجَهن الحيض والحبَل= الذي يكون بوضع هذا وانقضاء هذا إلى نهاية محدودة انقطاعُ حقوق أزواجهن= ضرارًا منهنّ لهم، فكان نهيُه عما نهاهن عنه من ذلك، بأن يكون من صفة ما يليه
__________
(1) في المطبوعة: "أزواجهن المطلقين" تحريف لكلام أبي جعفر. والهاء والنون مفعول اسم فاعل: "المطلق" وهذا جار في كلام أبي جعفر مرارًا كثيرة، وجار أيضًا من الطابعين تحريف ذلك إلى ما ألفوا من سقم العبارة. وقد مضى منذ أسطر قليلة قوله: "زوجها المطلقها".
(2) هو الأثر السالف رقم: 4753.

(4/524)


قبله ويتلوه بعده، أولى من أن يكون من صفة ما لم يَجْرِ له ذِكر قبله.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: ما معنى قوله:" إن كن يؤمنَّ بالله واليوم الآخر"؟ أوَ يحل لهن كتمان ذلك أزواجهنً إنْ كن لا يؤمنَّ بالله ولا باليوم الآخر حتى خصّ النهيُ عن ذلك المؤمنات بالله واليوم الآخر؟
قيل: معنى ذلك على غير ما ذهبت إليه، وإنما معناه: أن كتمان المراة المطلَّقة زوجَها المطلَّقَها ما خلق الله تعالى في رحمها من حيض وولد في أيام عدتها من طلاقه ضرارًا له، (1) ليس من فعل من يؤمن بالله واليوم الآخر ولا من أخلاقه، وإنما ذلك من فعل من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر وأخلاقِهنَّ من النساء الكوافر= فلا تتخلَّقن أيتها المؤمنات بأخلاقهنّ، فإنّ ذلك لا يحل لكنّ إن كنتن تؤمنّ بالله واليوم الآخر وكنتن من المسلمات= (2) لا أنّ المؤمنات هن المخصوصات بتحريم ذلك عليهن دون الكوافر، بل الواجب على كل من لزمته فرائضُ الله من النساء اللواتي لهن أقراء- إذا طلِّقت بعد الدخول بها في عدتها- أن لا تكتم زوجها ما خلق الله في رحمها من الحيض والحبَل.
* * *
__________
(1) قوله: "زوجها المطلقها" زوجها منصوب مفعول به للمصدر"كتمان" وقوله: المطلقها منصوب صفة لقوله: "زوجها" و"الهاء والألف" مفعول به، كما سلف في التعليقة الآنفة.
(2) قوله: "لا أن المؤمنات. . . " من سياق الجملة الأولى: ". . . وإنما معناه أن كتمان المرأة المطلقة. . . لا ان المؤمنات".

(4/525)


