تفسير الماوردي
النكت والعيون سورة الحاقة
بسم الله الرحمن الرحيم
(6/75)
الْحَاقَّةُ (1) مَا
الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا
ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ
فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا
عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا
فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ
نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ
بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ
أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ
حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ
تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
{الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة
كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد
فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام
حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم
من باقية وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول
ربهم فأخذهم أخذة رابية إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية
لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية} قوله تعالى {الحاقّةُ ما
الحاقّةُ} فيه قولان: أحدهما: أنه ما حقّ من الوعد والوعيد
بحلوله , وهو معنى قول ابن بحر. الثاني: أنه القيامة التي
يستحق فيها الوعد والوعيد , قاله الجمهور وفي تسميتها بالحاقة
ثلاثة أقاويل: أحدها: ما ذكرنا من استحقاق الوعد والوعيد
بالجزاء على الطاعات والمعاصي , وهو معنى قول قتادة ويحيى بن
سلام. الثاني: لأن فيها حقائق الأمور , قاله الكلبي. الثالث:
لأن حقاً على المؤمن أن يخافها.
(6/75)
وقوله (ما الحاقة) تفخيماً لأمرها وتعظيماً
لشأنها. {وما أدْراكَ ما الحاقّة} قال يحيى بن سلام: بلغني أن
كل شىء في القرآن فيه (وما أدراك) فقد أدراه إياه وعلّمه إياه
, وكل شيء قال فيه (وما يدريك) فهو ما لم يعلمه إياه. وفيه
وجهان: أحدهما: وما أدراك ما هذا الاسم , لأنه لم يكن في كلامه
ولا كلام قومه , قاله الأصم. الثاني: وما أدراك ما يكون في
الحاقة. {كذّبَتْ ثمودُ وعادٌ بالقارعةِ} أما ثمود فقوم صالح
كانت منازلهم في الحجر فيما بين الشام والحجاز , قاله محمد بن
إسحاق: وهو وادي القرى , وكانوا عرباً. وأما عاد فقوم هود ,
وكانت منازلهم بالأحقاف , والأحقاف الرمل بين عُمان إلى حضرموت
واليمن كله , وكانوا عرباً ذوي خَلق وبَسطة , ذكره محمد بن
إسحاق. وأما (القارعة) ففيها قولان: أحدهما: أنها قرعت بصوت
كالصيحة , وبضرب كالعذاب , ويجوز أن يكون في الدنيا , ويجوز أن
يكون في الآخرة. الثاني: أن القارعة هي القيامة كالحاقة , وهما
اسمان لما كذبت بها ثمود وعاد. وفي تسميتها بالقارعة قولان:
أحدهما: لأنها تقرع بهولها وشدائدها. الثاني: أنها مأخوذة من
القرعة في رفع قوم وحط آخرين , قاله المبرد. {فأمّا ثمودُ
فأهلِكوا بالطاغية} فيها خمسة أقاويل: أحدها: بالصيحة , قاله
قتادة. الثاني: بالصاعقة , قاله الكلبي. الثالث: بالذنوب ,
قاله مجاهد. الرابع: بطغيانهم , قاله الحسن. الخامس: أن
الطاغية عاقر الناقة , قاله ابن زيد. {وأمّا عادٌ فأهْلِكوا
بريحٍ صَرْصَرٍ عاتيةٍ} روى مجاهد عن ابن عباس قال:
(6/76)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(نُصِرْتُ بالصَّبا وأُهلِكتْ عاد بالدَّبور). فأما صرصر ففيها
قولان: أحدهما: أنها الريح الباردة , قاله الضحاك والحسن ,
مأخوذ من الصر وهو البرد. الثاني: أنها الشديدة الصوت , قاله
مجاهد. وأما العاتية ففيها ثلاثة أوجه: أحدها: القاهرة , قاله
ابن زيد. الثاني: المجاوزة لحدها. الثالث: التي لا تبقى ولا
ترقب. وفي تسميتها عاتية وجهان: أحدهما: لأنها عتت على القوم
بلا رحمة ولا رأفة , قاله ابن عباس. الثاني: لأنها عتت على
خزانها بإذن اللَّه. {سَخّرها عليهم سَبْعَ ليالٍ وثمانيةَ
أيام حُسوماً} اختلف في أولها على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنّ
أولها غداة يوم الأحد , قاله السدي. الثاني: غداة يوم الأربعاء
, قاله يحيى بن سلام. الثالث: غداة يوم الجمعة , قاله الربيع
بن أنس. وفي قوله {حُسُوماً} أربعة تأويلات: أحدها: متتابعات ,
قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والفراء , ومنه قول أمية بن
أبي الصلت:
(وكم يحيى بها من فرط عام ... وهذا الدهر مقتبل حسوم.)
