تفسير الطبري جامع البيان ت شاكر

لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"أو تفرضوا لهن"، أو توجبوا لهن. وبقوله:"فريضة"، صداقا واجبا. كما: -
5192- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"أو تفرضوا لهن فريضة"، قال: الفريضة: الصداق.
* * *
وأصل"الفرض": الواجب، (1) كما قال الشاعر:
كانت فريضة ما أتيت كما ... كان الزناء فريضة الرجم (2)
يعني: كما كان الرجم الواجب من حد الزنا. ولذلك قيل:"فرض السلطان لفلان ألفين"، (3) يعني بذلك: أوجب له ذلك، ورزقه من الديوان. (4)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ومتعوهن"، وأعطوهن ما يتمتعن به من أموالكم، (5) على أقداركم ومنازلكم من الغنى والإقتار.
* * *
__________
(1) انظر معنى"الفرض" فيما سلف 4: 121
(2) البيت للنابغة الجعدي، وقد سلف تخريجه وتفسيره في الجزء 3: 311، 312 / وفي الجزء 4: 287.
(3) في المطبوعة: ". . . لفلان ألفين" بإسقاط"في"، والصواب من المخطوطة.
(4) رزق الأمير جنده: أعطاهم الرزق، وهو العطاء الذي فرضه لهم. والديوان: الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء، وأول من دون الدواوين عمر رضي الله عنه
(5) انظر معنى"المتاع" فيما سلف 1: 539، 540 / 3: 53 -55.

(5/120)


ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ ما أمر الله به الرجال من ذلك.
فقال بعضهم: أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، (1) ودونه الكسوة.
* ذكر من قال ذلك:
5193- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: متعة الطلاق أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة.
5194- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عكرمة، عن ابن عباس بنحوه.
5195- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن داود، عن الشعبي قوله:"ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره"، قلت له: ما أوسط متعة المطلقة؟ قال: خمارها ودرعها وجلبابها وملحفتها.
5196- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين"، فهذا الرجل يتزوج المرأة ولم يسم لها صداقا، ثم يطلقها من قبل أن ينكحها، فأمر الله سبحانه أن يمتعها على قدر عسره ويسره. فإن كان موسرا متعها بخادم أو شبه ذلك، وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك.
5197- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي في قوله:"ومتعوهن على الموسر قدر وعلى المقتر قدره"، قال: قلت للشعبي: ما وسط ذلك؟ قال: كسوتها في بيتها، ودرعها وخمارها وملحفتها وجلبابها.
قال الشعبي: فكان شريح يمتع بخمسمئة.
__________
(1) الورق (بفتح فكسر) : الدراهم المضروبة. والورق (بفتحتين) : المال الناطق من الإبل والغنم.

(5/121)


5198- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عامر: أن شريحا كان يمتع بخمسمئة، قلت لعامر: ما وسط ذلك؟ قال: ثيابها في بيتها، درع وخمار وملحفة وجلباب.
5199- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عمار الشعبي أنه قال: وسط من المتعة ثياب المرأة في بيتها، درع وخمار وملحفة وجلباب.
5200- حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا داود، عن الشعبي: أن شريحا متع بخمسمئة. وقال الشعبي: وسط من المتعة، درع وخمار وجلباب وملحفة.
5201- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدر وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين"، قال: هو الرجل يتزوج المرأة ولا يسمى لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فلها متاع بالمعروف ولا صداق لها. قال: أدنى ذلك ثلاثة أثواب، درع وخمار، وجلباب وإزار.
5202- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"لا جناح عليكم إذ طلقتم النساء ما لم تمسوهن" حتى بلغ:"حقا على المحسنين"، فهذا في الرجل يتزوج المرأة ولا يسمى لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فلها متاع بالمعروف، ولا فريضة لها. وكان يقال: إذا كان واجدا فلا بد من مئزر وجلباب ودرع وخمار. (1)
5203- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن صالح بن صالح، قال: سئل عامر: بكم يمتع الرجل امرأته؟ قال: على قدر ماله.
__________
(1) الواجد: القادر، الذي يجد ما يقضي به دينه أو ما شابه ذلك.

(5/122)


5204- حدثني علي بن سهل قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت حميد بن عبد الرحمن بن عوف يحدث عن أمه قالت: كأني أنظر إلى جارية سوداء، حممها عبد الرحمن أم أبي سلمة حين طلقها. (1)
قيل لشعبة: ما"حممها"؟ قال. متعها. (2)
5205- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أمه، بنحوه، عن عبد الرحمن بن عوف.
5206- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال، كان يمتع بالخادم، أو بالنفقة أو الكسوة. قال: ومتع الحسن بن علي - أحسبه قال: بعشرة آلاف.
5207- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعد بن إبراهيم: أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته فمتعها بالخادم.
5208- حدثت عن عبد الله بن يزيد المقري، عن سعيد بن أبي أيوب قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب: أنه كان يقول في متعة المطلقة: أعلاه الخادم، وأدناه الكسوة والنفقة. ويرى أن ذلك على ما قال الله تعالى ذكره:
__________
(1) في المطبوعة: "عبد الرحمن بن أم سلمة" وهو خلط فاحش، والصواب ما أثبته من المخطوطة. وأبو سلمة هو عبد الله الأصغر بن عبد الرحمن بن عوف، وأمه تماضر ابنة الأصبغ بن عمرو الكلبية، وهي أول كلبية نكحها قرشي. وإخوة أبي سلمة لأمه تماضر: أحيح وخالد ومريم، بنو خالد بن عقبة بن أبي معيط، خلف عليها بعد عبد الرحمن بن عوف.
وكانت العرب تسمي المتعة: التحميم. وعدي "حممها" إلى مفعولين؛ لأنه في معنى أعطاها إياها.
(2) الأثر: 5204- سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، رأى ابن عمر، وروى عن أبيه وعميه حميد وأبي سلمة. مات سنة 127، مترجم في التهذيب. وأم حميد بن عبد الرحمن هي: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط الأموية أخت عثمان بن عفان لأمه، أسلمت قديما، وبايعت، وحبست عن الهجرة إلى أن هاجرت سنة سبع في الهدنة. ولدت لعبد الرحمن بن عوف حميد بن عبد الرحمن وإبراهيم بن عبد الرحمن، ورويا عنها. مترجمة في التهذيب وغيره.

(5/123)


"على الموسع قدره وعلى المقتر قدره"
* * *
وقال آخرون: مبلغ ذلك - إذا اختلف الزوج والمرأة فيه - قدر نصف صداق مثل تلك المرأة المنكوحة بغير صداق مسمى في عقده. وذلك قول أبي حنيفة وأصحابه.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قال ابن عباس ومن قال بقوله: من أن الواجب من ذلك للمرأة المطلقة على الرجل على قدر عسره ويسره، كما قال الله تعالى ذكره:"على الموسع قدره وعلى المقتر قدره"، لا على قدر المرأة. ولو كان ذلك واجبا للمرأة على قدر صداق مثلها إلى قدر نصفه، لم يكن لقيله تعالى ذكره:"على الموسع قدره وعلى المقتر قدره"، معنى مفهوم= ولكان الكلام: ومتعوهن على قدرهن وقدر نصف صداق أمثالهن.
وفي إعلام الله تعالى ذكره عباده أن ذلك على قدر الرجل في عسره ويسره، لا على قدرها وقدر نصف صداق مثلها، ما يبين عن صحة ما قلنا، وفساد ما خالفه. وذلك أن المرأة قد يكون صداق مثها المال العظيم، والرجل في حال طلاقه إياها مقتر لا يملك شيئا، فإن قضي عليه بقدر نصف صداق مثلها، ألزم ما يعجز عنه بعض من قد وسع عليه، فكيف المقدور عليه؟ (1) وإذا فعل ذلك به، كان الحاكم بذلك عليه قد تعدى حكم قول الله تعالى ذكره:"على الموسع قدره وعلى المقتر قدره" -ولكن ذلك على قدر عسر الرجل ويسره، لا يجاوز بذلك خادم أو قيمتها، إن كان الزوج موسعا. وإن كان مقترا، فأطاق أدنى ما يكون كسوه لها، وذلك ثلاثة أثواب ونحو ذلك، قضي عليه بذلك. وإن كان عاجزا عن ذلك، فعلى قدر طاقته. وذلك على قدر اجتهاد الإمام العادل عند الخصومة إليه فيه.
* * *
__________
(1) المقدور عليه: المضيق عليه رزقه. قدر عليه رزقه (بالبناء للمجهول) : ضيق.

(5/124)


واختلف أهل التأويل في تأويل قوله."ومتعوهن"، هل هو على الوجوب، أو على الندب؟
فقال بعضهم: هو على الوجوب، يقضى بالمتعة في مال المطلق، كما يقضى عليه بسائر الديون الواجبة عليه لغيره. وقالوا: ذلك واجب عليه لكل مطلقة، كائنة من كانت من نسائه.
* ذكر من قال ذلك:
5209- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن وأبو العالية يقولان: لكل مطلقة متاع، دخل بها أو لم يدخل بها، وإن كان قد فرض لها.
5210- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن يونس: أن الحسن كان يقول: لكل مطلقة متاع، وللتي طلقها قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها.
5211- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن سعيد عن جبير في هذه الآية: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة: 241] ، قال: كل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين.
5212- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب قال، سمعت سعيد بن جبير يقول: لكل مطلقة متاع.
5213- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: كان أبو العالية يقول: لكل مطلقة متعة. وكان الحسن يقول: لكل مطلقة متعة.
5214- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة قال، سئل الحسن، عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها: هل لها متاع؟ قال الحسن: نعم والله! فقيل للسائل= وهو أبو بكر الهذلي= أو ما تقرأ

(5/125)


هذه الآية: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) ؟ قال: نعم والله!
* * *
وقال آخرون: المتعة للمطلقة على زوجها المطلقها واجبة، ولكنها واجبة لكل مطلقة سوى المطلقة المفروض لها الصداق. فأما المطلقة المفروض لها الصداق إذا طلقت قبل الدخول بها، فإنها لا متعة لها، وإنما لها نصف الصداق المسمى.
* ذكر من قال ذلك:
5215- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر كان يقول: لكل مطلقة متعة، إلا التي طلقها ولم يدخل بها، وقد فرض لها، فلها نصف الصداق، ولا متعة لها.
5216- حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر بنحوه.
5217- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب- في الذي يطلق امرأته وقد فرض لها- أنه قال في المتاع: قد كان لها المتاع في الآية التي في"الأحزاب"، (1) فلما نزلت الآية التي في"البقرة"، جعل لها النصف من صداقها إذا سمى، ولا متاع لها، وإذا لم يسم فلها المتاع.
5218- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد نحوه.
5219- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان سعيد بن المسيب يقول: إذا لم يدخل بها جعل لها في"سورة
__________
(1) ستأتي آية"سورة الأحزاب" بعد قليل في الأثر رقم 5220.

(5/126)


الأحزاب" المتاع، ثم أنزلت الآية التي في"سورة البقرة": (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، إذا كان لم يدخل بها، وكان قد سمى لها صداقا، فجعل لها النصف ولا متاع لها.
5220- حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: نسخت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ) [سورة الأحزاب: 49] الآية التي في"البقرة".
5221- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حميد، عن مجاهد قال: لكل مطلقة متعة، إلا التي فارقها وقد فرض لها من قبل أن يدخل بها.
5222- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد- في التي يفارقها زوجها قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها، قال: ليس لها متعة.
5223- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أيوب، عن نافع قال: إذا تزوج الرجل المرأة وقد فرض لها، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فلها نصف الصداق، ولا متاع لها. وإذا لم يفرض لها، فإنما لها المتاع.
5224- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، سئل ابن أبي نجيح وأنا أسمع: عن الرجل يتزاوج ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها، هل لها متاع؟ قال: كان عطاء يقول: لا متاع لها.

(5/127)


5225- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر- في التي فرض لها ولم يدخل بها، قال: إن طلقت، فلها نصف الصداق ولا متعة لها.
5226- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم: أن شريحا كان يقول -في الرجل إذا طلق امرأته قبل أن يدخل بها، وقد سمى لها صداقا- قال: لها في النصف متاع.
5227- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن شريح قال: لها في النصف متاع.
* * *
وقال آخرون: المتعة حق لكل مطلقة، غير أن منها ما يقضى به على المطلق، ومنها ما لا يقضى به عليه، ويلزمه فيما بينه وبين الله إعطاؤه.
* ذكر من قال ذلك:
5228- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرازق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري قال: متعتان، إحداهما يقضى بها السلطان، والأخرى حق على المتقين: من طلق قبل أن يفرض ويدخل، فإنه يؤخذ بالمتعة، فإنه لا صداق عليه. ومن طلق بعد ما يدخل أو يفرض، فالمتعة حق.
5229- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال الله:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين"، فإذا تزوج الرجل المرأة ولم يفرض لها، ثم طلقها من قبل أن يمسها وقبل أن يفرض لها، فليس عليه إلا متاع بالمعروف، يفرض لها السلطان بقدر، وليس عليها عدة. وقال الله تعالى ذكره:"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، فإذا طلق الرجل المرأة

(5/128)


وقد فرض لها ولم يمسسها، فلها نصف صداقها، ولا عدة عليها.
5230- حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال، أخبرنا زهير، عن معمر، عن الزهري أنه قال: متعتان يقضى بإحداهما السلطان، ولا يقضى بالأخرى: فالمتعة التي يقضي بها السلطان حقا على المحسنين، والمتعة التي لا يقضي بها السلطان حقا على المتقين. (1)
* * *
وقال آخرون: لا يقضي الحاكم ولا السلطان بشيء من ذلك على المطلق، وإنما ذلك من الله تعالى ذكره ندب وإرشاد إلى أن تمتع المطلقة.
* ذكر من قال ذلك:
5231- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم: أن رجلا طلق امرأته، فخاصمته إلى شريح، فقرأ الآية: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة: 241] ، قال: إن كنت من المتقين، فعليك المتعة. ولم يقض لها. قال شعبة: وجدته مكتوبا عندي عن أبي الضحى.
5223- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد قال: كان شريح يقول في متاع المطلقة، لا تأب أن تكون من المحسنين، لا تأب أن تكون من المتقين.
5233- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق أن شريحا قال للذي قد دخل بها: إن كنت من المتقين فمتع.
* * *
قال أبو جعفر: وكأن قائلي هذا القول ذهبوا في تركهم إيجاب المتعة فرضا
__________
(1) الأثر: 5230- عمرو بن أبي سلمة التنيسي أبو حفص الدمشقي، مترجم في التهذيب و"زهير"، هو: زهير بن محمد التميمي، مترجم في التهذيب. قال أحمد في عمرو بن أبي سلمة: "روى عن زهير أحاديث بواطيل، كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله، فغلظ فقلبها عن زهير". وكلاهما متكلم فيه.

(5/129)


للمطلقات، إلى أن قول الله تعالى ذكره:"حقا على المحسنين"، وقوله:"حقا على المتقين"، دلالة على أنها لو كانت واجبة وجوب الحقوق اللازمة الأموال بكل حال، لم يخصص المتقون والمحسنون بأنها حق عليهم دون غيرهم، بل كان يكون ذلك معموما به كل أحد من الناس.
وأما موجبوها على كل أحد سوى المطلقة المفروض لها الصداق، فإنهم اعتلوا بأن الله تعالى ذكره لما قال:"وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين"، كان ذلك دليلا على أن لك مطلقة متاعا سوى من استحدثناه الله تعالى ذكره في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. فلما قال:"وإذ طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، كان في ذلك دليل عندهم على أن حقها النصف مما فرض لها، لأن المتعة جعلها الله في الآية التي قبلها عندهم، لغير المفروض لها. فكان معلوما عندهم بخصوص الله بالمتعة غير المفروض لها، أن حكمها غير حكم التي لم يفرض لها إذا طلقها قبل المسيس، (1) فيما لها على الزوج من الحقوق.
* * *
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي، قول من قال:"لكل مطلقة متعة"، لأن الله تعالى ذكره قال:"وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين"، فجعل الله تعالى ذكره ذلك لكل مطلقة، ولم يخصص منهن بعضا دون بعض. فليس لأحد إحالة ظاهر تنزيل عام، إلى باطن خاص، إلا بحجة يجب التسليم لها. (2)
* * *
فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد خص المطلقة قبل المسيس، إذا كان
__________
(1) المسيس: المس، مصدر"مس"، كما سلف آنفًا ص: 118.
(2) عند هذا الموضع، انتهى التقسيم القديم الذي نقلت عنه مخطوطتنا، وفيها بعد هذا ما نصه:
"وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم كثيرا"
ثم يبدأ بعده.
"بسم الله الرحمن الرحيم".

(5/130)


مفروضا لها، بقوله: (1) "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، إذ لم يجعل لها غير النصف من الفريضة؟ (2)
قيل: إن الله تعالى ذكره إذا دل على وجوب شيء في بعض تنزيله، ففي دلالته على وجوبه في الموضع الذي دل عليه، الكفاية عن تكريره، حتى يدل على بطول فرضه. وقد دل بقوله،"وللمطلقات متاع بالمعروف"، على وجوب المتعة لكل مطلقة، فلا حاجة بالعباد إلى تكرير ذلك في كل آية وسورة. وليس في دلالته على أن للمطلقة قبل المسيس المفروض لها الصداق نصف ما فرض لها، دلالة على بطول المتعة عنه. لأنه غير مستحيل في الكلام لو قيل:"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن (3) وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" والمتعة. (4) فلما لم يكن ذلك محالا في الكلام، كان معلوما أن نصف الفريضة إذا وجب لها، لم يكن في وجوبه لها نفي عن حقها من المتعة، ولما لم يكن اجتماعهما للمطلقة محالا.= وكان الله تعالى ذكره قد دل على وجوب ذلك لها، وإن كانت الدلالة على وجوب أحدهما في آية غير الآية التي فيها الدلالة على وجوب الأخرى = ثبت وصح وجوبهما لها.
هذا، إذا لم يكن على أن للمطلقة المفروض لها الصداق إذا طلقت قبل
__________
(1) في المطبوعة: "قد خصص المطلقة. . . " وأثبت الصواب من المخطوطة.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "غير النصف الفريضة"، والصواب زيادة"من"، أو تكون"غير نصف الفريضة"، بحذف الألف واللام من"النصف".
(3) في المخطوطة: "تماسوهن"، وقد أشرنا آنفًا ص: 118، تعليق: 1 إلى أنها هي قراءة أبي جعفر، وأنها كانت مثبتة هكذا في أصله.
(4) يعني: بعطف"والمتعة" على قوله: "فنصف ما فرضتم".

(5/131)


المسيس، (1) دلالة غير قول الله تعالى ذكره:"وللمطلقات متاع بالمعروف"، فكيف وفي قول الله تعالى ذكره:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن"، الدلالة الواضحة على أن المفروض لها إذا طلقت قبل المسيس، لها من المتعة مثل الذي لغير المفروض لها منها؟ وذلك أن الله تعالى ذكره لما قال:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة،" كان معلوما بذلك أنه قد دل به على حكم طلاق صنفين من طلاق النساء: أحدهما المفروض له، والآخر غير المفروض له. وذلك أنه لما قال:"أو تفرضوا لهن فريضة"، علم أن الصنف الآخر هو المفروض له، وأنها المطلقة المفروض لها قبل المسيس. لأنه قال:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم يمسوهن،" ثم قال تعالى ذكره:"ومتعوهن"، فأوجب المتعة للصنفين منهن جميعا، المفروض لهن، وغير المفروض لهن. فمن ادعى أن ذلك لأحد الصنفين، سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير، ثم عكس عليه القول في ذلك. فلن يقول في شيء منه قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وأرى أن المتعة للمرأة حق واجب، إذا طلقت، على زوجها المطلقها، على ما بينا آنفا - يؤخذ بها الزوج كما يؤخذ بصداقها، لا يبرئه منها إلا أداؤه إليها أو إلى من يقوم مقامها في قبضها منه، أو ببراءة تكون منها له. وأرى أن سبيلها سبيل صداقها وسائر ديونها قبله، يحبس بها إن طلقها فيها، (2) إذا لم يكن له شيء ظاهر يباع عليه، إذا امتنع من إعطائها ذلك.
وإنما قلنا ذلك، لأن الله تعالى ذكره قال:"ومتعوهن،" فأمر الرجال أن يمتعوهن، وأمره فرض، إلا أن يبين تعالى ذكره أنه عنى به الندب والإرشاد، لما
__________
(1) في المطبوعة: "للمطلقة المفروض الصداق" بإسقاط"لها"، والصواب من المخطوطة.
(2) في المطبوعة: "يحبس لها"، وأثبت ما في المخطوطة.

(5/132)


قد بينا في كتابنا المسمى (بلطيف البيان عن أصول الأحكام) ، لقوله:"وللمطلقات متاع بالمعروف". ولا خلاف بين جميع أهل التأويل أن معنى ذلك: وللمطلقات على أزواجهن متاع بالمعروف. وإذا كان ذلك كذلك، فلن يبرأ الزوج مما لها عليه إلا بما وصفنا قبل، من أداء أو إبراء على ما قد بينا.
* * *
فإن ظن ذو غباء أن الله تعالى ذكره إذ قال:"حقا على المحسنين" و"حقا على المتقين"، أنها غير واجبة، لأنها لو كانت واجبة لكانت على المحسن وغير المحسن، والمتقي وغير المتقي= فإن الله تعالى ذكره قد أمر جميع خلقه بأن يكونوا من المحسنين ومن المتقين، وما وجب من حق على أهل الإحسان والتقى، فهو على غيرهم أوجب، ولهم ألزم.
وبعد، فإن في إجماع الحجة على أن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس واجبة بقوله:"ومتعوهن"، وجوب نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس بقول الله تعالى ذكره (1) فيما أوجب لهما من
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "وجوب نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس، قال الله تعالى ذكره فيما أوجب لها من ذلك. . . ". وقد وقفت طويلا على هذه العبارة، فلم يخلص لها معنى عندي، ولم أستحل أن أدعها بغير بيان فسادها، وإثبات صحة ما رأيته. ومراد الطبري في سياق هذا الاحتجاج الأخير الذي بدأه في هذه الفقرة، أن يتمم حجته في رد قول من ظن أن المتعة غير واجبة، لقوله تعالى: "حقا على المحسنين" و"حقا على المتقين"، فقال: إن قول الله تعالى"ومتعوهن" قد أوجبت المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، -كما أوجب قوله تعالى"فنصف ما فرضتم"، نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس- وهي الآية التي لم يذكر فيها: "حقا على المحسنين" ولا"حقا على المتقين". ففي إجماع الحجة على وجوب ذلك لهما، الدليل الواضح على أن قوله تعالى: "وللمطلقات متاع بالمعروف"، يوجب المتعة لكل مطلقة-"وإن كان قال: حقا على المتقين" بعقب هذه الآية. ثم بين هذه الحجة في الفقرة التالية بيانا شافيا، فقال إن إجماعهم على إيجاب المتعة للمطلقة غير المفروض لها بقوله: "ومتعوهن" مع تعقيب ذلك بقوله في الآية: "حقا على المحسنين" دليل على أن ذلك كذلك في قوله: "وللمطلقات متاع بالمعروف"، مع تعقيب ذلك بقوله: "حقا على المتقين"، فالمتعة واجبة لكل مطلقة، كما وجبت في الآية الأخرى. من أجل هذا السياق الذي بينته، رأيت أن نص المخطوطة والمطبوعة فاسد غير دال على معنى، فاقتضى ذلك أن أجعل"قال الله تعالى ذكره" -"بقول الله تعالى ذكره"، وأن أزيد بعدها: "فنصف ما فرضتم"، وأن أجعل"فيما أوجب لها"-"فيما أوجب لهما" على التثنية. هذا ما رجح عندي وثبت وصح، والحمد لله أولا وآخرا، وكأنه الصواب في أصل الطبري إن شاء الله.

(5/133)


ذلك = (1) الدليل الواضح أن ذلك حق واجب لكل مطلقة بقوله:"وللمطلقات متاع بالمعروف"، وإن كان قال:"حقا على المتقين".
ومن أنكر ما قلنا في ذلك، سئل عن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس. فإن أنكر وجوب ذلك خرج من قول جميع الحجة، (2) ونوظر مناظرتنا المنكرين في عشرين دينارا زكاة، والدافعين زكاة العروض إذا كانت للتجارة، وما أشبه ذلك. (3) فإن أوجب ذلك لها، سئل الفرق بين وجوب ذلك لها، والوجوب لكل مطلقة، وقد شرط فيما جعل لها من ذلك بأنه حق على المحسنين، كما شرط فيما جعل للآخر بأنه حق على المتقين. فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
* * *
قال أبو جعفر: واجمع الجميع على أن المطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، لا شيء لها على زوجها المطلقها غير المتعة.
* ذكر بعض من قال ذلك من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم:
5234- حدثنا أبو كريب ويونس بن عبد الأعلى قالا حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يفرض لها وقبل أن يدخل بها، فليس لها إلا المتاع.
5235- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن يونس قال، قال الحسن: إن طلق الرجل امرأته ولم يدخل بها ولم يفرض لها، فليس لها إلا المتاع.
__________
(1) قوله: "الدليل الواضح" اسم"إن" في قوله في أول الفقرة: "فإن في إجماع الحجة. . . "
(2) في المخطوطة: "فإن أنكر وجوب من قول جميع الحجة"، وهو خطأ بين، وفي المطبوعة: "وجوبه" ورجحت ما أثبت.
(3) يعني بذلك ما كان في إجماع كإجماعهم على وجوب الزكاة في عشرين دينارا، ووجوب زكاة العروض إذا كانت للتجارة، فيجادل في أمر المتعة، بما يجادل به المنكر والدافع لوجوب الزكاة فيهما.

(5/134)


5236- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن نافع قال: إذا تزوج الرجل المرأة ثم طلقها ولم يفرض لها، فإنما لها المتاع.
5237- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: إذا تزوج الرجل المرأة ولم يفرض لها، ثم طلقها قبل أن يمسها وقبل أن يفرض لها، فليس لها عليه إلا المتاع بالمعروف.
5238- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة،" قال: ليس لها صداق إلا متاع بالمعروف.
5239- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه- إلا أنه قال: ولا متاع إلا بالمعروف.
5240- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"لا جناح عليكم إذ طلقتم النساء ما لم تمسوهن" إلى:"ومتعوهن" قال: هذا الرجل توهب له فيطلقها قبل أن يدخل بها، فإنما عليه المتعة.
5241- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال في هذه الآية: هو الرجل يتزوج المرأة ولا يسمي لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فلها متاع بالمعروف، ولا فريضة لها.
5242- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
5243- حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، [حدثنا عبيد بن سليمان قال] ، سمعت الضحاك يقول في قوله:"ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة"، هذا رجل وهبت له امرأته، فطلقها من قبل أن يمسها، فلها المتعة ولا فريضة لها، وليست عليها عدة.
* * *

(5/135)


قال أبو جعفر: وأما"الموسع"، فهو الذي قد صار من عيشه إلى سعة وغنى، يقال منه:"أوسع فلان فهو يوسع إيساعا وهو موسع".
* * *
وأما"المقتر"، فهو المقل من المال، يقال:"قد أقتر فهو يقتر إقتارا، وهو مقتر".
* * *
واختلف القرأة في قراءة"القدر". (1)
فقرأه بعضهم:"على الموسع قدره وعلى المقتر قدره". بتحريك"الدال" إلى الفتح من"القدر"، توجيها منهم ذلك إلى الاسم من"التقدير"، الذي هو من قول القائل:"قدر فلان هذا الأمر".
* * *
وقرأ آخرون بتسكين"الدال" منه، توجيها منهم ذلك إلى المصدر من ذلك، كما قال الشاعر. (2)
وما صب رجلي في حديد مجاشع ... مع القدر، إلا حاجة لي أريدها (3)
* * *
والقول في ذلك عندي أنهما جميعا قراءتان قد جاءت بهما الأمة، ولا تحيل القراءة بإحداهما معنى في الأخرى، بل هما متفقتا المعنى. فبأي- القراءتين قرأ القارئ ذلك، فهو للصواب مصيب.
وإنما يجوز اختيار بعض القراءات على بعض لبينونة المختارة على غيرها بزيادة
__________
(1) في المطبوعة: "واختلف القراء"، وأثبت ما في المخطوطة، والمطبوعة تغير نص المخطوطة حيثما ذكر"القَرَأَة" إلى"القراء"، فلن نشير إليه بعد هذا الوضع.
(2) هو الفرزدق فيما يقال.
(3) ديوانه: 215 نقلا عن اللسان (صبب) ، وهو في اللسان أيضًا في (قدر) ، ومقاييس اللغة 5: 62، والأساس (صبب) ، وإصلاح المنطق: 109، وتهذيب إصلاح المنطق 1: 168 وقال أبو محمد: "ذكر يعقوب أن هذا البيت للفرزدق، ولم أجده في شعره ولا في أخباره". وكأن البيت ليس للفرزدق، لذكره"حديد مجاشع"، وهو جده. وجرير كان يعيره بأنه"ابن القين"، فأنا أستبعد أن يذكر الفرزدق في شعره"حديد مجاشع". وقال التبريزي في شرح البيت: "يقول: كان حبسي قدره الله علي، وكان لي فيه حاجة، ولم يكن لي منه بد". وهو معنى غير بين. ويقال: صب القيد في رجله، أي قيد.

(5/136)


معنى أوجبت لها الصحة دون غيرها. وأما إذا كانت المعاني في جميعها متفقة، فلا وجه للحكم لبعضها بأنه أولى أن يكون مقروءا به من غيره.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا: لا حرج عليكم، أيها الناس، لأن طلقتم النساء وقد فرضتم لهن ما لم تماسوهن، (1) وإن طلقتموهن ما لم تماسوهن قبل أن تفرضوا لهن، ومتعوهن جميعا على ذي السعة والغنى منكم من متاعهن حينئذ بقدر غناه وسعته، وعلى ذي الإقتار والفاقة منكم منه بقدر طاقته وإقتاره.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ومتعوهن متاعا. وقد يجوز أن يكون"متاعا" منصوبا قطعا من"القدر". (2) لأن"المتاع" نكرة، و"القدر" معرفة.
* * *
ويعني بقوله:"بالمعروف"، بما أمركم الله به من إعطائكم إياهن ذلك، (3) بغير ظلم، ولا مدافعة منكم لهن به. (4)
ويعني بقوله:"حقا على المحسنين"، متاعا بالمعروف الحق على المحسنين. فلما دل إدخال"الألف واللام" على"الحق"، وهو من نعت"المعروف"، و"المعروف" معرفة، و"الحق" نكرة، نصب على القطع منه، (5) كما يقال:"أتاني الرجل راكبا".
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "لأن طلقتم النساء" والسياق يقتضي صواب ما أثبت.
(2) القطع: الحال، وانظر فهرس المصطلحات في الأجزاء السالفة.
(3) في المطبوعة: "من إعطائكم لهن ذلك"، وفي المخطوطة"إعطائكم هن" قد سقط منها"إيا".
(4) انظر معنى"المعروف" فيما سلف 3: 371 / ثم 4: 547، 548 / 5: 7، 44، 76، 93.
(5) القطع: الحال، وانظر فهرس المصطلحات في الأجزاء السالفة.

(5/137)


وجائز أن يكون نصب على المصدر من جملة الكلام الذي قبله، كقول القائل:"عبد الله عالم حقا"، ف"الحق" منصوب من نية كلام المخبر، كأنه قال: أخبركم بذلك حقا. (1)
والتأويل الأول هو وجه الكلام، لأن معنى الكلام: فمتعوهن متاعا بمعروف حق على كل من كان منكم محسنا.
* * *
وقد زعم بعضهم أن ذلك منصوب بمعنى: أحق ذلك حقا. والذي قاله من ذلك، بخلاف ما دل عليه ظاهر التلاوة. لأن الله تعالى ذكره جعل المتاع للمطلقات حقا لهن على أزواحهن، فزعم قائل هذا القول أن معنى ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنه يحق أن ذلك على المحسنين. فتأويل الكلام إذا- إذ كان الأمر كذلك-: ومتعوهن على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف الواجب على المحسنين.
* * *
ويعني بقوله:"المحسنين"، الذين يحسنون إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة الله فيما ألزمهم به، وأدائهم ما كلفهم من فرائضه.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: إنك قد ذكرت أن"الجناح" هو الحرج، (2) وقد قال الله تعالى ذكره:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن"، فهل علينا من جناح لو طلقناهن بعد المسيس، فيوضع عنا بطلاقنا إياهن قبل المسيس؟ قيل: قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات". (3)
__________
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 154-155.
(2) انظر معنى"الجناح" في فهارس اللغة عن هذا الجزء والأجزاء السالفة.
(3) رجل ذواق: مطلاق كثير النكاح، كثير الطلاق، وكذلك المرأة. والذوق: استطراف النكاح وقتا بعد وقت، كأنه يذوق ويختبر، ثم يتحول ليذوق غيره.

(5/138)


5244- حدثنا بذلك ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. (1)
* * *
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما بال أقوام يلعبون بحدود الله، يقولون: قد طلقتك، قد راجعتك، قد طلقتك".
5245- حدثنا بذلك ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
* * *
فجائز أن يكون"الجناح" الذي وضع عن الناس في طلاقهم نساءهم قبل المسيس، هو الذي كان يلحقهم منه بعد ذوقهم إياهن، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
__________
(1) الحديث: 5244- شهر بن حوشب: تابعي ثقة، كما بينا في: 1489. فالحديث بهذا الإسناد مرسل. وقد ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4: 335، من حديث عبادة بن الصامت. وقال: "رواه الطبراني، وفيه راو لم يسم. وبقية إسناده حسن". وذكر أيضًا حديثا لأبي موسى، مرفوعا: "لا تطلق النساء إلا من ريبة، إن الله تبارك وتعالى لا يحب الذواقين ولا الذواقات". وقال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط. وأحد أسانيد البزار فيه عمران القطان، وثقه أحمد وابن حبان، وضعفه يحيى بن سعيد وغيره". وليس بين يدي أسانيد هذين الحديثين، حتى أعرف مدى درجاتهما، ولا أن شهر بن حوشب روى واحدا منها. وقوله: "الذواقين والذواقات"- قال ابن الأثير: "يعني السريعي النكاح السريعي الطلاق". وذكره الزمخشري في المجاز من كتاب الأساس. وقال: "كلما تزوج أو تزوجت، مد عينه أو عينها إلى أخرى أو آخر".
(2) الحديث: 5245- هذا إسناد صحيح. ورواه ابن ماجه: 2017، عن محمد بن بشار -شيخ الطبري هنا- بهذا الإسناد. وقد مضت الإشارة إليه، وإلى ما قيل في تعليله والرد عليه. وإلى رواية البيهقي إياه من هذا الوجه ومن رواية موسى بن مسعود عن سفيان الثوري= في: 4925، 4926. ولم نكن رأينا رواية الطبري - هذه، إذ ذاك.

(5/139)


وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)

وقد كان بعضهم يقول: معنى قوله في هذا الموضع:"لا جناح"، لا سبيل عليكم للنساء- إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، ولم تكونوا فرضتم لهن فريضة -في إتباعكم بصداق ولا نفقة. وذلك مذهب، لولا ما قد وصفت من أن المعني بالطلاق قبل المسيس في هذه الآية صنفان من النساء: أحدهما المفروض لها، والآخر غير المفروض لها. فإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يقال: لا سبيل لهن عليكم في صداق، إذا كان الأمر على ما وصفنا.
* * *
وقد يحتمل ذلك أيضا وجها آخر: وهو أن يكون معناه: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تماسوهن، في أي وقت شئتم طلاقهن. لأنه لا سنة في طلاقهن، فللرجل أن يطلقهن إذا لم يكن مسهن حائضا وطاهرا في كل وقت أحب. وليس ذلك كذلك في المدخول بها التي قد مست، لأنه ليس لزوجها طلاقها إن كانت من أهل الأقراء- إلا للعدة طاهرا في طهر لم يجامع فيه. فيكون"الجناح" الذي أسقط عن مطلق التي لم يمسها في حال حيضها، (1) هو"الجناح" الذي كان به مأخوذا المطلق بعد الدخول بها في حال حيضها، أو في طهر قد جامعها فيه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ}
قال أبو جعفر: وهذا الحكم من الله تعالى ذكره، إبانة عن قوله:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة". (2) وتأويل ذلك:
__________
(1) في المخطوطة: "لم يمسهن" وهو خطأ وسهو.
(2) في المخطوطة: "ما لم تماسوهن"، وهي قراءة الطبري كما أسلفنا مرارا. وستأتي على قراءته في تأويل الآية.

(5/140)


لا جناح عليكم أيها الناس إن طلقتم النساء ما لم تماسوهن وقد فرضتم لهن فريضة، فلهن عليكم نصف ما كنتم فرضتم لهن من قبل طلاكم إياهن، يعني بذلك: فلهن عليكم نصف ما أصدقتموهن.
وإنما قلنا: إن تأويل ذلك كذلك، لما قد قدمنا البيان عنه من أن قوله:"أو تفرضوا لهن فريضه"، بيان من الله تعالى ذكره لعباده حكم غير المفروض لهن إذا طلقهن قبل المسيس. فكان معلوما بذلك أن حكم اللواتي عطف عليهن ب"أو"، غير حكم المعطوف بهن بها.
وإنما كرر تعالى ذكره قوله:"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة"، وقد مضى ذكرهن في قوله:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن" ليزول الشك عن سامعيه واللبس عليهم، من أن يظنوا أن التي حكمها الحكم الذي وصفه في هذه الآية، هي غير التي ابتدأ بذكرها وذكر حكمها في الآية التي قبلها.
* * *
وأما قوله:"إلا أن يعفون"، فإنه يعني: إلا أن يعفو اللواتي وجب لهن عليكم نصف تلك الفريضة، فيتركنه لكم، ويصفحن لكم عنه تفضلا منهن بذلك عليكم، إن كن ممن يجوز حكمه في ماله وهن بوالغ رشيدات، فيجوز عفوهن حينئذ ما عفون عنكم من ذلك، فيسقط عنكم ما كن عفون لكم عنه منه. وذلك النصف الذي كان وجب لهن من الفريضة بعد الطلاق وقيل العفو إن عفت عنه- أو ما عفت عنه. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قالة أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
5246- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
__________
(1) السياق: وذلك النصف. . . أو ما عفت عنه.

(5/141)


معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"؛ فهذا الرجل يتزوج المرأة وقد سمى لها صداقا، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فلها نصف صداقها، ليس لها أكثر من ذلك.
5247- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، (1) قال: إن طلق الرجل امرأته وقد فرض لها، فنصف ما فرض، إلا أن يعفون.
5248- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
5249- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وإذ طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، إذا كان لم يدخل بها وقد كان سمى لها صداقا، فجعل لها النصف ولا متاع لها.
5250- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، قال: هو الرجل يتزوج المرأة وقد فرض لها صداقا ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فلها نصف ما فرض لها، ولها المتاع، ولا عدة عليها.
5251- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب:"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم
__________
(1) ساق بقية الآية في المطبوعة، وأخطأ الناسخ في المخطوطة، فساق بقيتها ولم يتمها، ووضع في أول ما أراد حذفه"لا" وفي آخره"إلى"، وهي علامة الحذف قديما، تقوم مقام الضرب عليها بالقلم والمداد.

(5/142)


لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، قال: إذا طلق الرجل المرأة وقد فرض لها ولم يمسها، فلها نصف صداقها ولا عدة عليها.
* * *
* ذكر من قال في قوله:"إلا أن يعفون" القول الذي ذكرناه من التأويل:
5252- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك، قال، أخبرنا يحيى بن بشر: أنه سمع عكرمة يقول: إذا طلقها قبل أن يمسها وقد فرض لها، فنصف الفريضة لها عليه، إلا أن تعفو عنه فتتركه.
5253- حدثنا عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"إلا أن يعفون"، قال: المرأة تترك الذي لها.
5254- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"إلا أن يعفون"، هي المرأة الثيب أو البكر يزوجها غير أبيها، فجعل الله العفو إليهن: إن شئن عفون فتركن، وإن شئن أخذن نصف الصداق.
5255- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إلا أن يعفون"، تترك المرأة شطر صداقها، وهو الذي لها كله.
5256- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
5257- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:"إلا إذ يعفون"، قال: المرأة تدع لزوحها النصف.
5258- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثني

(5/143)


عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن شريح:"إلا أن يعفون"، قال: إن شاءت المرأة عفت فتركت الصداق.
5259- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن شريح مثله.
5260- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع قوله:"إلا أن يعفون"، هي المرأة يطلقها زوجها قبل أن يدخل بها، فتعفو عن النصف لزوجها.
5261- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"إلا أن يعفون"، أما أن"يعفون"، فالثيب أن تدع من صداقها، أو تدعه كله.
5262- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب:"إلا أن يعفون"، قال: العفو إليهن، إذا كانت المرأة ثيبا فهي أولى بذلك، ولا يملك ذلك عليها ولي، لأنها قد ملكت أمرها. فإن أرادت أن تعفو فتضع له نصفها الذي عليه من حقها، جاز ذلك. وإن أرادت أخذه، فهي أملك بذلك.
5263- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا معمر قال، وحدثني ابن شهاب:"إلا أن يعفون"، قال: النساء.
5264- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح:"إلا أن يعفون"، قال: الثيب تدع صداقها.
5265- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو أسامة حماد بن زيد بن أسامة قال، حدثنا إسماعيل، عن الشعبي، عن شريح:"إلا أن يعفون"، قال قال: تعفو المرأة عن الذي لها كله.
* * *

(5/144)


قال أبو جعفر: ما سمعت أحدا يقول:"حماد بن زيد بن أسامة"، إلا أبا هشام. (1)
* * *
5266- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: إن شاءت عفت عن صداقها= يعني في قوله:"إلا أن يعفون".
5267- حدثنا أبو هشام قال، (2) حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن شريح قال: تعفو المرأة وتدع نصف الصداق.
5268- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج قال، قال الزهري:"إلا أن يعفون"، الثيبات.
5269- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج قال، قال مجاهد:"إلا أن يعفون"، قال: تترك المرأة شطرها.
5270- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"إلا أن يعفون"، يعني النساء.
5271- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:"إلا أن يعفون"، إن كانت ثيبا عفت.
5272- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري قوله:"إلا أن يعفون"، يعني المرأة.
5273- حدثني علي بن سهل قال، حدثنا زيد= وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= جميعا، عن سفيان:"إلا أن يعفون"، قال: المرأة إذا لم يدخل بها: أن تترك له المهر، فلا تأخذ منه شيئا.
* * *
__________
(1) الأثر: 5265- هو"حماد بن أسامة بن زيد"، وقد سلفت ترجمته في رقم: 29، 51، 223 والذي قاله أبو هشام الرفاعي لم يذكر في كتب التراجم.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "ابن هشام"، والصواب أبو هشام الرفاعي، الذي مضى في الأسانيد السالفة.

(5/145)


القول في تأويل قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله تعالى ذكره بقوله:"الذي بيده عقدة النكاح".
فقال بعضهم: هو ولي البكر. وقالوا: ومعنى الآية: أو يترك، الذي يلي على المرأة عقد نكاحها من أوليائها، للزوج النصف الذي وجب للمطلقة عليه قبل مسيسه فيصفح له عنه، إن كانت الجارية ممن لا يجوز لها أمر في مالها.
* ذكر من قال ذلك:
5274- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنه: أذن الله في العفو وأمر به، فإن عفت فكما عفت، وإن ضنت وعفا وليها جاز وإن أبت.
5275- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، وهو أبو الجارية البكر، جعل الله سبحانه العفو إليه، ليس لها معه أمر إذا طلقت، ما كانت في حجره.
5276- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة:"الذي بيده عقدة النكاح"، الولي.
5277- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال، قال علقمة: هو الولي.
5278- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قال: هو الولي.
5279- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معمر، عن حجاج، عن النخعي، عن علقمة قال: هو الولي.