القول في تأويل قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} "
قال أبو جعفر:"والبعولة" جمع"بعل"، وهو الزوج للمرأة، ومنه قول جرير:
أَعِدُّوا مَعَ الحَلْيِ المَلابَ فَإنَّمَا ... جَرِيرٌ لَكُمْ بَعْلٌ وَأَنْتُمْ حَلائِلُهْ (1)
وقد يجمع"البعل""البعولة، والبعول"، كما يجمع"الفحل""والفحول والفحولة"، و"الذكر""الذكور والذكورة". وكذلك ما كان على مثال"فعول" من الجمع، فإن العرب كثيرًا ما تدخل فيه"الهاء"، فإما ما كان منها على مثال"فِعال"، فقليل في كلامهم دخول"الهاء" فيه، وقد حكى عنهم."العِظامُ والعِظامة"، (2) ومنه قول الزاجر: (3)
* ثُمَّ دَفَنْتَ الْفَرْثَ وَالعِظَامهْ * (4)
__________
(1) ديوانه: 482 والنقائض: 650 وطبقات فحول الشعراء: 347. من نقيضة عجيبة كان من أمرها أن الحجاج قال لهما: ائتياني في لباس آبائكما في الجاهلية. فجاء الفرزدق قد لبس الخز والديباج وقعد في قبة. وشاور جرير دهاة قومه بني يربوع فقالوا: ما لباس آبائنا إلا الحديد! فلبس جرير درعًا وتقلد سيفًا، وأخذ رمحًا وركب فرسًا وأقبل في أربعين فارسًا من قومه. فلما رأى الفرزدق قال: لَبِسْتُ سِلاَحِي والفَرَزْدَقُ لُعْبِةً ... عَلَيْهِ وِشَاحًا كُرَّجٍ وَجَلاَجِلُهْ
أَعِدُّوا مَعَ الحَلْيِ. . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والكرج: الخيال الذي يلعب به المخنثون كأنه"خيال الظل" فيما أظن. والجلاجل: الأجراس ويروى: "أعدوا مع الخز" وهو الحرير. والملاب: طيب من الزعفران تتخلق به العروس في زينتها لجلوها. والحلائل جمع حليلة. وهي الزوجة. ولشد ما سخر جرير من ابن عمه!!
(2) انظر سيبويه 2: 177.
(3) لم أعرف قائله.
(4) الجمهرة 3: 121 واللسان (عظم) و (هذم) والرجز يخالف رواية الطبري وهو: وَيْلٌ لِبُعْرَانِ أبِي نَعَامَةْ ... مِنْكَ وَمِنْ شَفْرَتكَ الهُذَامَةْ
إِذَا ابْتَرَكْتَ فَحَفَرْتَ قَامَهْ ... ثُمَّ نَثَرْتَ الفَرْثَ وَالعِظَامَهْ
ورواية البيت الأول في اللسان (هذم) : "بني نعامه" وفي الجمهرة"بني ثمامه". ورواية البيت الأخير في الجمهرة: "ثم أكلت اللحم والعظامة". قوله: "الهذامة". تهذم اللحم: أي تسرع في قطعه. وابترك: جثا وألقى بركه على الأرض. وأظنه يصف أسدًا أو ذئبًا.

(4/526)


وقد قيل:"الحجارة والحِجار" و"المِهارة والمِهار" و"الذِكّارة والذِكّار"، للذكور.
* * *
وأما تأويل الكلام، فإنه: وأزواج المطلقات = اللاتي فرضنا عليهن أن يتربَّصن بأنفسهن ثلاثه قروء، وحرَّمنا عليهنَّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن= أحق وأولى بردهن إلى أنفسهم (1) في حال تربصهن إلى الأقراء الثلاثة، وأيام الحيل، وارتجاعهن إلى حبالهم (2) = منهم بأنفسهن أن يمنعهن من أنفسهن ذلك (3) كما:-
4754 - حدثي المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحًا"، يقول: إذ طلق الرجل امرأته تطليقة أو ثنتين، وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع.
4755 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم:" وبعولتهن أحق بردهن" قال: في العدة
4756 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري، قالا قال الله تعالى
__________
(1) في المخطوطة: "إلى أنفسهن" وهو خطأ في المعنى.
(2) في المخطوطة: "إلى حبالهن" وهو خطأ أيضًا في المعنى. والحبال جمع حبل: وهو المواصلة وهو العهد أيضًا. يعني بذلك إمساكهن: وهو من الحبل الذي هو الرباط.
(3) في المخطوطة والمطبوعة: "أن يمنعهن" وهو خطأ ثالث في المعنى. والصواب ما أثبت وقوله: "منهن بأنفسهن. . " سياقه: "أحق وأولى بردهن. . . منهن بأنفسهن. . . ".

(4/527)


ذكره:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كنّ يؤمنَّ بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا"، وذلك أنّ الرجل كان إذا طلَّق امرأته كان أحقَّ برجعتها وإن طلاقها ثلاثًا، فنسخ ذلك فقال: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) الآية.
4757 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" وبعولتهن أحق بردهن في ذلك" في عدتهن. (1)
4758 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
4759 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال، في العدة
4760 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" وبعولتهنّ أحق بردهن في ذلك"، أي في القروء في الثلاث حيض، (2) أو ثلاثة أشهر، أو كانت حاملا فإذا طلَّقها زوجها واحدة أو اثنتين رَاجعها إن شاء ما كانت في عدتها
4761 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:" وبعولتهن أحق بردهنّ في ذلك" قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر، (3) فنهاهنّ الله عن ذلك وقال:" وبعولتهنّ أحق بردهن في ذلك"، قال قتادة: أحق برجعتهن في العدة.
__________
(1) الأثر: 4757- في المخطوطة والمطبوعة: "حدثنا موسى بن عمرو" وهو خطأ صرف والصواب"محمد بن عمرو". وهو إسناد يدور دورانًا في التفسير أقربه رقم: 4739.
(2) في المطبوعة: "في القروء الثلاث حيض" بحذف"في" الثانية.
(3) يعني في الجاهلية كما مضى في الآثار السالفة قبل.

(4/528)


4762 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:" وبعولتهن أحقُّ بردهن في ذلك"، يقول: في العدة ما لم يطلقها ثلاثًا.
4763 - حدثني موسى قال، حدثني عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" وبعولتهن أحق بردهن في ذلك"، يقول: أحق برجعتها صاغرة عقوبة لما كتمت زوجها من الحمل (1)
4764 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" وبعولتهن أحق بردهن"، أحقّ برجعتهنّ، ما لم تنقض العِدّة.
4765 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك:" وبعولتهنّ أحق بردهنّ في ذلك"، قال: ما كانت في العدة إذا أراد المراجعة
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: (2) فما لزوج- طلق واحدة أو اثنتين بعد الإفضاء إليها- عليها رجعة في أقرائها الثلاثة، إلا أن يكون مريدًا بالرجعة إصلاح أمرها وأمره؟
قيل: أما فيما بينه وبين الله تعالى فغير جائز = إذا أراد ضرارها بالرجعة، لا إصلاح أمرها وأمره = مراجعتُها. (3)
وأما في الحكم فإنه مقضيٌّ له عليها بالرجعة، نظيرُ ما حكمنا عليه ببطول رَجعته عليها لو كتمته حملها الذي خلقه الله في رحمها أو حيضها حتى انقضت عدتها ضرارًا منها له، وقد نهى الله عن كتمانه ذلك، (4) فكان سواءً في الحكم = في بطول
__________
(1) الأثر: 4763- انظر الأثر السالف رقم 4753.
(2) في المخطوطة: "فما لزوج واحدة" سقط من الناسخ"طلق" بين الكلمتين.
(3) في المطبوعة: "بمراجعتها" وهو فاسد فسادا عظيما. والسياق: ". . . فغير جائز. . . مراجعتها" وما بينهما فصل، كعادة أبي جعفر.
(4) قوله: "كتمانه" الضمير راجع إلى الزوج أي: نهى الله ان تكتم المرأة زوجها ذلك.

(4/529)


رَجعة زوجها عليها، وقد أثمت في كتمانها إياه ما كتمته من ذلك حتى انقضت عدتها= (1) هي والتي أطاعت الله بتركها كتمانَ ذلك منه، وإن اختلفا في طاعة الله في ذلك ومعصيته، فكذلك المراجع زوجتَه المطلقة واحدة أو ثنتين بعد الإفضاء إليها وهما حُرَّان= (2) وإن أراد ضرار المُراجعة برجعته- فمحكوم له بالرجعة، وإن كان آثمًا بريائه في فعله، (3) ومقدِمًا على ما لم يُبحه الله له، والله وليّ مجازاته فيما أتى من ذلك. فأما العباد فإنهم غيرُ جائز لهم الحوْلُ بينه وبين امرأته التي راجعها بحكم الله تعالى ذكره له بأنها حينئذ زوجتُه، فإن حاول ضرارها بعد المراجعة بغير الحقّ الذي جعله الله له، أخِذ لها الحقوق التي ألزم الله تعالى ذكره الأزواج للزوجات (4) حتى يعود ضررُ ما أراد من ذلك عليه دونها.
* * *
قال أبو جعفر: وفي قوله:" وبعولتهن أحق بردهن في ذلك"، أبين الدلالة على صحة قول من قال: إنّ المولي إذا عزم الطلاق فطلق امرأته التي آلى منها، أنّ له عليها الرّجعة في طلاقه ذلك= (5) وعلى فساد قول من قال: إن مضي الأشهر الأربعة عزُم الطلاق، وأنه تطليقه بائنة، لأن الله تعالى ذكره إنما أعلم عباده ما يلزمُهم إذا آلوا من نسائهم، وما يلزم النساء من الأحكام في هذه الآية بإيلاء الرجال وطلاقهم، إذا عزموا ذلك وتركوا الفيء.
* * *
__________
(1) سياق عبارته: "فكان سواء في الحكم. . . هي والتي أطاعت الله. . " وما بينهما فصل للبيان.
(2) قوله: "وهما حران" لأن طلاق العبد ثنتين ثم تحرم عليه، ليس كالحر ثلاثًا.
(3) في المخطوطة"آثما بربه" غير منقوطة كأنها"بربه" ولكن لم أجد في كتب اللغة"أثم بربه" وإن كنت أخشى أن تكون صوابًا له وجه لم أتحققه. وفي المطبوعة"برأيه" كأنهم استنكروا ما استنكرناه، فظنوا فيه تصحيفًا أو تحريفًا فقرأوه كذلك. ولكن أجود قراءاته أن تكون ما أثبت لأن فعل المراجع وهو يضمر الضرار رياء لا شك فيه.
(4) في المطبوعة: "أخذ لها الحقوق" والصواب من المخطوطة وقوله: "أخذ" مبني للمجهول ومعناها: طولب وأمسك حتى يعطيها حقوقها.
(5) السياق: "وفي قوله. . . أبين الدلالة على صحة قول من قال. . وعلى فساد قول من قال. . "