(5/146)


5280- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبيد الله، عن بيان النحوي، (1) عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة وأصحاب عبد الله قالوا: هو الولي.
5281- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قال: هو الولي.
5282- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معمر، عن حجاج، أن الأسود بن زيد، قال: هو الولي.
5283- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو خالد، عن شعبة، عن أبي بشر قال: قال طاوس ومجاهد: هو الولي = ثم رجعا فقالا هو الزوج.
5284- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر قال، قال مجاهد وطاوس: هو الولي = ثم رجعا فقالا هو الزوج.
5285- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: هو الولي.
5286- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال: زوج رجل أخته، فطلقها زوجها قبل أن يدخل بها، فعفا أخوها عن المهر، فأجازه شريح ثم قال: أنا أعفو عن نساء بني مرة. فقال عامر: لا والله، ما قضى قضاء قط أحق منه: أن يجيز عفو الأخ في قوله:"إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، فقال فيها شريح بعد: هو الزوج، إن عفا عن الصداق كله فسلمه إليها كله، أو عفت هي عن النصف الذي سمى لها، وإن تشاحا كلاهما أخذت نصف صداقها، قال:"وأن تعفوا هو أقرب للتقوى". (2)
__________
(1) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "بيان النحوي"، وأنا أرجح أنه: شيبان بن عبد الرحمن التميمي النحوي. مترجم في التهذيب يروي عن الأعمش، ويروي عنه عبيد الله بن موسى. فكأن الصواب"شيبان النحوي".
(2) الأثر: 5286- رواه البيهقي في السنن 8: 251 بإسناده"عن سعيد بن منصور، عن جرير، عن مغيرة" بغير هذا اللفظ، ولكنه يصححه. فقد كان في المطبوعة والمخطوطة"ما قضى قضاء قط أحق منه"، والصواب من البيهقي، وما أعرف قومه: "نساء بني مرة". كأن مرة من أهله، أخت أو بنته. والله أعلم.

(5/147)


5287- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم الأسدي: أن عليا سأل شريحا عن الذي بيده عقدة النكاح، فقال: هو الولي.
5288- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، قال مغيرة، أخبرنا عن الشعبي، عن شريح أنه كان يقول: الذي بيده عقدة النكاح هو الولي - ثم ترك ذلك فقال: هو الزوج.
5289- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا سيار، عن الشعبي: أن رجلا تزوج امرأة فوجدها دميمة فطلقها قبل أن يدخل بها، فعفا وليها عن نصف الصداق، قال: فخاصمته إلى شريح فقال لها شريح: قد عفا وليك. قال: ثم إنه رجع بعد ذلك، فجعل الذي بيده عقدة النكاح: الزوج.
5290- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن - في الذي بيده عقدة النكاح - قال: الولي.
5291- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، عن منصور أو غيره، عن الحسن، قال: هو الولي.
5292- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن قال: هو الولي.
5293- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء قال: سئل الحسن عن الذي بيده عقدة النكاح، قال: هو الولي.
5294- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: هو الذي أنكحها.
5295- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: الذي بيده عقدة النكاح، هو الولي.
5296- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع وابن مهدي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: هو الولي.

(5/148)


5297- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن مهدي، عن أبي عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي قالا هو الولي.
5298- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن جريج، عن عطاء قال: هو الولي.
5299- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح:"أو يعفو الذي بيد عقدة النكاح"، قال: ولي العذراء.
5300- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج قال: قال لي الزهري:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، ولي البكر.
5301- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، هو الولي.
5302- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرنا ابن طاوس، عن أبيه= وعن رجل، عن عكرمة= قال معمر: وقاله الحسن أيضا= قالوا: الذي بيده عقدة النكاح، الولي.
5303- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري قال: الذي بيده عقدة النكاح، الأب.
5304- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم عن علقمة قال: هو الولي.
5305- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن مجاهد قال: هو الولي.
5306- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"الذي بيده عقدة النكاح"، هو ولي البكر.

(5/149)


5307- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد - في الذي بيده عقدة النكاح-: الوالد= ذكره ابن زيد عن أبيه.
5308- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عن مالك، عن زيد وربيعة:"الذي بيده عقدة النكاح"، الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته. (1)
5309- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال مالك: وذلك إذا طلقت قبل الدخول بها، فله أن يعفو عن نصف الصداق الذي وجب لها عليه، ما لم يقع طلاق.... (2)
5310- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: الذي بيدة عقدة النكاح، هي البكر التي يعفو وليها، فيجوز ذلك، ولا يجوز عفوها هي.
5311- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا يحيى بن بشر، أنه سمع عكرمة يقول:"إلا أن يعفون"، أن تعفو المرأة عن نصف الفريضة لها عليه فتتركه. فإن هي شحت إلا أن تأخذه، فلها ولوليها الذي أنكحها الرجل = عم، أو أخ، أو أب= أن يعفو عن النصف، فإنه إن شاء فعل وإن كرهت المرأة.
5312- حدثنا سعيد بن الربيع الرازي قال، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: أذن الله في العفو وأمر به، فإن امرأة عفت جاز عفوها، وإن شحت وضنت عفا وليها وجاز عفوه. (3) .
__________
(1) الأثر: 5308- في الموطأ: 528.
(2) مكان النقط بياض في المطبوعة والمخطوطة. وقد جهدت أن أجد نص مالك فيما بين يدي من الكتب، فلم أجده.
(3) الخبر: 5312- سعيد بن الربيع الرازي، شيخ الطبري: لم نجد له ترجمة بعد طول البحث. وستأتي الرواية عنه أيضًا: 5520، دون نسبته الرازي". وفي المطبوعة"المرادي"- بدل"الرازي". وهو خطأ. فإن ابن كثير نقل هذا الخبر 1: 574، عن هذا الموضع، وفيه"الرازي". وكذلك روى الطبري عنه، في كتاب"ذيل المذيل"، الملحق بتاريخه 13: 53، قال: "حدثني حوثرة بن محمد المنقري، وسعيد بن الربيع الرازي، قالا: حدثنا سفيان، عن عمرو. . ". ثم لم نجدهم ذكروا للربيع بن سليمان المرادي ولدا.

(5/150)


5313- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: الذي بيده عقدة النكاح، الولي.
* * *
وقال آخرون: بل الذي بيده عقدة النكاح، الزوج. قالوا: ومعنى ذلك: أو يعفو الذي بيده نكاح المرأة فيعطيها الصداق كاملا.
* ذكر من قال ذلك:
5314- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو شحمة قال، حدثنا حبيب، عن الليث، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي قال: الذي بيده عقدة النكاح، الزوج. (1)
5315-حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم الأسدي: أن عليا سأل شريحا عن الذي بيده عقدة النكاح فقال: هو الولي. فقال علي: لا ولكنه الزوج.
5316- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا إبراهيم قال، حدثنا جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم قال: سمعت شريحا قال: قال: قال لي علي: من الذي
__________
(1) الخبر: 5314-"أبو عثمة"؛ هكذا رسم في المخطوطة دون نقط. وأما المطبوعة ففيها"أبو شحمة"!! وهو خطأ. إذ لم نجد من يدعى بها. و"أبو عثمة": الراجح عندنا أنه"محمد بن خالد بن عثمة"، وقد مضت ترجمته برقم: 90، 91. وبينا هناك أن"عثمة" أمه. فليس ببعيد أن يكنى باسمها، خصوصا أنهم لم يذكروا له كنية أخرى. ويرجح أنه هو: أن من الرواة عنه في ترجمته"بندار"، وهو محمد بن بشار، الراوي عنه هنا.
و"عثمة": بفتح العين المهملة وسكون الثاء المثلثة.
"حبيب"، الذي يروي عن الليث بن سعد هنا: لم نعرف من هو، ولا وجدنا ما يرشد إليه. وهو هكذا في المخطوطة والمطبوعة. ولو كان محرفا عن"شعيب" -أعني شعيب بن الليث- لم يكن بعيدا. "خلاس" -بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام- بن عمرو الهجري البصري: تابعي كبير ثقة ثقة. تكلموا في سماعه من علي، وأن حديثه عنه من صحيفة كانت عنده. ونص البخاري على ذلك في التاريخ الكبير 2 / 1 / 208.

(5/151)


بيده عقدة النكاح؟ قلت: ولي المرأة. قال: لا بل هو الزوج.
5317- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: هو الزوج.
5318- حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال: قلت لحماد بن سلمة: من الذي بيده عقده النكاح؟ فذكر عن علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: الزوج.
5319- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: هو الزوج.
5320- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن عباس وشريح قالا هو الزوج.
5321- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن مهدي، عن عبد الله بن جعفر، عن واصل بن أبي سعيد، عن محمد بن جبير بن مطعم: أن أباه تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فأرسل بالصداق وقال: أنا أحق بالعفو. (1)
5322- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن صالح بن كيسان: أن جبير بن مطعم تزوج امرأه، فطلقها قبل أن يبني بها، وأكمل لها الصداق، وتأوّل:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح" (2)
5323- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن عمرو،
__________
(1) الأثر: 5321- عبد الله بن جعفر، هو المخرمي الزهري، من ولد المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف. مترجم في التهذيب. و"واصل بن أبي سعيد" مترجم في الجرح والتعديل 4 / 2 / 30، والكبير للبخاري 4 / 2 / 172.
(2) الخبر: 5322- هكذا ثبت هذا الخبر هنا: "صالح بن كيسان: أن جبير بن مطعم" فيكون منقطعا، لأن صالح بن كيسان لم يدرك جبير بن مطعم. ثم هو مخالف لما ثبت في مصنف عبد الرزاق 3: 284 (مخطوط مصور) ، فإن الخبر ثابت فيه"عن صالح بن كيسان: أن نافع بن جبير تزوج. . . " - فيكون الخبر متصل الإسناد، لأن صالحا يروي عن نافع بن جبير بن مطعم. وهو الصواب، إن شاء الله. ولعل الطبري أو شيخه الحسن بن يحيى وهم فيه.

(5/152)


عن نافع، عن جبير: أنه طلق امرأته قبل أن يدخل بها، فأتم لها الصداق وقال: أنا أحق بالعفو.
5324- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثني عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن شريح:"أو يعفو الذي بيدة عقدة النكاح"، قال: إن شاء الزوج أعطاها الصداق كاملا.
5325- حدثنا حميد قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين بنحوه.
5326- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن شريح قال: الذي بيده عقدة النكاح، الزوج.
5327- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عامر: أن شريحا قال: الذي بيده عقدة النكاح، الزوج. فرد ذلك عليه.
5328- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح قال: الذي بيده عقدة النكاح، هو الزوج. قال، وقال إبراهيم: وما يدري شريحا!
5329- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معمر قال، حدثنا حجاج، عن شريح قال: هو الزوج.
5330- حدثنا أبو كريب قال، أخبرنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح قال: هو الزوج.
5331- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو أسامة حماد بن زيد بن أسامة قال، حدثنا إسماعيل، عن الشعبي، عن شريح:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، وهو الزوج. (1)
__________
(1) الأثر: 5331-"حماد بن زيد بن أسامة"، هو حماد بن أسامة بن زيد، وانظر الأثر السالف رقم: 5265، والتعليق عليه.

(5/153)


5332- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن شريح قال:"الذي بيده عقدة النكاح"، قال: الزوج يتم لها الصداق.
5333- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن الشعبي، وعن الحجاج، عن الحكم، عن شريح، وعن الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح قال: هو الزوج.
5334- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا إسماعيل، عن الشعبي، عن شريح قال: هو الزوج، إن شاء أتم لها الصداق، وإن شاءت عفت عن الذي لها.
5335- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد قال: قال شريح:"الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج.
5336- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن أيون، عن ابن سيرين، عن شريح:"أن يعفو الذي بيدة عقدة النكاح"، قال: إن شاء الزوج عفا فكمل الصداق.
5337- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن شريح قال: هو الزوج.
5338- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال:"الذي بيده عقدة النكاح"، قال: هو الزوج.
5339- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، قال: هو الزوج.
5340- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا ابن مهدى، عن حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن مجاهد قال: هو الزوج.

(5/154)


5341- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: الزوج.
5342- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى= وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل= جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، زوجها: أن يتم لها الصداق كاملا.
5343- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب= وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد= وعن أيوب، وعن ابن سيرين، عن شريح= قالوا:"الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج.
5344- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج قال، قال مجاهد:"الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج ="أن يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، إتمام الزوج الصداق كله.
5345- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة قال، قال سعيد بن جبير:"الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج.
5346- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير قال:"الذي بيده عقدة النكاح"، هو الزوج. قال: وقال مجاهد وطاوس: هو الولي. قال قلت لسعيد: فإن مجاهدا وطاوسا يقولان: هو الولي؟ قال سعيد:"فما تأمرني إذا؟ " (1) قال: أرأيت لو أن الولي عفا وأبت المرأة، أكان
__________
(1) هكذا في المطبوعة، وفي المخطوطة: "فما أنا مرني" غير معجمة، ولم أجد الأثر في مكان آخر، وأنا في شك من صحة هذه العبارة. هذا وقد رواه ابن حزم في المحلى 9: 512 من طريق"الحجاج بن المنهال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر -وهو جعفر بن إياس بن أبي وحشية- عن سعيد بن جبير قال: الذي بيده عقدة النكاح، هو الزوج. وقال مجاهد وطاوس وأهل المدينة: هو الولي. قال فأخبرتهم بقول سعيد بن جبير، فرجعوا عن قولهم. وانظر السنن الكبرى 8: 251، قريب من لفظ ابن حزم.

(5/155)


يجوز ذلك؟ فرجعت إليهما فحدثتهما، فرجعا عن قولهما وتابعا سعيدا.
5347- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا حميد، عن الحسن بن صالح، عن سالم الأفطس، عن سعيد قال: هو الزوج. (1)
5348- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد قال: هو الزوج= وقال طاوس ومجاهد: هو الولي- فكلمتهما في ذلك حتى تابعا سعيدا.
5349- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير وطاوس ومجاهد بنحوه.
5350- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو الحسين، يعني زيد بن الحباب، عن أفلح بن سعيد قال، سمعت محمد بن كعب القرظي قال: هو الزوج، أعطى ما عنده عفوا. (2)
5351- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا أبو داود الطيالسي، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن الشعبي قال: هو الزوج.
5352- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبد الله، عن نافع قال:"الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج-"إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، قال: أما قوله:"إلا أن يعفون"، فهي المرأة التي يطلقها زوجها قبل أن يدخل بها. فإما أن تعفو عن النصف لزوجها، وأما أن يعفو الزوج فيكمل لها صداقها.
__________
(1) الأثر: 5347-"حميد" هو: حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي. ثقة، مات سنة 192. مترجم في التهذيب. و"الحسن بن صالح" بن صالح الثوري. قال ابن سعد: "كان ناسكا عابدا فقيها حجة، صحيح الحديث كثيره، وكان متشيعا"، مات سنة 169. مترجم في التهذيب و"سالم الأفطس"، هو: سالم بن عجلان الأموي. ثقة كثير الحديث. كان يخاصم في الإرجاء. قتل بحران سنة 132. مترجم في التهذيب.
(2) الأثر: 5350- في المخطوطة والمطبوعة: "أبو الحسن"، والصواب"أبو الحسين"، وهو مترجم في التهذيب، والجرح والتعديل 1 / 2 / 560. وفي المخطوطة"أفلح بن سعد"، والصواب ما في المطبوعة.

(5/156)


5353- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج.
5354- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن المسعودي، عن القاسم قال: كان شريح يجاثيهم على الركب (1) ويقول: هو الزوج.
5355- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب قال، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج، يعفو أو تعفو". (2)
5356- حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، قال: الزوج، وهذا في المرأة يطلقها زوجها ولم يدخل بها وقد فرض لها، فلها نصف المهر، فإن شاءت تركت الذي لها وهو النصف، وإن شاءت قبضته.
5357- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران، وحدثني علي قال، حدثنا زيد= جميعا، عن سفيان:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج.
5358- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال:"الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج.
__________
(1) يجاثيهم على الركب: أي يقعد لهم بالخصومة ويخاصمهم خصاما شديدا، وكان الخصم يجثو على ركبتيه ويخاصم، إذا اشتد الخصام.
(2) الأثر: 5355- قال ابن كثير في تفسيره 1: 573-574: "قال ابن أبي حاتم: ذكر ابن لهيعة، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولى عقدة النكاح، الزوج -وهكذا أسنده ابن مردويه من حديث عبد الله بن لهيعة، وقد أسنده ابن جرير عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب أن رسول الله. . . - فذكره، ولم يقل عن أبيه عن جده".
وقال البيهقي في السنن 8: 251-252: "وروي عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: ولى عقدة النكاح الزوج. قال البيهقي: "وهذا غير محفوظ، وابن لهيعة غير محتج به، والله أعلم".

(5/157)


5359- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز قال: سمعت تفسير هذه الآية:"إلا أن يعفون"، النساء، فلا يأخذن شيئا="أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج، فيترك ذلك فلا يطلب شيئا.
5360- ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور قال، قال شريح في قوله:"إلا أن يعفون"، قال: يعفو النساء="أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: المعني بقوله:"الذي بيده عقدة النكاح"، الزوج. وذلك لإجماع الجميع على أن ولي جارية بكر أو ثيب، صبية صغيرة كانت أو مدركة كبيرة، لو أبرأ زوجها من مهرها قبل طلاقه إياها، أو وهبه له أو عفا له عنه- أن إبراءه ذلك وعفوه له عنه باطل، وأن صداقها عليه ثابت ثبوته قبل إبرائه إياه منه. فكان سبيل ما أبرأه من ذلك بعد طلاقه إياها، سبيل ما أبرأه منه قبل طلاقه إياها.
وأخرى: أن الجميع مجمعون على أن ولي امرأة محجور عليها أو غير محجور عليها، لو وهب لزوجها المطلقها بعد بينونتها منه درهما من مالها، على غير وجه العفو منه عما وجب لها من صداقها قبله، أن هبته ما وهب من ذلك مردودة باطلة. وهم مع ذلك مجمعون على أن صداقها مال من مالها، فحكمه حكم سائر أموالها.
وأخرى: أن الجميع مجمعون على أن بني أعمام المرأة البكر وبني إخوتها من أبيها وأمها من أوليائها، وأن بعضهم لو عفا عن مالها [لزوجها، قبل دخوله بها] أو بعد دخوله بها (1) -: إن عفوه ذلك عما عفا له عنه منه باطل، وإن حق المرأة
__________
(1) هذه الجملة التي بين القوسين، استظهرتها من السياق حتى يستقيم الكلام، وبين أن فيه سقطا قبل قوله: "أو بعد دخوله بها". والمخطوطة والمطبوعة متفقتان في هذا السقط.

(5/158)


ثابت عليه بحاله. فكذلك سبيل عفو كل ولي لها كائنا من كان من الأولياء، والدا كان أو جدا أو خالا لأن الله تعالى ذكره لم يخصص بعض الذين بأيديهم عقد النكاح دون بعض في جواز عفوه، إذا كانوا ممن يجوز حكمه في نفسه وماله.
ويقال لمن أبى ما قلنا= ممن زعم أن"الذي بيده عقدة النكاح"، ولي المرأة=: هل يخلو القول في ذلك من أحد أمرين، إذ كان الذي بيده عقدة النكاح هو الولي عندك: إما أن يكون ذلك كل ولي جاز له تزويج وليته، أو يكون ذلك بعضهم دون بعض؟ = فلن يجد إلى الخروج من أحد هذين القسمين سبيلا.
فإن قال: إن ذلك كذلك.
قيل له: فأي ذلك عني به؟
فإن قال: لكل ولي جاز له تزويج وليته.
قيل له: أفجائز للمعتق أمة تزويج مولاته بإذنها بعد عتقه إياها؟
فإن قال نعم!
قيل له: أفجائز عفوه إن عفا عن صداقها لزوجها بعد طلاقه إياها قبل المسيس؟
فإن قال: نعم خرج من قول الجميع. وإن قال: لا! قيل له: ولم؟ وما الذي حظر ذلك عليه وهو وليها الذي بيده عقدة نكاحها؟
ثم يعكس القول عليه في ذلك، ويسأل الفرق بينه وبين عفو سائر الأولياء غيره.
وإن قال: لبعض دون بعض.
سئل البرهان على خصوص ذلك، وقد عمه الله تعالى ذكره فلم يخصص بعضا دون بعض.
ويقال له: من المعني به، إن كان المراد بذلك بعض الأولياء دون بعض؟
فإن أومأ في ذلك إلى بعض منهم، سئل البرهان عليه، وعكس القول فيه، وعورض في قوله ذلك بخلاف دعواه. ثم لن يقول في ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
* * *

(5/159)


فإن ظن ظان أن المرأة إذا فارقها زوجها فقد بطل أن يكون بيده عقدة نكاحها، والله تعالى ذكره إنما أجاز عفو الذي بيده عقدة نكاح المطلقة، فكان معلوما بذلك أن الزوج غير معني به، وأن المعني به هو الذي بيده عقدة نكاح المطلقة بعد بينونتها من زوجها. وفي بطول ذلك أن يكون حينئذ بيد الزوج، صحة القول أنه بيد الولي الذي إليه عقد النكاح إليها. وإذا كان ذلك كذلك، صح القول بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي= فقد غفل وظن خطأ. (1)
وذلك أن معنى ذلك: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحه، وإنما أدخلت"الألف واللام" في"النكاح" بدلا من الإضافة إلى"الهاء" التي كان"النكاح" - لو لم يكونا فيه (2) مضافا إليها، كما قال الله تعالى ذكره: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [سورة النازعات: 41] ، بمعنى: فإن الجنة مأواه، وكما قال نابغة بني ذبيان:
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم ... من الناس، فالأحلام غير عوازب (3)
__________
(1) قوله:: فقد أغفل. . . "، جواب"إن" في قوله: "فإن ظن ظان". وأغفل: دخل في الغفلة، كما بينته فيما سلف 1: 151، وغيره من المواضع.
(2) في المطبوعة: "لو لم تكن أل فيه"، والذي حدا بهم إلى هذا التغيير أنها في المخطوطة مضطربة، كتبت هكذا: "لو لم يكن ما فيه" - الواو ممدودة منقوطة كأنها نون. والصواب ما أثبت. والضمير في"يكونا" إلى"الألف واللام".
(3) ديوانه: 45، وسيأتي في التفسير 13: 4 (بولاق) من قصيدته في مدح عمرو بن الحارث الأصغر الأعرج الغساني، وذلك حين فر من النعمان بن المنذر إلى الشام في أمر المتجردة. والضمير في: "لهم" إلى ملوك غسان من بني جفنة. والشيمة: الطبيعة. ورواية الديوان: "من الجود" بدل"من الناس" ورواية الطبري في سياق هذه القصيدة أجود، لأن البيت جاء بعد وصفهم في الحروب بشدة القتال، حتى قال قبله: بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كإيزاغ المخاض الضوارب
فالشيمة هنا: هي صبرهم على لأواء القتال. فلا تطير نفوسهم من الروع، ولا تضطرب عقولهم وتدبيرهم إذا بلغ القتال مبلغا يشتت حكمة الحكيم، والعوازب جمع عازب، من قولهم"عزب حلمه" إذا فارقه وبعد عنه.

(5/160)


بمعنى: فأحلامهم غير عوازب. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.
* * *
فتأويل الكلام: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، (1) وهو الزوج الذي بيده عقدة نكاح نفسه في كل حال قبل الطلاق وبعده= لأن معناه: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحهن، فيكون تأويل الكلام ما ظنه القائلون أنه الولي ولي المرأة. لأن ولي المرأة لا يملك عقدة نكاح المرأة بغير إذنها، إلا في حال طفولتها، وتلك حال لا يملك العقد عليها إلا بعض أوليائها، في قول أكثر من رأى أن الذي بيده عقدة النكاح الولي. ولم يخصص الله تعالى ذكره بقوله:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح" بعضا منهم، فيجوز توجيه التأويل إلى ما تأولوه، لو كان لما قالوا في ذلك وجه.
* * *
وبعد، فإن الله تعالى ذكره إنما كنى بقوله:"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون" = عن ذكر النساء اللاتي قد جرى ذكرهن في الآية قبلها، وذلك قوله:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن"، والصبايا لا يسمين"نساء"، وإنما يسمين صبيا أو جواري، وإنما"النساء" في كلام العرب أجمع، اسم المرأة، ولا تقول العرب للطفلة والصبية والصغيرة"امرأة"، كما لا تقول للصبي الصغير"رجل".
وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله:"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"، عند الزاعمين أنه الولي إنما هو: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح عما وجب لوليته التي تستحق أن يولي عليها مالها إما الصغر وإما السفه، (2) والله تعالى ذكره إنما اقتص في الآيتين قصص النساء المطلقات لعموم الذكر دون خصوصه، وجعل
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة"عقدة النكاح"، والصواب الذي يقتضيه التأويل وسياق الكلام بعده، هو ما أثبت.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "إما لصغر وإما لسفه"، والصواب ما أثبت.

(5/161)


لهن العفو بقوله:"إلا أن يعفون"= (1) كان معلوما بقوله:"إلا أن يعفون"، أن المعنيات منهن بالآيتين اللتين ذكرهن فيهما جميعهن دون بعض، إذ كان معلوما أن عفو من تولى عليه ماله منهن باطل.
وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن التأويل في قوله: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحهن، يوجب أن يكون لأولياء الثيبات الرشد البوالغ، من العفو عما وهب لهن من الصداق بالطلاق قبل المسيس، (2) مثل الذي لأولياء الأطفال الصغار المولى عليهن أموالهن السفه. وفي إنكار القائلين:"إن الذي بيده عقدة النكاح الولي"، عفو أولياء الثيبات الرشد البوالغ على ما وصفنا، وتفريقهم بين أحكامهم وأحكام أولياء الأخر- ما أبان عن فساد تأويلهم الذي تأولوه في ذلك.
ويسأل القائلون بقولهم في ذلك، الفرق بين ذلك من أصل أو نظير، فلن يقولوا في شيء من ذلك قولا إلا ألزموا في خلافه مثله.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن خوطب بقوله:"وأن تعفوا أقرب للتقوى".
فقال بعضهم: خوطب بذلك الرجال والنساء.
* ذكر من قال ذلك:
5361- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت أبن جريج يحدث، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس:"وأن تعفوا أقرب للتقوى"، قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو.
__________
(1) السياق من أول العبارة: وإذ كان ذلك كذلك. . . كان معلومًا.
(2) في المخطوطة"السا الرشد"، وكأنها كانت"النساء الرشد" ولكنها ستأتي بعد أسطر"الثيبات الرشد". وأنا أرجح أنها في الموضعين"النساء الرشد".

(5/162)


5362- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز قال: سمعت تفسير هذه الآية:"وأن تعفوا أقرب للتقوى"، قال: يعفون جميعا.
* * *
فتأويل الآية على هذا القول: وأن يعفوا، أيها الناس، بعضكم عما وجب له قبل صاحبه من الصداق قبل الافتراق عند الطلاق، أقرب له إلى تقوى الله.
* * *
وقال آخرون: بل الذي خوطبوا بذلك أزواج المطلقات.
* ذكر من قال ذلك:
5363- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي:"وأن تعفوا أقرب للتقوى"،: وأن يعفو هو أقرب للتقوى.
* * *
فتأويل ذلك على هذا القول: وأن تعفوا أيها المفارقون أزواجهم، فتتركوا لهن ما وجب لكم الرجوع به عليهن من الصداق الذي سقتموه إليهن، أو تتموا لهن- (1) بإعطائكم إياهن الصداق الذي كنتم سميتم لهن في عقدة النكاح إن لم تكونوا سقتموه إليهن- أقرب لكم إلى تقوى الله.
* * *
قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين بتأويل الآية عندي في ذلك. ما قاله ابن عباس، وهو أن معنى ذلك: وأن يعفو بعضكم لبعض= أيها الأزواج والزوجات، بعد فراق بعضكم بعضا عما وجب لبعضكم قبل بعض، فيتركه له إن كان قد بقي له قبله. وإن لم يكن بقي له، فبأن يوفيه بتمامه= أقرب لكم إلى تقوى الله.
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "أو إليهن بإعطائكم. . . " بياض في أصولها، وفي المخطوطة: "وأن + بإعطائكم"؛ كأن الناسخ لم يستطع أن يجيد قراءة الكلمة، فكتب التاءين في الأول ثم وقف، ولم يعد. وقد مضت الآثار في إكمال الصداق وإتمامه مثل رقم: 5323 وما بعده وما قبله، فمن هناك استظهرت صواب هذه الأحرف الناقصة، وبما يقتضيه معنى الكلام.

(5/163)


فإن قال قائل: وما في الصفح عن ذلك من القرب من تقوى الله، فيقال للصافح العافي عما وجب له قبل صاحبه: فعلك ما فعلت أقرب لك إلى تقوى الله؟ قيل له: الذي في ذلك من قربه من تقوى الله، مسارعته في عفوه ذلك إلى ما ندبه الله إليه، ودعاه وحضه عليه. فكان فعله ذلك- إذا فعله ابتغاء مرضاة الله، وإيثار ما ندبه إليه على هوى نفسه- معلوما به، إذ كان مؤثرا فعل ما ندبه إليه مما لم يفرضه عليه على هوى نفسه، أنه لما فرضه عليه وأوجبه أشد إيثارا، ولما نهاه أشد تجنبا. وذلك هو قربه من التقوى.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تغفلوا، أيها الناس، الأخذ بالفضل بعضكم على بعض فتتركوه، (1) ولكن ليتفضل الرجل المطلق زوجته قبل مسيسها، فيكمل لها تمام صداقها إن كان لم يعطها جميعه. وإن كان قد ساق إليها جميع ما كان فرض لها، فليتفضل عليها بالعفو عما يجب له ويجوز له الرجوع به عليها، وذلك نصفه. فإن شح الرجل بذلك وأبى إلا الرجوع بنصفه عليها، فالتتفضل المرأة المطلقة عليه برد جميعه عليه، إن كانت قد قبضته منه. وإن لم تكن قبضته، فتعفو [عن] جميعه. (2) فإن هما لم يفعلا ذلك وشحا وتركا ما ندبهما الله إليه - من أخذ أحدهما على صاحبه بالفضل - فلها نصف ما كان فرض لها في عقد النكاح وله نصفه.
__________
(1) انظر معنى"النسيان" فيما سلف 2: 9، 476.
(2) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.

(5/164)


وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
5364- حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن جبير بن مطعم، عن أبيه جبير: أنه دخل على سعد بن أبي وقاص فعرض عليه ابنة له فتزوجها، فلما خرج طلقها وبعث إليها بالصداق. قال: قيل له: فلم تزوجتها؟ قال: عرضها علي فكرهت ردها! قيل: فلم تبعث بالصداق؟ قال: فأين الفضل؟
5365- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولا تنسوا الفضل بينكم". قال: إتمام الزوج الصداق، أو ترك المرأة الشطر.
5366- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، قال: إتمام الصداق، أو ترك المرأة شطره.
5367- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
5368- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، في هذا وفي غيره.
5369- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، قال: يقول ليتعاطفا.
5370- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير"، يرغبكم الله في المعروف، ويحثكم على الفضل.
5371- حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر،

(5/165)


عن الضحاك في قوله:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، قال: المرأة يطلقها زوجها وقد فرض لها ولم يدخل بها، فلها نصف الصداق. فأمر الله أن يترك لها نصيبها، وإن شاء أن يتم المهر كاملا. وهو الذي ذكر الله:"ولا تنسوا الفضل بينكم".
5372- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدى:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، حض كل واحد على الصلة- يعني الزوج والمرأة، على الصلة.
5373- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخيرنا ابن المبارك قال، أخبرنا يحيى بن بشر: أنه سمع عكرمة يقول في قول الله:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، وذلك الفضل هو النصف من الصداق، وأن تعفو عنه المرأة للزوج أو يعفو عنه وليها.
5374- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، قال: يعفى عن نصف الصداق أو بعضه.
5375- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال، حدثنا زيد= جميعا، عن سفيان:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، قال: حث بعضهم على بعض في هذا وفي غيره، حتى في عفو المرأة عن الصداق، والزوج بالإتمام.
5376- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، قال: المعروف.
5377- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو، عن سعيد قال، سمعت تفسير هذه الآية:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، قال: لا تنسوا الإحسان.
* * *

(5/166)


القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك:"إن الله بما تعملون"، أيها الناس، مما ندبكم إليه وحضكم عليه، من عفو بعضكم لبعض عما وجب له قبله من حق بسبب النكاح الذي كان بينكم وبين أزواجكم، وتفضل بعضكم على بعض في ذلك، وفي غيره (1) مما تأتون وتذرون من أموركم في أنفسكم وغيركم مما حثكم الله عليه وأمركم به أو نهاكم عنه ="بصير"، يعني بذلك: ذو بصر، (2) لا يخفى عليه منه شيء من ذلك، بل هو يحصيه عليكم ويحفظه، حتى يجازي ذا الإحسان منكم على إحسانه، وذا الإساءة منكم على إساءته. (3)
* * *
__________
(1) في المخطوطة "ولغيره"، وفي المطبوعة: "وبغيره"، والسياق يقتضي ما أثبت.
(2) انظر القول في تفسير"بصير" فيما سلف 2: 140، 376، 506 / ثم 5: 76.
(3) انتهى عند هذا الموضع جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه.
"يتلوه القول في تأويل قوله:
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلم"
ثم يبتدئ بعده:
"بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن"

(5/167)


حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)

القول في تأويل قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: واظبوا على الصلوات المكتوبات في أوقاتهن، وتعاهدوهن والزَمُوهن، وعلى الصلاة الوسطى منهنّ.

(5/167)


وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
5378- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا أبو زهير، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق في قوله:"حافظوا على الصلوات"، قال: المحافظة عليها: المحافظة على وقتها، وعدم السهو عنها.
5379- حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق في هذه الآية:"حافظوا على الصلوات"، فالحفاظ عليها: الصلاة لوقتها= والسهو عنها: ترك وقتها. (1)
* * *
ثم اختلفوا في"الصلاة الوسطى". فقال بعضهم: هي صلاة العصر.
* ذكر من قال ذلك:
5380- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم= وحدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد= جميعا قالا حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: والصلاة الوسطى"صلاة العصر. (2) .
__________
(1) الأثر: 5379- هو: يحيى بن إبراهيم بن أبي عبيدة بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي. روى عن أبيه وجده. قال النسائي: "صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات مترجم في التهذيب.
(2) الخبر: 5380- روى أبو جعفر هنا، في تفسير الصلاة الوسطى 113 خبرا، بين مرفوع وموقوف وأثر، على اختلاف الروايات في ذلك، بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، مما لم نجده مستوعبا وافيا في غير هذا الموضع من الدواوين. واجتهد -لله دره- حتى أوفى على الغاية، ثم أبان عن القول الراجح الصحيح: أنها صلاة العصر، كعادته في الترجيح، واختيار ما يراه أقوى دليلا. فأولها: هذا الخبر عن علي، وهو موقوف عليه، وإسناده ضعيف جدا.
سفيان: هو الثوري الإمام.
أبو إسحاق: هو السبيعي الإمام.
الحارث: هو ابن عبد الله الأعور الهمداني. وهو ضعيف جدا، كما بينا فيما مضى: 174.
وهذا الخبر رواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 103، من طريق إبراهيم بن طهمان، عن أبي إسحاق به، ولم يذكر لفظه، إحالة على روايات قبله. وسيأتي هذا القول عن علي، بأسانيد، فيها صحاح كثيرة 5382 - 5386، 5422 - 5429، 5444.

(5/168)


5381- حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق قال، حدثني من سمع ابن عباس وهو يقول:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، قال: العصر. (1)
5382- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مصعب بن سلام، عن أبي حيان، عن أبيه، عن علي قال: والصلاة الوسطى صلاة العصر. (2)
5383- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أبو حيان، عن أبيه، عن علي مثله. (3)
5384- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مصعب عن الأجلح، عن أبي إسحاق، عن الحارث قال: سمعت عليا يقول: الصلاة الوسطى صلاة العصر. (4)
5385- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق،
__________
(1) الخبر: 5381- وهذا موقوف على ابن عباس أيضًا. وإسناده ضعيف، لجهالة الرجل المبهم الرواية عنه"من سمع ابن عباس".
وسيأتي عن ابن عباس، من أوجه كثيرة: 5413، 5416، 5433-5435، 5468، 5472-5479، 5481.
(2) الخبر: 5382- هذا إسناد حسن على الأقل. مصعب بن سلام التميمي: صدوق، وثقه بعضهم، وضعفه آخرون. والظاهر من ترجمته أن الكلام فيه لأحاديث غلط فيها، فما لم يثبت غلطه فيه فهو مقبول. وله ترجمة مفصلة في تاريخ بغداد 13: 108-110. أبو حيان: هو التيمي الكوفي العابد، واسمه: يحيى بن سعيد بن حيان. وهو ثقة، كان الثوري يعظمه ويوثقه. أخرج له أصحاب الكتب الستة. أبوه سعيد بن حيان: تابعي ثقة، روى عن علي، وأبي هريرة.
(3) الخبر: 5383- وهذا إسناد صحيح، متابعة صحيحة من ابن علية لمصعب بن سلام، في حديثه السابق.
وقد ذكر ابن حزم في المحلى 4: 259، نحو هذا المعنى: "عن يحيى بن سعيد القطان، عن أبي حيان يحيى بن سعيد التيمي، حدثني أبي: أن سائلا سأل عليا: أي الصلوات، يا أمير المؤمنين، الوسطى؟ وقد نادى مناديه العصر، فقال: هي هذه".
(4) الخبر: 5384- الأجلح: هو ابن عبد الله الكندي، وهو ثقة، تكلم فيه بعضهم بغير حجة. وترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 / 68، فلم يذكر فيه جرحا.

(5/169)


عن الحارث قال: سألت عليا عن الصلاة الوسطى، فقال: صلاة العصر. (1)
5386- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا أبو زرعة وهب بن راشد قال، أخبرنا حيوة بن شريح قال، أخبرنا أبو صخر: أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصهباء البكري يقول: سألت علي بن أبي طالب عن الصلاة الوسطى فقال: هي صلاة العصر، وهي التي فتن بها سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم. (2)
5387- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا سيمان التيمي= وحدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن الفضل قال حدثنا التيمي= عن أبي صالح، عن أبي هريرة أنه قال:"الصلاة الوسطى"صلاة العصر. (3)
__________
(1) الخبر: 5385- عنبسة: هو ابن سعيد بن الضريس الأسدي. مضى مرارا، منها: 3356. وهذا الإسناد والذي قبله ضعيفان، من أجل الحارث الأعور، كما قلنا في: 5380.
(2) الخبر: 5386- أبو زرعة، وهب الله بن راشد، مضى في: 2377، 2891. ووقع في المطبوعة هنا"وهب بن راشد"، وهو خطأ، وثبت على الصواب في المخطوطة. أبو صخر: هو حميد بن زياد الخراط، صاحب العباء، سكن مصر. وهو ثقة، أخرج له مسلم في الصحيح.
أبو معاوية البجلي: عقد له صاحب التهذيب ترجمة خاصة في الكنى 12: 240، ونقل عن أبي أحمد الحاكم أنه"عمار الدهني"، وجعل ذلك قولا. والصحيح أنه هو"عمار بن معاوية الدهني البجلي"، وهو ثقة، أخرج له مسلم في الصحيح. وترجمه ابن أبي حاتم 3 / 1 / 390. و"الدهني": بضم الدال المهملة وسكون الهاء، نسبة إلى"دهن بن معاوية"، بطن من بجيلة.
أبو الصهباء البكري: لم أجد له ترجمة إلا في كتاب ابن أبي حاتم 4 / 2 / 394، قال: "أبو الصهباء البكري، أنه سأل علي بن أبي طالب، روى عنه سعيد بن جبير". ثم قال: "سئل أبو زرعة عن اسمه؟ فقال: لا أعرف اسمه". ولم يذكر فيه جرحا. وقد استفدنا من هذا الموضع من الطبري أنه روى عنه أيضًا أبو معاوية البجلي، فارتفعت عنه الجهالة، وعرف شخصه. فهذا إسناد صحيح.
وقد ذكر ابن حزم في المحلى 4: 259، نحو معناه عن علي، من وجه آخر، من رواية سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن علي.
وذكر السيوطي 1: 305، نحوه أيضًا، وذكر كثيرا ممن خرجوه، منهم: وكيع، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد، والبيهقي في الشعب.
(3) الخبر: 5387- أبو صالح: هو السمان الزيات، مولى جويرية بنت الأحمس، واسمه: ذكوان. وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهو والد سهيل، وصالح، وعبد الله، روى عنه أولاده وغيرهم، من التابعين فمن بعدهم.
وهذا الخبر ذكره ابن حزم في المحلى 4: 258، "من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان التيمي، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة"، موقوفا. وكذلك رواه البيهقي 1: 460 - 461، من طريق إبراهيم بن عبد الله البصري، عن الأنصاري، وهو محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن سليمان التيمي، قال: "فذكره موقوفا". ثم رواه من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل. عن أبيه؛"حدثنا يحيى بن سعيد، عن التيمي، فذكره موقوفا". ثم حكى عن عبد الله بن أحمد، بالإسناد نفسه متصلا به، قال: "قال أبي: ليس هو أبو صالح السمان، ولا باذام. هذا بصري، أراه ميزان، يعني: اسمه باذام". وهذا الظن من الإمام أحمد رحمه الله، ينفيه تصريح من ذكرنا من الرواة بأنه"أبو صالح السمان". وأما"أبو صالح ميزان"، فإنه تابعي آخر ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 4 /2 / 67. ولكنهم لم يذكروا له رواية عن أبي هريرة.
بل إنَّه قد رواه البيهقي أيضًا، قبل ذلك مرفوعا: فرواه من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن سليمان التيمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، مرفوعا.
وسيأتي -مرفوعا- من هذا الوجه: 5432.
وسيأتي -موقوفا- من رواية سليمان التيمي، عن أبي صالح: 5390.

(5/170)


5388- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن غنم، عن ابن لبيبة، عن أبي هريرة:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، ألا وهي العصر، ألا وهي العصر. (1)
__________
(1) الخبر: 5388- سويد: هو ابن نصر بن سويد المروزي، مضى في: 2941. عبد الله بن عثمان بن خثيم: مضى في: 4341. وجده"خثيم": بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة. ووقع في المطبوعة"غنم"، وهو خطأ. وثبت على الصواب في المخطوطة.
ابن لبيبة: هو عبد الرحمن بن نافع بن لبيبة الطائفي، لم أجد له ترجمة إلا في ابن أبي حاتم 2 /2 /294، قال: "روى عن أبي هريرة، وابن عمر. روى عنه عبد الله بن عثمان بن خثيم، ويعلى بن عطاء". فهو تابعي معروف، لم يذكر بجرح، فهو ثقة. وذكر اسمه عند الطحاوي والسيوطي: "عبد الرحمن بن لبيبة"، وعند ابن حزم"عبد الرحمن نافع" فقط. كما سيأتي في التخريج.
والخبر رواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 103-104، من طريق إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، "عن عبد الرحمن بن لبيبة الطائفي: أنه سأل أبا هريرة. . . " فذكره مطولا.
وذكره السيوطي 1: 304، مطولا، كرواية الطحاوي. ونسبه إليه وإلى عبد الرزاق في المصنف. وهو تساهل منه. لأن رواية عبد الرزاق مختصرة جدا.
وذكره ابن حزم في المحلى 4: 258-259، مطولا، "من طريق إسماعيل بن إسحاق، حدثنا علي بن عبد الله، هو ابن المديني، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن نافع: أن أبا هريرة سئل عن الصلاة الوسطى؟ . . . "، فذكره.
وأما رواية عبد الرزاق في المصنف 1: 182 (مخطوط مصور) - فإنها مختصرة جدا: "عبد الرزاق عن معمر، عن ابن خثيم، عن ابن لبيبة، عن أبي هريرة، قال: هي العصر".