(4/530)


القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: تأويله: ولهنّ من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهنّ لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها.
* ذكر من قال ذلك:
4766 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو عاصم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:" ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، قال: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن، فعليه أن يُحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، ويُنفق عليها من سَعَته.
4767 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف"، قال: يتقون الله فيهن، كما عليهن أن يتقين الله فيهم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ولهنّ على أزواجهن من التَّصنُّع والمواتاة، مثل الذي عليهن لهم في ذلك. (1)
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) التصنع: التزين. تصنعت المرأة وصنعت نفسها: إذا تزينت زينتها بالتجمل والعلاج. ومن جيد ما جاء في معنى"صنع نفسه" ما أنشده عمر بن عبد العزيز: إنِّي لأَمْنَحُ مَنْ يُوَاصِلُنيِ ... مِنِّي صَفَاءً لَيْسَ بالمَذْقِ
وَإذَا أَخٌ لي حَالَ عَنْ خُلُقٍ ... دَاوَيْتُ مِنْهُ ذَاكَ بالرِّفْقِ
وَالمَرْءُ يَصْنَعُ نَفْسَهُ وَمَتَى ... مَا تَبْلُهُ يَنزِعْ إلى العِرْقَ
أما"المؤاتاة" فهي: حسن المطاوعة يقال: "آتيته على ذلك الأمر مؤاتاة" إذا وافقته وطاوعته والعامة تقول: "واتيته" مواتاه وهل لغة ما، جعلوها واوًا على تخفيف الهمزة.

(4/531)


4768 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن بشير بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إني أحبُّ أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي; لأن الله تعالى ذكره يقول:" ولهن مثلُ الذي عليهن بالمعروف" (1)
* * *
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل الآية عندي: وللمطلقات واحدة أو ثنتين -بعد الإفضاء إليهن- على بعولتهن أن لا يراجعوهنّ في أقرائهن الثلاثة (2) إذا أرادوا رجْعتهن فيهن، إلا أن يريدوا إصلاح أمرهن وأمرهم، وأن لا يراجعوهن ضرارًا (3) = كما عليهن لهم إذا أرادوا رجعتهنّ فيهنّ، أن لا يكتمنَ ما خلق
__________
(1) الأثر: 4768- بشير بن سلمان الكندي أبو إسماعيل الكوفي روى عن مجاهد وعكرمة وأبي حازم الأشجعي وسيار أبي الحكم والقاسم بن صفوان سمع منه وكيع وأبو نعيم وابنه الحكم والسفيانان وابن المبارك وغيرهم. وهو ثقة صالح الحديث قليله. مترجم في التهذيب والكبير 2/199، والجرح والتعديل 1/1374. وكان في المطبوعة: "بشر بن سلمان" وهو خطأ.
(2) في المطبوعة: "أن لا يراجعوهن ضرارا" زاد"ضرارا" هنا وهي مفسدة للكلام وليست في المخطوطة.
(3) في المطبوعة: "فلا يراجعوهن ضرارا" وهو تبديل ألجأهم إليه الفساد السابق في الجملة السالفة. والصواب من المخطوطة.