(5/171)


5389- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن يزيد بن الهاد، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله"،"فكان ابن عمر يرى لصلاة العصر فضيلة للذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أنها الصلاة الوسطى. (1)
5390- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر، عن أبيه قال، زعم أبو صالح، عن أبي هريرة أنه قال: هي صلاة العصر. (2)
__________
(1) الحديث: 5389- هذا إسناد صحيح جدا. وأصل الحديث المرفوع، دون رأي ابن عمر في آخره- رواه أحمد في المسند: 4545، عن سفيان، وهو ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه أصحاب الكتب الستة، كما في المنتقى: 556.
ورواه أحمد أيضًا، من طرق كثيرة، عن نافع، عن ابن عمر. بيناها في الاستدراكين: 1299، 1542.
وأما الحديث، على النحو الذي رواه أبو جعفر هنا، بزيادة رأي عبد الله بن عمر-: فقد رواه عبد الرزاق في المصنف 1: 181، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، بنحوه، مختصرا قليلا.
وكذلك ذكره السيوطي 1: 304، ونسبه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد. ونسى أن ينسبه للطبري. وسيأتي بنحوه: 5391. وذكر ابن حزم في المحلى 4: 259- رأى ابن عمر، دون أن يذكر الحديث المرفوع. وكذلك روى الطحاوي في معاني الآثار 1: 101 قول ابن عمر، موقوفا عليه، صريح اللفظ: "الصلاة الوسطى صلاة العصر" - من طريق عبد الله بن صالح، ومن طريق عبد الله بن يوسف، كلاهما عن الليث، عن ابن الهاد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
قوله: "وتر أهله وماله": هو بالبناء لما لم يسم فاعله. قال ابن الأثير: "أي نقص، يقال: وترته، إذا نقصته. فكأنك جعلته وترا بعد أن كان كثيرا. وقيل: هو من الوتر: الجناية التي يجنيها الرجل على غيره، من قتل أو نهب أو سبي. فشبه ما يلحق من فاتته صلاة العصر بمن قتل حميمه، أو سلب أهله وماله. يروى بنصب الأهل ورفعه، فمن نصب جعله مفعولا ثانيا لوتر، وأضمر فيه مفعولا لم يسم فاعله عائدا إلى الذي فاتته الصلاة. ومن رفع لم يضمر، وأقام الأهل مقام ما لم يسم فاعله، لأنهم المصابون المأخوذون. فمن رد النقص إلى الرجل نصبهما، ومن رده إلى الأهل والمال رفعهما".
(2) الخبر: 5390- هو تكرار للخبر: 5387. وكان مكانه أن يذكر عقبه، أو عقب الذي بعده. لأن إثباته في هذا الموضع فصل بين حديثي ابن عمر: 5389، 5391- دون ما حاجة لذلك ولا حكمة. و"معتمر" - في هذا الإسناد: هو ابن سليمان التيمي.

(5/172)


5391- حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، حدثني عمي عبد الله بن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه= قال ابن شهاب، وكان ابن عمر يرى أنها الصلاة الوسطى. (1)
5392- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عفان بن مسلم قال، حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري قال: الصلاة الوسطى: صلاة العصر. (2)
5393- حدثني محمد بن معمر قال، حدثنا ابن عامر قال، حدثنا محمد بن أبي حميد، عن حميدة ابنة أبي يونس مولاة عائشة قالت: أوصت عائشة لنا بمتاعها، فوجدت في مصحف عائشة:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي العصر وقوموا لله قانتين". (3)
__________
(1) الحديث: 5391- هو تكرار للحديث: 5389، فصل بينهما -دون ما حاجة- بخبر أبي هريرة. فأوجب شبهة أن يكون قوله في هذا الحديث"بنحوه"، راجعا إلى خبر أبي هريرة. وليس كذلك، بل هو تكرار للحديث المرفوع ولرأي ابن عمر الذي استنبطه من الحديث.
(2) الخبر: 5392- عفان بن مسلم بن عبد الله الصفار: ثقة من شيوخ أحمد والبخاري. وأخرج له أصحاب الكتب الستة. وله ترجمة جيدة في تاريخ بغداد 12: 269-277. الحسن: هو البصري. وقد روى ابن أبي حاتم في المراسيل، ص: 15، عن علي بن المديني، أن الحسن لم يسمع من أبي سعيد الخدري شيئا، وكذلك روى نحوه عن بهز. فهذا الخبر منقطع لهذا.
والخبر رواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 103، عن ابن مرزوق، عن عفان عن همام، بهذا الإسناد. ولم يذكر لفظه، إحالة على ما قبله.
وسيأتي في: 5451، رواية عن أبي سعيد الخدري: أنها الظهر. وهذا هو الذي ذكره السيوطي 1: 302 نقلا عن الطبري.
وأبو سعيد ممن روي عنه أنها الظهر، وروي عنه أنها العصر، كما في ابن كثير 1: 577، 578، وفتح الباري 8: 146. وقد ذكر الحافظ في الفتح أن أحمد روى عن أبي سعيد -من قوله- أنها صلاة العصر. وهذه الرواية لم أجدها في المسند، فما أدري: أهي في موضع آخر عرضا غير مسند أبي سعيد؟ أم في كتاب آخر من كتب أحمد غير المسند؟ وإن كان مقتضى الإطلاق أن يراد المسند!
(3) الخبر: 5393- ابن عامر: هكذا ثبت في المخطوطة والمطبوعة! ولست أدري من هو؟ والراجح -عندنا- أنه خطأ، صوابه"أبو عامر"، وهو"أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو" فهو يروي عن محمد بن أبي حميد، ويروي عنه محمد بن معمر، شيخ الطبري.
حميدة ابنة أبي يونس مولاة عائشة: لا أدري من هي، ولا ما شأنها؟ لم أجد لها ذكرا في كل المصادر التي بين يدي، ولا في كتاب الثقات لابن حبان، فأمرها مشكل حقا. وسيأتي خبران"عن أبي يونس مولى عائشة": 5466، 5467، وهذا تابعي معروف، كما سيأتي، فلعل هذه ابنته. وقد ذكر السيوطي 1: 304 نحو هذا الخبر، هكذا: "وأخرج وكيع عن حميدة، قالت: قرأت في مصحف عائشة: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، صلاة العصر".
وكذلك رواه ابن أبي داود في المصاحف، ص: 84، عن محمد بن معمر، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي حميد، قال: "أخبرتني حميدة"، ولم يذكر نسبها.
وستأتي أخبار أخر عن عائشة: 5394 - 4397، 5400، 5401، 5466، 5467.

(5/173)


5394- حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا ابن جريج قال، أخبرنا عبد الملك بن عبد الرحمن: أن أمه أم حميد بنت عبد الرحمن سألت عائشة عن الصلاة الوسطى، قالت: كنا نقرؤها في الحرف الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى= [قال أبو جعفر: أنه قال] = صلاة العصر وقوموا لله قانتين".
5395- حدثني عباس بن محمد قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج: أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن، عن أمه أم حميد ابنة عبد الرحمن: أنها سألت عائشة، فذكر نحوه= إلا أنه قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر". (1)
__________
(1) الحديثان: 5394، 5395- عبد الملك بن عبد الرحمن بن خالد بن أسيد -بفتح الهمزة- القرشي: ثقة ترجمه ابن أبي حاتم 2 /2 /355، قال: "روى عن أمه أم حميد، قالت: سمعت عائشة. روى عنه ابن جريج". ووهم العقيلي، فلم يرفع نسبه، وقال: "من ولد عتاب بن أسيد". واستدرك عليه الحافظ في لسان الميزان 4: 65-66، ونقل ترجمته من ثقات ابن حبان، نحو كلام ابن أبي حاتم.
أمه"أم حميد ابنة عبد الرحمن": لم أتوثق من ترجمتها. ففي التهذيب 12: 465- ترجمة هكذا: "أم حميد، ويقال: أم حميدة، بنت عبد الرحمن، عن عائشة، روى ابن جريج عن أبيه عنها". فإن لم تكنها فلا أدري؟
وهذان الحديثان بمعنى واحد، إلا أن في أولهما: "صلاة العصر"، بدون الواو، وفي ثانيهما: "وصلاة العصر"، بإثبات الواو. وهذه الواو العاطفة- في رواية إثباتها: هي من عطف الصفة على الموصوف، لا عطف المغايرة. كما يدل عليه الرواية الآتية: 5397، "وهي صلاة العصر". وانظر فتح الباري 8: 148، وما يأتي: 5465-5468.
وهذا المعنى -عن عائشة- رواه عبد الرزاق في المصنف 1: 182، عن ابن جريج، بهذا الإسناد، ولم يذكر لفظه، إحالة على رواية قبله، فيها إثبات الواو.
ورواه ابن حزم في المحلى 4: 257-258، بإسناده، من طريق عبد الرزاق.
ورواه ابن أبي داود في المصاحف، ص: 84، بإسنادين: من طريق أبي عاصم، ومن طريق حجاج- كلاهما عن ابن جريج، به. ورواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 102، من طريق الحجاج بن محمد، عن ابن جريج، به.

(5/174)


5396- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن محمد بن عمرو أبي سهل الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة في قوله:" الصلاة الوسطى"، قالت: صلاة العصر. (1)
5397- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان في مصحف عائشة:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر". (2)
__________
(1) الخبر: 5396- أبو سهل محمد بن عمرو الأنصاري الواقفي البصري: الراجح عندنا توثيقه، ترجم له البخاري في الكبير 1 /1 /194، فلم يذكر فيه جرحا، وذكره ابن حبان في الثقات، ثم ذكره في الضعفاء. وترجمه ابن أبي حاتم 4 /1 /32، فذكر الأقوال في تضعيفه فقط. وقال ابن حزم في المحلى 4: 256، "ثقة. روى عنه ابن مهدي، ووكيع، ومعمر، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم". ووقع في المطبوعة: "محمد بن عمرو وأبي سهل الأنصاري"! وزيادة الواو قبل الكنية خطأ، وقع في المخطوطة أيضًا.
ووقع في المطبوعة أيضًا: "قال صلاة العصر". وهو خطأ واضح. صوابه"قالت".
والخبر، ذكر ابن حزم في المحلى 4: 256 أنه رواه"من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي سهل محمد بن عمرو الأنصاري، عن محمد بن أبي بكر، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: الصلاة الوسطى صلاة العصر". ثم قال ابن حزم: "فهذه أصح رواية عن عائشة".
وقوله في الإسناد"عن محمد بن أبي بكر" - هكذا وقع في المحلى، فلا أدري، الرواية عن ابن مهدي هكذا؟ فيكون محمد بن عمرو رواه عن القاسم بن محمد وعن أبيه! أم هو خطأ من ناسخي المحلى؟ وأنا أرجح أنه خطأ؛ لأن محمد بن أبي بكر الصديق قديم الوفاة. وشيوخ محمد بن عمرو كلهم مقارب لطبقة القاسم بن محمد، ثم إنهم لم يذكروا محمد بن أبي بكر في شيوخ محمد بن عمرو. وأكثر من هذا أنهم لم يذكروا -قط- راويا عن محمد بن أبي بكر، غير ابنه القاسم بن محمد. ولكن ابن حزم يشير بعد ذلك، ص: 259 إلى رواية القاسم بن محمد عن عائشة"مثل ذلك". فالظاهر أن الخطأ قديم، في الكتب التي نقل عنها ابن حزم.
(2) الخبر: 5397 -المثنى- شيخ الطبري: هو ابن إبراهيم الآملي، كما بينا فيما مضى: 186، 187. ووقع في ابن كثير، نقلا عن هذا الموضع: "ابن المثنى"، وهو خطأ.
الحجاج: هو ابن المنهال الأنماطي، كما مضى في رواية المثنى عنه: 682، 1682، 1683 حماد: هو ابن سلمة، كما تبين من رواية ابن حزم التي سنذكر.
والخبر نقله ابن كثير 1: 580، عن هذا الموضع. ونقله الحافظ في الفتح 8: 146، والسيوطي 1: 304، ولم ينسباه لغير الطبري.
وذكره ابن حزم في المحلى 4: 254"عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة". ولكن فيه: "وصلاة العصر"، بدون كلمة"هي".
وكذلك هو بنحوه، في كتاب المصاحف لابن أبي داود، ص: 83، من طريق يزيد، عن حماد، عن هشام، عن أبيه.
ورواه عبد الرزاق في المصنف 1: 182، عن معمر، عن هشام بن عروة، قال: "قرأت في مصحف عائشة رضي الله عنها: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين". فلم يذكر كلمة"هي". وجعله من قراءة هشام نفسه في مصحف عائشة، لا من روايته عن أبيه.
وهذه الرواية ذكرها السيوطي 1: 302، ونسبها لعبد الرزاق، وابن أبي داود. ولم أجدها في كتاب المصاحف.

(5/175)


5398- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن داود بن قيس قال، حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفا وقالت: إذا انتهيت إلى آية الصلاة فأعلمني. فأعلمتها، فأملت علي:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر". (1)
5399- حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قال: كان الحسن يقول: الصلاة الوسطى صلاة العصر. (2)
__________
(1) الخبر: 5398- داود بن قيس الفراء الدباغ المدني: ثقة حافظ، كما قال الشافعي. ووثقه ابن المديني وغيره.
عبد الله بن رافع المخزومي، أبو رافع المدني، مولى أم سلمة أم المؤمنين عتاقة: تابعي ثقة. وهذا الخبر رواه عبد الرزاق في المصنف 1: 182، عن داود بن قيس ولكن بلفظ: "وصلاة العصر"، بزيادة الواو.
وكذلك هو في المحلى 4: 254، نقلا عن عبد الرزاق.
وكذلك نقله السيوطي 1: 303. ونسبه لوكيع، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي داود في المصاحف، وابن المنذر. ونسى أن ينسبه لعبد الرزاق.
وهو في كتاب المصاحف لابن أبي داود، ص: 87 - 88، من طريق ابن نافع، وطريق وكيع، وطريق سفيان - ثلاثتهم عن داود بن قيس. وفي الطريقين الأولين بإثبات الواو، وفي الثالث بحذفها.
وأشار إليه الحافظ في الفتح 8: 148، ونسبه لابن المنذر، فقط. ووقع فيه"عبيد الله بن رافع" وهو خطأ من ناسخ أو طابع.
(2) الخبر: 5399- هو أثر من كلام الحسن، بإسناد ضعيف مجهول، بقول الطبري: "حدثت عن عمار".
وسيأتي بإسناد آخر عن الحسن: 5419.
وسيأتي نحو معناه عن الحسن، مرفوعا مرسلا: 5441.

(5/176)


5400- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه قال، حدثنا قتادة، عن أبي أيوب، عن عائشة أنها قالت: الصلاة الوسطى صلاة العصر.
5401- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عائشة مثله. (1)
5402- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: كان يقال: الصلاة الوسطى صلاة العصر.
5403- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: ذكر لنا عن علي بن أبي طالب أنه قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر.
5404- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: صلاة الوسطى صلاة العصر.
5405- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سالم، عن حفصة: أنها أمرت رجلا يكتب لها مصحفا فقالت: إذا بلغت هذا المكان فأعلمني. فلما بلغ"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، قال: اكتب
__________
(1) الخبران: 5400، 5401- المعتمر -في الإسناد الأول: هو ابن سليمان التيمي. يحيى- في الإسناد الثاني: هو ابن سعيد القطان.
أبو أيوب: هو يحيى بن مالك المراغي العتكي الأزدي. وهو تابعي ثقة مأمون.
و"المراغي": نسبة إلى"المراغ"، وهي بطن من الأزد. و"العتكي": نسبة إلى"العتيك" ابن الأزد". فالظاهر أن المراغ من العتيك. وأخطأ ابن حزم في المحلى، فذكر أن اسم أبي أيوب: "يحيى بن يزيد". وهو خلاف لما في الدواوين، بل قد ثبت اسمه في صحيح مسلم 1: 170 في حديث آخر: "عن قتادة، عن أبي أيوب، واسمه: يحيى بن مالك الأزدي، ويقال المراغي. والمراغ: حي من الأزد".
والخبر نقله ابن حزم في المحلى 4: 259، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان التيمي، به. وذكره السيوطي 1: 305، قال: "وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، من طرق عن عائشة".

(5/177)


"صلاة العصر". (1)
5406- حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أخبرها قالت: اكتب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر". (2)
__________
(1) الخبر: 5405- أبو بشر: هو جعفر بن أبي وحشية، مضى في: 3348. وسيأتي هذا الخبر مطولا: 5461، من طريق شعبة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن يزيد الأزدي، عن سالم. وفيه هناك: "وصلاة العصر". فظهر أن هذا الإسناد منقطع بين أبي بشر وسالم. وندع الكلام عليه إلى ذاك الموضع، إن شاء الله.
(2) الخبر: 5406- نافع مولى ابن عمر: تابعي ثقة. ولكن روايته عن حفصة بنت عمر مرسلة، كما نص على ذلك ابن أبي حاتم في المراسيل، ص: 81، وكذلك نقل عنه في التهذيب. وهذا الخبر سيأتي أيضًا: 5463، من طريق أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وفيه: "وصلاة العصر"، بدل"وهي صلاة العصر".
وكذلك سيأتي: 5462، من طريق عبد الوهاب، عن عبيد الله. ويدل على انقطاع هذا الإسناد والإسنادين الآتيين: أن ابن أبي داود رواه في المصاحف، ص 85، عن محمد بن بشار -قال: ولم نكتبه عن غيره-: "حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة. . . ". وفيه أيضًا: "وصلاة العصر".
ثم رواه: 85-86، عن عمه وإسحق بن إبراهيم، قالا: "حدثنا حجاج، حدثنا حماد، قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن حفصة، مثله. ولم يذكر فيه ابن عمر".
فقد ظهر أنه اختلف على الحجاج بن منهال في وصله وانقطاعه. والوصل زيادة ثقة، فتقبل. وروى نحوه عبد الرزاق في المصنف 1: 182، عن ابن جرير، قال: "أخبرني نافع: أن حفصة. . . " - وفيه أيضًا: "وصلاة العصر". ورواية ابن جريج هذه -ذكرها ابن حزم في المحلى 4: 253. ونستدرك هنا: أننا أشرنا في التعليق عليه إلى رواية الطبري هذه-: 5406- وقلنا هناك: "وإسناده صحيح جدا". وقد تبين لنا الآن أن هذا كان خطأ، وأن الإسناد ضعيف لانقطاعه، كما قلنا. نعم إن رواية ابن أبي داود، التي فيها زيادة"عن ابن عمر"، دلت على وصل الخبر، ولكنه إنما يكون صحيحا فيها، لا في رواية الطبري هذه.
وستأتي أسانيد أخر عن حفصة: 5458، 5464، 5465، 5470.

(5/178)


5407- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: صلاة الوسطى هي العصر.
5408- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، كنا نحدث أنها صلاة العصر، قبلها صلاتان من النهار، وبعدها صلاتان من الليل.
5409- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، قال: أمروا بالمحافظة على الصلوات. قال: وخص العصر،"والصلاة الوسطى"، يعني العصر. (1)
5410- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد الله بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"والصلاة الوسطى"، هي العصر. (2)
5411- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: ذكر لنا عن علي بن أبي طالب أنه قال:"الصلاة الوسطى" صلاة العصر.
5412- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"حافظوا على الصلوات" - يعني المكتوبات-"والصلاة الوسطى"، يعني صلاة العصر.
5413- حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا قيس، عن أبي إسحاق، عن رزين بن عبيد، عن ابن عباس قال: سمعته يقول:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، قال: صلاة العصر. (3)
__________
(1) الخبر: 5409- في المطبوعة"جبير" بدل"جويبر". وهو خطأ.
(2) الأثر: 5410- في المخطوطة والمطبوعة: "عبد الله بن سليمان"، وهو خطأ. هذا إسناد دائر في التفسير، أقربه رقم: 5356.
(3) الخبر: 5413- أبو أحمد: هو الزبيري، محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي. قيس: هو ابن الربيع الأسدي الكوفي، رجحنا توثيقه في: 4842، وفي المسند: 661، 7115.
أبو إسحق: هو السبيعي. وفي المطبوعة: "عن ابن إسحاق"، وهو تحريف ناسخ أو طابع. رزين بن عبيد: تابعي ثقة. ترجمه البخاري في الكبير 2 /1 /296، وابن أبي حاتم 1 /2/ 507 - فلم يذكرا فيه جرحا. وهذا كاف في توثيقه.
والخبر سيأتي: 5416، من رواية إسرائيل، وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن جده أبي إسحاق.
وكذلك رواه البخاري في الكبير، في ترجمة"رزين"، من طريق إسرائيل.
وكذلك رواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 102، من طريق إسرائيل. ووقع فيه خطأ في اسم التابعي.
وذكره السيوطي 1: 305، "عن رزين بن عبيد: أنه سمع ابن عباس يقرؤها: والصلاة الوسطى صلاة العصر"! هكذا ذكره السيوطي، ونسبه لأبي عبيد، وعبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن جرير، والطحاوي؛ وفيه تساهل، فاللفظ عند البخاري والطبري والطحاوي ليس النص على قراءة الآية كذلك.
وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 309، أن البزار روى عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الوسطى صلاة العصر". قال الهيثمي: "ورجاله موثقون"

(5/179)


5414- حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن ثوير، عن مجاهد قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. (1)
5415- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر.
5416- حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رزين بن عبيد قال: سمعت ابن عباس يقول: هي صلاة العصر. (2)
5417- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي قال، أنبأنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الصلاة الوسطى صلاة العصر". (3)
__________
(1) الخبر: 5414- ثوير -بالتصغير-: هو ابن أبي فاختة، وهو ضعيف جدا. كما مضى في: 3212. ووقع في المطبوعة "ثور". وهو خطأ، وثبت على الصواب في المخطوطة.
(2) الخبر: 5416- هو تكرار للخبر: 5413، بمعناه. وقد سبق الكلام عليه مفصلا.
(3) الخبر: 5417- إسماعيل بن مسلم: هو المكي، بصري سكن مكة. وحديثه عندنا حسن، كما بينا في المسند في حديث آخر: 1689، وفي شرح الترمذي 1: 454. الحسن: هو البصري. وسمرة: هو ابن جندب الصحابي المعروف.
وسماع الحسن من سمرة، فيه كلام طويل لأئمة الحديث. والراجح سماعه منه. كما رجحه ابن المديني، والبخاري، والترمذي، والحاكم، وغيرهم. وانظر في ذلك شرحنا للترمذي 1: 343، والجوهر النقي 5: 288-289، وعون المعبود 1: 369-370، وغير ذلك من المراجع.
والحديث سيأتي بأسانيد أخر: 5438-5439.
ورواه أحمد في المسند 5: 7، 12، 13 -بأسانيد، من طريق سعيد، وهو ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة.
وكذلك رواه الترمذي، رقم: 182 بشرحنا، في كتاب الصلاة (1: 159-160 شرح المباركفوري) ، ورواه أيضًا في كتاب التفسير 4: 77 (شرح المباركفوري) ، من طريق ابن أبي عروبة. وقال في الموضع الأول: "حديث سمرة في الصلاة الوسطى حديث حسن". وقال في الموضع الثاني: "هذا حديث حسن صحيح". وكذلك رواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 103، من طريق روح بن عبادة، عن ابن أبي عروبة، به. مرفوعا. ولم يذكر لفظه، إحالة على رواية سابقة. ورواه البيهقي 1: 460، من طريق همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة. وذكره ابن كثير 1: 578-579، عن روايات المسند بأسانيدها. وذكره السيوطي 1: 304، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والطبراني. وذكره قبله بلفظ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وسماها لنا، وإنما هي صلاة العصر". ونسبه لأحمد، وابن جرير، والطبراني. هكذا قال. ولم أجد هذا اللفظ في المسند، ولا في تفسير الطبري، وإن كان موافقا في المعنى لما عندنا فيهما.

(5/180)


5418- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي قال، سمعت يحيى بن أيوب يحدث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرة بن مخمر، عن سعيد بن الحكم قال: سمعت أبا أيوب يقول: صلاة الوسطى صلاة العصر. (1)
__________
(1) الخبر: 5418- مرة بن مخمر: ترجمه ابن أبي حاتم 4 /1 /366، قال: "مرة بن مخمر، روى عن سعيد بن الحكم، عن أبي أيوب، روى عنه يزيد بن أبي حبيب". ولم أجد له غير هذه الترجمة. ومن عجب أن البخاري لم يترجم له، في حين أنه أشار إليه مرتين، في الإشارة إلى هذا الخبر، كما سيأتي، ووقع اسمه في المشتبه للذهبي، ص: 6"مرة بن حمير"!
وهو خطأ. سعيد بن الحكم: تابعي ثقة. ترجمه البخاري في الكبير 2 /1/ 425، قال: "سمع أبا أيوب: "الوسطى العصر". قاله وهب، حدثنا أبي سمعت يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرة. ويقال سعد بن أحكم". وهذه إشارة إلى هذا الإسناد، إذ رواه الطبري هنا من طريق وهب بن جرير عن أبيه.
ثم ترجم البخاري 2 /2 /53، قال: "سعد بن أحكم، من السفاكة، بطن من يحصب ثم من حمير، سمع أبا أيوب. قاله يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرة. وقال وهب بن جرير، عن أبيه". ثم انقطع الكلام، ويظهر أن فيه سقطا، يفهم مضمونه من الترجمة الماضية.
وترجم ابن أبي حاتم 2 /1 /13: "سعيد بن الحكم، مصري روى عن أبي أيوب. روى يزيد بن أبي حبيب، عن مرة بن مخمر، عنه".
وترجم ابن أبي حاتم 2 /1 /81-82: "سعد بن الحكم، مصري، من حمير. . . "،. ثم ذكر نحو ما قاله في"سعيد".
والذي لا أشك فيه أن ابن أبي حاتم أخطأ في الترجمة الثانية، إذ أتى بقول ثالث لم يقله أحد، وهو"سعد بن الحكم". وإنما الاختلاف فيه بين"سعيد بن الحكم"، و"سعد بن أحكم"، كما صنع البخاري. وقد نقل العلامة الشيخ عبد الرحمن اليماني -في تعليقه على الموضع الأول من التاريخ الكبير - أن ابن حبان ذكره على القولين، كصنيع البخاري، وأن الأمير ابن ماكولا ذكره كذلك، وأنه رواه أيضًا "ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرة بن مخمر الحميري، عن سعد بن أحكم".
وكذلك نص على ضبطه"سعد بن أحكم" - الذهبي في المشتبه، ص: 6، والحافظ ابن حجر في تحرير المشتبه (المخطوط مصور عندنا) .
وعندي أن رواية"سعد بن أحكم" أرجح وأقرب إلى الصواب، لأنه هكذا رواه اثنان عن يزيد بن أبي حبيب، وهما: ابن إسحاق، فيما ذكر البخاري، وابن لهيعة، فيما ذكر ابن ماكولا. وانفرد يحيى ابن أيوب بتسميته"سعيد بن الحكم". واثنان أولى بالحفظ والثبت من واحد.
والخبر رواه البخاري في الكبير -إشارة- كما ذكرنا. وذكره السيوطي 1: 305، وزاد نسبته لابن المنذر. أبو أيوب: هو الأنصاري الخزرجي، الصحابي الجليل. واسمه: "خالد بن زيد".

(5/181)


5419- حدثنا ابن سفيان قال، حدثنا أبو عاصم، عن مبارك، عن الحسن قال: صلاة الوسطى صلاة العصر. (1)
* * *
وعلة من قال هذا القول ما: -
5420- حدثني به محمد بن معمر قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا محمد -يعني ابن طلحة- عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله قال: شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى اصفرَّت، أو احمرت- فقال: شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا (2)
__________
(1) الخبر: 5419- ابن سفيان - شيخ الطبري: هكذا ثبت في المخطوطة والمطبوعة، ولا ندري من هو؟ ويحتمل أن يكون محرفا عن"ابن سنان". وهو: "محمد بن سنان القزاز". مضت روايته عن أبي عاصم، ورواية الطبري عنه: 157، 485، 702.
(2) الحديث: 5420 - أبو عامر: هو العقدي، عبد الملك بن عمرو.
محمد بن طلحة بن مصرف اليامي، مضى في: 5088.
زبيد، بالتصغير: هو ابن الحارث بن عبد الكريم، مضى في: 2521
مرة: هو مرة الطيب، بن شراحيل الهمداني، مضى أيضًا في: 2521. عبد الله: هو ابن مسعود الصحابي الكبير.
وهذا الحديث رواه الطبري هنا من طريق أبي عامر العقدي. وسيرويه بعد ذلك: 5421، من طريق يزيد بن هرون. ثم: 5430، من طريق ثابت بن محمد - ثلاثتهم عن محمد بن طلحة بن مصرف.
وقد رواه أيضًا أبو داود الطيالسي في مسنده: 366، عن محمد بن طلحة، مختصرا. ورواه أحمد في المسند: 3716، عن يزيد، وهو ابن هارون. و: 3829، عن خلف بن الوليد. و: 4365، عن هاشم، وهو ابن القاسم أبو النضر - ثلاثتهم عن محمد بن طلحة، مطولا ومختصرا.
ورواه مسلم 1: 174، عن عون بن سلام، عن محمد بن طلحة.
ورواه الترمذي: 181 بشرحنا، مختصرا، من طريق الطيالسي، وأبي النضر - كلاهما عن محمد بن طلحة. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه ابن ماجه: 686، من طريق عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون - كلاهما عن محمد بن طلحة.
ورواه البيهقي 1: 460، من طريق الفضل بن دكين، وعون بن سلام - وكلاهما عن محمد بن طلحة. وذكره السيوطي 1: 303، ونسبه لبعض من ذكرنا ولعبد بن حميد، وابن المنذر.

(5/182)


5421- حدثني أحمد بن سنان الواسطي قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا محمد بن طلحة، عن زبيد عن مرة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه- إلا أنه قال: ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى". (1)
5422- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث، عن أبي حسان، عن عبيدة السلماني، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا= أو بطونهم نارا= شك شعبة في البطون والبيوت. (2)
__________
(1) الحديث: 5421- أحمد بن سنان الواسطي، القطان، الحافظ - شيخ الطبري: ثقة متقن من الأثبات. روى عنه الشيخان وغيرهما. مترجم في تذكرة الحفاظ 2: 93-94. والحديث مكرر ما قبله.
(2) الحديث: 5422- أبو حسان الأعرج: اسمه"مسلم"، دون ذكر اسم أبيه، في جميع المراجع، إلا التهذيب وفروعه ورجال الصحيحين، فإن فيها زيادة"بن عبد الله". وهو تابعي ثقة، أخرج له مسلم في صحيحه.
عبيدة- بفتح العين: هو السلماني، مضت ترجمته في: 245.
والحديث رواه مسلم 1: 174، عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار -شيخي الطبري هنا- بهذا الإسناد.
ورواه ابن حزم في المحلى 4: 252، من طريق مسلم.
ورواه أحمد في المسند: 1150، عن محمد بن جعفر عن شعبة، بهذا الإسناد.
ثم رواه: 1151، عن حجاج، وهو ابن محمد، عن شعبة، به.
ورواه النسائي 1: 83، مختصرا، من طريق خالد، عن شعبة.
وسيأتي الحديث من رواية أبي حسان عن عبيدة: 5429، 5444، ومضى قول علي: "الصلاة الوسطى صلاة العصر": 4380، وأشرنا إلى سائر الروايات الآتية من حديثه، ومنها هذا الحديث.

(5/183)


5423- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر قال: قلت لعبيدة السلماني: سل علي بن أبي طالب عن الصلاة الوسطى. فسأله، فقال: كنا نراها الصبح= أو الفجر= حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب:"شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر! ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا"! (1)
__________
(1) الحديث: 5423- عبد الرحمن: هو ابن مهدي وسفيان: هو الثوري. وعاصم: هو ابن أبي النجود. وزر: هو ابن حبيش. وهذا الحديث من رواية زر بن حبيش عن علي، بحضرته سؤال عبيدة السلماني وجواب علي. وهو يؤيد رواية أبي حسان الأعرج عن عبيدة: 5422. والحديث رواه عبد الرزاق في المصنف 1: 181-182، عن الثوري، عن عاصم، عن زر ابن حبيش، به. وسيأتي: 5428، من رواية إسرائيل، عن عاصم. ورواه ابن أبي حاتم -فيما نقل عنه ابن كثير 1: 578- عن أحمد بن سنان، عن عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد. ثم قال ابن كثير: "رواه ابن جرير، عن بندار، عن ابن مهدي، به". يعني هذا الإسناد. وبندار: هو محمد بن بشار شيخ الطبري. ورواه ابن حزم في المحلى 4: 252-253، بإسناده إلى محمد بن أبي بكر المقدمي، عن يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن سفيان الثوري، به. ورواه البيهقي 1: 460، من طريق محمد بن كثير، عن سفيان، عن عاصم، عن زر. ورواه ابن ماجه: 684، مختصرا، من طريق حماد بن زيد، عن عاصم، عن زر. وأشار ابن حزم في المحلى 4: 253، إلى رواية حماد بن زيد. وذكره السيوطي 1: 303، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد، والبخاري والنسائي، وابن المنذر. وهو تساهل منه في نسبته للبخاري، فإني لم أجده في البخاري إلا من رواية ابن سيرين عن عبيدة، كما سيأتي في: 5427. وإسناد هذا الحديث -من رواية سفيان، عن عاصم، عن زر- إسناد صحيح. ومع ذلك فإن الإمام أحمد لم يروه في المسند من هذا الوجه بإسناد صحيح. بل روى نحوه مختصرا: 1287، من طريق شعبة، عن جابر، وهو الجعفي، عن عاصم، عن زر. وهو إسناد ضعيف، من أجل جابر الجعفي. وروى ابنه عبد الله -في المسند-: 990، معناه مختصرا جدا، بإسناد ضعيف أيضًا.

(5/184)


5424- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن شتير بن شكل، عن علي قال: شغلونا يوم الأحزاب عن صلاة العصر، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر! ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا= أو أجوافهم نارا (1)
5425- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، يوم الأحزاب، على فرضة من فرض الخندق، فقال:"شغلونا
__________
(1) الحديث: 5424- أبو الضحى: هو مسلم بن صبيح -بضم الصاد المهملة- الهمداني الكوفي، وهو تابعي ثقة كثير الحديث.
شتير بن شكل بن حميد العبسي: تابعي ثقة، يقال إنه أدرك الجاهلية. ولذلك ترجمه الحافظ في الإصابة، في قسم المخضرمين 3: 219-220. "شتير": بضم الشين المعجمة وفتح التاء المثناة. و"شكل": بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين. وهذان الاسمان من نادر الأسماء.
والحديث سيأتي: 5426، بنحوه من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، وهو أبو الضحى.
ورواه عبد الرزاق في المصنف 1: 182، عن سفيان الثوري، به.
ورواه أحمد في المسند: 1245، عن عبد الرزاق.
ورواه أيضًا: 1036، عن عبد الرحمن، وهو ابن مهدي، عن سفيان.
ورواه البيهقي 1: 460، من طريق محمد بن شرحبيل بن جعشم، عن الثوري.
وأما طريق أبي معاوية الآتية: فقد رواه أحمد في المسند: 617، 911، عن أبي معاوية، عن الأعمش. ورواه مسلم 1: 174، من طريق أبي معاوية.
وذكره ابن حزم في المحلى 4: 253، من طريق مسلم.
ورواه أيضًا أحمد في المسند: 1298، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الأعمش.
وذكره ابن كثير 1: 578، من رواية أحمد عن أبي معاوية. ثم ذكر أنه رواه مسلم والنسائي.

(5/185)


عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس! ملأ الله قبورهم وبيوتهم، نارا= أو بطونهم وبيوتهم نارا. (1)
5426- حدثني أبو السائب وسعيد بن نمير قالا حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن شتير بن شكل، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر! ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا! ثم صلاها بين العشاءين، بين المغرب والعشاء. (2)
5427- حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا علي بن عاصم، عن خالد، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي قال، لم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر يوم الخندق إلا بعد ما غربت الشمس، فقال: ما لهم! ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا! منعونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس. (3)
__________
(1) الحديث: 5425- الحكم: هو ابن عتيبة، مضى في: 3297. يحيى بن الجزار العرني الكوفي: تابعي ثقة. وجزم شعبة بأنه لم يسمع من علي بن أبي طالب إلا ثلاثة أحاديث، هذا أجدها.
والحديث رواه أحمد في المسند: 1305، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، بهذا الإسناد. ورواه أيضًا: 1132، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة.
ورواه مسلم 1: 174، من طريق وكيع، ومعاذ، وهو العنبري الحافظ - كلاهما عن شعبة. وأشار ابن كثير 1: 578، إلى رواية مسلم هذه.
ورواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 103، من طريق أبي عامر العقدي، عن شعبة، بهذا الإسناد. الفرضة: ما انحدر من جانب الخندق في موضع شقه. من"الفرض": وهو الشق. ومنه"فرضة النهر": وهو مشرب الماء منه. وهي ثلمة في شاطئه. وفرضة البحر: محط السفن.
(2) الحديث: 5426- أبو السائب -شيخ الطبري: هو مسلم بن جنادة، مضى مرارا.
سعيد بن نمير- شيخ الطبري: لم أعرف من هو؟ ولم أجد له ذكرا ولا ترجمة في شيء من المراجع. وأخشى أن يكون محرفا عن شيء لا أعرفه الآن.
وكلمة"نمير" رسمت في المخطوطة رسما غير واضح، يمكن أن يكون محرفا عن"يحيى". فإن يكنه يكن: "سعيد بن يحيى بن الأزهر الواسطي". وهو ثقة، يروي عن أبي معاوية، وهو من طبقة شيوخ الطبري. ولا نجزم ولا نرجح عن غير ثبت.
والحديث مضى: 5424، من رواية الثوري عن الأعمش، وأشرنا إلى هذا، وإلى تخريجه هناك.
(3) الحديث: 5427- الحسين بن علي الصدائي: مضى في: 2093.
علي بن عاصم بن صهيب الواسطي: ثقة من شيوخ أحمد وابن المديني. وبعضهم تكلم فيه، ورجحنا توثيقه في المسند: 343.
خالد: هو ابن مهران الحذاء، مضى في: 1683.
الحديث رواه أحمد في المسند، مختصرا قليلا: 994، عن يحيى، وهو القطان، عن هشام، وهو ابن حسان، عن محمد، وهو ابن سيرين. ورواه أيضًا: 1220، عن يزيد، وهو ابن هرون، عن هشام. ورواه البخاري 6: 76 / و7: 312 / و8: 145 /و11: 165 (فتح) ، من طرق عن هشام. ورواه أبو داود: 409، من طريق هشام أيضًا. ورواه ابن حزم في المحلى 4: 252، من طريق البخاري. وانظر ما مضى: 5423.

(5/186)


5428- حدثنا زكريا بن يحيى الضرير قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن عاصم، عن زر قال: انطلقت أنا وعبيدة السلماني إلى علي، فأمرت عبيدة أن يسأله عن الصلاة الوسطى فقال: يا أمير المؤمنين، ما الصلاة الوسطى؟ فقال: كنا نراها صلاة الصبح، فبينا نحن نقاتل أهل خيبر، فقاتلوا، حتى أرهقونا عن الصلاة، وكان قبيل غروب الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم املأ قلوب هؤلاء القوم الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى وأجوافهم نارا= أو املأ قلوبهم نار = قال: فعرفنا يومئذ أنها الصلاة الوسطى. (1)
5429- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن عبيدة السلماني، عن علي بن أبي طالب: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: اللهم املأ قلوبهم وبيوتهم نارا كما شغلونا= أو: كما حبسونا= عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس! (2)
__________
(1) الحديث: 5428- هذا الحديث في معنى الحديث: 5423. ولكن هذه الرواية فيها شذوذ، في أن الحديث كان في غزوة خيبر. والروايات الصحاح كلها على أنه كان في غزوة الأحزاب. ولذلك أفردها السيوطي بالذكر 1: 303، فقال: "وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن زر. . . ". فلم ينسبها لغير الطبري، ولم أجد ما يؤيدها.
بل روى الطحاوي في معاني الآثار 1: 103، من هذا الوجه، مثل سائر الروايات: فرواه من طريق زائدة بن قدامة، عن عاصم، عن زر، عن علي، وفيه: "قاتلنا الأحزاب". ثم روى من طريق سفيان، عن عاصم، عن زر، أنه كلف عبيدة سؤال علي، قال: "فذكر نحوه".
(2) الحديث: 5429- يزيد: هو ابن زريع. وسعيد: هو ابن أبي عروبة. والحديث مضى: 5422، من رواية شعبة، عن قتادة.
ورواه أحمد في المسند: 591، عن محمد بن أبي عدي. و: 1134، عن عبد الوهاب، وهو ابن عطاء الخفاف، و: 1307، عن محمد بن جعفر -ثلاثتهم عن سعيد، وهو ابن أبي عروبة. ورواه أيضًا: 1313، عن بهز، و: 1326، عن عفان- كلاهما عن همام، عن قتادة. ورواه الترمذي 4: 77، عن هناد، عن عبدة، عن سعيد بن أبي عروبة، وقال: "هذا حديث حسن صحيح. وقد روى من غير وجه عن علي".

(5/187)


5430- حدثنا سليمان بن عبد الجبار قال، حدثنا ثابت بن محمد قال، حدثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود قال: حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى اصفرت الشمس= أو: احمرت= فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى! ملأ الله بيوتهم وقلوبهم نارا= أو حشا الله قلوبهم وبيوتهم نارا. (1)
5431- حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا سهل بن عامر قال، حدثنا مالك بن مغول قال، سمعت طلحة قال: صليت مع مرة في بيته فسها = أو قال: نسي = فقام قائما يحدثنا= وقد كان يعجبني أن أسمعه من ثقة= قال: لما كان يوم الخندق - يعني يوم الأحزاب - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لهم! شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر! ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا. (2)
__________
(1) الحديث: 5430- ثابت بن محمد، أبو إسماعيل الشيباني العابد: ثقة، ترجمه البخاري في الكبير 1 /2 /170. وفي التهذيب كلمة موهمة، لعلها سبق قلم من الحافظ! قال: ذكره البخاري في الضعفاء، وأورد له حديثا وبين أن العلة من غيره"! والبخاري لم يذكره في الضعفاء، وإنما روى له حديثا -كما قال الحافظ- وبين أن العلة في غيره - فلا شأن له في ضعف الحديث إن كان ضعيفا. وهذه عادة للبخاري في كثير من التراجم.
والحديث مضى: 5420، 5421، بإسنادين من طريق محمد بن طلحة. وانظر الحديث التالي لهذا.
(2) الحديث: 5431- هذا الحديث ضعيف من وجهين: أولهما: من جهة"سهل بن عامر البجلي"، وهو ضعيف جدا، كما بينا في: 1971، وثانيهما: من جهة إرساله. لأن مرة تابعي. مالك بن مغول -بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو- بن عاصم، البجلي: ثقة معروف، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
طلحة: هو ابن مصرف اليامي، وهو تابعي ثقة باتفاقهم. قال ابن إدريس: "كانوا يسمونه سيد القراء".
وهذا الحديث في ذاته صحيح. مضى بثلاثة أسانيد صحاح، من رواية محمد بن طلحة بن مصرف، عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود: 5420، 5421، 5430.

(5/188)


5432- حدثنا أحمد بن منيع قال، حدثنا عبد الوهاب، عن ابن عطاء، عن التيمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الوسطى صلاة العصر. (1)
5433- حدثني علي بن مسلم الطوسي قال، حدثنا عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له، فحبسه المشركون عن صلاة العصر حتى أمسى بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم املأ بيوتهم وأجوافهم نارا كما حبسونا عن الصلاة الوسطى! (2)
__________
(1) الحديث: 5432- أحمد بن منيع البغوي الأصم الحافظ -شيخ الطبري: ثقة، أخرج له الجماعة. عبد الوهاب بن عطاء الخفاف: ثقة من شيوخ أحمد وإسحاق. وثقه ابن معين وغيره. ووقع في المطبوعة هنا: "عبد الوهاب عن ابن عطاء"! جعله راويين. وهو خطأ لا شك فيه.
التيمي: هو سليمان بن طرخان.
وهذا الحديث مضى موقوفا من كلام أبي هريرة: 5387، 5388، 5390. وهو هنا مرفوع بإسناد صحيح. والرفع زيادة من ثقة، فهي مقبولة.
ورواه البيهقي 1: 460، من طريق محمد بن عبيد الله بن المنادي: "حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سليمان التيمي. . . ".
ونقله ابن كثير 1: 579، عن هذا الموضع من الطبري.
وذكره الحافظ في الفتح 8: 145، ونسبه للطبري.
وذكره السيوطي 1: 304، ونسبه للطبري والبيهقي.
(2) الحديث: 5433- علي بن مسلم الطوسي -شيخ الطبري: مضت ترجمته في: 4170. عباد بن العوام -بتشديد الباء والواو فيهما- الواسطي. ثقة، من شيوخ أحمد.
هلال بن خباب -بالخاء المعجمة وتشديد الباء- العبدي: ثقة مأمون. من شيوخ الثوري وأبي عوانة بينا في شرح المسند: 2303 أنه لم يختلط ولم يتغير، خلافا لمن قال ذلك.
والحديث رواه أحمد في المسند: 2745، عن عبد الصمد، وهو ابن عبد الوارث، عن ثابت، وهو ابن يزيد الأحول، عن هلال، وهو ابن خباب، به.
ورواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 103، من طريق أبي عوانة، عن هلال بن خباب، به. نحوه. ثم رواه من طريق عباد، عن هلال.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 309. وقال: "رواه أحمد، والطبراني في الكبير، والأوسط، ورجاله موثقون".
وذكره السيوطي 1: 303-304، ونسبه لعبد بن حميد، وابن جرير، فقط.
وسيأتي عقب هذا: 5434، 5435، بنحوه، من رواية مقسم، عن ابن عباس.

(5/189)


5434- حدثنا موسى بن سهل الرملي قال، حدثنا إسحاق، عن عبد الواحد الموصلي قال، حدثنا خالد بن عبد الله عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس! ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا! (1)
5435- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا خالد، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: شغل الأحزاب
__________
(1) الحديث: 5434- موسى بن سهل الرملي -شيخ الطبري: صدوق ثقة، كما قال ابن أبي حاتم 4 /1 /146. ومضت رواية أخرى للطبري عنه: 878.
إسحاق بن عبد الواحد الموصلي القرشي: ثقة، ذكره ابن حبان في الثقات، وفي التهذيب أن أبا علي النيسابوري الحافظ قال فيه: "متروك الحديث" -فيما نقل ابن الجوزي. وجزم الذهبي في الميزان- دون دليل - بأنه واه. وفي التهذيب أن الخطيب روى خبرا باطلا، من طريق عبد الرحمن بن أحمد الموصلي، عن إسحاق -هذا- عن مالك، وقال الخطيب: "الحمل فيه على عبد الرحمن، وإسحاق بن عبد الواحد لا بأس به". وترجمه ابن أبي حاتم 1 /1 /229، فلم يذكر فيه جرحا. وهذا دليل على توثيقه إياه.
ثم إن إسحاق لم ينفرد برواية هذا الحديث، فسيأتي -عقبه- من رواية عمرو بن عون، عن خالد.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "إسحاق، عن عبد الواحد الموصلي"، وهو خطأ.
خالد بن عبد الله: هو الطحان، مضت ترجمته في: 4433.
ابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد بينا فيما مضى في الحديث: 32 أنه صدوق سيئ الحفظ، ولكنه لم ينفرد برواية هذا الحديث، فقد سبق قبله بإسناد آخر صحيح عن ابن عباس. الحكم: هو ابن عتيبة، مضى في: 3297.
مقسم: هو ابن بجرة، مضى في: 4086.
وفي التهذيب عن أحمد -في ترجمة الحكم- أن الحكم لم يسمع من مقسم إلا خمسة أحاديث، عينها. وليس هذا منها، فعلى هذا فهو منقطع.
والحديث ذكره الحافظ في الفتح 8: 146، ونسبه لابن المنذر فقط.
وذكره السيوطي 1: 303، وزاد نسبته للطبراني في الكبير، ولكنه جعله"من طريق مقسم وسعيد بن جبير، عن ابن عباس". فلعل رواية سعيد بن جبير تكون عند الطبراني.
ثم وجدت رواية سعيد بن جبير عند الطحاوي، فرواه في معاني الآثار 1: 103، من طريق محمد ابن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن ابن أبي ليلى -وهو محمد والد عمران- عن الحكم، عن مقسم وسعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وهذا إسناد جيد متصل. محمد بن عمران بن أبي ليلى، وأبوه: ثقتان. والحكم بن عتيبة: لم يختلف في سماعه من سعيد بن جبير، بل روايته عنه ثابتة في الصحيحين في غير هذا الحديث، كما في كتاب رجال الصحيحين، ص 100.

(5/190)


النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى! ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا= أو أجوافهم نارا. (1)
5436- حدثني المثنى قال، حدثنا سليمان بن أحمد الحرشي الواسطي قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، أخبرني صدقة بن خالد قال، حدثني خالد بن دهقان، عن جابر بن سيلان، عن كهيل بن حرملة قال: سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلم لكم ذلك. فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه، ثم خرج إلينا فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر. (2)
__________
(1) الحديث: 5435- عمرو بن عون بن أوس الواسطي الحافظ: ثقة، أخرج له الجماعة. والحديث مكرر ما قبله.
(2) الحديث: 5436- سليمان بن أحمد الجرشي الشامي، نزيل واسط: ضعيف، بل رماه بعضهم بالكذب، ولكنه لم ينفرد بهذا الحديث، كما سيجيء. وهو مترجم في الكبير 2 /2 /4. وقال: "فيه نظر". وعند ابن أبي حاتم 2 /1 /101، وتاريخ بغداد 9: 49-50، ولسان الميزان 3: 72. صدقة بن خالد الأموي الدمشقي: ثقة. وثقه أحمد، وابن معين، وأبو زرعة، وغيرهم. وأخرج له البخاري في صحيحه.
خالد بن دهقان الدمشقي: ثقة. ترجمه البخاري في الكبير 2 /1 /135، وقال: "سمع خالد سبلان، روى عنه صدقة بن خالد، ومحمد بن شعيب". وبذلك ترجمه أيضًا ابن أبي حاتم 1 /2 /329. خالد سبلان: هو خالد بن عبد الله بن الفرج، أبو هاشم مولى بني عبس. وهو ثقة، وثقه أبو مسهر، كما نقل ابن عساكر، وترجمه البخاري في الكبير 2 /1 /141، قال: "خالد سبلان. عن كهيل بن حرملة الشامي. روى عنه خالد بن دهقان، وسمع منه سعيد بن عبد العزيز". ونحو ذلك عند ابن أبي حاتم 1 /2 /363، ولم يذكرا فيه جرحا. وترجمه ابن عساكر في تاريخ دمشق (5: 67 من تهذيبه للشيخ عبد القادر بدران) ، وزاد أنه سمع معاوية وعمرو بن العاص.
"سبلان": بفتح السين المهملة والباء الموحدة وتخفيف اللام، كما ضبطه ابن ماكولا، فيما نقل عنه ابن عساكر، وكما في المشتبه للذهبي، ص: 256. وهو لقب لخالد هذا، لقب به لعظم لحيته.
والبخاري وابن أبي حاتم لم يذكرا نسب خالد هذا، بل ترجمه البخاري في"باب السين" فيمن اسمه"خالد". وابن أبي حاتم ترجمه في باب"خالد" الذين لا ينسبون".
وإنما ذكر نسبه -الذي ذكرنا- ابن عساكر، وابن ماكولا في الإكمال، كما نقل عنه العلامة الشيخ عبد الرحمن اليماني في هوامش التاريخ الكبير وابن أبي حاتم. وذكره الذهبي في المشتبه باسم"خالد بن عبد الله". وذكر الحافظ في التهذيب 3: 87، في شيوخ"خالد بن دهقان"، باسم"خالد بن عبد الله سبلان". فيكون"سبلان" لقب خالد، كما بينا.
ووقع اسمه في المطبوعة هنا محرفا جدا: "جابر بن سيلان"!! وشتان هذا وذاك والراجح -عندي- أن هذا تحريف من الناسخين، لم يجدوا في التهذيب أو أحد فروعه. اسم"خالد سبلان"، ثم وجدوا ترجمة"جابر بن سيلان" (التهذيب 2: 40) فظنوه هو، وغيروه إلى ذلك. أو شيئا نحو هذا. وثبت اسمه على الصواب في ابن كثير، إذ نقله عن هذا الموضع من الطبري، ولكن زيد فيه"بن" بين الاسم واللقب. والظاهر أنه من تصرف الناسخين.
كهيل بن حرملة النميري: تابعي ثقة، ترجمه البخاري في الكبير 4 /1 /238، وقال: "سمع أبا هريرة. روى عنه خالد سبلان". ونحو ذلك في ابن أبي حاتم 3 /2 /173، ولم يذكرا فيه جرحا. وذكره ابن حبان في الثقات، ص: 318.
والحديث رواه ابن حبان في الثقات -في ترجمة كهيل- من طريق أبي مسهر، وهو عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي الثقة الثبت، عن صدقة بن خالد، بهذا الإسناد.
وكذلك رواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 103، من طريق أبي مسهر.
ورواه الحاكم في المستدرك 3: 638، من طريق العباس بن الوليد بن مزيد، وهو ثقة من شيوخ الطبري، مضت ترجمته: 891، عن محمد بن شعيب بن شابور، وهو أحد الثقات الكبار - عن خالد سبلان، بهذا الإسناد.
ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، بإسناده إلى خالد سبلان - في ترجمته، ولكن مختصره الشيخ عبد القادر بدران حذف الإسناد إليه.
ونقله ابن كثير 1: 579، عن هذا الموضع. ثم قال: "غريب من هذا الوجه جدا".
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 309، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، والبزار، وقال: لا نعلم روى أبو هاشم بن عتبة عن النبي صلى الله عليه وسلم - إلا هذا الحديث وحديثا آخر. قلت [القائل الهيثمي] : ورجاله موثقون".
ونقله الحافظ في الفتح 8: 145 - 146، ولم ينسبه لغير الطبري.
ونقله السيوطي 1: 304، ونسبه لابن سعد، والبزار، وابن جرير، والطبراني، والبغوي في معجمه. ووهم الحافظ في الإصابة جدا، في ترجمة"أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس" راوي هذا الحديث 7: 197 - 198، ونسبه لأبي داود، والترمذي، والنسائي، والبغوي، والحاكم أبي أحمد!! أما كتابا البغوي والحاكم أبي أحمد، فليسا عندي، ولا أستطيع أن أقول في نقله عنهما شيئا.
وأما السنن الثلاث، فأستطيع أن أجزم بأنه ليس في واحد منها، على اليقين من ذلك. ولذلك لم ينسبه الحافظ نفسه إليها في الفتح. ولذلك ذكره صاحب مجمع الزوائد، وهو الزوائد على الكتب الستة. ولذلك لم يذكره النابلسي في ذخائر المواريث في ترجمة"أبي هاشم بن عتبة". وقد نبهت إلى هذا الوهم، في شرحي للترمذي 1: 341 - 342.

(5/191)


5437- حدثني الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا أبي، وحدثنا ابن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد = قالا جميعا، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن شقيق بن عقبة العبدي، عن البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية:"حافظوا

(5/192)


على الصلوات وصلاة العصر"، قال: فقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن نقرأها. ثم إن الله نسخها فأنزل:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين"، قال: فقال رجل كان مع شقيق: فهي صلاة العصر! قال: قد حدثتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، والله أعلم. (1)
5438- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع، وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر ومحمد بن عبد الله الأنصاري= قالا جميعا، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، وحدثنا! بو كريب قال، حدثنا عبدة بن سليمان، ومحمد بن بشر وعبد الله بن إسماعيل، عن سعيد= عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر. (2)
5439- حدثني عصام بن رواد بن الجراح قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن عن سمرة قال: أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة الوسطى هي العصر. (3)
__________
(1) الحديث: 5437- الحسين بن علي الصدائي -شيخ الطبري- وأبوه، مضيا في 2093. ابن إسحاق الأهوازي - شيخ الطبري بعد تحويل الإسناد: هو أحمد بن إسحاق بن عيسى، مضى في: 1841.
أبو أحمد: هو الزبيري، محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي.
فضل بن مرزوق الأغر الكوفي: ثقة، وثقه الثوري، وابن معين، وغيرهما. وأخرج له مسلم في صحيحه. ووقع اسمه في المخطوطة والمطبوعة هنا"فضيل بن مسروق"! وهو خطأ من الناسخين.
شقيق بن عقبة العبدي الكوفي: تابعي ثقة. وثقه أبو داود، وابن حبان.
والحديث رواه مسلم في صحيحه 1: 75، عن إسحاق بن راهويه، عن يحيى بن آدم، عن فضيل بن مرزوق، به. ثم قال: "ورواه الأشجعي، عن سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب".
فوهم صاحب التهذيب، في ترجمة"شقيق بن عقبة" 4: 363، فقال: "له في مسلم حديث واحد في الصلاة الوسطى، قال: وهو معلق. . . "، ثم ذكر كلام مسلم. وغفل عن أنه رواه متصلا قبل هذا التعليق مباشرة.
ورواه ابن حزم في المحلى 4: 258، من طريق مسلم.
ورواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 102، من طريق محمد بن يوسف الفريابي، عن فضيل بن مرزوق، به. ولكن وقع في نسخة الطحاوي: "محمد بن فضيل بن مرزوق"! وهو خطأ يقينا. ثم ليس في الرواة من يسمى بهذا.
ورواه الحاكم في المستدرك 2: 281، من طريق يحيى بن جعفر بن الزبرقان، عن أبي أحمد الزبيري، عن فضيل بن مرزوق، به. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي! وعليهما في ذلك استدراك، أنه رواه مسلم، كما ذكرنا.
ورواه البيهقي 1: 459، عن الحاكم، بإسناده.
ووقع في المستدرك المطبوع بياض في"أبو أحمد الزبيري". صححناه من البيهقي.
ثم ذكر البيهقي أنه رواه مسلم، ثم ذكر إشارة مسلم إلى الرواية المعلقة، رواية الأشجعي عن سفيان الثوري. ثم رواه البيهقي من طريق الأشجعي، بإسناده متصلا.
والحديث ذكره أيضًا الحافظ في الفتح 1: 147، عن صحيح مسلم.
وذكره السيوطي 1: 303، وزاد نسبته لعبد بن حميد، وأبي داود في ناسخه. ولكنه لم ينسبه للحاكم. وذكره ابن كثير 1: 582، عن صحيح مسلم. ثم قال: "فعلى هذا تكون هذه التلاوة، وهي تلاوة الجادة - ناسخة للفظ رواية عائشة وحفصة ولمعناها، إن كانت الواو دالة على المغايرة. وإلا فلفظها فقط" وهذا فقه دقيق وبديع.
وقوله في متن الحديث: "فقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" - هذا هو الصواب الموافق لسياق القول: "فقرأناها"، والموافق لسائر الروايات. ورسمت في المطبوعة"فقرأتها". وهو غير جيد. ولعلها رسمت الأصول المنقول عنها على الكتبة القديمة بدون ألف ولا نقط "فقراتها" -فظنها الناسخ تاء المتكلم، إذ لم يجد بعدها ألفا. فأثبتها بالتاء على ظنه ومعرفته.
(2) الحديث: 5438- رواه الطبري عن ثلاثة من شيوخه: حميد بن مسعدة، ومحمد بن بشار، وأبي كريب محمد بن العلاء. فحميد رواه له عن شيخ واحد، وابن بشار عن شيخين، وأبو كريب عن ثلاثة شيوخ. وهؤلاء الستة: يزيد بن زريع، ومحمد بن بكر، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وعبدة بن سليمان، ومحمد بن بشر، وعبد الله بن إسماعيل - رووه جميعا عن سعيد، وهو ابن أبي عروبة. يزيد بن زريع: مضت ترجمته في: 1769.
محمد بن بكر بن عثمان البرساني - بضم الباء وسكون الراء: ثقة، وثقه ابن معين، وأبو داود، وغيرهما. وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري: ثقة من شيوخ أحمد، وابن المديني، والبخاري أخرج له الجماعة.
عبدة بن سليمان الكلابي: مضت ترجمته في: 2323.
محمد بن بشر بن الفرافصة العبدي: مضى في: 4222.
عبد الله بن إسماعيل: كوفي، زعم أبو حاتم - فيما رواه عنه ابنه 2 /2 /3: أنه مجهول، وجزم الحافظ المزي في الأطراف بأنه"عبد الله بن إسماعيل بن أبي خالد"، كما نقل عنه الحافظ ابن حجر في التهذيب.
والحديث مضى: 5417، من رواية إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن سمرة. وخرجناه هناك من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة. وهي هذه الطريق.
(3) الحديث: 5439- عصام بن رواد بن الجراح، وأبوه: مضيا في: 2183.
سعيد بن بشير الأزدي: مضى في: 126 أنه صدوق يتكلمون في حفظه، ولكن كان سفيان بن عيينة يصفه بأنه"كان حافظا". والظاهر أن الكلام فيه عن غير تثبت، فإنهم أنكروا كثرة ما روى عن قتادة. فروى ابن أبي حاتم عن أبيه، قال: "قلت لأحمد بن صالح: سعيد بن بشير دمشقي شامي، كيف هذه الكثرة عن قتادة؟ قال: كان أبوه بشير شريكا لأبي عروبة، فأقدم بشير ابنه سعيدا بالبصرة يطلب الحديث مع سعيد بن أبي عروبة". فهذا هذا. فالإسناد إذن صحيح كالإسناد قبله.

(5/193)


5440- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن شتير بن شكل، عن أم حبيبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال، يوم الخندق: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس= قال أبو موسى: هكذا قال ابن أبي عدي. (1)
__________
(1) الحديث: 5440- هذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وسليمان: هو الأعمش.
وهذا الحديث -عن أم حبيبة- لم أجده في مصدر آخر، غير هذا الموضع من الطبري، بل لم أجد إشارة إليه قط، إلا فيما نقل ابن كثير 1: 578، عن الحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، أنه ذكر"أم حبيبة" فيمن حكي عنهم القول بأن الصلاة الوسطى هي العصر. وهذه إشارة أرجح أنها إشارة لهذا الحديث، دون تصريح.
وشتير بن شكل: تابعي قديم، كما قلنا في: 5424. ولكن التهذيب، حين ذكر الصحابة الذين روى عنهم (4: 311) . قال: "وأم حبيبة، إن كان محفوظا"؛ فجهدت أن أعرف إلى أي حديث يشير؟ إلى هذا الحديث أم غيره؟
فوجدت أحمد قد روى في المسند: 6: 325 (حلبي) ، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن منصور، عن أبي الضحى، عن شتير بن شكل، عن أم حبيبة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم". وهذا إسناد كالشمس صحة.
ولكن رواه مسلم 1: 305، وابن ماجه: 1685، عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مسلم -وهو أبو الضحى- عن شتير بن شكل، عن حفصة. ثم رواه مسلم -أعني حديث القبلة للصائم- من طريق أبي عوانة وجرير، كلاهما عن منصور، كذلك، أي من حديث حفصة.
ففهمت أن الإشارة بالتعليل"إن كان محفوظا"، هي لحديث القبلة للصائم، وأنهم رجحوا رواية ثلاثة: أبي معاوية عن الأعمش، وأبي عوانة وجرير عن منصور -في روايتهم ذاك الحديث من حديث حفصة- على رواية شعبة، في روايته إياه من حديث أم حبيبة! وهذا ترجيح تحكم، لا دليل عليه.
وشتير بن شكل: سمع عليا، وابن مسعود، وحفصة. وهم أقدم موتا من أم حبيبة. والمعاصرة -مع ثقة الراوي، وبراءته من تهمة التدليس- كافية في الحكم بوصل الحديث. ورواية التابعي حديثا عن صحابي، لا تنفي أبدا روايته إياه عن صحابي آخر، بل إن كلا من الروايتين تؤيد الأخرى، إلا أن يقوم دليل قوي على الخطأ في إحدى الروايتين.
ورواية شتير عن أم حبيبة -إن فرض وجود شبهة فيها في حديث القبلة للصائم- فإن روايته عنها هنا -في حديث الصلاة الوسطى- ترفع كل شبهة، وتدل على أن روايته عنها محفوظة.
ثم إن رواية ذاك الحديث، رواها محمد بن جعفر عن شعبة، ورواية هذا الحديث رواها محمد بن أبي عدي عن شعبة، وكلاهما لا يدفع عن الحفظ والإتقان والتثبت والمعرفة. وذاك من رواية شعبة عن منصور عن أبي الضحى، وهذا من روايته عن الأعمش عن أبي الضحى.
وقد استوثق الطبري -رحمه الله- من رواية هذا الحديث هنا، خشية أن يظن به الخطأ أو بشيخه، فحكى كلمة شيخه"ابن المثنى"، وهو: محمد بن المثنى أبو موسى الزمن الحافظ، إذ استوثق هو أيضًا مما قاله شيخه"ابن أبي عدي"، وهو: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي - فقال: "قال أبو موسى: هكذا قال ابن أبي عدي". وهذا احتياط دقيق، قصد به إلى رفع شبهة الخطأ أو التعليل، عن رواية شعبة هذه.
وشعبة بن الحجاج: أمير المؤمنين في الحديث، كما قال الثوري. والذي"كان أمة وحده في هذا الشأن"، كما قال أحمد -لا يدفع عن رواية يرويها، ولا يحكم عليه بالخطأ فيها، إلا أن يستبين ذلك عن دلائل قاطعة، أو كالقاطعة. ولا يكفي في تعليل روايته حديثي أم حبيبة- في قبلة الصائم والصلاة الوسطى - كلمة عابرة: "إن كان محفوظا"!! وشعبة الحافظ الحجة الثقة المأمون.

(5/195)


5441- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، وهي العصر (1)
5442- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد السلام، عن سالم مولى أبي نصير قال، حدثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال: كنت جالسا عند عبد العزيز بن مروان فقال: يا فلان، اذهب إلى فلان فقل له: أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى؟ فقال رجل جالس: أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير أسأله عن الصلاة الوسطى، فأخذ إصبعي الصغيرة فقال: هذه الفجر- وقبض التي تليها. وقال: هذه الظهر- ثم قبض الإبهام فقال: هذه المغرب- ثم قبض التي تليها ثم قال: هذه العشاء- ثم قال: أي أصابعك بقيت؟ فقلت: الوسطى: فقال: أي صلاة بقيت؟ قلت: العصر. قال: هي العصر. (2)
__________
(1) الحديث: 5441- هذا الحديث مرسل. ولكن معناه صحيح، بما مضى من أحاديث صحاح.
(2) الحديث: 5442- هذا إسناد مجهول - عندي على الأقل؟
فلست أدري من"عبد السلام" شيخ أبي أحمد؟ وفي هذا الاسم كثرة.
سالم مولى أبي نصير: هكذا في المخطوطة والمطبوعة، وفي ابن كثير 1: 579 - نقلا عن هذا الموضع: "مسلم مولى أبي جبير"! ولم أجد هذا ولا ذاك. بل لم أجده أيضًا في ترجمة"سلم"، لاحتمال التصحيف، بزيادة ميم في أوله، أو زيادة ألف بعد السين.
إبراهيم بن يزيد الدمشقي: مترجم في التهذيب، وأنه كان من حرس عمر بن عبد العزيز، وترجمه البخاري في الكبير 1 /1 /335. وابن أبي حاتم 1 /1 /145، وترجمه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ونسبه: "النصري من أهل دمشق". (مختصر تاريخ ابن عساكر 2: 310) . وذكره ابن حبان في الثقات، كما في التهذيب.
ولو عرفنا مخرج هذا الحديث، وعرفنا الروايتين"عبد السلام" وشيخه، وكانا مقبولين -لكان الحديث جيدا: حسنا أو صحيحا، لأن الرجل الجالس عند عبد العزيز بن مروان، الذي حدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكون صحابيا، إذ يخبر أنه أرسله أبو بكر وعمر لسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما لا يرسلان لمثل هذا السؤال -إن شاء الله- إلا غلاما فاهما مميزا.
ويظهر لي أن الحافظ ابن كثير خفي عليه مخرجه، فوصفه بعد نقله عن الطبري، بأنه"غريب جدا".
ونقله أيضًا السيوطي 1: 304، ولم يقل فيه شيئا، إلا نسبته للطبري.
وكذلك نقله الحافظ ابن حجر في الفتح 1: 146، عن الطبري - مختصرا.

(5/196)


5443- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: ذكر لنا أن المشركين شغلوهم يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس! ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا!
5444- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو، عن أبي سلمة قال، حدثنا صدقة، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي حسان، عن عبيدة السلماني، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب: اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس. (1)
__________
(1) الحديث: 5444- ابن البرقي: هو أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، مضى في: 22، 160. عمرو بن أبي سلمة التنيسي الدمشقي: ثقة، من شيوخ الشافعي. وله رواية بالموطأ عن مالك.
ووقع في المطبوعة هنا: "عمرو عن أبي سلمة"! وهو خطأ بين، من ناسخ أو طابع.
صدقة: هو ابن عبد الله السمين الدمشقي. وهو ضعيف جدا، كما قال أحمد. وقال مسلم: "منكر الحديث". وضعفه البخاري، وابن معين، وأبو زرعة، وغيرهم.
سعيد: هو ابن أبي عروبة.
والحديث -وإن كان إسناده هذا ضعيفا- فقد مضى بإسناد صحيح: 5429، من رواية يزيد بن زريع، عن ابن أبي عروبة، به. وخرجناه هناك.
ومضى أيضًا: 5422، بإسناد آخر صحيح، من رواية شعبة، عن قتادة.
ومضى معناه من أوجه كثيرة عن علي، أشرنا إليها في: 5380.

(5/197)


5445- حدثني محمد بن عوف الطائي قال، حدثني محمد بن إسماعيل بن عياش قال، حدثنا أبي قال، حدثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الصلاة الوسطى صلاة العصر". (1)
* * *
وقال آخرون: بل الصلاة الوسطى صلاة الظهر.
* ذكر من قال ذلك:
5446- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عفان قال، حدثنا همام قال،
__________
(1) الحديث: 5445- محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي -شيخ الطبري، حافظ ثقة، معروف بالتقدم والمعرفة. وهو من الرواة عن أحمد بن حنبل، له عنه مسائل. ومع ذلك فإن أحمد سمع منه حديثا، كما في تذكرة الحفاظ، في ترجمته 2: 144 - 145، وهو مترجم أيضًا في التهذيب. مات سنة 272.
محمد بن إسماعيل بن عياش الحمصي: ضعيف. قال أبو داود: "لم يكن بذاك، قد رأيته، ودخلت حمص غير مرة وهو حي، وسألت عمرو بن عثمان عنه فذمه". والظاهر أنهم ضعفوه لروايته عن أبيه دون سماع، قال أبو حاتم: "لم يسمع من أبيه شيئا، حملوه على أن يحدث فحدث"! ومثل هذا جريء على الحديث، لا يوثق بروايته.
أبوه إسماعيل بن عياش الحمصي: ثقة، تكلم فيه بعضهم من أجل خطئه في بعض ما يروي عن غير الشاميين، أما أحاديثه عن أهل الشأم فمقبولة.
ضمضم بن زرعة بن ثوب -بضم الثاء المثلثة وفتح الواو وآخره باء موحدة- الحضرمي الحمصي: ثقة، وثقه ابن معين، وضعفه أبو حاتم، وترجمه البخاري في الكبير 2 /2 /339، فلم يذكر فيه جرحا، وذكره ابن حبان في الثقات.
شريح بن عبيد بن شريح الحضرمي الحمصي: تابعي ثقة.
والحديث نقله ابن كثير 1: 579، عن هذا الموضع. ثم قال: "إسناده لا بأس به".
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد -ضمن حديث-وقال: "رواه الطبراني، وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف".
وذكره السيوطي 1: 304، ونسبه للطبري والطبراني.

(5/198)


حدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى صلاة الظهر. (1)
5447- حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن زيد، يعني ابن ثابت- مثله. (2)
5448- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن زيد بن
__________
(1) الخبر: 5446- إسناده صحيح. وهو موقوف من كلام زيد بن ثابت.
ورواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 99، عن ابن مرزوق، عن عفان، بهذا الإسناد.
ورواه البيهقي 1: 459، من طريق إبراهيم بن مرزوق، عن عفان، به.
ورواه عبد الرزاق في المصنف 1: 182، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن زيد بن ثابت. فسقط من إسناده"ابن عمر" بين ابن المسيب وزيد. فإما أنه رواه هكذا، وإما أنه خطأ من الناسخين؟
وسيأتي هذا المعنى من أوجه مختلفة، عن زيد بن ثابت: 5447، 5448، 5449، 5450، 5452، 5453، 5454، 5458، 5459، 5460.
(2) الخبر: 5447- محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي - بضم الميم وفتح الخاء وكسر الراء المشددة: ثقة حافظ حجة. مضى في: 3730. مترجم في تاريخ بغداد 5: 423-425، وتذكرة الحفاظ 2: 92-93. ووقع هنا في المخطوطة والمطبوعة"المخزومي". وهو خطأ.
أبو عامر: هو العقدي، عبد الملك بن عمرو.
والخبر مكرر ما قبله. وإسناده صحيح أيضًا.
وقد ذكره ابن كثير 1: 577، مع الذي قبله، دون نسبة.
وذكرهما السيوطي، وزاد نسبتهما لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن الأنباري في المصاحف.
ثم قال السيوطي: "وأخرج مالك، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن جررير، وابن المنذر، من طرق، عن زيد بن ثابت، قال: "الصلاة الوسطى صلاة الظهر".
وهذا يصلح إشارة إلى كثير من الروايات الآتية عن زيد بن ثابت.
ورواية مالك، هي في الموطأ ص: 139، عن داود بن الحصين، عن ابن يربوع المخزومي، سمع زيد بن ثابت.
ورواية عبد الرزاق، هي في المصنف 1: 182، عن مالك، به.

(5/199)


ثابت قال: الصلاة الوسطى الظهر. (1)
5449- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا سليمان بن داود قال، حدثنا شعبة، وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن شعبة= قال، أخبرني عمر بن سليمان -من ولد عمر بن الخطاب- قال: سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، يحدث عن أبيه، عن زيد بن ثابت قال: الصلاة الوسطى هي الظهر. (2)
5450- حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة، عن عمر بن سليمان= هكذا قال أبو زائدة=، عن عبد الرحمن بن أبان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت في حديثه، رفعه -: الصلاة الوسطى صلاة الظهر. (3)
__________
(1) الخبر: 5448- حفص: هو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب. وهو تابعي ثقة مجمع عليه. والخبر مكرر ما قبله. وإسناده صحيح كذلك.
(2) الخبر: 5449- إسناده صحيح.
عمر بن سليمان بن عاصم بن عمر بن الخطاب: ثقة، وثقه ابن معين، والنسائي، وغيرهما. وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 /1 /112، وروي عن ابن معين أنه وصفه بأنه"صاحب حديث زيد بن ثابت"، وفي التهذيب أنه"قيل في اسمه: عمرو". وهو ثابت باسم"عمرو" في رواية الدارمي والطحاوي، كما سنذكر في التخريج، إن شاء الله.
عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان: ثقة عابد، قليل الحديث، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات.
أبوه أبان بن عثمان: ثقة من كبار التابعين. وعده يحيى القطان في فقهاء المدينة.
وهذا الخبر موقوف أيضًا على زيد بن ثابت، كالأخبار الثلاثة قبله.
وذكره ابن كثير 1: 577، قال: "وقال أبو داود الطيالسي، وغيره، عن شعبة. . . "، فساقه بهذا الإسناد.
وكذلك رواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 99، من طريق حجاج بن محمد، عن شعبة، عن"عمرو بن سليمان"، به فسمى شيخ شعبة في هذه الرواية"عمرا". وسيأتي عقب هذا روايته مرفوعا. وهو -عندي- وهم ممن فهم أنه مرفوع.
(3) الحديث: 5450- إسناده صحيح، إلا أن في رفعه علة، سنذكرها إن شاء الله.
زكريا بن يحيى: مضت ترجمته في: 1219.
عبد الصمد: هو ابن عبد الوارث العنبري.
"عمر بن سليمان": مضت ترجمته في الخبر الذي قبل هذا. وهكذا ثبت في المطبوعة! فلا يكون هناك معنى لقول الطبري: "هكذا قال أبو زائدة" - يعني شيخه زكريا بن يحيى، إذ لا اختلاف في اسمه بين هذه الرواية وتلك. ووقع في المخطوطة: "عمر بن سلمان". فتكون المغايرة بين الروايتين واقعة. ولكني أرجح أن كليهما خطأ، إذ لم يذكر قول في اسمه أنه"عمر بن سلمان". والراجح -عندي- أن الصواب في هذا الإسناد"عمرو بن سليمان". وهو القول الثاني في اسمه عند بعض الرواة، كما ذكرنا. وقوله في هذه الرواية: "في حديثه رفعه" -يعني أن رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل لفظ"الصلاة الوسطى صلاة العصر"- من كلامه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك نقل السيوطي 1: 302، "وأخرج ابن جرير في تهذيبه، من طريق عبد الرحمن بن أبان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، في حديث يرفعه. . . ". ولعله لم يره في تفسير الطبري، فنقله عن كتابه"التهذيب". ولفظ السيوطي الذي نقله: "في حديث" -أجود من اللفظ الثابت هنا: "في حديثه". بل الظاهر أن هذه محرفة من الناسخين.
وعندي أن ادعاء رفع الحديث وهم ممن قاله: اختصر حديثا مطولا، فأوهم وظن أن كلمة في آخره مرفوعة. وهي واضحة في أصل الحديث أنها موقوفة.
فقد رواه أحمد في المسند 5: 183 (حلبي) -مطولا- عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، بهذا الإسناد إلى أبان بن عثمان: "أن زيد بن ثابت خرج من عند مروان نحوا من نصف النهار، فقلنا: ما بعث إليه الساعة إلا لشيء سأله عنه، فقمت إليه فسألته، فقال: أجل، سألنا عن أشياء، سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه. . . " فذكر حديثا مطولا مرفوعا، ثم قال في آخره: "وسألنا عن الصلاة الوسطى، وهي الظهر". فهذا ظاهر واضح أن مروان سأل زيدا عن الصلاة الوسطى فأجابه، لم يذكره في الحديث المرفوع، ولا وصله به.
ورواه الدارمي 1: 75، عن عصمة بن الفضل، عن حرمى -بفتح الحاء والراء- بن عمارة، عن شعبة، عن عمرو بن سليمان، بهذا الإسناد، نحو رواية المسند، مطولا. وفي آخره بعد سياق الحديث المرفوع: "قال: وسألته عن صلاة الوسطى، فقال: هي الظهر". فسمى شيخ شعبة في هذه الطريق"عمرا".
والظاهر من سياق هذه الرواية أن أبان بن عثمان هو الذي سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى. والأمر في هذا قريب. أما الأمر البعيد، والذي لا يدل عليه سياق الكلام في الروايتين: رواية أحمد، ورواية الدارمي -فهو الزعم بأن"الصلاة الوسطى" مرفوع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو وهم -كما قلنا- ممن اختصر الحديث، فأخذ آخره دون أن يتأمل سياق القول ومعناه. والقسم المرفوع المطول من هذا الحديث -رواه ابن حبان في صحيحه، رقم: 66 بتحقيقنا، من طريق يحيى بن سعيد -شيخ أحمد فيه- وطوى أيضًا الكلمة الموقوفة. وقد خرجناه هناك.
ويؤيد ما قلنا: أن زيد بن ثابت إنما قال هذا استنباطا، كما سيأتي: 5459، 5460. ولو كان هذا عنده مرفوعا لما جاوزه إلى الاستنباط، إن شاء الله.

(5/200)


5451- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا عبد الله بن يزيد قال، حدثنا حيوة بن شريح وابن لهيعة قالا حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد: أن سعيد بن المسيب

(5/201)


حدثه أنه كان قاعدا هو وعروة بن الزبير وإبراهيم بن طلحة، فقال سعيد بن المسيب: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: الصلاة الوسطى هي الظهر. فمر علينا عبد الله بن عمر، فقال عروة: أرسلوا إلى ابن عمر فاسألوه. فأرسلوا إليه غلاما فسأله، ثم جاءنا الرسول فقال: يقول: هي صلاة الظهر. فشككنا في قول الغلام، فقمنا جميعا فذهبنا إلى ابن عمر، فسألناه فقال: هي صلاة الظهر. (1)
5452- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا العوام بن حوشب قال، حدثني رجل من الأنصار، عن زيد بن ثابت أنه كان يقول: هي الظهر. (2)
5453- حدثني أحمد بن إسحاق، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن أبي ذئب= وحدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا ابن أبي ذئب=، عن
__________
(1) الخبر: 5451- عبد الله بن يزيد: هو المقرئ. مضت ترجمته في: 3180. زهرة بن معبد بن عبد الله بن هشام التيمي: تابعي ثقة، قال ابن أبي حاتم 1 /2 / 615"أدرك ابن عمر، ولا أدري سمع منه أم لا؟ " وتعقبه الحافظ في التهذيب، بالجزم بأنه سمع منه، وأن في البخاري ما يدل على ذلك.
إبراهيم بن طلحة: لم أتبين من هو؟ وليس له رواية في الخبر، ولا شأن في الإسناد، إنما كان أحد حاضري المجلس.
والخبر رواه البيهقي 1: 458-459، من طريق محمد بن سنان البصري، عن عبد الله بن يزيد، به.
وسيأتي: 5457، من طريق نافع، عن زهرة بن معبد، بنحوه.
وذكره السيوطي 1: 302، ونسبه للبيهقي، وابن عساكر فقط.
وهذا الخبر على صحة إسناده - فيه أن أبا سعيد الخدري وعبد الله بن عمر يريان أن الصلاة الوسطى هي الظهر.
وقد مضى عن أبي سعيد بإسناد صحيح أيضًا: 5392، أنها العصر.
وكذلك مضى عن ابن عمر بإسنادين صحيحين: 5389، 5391، أنه يرى أنها العصر.
وأبو سعيد وابن عمر ممن اختلفت الرواية عنهما في ذلك على القولين. ذلك أنهما لم يرويا فيه حديثا مرفوعا يكون حجة عليهما، إنما اجتهدا واستنبطا ما استطاعا، وانظر ابن كثير 1: 577.
(2) الخبر: 5452- العوام -بتشديد الواو- بن حوشب بن يزيد الشيباني: ثقة مجمع عليه. يروي عن كبار التابعين. ولكنه هنا روى عن رجل مجهول، صار به الإسناد ضعيفا.

(5/202)


الزبرقان بن عمرو، عن زيد بن ثابت قال، الصلاة الوسطى صلاة الظهر. (1)
5454- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا عبيد الله، عن نافع، عن زيد بن ثابت أنه قال: الصلاة الوسطى: هي صلاة الظهر. (2)
5455- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع بن يزيد قال، حدثني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان قال، حدثني عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر: أنه سئل عن الصلاة الوسطى قال: هي التي على أثر الضحى. (3)
5456- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا نافع بن يزيد قال، حدثني الوليد بن أبي الوليد: أن سلمة بن أبي مريم حدثه: أن نفرا من قريش أرسلوا إلى عبد الله بن عمر يسألونه عن الصلاة الوسطى فقال له: هي التي على أثر صلاة الضحى. فقالوا له: ارجع واسأله، فما زادنا إلا عياء بها!! فمر بهم عبد الرحمن بن أفلح مولى عبد الله بن عمر، فأرسلوا إليه أيضا فقال: هي التي توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة. (4)
__________
(1) الخبر: 5453- هذا الخبر مختصر. وسيأتي مطولا: 5460، من هذا الوجه، من رواية ابن أبي ذئب، عن الزبرقان.
(2) الخبر: 5454- الحجاج: هو ابن المنهال. وحماد: يحتمل أن يكون ابن زيد، وأن يكون ابن سلمة.
عبيد الله: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم. ونافع: هو مولى ابن عمر. وأخشى أن تكون روايته عن زيد بن ثابت مرسلة. فما أظنه أدرك طبقته من الصحابة. وقد نص ابن أبي حاتم على أن روايته عن حفصة وعائشة مرسلة.
(3) الخبر: 5455- ابن أبي مريم: هو سعيد بن أبي مريم، وهو سعيد بن الحكم، مضت ترجمته في: 3877.
نافع بن يزيد الكلاعي المصري: ثقة مأمون، ثبت في الحديث، لا يختلف فيه.
الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان: تابعي ثقة. وقد حققنا ترجمته في شرح المسند: 5721.
وهذا الخبر مختصر. وسيأتي عقبه مطولا، عن تابعي آخر، غير عبد الله بن دينار.
(4) الخبر: 5456- مسلم بن أبي مريم، واسم أبيه: يسار، السلولي المدني: تابعي ثقة، روى عنه شعبة، ومالك، وابن جريج، والليث، وغيرهم. ووقع في المخطوطة والمطبوعة اسمه"سلمة" بدل"مسلم"، وهو خطأ من الناسخين. وليس في التراجم من يسمى بهذا.
والخبر رواه -بنحوه- الطحاوي 1: 99، من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، عن موسى بن ربيعة، عن الوليد بن أبي الوليد المديني، عن عبد الرحمن بن أفلح: "أن نفرا من أصحابه أرسلوه إلى عبد الله بن عمر. . . "، فذكر معناه.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 309 مختصرا، بنحوه. قال: "وعن عبد الرحمن بن أفلح: أن نفرا من الصحابة أرسلوني إلى ابن عمر، يسألونه عن الصلاة الوسطى. فقال: كنا نتحدث أنها الصلاة التي وجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة، الظهر". وقال: "رواه الطبراني، ورجاله موثقون". ونقله السيوطي بنحوه 1: 301 أكثر اختصارا من هذا، ونسبه للطبراني في الأوسط"بسند رجاله ثقات". فروايتا الطحاوي والطبراني تؤيدان رواية ابن جرير هذه، لأنها عن"عبد الرحمن بن أفلح" الذي أرسله هؤلاء النفر من قريش يسأل ابن عمر.
وموسى بن ربيعة المصري: ثقة، ترجمه ابن أبي حاتم 4 /1 /142 - 143. وقال: "سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: كان يكون بمصر، وهو ثقة لا بأس به". ولم أجد له ترجمة عند غيره.
والوليد بن أبي الوليد، كما سمع الخبر من مسلم بن أبي مريم، سمعه أيضًا من الرسول الذي أرسله النفر من قريش إلى ابن عمر.
و"عبد الرحمن بن أفلح": مترجم في ابن أبي حاتم 2 /2 /210: "عبد الرحمن بن أفلح مولى أبي أيوب. وهو أخو كثير بن أفلح. روى عن. . . روى عنه أبو النضر حديث العزلة. سمعت أبي يقول ذلك". وموضع النقط بياض في أصل كتاب ابن أبي حاتم وقال مصححه العلامة الشيخ عبد الرحمن اليماني: "في الثقات: عن أم ولد أبي أيوب".
وترجمه ابن سعد 5: 220، هكذا: "عبد الرحمن بن أفلح، مولى أبي أيوب الأنصاري. وهو رضيع الخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري. وسمع من عبد الله بن عمر بن الخطاب".
ولم أجد له ترجمة غير ذلك، فهو هو الذي في هذا الخبر.
ولعل بعض الرواة وهم في جعله"مولى عبد الله بن عمر".
وقوله"إلا عياء بها": يقال"عي بالأمر عيا (بالكسر) وعياء": جهله وأشكل عليه أمره. وفي الحديث: "شفاء العي السؤال". وذكر المصدر الثاني (عياء) في المعيار للشيرازي.

(5/203)


5457- حدثني ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع قال، حدثني زهرة بن معبد قال، حدثني سعيد بن المسيب: أنه كان قاعدا هو وعروة وإبراهيم بن طلحة، فقال له سعيد: سمعت أبا سعيد يقول: إن صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى. فمر علينا ابن عمر، فقال عروة: أرسلوا إليه فاسألوه. فسأله الغلام فقال: هي الظهر. فشككنا في قول الغلام، فقمنا إليه جميعا فسألناه، فقال: هي الظهر. (1)
__________
(1) الخبر: 5457- نافع في هذا الإسناد: هو نافه بن يزيد، الذي ترجمنا له في: 5455. وهذا إسناد صحيح. والخبر مختصر من الخبر الماضي: 5451، من رواية حيوة وابن لهيعة، عن زهرة بن معبد.