(4/532)


الله في أرحامهنّ من الولد ودم الحيض ضرارًا منهن لهم لِيَفُتْنهم بأنفسهنّ، (1)
ذلك أن الله تعالى ذكره نهى المطلقات عن كتمان أزواجهنّ في أقرائهنَّ ما خلق الله في أرحامهنّ، إن كن يؤمنَّ بالله واليوم الآخر، وجعل أزواجهن أحق بردّهن في ذلك إن أرادوا إصلاحًا، فحرَّم الله على كل واحد منهما مضارَّة صاحبه، وعرّف كلّ واحد منهما ما له وما عليه من ذلك، ثم عقب ذلك بقوله:" ولهن مثلُ الذي عليهن بالمعروف" فبيِّنٌ أن الذي على كل واحد منهما لصاحبه من ترك مضارته، مثل الذي له على صاحبه من ذلك.
فهذا التأويل هو أشبه بدلالة ظاهر التنزيل من غيره.
وقد يحتمل أن يكون كل ما على كل واحد منهما لصاحبه داخلا في ذلك، وإن كانت الآية نزلت فيما وصفنا، لأن الله تعالى ذكره قد جعل لكل واحد منهما على الآخر حقًا، فلكل واحد منهما على الآخر من أداء حقه إليه مثل الذي عليه له، فيدخل حينئذ في الآية ما قاله الضحاك وابن عباس وغير ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى"الدرجة" التي جعل الله للرجال على النساء، الفضلُ الذي فضّلهم الله عليهن في الميراث والجهاد وما أشبه ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
4769 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" وللرجال عليهن درجة" قال: فَضْل ما فضله الله به عليها من الجهاد، وفَضْل ميراثه، على ميراثه، وكل ما فضِّل به عليها.
__________
(1) في المطبوعة: "لتيقنهن" وهو خطأ موغل في الفساد واللغو. وفي المخطوطة: "لتنفهم" مختلطة الأحرف والتقط، كأن الناسخ لما أراد أن يكتب"ليسبقهم" ثم استدرك وخط على السين ليجعلها"ليفتنهم" والصواب ما أثبت. وقد جاء هذا اللفظ في حديث فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس وكانت عند أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها تطليقتين ثم بعث إليها من اليمين بالتطليقة الثالثة، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه فقال لها: "ليست له فيك ردة وعليك العدة" وأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم ثم قال لها: "فإذا حللت فلا تفوتيني بنفسك" قالت: فوالله ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يريدني إلا لنفسه، فلما حللت خطبني على أسامة بن زيد فزوجنيه" (مسند أحمد 6: 414) .
ومعنى: "فاته بنفسه" سبقه إلى حيث لا يبلغه ولم يقدر عليه وفات يده، ولو كانت"ليسبقنهم بأنفسهن" لكانت صوابًا وهي مثلها في المعنى.

(4/533)


4770 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
4771 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر: عن قتادة:" وللرجال عليهن درجة"، قال: للرجال درجةٌ في الفضل على النساء
* * *
وقال آخرون: بل تلك الدرجة: الإمْرة والطاعة.
* ذكر من قال ذلك:
4772 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن زيد بن أسلم في قوله:" وللرجال عليهن درجة"، قال: إمارةٌ.
4773 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" وللرجال عليهن درجة"، قال: طاعةٌ. قال: يطعن الأزواجَ الرجال، وليس الرجال يطيعونهن
4774 - حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا أزهر، عن ابن عون، عن محمد في قوله:" وللرجال عليهن درجة"، قال: لا أعلم إلا أن لهن مثل الذي عليهن، إذا عرفن تلك الدرجة (1)
* * *
وقال آخرون: تلك الدرجة له عليها بما ساق إليها من الصداق، وإنها إذا قذفته حُدَّت، وإذا قذفها لاعنَ.
* ذكر من قال ذلك:
4775 - حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبيدة، عن الشعبي في قوله:" وللرجال عليهن درجة"، قال: بما أعطاها من صَداقها، وأنه إذا قذفها
__________
(1) الأثر: 4774-"أزهر" هو أزهر بن سعد السمان أبو بكر الباهلي البصري روى عن سليمان التيمي وابن عون وهشام الدستوائي وروى عنه ابن المبارك وهو أكبر منه، وعلي بن المديني وعمرو بن علي الفلاس وبندار. قال ابن سعد: ثقة. ومات سنة 203.