(5/204)


5458- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا أبو عامر، عن عبد الرحمن بن قيس، عن ابن أبي رافع، عن أبيه - وكان مولى لحفصة - قال: استكتبتني حفصة مصحفا وقالت لي: إذا أتيت على هذه الآية فأعلمني حتى أملها عليك كما أقرأنيها. فلما أتيت على هذه الآية:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، أتيتها فقالت: اكتب:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر". فلقيت أبي بن كعب أو زيد بن ثابت، فقلت: يا أبا المنذر، إن حفصة قالت كذا وكذا!! قال: هو كما قالت، أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في غنمنا ونواضحنا! (1)
* * *
__________
(1) الحديث: 5458- عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط العبدي: ثقة من شيوخ أحمد وإسحاق، أخرج له الجماعة.
أبو عامر: هو الخزاز -بمعجمات- واسمه: صالح بن رستم، وهو ثقة، وثقه الطيالسي، وأبو داود، وغيرهما.
عبد الرحمن بن قيس العتكي، أبو روح البصري: ثقة. ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له هو وابن خزيمة في صحيحيهما، وترجمه ابن أبي حاتم 2 /2 /277-278 ترجمتين: 1320، 1321، وهما واحد، ولم يذكر فيه جرحا.
"ابن أبي نافع عن أبيه": لم أعرف من"ابن أبي رافع" هذا؟ ولم أجد له ترجمة، إلا أنه ذكر في التهذيب هكذا، في ترجمة عبد الرحمن بن قيس العتكي، في شيوخه الذين روى عنهم.
ويحتمل جدا أن يكون ابنا لعمرو بن رافع، الذي سيأتي ذكره في شرح: 5463.
وفي إسناد: 5464. وهذا الحديث مجهول الإسناد، كما ترى. وسيأتي بهذا الإسناد واللفظ: 5470، إلا حرفا واحدا، سنذكره.
وذكره السيوطي 1: 302، بنحوه مختصرا قليلا، قال: "أخرج عبد الرزاق، والبخاري في تاريخه وابن جرير، وابن أبي داود في المصاحف عن أبي رافع مولى حفصة. . . ".
فأما ابن جرير، فهذه روايته. وأما البخاري في التاريخ، فلم أعرف موضعه منه. وأما عبد الرزاق وابن أبي داود -فلم أجد عندهما من رواية أبي رافع- على اليقين عندي من ذلك. فلا أدري كيف هذا؟!
وهو حديث مرفوع، لقول حفصة: "حتى أملها عليك كما أقرأنيها". وفي الرواية الآتية: "كما أقرئتها"، بالنباء لما لم يسم فاعله. والذي يقرئ حفصة وتأخذ عنه القرآن، هو زوجها المنزل عليه الكتاب، صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي تصريحها بذلك، في: 5462، 5463، 5465.
وقولها"أملها": هكذا ثبت في المخطوطة. وفي المطبوعة"أمليها". وكلاهما صحيح، يقال: "أمللت الكتاب، وأمليته". وكلاهما نزل به القرآن: (فليملل وليه بالعدل) . من"أمللت". و: (فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) ، من"أمليت". قال الفراء: "أمللت: لغة أهل الحجاز وبني أسد. وأمليت: لغة بني تميم وقيس".
قوله: "فلقيت أبي بن كعب، أو زيد بن ثابت، فقلت: يا أبا المنذر" - إلخ: شك الراوي في أيهما لقي، ثم رجح أنه أبي بن كعب، إذ أن كنيته: "أبو المنذر"، وأما زيد فكنيته: "أبو سعيد" ويقال: "أبو خارجة".
النواضح: جمع"ناضح"، وهو من الإبل: ما يستقى عليه الماء. ونضح زرعه: سقا بالدلو. يعني: أنهم في شغل بسقي نخيلهم على النواضح من إبلهم.

(5/205)


وعلة من قال ذلك، ما: -
5459- حدثنا به محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني عمرو بن أبي حكيم قال: سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها، قال: فنزلت:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى". وقال:"إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين". (1)
__________
(1) الحديث: 5459- عمرو بن أبي حكيم: هو عمرو بن كردي، أبو سعيد الواسطي، وهو ثقة، وثقه أبو داود، والنسائي، وغيرهما. ورواية شعبة عنه أمارة توثيقه عنده أيضًا.
الزبرقان: هو ابن عمرو بن أمية الضمري، بذلك جزم ابن سعد 5: 184، ذكره بعد"جعفر ابن عمرو"، بأنه"لم يفرق البخاري فمن بعده بينهما، إلا ابن حبان، ذكر هذا في ترجمة مفردة عن الذي يوي عنه كليب بن صبح"، ثم أنحى على ابن حبان لما فعل. وهذا عجب من العجب! فإن البخاري أفرد ترجمة"زبرقان، عن عمرو بن أمية، روى عنه كليب. ولكنهما فرقا بينهما، فما أدري ما الذي أنكره احافظ على ابن حبان؟!
والزبرقان بن عمرو، هذا: ثقة.
والحديث رواه أحمد في المسند 5: 183، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، به.
ورواه أبو داود: 411، عن محمد بن المثنى -شيخ الطبري هنا- بهذا الإسناد.
ورواه البخاري في الكبير - في ترجمة الزبرقان، عن إسحاق. عن عبد الصمد، عن شعبة، به، موجزا كعادته.
ورواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 99، من طريق عمرو بن مرزوق، عن شعبة، به.
وكذلك رواه البيهقي 1: 458، من طريق عمرو بن مرزوق.
وذكره ابن كثير 1: 577، عن رواية المسنج. ثم أشار إلى رواية أبي داود.
وذكره السيوطي 1: 301، وزاد نسبته للروياني، وأبي يعلى، والطبراني.
وهذه أسانيد صحاح.
وسيأتي عقب هذا، مطولا، غير موصول الإسناد.

(5/206)


5460- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان قال: إن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت فأرسلوا إليه رجلين يسألانه عن الصلاة الوسطى. فقال زيد: هي الظهر. فقام رجلان منهم فأتيا أسامة بن زيد فسألاه عن الصلاة الوسطى فقال: هي الظهر. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان، الناس يكونون في قائلتهم وفي تجارتهم، فقال رسول الله:"لقد هممت أن أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة بيوتهم! قال: فنزلت هذه الآية:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى". (1)
* * *
وكان آخرون يقرءون ذلك:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر".
* ذكر من كان يقول ذلك كذلك:
__________
(1) الحديث: 5460- هو مطول للحديث قبله، ولكنه هنا منقطع، كما سنذكر.
ورواه أحمد في المسند 5: 206 (حلبي) ، عن يزيد - وهو ابن هرون، عن ابن أبي ذئب، به، ولكن في روايته زيادة في أوله: "مر بهم زيد بن ثابت وهم مجتمعون، فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي العص. فقام إليه رجلان منهم فسألاه، فقال: هي الظهر".
ففي رواية أحمد أن زيد بن ثابت قال للغلامين: هي العصر. وأنه قال للرجلين اللذين قاما إليه: هي الظهر. وقد حذف من رواية الطبري هنا سؤال الغلامين وجواب زيد بأنها العصر. وهذه الزيادة ثابتة أيضًا في ابن كثير 1: 577، في نقله الحديث من مسند أحمد.
ولم أجدها في شيء من مصادر هذا الحديث غير ذلك.
ووقع في المسند"حدثنا يزيد بن أبي ذئب، عن الزبرقان"! وهو تخليط من الناسخين، ثبت أيضًا في مخطوطة المسند (م) ! فليس في الرواة من هذا اسمه. والحديث حدي"يزيد بن هرون"، عن"ابن أبي ذئب"، كما دلت عليه رواية الطبري هنا.
وزادت نسخة ابن كثير تخليطا إلى تخليط. في النقل عن المسند: "حدثنا يزيد بن أبي وهب، عن الزبرقان"!! ولسنا ندري، أهو من الناسخين أم من المطبعة؟!
والحديث رواه أيضًا الطحاوي في معاني الآثار 1: 99، عن الربيع بن سليمان المرادي، عن خالد بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ذئب، عن الزبرقان. ولكنه مختصر، حذف منه ذكر أسامة بن زيد، وجعل قوله: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير. . . " -إلى آخر الحديث- من كلام زيد بن ثابت، لا من كلام أسامة، ولعل هذا الاختصار سهو من بعض الرواة.
فقد أشار البخاري إليه من طريق ابن أبي ذئب، كعادته في الإيجاز، وأثبت أنه عن زيد وأسامة، فذكره في ترجمة الزبرقان 2 /1 /397، قال:
"وقال هشام: حدثنا صدقة، عن ابن أبي ذئب، قال: حدثنا زبرقان الضمري، عن زيد وأسامة- نحوه". يعني نحو حديث قبله سنذكره.
ثم قال حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، قال حدثنا زبرقان الضمري- نحوه".
ثم قال: "ورواه يحيى بن أبي بكير، عن ابن أبي ذئب نحوه".
فرواية أسامة بن زيد ثابتة في هذا الحديث من هذا الوجه، في كل الروايات، فحذفها وهم.
وكذلك هي ثابتة في مصادر أخر. فقد ذكره السيوطي كاملا 1: 301، ونسبه لأحمد، وابن منيع والنسائي، وابن جرير، والشاشي، والضياء.
وروى الطيالسي، نحوه، مختصرا: 628، عن أبي ذئب، عن الزبرقان، عن زهرة، قال"كنا جلوسا عند زيد بن ثابت، فأرسلوا إلى أسامة بن زيد، فسألوه عن الصلاة الوسطى؟ فقال: هي: الظهر، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها بالهجير".
وكذلك رواه البيهقي 1: 458، من طريق الطيالسي.
وذكره البخاري في الكبير 2 /1 /396-697، عن أبي داود، وهو الطيالسي، به.
ونقله ابن كثير 1: 577، من مسند الطيالسي.
والحديث المطول الذي هنا منقطع الإسناد كما قلنا. ودل على انقطاعه: الإسناد قبله، الذي فيه رواية الزبرقان عن عروة، ورواية الطيالسي، التي فيها روايته عن زهرة.
ولذلك قال ابن كثير -بعد نقله إياه من رواية مسند الإمام أحمد: "والزبرقان: هو ابن عمرو بن أمية الضمري، لم يدرك أحدا من الصحابة. والصحيح ما تقدم من روايته عن زهر بن معبد، وعروة. ابن الزبير".
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 308-309، "رواه أحمد، ورجاله موثقون، إلا أن الزبرقان لم يسمع من أسامة بن زيد بن ثابت".
ومما يجدر التنبيه إليه: أن السيوطي نسبه للنسائي -كما ذكرنا- ولكني لم أجده في النسائي. وقد قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "رواه النسائي. وقال الشيخ في الأطاف: ليس في السماع، ولم يذكره أبو القاسم". يريد أن الحافظ المزي قال ذلك، فلعله ثابت في رواية بعض الرواة لسنن النسائي دون بعض.
الهاجرة، والهجير: نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، وهو حينئذ أشد الحر.
والقائلة: الظهيرة، نصف النهار. والقيلولة: نومة نصف النهار، قال يقيل. وتسمى القيلولة"القائلة" أيضًا. وهو المراد هنا.

(5/207)


5461- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا

(5/208)


شعبة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن يزيد الأزدي، عن سالم بن عبد الله: أن حفصة أمرت إنسانا فكتب مصحفا فقالت: إذا بلغت هذه الآية:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" فآذني. فلما بلغ آذنها، فقالت: اكتب:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر". (1)
5462- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع: أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا، فقالت: إذا بلغت هذه الآية:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها. فلما بلغها، أمرته فكتبها:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا الله قانتين"= قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه"الواو". (2)
__________
(1) الخبر: 5461- أبو بشر: هو جعفر بن أبي وحشية، مضت ترجمت في: 3348.
عبد الله بن يزيد الأزدي". ثقة، ترجمه ابن أبي حاتم 2 /2 /2000، فلم يذكر فيه جرحا، ونسبه: "الأزدي أو الأزدي".
والخبر رواه ابن أبي داود في المصاحف- ص: 85، عن محمد بن بشار -شيخ الطبري هنا- بهذا الإسناد، وفيه بعد قوله: "الأزدي"-: "قال ابن أبي داود: وبعضهم يقول: الأودي".
ونقله ابن كثير 1: 581، عن ذا الموضع من الطبري.
وقد مضى هذا الخبر مختصرا: 5405، من رواية هشيم، عن أبي بشر، عن سالم، وظهر من هذه الرواية انقطاع ذاك الإسناد، إذ سقط منه"عبد الله بن يزيد" بين أبي بشر وسالم.
(2) الحديث: 5462- عبد الوهاب: هو ابن عبد المجيد الثقفي. مضت تجمت في: 2039. عبيد الله: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم.
والحديث رواه ابن أبي داود، ص: 86، عن محمد بن بشار، عن عبد الوهاب، وهو القفي، بذا الإسناد. ولفظه في آخره: "قال نافع: فقرأت ذلك في المصحف، فوجدت الواوات"! هكذا ثبت فيه، وأخشى أن يكون من تخليط المستشرق ناشر الكتاب.
ورواه البيهقي 1: 462، بنحوه، من طريق عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن عبيد الله، به، وفي آخره: "قال نافع: فرأيت الواو معلقة".
قال البيهقي: "وهذا مسند، إلا أن فيه إرسالا من جهة نافع، ثم أكده بما أخبر عن رؤيته".
ونقله ابن كثير 1: 581، عن هذا الموضع من الطبري.
وقد مضى نحو هذا الحديث: 5406، من رواية حماد بن سلمة، عن عبيد الله. وبينا هناك انقطاعه بين نافع وحفصة، وسيأتي عقب هذا بنحو، من طريق حماد بن سلمة أيضًا.

(5/209)


5463- حدثنا الربيع بن سليمان قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت: لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى آمرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فلما أخبرها قالت: اكتب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر". (1)
__________
(1) الحديث: 5463- هو تكرار للذي قبله، بنحوه، إلا أن في هذا التصريح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كمثل الرواية الماضية: 5406، من طريق حماد بن سلمة أيضًا، وهو منقطع بين نافع وحفصة، كسابقيه.
وهذه الروايات الثلاث المنقطعة بين نافع وحفصة: 5406، 5462، 5463- هي في حقيقتها متصلة، إذ عرفنا الواسطة بينهما، وهو"عمرو بن رافع" مولى عمر، أو مولى حفصة بنت عمر. وهو الذي كتب لها المصحف المذكور في هذه الروايات:
فروى نحوه الطحاوي في معاني الآثار 1: 102، من طريق إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، قال: "حدثني أبو جعفر محمد بن علي، ونافع مولى عبد الله بن عمر، أن عمرو بن رافع مولى عمر بن الخطاب حدثهما: أنه كان يكتب المصاحف عى عهد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قال: استكتبتني حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم مصحفا، وقالت لي: إذا بلغت هذه الآية من سورة البقرة فلا تكتبها حتى تأتيني، فأمليها عليك كما حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فلما بلغتها أتيتها بالورقة التي أكتبها، فقالت: اكتب: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر". وكذلك رواه ابن أبي داود في المصاحف، ص: 86، من طريق محمد بن إسحاق. بهذا الإسناد، نحوه.
وكذلك رواه البيهقي 1: 462 - 463، بإسناده من طريق ابن إسحاق، إلا أن في روايته"عمر بن رافع" بدل"عمرو"، وكأنه في كلامه يشير إلى أن هذا خطأ من ابن إسحاق. وهو في هذا واهم، فإن روايتي الطحاوي وابن أبي داود من طريق ابن إسحاق - فيما"عمرو" على الصواب. فالخطأ هو ممن دون ابن إسحاق عنده.
وإسناد الحديث من هذا الوجه صحيح.
أبو جعفر محمد بن علي: هو الباقر، محمد بن علي بن الحسين علي بن أبي طالب، وهو تابعي ثقة مجمع عليه.
عمرو بن رافع مولى عمر: تابعي ثقة. ترجمه ابن سعد في الطبقات 5: 220، وابن أبي حاتم 3 /1 /232، ووثقه ابن حبان. وقال السيوطي في رجال الموطأ: "ليست له رواية في الكتب الستة، ولا مسند أحمد". وفي التهذيب أن البخاري ذكره فقال: "قال بعضهم: عمر بن رافع، ولا يصح. وقال بعضهم: أبو رافع". وقال بعضهم أيضًا: "عمرو بن نافع". وهي ثابتة في رواية ابن أبي داود. والراجح الصحيح: "عمرو بن رافع"، لثبوته كذلك في روايات أخر لهذا الحديث مرفوعا وموقوفا، ومنها الروايتان الآتيان عقب هذه.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6: 320"عن عمرو بن رافع مولى عمر بن الخطاب". وقال: "رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات".
وذكره السيوطي 1: 302، وزاد نسبته لأبي عبيد، وعبد بن حميد، وابن الأنباري في المصاحف. وروى مالك في الموطأ، نحو هذا الحديث، ص: 139، موقوفا على حفصة - عن زيد بن أسلم، عن عمرو بن رافع.
وكذلك رواه الطحاوي 1: 102، وابن أبي داود. ص: 86-87، والبيهقي 1: 162 - كلهم من طريق مالك، به.

(5/210)


5464- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبدة بن سليمان قال، حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثني أبو سلمة، عن عمرو بن رافع مولى عمر قال: كان مكتوبا في مصحف حفصة:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين". (1)
5465- حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا أبي وشعيب، عن الليث قال، حدثنا خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، عن زيد، عن عمرو بن رافع قال: دعتني حفصة فكتبت لها مصحفا فقالت: إذا بلغت آية الصلاة فأخبرني. فلما كتبت:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، قالت:"وصلاة العصر"، أشهد أني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
__________
(1) الخبر: 5464- هذا إسناد صحيح. وهو مختصر مما قبله.
وكذلك رواه الطحاوي 1: 102، مختصرا، من طريق يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو، به. ورواه ابن أبي داود، ص: 87، من طريق يزيد، وهو ابن هارون، عن محمد بن عمرو، مطولا. ورواية ابن أبي داود: "وصلاة العصر"، كرواية الطبري هنا. وأما رواية الطحاوي ففيها: "وهي صلاة العصر".
وانظر 5458، 5470.
(2) الحديث 5465- خالد بن يزيد الجمحي الإسكندراني المصري. أبو عبد الحيم: ثقة، قال ابن يونس: "كان فقيها مفتيا"، ووثقه أبو زرعة، والنسائي، وغيرهما.
ابن أبي هلال: هو سعيد بن أبي هلال الليثي المصري، مضت ترجمته في: 1495.
زيد: هو ابن أسلم العدوي، الفقيه المدني، وهو تابعي ثقة. روى عنه مالك، وابن جرير، والثوري وغيرهم.
عمرو بن رافع: مضت ترجمته في شرح: 5463.
ووقع هنا في المخطوطة: "عن أبي هلال، عن زيد بن عمر بن رافع". وهو تخليط من الناسخ.
والحديث مضى معناه مرارا، وخرجناه مفصلا.

(5/211)


5466- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب بن الليث، عن الليث قال، أخبرني خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، عن زيد: أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة مثل ذلك.
5467- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني خالد، عن سعيد، عن زيد بن أسلم: أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة مثل ذلك. (1)
__________
(1) الحديثان: 5466، 5467- أولهما منقطع بين زيد بن أسلم وأبي يونس، ثم هو مرسل، لم تذكر فيه. والثاني منقطع، ولكن فيه"عن عائشة".
وهما حديث واحد، وحقيقته أنه متصل صحيح.
فرواه مالك في الموطأ، ص: 138-139، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس، قال: "أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا، ثم قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) . فلما بلغتها آذنتها، فأملت على: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين". قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ورواه أحمد في المسند 6: 73 (حلبي) ، عن إسحاق، وهو ابن عيسى الطباع، عن مالك، به.
ونقله ابن كثير 1: 580، عن رواية أحمد في هذا الموضع.
ورواه أحمد أيضًا 6: 178 (حلبي) ، عن عبد الرحمن، وهو ابن مهدي، عن مالك. وكذلك رواه مسلم 1: 174-175، وأبو داود: 410، والترمذي 4: 76، والنسائي 1: 82-83، والطحاوي في معاني الآثار 1: 102، وابن أبي داود في المصاحف، ص: 84، والبيهقي 1: 462 - كلهم من طريق مالك.
وذكره ابن حزم في المحلى 4: 254، من رواية مالك.
وذكره السيوطي 1: 302، وزاد نسبته لعبد بن حميد، وابن الأنباري في المصاحف.
ورواه ابن أبي داود أيضًا، ص: 83-84، بنحوه، عن محمد بن إسماعيل الأحمسي، عن جعفر ابن عون، عن هشام، وهو ابن سعد، عن زيد، عن أبي يونس - فذكره كرواية مالك، ولكن ليس قولها أنها سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا أيضًا إسناد صحيح، رواته ثقات.

(5/212)


5468- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قالا أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمير بن مريم، عن ابن عباس:" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر". (1)
- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء قال: كان عبيد بن عمير يقرأ:"وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين".
5470- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا أبو عامر، عن عبد الرحمن بن قيس، عن ابن أبي رافع، عن أبيه - وكان مولى حفصة - قال: استكتبتني حفصة مصحفا وقالت: إذا أتيت على هذه الآية فأعلمني حتى أملها عليك كما أقرئتها. فلما أتيت على هذه الآية:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، أتيتها فقالت: اكتب:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر"، فلقيت أبي بن كعب أو زيد بن ثابت فقلت: يا أبا المنذر،
__________
(1) الخبر: 5468- هبيرة، بضم الهاء وفتح الباء الموحدة، بن يريم، بفتح الياء التحتية في أوله وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة: مضت ترجمته: 3001. ووقع اسمه هنا في المخطوطة والمطبوعة"عمير بن مريم". وهو خطأ. ووقع في المحلى -في رواية هذا الخبر- مرتين"عمير بن يريم"، ولم نعرف صوابه حين كتبنا التعليق على المحلى، فذكرنا أقوالا فيما يحتمل من التصويب، كلها تكلف. ثم استبان الصواب من رواية البيهقي هذا الخبر، كما سيأتي.
والخبر رواه البيهقي 1: 463، من طريق إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي إسحاق -وهو السبيعي- عن هبيرة بن يريم، عن ابن عباس، ولم يذكر لفظه.
وذكره ابن حزم في المحلى 4: 254، تعليقا - عن يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة، عن أبي إسحاق، به، بلفظ: "وصلاة العصر".
ثم ذكره 4: 255، تعليقا أيضًا - عن وكيع، عن شعبة، به بلفظ: "صلاة العصر"، وقال: "هكذا بلا واو".
ورواه ابن أبي داود في المصاحف، ص: 77، عن محمد بن بشار، عن محمد [وهو ابن جعفر] ، عن شعبة، به، بلفظ: "وصلاة العصر". ووقع في الإسناد أيضًا "عمير بن يريم". وصوابه: "هبيرة"، كما قلنا آنفًا.
وذكره السيوطي 1: 303، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد. ووقع أيضًا: "عمير بن مريم".

(5/213)


إن حفصه قالت كذا وكذا. قال: هو كما قالت! أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في نواضحنا وغنمنا؟ (1)
* * *
وقال آخرون: بل الصلاة الوسطى صلاة المغرب.
* ذكر من قال ذلك:
5471- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد السلام، عن إسحاق بن أبي فروة، عن رجل عن قبيصة بن ذؤيب قال: الصلاة الوسطى صلاة المغرب، ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها، ولا تقصر في السفر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها؟ (2)
* * *
قال أبو جعفر: ووجه قبيصة بن ذؤيب قوله:"الوسطى" إلى معنى: التوسط الذي يكون صفة للشيء، يكون عدلا بين الأمرين، كالرجل المعتدل القامة، الذي لا يكون مفرطا طوله ولا قصيرة قامته، ولذلك قال:"ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها".
* * *
وقال آخرون: بل الصلاة الوسطى التي عناها الله بقوله:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، هي صلاة الغداة.
* ذكر من قال ذلك:
5472- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عفان قال، حدثنا همام قال، حدثنا
__________
(1) الحديث: 5470- مضى بهذا الإسناد: 5458، وفصلنا القول فيه هناك. وثبت هنا في المطبوعة، كما ثبت هناك"أمليها" -بدل"أملها". وانظر أيضًا: 5464، 5465.
(2) الحديث: 5471- هذا إسناد منهار، لا شيء!
عبد السلام: هو ابن حرب، وهو ثقة. مضى في: 1184.
إسحاق بن أبي فروة: هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة المدني، وهو ضعيف جدا. قال ابن معين: "كذاب". وقال أبو حاتم: "متروك الحديث". وقال البخاري: "تركوه". وقال أيضًا: "نهى أحمد بن حنبل عن حديثه".
ثم رواه إسحاق -على ضعفه- عن رجل مبهم فزاده ضعفا، مما جعله"عن قبيصة بن ذؤيب"، مرسلا، فضاعف ضعفه.
وقبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي: تابعي كبير ثقة، من علماء هذه الأمة وفقهائها، ولكن أنى يصل هذا الإسناد إليه؟!
وهذا الحديث نقله السيوطي 1: 305، ولم ينسبه لغير الطبري.
ونقل ابن كثير 1: 582، والحافظ في الفتح 8: 147 - القول بأنها المغرب، عن قبيصة بن ذؤيب، نقلا عن رواية الطبري وحده! وما كان لهما أن ينسباه إليه مع انهيار إسناده! فالقول لا ينسب لعالم إلا أن يثبت عنه. وهذا لم يثبت عن قبيصة.

(5/214)


قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: الصلاة الوسطى صلاة الفجر. (1)
5473- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن أبي رجاء قال: صليت مع ابن عباس الغداه في مسجد البصرة، فقنت بنا قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي قال الله:
__________
(1) الخبر: 5472- صالح أبو الخليل: هو صالح بن أبي مريم الضبعي، كنيته: أبو الخليل. مضى في: 1899، 3343. ووقع في المطبوعة: "صالح بن الخليل". وهو خطأ، والصواب من المخطوطة.
والخبر رواه الطحاوي 1: 101، عن ابن مرزوق، عن عفان، بهذا الإسناد.
ورواه البيهقي 1: 461، من طريق إبراهيم بن مروزق، عن عفان، بهذا الإسناد.
وذكره السيوطي 1: 301، ولم ينسبه لغير الطبري والبيهقي.
ورواه النسائي 1: 102 في حديث مطول، رواه عن أبي عاصم، عن حبان بن هلال، عن حبيب، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: "أدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عرس، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس، فصلى. وهي صلاة الوسطى".
فالحديث مرفوع، إلا بيان أنها صلاة الوسطى، فإنه موقوف على ابن عباس من كلامه، كما هو ظاهر.
وهذا إسناد صحيح. حبان بن هلال الباهلي: ثقة. قال أحمد: "إليه المنتهى في التثبت بالبصرة". و"حبان" في هذا: بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة.
حبيب: هو ابن أبي حبيب الأنماطي الجرمي - بفتح الجيم وسكون الراء. وهو ثقة/ لينه بعضهم دون حجة. وذكر البخاري في الكبير 1 /2 /313 في ترجمته، عن حبان، قال"حدثنا حبيب بن أبي حبيب الجرمي، ثقة". ولم يذكر فيه جرحا.
عمرو بن هرم الأزدي البصري: ثقة، وثقه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم وغيرهم.
جابر بن زيد: هو أبو الشعثاء الأزدي البصري، وهو تابعي ثقة عالم مشهور، مجمع عليه.

(5/215)


"وقوموا لله قانتين".
5474- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن عوف، عن أبي رجاء العطاردي قال: صليت خلف ابن عباس، فذكر نحوه.
5475- حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي قال، حدثنا شريك، عن عوف الأعرابي، عن أبي رجاء العطاردي قال: صليت خلف ابن عباس الفجر، فقنت فيها ورفع يديه ثم قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله أن نقوم فيها قانتين.
5476- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عوف، عن أبي رجاء قال: صلى بنا ابن عباس الفجر، فلما فرغ قال: إن الله قال في كتابه:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، فهذه الصلاة الوسطى.
5477- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مروان، يعني ابن معاوية -، عن عوف، عن أبي رجاء العطاردي، عن ابن عباس نحوه. (1)
5478- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عوف،
__________
(1) الأخبار: 5473-5477، كلها بمعنى، وكلها من رواية عوف، وهو ابن أبي جميلة الأعرابي، عن أبي رجاء، وهو العطاردي.
وعوف بن أبي جميلة: مضى في: 2905.
وأبو رجاء العطاردي: هو عمران بن ملحان، وهو تابعي قديم مخضرم، ثقة. أخرج له الجماعة. عمر عمرا طويلا، أزيد من 120سنة.
وعباد بن يعقوب الرواجني الأسدي -شيخ الطبري في الإسناد (5475) -: ثقة في الحديث، شيعي في الرأي. روى عنه البخاري، والترمذي، وابن خزيمة، وغيرهم.
والخبر رواه الطحاوي 1: 101، من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن عوف به.
ورواه البيهقي 1: 461، من طريق عمرو بن حبيب، عن عوف، به.
ونقله ابن كثير 1: 576، عن روايات الطبري هذه.
وذكره الحافظ في الفتح 8: 146، عن الطبري.
وذكره السيوطي 1: 301، وزاد نسبته لعبد الرزاق، وابن أبي شيبة في المصنف، وابن الأنباري في المصاحف، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
وهو في مصنف عبد الرزاق 1: 83، مختصرا، عن جعفر بن سليمان، وهو الضبعي، عن عوف. والخبر بالإسنادين الأولين: 5473، 5474 سيأتي بهما مجموعين في سياق واحد: 5533.

(5/216)


عن أبي المنهال، عن أبي العالية، عن ابن عباس: أنه صلى الغداة في مسجد البصرة، فقنت قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي ذكر الله:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين". (1)
5479- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا المهاجر، عن أبي العالية قال: سألت ابن عباس بالبصرة ها هنا، وإن فخذه لعلى فخذي، فقلت: يا أبا فلان، أرأيتك صلاة الوسطى التي ذكر الله في القرآن، ألا تحدثني أي صلاة هي؟ قال: وذلك حين انصرفوا من صلاة الغداة، فقال: أليس قد صليت المغرب والعشاء الآخرة؟ قال قلت: بلى! قال: ثم صليت هذه؟ قال: ثم تصلي الأولى والعصر؟ قال قلت: بلى! قال: فهي هذه. (2)
5480- حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة زمن عمر صلاة الغداة، قال: فقلت لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبي: ما الصلاة الوسطى؟ قال: هذا الصلاة. (3)
__________
(1) الخبر: 5478- هذا إسناد صحيح. عبد الوهاب: هو ابن عبد المجيد الثقفي.
أبو المنهال: هو سيار بن سلامة الرياحي البصري. وهو ثقة معروف، أخرج له الجماعة.
أبو العالية: هو رفيع بن مهران الرياحي البصري. مضى في: 184، 1783.
والخبر نقله ابن كثير 1: 576، عن هذا الموضع.
وكذلك نقله السيوطي 1: 301.
وأشار الحافظ في الفتح 8: 146، إلى هذا الخبر مع الأخبار الثلاثة بعده - إشارة واحدة.
(2) الخبر: 5479- وهذا إسناد صحيح.
المهاجر: هو ابن مخلد، أبو مخلد، مولى البكرات. وهو ثقة، لينه بعضهم. وترجمه البخاري في الكبير 4 /1 /381، فلم يذكر فيه جرحا.
وهذا الخبر لم يذكره ابن كثير ولا السيوطي، إنما أشار إليه الحافظ في الفتح مع الذي قبله واللذين بعده، كما قلنا آنفًا.
(3) الخبر: 5480- الربيع بن أنس البكري الخراساني: تابعي ثقة. ترجمه البخاري في الكبير 2 /1 /248، وابن سعد 7 /2 /102-103، وابن أبي حاتم 1 /2 / 454.
عبد الله بن قيس، الذي صلى خلفه أبو العالية: هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه. كما بين ذلك في رواية الطحاوي هذا الخبر.
وهذا الخبر رواه أبو العالية عن رجل من الصحابة لم يذكر اسمه. وجهالة الصحابي لا تضر، كما هو معروف عند أهل العلم بالحديث.
ورواه الطحاوي 1: 101، من طريق أبي داود، عن عبد الله بن المبارك، بهذا الإسناد.
ونقله ابن كثير 1: 576، عن هذا الموضع من الطبري.
وكذلك ذكره السيوطي 1: 301، وزاد نسبته لعبد بن حميد، وابن الأنباري.
وإسناده صحيح، وسيأتي بنحوه: 5482 بإسناد ضعيف.

(5/217)


5481- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا عوف، عن خلاس بن عمرو، عن ابن عباس: أنه صلى الفجر فقنت قبل الركوع، ورفع إصبعيه وقال: هذه الصلاة الوسطى. (1)
5482- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: أنه صلى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فلما أن فرغوا قال، قلت لهم: أيتهن الصلاة الوسطى؟ قالوا: التي صليتها قبل. (2)
5483- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن عثمة قال، حدثنا سعيد بن
__________
(1) الخبر: 5481- خلاس بن عمرو: مضى في: 5314. وهذا إسناد صحيح.
والخبر ذكره ابن كثير 1: 576، موجزا منسوبا لابن جرير. ولم يذكره السيوطي.
(2) الخبر: 5482- هو في معنى الخبر: 5480، ولكن هذا ضعيف الإسناد لإبهام الشيخ الذي روى عنه الطبري.
وذكره ابن كثير 1: 576، فقال: "وروى من طريق أخرى عن البيع. . . ". يعني هذه الرواية.
ومع هذا فإن مخرج الخبر معروف بإسناد صحيح، غير هذا الذي جهله الطبري.
فرواه عبد الرزاق في المصنف 1: 183، "عبد أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: صلينا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فلما فرغنا قلت: أي صلاة صلاة الوسطى؟ قال: التي صليت الآن".
فلا يضر بعد جهالة شيخ الطبري، لأن عبد الرزاق عن أبي جعفر الرازي -والد ابن أبي جعفر- مباشرة.
وأبو جعفر: مضت ترجمته في: 164.
ولذلك ذكر السيوطي 1: 301 هذا الخبر، نسبه لعبد الرزاق، وابن جرير.

(5/218)


بشير، عن قتادة، عن جابر بن عبد الله قال: الصلاة الوسطى صلاة الصبح. (1)
5484- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: كان عطاء يرى أن الصلاة الوسطى صلاة الغداة.
5485- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة في قوله:" والصلاة الوسطى"، قال: صلاة الغداة.
5486- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، قال: الصبح.
5487- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
5488- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: الصلاة الوسطى صلاة الغداة.
5489- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، قال: الصلاة الوسطى صلاة الغداة.
* * *
وعلة من قال هذه المقالة: أن الله تعالى ذكره قال:"حافظوا على الصلوات
__________
(1) الخبر: 5483- إسناده صحيح.
ابن عثمة: هو محمد بن خالد، و"عثمة" أمه. مضى في: 90، 5314.
والخبر نقله ابن كثير 1: 576، عن هذا الموضع.
وذكره السيوطي 1: 301، ولم ينسبه لغير الطبري.

(5/219)


والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين"، بمعنى: وقوموا لله فيها قانتين. قال: فلا صلاة مكتوبة من الصلوات الخمس فيها قنوت سوى صلاة الصبح، فعلم بذلك أنها هي دون غيرها.
* * *
وقال آخرون: هي إحدى الصلوات الخمس، ولا نعرفها بعينها.
* ذكر من قال ذلك:
5490- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني هشام بن سعد قال: كنا عند نافع، ومعنا رجاء بن حيوة، فقال لنا رجاء: سلوا نافعا عن الصلاة الوسطى. فسألناه، فقال: قد سأل عنها عبد الله بن عمر رجل فقال: هي فيهن، فحافظوا عليهن كلهن. (1)
5491- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد، عن قيس بن الربيع، عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة قال: سألت الربيع بن خثيم عن الصلاة الوسطى، قال: أرأيت إن علمتها كنت محافظا عليها ومضيعا سائرهن؟ قلت: لا! فقالا فإنك إن حافظت عليهن فقد حافظت عليها. (2)
__________
(1) الخبر: 5490- وهذا إسناد صحيح. هشام بن سعد المدني: ثقة. تكلم فيه بعضهم من جهة حفظه. وترجمه البخاري في الكبير 4 /2 /200، فلم يذكر فيه جرحا. وقال: "سمع نافعا".
والخبر ذكره السيوطي 1: 300، ونسبه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
وذكره الحافظ في الفتح 8: 147، وأنه أخرجه ابن أبي حاتم"بإسناد حسن، عن نافع". وأنه"آخر ما صححه ابن أبي حاتم".
وأشار ابن كثير 1: 582، إلى روايته عند ابن أبي حاتم فقط. ثم قال: "وفي صحته نظر. والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري، إمام ما وراء البحر [يعني الأندلس] . وإنها لإحدى الكبر؛ إذا اختار مع اطلاعه وحفظه، ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر"!!
هكذا قال ابن كثير. والظاهر من سياق هذا الخبر: أن ابن عمر يريد الحض على المحافظة على الصلوات كلها، لا أنه يريد أنها غير معينة. وقد صح عنه تعيينها في قولين: العصر، والظهر. انظر ما مضى: 5389، 5391، 5451، 5455.
ولا معنى للإنكار على ابن عبد البر، فإنه لم ينفرد بذلك. وقد اختاره أيضًا إمام الحرمين من الشافعية، كما ذكر الحافظ في الفتح 8: 147.
(2) الخبر: 5491- نسير بن ذعلوق أبو طعمة: تابعي ثقة. وثقه ابن معين وغيره.
"نسير": بضم النون وفتح السين المهملة، و"ذعلوق": بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام، "أبو طعمة": بضم الطاء وسكون العين المهملتين، وهي كنية"نسير".
ووقع اسم في المخطوطة"سير" بدون النون. وهو خطأ. ووقع فيها وفي المطبوعة: "بن ذعلوق، عن أبي فطيمة"! وهو خطأ سخيف. فليس في الرواة من يسمى بهذا. بل هو: "عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة" ذكر باسمه ونسبه وكنيته. فأخطأ الناسخون، فحرفوا"طعمة" إلى"فطيمة"؛ ثم زادوا الخطأ تخليطا، فزادوا بين الرجل وكنيته حرف"عن".
ونسير معروف بالرواية عن الربيع بن خثيم، وهو الذي سأله.
الربيع بن خثيم: مضى في: 1430. ووقع في المطبوعة هنا"خيثم"، كما وقع فيها هناك. وهو خطأ صوابه"خثيم": بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء التحتية. وثبت على الصواب في المخطوطة.
وهذا القول عن الربيع بن خثيم، نقله عنه أيضًا الحافظ في الفتح 8: 147، وذكر أنه قال به أيضًا: سعيد بن جبير وشريح القاضي.

(5/220)


5492- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هكذا= يعني مختلفين في الصلاة الوسطى= وشبك بين أصابعه. (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها قبل في تأويله: وهو أنها العصر.
والذي حث الله تعالى ذكره عليه من ذلك، نظير الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث عليه. كما: -
5493- حدثني به أحمد بن محمد بن حبيب الطوسي قال، حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن خير بن نعيم الحضرمي، عن عبد الله بن هبيرة النسائي= قال:
__________
(1) الخبر: 5492- إسناده صحيح جدا.
والخبر نقله ابن كثير 1: 583، عن هذا الموضع.
وكذلك نقله الحافظ في الفتح 8: 147، عن ابن جرير، وقال: "بإسناد صحيح".
ونقله السيوطي 1: 300، ولم ينسبه لغير الطبري.

(5/221)


وكان ثقة=، عن أبي تميم الجيشاني، عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، فلما انصرف قال: إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فتوانوا فيها وتركوها، فمن صلاها منكم أضعف أجره ضعفين، ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد= والشاهد: النجم. (1)
5494- حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني خير بن نعيم، عن ابن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني: أن أبا بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بالمخمص فقال: إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فضيعوها وتركوها، فمن حافظ عليها منكم أوتي أجرها مرتين. (2)
* * *
وقال صلى الله عليه وسلم:"بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإنه من فاتته العصر حبط عمله".
__________
(1) الحديث: 5493- أحمد بن محمد بن حبيب الطوسي، شيخ الطبري: لم أجد له ترجمة، ولكن رواية الطبري عنه ثابتة في تاريخه مرارا.
يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
يزيد بن أبي حبيب المصري: مضت ترجمته في: 4348.
خير بن نعيم بن مرة الحضرمي المصري، قاضي مصر: ثقة. قال يزيد بن أبي حبيب: "ما أدركت من قضاة مصر، ص: 348-352.
"خير": بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء التحتية، وكتب في المخطوطة -في هذه الرواية والتي بعدها- غير منقوط. وكتب في المطبوعة -في الموضعين-"جبر"، وهو تصحيف.
عبد الله بن هبيرة السبائي: مضت ترجمته في: 1914. و"السبائي"! بفتح السين المهملة والباء الموحدة ثم همزة مقصورة، نسبة إلى"سبأ بن يشجب". ووقع في المطبوعة"النسائي"! وهو تصحيف جاهل.
أبو تميم الجيشاني: هو عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم الجيشاني الرعييني المصري، وأصله من اليمن. وهو من كبار التابعين، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة معروف. وترجم له الحافظ في الإصابة، في الكنى 7: 25، وأحال على موضعه في الأسماء ولكنه لم يذكره حيث أشار!
"الجيشاني": بفتح الجيم وسكون الياء التحتية ثم شين معجمة، نسبة إلى"جيشان": قبيل كبير من اليمن.
أبو بصرة الغفاري: صحابي معروف، روى عنه بعض الصحابة وبعض التابعين. واختلف في اسمه: والراجح الذي جزم به البخاري في الكبير 2 /1 /114 أنه"حميل -بضم الحاء المهملة- بن بصرة". وكذلك هو في التهذيب، وذكره ابن أبي حاتم 1 /1 /517 في حرف الجيم، في اسم"جميل". وترجمه الحافظ في الإصابة، في الكنى 7: 20.
و"بصرة": بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة. ووقع في المخطوطة -في هذا الحديث والذي بعده-"نصرة". في المطبوعة في الموضعين"نضرة". وكلاما خطأ وتصحيف، وهذا التصحيف في كنيته قديم. وقع فيه الدبري راوي المصنف عن عبد الرزاق، (المصنف 1: 183) . وقال أبو سعيد راويه عن الدبري راوي المصنف عن عبد الرزاق، (المصنف 1: 183) . وقال أبو سعيد راويه عن الدبري: "هكذا قال الدبري: أبو نصرة، بالصاد والنون في أصله وكذا قال الدبري. والصواب: "أبو بصرة".
والحديث رواه أحمد في المسند 6 396-397، عن يعقوب، وهو ابن إبراهيم بن سعد، بهذا الإسناد.
ورواه مسلم 1: 228، عن زهير بن حرب، عن يعقوب، بهذا الإسناد. ولم يذكر لفظه، إحالة على الرواية التي قبله، وهي التالية لهذا هنا.
ورواه أحمد أيضًا 6: 397، عن يحيى بن إسحاق، عن ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، بهذا الإسناد، نحوه.
وسيأتي عقب هذا بإسناد آخر.
وقوله هنا وفي الرواية الآتية: "فرضت على من كان قبلكم" - في رواية المسند عن يعقوب: "عرضت"، بدل"فرضت". وكذلك في روايته عن يحيى بن إسحاق. وكذلك في سائر الروايات التي سنذكر في الحديث التالي، وأنا أرجح أن ما هنا تحريف من الناسخين.
(2) الحديث: 5494- علي بن داود بن يزيد التميمي القنطري، شيخ الطبري: ثقة، وثقه الخطيب وغيره. مترجم في التهذيب، وتاريخ بغداد 11: 424 - 425.
عبد الله بن صالح: هو أبو صالح، كاتب الليث بن سعد. مضت ترجمته في: 186.
والحديث رواه أحمد 6: 397 (حلبي) ، عن يحيى بن إسحاق، عن ليث بن سعد، بهذا الإسناد. ولم يذكر لفظه، إحالة على رواية ابن لهيعة قبله.
ورواه مسلم 1: 228، عن قتيبة بن سعيد، عن الليث، به - وساق لفظه.
ورواه البيهقي 1: 448، من طريق يحيى بن بكير، عن الليث، به.
ورواه النسائي 1: 90، عن قتيبة، كرواية مسلم عن قتيبة نفسه. ولكن وقع في طبعتي النسائي بمصر خطأ في الإسناد، ففيهما: "الليث عن خالد بن نعيم الحضرمي، عن ابن جبيرة"! والظاهر أنه خطأ قديم من بعض الناسخين، إذ ثبت الخطأ نفسه في مخطوطة الشيخ عابد السندي، ولكن ثبت الإسناد على الصواب في نسخة النسائي المطبوعة في الهند سنة 1296، ص: 92. ولم يقع هذا الخطأ للحفاظ الذين ترجموا لرواة الكتب الستة، إذن لأشاروا إليه. ولم يفعلوا.
ونقله ابن كثير 1: 580، من رواية المسند من طريق ابن لهيعة. ثم أشار إلى روايتي مسلم والنسائي ووقع فيه هناك تحيف مطبعي كثير.
وذكره السيوطي 1: 299، ونسبه لمسلم، والنسائي، والبيهقي.
"المخمص": بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الميم الثانية مفتوحة وآخره صاد مهملة. وهو طريق في جبل عير إلى مكة، كما قال ياقوت. واختلف في ضبطه: فضبط بالقلم في ياقوت بفتحة فوق الميم وسكون على الخاء وكسرة تحت الميم الثانية، ولم ينص ياقوت بالكتابة على ضبطه. وقال الفيروزبادي"والمخمص، كمنزل: اسم طريق". ونقل شارحه الزبيدي أن الصاغاني ضبطه"كمقعد". وبهذا ضبطه البكري في معجم ما استعجم، ص: 1197، وقال: "موضع في ديار بني كنانة". فالظاهر من هذا أنه غير الذي في هذا الحديث.
والعبرة هنا بالرواية المتلقاة عن الثقات الأثبات حفاظ السنة. فالذي ضبطناه به هو الثابت في نسخ مسلم المعتمدة الموثقه، مثل مخطوطة الشطي التي عندي، ومثل طبعة الآستانة 2: 208. ويؤيد هذا ويوكده ضبطه فيه ضبط رواية ولغة، لا ضبط لغة فقط. وهو الذروة العليا في الإتقان.
ووقع في مطبوعة الطبري هنا بدله"بالمغمس"، بالغين المعجمة والسين. وهو اسم موضع آخر، ولكنه غير الذي في هذه الرواية. فالظاهر أنه تصحيف أو تحريف من الناسخين.

(5/222)


5495- حدثنا بذلك أبو كريب قال، حدثنا وكيع، وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أيوب بن سويد، [عن الأوزاعي، عن يحيى بن كثير] عن أبي قلابة، عن أبي المهاجر، عن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. (1)
__________
(1) الحديث: 5495- وقع هذا الإسناد ناقصا راويين في المخطوطة والمطبوعة. وقد اضطررت لزيادتهما بين قوسين: [عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير] ، حتى يستقيم الإسناد.
فأما أولا: فإن وكيعا وأيوب بن سويد لم يدركا أن يرويا عن أبي قلابة، وكلاهما يروي عن الأوزاعي.
وأما ثانيا: فإن هذا الحديث حديث الأوزاعي، عرف به، وعرف أنه خالف غيره في إسناده ومتنه. ونص على ذلك الأئمة.
وأما ثالثا: فإن تخريجه إنما هو على هذا النحو، كما سيأتي في التخريج، إن شاء الله.
وقد رواه أبو جعفر هنا من طريقين: رواه عن أبي كريب عن وكيع، ورواه عن محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم عن أيوب بن سويد - ثم يجتمع الإسنادان. فيرويه وكيع وأيوب بن سويد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة.
وأيوب بن سويد الرملي، أبو مسعود السيباني: ضعفه أحمد، وابن معين، وغيرهما. وقال البخاري في الكبير 1 /1 / 417: "يتكلمون فيه". وقد قلت في شرح الحديث 7000 من المسند، ج11 ص204: "عندي أن أعدل ما قيل فيه، ما نقل الحافظ في التهذيب عن ابن حبان في الثقات، قال: كان رديء الحفظ، يخطئ، يتقي حديثه من رواية ابنه محمد بن أيوب عنه، لأن أخباره إذا سبرت من غير رواية ابنه عنه، وجد أكرها مستقيمة".
ثم هو لم ينفرد هنا برواية هذا الحديث، بل رواه معه وكيع. ووكيع هو وكيع.
و"السيباني"، بفتح السين المهملة: نسبة إلى"سيبان"، بطن من حمير.
وأبو المهاجر: تابعي، كما هو ظاهر من الإسناد. ولم يقولوا فيه شيئا، إلا أن الأوزاعي ذكره هكذا في الإسناد، وأن المحفوظ: "عن أبي قلابة، عن أبي المليح، عن بريدة". كما سيأتي.
والحديث -من هذا الوجه- رواه أحمد في المسند 5: 361 (حلبي) ، عن وكيع: "حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي المهاجر، عن بريدة، قال: كما معه في غزاة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بكروا بالصلاة في اليوم الغنيم، فإنه من فاته صلاة العصر فقد حبط عمله".
وكذلك رواه ابن ماجه: 694، من طريق الوليد بن مسلم: "حدنا الأوزاعي، حدثني يحيى ابن أبي كير، عن أبي قلابة. . . " فذكره بنحوه.
وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبري 1: 444، من طريق عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن الأوزاعي، بهذا الإسناد، نحوه.
وأما الرواية التي خالفها الأوزاعي:
فهي ما روى البخاري 2: 26 (فتح) ، عن مسلم بن إبراهيم، عن هشام -وهو الدستوائي-: "أخبرنا يحيى بن أبي كير، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، قال: كنا مع بريدة في غزوة، في يوم ذي غنيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله".
ثم رواه البخاري مرة أخرى 2: 53 (فتح) ، عن معاذ بن فضالة، عن هشام، عن يحيى، بهذا الإسناد نحوه. وقد جعل البخاري عنوان الباب لهذا الحديث: "باب التبكير بالصلاة في يوم غيم". وهذا يدل على أنه لا يرى ضعف رواية الأوزاعي، وإن لم تكن على شرطه، وهذه عادته. ولذلك قال الحافظ: "من عادة البخاري أن يترجم ببعض ما اشتمل عليه ألفاظ الحديث، ولو لم يوردها، بل ولو لم يكن على شرطه.
وقال الحافظ في الموضع الأول: "وتابع هشاما على هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كير-: شيبان، ومعمر، وحديثهما عند أحمد. وخالفهم الأوزاعي، فرواه عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي المهاجر، عن بريدة. والأول هو المحفوظ. وخالفهم أيضًا في سياق المتن".
يعني لأن الأوزاعي جعل الأمر بالتبكير في صلاة الغيم، من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. والآخرون جعلوه من كلام بريدة. وأن المرفوع هو: "من فاتته العصر فقد حبط عمله".
وأنا أميل إلى صحة الروايتين، إذ هما من مخرجين: فأحد الروايين سمع الصحابي يقوله من عند نفسه، والآخر يقوله مرفوعا. ومثل هذا كثير.
وقد وهم الحافظ ابن كثير وهما شديدا، حين ذكر رواية الأوزاعي 1: 580، وقال إنها"في الصحيح"! فإن رواية الأوزاعي لم يروها من أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. والرواية الأخرى -رواية هشام الدستوائي- لم يروها منهم إلا البخاري والنسائي. ووقع في نسخة ابن كثير خطأ في الإسناد. نرجح أنه من الناسخين.
ورواية هشام الدستوائي، رواها أيضًا أحمد في المسند 5: 349-350، 357، 360 (حلبي) ورواه النسائي 1: 83، والبيهقي 1: 444.
ورواية شيبان، ومعمر، عن يحيى بن أبي كثير، اللتين أشار الحافظ إلى أنهما عند أحمد - ما في المسند 5: 350، 360 (حلبي) .
وذكر السيوطي 1: 299 آخره المرفوع في الروايتين، وزاد نسبته لابن أبي شيبة.

(5/224)


* * *

(5/225)


وقال صلى الله عليه وسلم:"من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله". (1)
* * *
5497- وقال صلى الله عليه وسلم:"من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يلج النار" (2) .
* * *
فحث صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها حثا لم يحث مثله على غيرها من الصلوات، وإن كانت المحافظة على جميعها واجبة، فكان بينا بذلك أن التي خص الله بالحث على المحافظة عليها، (3) بعد ما عم الأمر بها جميع المكتوبات، هي التي اتبعه فيها نبيه صلى الله عليه وسلم، فخصها من الحض عليها بما لم يخصص به غيرها من الصلوات، وحذر أمته من تضييعها ما حل بمن قبلهم من الأمم التي وصف أمرها، ووعدهم من الأجر على المحافظة عليها ضعفي ما وعد على غيرها من سائر الصلوات.
وأحسب أن ذلك كان كذلك، لأن الله تعالى ذكره جعل الليل سكنا، والناس من شغلهم بطلب المعاش والتصرف في أسباب المكاسب= هادئون، إلا القليل منهم، وللمحافظة على فرائض الله وإقام الصلوات المكتوبات فارغون. (4) وكذلك
__________
(1) الحديث: 5496- ووقع في المطبوعة هنا: "قال" بدون واو العطف، ودون ذكر الصلاة على رسول الله صلى عليه وسلم. فأوهم هذا الصنيع أن هذا الحديث متن للإسناد السابق. وهو غير مستقيم. والصواب ما أثبتنا عن المخطوطة: أن هذا حديث آخر مستأنف، ذكره الطبري دون إسناد.
وقد مضى من حديث عبد الله بن عمر، بإسناده: 5389.
(2) الحديث: 5497- هذا حديث معلق أيضًا، ذكره الطبري دون إسناد.
وهو حديث صحيح، رواه مسلم 1: 175-176، عن عمارة بن رويبة، قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. يعني الفجر والعصر".
ورواه أيضًا أبو داود والنسائي، كما في ذخائر المواريث، رقم: 5537.
ولعل الطبري رواه بالمعنى.
(3) في المطبوعة: "حض الله"، وفي المخطوطة غي منقوطة، وصواب قراءتها هو ما أثبت، والسياق قاطع بوجوب قراءتها كذلك.
(4) في المطبوعة: "فازعون"، وفي المخطوطة غير منقوطة، والصواب ما أثبت.

(5/226)


ذلك في صلاة الصبح، لأن ذلك وقت قليل من يتصرف فيه للمكاسب والمطالب، ولا مؤونة عليهم في المحافظة عليها. وأما صلاة الظهر، فان وقتها وقت قائلة الناس واستراحتهم من مطالبهم، في أوقات شدة الحر وامتداد ساعات النهار، ووقت توديع النفوس والتفرغ لراحة الأبدان في أوان البرد وأيام الشتاء= وأن المعروف من الأوقات لتصرف الناس في مطالبهم ومكاسبهم، والاشتغال بسعيهم لما لا بد منه لهم من طلب أقواتهم- وقتان من النهار.
أحدهما أول النهار بعد طلوع الشمس إلى وقت الهاجرة. وقد خفف الله تعالى ذكره فيه عن عباده عبء تكليفهم في ذلك الوقت، وثقل ما يشغلهم عن سعيهم في مطالبهم ومكاسبهم، وإن كان قد حثهم في كتابه وعلى لسان رسوله في ذلك الوقت على صلاة، ووعدهم عليها الجزيل من ثوابه، من غير أن يفرضها عليهم، وهي صلاة الضحى.
والآخر منهما آخر النهار، وذلك من بعد إبراد الناس إمكان التصرف وطلب المعاش صيفا وشتاء، إلى وقت مغيب الشمس. وفرض عليهم فيه صلاة العصر، ثم حث على المحافظة عليها لئلا يضيعوها= لما علم من إيثار عباده أسباب عاجل دنياهم وطلب معايشهم فيها، على أسباب آجل آخرتهم= بما حثهم به عليه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ووعدهم من جزيل ثوابه على المحافظة عليها ما قد ذكرت بعضه في كتابنا هذا، وسنذكر باقيه في كتابنا الأكبر إن شاء الله من (كتاب أحكام الشرائع) .
* * *
قال أبو جعفر: وإنما قيل لها"الوسطى" لتوسطها الصلوات المكتوبات الخمس، وذلك أن قبلها صلاتين، وبعدها صلاتين، وهي بين ذلك وسطاهن.
* * *
"والوسطى""الفعلى" من قول القائل:"وسطت القوم أسطهم سطة ووسوطا"، إذا دخلت وسطهم. ويقال للذكر فيه:"هو أوسطنا" وللأنثى:"هي وسطانا". (1)
* * *
__________
(1) انظر معنى"الوسط" فيما سلفه 3: 141، 172.

(5/227)


القول في تأويل قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى قوله"قانتين".
فقال بعضهم: معنى"القنوت"، الطاعة. ومعنى ذلك: وقوموا لله في صلاتكم مطيعين له فيما أمركم به فيها ونهاكم عنه.
* ذكر من قال ذلك:
5498- حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن عون، عن الشعبي في قوله:"وقوموا لله قانتين"، قال: مطيعين.
5499- حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا ابن إدريس، عن ابن عون، عن الشعبي مثله.
5500- حدثني ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا أبو المنيب، عن جابر بن زيد:"وقوموا لله قانتين"، يقول: مطيعين. (1) .
5501- حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن عثمان بن الأسود، عن عطاء:"وقوموا لله قانتين"، قال: مطيعين.
5502- حدثنا أحمد بن عبدة الحمصي قال، حدثنا أبو عوانة، عن ابن يشر، عن سعيد بن جبير في قوله:"وقوموا لله قانتين"، قال: مطيعين. (2)
5503- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان،
__________
(1) الأثر: 5500-"أبو المنيب"، هو: عبيد الله بن عبد الله العتكي، مضى في رقم: 1634.
(2) الأثر: 5502- هكذا في المطبوعة والمخطوطة"أحمد بن عبدة الحمصي"، ولم أجده منسوبا حمصيا، وقد مضى في الإسناد رقم: 59"الضبي" وروي عنه في التاريخ أيضًا، و"أحمد بن عبدة الضبي"، هو أبو عبد الله البصري، مات سنة 245، مترجم في التهذيب.

(5/228)


عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير أنه سئل عن"القنوت"، فقال: القنوت الطاعة. (1)
5504- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قال: القنوت، الذي ذكره الله في القرآن، إنما يعني به الطاعة.
5505- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك:"وقوموا لله قانتين"، قال: إن أهل كل دين يقومون لله عاصين، فقوموا أنتم لله طائعين.
5506- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"وقوموا لله قانتين"، قال: قوموا لله مطيعين في كل شيء، وأطيعوه في صلاتكم.
5507- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول:"وقوموا لله قانتين"، القنوت الطاعة، يقول: لكل أهل دين صلاة، يقومون في صلاتهم لله عاصين، فقوموا لله مطيعين.
5508- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"قانتين"، يقول: مطيعين.
5509- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وقوموا لله قانتين"، قال: مطيعين.
5510- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثني شريك، عن
__________
(1) الأثر: 5503-"الربيع بن أبي راشد"، هو أخو: "جامع بن أبي راشد الكوفي"، سمع سعيد بن جبير، وروى عنه مالك بن مغول، وسيفان الثوري، وشريك، مترجم في الكبير للبخاري 2 /1 /250، والجرح 1 / 2 / 461.

(5/229)


سالم، عن سعيد:"وقوموا لله قانتين"، يقول: مطيعين.
5511- حدثني عمران بن بكار الكلاعي قال، حدثنا خطاب بن عثمان قال، حدثنا أبو روح عبد الرحمن بن سنان السكوني= حمصي لقيته بأرمينية= قال، سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول في قوله:" وقوموا لله قانتين"، قال: طائعين.
5512- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"وقوموا لله قانتين"، قال: مطيعين.
5513- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
5514- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وقوموا لله قانتين"، يقول: مطيعين.
5515- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية قال: كانوا يأمرون في الصلاة بحوائجهم، حتى أنزلت:"وقوموا لله قانتين"، فتركوا الكلام. قال:"قانتين"، مطيعين.
5516- حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا فضيل، عن عطية في قوله:"وقوموا لله قانتين"، قال: كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم حتى نزلت:"وقوموا لله قانتين"، فتركوا الكلام في الصلاة.
5517- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس في قوله:"وقوموا لله قانتين"، قال: كان أهل دين يقومون فيها عاصين، فقوموا أنتم لله مطيعين.
5518- حدثنا الربيع بن سليمان قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا ابن لهيعة قال، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى

(5/230)


الله عليه وسلم أنه قال: كل حرف في القرآن فيه"القنوت"، فإنما هو الطاعة". (1)
5519- حدثنا العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: القنوت طاعة الله، يقول الله تعالى ذكره:"وقوموا لله قانتين"، مطيعين.
5520- حدثنا سعيد بن الربيع قال، حدثنا سفيان قال، قال ابن طاوس: كان أبي يقول: القنوت طاعة الله.
* * *
وقال آخرون:"القنوت" في هذه الآية، السكوت. وقالوا: تأويل الآية: وقوموا لله ساكتين عما نهاكم الله أن تتكلموا به في صلاتكم.
* ذكر من قال ذلك:
5521- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وقوموا لله قانتين"، القنوت، في هذه الآية، السكوت.
5522- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدى في خبر ذكره، عن مرة، عن ابن مسعود قال: كنا نقوم في الصلاة فنتكلم، ويسأل الرجل صاحبه عن حاجته، ويخبره، ويردون عليه إذا سلم، حتى أتيت أنا فسلمت فلم يردوا علي السلام، فاشتد ذلك علي، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن
__________
(1) الحديث 5518- دراج أبو السمح، وأبو الهيثم سليمان بن عمرو: ترجمنا لما فيما مضى: 1387.
والحديث رواه أحمد في المسند: 11734 (3: 75 حلبي) ، عن حسن، وهو ابن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة، بهذا الإسناد.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6: 320، وقال: "رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في الأوسط. وفي إسناد أحمد، وأبي يعلى،: ابن لهيعة، وهو ضعيف". وابن لهيعة: ليس بضعيف، كما قلنا مضى: 2941. وانظر الأثر الآتي رقم: 7050، حيث رواه بإسناد آخر إلى ابن لهيعة.

(5/231)


نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة= والقنوت: السكوت. (1)
5523- حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: كنا نتكلم في الصلاة، فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي، فلما انصرف قال: قد أحدث الله أن لا تكلموا في الصلاة، ونزلت هذه الآية:"وقوموا لله قانتين". (2)
5524- حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري قال، أخبرنا محمد بن يزيد، وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، وابن نمير، ووكيع، ويعلى بن عبيد= جميعا، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الحارث بن شبل، عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكلم أحدنا صاحبه في الحاجة، حتى نزلت هذه الآية:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين"، فأمرنا بالسكوت. (3)
__________
(1) الحديث: 5522- هذا الإسناد من تفسير السدي. وقد مضى شرحه مفصلا في الخبر: 168. وأما هذا الحديث بعينه، فقد ذكره السيوطي 1: 306، ولم ينسبه لغير الطبري. ولكن في لفظه: و" يسارر الرجل صاحبه" - بدل: "ويسأل الرجل صاحبه عن حاجته".
وانظر الحديث التالي لهذا، والحديث: 5526.
(2) الحديث: 5523- وهذا الإسناد ضعيف جدا، من أجل الحكم بن ظهير. وقد بينا ضعفه فيما مضى: 249.
والحديث -من هذا الوجه- ذكره السيوطي 1: 306، ولم ينسبه لغير الطبري. وانظر الحديث الذي قبله، والحديث الآتي: 5526.
(3) الحديث: 5524- عبد الحميد بن بيان السكري - شيخ الطبري: مضى في رقم 30، بوصف"القناد"، وهما واحد معنى.
الحارث بن شبيل بن عوف الكوفي: ثقة. قال ابن معين -فيما روى عنه ابن أبي حاتم 1 /2 /76-77: "لا يسأل عن مثله". يعني لجلالته.
و"شبيل": بالشين المعجمة مصغرا. وفي المطبوعة"شبل". والتصويب من المخطوطة، ولكن يقال فيه قول آخر أن اسم أبيه"شبل". وأشار الحافظ في التهذيب إلى أن هذا القول شبه خطأ من المزي صاحب تهذيب الكمال، وأنه تبع في ذلك الكلاباذي، لأن البخاري وابن أبي حاتم فرقا بين" الحارث بن شبيل" و"الحارث بن شبل". وأن الأول كوفي ثقة، والثاني بصري ضعيف. وحقا لقد فرقا بينهما في الكبير 1 /2 /268-269، وابن أبي حاتم 1 / 2 /76-77. ولكن البخاري مع فرقة بينهما، حكى في ترجمة"ابن شبيل" أنه يقال فيه أيضًا "ابن شبل". فلم يخطئ المزي ولا الكلاباذي فيما حكيا من القول الآخر.
أبو عمرو الشيباني: وسعد بن إياس الكوفي. وهو تابعي قديم مخضرم، أدرك الجاهلية كبيرا، وعاش 120 سنة، وهو مجمع على ثقته.
والحديث رواه أحمد في المسند 4: 368 (حلبي) عن يحيى بن سعيد القطان، عن إسماعيل بن أبي خالد، به.
وكذلك رواه البخاري في الصحيح 3: 59، و 8: 149، وفي التاريخ الكبير 1 /2 /269. ومسلم 1: 151 - كلاهما من طريق إسماعيل بن أبي خالد، به.
وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى 1: 248، من طريق إسماعيل.
ورواه أيضًا أبو جعفر النحاس، في كتاب الناسخ والمنسوخ، ص: 16، من طريق إسماعيل وقال: "وهذا إسناد صحيح".
ونقله ابن كثير 1: 583-306، من رواية المسند. ثم قال: "رواه الجماعة، سوى ابن ماجه، من طرق، عن إسماعيل، به".
وذكره السيوطي 1: 305 - 306، وزاد نسبته إلى وكيع، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والطبراني. ولكن وقع فيه اسم الصحابي: "زيد بن أسلم"! وهذا خطأ مطبعي يقينا، صوابه: "زيد بن أرقم".

(5/232)


5525- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله:" وقوموا لله قانتين"، قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، يجيء خادم الرجل إليه وهو في الصلاة فيكلمه بحاجته، فنهوا عن الكلام.
5526- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون بن المغيرة عن عنبسة، عن الزبير بن عدي، عن كلثوم بن المصطلق، عن عبد الله بن مسعود قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان عودني أن يرد علي السلام في الصلاة، فأتيته ذات يوم فسلمت فلم يرد علي، وقال: إن الله يحدث في أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث لكم في الصلاة أن لا يتكلم أحد إلا بذكر الله، وما ينبغي من تسبيح وتمجيد:"وقوموا لله قانتين". (1)
__________
(1) الحديث: 5526- هذا إسناد صحيح.
هارون بن المغيرة بن حكيم البجلي. وعنبسة، وهو ابن سعيد بن الضريس قاضي الري. والزبير بن عدي قاضي الري: مضوا في: 3356.
كلثوم بن المصطلق الخزاعي: تابعي ثقة. خلط بعضهم بينه وبين آخرين يختلفان عنه نسبا ورواية. والحق أنهم ثلاثة، كما صنع البخاري 4 /1 /226-227، بالأرقام: 976، 977، 978.
وابن أبي حاتم 3 /2 /163-164، بالأرقام: 922، 923، 625.
والحديث -من هذا الوجه، وبهذا اللفظ- ذكره السيوطي 1: 306، ولم ينسبه لغير الطبري. وقد قصر السيوطي في ذلك. فإن الحديث رواه النسائي 1: 181، من طريق سفيان، وهو الثوري، عن الزبير بن عدي، بهذا الإسناد، وبلفظ أطول قليلا.
وهو في معنى الحديثين الماضيين: 5522، 5523، إلا أن إسناد الأول محل نظر، وإسناد الثاني ضعيف جدا، وهذا إسناده صحيح.
وأصل المعنى ثابت عن ابن مسعود، في المسند، والصحيحين، وغيرهما، إلا أنه ليس فيه النص على آية (قوموا لله قانتين) .
فروى أحمد في المسند: 3563، من حديث علقمة، عن ابن مسعود، قال: "كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيرد علينا. فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا. فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ فقال: إن في الصلاة لشغلا".
وكذلك رواه البخاري 3: 58-59، ومسلم: 1: 151 - كلاهما من حديث علقمة عن ابن مسعود.
وانظر المسند: 3575، 3884، 3885، 3944، 4145.

(5/233)


5527- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وقوموا لله قانتين"، قال: إذا قمتم في الصلاة فاسكتوا، لا تكلموا أحدا حتى تفرغوا منها. قال: والقانت المصلي الذي لا يتكلم.
* * *
وقال آخرون:"القنوت" في هذه الآية، الركوع في الصلاة والخشوع فيها. وقالوا في تأويل الآية: وقوموا لله في صلاتكم خاشعين، خافضي الأجنحة، غير عابثين ولا لاعبين.
* ذكر من قال ذلك:
5528- حدثني سلم بن جنادة قال، حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد:"وقوموا لله قانتين"، قال: فمن القنوت طول الركوع، وغض البصر، وخفض الجناح، والخشوع من رهبة الله. كان العلماء إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يلتفت، أو أن يقلب الحصى، أو يعبث بشيء، أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسيا.

(5/234)


5529- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد نحوه= إلا أنه قال: فمن القنوت الركود والخشوع.
5530- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد:"وقوموا لله قانتين"، قال: من القنوت الخشوع، وخفض الجناح من رهبة الله. وكان الفقهاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدهم إلى الصلاة، لم يلتفت، ولم يقلب الحصى، ولم يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسيا حتى ينصرف.
5531- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد في قوله"وقوموا لله قانتين"، قال: إن من القنوت الركود، ثم ذكر نحوه.
5532- حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"وقوموا لله قانتين"، قال: القنوت الركود- يعني القيام في الصلاة والانتصاب له.
* * *
وقال آخرون: بل"القنوت"، في هذا الموضع، الدعاء. قالوا: تأويل الآية: وقوموا لله راغبين في صلاتكم. (1)
* ذكر من قال ذلك:
5533- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية= وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر= جميعا، عن عوف، عن أبي رجاء، قال: صليت مع ابن عباس الغداة في مسجد البصرة، فقنت بنا قبل الركوع، وقال: هذه الصلاة الوسطى التي قال الله:"وقوموا لله قانتين". (2)
__________
(1) أخشى أن يكون الصواب"داعين"، ولكن"راغبين" صحيحة المعنى، لأن الراغب إلى ربه إنما رغبته دعاؤه، والقنوت: دعاء رغبة.
(2) الحديث: 5533- مضى بالإسنادين جميعا مفرقين: 5473، 5474. وجمعهما أبو جعفر هنا سياقا واحدا.

(5/235)


قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله:"وقوموا لله قانتين"، قول من قال: تأويله:"مطيعين".
وذلك أن أصل"القنوت"، الطاعة، وقد تكون الطاعة لله في الصلاة بالسكوت عما نهى الله [عنه] من الكلام فيها. (1) ولذلك وجه من وجه تأويل"القنوت" في هذا الموضع، إلى السكوت في الصلاة= أحد المعاني التي فرضها الله على عباده فيها= إلا عن قراءة قرآن أو ذكر له بما هو أهله. ومما يدل على أنهم قالوا ذلك كما وصفنا، قول النخعي ومجاهد الذي: -
5534- حدثنا به أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، ومجاهد قالا كانوا يتكلمون في الصلاة، يأمر أحدهم أخاه بالحاجة، فنزلت"وقوموا لله قانتين"، قال: فقطعوا الكلام. و"القنوت": السكوت، و"القنوت" الطاعة.
* * *
فجعل إبراهيم ومجاهد"القنوت" سكوتا في طاعة الله، على ما قلنا في ذلك من التأويل.
وقد تكون الطاعة لله فيها بالخشوع، وخفض الجناح، وإطالة القيام، وبالدعاء، لأن كل [ذلك] غير خارج من أحد معنيين: (2) من أن يكون مما أمر به المصلي، أو مما ندب إليه، والعبد بكل ذلك لله مطيع، وهو لربه فيه قانت. و"القنوت": أصله الطاعة لله، ثم يستعمل في كل ما أطاع الله به العبد.
* * *
فتأويل الآية إذا: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وقوموا لله فيها مطيعين، بترك بعضكم فيها كلام بعض وغير ذلك من معاني الكلام، سوى قراءة
__________
(1) في المطبوعة: "عما نهى الله من الكلام"، وفي المخطوطة"عما نهاه الله"، والزيادة بين القوسين لا بد منها، كأنها سقط من ناسخ.
(2) في المطبوعة: "لأن كلا غير خارج"، وفي المخطوطة: "لأن كل غير خارج"، فرجحت سقوط"ذلك" من ناسخ المخطوطة، واجتهد مصحح المطبوعة.

(5/236)


فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)

القرآن فيها، أو ذكر الله بالذي هو أهله، أو دعائه فيها، غير عاصين لله فيها بتضييع حدودها، والتفريط في الواجب لله عليكم فيها وفي غيرها من فرائض الله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وقوموا لله في صلاتكم مطيعين له= لما قد بيناه من معناه= فإن خفتم من عدو لكم، أيها الناس، تخشونهم على أنفسكم في حال التقائكم معهم أن تصلوا قياما على أرجلكم بالأرض قانتين لله= فصلوا"رجالا"، مشاة على أرجلكم، وأنتم في حربكم وقتالكم وجهاد عدوكم="أو ركبانا"، على ظهور دوابكم، فإن ذلك يجزيكم حينئذ من القيام منكم، قانتين. (1)
* * *
ولما قلنا من أن معنى ذلك كذلك، جاز نصب"الرجال" بالمعنى المحذوف. وذلك أن العرب تفعل ذلك في الجزاء خاصة، لأن ثانيه شبيه بالمعطوف على أوله. ويبين ذلك أنهم يقولون:"إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا"، بمعنى: إن تفعل خيرا تصب خيرا، وإن تفعل شرا تصب شرا، فيعطفون الجواب على الأول لانجزام الثاني بجزم الأول. فكذلك قوله:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، بمعنى: إن خفتم أن تصلوا قياما بالأرض، فصلوا رجالا.
* * *
"والرجال" جمع"راجل" و"رجل"، وأما أهل الحجاز فإنهم يقولون لواحد"الرجال""رجل"، مسموع منهم:"مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا"، (2)
__________
(1) في المخطوطة: "من القيام منكم أو قانتين"، بزيادة"أو"، وهو لا معنى له، إلا أن يكون في الكلام سقطا، وتركت ما في المطبوعة على حاله، فهو مستقيم.
(2) هذا البيان عن لغات العرب في"رجل"، غي مستوفي في كتب اللغة.

(5/237)


وقد سمع من بعض أحياء العرب في واحدهم"رجلان"، كما قال بعض بني عقيل:
على إذا أبصرت ليلى بخلوة ... أن ازدار بيت الله رجلان حافيا (1)
فمن قال"رجلان" للذكر، قال للأنثى"رجلى"، وجاز في جمع المذكر والمؤنث فيه أن يقال:"أتى القوم رجالى ورجالى" مثل"كسالى وكسالى".
* * *
وقد حكي عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك:"فإن خفتم فرجالا"مشددة. وعن بعضهم أنه كان يقرأ:"فرجالا"، (2) وكلتا القراءتين غير جائزة القراءة بها عندنا، لخلافها القراءة الموروثة المستفيضة في أمصار المسلمين. (3)
* * *
وأما"الركبان"، فجمع"راكب"، يقال:"هو راكب، وهم ركبان وركب وركبة وركاب وأركب وأركوب"، يقال:"جاءنا أركوب من الناس وأراكيب".
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
5535- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم قال: سألته عن قوله:"فرجالا أو ركبانا"، قال: عند المطاردة، يصلى حيث كان وجهه، راكبا أو راجلا ويجعل السجود أخفض من الركوع، ويصلي ركعتين يومئ إيماء.
5536- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان،
__________
(1) اللسان (رجل) ، عن ابن الأعرابي، واستشهد به ابن هشام في"باب الحال" وتعدده للمفرد، وروايته: ". . . ليلى بخفية زيارة بيت الله. . . ". وقوله: "ازدار" هو"افتعل" من"الزيارة".
(2) يعني بضم الراء وتخفيف الجيم المفتوحة، وهي مذكورة في شواذ القراءات.
(3) في المطبوعة: "بخلاف القراءة الموروثة"، والصواب ما في المخطوطة.

(5/238)


عن مغيرة عن إبراهيم في قوله:"فرجالا أو ركبانا" قال: صلاة الضراب ركعتين، يومئ إيماء.
5537- حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم قوله:"فرجالا أو ركبانا"، قال: يصلي ركعتين حيث كان وجهه، يومئ إيماء.
5538- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير."فرجالا أو ركبانا"، قال: إذا طردت الخيل فأومئ إيماء.
5539- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن مالك، عن سعيد قال: يومئ إيماء.
5540- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن:"فرجالا أو ركبانا"، قال: إذا كان عند القتال صلى راكبا أو ماشيا حيث كان وجهه، يومئ إيماء.
5541- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في القتال على الخيل، فإذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا، أو كما قدر على أن يومئ برأسه أو يتكلم بلسانه.
5542- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه= إلا أنه قال: أو راكبا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقال أيضا: أو راكبا، أو ما قدر أن يومئ برأسه= وسائر الحديث مثله.
5543- حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر،

(5/239)


عن الضحاك في قوله:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، قال: إذا التقوا عند القتال وطلبوا أو طلبوا أو طلبهم سبع، فصلاتهم تكبيرتان إيماء، أي جهة كانت.
5544- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"رجالا أو ركبانا"، قال: ذلك عند القتال، (1) يصلي حيث كان وجهه، راكبا أو راجلا إذا كان يطلب أو يطلبه سبع، فليصل ركعة، يومئ إيماء، فإن لم يستطع فليكبر تكبيرتين.
5545- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، قال: ركعة وأنت تمشي، وأنت يوضع بك بعيرك ويركض بك فرسك، على أي جهة كان. (2)
5546- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، أما"رجالا" فعلى أرجلكم، إذا قاتلتم، يصلي الرجل يومئ برأسه أينما توجه، والراكب على دابته يومئ برأسه أينما توجه. (3)
__________
(1) في المطبوعة: "ذاك عند القتال"، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) وضع البعير يضع وضعا، وأوضعه أيضاعا: وهو سير حثيث وإن كان لا يبلغ أقصى الجهد.
(3) عند هذا انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه المخطوطة، فيها هنا ما نصه:
"وصلى الله على محمد النبي وعلى آل وصحبه وسلم كثيرا
على الأصل المنقول منه هذه النسخة:
بغلت بالسماع وأخي علي حرسه الله، وأبو الفتح أحمد بن عمر الجهاري، ومحمد بن علي الأرموي، ونصر بن الحسين الطبري - بقراءتي على القاضي أبي الحسن الخصيب بن عبد الله، عن أبي محمد الفرغاني، عن أبي جعفر الطبري. وذلك في شعبان من سنة ثمان وأربعمئة، وهو يقابلني بكتابه. وكتب محمد بن أحمد بن عيسى السعدي في التاريخ، وسمع عبد الرحيم بن أحمد (النحوي؟؟) من موضع سماعه إلى هاهنا مع الجماعة".

(5/240)


5547- (1) حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، الآية، أحل الله لك إذا كنت خائفا عند القتال، أن تصلي وأنت راكب، وأنت تسعى، تومئ برأسك من حيث كان وجهك، إن قدرت على ركعتين، وإلا فواحدة.
5548- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، قال: ذاك عند المسايفة.
5549- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري في قوله:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، قال: إذا طلب الأعداء فقد حلَّ لهم أن يصلوا قِبَل أي جهة كانوا، رجالا أو ركبانا، يومئون إيماء ركعتين= وقال قتادة: تجزي ركعة.
5550- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، قال: كانوا إذا خشوا العدو صلوا ركعتين، راكبا كان أو راجلا.
5551- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله:"فإن خفتم فرجالا أو راكبانا"، قال: يصلي الرجل في القتال المكتوبة على دابته وعلى راحلته حيث كان جهه، يومئ إيماء عند كل ركوع وسجود، ولكن السجود أخفض من الركوع. فهذا حين تأخذ السيوف بعضها بعضا، هذا في المطاردة.
5552- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي قال: كان قتادة يقول: إن استطاع ركعتين وإلا فواحدة، يومئ إيماء، إن شاء راكبا أو راجلا قال الله تعالى ذكره:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا".
__________
(1) بدأ في التقسيم القديم:
"بسم الله الرحمن الرحيم"

(5/241)


5553- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن قال، في الخائف الذي يطلبه العدو، قال: إن استطاع أن يصلي ركعتين، وإلا صلى ركعة.
5554- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن يونس، عن الحسن قال: ركعة.
5555- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة، فقالوا: ركعة.
5556- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم وحمادا وقتادة، عن صلاة المسايفة، فقالوا: يومئ إيماء حيث كان وجهه.
5557- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن حماد والحكم وقتادة: أنهم سئلوا عن الصلاة عند المسايفة، فقالوا: ركعة حيث وجهك.
5558- حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث بن سوار قال: سألت ابن سيرين عن صلاة المنهزم فقال: كيف استطاع.
5559- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن جابر بن غراب قال: كنا نقاتل القوم وعلينا هرم بن حيان، فحضرت الصلاة فقالوا: الصلاة، الصلاة! فقال هرم: يسجد الرجل حيث كان وجهه سجدة. قال: ونحن مستقبلو المشرق. (1)
5560- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي
__________
(1) الأثر: 5559-"جابر بن غراب النمري البصري"، روى عن هرم بن حيان، روى عنه أبو نصرة. مترجم في الكبير 1 /2 /209، والجرح والتعديل 1 /1 / 497. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "جابر بن عراب"، وهو تصحيف. و"سعيد بن يزيد"، و"أبو مسلمة" الآتي في رقم: 5561. وهذا الأثر رواه ابن حزم في المحلى 5: 36 من طريق: "شعبة عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة. . . "، بغير هذا اللفظ كما سيأتي في رقم: 5561.

(5/242)


نضرة قال: كان هرم بن حيان على جيش، فحضروا العدو فقال: يسجد كل رجل منكم تحت جنته حيث كان وجهه سجدة، أو ما استيسر= فقلت لأبي نضرة: ما"ما استيسر"؟ قال: يومئ. (1)
5561- حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا أبو مسلمة، عن أبي نضرة قال، حدثني جابر بن غراب قال: كنا مع هرم بن حيان نقاتل العدو مستقبلي المشرق، فحضرت الصلاة فقالوا: الصلاة! فقال: يسجد الرجل تحت جنته سجدة. (2)
5562- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء في قوله:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، قال: تصلي حيث توجهت راكبا وماشيا، وحيث توجهت بك دابتك، تومئ إيماء للمكتوبة.
5563- حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا هبة بن الوليد قال، حدثنا المسعودي قال، حدثني يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله قال: صلاة الخوف ركعة. (3)
__________
(1) الأثر: 5560- هو مختصر الذي قبله والذي يليه، غير مرفوع إلى جابر بن غراب. وفي المخطوطة: "فحصروا العدو" بالصاد المهملة، وكأن الصواب ما في المطبوعة. كما تدل عليه معاني الأثرين: السالف والتالي. وفي المطبوعة: "تحت جيبه" وفي المخطوطة: "تحت حسه" غي منقوطة. والصواب من المحلى 5: 36. والجنة (بضم الجيم وتشديد النون) : هي ما واراك من السلاح واستترت به، كالدروع وغيره من لباس الوقاية في الحرب. في المطبوعة: "ما استيسر"، بحذف"ما" الثانية الاستفهامية، وهو خطأ.
(2) الأثر: 5561- انظر الأثرين السالفين، والتعليق عليهما. وفي المطبوعة: "مستقبل المشرق"، وهو خطأ ناسخ. وفي المطبوعة: "تحت جيبه" كما في رقم: 5560، وفي المخطوطة: "تحت حسه" غير منقوطة، والصواب من المحلى 5: 36، ونص ما رواه: "وعن شعبة، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن جابر بن غراب، كنا مصافي العدو بفارس، ووجوهنا إلى المشرق، فقال هرم بن حيان: ليركع كل إنسان منكم ركعة تحت جنته حيث كان وجهه".
(3) الأثر: 5563-"سعيد بن عمرو بن سعيد السكوني" أبو عثمان الحمصي، روى عن بقية، والمعافى بن عمران الحمصي وغيرهما. وعنه النسائي، صدوق، ذكره ابن حبان في القات. مترجم في التهذيب. و"بقية بن الوليد"، قال أحمد، وسئل عن بقية وإسماعيل بن عياش: "بقية أحب إلي، وإذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوا عنه". وكان في المطبوعة والمخطوطة: "هبة بن الوليد" وهو خطأ. والصواب من تفسير ابن كثبر 1: 585. و"المسعودي"، هو: عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي. و"يزيد الفقير" هو: يزيد بن صهيب الفقير، أبو عثمان الكوفي، روي عن جابر وأبي سعيد وابن عمر، ثقة صدوق. وسمي"الفقير"، لأنه كان يشكو فقار ظهره. مترجم في التهذيب وغيره. وانظر السنن الكبرى 3: 263، والمحلى 5: 35.

(5/243)


5564- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا موسى بن محمد الأنصاري، عن عبد الملك، عن عطاء في هذه الآية قال: إذا كان خائفا صلى على أي حال كان. (1) .
5565- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال مالك- وسألته عن قول الله:"فرجالا أو ركبانا" - قال: راكبا وماشيا، ولو كانت إنما عنى بها الناس، لم يأت إلا"رجالا" وانقطعت الآية. (2) إنما هي"رجال": مشاة، وقرأ: (3) (يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) [سورة الحج: 87] ، قال: يأتون مشاة وركبانا.
* * *
قال أبو جعفر: الخوف الذي للمصلي أن يصلي من أجله المكتوبة ماشيا راجلا وراكبا جائلا (4) الخوف على المهجة عند السلة والمسايفة في قتال من أمر
__________
(1) الأثر: 5564"موسى بن محمد الأنصاري"، يعد في الكوفيين، مترجم في الكبير للبخاري 4 /1 /294، وابن أبي حاتم 4 /1 /160، وهو ثقة.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "انقطعت الألف"، وقد استظهر مصحح الطبعة الأميرية أنها"وانقطعت الآية"، وأرجح أنها الصواب، والناسخ في هذا الموضع من النسخة عجل كثير السهو والخطأ، كما رأيت فيما مضى، وكما سترى فيما يأتي. وقد خلط بعضهم في تعليقه على هذا الموضع من الطبري.
(3) في المطبوعة: "وعن يأتوك رجالا. . . "، وهو خطأ لا شك فيه. أما المخطوطة ففيها"ومزايا ترك"، وصواب تحريفها وتصحيفها، هو ما أثبت. ويعني أن مالكا استدل بهذه الآية على معنى"فرجالا" كما هو بين.
(4) الجائل: هو الذي يجول في الحرب جولة على عدوه، وجولته: دورانه وهو على فرسه ليستمكن من قرنه.