(4/534)


لاعَنها، وإذا قذفته جُلدت وأُقِرَّتْ عنده.
* * *
وقال آخرون: تلك الدرجة التي له عليها، إفضاله عليها، وأداء حقها إليها، وصفحه عن الواجب لهُ عليها أو عن بعضه.
* ذكر من قال ذلك:
4776 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن بشير بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما أحب أن استنظف جميع حقي عليها، لأن الله تعالى ذكره يقول:" وللرجال عليهن درجة" (1)
* * *
وقال آخرون: بل تلك الدرجة التي له عليها أن جعل له لحية وحرمها ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
4777 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا عبيد بن الصباح قال، حدثنا حميد قال،" وللرجال عليهن درجة" قال: لحية. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن"الدرجة" التي ذكر الله تعالى ذكره في هذا الموضع، الصفحُ من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه.
وذلك أن الله تعالى ذكره قال:" وللرجال عليهن درجة" عَقيب قوله:" ولهن
__________
(1) الأثر: 4776- في المطبوعة"بشر بن سلمان" والصواب"بشير" كما سلف في التعليق على الأثر رقم: 4768 آنفًا.
استنظف الشيء: إذا استوفاه واستوعبه وأخذه كله. وفي الحديث: "وتكون فتنة تستنظف العرب" أي تستوعبهم هلاكًا. اللهم قنا عذابك ونجنا من كل فتنة مهلكة.
(2) الأثر: 4777-"عبيد بن الصباح الخراز" روى عن عيسى بن طهمان وموسى بن علي بن رباح وفضيل بن مرزوق وعمرو بن أبي المقدام وعبد الله بن الممل. روى عنه موسى بن عبد الرحمن المسروقي وأحمد بن يحيى الصوفي. قال أبو حاتم. ضعيف الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في الجرح والتعديل 2/2/408، ولسان الميزان 4: 119.
أما"حميد" فلم أعرف من هو، حميد كثير لم أجد فيمن يسمى"حميدًا" روية عبيد بن الصباح عنه. وربما كان"فضيل بن مرزوق" فإن"حميد" في المخطوطة مضطربة الكتبة كأن الناسخ لم يكن يحسن يقرأ من الأصل الذي نقل عنه، ولكني أستبعد ذلك. هذا وقد نقل هذا الأثر القرطبي في تفسيره 3: 125: "وهذا إن صح عنه، فهو ضعيف لا يقتضيه لفظ الآية ولا معناها" ثم قال: "طُوبَى لعبدٍ أمْسَك عمّا لا يعلمُ وخُصوصًا في كِتَاب الله تعالى"
ونعم ما قال ابن العربي ولعله يعظ بعض أهل زماننا.

(4/535)