(5/244)


بقتاله، (1) من عدو للمسلمين، أو محارب، أو طلب سبع، أو جمل صائل، أو سيل سائل فخاف الغرق فيه. (2)
وكل ما الأغلب من شأنه هلاك المرء منه إن صلى صلاة الأمن، فإنه إذا كان ذلك كذلك، فله أن يصلي صلاة شدة الخوف حيث كان وجهه، يومئ إيماء لعموم كتاب الله:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، ولم يخص الخوف على ذلك على نوع من الأنواع، بعد أن يكون الخوف، صفته ما ذكرت.
* * *
وإنما قلنا إن الخوف الذي يجوز للمصلي أن يصلي كذلك، هو الذي الأغلب منه الهلاك بإقامة الصلاة بحدودها، وذلك حال شدة الخوف، لأن: -
5566- محمد بن حميد وسفيان بن وكيع حدثاني قالا حدثنا جرير، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف: يقوم الأمير وطائفة من الناس معه فيسجدون سجدة واحدة، ثم تكون طائفة منهم بينهم وبين العدو. ثم ينصرف الذين سجدوا سجدة مع أميرهم، ثم يكونون مكان الذين لم يصلوا، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون مع أميرهم سجدة واحدة. ثم ينصرف أميرهم وقد قضى صلاته، ويصلي بعد صلاته كل واحد من الطائفتين سجدة لنفسه، وإن كان خوف أشد من ذلك"فرجالا أو ركبانا". (3)
__________
(1) في المطبوعة: "الخوف على المهمة عند السلمة"، وهو خلط غث. وفي المخطوطة: "الخوف على المهمة عند المسلة"، والصواب ما أثبت من قراءتي لهذا النص. والمهجة: الروح، وخالص النفس. والسلة: استلال السيوف، يقال: "أتيناهم عند السلة"، أي عند استلال السيوف إذا حمي الوطيس.
(2) صال الجمل يصول، فهو صائل وصؤول: وذلك إذا وثب على راعيه فأكله، وواثب الناس يأكلهم ويعدو عليهم ويطردهم من مخافته.
(3) الحديث: 5566- جرير: هو ابن عبد الحميد الضبي. عبد الله بن نافع مولى ابن عمر: ضعيف جدا. قال فيه البخاري في الضعفاء: "منكر الحديث". فصلنا القول في تضعيفه في المسند: 4769.
وهذا الحديث هكذا رواه جرير عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر - مرفوعا.
وكذلك رواه ابن ماجه: 12587، عن محمد بن الصباح، عن جرير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعا أيضًا. وإسناده صحيح. وأشار الحافظ في الفتح 2: 360 إلى رواية ابن ماجه هذه، وقال: "وإسناده جيد".
ورواه -بمعناه- مالك في الموطأ، ص: 184، "عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال. . . "، فذكر نحوه من كلام ابن عمر، ثم قال في آخره: "قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وكذلك رواه البخاري 8: 150، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك.
وروى الشافعي في الأم 1: 197، عن مالك - قطعه من أوله، ثم أشار إلى سائره وذكر آخره. وكذلك رواه البيهقي3: 256، من طريق الشافعي عن مالك.
وذكره السيوطي 1: 308، من رواية مالك، وزاد نسبته لعبد الرزاق.
فهذا الشك في رفعه من نافع عند مالك -ثم الجزم برفعه في رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عند ابن ماجه-: يقويان رواية جرير عن عبد الله بن نافع، التي هنا.

(5/245)


5567- حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي قال، حدثنا ابن جريح، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا اختلطوا - يعني في القتال - فإنما هو الذكر، وأشارة بالرأس. قال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن كانوا أكثر من ذلك، فيصلون قياما وركبانا". (1)
* * *
= ففصل النبي بين حكم صلاة الخوف في غير حال المسايفة والمطاردة، وبين حكم صلاة الخوف في حال شدة الخوف والمسايفة، على ما روينا عن ابن عمر. فكان معلوما بذلك أن قوله تعالى ذكره:"فإن خفتم فرجالا أو ركبانا"، إنما عنى به الخوف الذي وصفنا صفته.
__________
(1) الحديث: 5567- سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي: مضت ترجمته في: 2255.
وهذا الحديث رواه البخاي 3: 259 (فتح) ، عن سعيد بن يحيى -شبخ الطبري- بهذا الإسناد ولم يذكر لفظه كاملا. وذكر الحافظ، ص: 360، رواية الطبري هذه، أيضاحا لرواية البخاري.
ورواه البيهقي 3: 255-256، من طريق الهيثم بن خلف الدوري، عن سعيد بن يحيى الأموي، به. وذكر لفظه، ثم أشار إلى رواية البخاري.
وقوله: "اختلطوا": يعني اختلط الجيشان، حال المسايفة والالتحام. وهكذا ثبت هذا الحرف في الفتح نقلا عن الطبري، والسنن الكبرى للبيهقي، ووقع في المخطوطة والمطبوعة: "اختلفوا" - بالفاء بدل الطاء. وهو تحريف من الناسخين.
وقوله: "وإشارة بالرأس": يعني أنهم يصلون بالإيماء، يذكرون ويقرءون، ويشيرون إلى الركوع والسجود. وهذا هو الثابت في الفتح والسنن الكبرى. ووقع في المخطوطة والمطبوعة: "وأشار بالرأس". وهو تحريف أيضًا.

(5/246)


وبنحو الذي روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن ابن عمر أنه كان يقول:
5568- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: في صلاة الخوف: يصلى بطائفة من القوم ركعة، وطائفة تحرس. ثم ينطلق هؤلاء الذين صلى بهم ركعة حتى يقوموا مقام أصحابهم. ثم يحيي أولئك فيصلي بهم ركعة، ثم يسلم، وتقوم كل طائفة فتصلي ركعة. قال: فإن كان خوف أشد من ذلك"فرجالا أو ركبانا". (1)
* * *
وأما عدد الركعات في تلك الحال من الصلاة، فإني أحب أن لا يقصر من عددها في حال الأمن. وإن قصر عن ذلك فصلى ركعة، رأيتها مجزئة، لأن: -
5569- بشر بن معاذ حدثني قال، حدثنا أبو عوانة، عن بكر بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة. (2)
* * *
__________
(1) الخبر: 5568- هذا موقوف على ابن عمر، صريحا، وهو في معنى الحديث الماضي: 5566.
(2) الحديث: 5569 بكير بن الأخنس الليثي الكوفي: تابعي ثقة. و"بكير": بالتصغير. ووقع في المطبوعة"بكر" - بدون الياء، وهو خطأ.
والحديث رواه أحمد بن المسند: 2124 عن يزيد، و: 2293، عن عفان، و: 3332، عن وكيع - ثلاثتهم عن أبي عوانة، به.
ورواه البخاري في التاريخ الكبير -موجزا كعادته- في ترجمة بكير 1 /2 /112، عن أبي نعيم، عن أبي عوانة. ورواه مسلم 1: 192، عن أربعة شيوخ، عن أبي عوانة.
وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى 3: 135، من طريق يحيى بن يحيى، عن أبي عوانة. ورواه أحمد أيضًا: 2177، عن القاسم بن مالك المزني، عن أيوب بن عائذ، عن بكير بن الأخنس، به.
وكذلك رواه مسلم 1: 192، من طريق القاسم بن مالك.
ورواه البيهقي 3: 263-264، بإسنادين من طريق أيوب بن عائذ. وذكره ابن كثير 1: 585، وزاد نسبته لأبي داود، والنسائي، وابن ماجه.

(5/247)


القول في تأويل قوله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) }
قال أبو جعفر: وتأويل ذلك:"فإذا أمنتم"، أيها المؤمنون، من عدوكم أن يقدر على قتلكم في حال اشتغالكم بصلاتكم التي فرضها عليكم- ومن غيره ممن كنتم تخافونه على أنفسكم في حال صلاتكم- فاطمأننتم، ="فاذكروا الله" في صلاتكم وفي غيرها بالشكر له والحمد والثناء عليه، على ما أنعم به عليكم من التوفيق لإصابة الحق الذي ضل عنه أعداؤكم من أهل الكفر بالله، = كما ذكركم بتعليمه إياكم من أحكامه، وحلاله وحرامه، وأخبار من قبلكم من الأمم السالفة، والأنباء الحادثة بعدكم- في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، التي جهلها غيركم وبصركم، من ذلك وغيره، إنعاما منه عليكم بذلك، فعلمكم منه ما لم تكونوا من قبل تعليمه إياكم تعلمون.
* * *
وكان مجاهد يقول في قوله:"فإذا أمنتم"، ما: -
5570- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد:"فإذا أمنتم"، قال: خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة.
* * *
وبمثل الذي قلنا من ذلك قال ابن زيد:
5571- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" فإذا أمنتم فاذكروا الله"، قال: فإذا أمنتم فصلوا الصلاة كما افترض الله عليكم- إذا جاء الخوف كانت لهم رخصة.
* * *
وقوله ها هنا:"فاذكروا الله"، قال: الصلاة،"كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون". (1)
* * *
__________
(1) من أول قوله: "وقوله ها هنا: اذكروا الله. . . " إلى آخر هذه الفقرة، هي من كلام مجاهد في الأثر: 5570 فيما أرجح، وأخشى أن يكون الناسخ قد أفسد سياق الكلام، وأنا أرجح ان قوله آنفًا: "وبمثل الذي قلنا من ذلك قال ابن زيد" ثم الأثر رقم 5571، ينبغي أن يكون مقدما على الأثر: 5570. وأرجح أن قوله: "وقوله ها هنا" كلام فاسد، وأن"ها هنا" كانت في الأصل القديم إشارة إلى تأخير الكلام من أول قوله: "وكان مجاهد يقول. . . " ثم الأثر: 5570، إلى ما بعد الأثر: 5571، فيكون السياق:
"فعلمكم منه ما لم تكونوا من قبل تعليمه إياكم تعلمون. وبمثل الذي قلنا من ذلك قال ابن زيد:
5570- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب. . .
وكان مجاهد يقول في قوله: "فإذا أمنتم" ما: -
5571- حدنا به أبو كريب، قال حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: "فإذا أمنتم"، قال: خرجتم من السفر إلى دار الإقامة. وقوله: "اذكروا الله"، قال: الصلاة، "كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون".
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرنا عن مجاهد. . . "
هذا ما أرجح أن أصل الطبري كان عليه، وأخطأ الناسخ فهم إشارة الناسخ قبله بقوله: "ها هنا" يعني نقل الكلام من هناك إلى"ها هنا". ولكني لم أستجز هذا التغيير في المطبوعة، وإن كنت لا أشك فيما رجحته

(5/248)


قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرنا عن مجاهد، قول غيره أولى بالصواب منه، لإجماع الجميع على أن الخوف متى زال، فواجب على المصلي المكتوبة- وإن كان في سفر- أداؤها بركوعها وسجودها وحدودها، وقائما بالأرض غير ماش ولا راكب، كالذي يجب عليه من ذلك إذا كان مقيما في مصره وبلده، إلا ما أبيح له من القصر فيها في سفره. ولم يجر في هذه الآية للسفر ذكر، فيتوجه قوله:"فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون"، إليه. وإنما جرى ذكر الصلاة في حال الأمن، وحال شده الخوف، فعرف الله سبحانه وتعالى عباده صفة الواجب عليهم من الصلاة فيهما. (1) ثم قال:"فإذا أمنتم" فزال الخوف، فأقيموا صلاتكم
__________
(1) في المخطوطة: "وصفه الواجب عليهم"، والصواب ما في المطبوعة.

(5/249)


وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)

وذكري فيها وفي غيرها، مثل الذي أوجبته عليكم قبل حدوث حال الخوف.
وبعد، (1) فإن كان جرى للسفر ذكر، ثم أراد الله تعالى ذكره تعريف خلقه صفة الواجب عليهم من الصلاة بعد مقامهم، لقال: فإذا أقمتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون= ولم يقل:"فإذا أمنتم".
وفي قوله تعالى ذكره:"فإذا أمنتم"، الدلالة الواضحة على صحة قول من وجه تأويل ذلك إلى الذي قلنا فيه، وخلاف قول مجاهد. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك:"والذين يتوفون منكم"، أيها الرجال ويذرون أزواجا = يعني زوجات كن له نساء في حياته، بنكاح= لا ملك يمين. ثم صرف الخبر عن ذكر من ابتدأ الخبر بذكره، نظير الذي مضى من ذلك في قوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [سورة البقرة: 234] (3) إلى الخبر عن ذكر أزواجهم. وقد ذكرنا وجه
__________
(1) في المطبوعة: "قبل حدوث حال الخوف وبعده، فإن كان جرى للسفر ذكر. . . " وهو خلط قبيح، جعل بعض المصححين يضع مكان"فإن كان جرى"، "فلو كان جرى. . . " فترك الكلام خلطا لا معنى له، وصحح ما ليس في حاجة إلى تصحيح!! هذا، والصواب ما في المخطوطة كما أثبته.
(2) في المطبوعة: "وإلى خلاف قول مجاهد"، بزيادة"إلى"، وهي زيادة فاسدة مفسدة. وقوله: "خلاف" معطوف على قوله: "على صحة قول. . . "
(3) اقتصر في المخطوطة والمطبوعة على ذكر الآية إلى قوله: "ويذرون أزواجا"، فأتممتها للبيان.

(5/250)


ذلك، ودللنا على صحة القول فيه في نظيره الذي قد تقدم قبله، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
ثم قال تعالى ذكره:"وصية لأزواجهم"، فاختلفت القرأة في قراءة ذلك: فقرأ بعضهم:"وصية لأزواجهم"، بنصب"الوصية"، بمعنى: فليوصوا وصية لأزواجهم، أو: عليهم [أن يوصوا] وصية لأزواجهم. (2)
* * *
وقرأ آخرون: (وَصِيِّةٌ لأزْوَاجِهِمْ) برفع"الوصية".
* * *
ثم اختلف أهل العربية في وجه رفع"الوصية".
فقال بعضهم: رفعت بمعنى: كتبت عليهم الوصية. واعتل في ذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله. (3)
فتأويل الكلام على ما قاله هذا القائل: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، كتبت عليهم وصية لأزواجهم- ثم ترك ذكر"كتبت"، ورفعت"الوصية" بذلك المعنى، وإن كان متروكا ذكره.
* * *
وقال آخرون منهم: بل"الوصية" مرفوعة بقوله:"لأزواجهم" فتأول: لأزواجهم وصية.
* * *
والقول الأول أولى بالصواب في ذلك، وهو أن تكون"الوصية" إذا رفعت مرفوعة بمعنى: كتبت عليكم وصية لأزواجكم. لأن العرب تضمر النكرات مرافعها قبلها إذا أضمرت، فإذا أظهرت بدأت به قبلها، فتقول:"جاءني رجل اليوم"،
__________
(1) انظر ما سلف في هذا الجزء: 77-79.
(2) ما بين القوسين زيادة لا يستقيم الكلام إلا بها.
(3) قراءة عبد الله بن مسعود: {كتب عليكم الوصية لأزواجكم} انظر شواذ القراءات لابن خالويه: 15، ومعاني القرآن للفراء: 1/156، وغيرها المصححون.

(5/251)


وإذا قالوا:"رجل جاءني اليوم" لم يكادوا أن يقولونه إلا والرجل حاضر يشيرون إليه ب"هذا"، (1) أو غائب قد علم المخبر عنه خبره، أو بحذف"هذا" وإضماره وإن حذفوه، لمعرفة السامع بمعنى المتكلم، كما قال الله تعالى ذكره: (سورة أنزلناها) [سورة النور: 1] و (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [سورة التوبة: 1] ، فكذلك ذلك في قوله:" وصية لأزواجهم".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه رفعا، لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى حولا كاملا كان حقا لها قبل نزول قوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [سورة البقرة: 234] ، وقبل نزول آية الميراث (2) =ولتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه الظاهر من ذلك، أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن، أو لم يوصوا لهن به.
* * *
فإن قال قائل: وما الدلالة على ذلك؟
قيل: لما قال الله تعالى ذكره:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم"، وكان الموصي لا شك، إنما يوصي في حياته بما يأمر بإنفاذه بعد وفاته، (3) وكان محالا أن يوصي بعد وفاته، كان تعالى ذكره إنما جعل لامرأة الميت سكن الحول بعد وفاته (4) =، (5) علمنا أنه حق لها وجب في ماله بغير وصية منه
__________
(1) في المخطوطة"لم يكادوا أن يقولونه. . . "، وفي المطبوعة: "أن يقولوه"، وأرجح أن الصواب ما أثبت بإسقاط"أن" التي في المخطوطة.
(2) انظر ما سيأتي ص: 254-258.
(3) في المطبوعة: "يؤمر بإنفاذه. . . "، والصواب من المخطوطة.
(4) في المطبوعة: "فكان تعالى ذكره إنما جعل. . . " بالفاء مكان الواو، والصواب من المخطوطة. وفي المطبوعة: "سكنى الحول"، وأثبت ما في المخطوطة، وهما سواء.
(5) في المطبوعة: "علما بأنه حق لها"، وفي المخطوطة"علمنا به حق" غير منقوطة، والصواب ما أثبت، وسياق الجملة: "لما قال الله تعالى. . . وكان الموصى. . . وكان محالا. . . وكان تعالى ذكره. . . = علمنا أنه حق. . . "

(5/252)


لها، إذ كان الميت مستحيلا أن يكون منه وصية بعد وفاته.
* * *
ولو كان معنى الكلام على ما تأوله من قال:"فليوص وصية"، لكان التنزيل: والذين تحضرهم الوفاة ويذرون أزواجا، وصية لأزواجهم، (1) كما قال: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ) [سورة البقرة: 18]
* * *
وبعدُ، فلو كان ذلك واجبًا لهن بوصية من أزواجهن المتوفّين، لم يكن ذلك حقًّا لهن إذا لم يوص أزواجهن لهن قبل وفاتهم، ولكان قد كان لورثتهم إخراجهن قبل الحول، (2) وقد قال الله تعالى ذكره:"غير إخراج". ولكن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنه في تأويله قارئُه:"وصيةً لأزواجهم"، بمعنى: أن الله تعالى كان أمر أزواجهن بالوصية لهنّ. وإنما تأويل ذلك: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا، كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون- أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولا كما قال تعالى ذكره في"سورة النساء" (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) [سورة النساء: 12] ، ثم ترك ذكر:"كتب الله"، اكتفاء بدلالة الكلام عليه، ورفعت"الوصية" بالمعنى الذي قلنا قبل.
* * *
فإن قال قائل: فهل يجوز نصب"الوصية" [على الحال، بمعتى موصين] لهن وصية؟ (3)
__________
(1) هذا رد الطبري على من قرأها بالنصب.
(2) في المطبوعة: "ولكان لورثتهم إخراجهن" بإسقاط"قد كان"، وفي المخطوطة: "ولكان لورثتهم قد كان إخراجهن"، بتقديم"لورثتهم"، والصواب ما أثبت.
(3) كان مكان ما بين القوسين بياض في المخطوطة والمطبوعة، وهذه الزيادة بين القوسين استظهرتها من سياق الكلام. وهو يريد في كلامه الآتي خروج الحال مصدرا نحو قولهم: "طلع بغتة، وجاء ركضا، وقتلته صبرا، ولقيته كفاحا". وانظر سيبوبه 1: 186، وأوضح المسالك 1: 195 وغيرهما. هذا ما استطعت أن أقدره من كلام أبي جعفر ورده هذا القول، وكأنه الصواب إن شاء الله.

(5/253)


قيل: لا لأن ذلك إنما كان يكون جائزا لو تقدم"الوصية" من الكلام ما يصلح أن تكون الوصية خارجة منه، فأما ولم يتقدمه ما يحسن أن تكون منصوبة بخروجها منه، فغير جائز نصبها بذلك المعنى.
* * *
* ذكر بعض من قال: إن سكنى حول كامل كان حقا لأزواج المتوفين بعد موتهم= على ما قلنا= (1) أوصى بذلك أزواجهن لهن أو لم يوصوا لهن به، وأن ذلك نسخ بما ذكرنا من الأربعة الأشهر والعشر والميراث.
5572- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن منهال قال، حدثنا همام بن يحيى قال: سألت قتادة عن قوله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج"، فقال: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا في مال زوجها، ما لم تخرج. ثم نسخ ذلك بعد في"سورة النساء"، فجعل لها فريضة معلومة: الثمن إن كان له ولد، والربع إن لم يكن له ولد، وعدتها أربعة أشهر وعشرا، فقال تعالى ذكره: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [سورة البقرة: 234] ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الحول.
5573- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج" الآية، قال: كان هذا من قبل أن تنزل آية الميراث، فكانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا إن شاءت، فنسخ ذلك في"سورة النساء"، فجعل لها فريضة معلومة: جعل لها الثمن إن كان له ولد، وإن لم يكن له ولد فلها الربع، وجعل عدتها أربعة أشهر وعشر، فقال: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) .
__________
(1) انظر ما سلف ص: 252 والتعليق رقم: 3.

(5/254)


5574- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج"، فكان الرجل إذا مات وترك امرأته، اعتدت سنة في بيته، ينفق عليها من ماله، ثم أنزل الله تعالى ذكره بعد: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) ، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها. إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها. وقال في ميراثها: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) [سورة النساء: 12] ، فبين الله ميراث المرأة، وترك الوصية والنفقة.
5575- حدثنا عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال، سمعت عبيد الله بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج"، كان الرجل إذا توفي أنفق على امرأته في عامه إلى الحول، ولا تزوج حتى تستكمل الحول. وهذا منسوخ: نسخ النفقة عليها الربع والثمن من الميراث، ونسخ الحول أربعة أشهر وعشر.
5576- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج"، قال: الرجل إذا توفي أنفق على امرأته إلى الحول، ولا تزوج حتى يمضي الحول، فأنزل الله تعالى ذكره: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) ، فنسخ الأجل الحول، ونسخ النفقة الميراث الربع والثمن.
5577- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن قوله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج"، قال: كان ميراث المرأة من زوجها

(5/255)


من ربعه: (1) أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول، يقول:"فإن خرجن فلا جناح عليكم" الآية، ثم نسخها ما فرض الله من الميراث= قال، وقال مجاهد:"وصية لأزواجهم" سكنى الحول، ثم نسخ هذه الآية الميراث.
5578- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان لأزواج الموتى حين كانت الوصية، نفقة سنة. فنسخ الله ذلك الذي كتب للزوجة من نفقة السنة بالميراث، فجعل لها الربع أو الثمن= وفي قوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) ، قال: هذه الناسخة.
* * *
* ذكر من قال: كان ذلك يكون لهن بوصية من أزواجهن لهن به:
5579- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا" الآية، قال: كانت هذه من قبل الفرائض، فكان الرجل يوصي لامرأته ولمن شاء. ثم نسخ ذلك بعد، فألحق الله تعالى بأهل المواريث ميراثهم، وجعل للمرأة إن كان له ولد الثمن، وإن لم يكن له ولد فلها الربع. وكان ينفق على المرأة حولا من مال زوجها، ثم تحول من بيته. فنسخته العدة أربعة أشهر وعشرا، ونسخ الربع أو الثمن الوصية لهن، فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون.
5580- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم"، إلى"فيما فعلن في أنفسهن من معروف"، يوم نزلت هذه الآية، كان الرجل إذا مات أوصى لامرأته
__________
(1) في المطبوعة: "من ريعه" بالياء المثناة التحتية. وليس لها معنى هنا. والربع: المنزل والدار والمسكن، وفي حديث أسامة أنه قال له: "هل ترك لنا عقيل من ربع؟ ": أي منزل، والجمع رباع وربوع وأربع. وهذه الكلمة"من ربعه" أسقطها الدر المنثور من روايته للأثر 1: 309.

(5/256)


بنفقتها وسكناها سنة، وكانت عدتها
أربعة أشهر وعشرا، فإن هي خرجت حين تنقضي أربعة أشهر وعشرا، انقطعت عنها النفقة، فذلك قوله:"فإن خرجن"، وهذا قبل أن تنزل آية الفرائض، فنسخه الربع والثمن، فأخذت نصيبها، ولم يكن لها سكنى ولا نفقة.
5581- حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت أبي قال، يزعم قتادة أنه كان يوصى للمرأة بنفقتها إلى رأس الحول.
* * *
* ذكر من قال:"نسخ ذلك ما كان لهن من المتاع إلى الحول، من غير تبيينه على أي وجه كان ذلك لهن": (1)
5582- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن إبراهيم في قوله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول"، قال: هي منسوخة.
5583- حدثنا الحسن بن الزبرقان قال، حدثنا أسامة، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت إبراهيم يقول، فذكر نحوه.
5584- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن حصين، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج"، نسخ ذلك بآية الميراث وما فرض لهن فيها من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا.
5585- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن عباس: أنه قام يخطب الناس ها هنا، فقرأ لهم سورة
__________
(1) في المطبوعة: "من غير بينة"، والصواب ما في المخطوطة.

(5/257)


البقرة، فبين لهم فيها، (1) فأتى على هذه الآية: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) [سورة البقرة: 180] ، قال: فنسخت هذه. ثم قرأ حتى أتى على هذه الآية:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا" إلى قوله:"غير إخراج"، فقال: وهذه. (2)
* * *
وقال آخرون: هذه الآية ثابتة الحكم، لم ينسخ منها شيء.
* ذكر من قال ذلك:
5586- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [سورة البقرة: 234] ، قال: كانت هذه للمعتدة، تعتد عند أهل زوجها، واجبا ذلك عليها، فأنزل الله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج"، إلى قوله:"من معروف". قال: جعل الله لهم تمام السنة، سبعة أشهر وعشرين ليلة، وصية: إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى ذكره:"غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم"، قال: والعدة كما هي واجبة.
5587- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
5588- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى= وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل= عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله، تعتد
__________
(1) في المطبوعة: "فبين لهم فيها"، والصواب ما في المخطوطة ورقم: 2652، أي فسر لهم منها ما فسر.
(2) الأثر: 5585- مضى مختصرا برقم: 2652.

(5/258)


حيث شاءت، وهو قول الله:"غير إخراج". قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، لقول الله تعالى ذكره:"فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن" = قال عطاء: جاء الميراث بنسخ السكنى، تعتد حيث شاءت ولا سكنى لها.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره كان جعل لأزواج من مات من الرجال بعد موتهم، سكنى حول في منزله، ونفقتها في مال زوجها الميت إلى انقضاء السنة، (1) ووجب على ورثة الميت أن لا يخرجوهن قبل تمام الحول من المسكن الذي يسكنه، وإن هن تركن حقهن من ذلك وخرجن، لم تكن ورثة الميت من خروجهن في حرج. ثم إن الله تعالى ذكره نسخ النفقة بآية الميراث، وأبطل مما كان جعل لهن من سكنى حول سبعة أشهر وعشرين ليلة، وردهن إلى أربعة أشهر وعشر، على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5589- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا حجاج قال، أخبرنا حيوة بن شريح، عن ابن عجلان، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، وأخبره عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة، عن فريعة أخت أبي سعيد الخدري: أن زوجها خرج في طلب عبد له، فلحقه بمكان قريب فقاتله، وأعانه عليه أعبد معه فقتلوه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجها خرج في طلب عبد له، فلقيه علوج فقتلوه، وإني في مكان ليس فيه أحد غيري، وإن أجمع لأمري أن أنتقل إلى أهلي! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل امكثي مكانك حتى يبلغ الكتاب أجله. (2)
__________
(1) في المخطوطة: "إلى انقضاء وجب"، وما بينهما بياض، وما في المطبوعة أشبه بالصواب
(2) الحديث: 5589- حجاج: هو ابن رشدين بن سعد. وهو الذي يروي عن حيوة بن شريح، ويروي عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. وهو -عندنا- ثقة. وقد مضت ترجمته مفصلة في: 763.
ابن عجلان: هو محمد بن عجلان المدني الثقة، مضى في: 304.
سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة: مضى في: 5090. وقد وقع في المطبوعة هنا"سعيد" بدل"سعد" - كما وقع فيما مضى. والأشهر ما أثبتنا.
والحديث مضى مختصرا: 5090، من رواية فليح بن سليمان، عن سعد بن إسحاق، بهذا الإسناد. وفصلنا القول في تخريجه، مطولا ومختصرا، كأنا استوعبنا هناك ما وجدنا من طرقه، إلا روايات الطحاوي فقد رواه في معاني الآثار 2: 45-46 بتسعة أسانيد. وإلا الطريق التي هنا، فلم نكن رأيناها. ثم لم نجد هذه الطريق في شيء من الدواوين، غير الطبري.
أما الحديث في ذاته فصحيح، ورواياته الصحاح - التي أشرنا إليها هناك: مطولة مفصلة بأكثر مما هنا.
فريعة بنت مالك، أخت أبي سعيد: هي بضم الفاء بالتصغير، في أكثر الروايات. ووقع اسمها في المخطوطة هنا"الفارعة". ولم أجدها في شيء من الروايات هكذا، إلا في إحدى روايات النسائي 2: 113. وكذلك لم يذكر الحافظ في الإصابة هذ الرواية إلا عن رواية النسائي.
والحديث ذكره ابن كثير 1: 588-589، عن رواية الموطأ، التي أشرنا إليها فيما مضى. وهي في الموطأ، ص: 591.

(5/259)


وأما قوله:"متاعا"، فإن معناه: جعل ذلك لهن متاعا، أي الوصية التي كتبها الله لهن.
وإنما نصب"المتاع"، لأن في قوله:"وصية لأزواجهم"، معنى متعهن الله، فقيل:"متاعا"، مصدرا من معناه لا من لفظه.
* * *
وقوله:"غير إخراج"، فإن معناه أن الله تعالى ذكره جعل ما جعل لهن من الوصية متاعا منه لهن إلى الحول، لا إخراجا من مسكن زوجها= يعني: لا إخراج فيه منه حتى ينقضي الحول. فنصب"غير" على النعت ل"لمتاع"، كقول القائل:"هذا قيام غير قعود"، بمعنى: هذا قيام لا قعود معه، أو: لا قعود فيه.
* * *
وقد زعم بعضهم أنه منصوب بمعنى: لا تخرجوهن إخراجا، وذلك خطأ من القول. لأن ذلك إذا نصب على هذا التأويل، كان نصبه من كلام آخر غير الأول، وإنما هو منصوب بما نصب"المتاع" على النعت له. (1)
* * *
__________
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 156.

(5/260)


القول في تأويل قوله: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أن المتاع الذي جعله الله لهن إلى الحول في مال أزواجهن بعد وفاتهم وفي مساكنهم، ونهى ورثته عن إخراجهن، إنما هو لهن ما أقمن في مساكن أزواجهن، وأن حقوقهن من ذلك تبطل بخروجهن إن خرجن من منازل أزواجهن قبل الحول من قبل أنفسهن، بغير إخراج من ورثة الميت.
ثم أخبر تعالى ذكره أنه لا حرج على أولياء الميت في خروجهن وتركهن الحداد على أزواجهن. لأن المقام حولا في بيوت أزواجهن والحداد عليه تمام حول كامل، لم يكن فرضا عليهن، وإنما كان ذلك إباحة من الله تعالى ذكره لهن إن أقمن تمام الحول محدات. فأما إن خرجن فلا جناح على أولياء الميت ولا عليهن فيما فعلن في أنفسهن من معروف، وذلك ترك الحداد. يقول: فلا حرج عليكم في التزين إن تزينّ وتطيبن وتزوجن، لأن ذلك لهن.
وإنما قلنا:"لا حرج عليهنّ في خروجهن"، وإن كان إنما قال تعالى ذكره:"فلا جناح عليكم"، لأن ذلك لو كان عليهن فيه جناح، لكان على أولياء الرجل فيه جناح بتركهم إياهن والخروج، مع قدرتهم على منعهنّ من ذلك. ولكن لما لم يكن عليهن جناح في خروجهن وترك الحداد، وضع عن أولياء الميت وغيرهم الحرج فيما فعلن من معروف، وذلك في أنفسهن.
وقد مضت الرواية عن أهل التأويل بما قلناه في ذلك قبل.
* * *
وأما قوله:"والله عزيز حكيم"، فإنه يعني تعالى ذكره:"والله عزيز"، في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء، فمنع من

(5/261)


وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)

كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الآيات التي مضت قبل: من المتعة والصداق والوصية، وإخراجهن قبل انقضاء الحول، وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها= ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الأزواج، وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوات="حكيم"، فيما قضى بين عباده من قضاياه التي قد تقدمت في الآيات قبل قوله:"ولله عزيز حكيم"، وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته.
* * *
القول في تأويل قوله جل ذكره {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولمن طلق من النساء على مطلقها من الأزواج،"متاع". يعني بذلك: ما تستمتع به من ثياب وكسوة أو نفقة أو خادم، وغير ذلك مما يستمتع به. وقد بينا فيما مضى قبل معنى ذلك، واختلاف أهل العلم فيه، والصواب من القول من ذلك عندنا، بما فيه الكفاية من إعادته. (1)
* * *
وقد اختلف أهل العلم في المعنية بهذه الآية من المطلقات.
فقال بعضهم: عني بها الثيِّبات اللواتي قد جومعن. قالوا: وإنما قلنا ذلك، لأن [الحقوق اللازمة للمطلقات] غير المدخول بهن في المتعة، (2) قد بينها الله
__________
(1) انظر معنى"المتاع" فيما سلف 1: 539، 540 /ثم 3: 53-55 /ثم الموضع الذي عناه الطبري هنا: 120-135.
(2) في المخطوطة: "لأن غير المدخول بهن"، وبينهما بياض، فجاءت المطبوعة وصلت الكلام: "لأن غير المدخول بهن" فاختلت الجملة، واستظهرت ما زدته بين القوسين من معنى الآيات.

(5/262)


تعالى ذكره في الآيات قبلها، فعلمنا بذلك أن في هذه الآية بيان أمر المدخول بهن في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
5590- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء في قوله:"وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين"، قال: المرأة الثيب يمتعها زوجها إذا جامعها بالمعروف.
5591- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله= وزاد فيه: ذكره شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء.
* * *
وقال آخرون: بل في هذه الآية دلالة على أن لكل مطلقة متعة، وإنما أنزلها الله تعالى ذكره على نبيه صلى الله عليه وسلم، لما فيها من زيادة المعنى الذي فيها على ما سواها من آي المتعة، إذ كان ما سواها من آي المتعة إنما فيه بيان حكم غير الممسوسة إذا طلقت، وفي هذه بيان حكم جميع المطلقات في المتعة.
* ذكر من قال ذلك:
5592- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير في هذه الآية:"وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين"، قال: لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين.
5593- حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا يونس، عن الزهري- في الأمة يطلقها زوجها وهي حبلى- قال: تعتد في بيتها. وقال: لم أسمع في متعة المملوكة شيئا أذكره، (1) وقد قال الله تعالى ذكره:"متاع بالمعروف حقا على المتقين"، ولها المتعة حتى تضع.
__________
(1) في المطبوعة: "وقال: لم أسمع. . . "، وأثبت ما في المخطوطة.

(5/263)


5594- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى (1) قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا ابن جريج، عن عطاء قال: قلت له: أللأمة من الحر متعة؟ قال: لا. قلت: فالحرة عند العبد؟ قال: لا= وقال عمرو بن دينار: نعم،"وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين".
* * *
وقال آخرون: إنما نزلت هذه الآية، لأن الله تعالى ذكره لما أنزل قوله: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة: 236] ، قال رجل من المسلمين: فإنا لا نفعل إن لم نرد أن نحسن. فأنزل الله:"وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين"، فوجب ذلك عليهم.
* ذكر من قال ذلك:
5595- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين"، فقال رجل: فإن أحسنت فعلت، وإن لم أرد ذلك لم أفعل! فأنزل الله:"وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين".
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله سعيد بن جبير، من أن الله تعالى ذكره أنزلها دليلا لعباده على أن لكل مطلقة متعة. لأن الله تعالى ذكره ذكر في سائر آي القرآن التي فيها ذكر متعة النساء، خصوصا من النساء، فبين في الآية التي قال فيها: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) [سورة البقرة: 236] ، وفي قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "هناد بن موسى"، وليس في الرواة أحد بهذا الاسم. والصواب ما أثبت/ انظر الأثر قبله رقم: 5593، وفي مواضع كثيرة قبل ذلك بمثل هذا الإسناد.

(5/264)


كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)

إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) [سورة الأحزاب: 49] ، ما لهن من المتعة إذا طلقن قبل المسيس، وبقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ) [سورة الأحزاب: 28] ، حكم المدخول بهن، وبقي حكم الصبايا إذا طلقن بعد الابتناء بهن، وحكم الكوافر والإماء. فعم الله تعالى ذكره بقوله:" وللمطلقات متاع بالمعروف" ذكر جميعهن، وأخبر بأن لهن المتاع، كما خص المطلقات الموصوفات بصفاتهن في سائر آي القرآن، (1) ولذلك كرر ذكر جميعهن في هذه الآية.
* * *
وأما قوله: (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ، فإنا قد بينا معنى قوله:"حقا"، ووجه نصبه، والاختلاف من أهل العربية في قوله: (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة: 236] ، ففي ذلك مستغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
فأما"المتقون": فهم الذين اتقوا الله في أمره ونهيه وحدوده، فقاموا بها على ما كلفهم القيام بها خشية منهم له، ووجلا منهم من عقابه.
وقد تقدم بيان تأويل ذلك نصا بالرواية. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، كما بينت لكم ما يلزمكم لأزواجكم ويلزم أزواجكم لكم، أيها المؤمنون، وعرفتكم أحكامي والحق الواجب لبعضكم على بعض
__________
(1) في المطبوعة: "كما أبان المطلقات. . . "، وفي المخطوطة: "كما المطلقات" وما بين الكلامين بياض، واستظهرت من قوله: "نعم الله تعالى. . . "، أن اللفظ الناقص في البياض هو"خص"، أو معنى يشبهه ويقاربه.
(2) انظر ما سلف في هذا الجزء: 137، 138.
(3) انظر فهارس اللغة فيما سلف مادة"وقى".

(5/265)


أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)

في هذه الآيات، فكذلك أبين لكم سائر الأحكام في آياتي التي أنزلتها على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب، لتعقلوا- أيها المؤمنون بي وبرسولي- حدودي، فتفهموا اللازم لكم من فرائضي، وتعرفوا بذلك ما فيه صلاح دينكم ودنياكم، وعاجلكم وآجلكم، فتعلموا به ليصلح ذات بينكم، وتنالوا به الجزيل من ثوابي في معادكم.
* * *
القول في تأويل قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره:"ألم تر"، ألم تعلم، يا محمد؟ = وهو من"رؤية القلب" لا رؤية العين"، (1) لأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدرك الذين أخبر الله عنهم هذا الخبر، و"رؤية القلب": ما رآه، وعلمه به. (2) فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"وهم ألوف".
فقال بعضهم: في العدد، بمعنى جماع"ألف".
* ذكر من قال ذلك:
5596- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= وحدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع= قال، حدثنا سفيان، عن ميسرة النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم
__________
(1) انظر ما سلف في معنى"الرؤية" 3: 75-79.
(2) في المطبوعة: "وعلمه به" بزيادة الواو، وهي فاسدة، والصواب من المخطوطة.

(5/266)


وهم ألوف حذر الموت"، كانوا أربعة آلاف، خرجوا فرارا من الطاعون، قالوا:"نأتي أرضا ليس فيها موت"! حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا، قال لهم الله:"موتوا". فمر عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم، فأحياهم، فتلا هذه الآية:"إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون". (1)
5597- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن ميسرة النهدي، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت"، قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون، فأماتهم الله، فمر عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه، فأحياهم.
5598- حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال، أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد: أنه سمع وهب بن منبه يقول: أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان، فشكوا ما أصابهم وقالوا:"يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه"! فأوحى الله إلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء، وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا، وأي راحة لهم في الموت؟ أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا، فإن فيها أربعة آلاف= قال وهب: وهم الذين قال الله:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت"= فقم فيهم فنادهم، وكانت عظامهم قد تفرقت، فرقتها الطير والسباع. فناداهم حزقيل فقال: (2) "يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي"! فاجتمع عظام كل
__________
(1) الأثران: 5596، 5597- أخرجه الحاكم في المستدرك 2: 281، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وقال الذهبي"ميسرة، لم يرويا له وروى له البخاري في الأدب المفرد. وانظر ابن كثير 1: 590، والدر المنثور 1: 310. و"ميسرة"، هو: "ميسرة بن حبيب النهدي"، مترجم في التهذيب.
(2) في المخطوطة: "فناداه"، وعلى الهاء من فوق حرف"ط"، وفي الدر المنثور 1: 311"فنادى حزقيل"، وفي المطبوعة: "فناداهم"، وأثبت ما في تاريخ الطبري 1: 237.

(5/267)


إنسان منهم معا. (1) ثم نادى ثانية حزقيل فقال:"أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم"، فاكتست اللحم، وبعد اللحم جلدا، فكانت أجسادا. ثم نادى حزقيل الثالثة فقال:"أيتها الأرواح، إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك"! (2) فقاموا بإذن الله، وكبروا تكبيرة واحدة. (3)
5599- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف"، يقول: عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله، فأماتهم الله، ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فذلك قوله: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
5600- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أشعث بن أسلم البصري قال: بينما عمر يصلي ويهوديان خلفه = وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى= (4) فقال أحدهم لصاحبه، (5) أهو هو؟ فلما انفتل عمر قال: (6)
__________
(1) بعد هذا في الدر المنثور 1: 311: [ثم قال: "أيتها العظام، إن الله يأمرك أن ينبت العصب والعقب" فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب] . وفي تاريخ الطبري: "يا أيتها العظام النخرة"
(2) في المطبوعة: "إلى أجسادك"، وأثبت ما في المخطوطة، وتاريخ الطبري، والدر المنثور.
(3) الأثر: 5598: "محمد بن سهل بن عسكر" التميمي، أبو بكر النجاري الحافظ الجوال قال النسائي وابن عدي: "ثقة" سكن بغداد ومات بها سنة 251، مترجم في التهذيب و"إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه الصنعاني"، روى عن ابن عمه إبراهيم بن عقيل، وعمه عبد الصمد بن معقل، وروى عنه أحمد بن حنبل، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات. توفي باليمن سنة 210. مترجم في التهذيب. والأثر رواه الطبري بهذا الإسناد في التاريخ 1: 237، والدر المنثور 1: 311.
(4) خوى الرجل في سجوده: تجافى وفرج ما بين عضديه وجنبيه وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد خوى.
(5) في المطبوعة: "فقال أحدهم"، والصواب من المخطوطة وتاريخ الطبري.
(6) انفتل فلان من صلاته: انصرف بعد قضائها، ومثله: "فتل وجهه عن القوم"، صرفه ولواه عنهم.

(5/268)


أرأيت قول أحدكما لصاحبه: أهو هو؟ (1) فقالا إنا نجده في كتابنا: (2) "قرنا من حديد، يعطى ما يعطى حزقيل الذي"أحيى الموتى بإذن الله". فقال عمر: ما نجد في كتاب الله"حزقيل" ولا"أحيى الموتى بإذن الله"، إلا عيسى. فقالا أما تجد في كتاب الله (وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) ، (3) [سورة النساء: 164] ، فقال عمر: بلى! قالا وأما إحياء الموتى فسنحدثك: إن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء، فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله، فبنوا عليهم حائطا، حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال شاء الله، (4) فبعثهم الله له، فأنزل الله في ذلك:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف"، الآية. (5)
5601- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن الحجاج بن أرطأة قال: كانوا أربعة آلاف.
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة: "رأيت" بغير همزة استفهام، والصواب من الطبري، والدر المنثور. وقول العرب"أرأيت كذا"، يريدون به معنى الاستخبار، بمعنى أخبرني عن كذا.
(2) في المطبوعة وتاريخ الطبري: "إنا نجد في كتابنا"، وفي المخطوطة والد المنثور: "نجده" وهو الذي أثبت. وفي تاريخ الطبري بعد"يعطي ما أعطى حزقيل". والقرن (بفتح فسكون) : الحصن، والقرن أيضًا: الجبيل المنفرد. وقرن الجبل: أعلاه.
(3) في المطبوعة: "رسلا لم يقصصهم" بحذف الواو، وبالياء من"يقصصهم"، وفي المخطوطة كذلك إلا أن"الياء" غير منقوطة، وأثبت نص الآية، على ما جاءت في تاريخ الطبري.
(4) في المطبوعة: "فقام عليهم ما شاء الله"، والصواب من المراجع والمخطوطة.
(5) الأثر: 5600- رواه الطبري في تاريخه 1: 238، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور 1: 311. وفي المطبوعة والمخطوطة والدر: "أشعث بن أسلم البصري"، وفي التاريخ"أشعث عن سالم النصري"، و"أشعث بن أسلم العجلي البصري ثم الربعي"، روى عن أبيه أنه رأى أبا موسى الأشعري، روى عنه سعيد بن أبي عروبة. مترجم في ابن أبي حاتم 1 /1 /269. وأما"سالم النصري"، فهو: سالم بن عبد الله النصري، هو"سالم سبلان"، مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 2 /1 /184، روى عن عمان وعائشة وأبي سعيد، وأبي هريرة. روى عنه سعيد المقبري، وبكير بن عبد الله وغيرهما. وأنا أظن أن الذي في التاريخ أقرب إلى الصواب.

(5/269)


5602- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف"، إلى قوله:"ثم أحياهم"، قال: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، (1) وقع بها الطاعون، فهرب عامة أهلها فنزلوا ناحية منها، فهلك من بقي في القرية وسلم الآخرون، فلم يمت منهم كبير. (2) فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا! ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم! فوقع في قابل فهربوا، وهم بضعة وثلاثون ألفا، حتى نزلوا ذلك المكان، وهو واد أفيح، (3) فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا! فماتوا، حتى إذا هلكوا وبليت أجسادهم، مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقه وأصابعه، (4) فأوحى الله إليه: يا حزقيل، أتريد أن أريك فيهم كيف أحييهم؟ = قال: وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم= فقال: نعم! فقيل له: ناد! فنادى:"يا أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تجتمعي! "، فجعلت تطير العظام بعضها إلى بعض، حتى كانت أجسادا من عظام، ثم أوحى الله إليه أن ناد:"يا أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تكتسي لحما"، فاكتست لحما ودما، وثيابها التي ماتت فيها وهي عليها. ثم قيل له: ناد! فنادى:"يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي"، فقاموا.
5603- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، قال: فزعم منصور بن المعتمر، عن مجاهد: أنهم قالوا حين أحيوا:"سبحانك ربنا وبحمدك
__________
(1) في المخطوطة: "دار وردان" بزيادة راء، والصواب ما في تاريخ الطبري، والدر المنثور، ومعجم البلدان، وهي من نواحي شرقي واسط، بينهما فرسخ.
(2) في التاريخ: "فلم يمت منهم كثير".
(3) الأفيح والفياح: الواسع المنتشر النواحي، ويقال: روضة فيحاء، من ذلك.
(4) في المطبوعة: "يلوي شدقيه"، وأثبت ما في المخطوطة وتاريخ الطبري. ولوى شدقه: أماله متعجبا مما يرى ويشهد.

(5/270)


لا إله إلا أنت"، فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم، (1) لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن، (2) حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم. (3)
5604- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد الرحمن بن عوسجة، عن عطاء الخراساني:" ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف"، قال: كانوا ثلاثة آلاف أو أكثر.
5605- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف، (4) حظر عليهم حظائر، وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، (5) فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح، وهم ألوف فرارا من الجهاد في سبيل الله، فأماتهم الله ثم أحياهم، فأمرهم بالجهاد، فذلك قوله:" وقاتلوا في سبيل الله" الآية.
5606- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق،
__________
(1) السحنة (بفتح فسكون) : الهيئة واللون والحال، وبشرة الوجه والمنظر.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "إلا عاد كفنا دسما"، وضبط في التاريخ بضم الدال وسكون السين، وهو خطأ، فإن هذا جمع أدسم ودسما، وليس هذا مقام جمع. وقوله: "كفنا دسما مثل الكفن" ليس بلبسان عربي، فحذفتها وأثبت ما في التاريخ، وأما الرواية الأخرى في الدر المنثور فهي: "إلا عاد كفنا دسما"، بحذف"مثل الكفن"، فهذه أو تلك هي الصواب.
والدسم: ودك اللحم والشحم. وفلان: دسم الثوب وأدسم الثوب، إذا كان ثوبه متلطخا وسخا قد علق به وضر اللحم والشحم. وأكفان الموتى دسم، لما يسيل من أجسادهم بعد تهرئهم وتعفن أبدانهم.
(3) الأثران: 5602، 5603- في تاريخ الطبري 1: 237، 238، والدر المنثور 1: 310 بغير هذا اللفظ.
(4) في المخطوطة والمطبوعة"أو ثمانية آلاف"، وهو لا يستقيم، والصواب في الدر المنثور 1: 311.
(5) الحظائر جمع حظيرة: ما أحاط بالشيء، تكون من قصب وخشب، ليقي البرد والريح والعادية. وحظ حظيرة: اتخذها. والحظر: الحبس والمنع. أروح الماء واللحم وغيرهما وأراح: تغيرت رائحته وأنتن.

(5/271)


عن وهب بن منبه أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع، (1) خلف فيهم - يعني في بني إسرائيل - حزقيل بن بوزي= (2) وهو ابن العجوز، وإنما سمي"ابن العجوز" أنها سألت الله الولد وقد كبرت وعقمت، فوهبه الله لها، فلذلك قيل له"ابن العجوز"= وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم كما بلغنا:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون". (3) .
5607- حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق قال: بلغني أنه كان من حديثهم أنهم خرجوا فرارا من بعض الأوباء= من الطاعون، أو من سقم كان يصيب الناس= حذرا من الموت، وهم ألوف، حتى إذا نزلوا بصعيد من البلاد قال لهم الله:"موتوا"، فماتوا جميعا. فعمد أهل تلك البلاد فحظروا عليهم حظيرة دون السباع، ثم تركوهم فيها، وذلك أنهم كثروا عن أن يغيبوا. فمرت بهم الأزمان والدهور، حتى صاروا عظاما نخرة، فمر بهم حزقيل بن بوزى، (4) فوقف عليهم، فتعجب لأمرهم ودخلته رحمة لهم، (5) فقيل له: أتحب أن يحييهم الله؟ فقال: نعم! فقيل له: نادهم فقل: (6) "أيتها العظام الرميم التي قد رمت وبليت، ليرجع كل عظم إلى صاحبه". فناداهم بذلك، فنظر إلى العظام تواثب يأخذ بعضها بعضا. ثم قيل له: قل:"أيها اللحم والعصب والجلد، اكس العظام بإذن ربك"، قال: فنظر إليها والعصب يأخذ العظام ثم اللحم والجلد والأشعار، حتى استووا خلقا ليست فيهم الأرواح. ثم دعا لهم بالحياة، فتغشاه من السماء شيء
__________
(1) في التاريخ: "يوفنا" بالفاء.
(2) في التاريخ: "بوذي" بالذال.
(3) الأثر: 5606- في تاريخ الطبري 1: 237، ثم 238 مختصرا، والدر المنثور: 1: 311.
(4) في التاريخ: "بوذى" بالذال.
(5) في المخطوطة والمطبوعة: "ودخله رحمة. . . "، وأثبت ما في تاريخ الطبري.
(6) في المخطوطة والمطبوعة: "نادهم فقال. . . "، والصواب من التاريخ.

(5/272)


كربه حتى غشي عليه منه، (1) ثم أفاق والقوم جلوس يقولون:"سبحان الله، سبحان الله" قد أحياهم الله. (2)
* * *
وقال آخرون: معنى قوله"وهم ألوف" وهم مؤتلفون. (3)
* ذكر من قال ذلك:
5608- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قول الله:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم"، قال: قرية كانت نزل بها الطاعون، فخرجت طائفة منهم وأقامت طائفة، فألح الطاعون بالطائفة التي أقامت، والتي خرجت لم يصبهم شيء. (4) ثم ارتفع، ثم نزل العام القابل، فخرجت طائفة أكثر من التي خرجت أولا فاستحر الطاعون بالطائفة التي أقامت. فلما كان العام الثالث، نزل فخرجوا بأجمعهم وتركوا ديارهم، فقال الله تعالى ذكره:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف"، ليست الفرقة أخرجتهم، كما يخرج للحرب والقتال، قلوبهم مؤتلفة، إنما خرجوا فرارا. فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة، قال لهم الله:"موتوا"، في المكان الذي ذهبوا إليه يبتغون فيه الحياة. فماتوا، ثم أحياهم الله،"إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون". قال: ومر بها رجل وهي عظام تلوح، (5) فوقف
__________
(1) في المخطوطة: "فتغساه من السماء كربه" غير منقوطة. وفي المطبوعة: "فتغشاهم من السماء كدية"، وهذا كلام بلا معنى، وما أثبته هو نص الطبري في التاريخ. وكربه الأمر: غشيه واشتد عليه وأخذ بنفسه، فهو مكروب النفس.
(2) الأثر: 5607- في تاريخ الطبري 1: 238.
(3) يعني أنه جمع"إلف" (بكسر الهمزة وسكون اللام) . وقال ابن سيده في"ألوف": "وعندي أنه جمع آلف، كشاهد وشهود"، وانظر سائر كتب التفسير.
(4) في المطبوعة: "لم يصبها"، وأثبت ما في المخطوطة.
(5) لاح البرق والسيف والعظم يلوح: تلألأ ولمح، وذلك لبياض العظام في ضوء الشمس.

(5/273)


ينظر فقال:"أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ "، فأماته الله مائة عام. (1)
* * *
* ذكر الأخبار عمن قال: كان خروج هؤلاء القوم من ديارهم فرارا من الطاعون.
5609- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن الأشعث، عن الحسن في قوله:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت"، قال. خرجوا فرارا من الطاعون، فأماتهم قبل آجالهم، ثم أحياهم إلى آجالهم.
5610- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: 34"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت"، قال: فروا من الطاعون، فقال لهم الله:"موتوا"! ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم.
5611- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار في قول الله تعالى ذكره:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت"، قال: وقع الطاعون في قريتهم، فخرج أناس وبقي أناس، فهلك الذين بقوا في القرية، وبقي الآخرون. ثم وقع الطاعون في قريتهم الثانية، فخرج أناس وبقي أناس، ومن خرج أكثر ممن بقي. فنجى الله الذين خرجوا، وهلك الذين بقوا. فلما كانت الثالثة خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم، ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم [وقد أنكروا قريتهم، ومن تركوا] . وكثروا بها، حتى يقول بعضهم لبعض: من أنتم؟ (2)
__________
(1) الأثر: 5608- أخرجه السيوطي في الدر المنثور 1: 311 مختصرا. وسيأتي مختصرا برقم: 5905.
(2) في المخطوطة: "فرجعوا إلى بلادهم، وقد قريتهم ومن تركوا، وكثروا بها، يقول بعضهم لبعض"، بياض بين الكلام، أما المطبوعة فقد أسقطت هذا البياض، فجعلت الكلام: "فرجعوا إلى بلادهم وكروا بها، حتى يقول بعضهم لبعض"، بزيادة"حتى"، فآثرت أن استظهر معنى الكلام، فأثبت ما في المخطوطة، وظننت أن مكان البياض ما أثبت. هذا ولم أجد هذا الأثر في مكان آخر.

(5/274)


5612- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: وقع الطاعون في قريتهم= ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.
5613- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا سويد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف" الآية، مقتهم الله على فرارهم من الموت، فأماتهم الله عقوبة، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها، ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.
5614- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين، عن هلال بن يساف في قوله تعالى:"ألم تر إلى الذين خرجوا" الآية، قال: هؤلاء القوم من بني إسرائيل، (1) كان إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنياؤهم وأشرافهم، وأقام فقراؤهم وسفلتهم. قال: فاستحر الموت على المقيمين منهم، ونجا من خرج منهم. فقال الذين خرجوا: لو أقمنا كما أقام هؤلاء، لهلكنا كما هلكوا! وقال المقيمون: لو ظعنا كما ظعن هؤلاء، لنجونا كما نجوا! فظعنوا جميعا في عام واحد، أغنياؤهم وأشرافهم وفقراؤهم وسفلتهم. فأرسل عليهم الموت فصاروا عظاما تبرق. قال: فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد، فمر بهم نبي فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك! قال: أو أحب إليك أن أفعل؟ قال نعم! قال: فقل: كذا وكذا، فتكلم به، فنظر إلى العظام، وإن العظم ليخرج من عند العظم الذي ليس منه إلى العظم الذي هو منه. ثم تكلم بما أمر، فإذا العظام تكسى لحما. ثم أمر بأمر فتكلم به، فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون. ثم قيل لهم: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
__________
(1) في المطبوعة: "كان هؤلاء القوم من بني إسرائيل، إذا وقع فيهم الطاعون" وفي المخطوطة: "كان هؤلاء قوما من بني إسرائيل، كان إذا وقع. . . "، وضرب الناسخ على ألف"قوما"، وجعلها"قوم"، فتبين لي أن"كان" زائدة من الناسخ، كما جاءت على الصواب في الدر المنثور 1: 311.

(5/275)


5615- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن حماد بن عثمان، عن الحسن: أنه قال في الذين أماتهم الله ثم أحياهم قال: هم قوم فروا من الطاعون، فأماتهم الله عقوبة ومقتا، ثم أحياهم لآجالهم. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في تأويل قوله:"وهم ألوف" بالصواب، قول من قال:"عنى بالألوف كثرة العدد"= دون قول من قال:"عنى به الائتلاف"، بمعنى ائتلاف قلوبهم، وأنهم خرجوا من ديارهم من غير افتراق كان منهم ولا تباغض، ولكن فرارا: إما من الجهاد، وإما من الطاعون= لإجماع الحجة على أن ذلك تأويل الآية، ولا يعارض بالقول الشاذ ما استفاض به القول من الصحابة والتابعين.
* * *
وأولى الأقوال- في مبلغ عدد القوم الذين وصف الله خروجهم من ديارهم- بالصواب، قول من حد عددهم بزيادة عن عشرة آلاف، دون من حده بأربعة آلاف، وثلاثة آلاف، وثمانية آلاف. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم كانوا ألوفا، وما دون العشرة آلاف لا يقال لهم:"ألوف". وإنما يقال"هم آلاف"، إذا كانوا ثلاثة آلاف فصاعدا إلى العشرة آلاف. وغير جائز أن يقال: هم خمسة ألوف، أو عشرة ألوف.
وإنما جمع قليله على"أفعال"، (2) ولم يجمع على"أفعل"= مثل سائر الجمع القليل الذي يكون ثاني مفرده ساكنا (3) للألف التي في أوله. وشأن العرب في كل
__________
(1) الأثر: 5615-"حماد بن عثمان"، وروى عن عبد العزيز الأعمى عن أنس. روى عنه سعيد بن أبي أيوب، وروى عن الحسن البصري قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حماد بن عثمان فقال: هو مجهول". ترجم له البخاري في الكبير 2 /1 /20، وابن أبي حاتم 1 /2 /144.
(2) في المخطوطة: "وإنما جمع قليله وكثيره على أفعال"، وزيادة"كثيره" خطأ، والصواب ما في المطبوعة.
(3) في المخطوطة: "وعلى سائر مثل الجمع القليل"، والصواب ما في المطبوعة.

(5/276)


حرف كان أوله، ياء أو واوا أو ألفا، اختيار جمع قليله على أفعال، كما جمعوا"الوقت""أوقاتا" و"اليوم""أياما"، و"اليسر"و"أيسارا"، للواو والياء اللتين في أول ذلك. وقد يجمع ذلك أحيانا على"أفعل"، إلا أن الفصيح من كلامهم ما ذكرنا، ومنه قول الشاعر: (1)
كانوا ثلاثة آلف وكتيبة ... ألفين أعجم من بني الفدام (2)
* * *
وأما قوله:"حذر الموت"، فإنه يعني: أنهم خرجوا من حذر الموت، فرارا منه. (3) كما: -
5616- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
__________
(1) هو بكير، أصم بني الحارث بن عباد.
(2) النقائض: 645، وتاريخ الطبري 2: 155، والأغاني 20: 139، واللسان (ألف) وغيرها. وهذا البيت من أبيات له في يوم ذي قار، وهو اليوم الذي انتصفت فيه العرب من العجم، وهزمت كسرى أبرويز بن هرمز. وكانت وقعة ذي قار بعد يوم بدر بأشهر، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرها قال: "هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا". وكانت بنو شيبان في هذا اليوم أهل جد وحد، فمدحهم الأعشى وبكير الأصم.
هذا وقد روى الطبري هنا"كانوا ثلاثة آلف"، ورواية المراجع جميعا:
"عربا ثلاثة آلف. . . "
وذلك أن كسرى عقد للنعمان بن زرعة على تغلب والنمر، وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد، وعقد لإياس بن قبيصة على جميع العرب، ومعه كتيبتاه: الشهباء والدوسر، فكانت العرب ثلاثة آلف. وعقد أيضًا للهامرز التستري على ألف من الأساورة، وعقد الخنابزين على ألف، فكانت العجم ألفين. (الأغاني 20/134) ، فهذا تصحيح الرواية المجمع عليها وبيانها، وأول هذه الأبيات: إن كنت ساقية المدامة أهلها ... فاسقي على كرم بني همام
وأبا ربيعة كلها ومحلما ... سبقا بغاية أمجد الأيام
ضربوا بني الأحرار يوم لقوهم ... بالمشرفي على مقيل الهام
عربا ثلاثة آلف. . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وعنى بقوله: "بني الفدام"، الفرس. وذلك أن المجوس كان مما يتدينون به أنهم إذا شرابا، شدوا على أفواههم خرقة كاللثام، فسميت هذه الطائفة منهم: بنو الفدام.
(3) انظر ما سلف 1: 354، 355 في تفسير: "حذر الموت" وإعرابها.

(5/277)


حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"حذر الموت"، فرارا من عدوهم، حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه. فأمرهم فرجعوا، وأمرهم أن يقاتلوا في سبيل الله، وهم الذين قالوا لنبيهم: (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [سورة البقرة: 246]
* * *
قال أبو جعفر: وإنما حث الله تعالى ذكره عباده بهذه الآية، على المواظبة على الجهاد في سبيله، (1) والصبر على قتال أعداء دينه. وشجعهم بإعلامه إياهم وتذكيره لهم، أن الإماتة والإحياء بيديه وإليه، دون خلقه= وأن الفرار من القتال والهرب من الجهاد ولقاء الأعداء، إلى التحصن في الحصون، والاختباء في المنازل والدور، غير منج أحدا من قضائه إذا حل بساحته، ولا دافع عنه أسباب منيته إذا نزل بعقوته، (2) كما لم ينفع الهاربين من الطاعون= الذين وصف الله تعالى ذكره صفتهم في قوله:"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت"= فرارهم من أوطانهم، وانتقالهم من منازلهم إلى الموضع الذي أملوا بالمصير إليه السلامة، وبالموئل النجاة من المنية، حتى أتاهم أمر الله، فتركهم جميعا خمودا صرعى، وفي الأرض هلكى، ونجا مما حل بهم الذين باشروا كرب الوباء، وخالطوا بأنفسهم عظيم البلاء.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله لذو فضل ومن. على خلقه، بتبصيره إياهم سبيل الهدى، وتحذيره لهم طرق الردى، وغير ذلك من نعمه التي
__________
(1) في المطبوعة: "في سبيل الله" وأثبت ما في المخطوطة.
(2) في المخطوطة والمطبوعة: "بعقوبته"، وهي في المخطوطة غير منقوطة. وعقوة الدار: ساحتها وما حولها قريبا منها. يقال: نزل بعقوته، ونزلت الخيل بعقوة العدو.

(5/278)


ينعمها عليهم في دنياهم ودينهم، وأنفسهم وأموالهم- كما أحيى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بعد إماتته إياهم، وجعلهم لخلقه مثلا وعظة يتعظون بهم، عبرة يعتبرون بهم، وليعلموا أن الأمور كلها بيده، فيستسلموا لقضائه، ويصرفوا الرغبة كلها والرهبة إليه. (1)
ثم أخبر تعالى ذكره أن أكثر من ينعم عليه من عباده بنعمه الجليلة، ويمن عليه بمننه الجسيمة، يكفر به ويصرف الرغبة والرهبة إلى غيره، ويتخذ إلها من دونه، كفرانا منه لنعمه التي توجب أصغرها عليه من الشكر ما يفدحه، ومن الحمد ما يثقله، فقال تعالى ذكره:"ولكن أكثر الناس لا يشكرون"، يقول: لا يشكرون نعمتي التي أنعمتها عليهم، وفضلي الذي تفضلت به عليهم، بعبادتهم غيري، وصرفهم رغبتهم ورهبتهم إلى من دوني ممن لا يملك لهم ضرا ولا نفعا، ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا. (2)
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "فيستسلمون. . . ويصرفون"، وفي المخطوطة: "فيستسلمون. . . ويصرفوا"
(2) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم، وفي المخطوطة بعده ما نصه:
"وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم كثيرا".
ثم يبدأ التقسيم التالي بما نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن"

(5/279)


وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)

القول في تأويل قوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك:"وقاتلوا"، أيها المؤمنون="في سبيل الله"، يعني: في دينه الذي هداكم له، (1) لا في طاعة الشيطان= أعداء دينكم، (2) الصادين عن سبيل ربكم، ولا تحتموا عن قتالهم عند لقائهم، ولا تجبنوا عن حربهم، (3) فإن بيدي حياتكم وموتكم. ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت وخوف المنية على نفسه بقتالهم، فيدعوه ذلك إلى التعريد عنهم والفرار منهم، (4) فتذلوا، ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم إليه، (5) كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، الذين قصصت عليكم قصتهم، فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله بهم حين جاءهم أمري، وحل بهم قضائي، ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه، إذ دافعت عنهم مناياهم، وصرفتها عن حوبائهم، (6) فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني، فإن من حيي منكم فأنا أحييه، (7) ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله.
__________
(1) انظر ما سلف في تفسير: "سبيل الله" 3: 583، 592، والمراجع هناك.
(2) "أعداء. . . " مفعول"قاتلوا"، والسياق: "قاتلوا أيها المؤمنون. . . أعداء دينكم".
(3) في المخطوطة"ولا تحموا عن قتاله عند لقائهم، ولا تحبوا عن حربهم" غير منقوطة، بإفراد ضمير"قتاله"، فغيرها مصححوا المطبوعة، إذ لم يحسنوا قراءتها فجعلوها: "ولا تجبنوا عن لقائهم، ولا تقعدوا عن حربهم" غيروا وبدلوا واسقطوا وفعلوا ما شاءوا!! . وقوله: "ولا تحتموا عن قتالهم" من قولهم: احتميت من كذا وتحاميته: إذا اتقيته وامتنعت منه. و"من" و"عن" في هذا الموضع سواء.
(4) في المطبوعة: "فيدعوه ذلك إلى التفريد"، وهو خطأ، وزاده خطأ بعض من علق على التفسير، بشرح هذا اللفظ المنكر. والتعريد: الفرار وسرعة الذهاب في الهزيمة. يقال: "عرد الرجل عن قوله"، إذا أحجم عنه ونكل وفر.
(5) وأل إلى المكان يئل، وؤولا ووئيلا ووألا: لجأ إليه طلب النجاة. والموئل: الملجأ.
(6) الحوباء: النفس، أو ورع القلب.
(7) في المطبوعة: "فأنا أحيحه"، وأثبت ما في المخطوطة.

(5/280)


ثم قال تعالى ذكره لهم: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم"سميع" لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا="عليم" بما تجنه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم، (1) وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم، ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي.
يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي، وغير ذلك من أمري ونهيي، إذ كفر هؤلاء نعمي. واعلموا أن الله سميع لقولهم، وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، محيط بذلك كله، حتى أجازي كلا بعمله، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا.
* * *
قال أبو جعفر: ولا وجه لقول من زعم أن قوله:"وقاتلوا في سبيل الله"، أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال، بعد ما أحياهم. لأن قوله:"وقاتلوا في سبيل الله"، لا يخلو- إن كان الأمر على ما تأولوه- من أحد أمور ثلاثة:
= إما أن يكون عطفا على قوله:"فقال لهم الله موتوا"، وذلك من المحال أن يميتهم، ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله.
= أو يكون عطفا على قوله:"ثم أحياهم"، وذلك أيضا مما لا معنى له. لأن قوله:"وقاتلوا في سبيل الله"، أمر من الله بالقتال، وقوله:"ثم أحياهم"، خبر عن فعل قد مضى. وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض، لو كانا جميعا خبرين، لاختلاف معنييهما. فكيف عطف الأمر على خبر ماض؟
= أو يكون معناه: ثم أحياهم وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله، ثم أسقط"القول"،
__________
(1) في المطبوعة: "بما تخفيه صدورهم"، وأثبت ما في المخطوطة. وأجن الشيء: ستره وكتمه وأخفاه.

(5/281)


مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)

كما قال تعالى ذكره: (إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) [سورة السجدة: 12] ، بمعنى يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا. وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه، ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر. فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه، فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها.
* * *
القول في تأويل قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: من هذا الذي ينفق في سبيل الله، فيعين مضعفا، (1) أو يقوي ذا فاقة أراد الجهاد في سبيل الله، ويعطي منهم مقترا؟ وذلك هو القرض الحسن الذي يقرض العبد ربه.
وإنما سماه الله تعالى ذكره"قرضا"، لأن معنى"القرض" إعطاء الرجل غيره ماله مملكا له، ليقضيه مثله إذا اقتضاه. فلما كان إعطاء من أعطى أهل الحاجة والفاقة في سبيل الله، إنما يعطيهم ما يعطيهم من ذلك ابتغاء ما وعده الله عليه من جزيل الثواب عنده يوم القيامة، سماه"قرضا"، إذ كان معنى"القرض" في لغة العرب ما وصفنا.
وإنما جعله تعالى ذكره"حسنا"، لأن المعطي يعطي ذلك عن ندب الله إياه وحثه له عليه، احتسابا منه. فهو لله طاعة، وللشياطين معصية. (2) وليس
__________
(1) أضعف الرجل فهو مضعف: ضعفت دابته، يعينه بإبداله دابة غيرها.
(2) في المطبوعة: "وللشياطين معصية"، وفي المخطوطة: "وللسلطان"، وهو سهو من الناسخ.

(5/282)


ذلك لحاجة بالله إلى أحد من خلقه، ولكن ذلك كقول العرب:"عندي لك قرض صدق، وقرض سوء"، للأمر يأتي فيه للرجل مسرته أو مساءته، (1) كما قال الشاعر: (2)
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا ... أو سيئا، ومدينا بالذي دانا (3)
* * *
فقرض المرء: ما سلف من صالح عمله أو سيئه. وهذه الآية نظيرة الآية التي قال الله فيها تعالى ذكره: (4) (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [سورة البقرة: 261] .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول:
5617- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا"، قال: هذا في سبيل الله="فيضاعفه له أضعافا كثيرة"، قال: بالواحد سبعمئة ضعف.
5618- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة"، جاء ابن الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، ألا أرى ربنا يستقرضنا؟ مما أعطانا لأنفسنا! وإن لي أرضين: إحداهما بالعالية، والأخرى بالسافلة، وإني قد جعلت خيرهما صدقة! قال: فكان النبي صلى الله
__________
(1) في المطبوعة"يأتي فيه الرجل. . . "، وفي المخطوطة: "يأتي فيه الرجل" غير منقوطة، ونقل أبو حيان في تفسيره 2: 248 هذا القول عن الأخفش، ونصه: "لأمر تأتي مسرته أو مساءته"، ولكني استظهرت قراءتها كما أثبت، فجميع ما مضى تحريف.
(2) هو أمية بن أبي الصلت.
(3) ديوانه: 63، واللسان (قرض) ، وروايته"أو مدينا مثل ما دنا"، وفي الديوان: "كالذي دانا".
(4) في المطبوعة: "قال الله فيها تعالى ذكره"، وأثبت ما في المخطوطة.

(5/283)


عليه وسلم يقول:"كم من عذق مذلل لابن الدحداح في الجنة! (1) .
5619- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع بهذه الآية قال:"أنا أقرض الله"، فعمد إلى خير حائط له فتصدق به. قال، وقال قتادة: يستقرضكم ربكم كما تسمعون، وهو الولي الحميد ويستقرض عباده. (2)
5620- حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي النيسابوري قال، حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا"، قال أبو الدحداح:
__________
(1) الحديث: 5618 - هذا حديث مرسل، فهو ضعيف الإسناد، لأن زيد بن أسلم تابعي، ولم يذكر من حدثه به من الصحابة.
والحديث ثابت في تفسير عبد الرزاق، ص: 31 (مخطوط مصور) ، عن معمر، به.
وهو عند السيوطي 1: 312، ولم ينسبه لغير عبد الرزاق والطبري.
وقد ذكر ابن كثير 1: 594 أن ابن مردويه روى نحو الحديث الآتي: 5620"من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، مرفوعا بنحوه".
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ضعيف جدا، كما بينا في: 185 فلا قيمة لهذا الرواية.
وسيأتي عقب هذا حديث آخر مرسل بمعناه، ثم: 5620، من حديث ابن مسعود. ونرجئ بيان أصل القصة حتى نتحدث عنها هناك.
قوله"ابن الدحداح" و"لابن الدحاح": هذا هو الثابت في تفسير عبد الرزاق، وهو الذي أثبتناه هنا. وفي المخطوطة -فيهما-"الدحداحة". وفي المطبعة"أبو الدحداح"، و"لأبي الدحداح". وما في تفسير عبد الرزاق أرجح، لأنه الأصل الذي روى عنه الطبري.
قوله: "إنما أعطانا لأنفسنا": هو الثابت عند عبد الرزاق، وهو أجود. وكان في المطبوعة"مما" بدل"إنما".
"العذق" (بفتح فسكون) : النخلة. أما"العذق" -بكسر العين: فهو عرجون النخلة. و"المذلل"- بفتح اللام الأولى مشددة: الذي قد دليت عناقيده، حتى يسهل اجتناء ثمرته، لدنوها من قاطفها.
(2) الحديث: 5619- وهذا مرسل أيضًا، فهو ضعيف الإسناد، وآخره موقوف من كلام قتادة. وذكره السيوطي 1: 312، ونسبه لعبد بن حميد، وابن جرير، فقط. ولم يذكر كلام قتادة في آخره.
في المخطوطة: "ويسعر عباده"، هكذا غير معجمة ولا مبينة، وتركت ما في المطبوعة على حاله، فهو في سياقة المعنى. والأثر في الدر المنثور 1: 321، ولكنه أسقط هذه الجملة الأخيرة عن قتادة.

(5/284)


يا رسول الله، أو إن الله يريد منا القرض؟! قال: نعم يا أبا الدحداح! قال: يدك! قال: (1) .
فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، حائطا فيه ستمئة نخلة. ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في عيالها، فناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك! قال: اخرجي! قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمئة نخلة. (2)
* * *
__________
(1) في المطبوعة: "قال: يدك قبل، فناوله"، وفي المخطوطة: "يدك قيل" ثم وضع ألفا على رأس الياء بعد القاف، كأن أراد أن يجعلها"قال" كما أثبتها ورجحتها، لنص مجمع الزوائد 9: 324: "قال: أرنا يدك. قال: فناوله يده".
(2) الحديث: 5620 - وهذا إسناد ضعيف جدا.
محمد بن معاوية بن يزيد الأنماطي - شيخ الطبري: ثقة مترجم في التهذيب، وتاريخ بغداد 3: 274- 275.
خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي: ثقة، تغير في آخر عمره، مات نحو سنة 181، وهو ابن 101 سنة، وقد فصلنا القول في ترجمته في المسند: 5885.
حميد الأعرج الكوفي القاص: هو حميد بن علي، على ما جزم به البخاري في +الكثير 1/ 2 / 351، والضعفاء، ص: 9. ويقال: "حميد بن عطاء" وهو الذي جزم به ابن أبي حاتم 1 / 2 / 226 - 227، وابن حبان في كتاب المجروحين، رقم: 265. وهو ضعيف جدا. قال البخاري: "منكر الحديث". وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، منكر الحديث، قد لزم عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود، ولا يعرف لعبد الله بن الحارث عن ابن مسعود شيء! ". وقال ابن حبان: "يروى عن عبد الله بن الحرث عن ابن مسعود- نسخة كأنها موضوعة. لا يحتج بخبره إذا انفرد".
عبد الله بن الحارث الزبيدي النجراني المكتب: ثقة. سبق في ترجمة الراوي عنه قول أبي حاتم أنه لا يعرف له شيء عن ابن مسعود. فالبلاء في هذه الرواية من حميد الأعرج.
وهذا الحديث رواه أيضًا ابن أبي حاتم، عن الحسن بن عرفة، عن خلف بن خليفة، بهذا الإسناد. على ما نقله عنه ابن كثير 1: 593- 594.
وذكره السيوطي 1: 312، وزاد نسبته لسعيد بن منصور، وابن سعد، والبزار، وابن المنذر، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6: 320، بنحوه. وقال: "رواه البزار، ورجاله ثقات". ثم ذكره مرة أخرى 9: 324 بلفظ آخر نحوه. وقال: " رواه أبو يعلى، والطبراني، ورجالهما ثقات. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح".
هكذا قال الهيثمي في الموضعين. وليس عندي إسناد من الأسانيد التي نسبه إليها، ولا الكتب التي ذكرها السيوطي، إلا ابن سعد. ولم أجده فيه، لأن النسخة المطبوعة من طبقات ابن سعد تنقص كثيرا من الكتاب، كما هو معروف.
ولقصة أبي الدحداح أصل آخر صحيح. من حديث أنس، رواه أحمد في المسند: 12509 (3: 146 حلبي) ، بإسناد صحيح: "عن أنس: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لفلان نخلة، وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعطها إياه بنخلة في الجنة، فأبى، فأتاه أبو الدحداح، فقال: بعني نخلتك بحائطي! ففعل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم،. فقال: يا رسول الله، إني قد ابتعت النخلة بحائطي، قال: فاجعلها له، فقد أعطيتكها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من عذق راح، لأبي الدحداح، في الجنة. قالها مرارا، قال: فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح، اخرجي من الحائط، فإني قد بعته بنخلة في الجنة. فقالت: ربح البيع، أو كلمة تشبهها".
وحديث أنس هذا في مجمع الزوائد 9: 323-324. وقال: "رواه أحمد، والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح". ووقع في مطبوعة مجمع الزوائد سقط نحو سطر أثناء الحديث، يصحح من هذا الموضع.
وله أصل ثان صحيح. فروى مسلم في صحيحه 1: 264، عن جابر بن سمرة، قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح، ثم أتى بفرس عري، فعقله رجل فركبه، فجعل يتوقص به، ونحن نتبعه نسعى خلفه، قال: فقال رجل من القوم: إن لنبي صلى الله عليه وسلم قال: كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لابن الدحداح". "أو قال شعبة: لأبي الدحداح".
و"أبو الدحداح": هو ثابت بن الدحداح، أو ابن الدحداحة. ويكنى"أبا الدحداح" أو"أبا الدحداحة"، مترجم في الإصابة 1: 199. ثم ترجمه في الكنى 7: 57 - 58، وذكر الخلاف في أنه واحد أو اثنان. ثم زعم أن الحق أن الثاني غير الأول! واستدل بحديث نقله من رواية أبي نعيم ضعيف، وأن في إسناده رجلا"واهى الحديث"!! فسقط الاستدلال به دون ريب.
الحائط: بستان النخيل إذا كان عليه جدار يحيط به، فإن لم يكن عليه الحائط فهو"ضاحية".

(5/285)


وأما قوله:"فيضاعفه له أضعافا كثيرة"، فإنه عدة من الله تعالى ذكره مقرضه ومنفق ماله في سبيل الله من إضعاف الجزاء له على قرضه ونفقته، ما لا حد له ولا نهاية، كما: -
5621- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة"، قال: هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو.
وقد: -
5622- وقد حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن صاحب له يذكر عن بعض العلماء قال: إن الله أعطاكم

(5/286)


الدنيا قرضا، وسألكموها قرضا، فإن أعطيتموها طيبة بها أنفسكم، ضاعف لكم ما بين الحسنة إلى العشر إلى السبعمئة، إلى أكثر من ذلك. وإن أخذها منكم وأنتم كارهون، فصبرتم وأحسنتم، كانت لكم الصلاة والرحمة، وأوجب لكم الهدى. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: (فيضاعفه) بالألف ورفعه، بمعنى: الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له= نسق"يضاعف" على قوله:"يقرض".
* * *
وقرأه آخرون بذلك المعنى: (فيضعفه) ، غير أنهم قرءوا بتشديد"العين" وإسقاط"الألف".
* * *
وقرأه آخرون: (فيضاعفه له) بإثبات"الألف" في"يضاعف" ونصبه، بمعنى الاستفهام. فكأنهم تأولوا الكلام: من المقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له؟ فجعلوا قوله:"فيضاعفه" جوابا للاستفهام، وجعلوا:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" اسما. لأن"الذي" وصلته، بمنزلة"عمرو" و"زيد". فكأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى قول القائل:"من أخوك فتكرمه"، لأن الأفصح في جواب الاستفهام بالفاء= إذا لم يكن قبله ما يعطف به عليه من فعل مستقبل= نصبه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه القراءات عندنا بالصواب، قراءة من قرأ: (فيضاعفه له) بإثبات"الألف". ورفع"يضاعف". لأن في قوله:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" معنى الجزاء. والجزاء إذا دخل في جوابه"الفاء"، لم يكن جوابه
__________
(1) يريد قول الله تعالى في [سورة البقرة: 156، 157] {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}

(5/287)


ب"الفاء" لا رفعا. فلذلك كان الرفع في"يضاعفه" أولى بالصواب عندنا من النصب. وإنما اخترنا"الألف" في"يضاعف" من حذفها وتشديد"العين"، لأن ذلك أفصح اللغتين وأكثرهما على ألسنة العرب.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أنه الذي بيده قبض أرزاق العباد وبسطها، دون غيره ممن ادعى أهل الشرك به أنهم آلهة، واتخذوه ربا دونه يعبدونه. وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي: -
5623- حدثنا به محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا حجاج= وحدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي قال، حدثنا حجاج وأبو ربيعة قالا= حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد وقتادة، عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقالوا: يا رسول الله، غلا السعر فأسعر لنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله الباسط القابض الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطلبني بمظلمة في نفس ومال". (1) .
* * *
__________
(1) الحديث: 5623 -عبد الملك بن محمد الرقاشي أبو قلابة- شيخ الطبري: مضت ترجمته في: 4331.
الحجاج؛ هو ابن المنهال الأنماطي.
أبو ربيعة: هو زيد بن عوف القطعي، ولقبه"فهد". تكلموا فيه كثيرا لأحاديث رواها عن حماد بن سلمة. وأما البخاري فقال في الكبير 2/1/ 369: "سكتوا عته". وهو مترجم أيضًا في ابن أبي حاتم 1/2/ 570 - 571، ولسان الميزان.
ومهما يكن من شأنه، فإنه لم ينفرد بهذا الحديث، فلا يؤثر فيه ضعفه إن كان ضعيفا.
والحديث صحيح بهذا الإسناد، من جهة الحجاج بن المنهال، ومن الروايات الأخر التي سنذكر.
فرواه أحمد في المسند: 12618 (3: 156 حلبي) ، عن سريج ويونس بن محمد، عن حماد ابن سلمة، عن قتادة وثابت البناني، عن أنس.
ورواه أيضًا: 14102 (3: 286 حلي) ، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن قتادة وثابت وحميد، عن أنس.
ورواه الترمذي 2: 271- 272، وابن ماجه: 2200- كلاهما من طريق الحجاج بن النهال بهذا الإسناد. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
ورواه أبو دواد: 3451، من طريق عفان، عن حماد، به.
وذكره السيوطي 1: 313، وزاد نسبته للبيهقي في السنن.

(5/288)


قال أبو جعفر: يعني بذلك صلى الله عليه وسلم: أن الغلاء والرخص والسعة والضيق بيد الله دون غيره. فكذلك قوله تعالى ذكره:،"والله يقبض ويبسط"، يعني بقوله:"يقبض"، يقتر بقبضه الرزق عمن يشاء من خلقه= ويعني بقوله: و"يبسط" يوسع ببسطة الرزق على من يشاء منهم.
وإنما أراد تعالى ذكره بقيله ذلك، حث عباده المؤمنين- الذين قد بسط عليهم من فضله، فوسع عليهم من رزقه- على تقوية ذوي الإقتار منهم بماله، ومعونته بالإنفاق عليه وحمولته على النهوض لقتال عدوه من المشركين في سبيله، (1) فقال تعالى ذكره: من يقدم لنفسه ذخرا عندي بإعطائه ضعفاء المؤمنين وأهل الحاجة منهم ما يستعين به على القتال في سبيلي، فأضاعف له من ثوابي أضعافا كثيرة مما أعطاه وقواه به؟ فإني -أيها الموسع- (2) الذي قبضت الرزق عمن ندبتك إلى معونته وإعطائه، لأبتليه بالصبر على ما ابتليته به= والذي بسطت عليك لأمتحنك بعملك فيما بسطت عليك، فأنظر كيف طاعتك إياي فيه، فأجازي كل واحد منكما على قدر طاعتكما لي فيما ابتليتكما فيه وامتحنتكما به، من غنى وفاقة، وسعة وضيق، عند رجوعكما إلي في آخرتكما، ومصيركما إلي في معادكما.
* * *
__________
(1) الحمولة (بفتح الحاء) : كل ما يحمل عليه الناس من إبل وحمير وغيرها. والحمولة (بضم الحاء) الأحمال والأثقال. هذا وأخشى أن يكون صواب العبارة في الأصل"بالأنفاق عليه وعلىحملته" وقوله: "علي النهوض" متعلق بقوله: "ومعونته".
(2) في المطبوعة: "فإني أنا الموسع الذى قبضت"، وهو كلام لا يستقيم أبدا، والصواب ما في المخطوطة. و"الموسع": الغني الذى كثر ماله. من قولهم: "أوسع الرجل"، صار ذا سعة وغنى وكثر ماله. وقال الله تعالى: "علي الموسع قدره وعلي المقتر قدره". وانظر ما سلف في تفسير"الوسع" في هذا الجزء: 45. وسياق العبارة"فانى.... الذي قبضت".

(5/289)


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من بلغنا قوله من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
5624- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" الآية، قال: علم أن فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة، وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد غنى، فندب هؤلاء فقال:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط"؟ قال: بسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده، (1) وقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له، فقوه مما في يدك، يكن لك في ذلك حظ.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وإلى الله معادكم، أيها الناس، فاتقوا الله في أنفسكم أن تضيعوا فرائضه وتتعدوا حدوده، وأن يعمل من بسط عليه منكم من رزقه بغير ما أذن له بالعمل فيه ربه، وأن يحمل المقتر منكم- إذ قبض عن رزقه- إقتاره على معصيته، والتقدم على ما نهاه، (2) فيستوجب بذلك عند مصيره إلى خالقه، ما لا قبل له به من أليم عقابه. (3)
* * *
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "يبسط عليك" مضارعا، وهو لا يطابق قوله بعد: "وقبض". فجعلتها"بسط"، وإن شئت جعلت الأخرى: "ويقبض"، كما في الدر المنثور 1: 313، وأنا أرجع الأولى.
(2) في المطبوعة: "وأن يحل بالمقتر منكم فقبض عنه رزقه، إقتاره...."، وهو كلام فاسد وفي المخطوطة: "وأن يحمل المقتر منكم فقبض عنه رزقه. . . " وهو لا يستقيم أيضًا، ورجحت أن تكون الأولى" المقتر" كما في المخطوطة، وأن تكون الأخرى"إذ قبض"، أو"بقبضه عنه ... " وسياق الجملة: "وأن يحمل المقتر منكم ... إقتاره علي معصيته) .
(3) في المطبوعة: "فيستوجب بذلك منه بمصيره. . . وهو كلام شديد الخلل. وفي المخطوطة: "عنه مصيره"، وظاهر أن الهاء المرسلة من"عنه"، دال"عند".

(5/290)


وكان قتادة يتأول قوله:"وإليه ترجعون"، وإلى التراب ترجعون. (1)
5625- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وإليه ترجعون"، من التراب خلقهم، وإلى التراب يعودون. (2)
* * *
__________
(1) في المخطوطة: "وإلى الثواب"، و"من الثواب ... " وهو ظاهر الفساد، ولكنه دليل علي شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب، كما رأيت من تصحيفه وتحريفه في المواضع السابقة من التعليق.
(2) في المخطوطة: "وإلى الثواب"، و"من الثواب ... " وهو ظاهر الفساد، ولكنه دليل علي شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب، كما رأيت من تصحيفه وتحريفه في المواضع السابقة من التعليق.

(5/291)