مثلُ الذي عليهن بالمعروف"، فأخبر تعالى ذكره أن على الرجل من ترك ضرارها في مراجعته إياها في أقرائها الثلاثة وفي غير ذلك من أمورها وحُقوقها، مثل الذي له عليها من ترك ضراره في كتمانها إياه ما خلق الله في أرحامهنّ وغير ذلك من حقوقه.
ثم ندب الرجال إلى الأخذ عليهن بالفضل إذا تركن أداءَ بعض ما أوجب الله لهم عليهن، فقال تعالى ذكره:" وللرجال عليهن درجة"بتفضّلهم عليهن، وصفحهم لهن عن بعض الواجب لهم عليهن، وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عباس بقوله:"ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها" لأن الله تعالى ذكره يقول:" وللرجال عليهن درجة".
* * *
ومعنى"الدرجة"، الرتبة والمنزلة.
* * *
وهذا القول من الله تعالى ذكره، وإن كان ظاهرُه ظاهر الخبر، فمعناه معنى ندب الرجال إلى الأخذ على النساء بالفضل، ليكون لهم عليهن فضل درَجة. (1)
* * *
__________
(1) من حق أبي جعفر رضي الله عنه أن أقف بقارئ كتابه على مثل هذا الوضع من تفسيره. لأقول مرة أخرى: إنه كان مفسرا إماما سبق قفات السابقين. لم يلحقه لاحق في البصر بمعاني كتاب ربه، وفي الحرص على بيان معانيه، وفي الدقة البالغة في ضبط روابط الآيات بعضها ببعض. ومن شاء أن يعرف فضل هذا الإمام وتحققه بمعرفة أسرار هذا الكتاب فليقرأ ما كتبه المفسرون بعده في تفسير هذه الجملة من الآية فهو واجد في المقارنة بين الكلامين ما يعينه على إدراك حقيقة مذهب أبي جعفر في التفسير، وما يدله على صدق ما قلت، من أن الرجل قد نهج للمفسرين نهجًا قل من تبعه فيه، أو أطاق أن يسير فيه على آثاره. ولم يكتب أبو جعفر ما كتب على سبيل الموعظة كما يفعل أصحاب الرقائق والمتصوفة وأشباههم، بل كتب بالبرهان والحجة والملزمة واستخرج ذلك من سياق الآيات المتتابعة من أول آية الإيلاء-"للذين يلون من نسائهم"- وما تبعها من بيان طلاق المولى، وكيف يفعل الرجل المطلق وكيف تفعل المرأة المطلقة، وما أمرت به من ترك كتمان ما خلق الله في رحمها وائتمانها على هذا السر المضمر في أحشائها وما للرجال من الحق في ردهن مصلحين غير مضارين وتعادل حقوق الرجل على المرأة وحقوق المرأة على الرجل ثم أتبع ذلك بندب الرجال إلى فضيلة من فضائل الرجولة لا ينال المرء قبلها إلا بالعزم والتسامي وهو أن يتغاضى عن بعض حقوقه لامرأته فإذا فعل ذلك فقد بلغ من مكارم الأخلاق منزلة تجعل له درجة على امرأته.
ومن أجل هذا الربط الدقيق بين معاني هذا الكتاب البليغ جعل أبو بكر هذه الجملة حثًا وندبًا للرجال على السمو إلى الفضل، لا خبرًا عن فضل قد جعله الله مكتوبا لهم، أحسنوا فيما أمرهم به أم أساءوا.
وأبو جعفر رضي الله عنه لم يغفل قط عن هذا الترابط الدقيق بين معاني الكتاب، سواء كان ذلك في آيات الأحكام أو آيات القصص أو غيرها من نصوص هذا الكتاب. فهو يأخذ المعنى في أول الآية من الآيات ثم يسير معه كلمة كلمة وحرفًا حرفصا ثم جملة جملة غير تارك لشيء منه أو متجاوز عن معنى يدل عليه سياقها. وليس هذا فحسب بل هو لا ينسى أبدًا أن هذا الكتاب قد جاء ليعلم الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور وأنه جاء ليؤدبهم بأدب رب العالمين فيربط بين هذا الأدب الذي دل عليه التنزيل وبينته سنة رسول الله ويخرج من ذلك بمثل هذا الفهم الدقيق لمعاني كتاب الله مؤيدًا بالحجة والبرهان.
وأحب أن أقول إن التخلق بآداب كتاب الله يهدي إلى التفسير الصحيح كما تهدي إليه المعرفة بلغة العربن وبناسخ القرآن ومنسوخه وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأخلاق أداة من أدوات العلم كسائر الأدوات. ولولا ما كان عليه هذا الإمام من عظيم الخلق ونبيل الأدب لما وقف وحده بين سائر المفسرين عند هذه الآية، يستخرج منها هذا المعنى النبيل العظيم الذي أدب الله به المطلقين وحثهم عليه وعرفهم به فضل ما بين اقتضاء الحقوق الواجبة والعفو عن هذه الحقوق، لمن وضعها الله تحت يده، فملكه طلاقها وفراقها، ولم يملكها من ذلك مثل الذي ملكه. فاللهم اغفر لنا واهدنا وفقهنا في ديننا وعلمنا من ذلك ما لم نكن نعلم، إنك أنت السميع العليم.

(4/536)


القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك:"والله عزيز" في انتقامه ممن خالف أمره، وتعدَّى حدوده، فأتى النساء في المحيض، وجعل الله عُرضة لأيمانه أن يبرَّ ويتقي، ويصلح بين الناس، وعضَل امرأته بإيلائه، وضَارَّها في مراجعته بعد طلاقه، ولمن كتم من النساء ما خلق الله في أرحامهن أزواجهن، ونكحن في عددهن، وتركنَ التربُّص بأنفسهن إلى الوقت الذي حده الله لهن، وركبن غير ذلك من

(4/537)