الثاني: مشائيم , قاله عكرمة والربيع. الثالث: أنها حسمت
الليالي والأيام حتى استوفتها , لأنها بدأت طلوع الشمس من أول
يوم , وانقطعت مع غروب الشمس من آخر يوم , قاله الضحاك.
(6/77)
الرابع: لأنها حسمتهم ولم تبق منهم أحداً ,
قاله ابن زيد , وفي ذلك يقول الشاعر:
(ومن مؤمن قوم هود ... فأرسل ريحاً دَبوراً عقيماً)
89 (توالتْ عليهم فكانت حُسوماً} 9
{فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ} فيه ثلاثة
أوجه: أحدها: البالية , قاله أبو الطفيل. الثاني: الخالية
الأجواف , قاله ابن كامل. الثالث: ساقطة الأبدان , خاوية
الأصول , قاله السدي. وفي تشبيههم بالنخل الخاوية ثلاثة أوجه:
أحدها: أن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية , قاله
يحيى بن سلام. الثاني: أن الريح كانت تدخل في أجوافهم من
الخيشوم , وتخرج من أدبارهم , فصاروا كالنخل الخاوية , حكاه
ابن شجرة. الثالث: لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم , فصاروا
بقطعها كالنخل الخاوية. {وجاءَ فرعونُ ومَن قَبْلَهُ} فيه
وجهان: أحدهما: ومن معه من قومه وهو تأويل من قرأ (ومن
قِبلَهُ) بكسر القاف وفتح الباء. والثاني: ومن تقدمه , وهو
تأويل من قرأ (ومن قَبْلَهُ) بفتح القاف وتسكين الباء.
{والمؤتفِكاتُ بالخاطئة} في المؤتفكات قولان: أحدهما: أنها
المقلوبات بالخسف. الثاني: أنها الأفكات وهي الاسم من الآفكة ,
أي الكاذبة. والخاطئة: هي ذات الذنوب والخطايا , وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم قوم لوط. الثاني: قارون وقومه , لأن اللَّه خسف
بهم.
(6/78)
{فعصَوْا رسولَ ربِّهم} فيه وجهان: أحدهما:
فعصوا رسول الله إليهم بالتكذيب. الثاني: فعصوا رسالة اللَّه
إليهم بالمخالفة , وقد يعبر عن الرسالة بالرسول , قال الشاعر:
(لقد كذَبَ الواشون ما بُحْت عندهم ... بسرٍّ ولا أرسلتهم
برسول.)
{فَأَخَذَهُمْ أَخذةً رابيةً} فيه خمسة أوجه: أحدها: شديدة ,
قاله مجاهد. الثاني: مُهلكة , قاله السدي. الثالث: تربوبهم في
عذاب اللَّه أبداً , قاله أبو عمران الجوني. الرابع: مرتفعة ,
قاله الضحاك. الخامس: رابية للشر , قاله ابن زيد. {إنا لما
طَغَى الماءُ حَمَلْناكم في الجاريةِ} فيه ثلاثة أوجه: أحدها:
ظَهَر , رواه ابن أبي نجيح. الثاني: زادَ وكثر , قاله عطاء.
الثالث: أنه طغى على خزانه من الملائكة , غضباً لربه فلم
يقدروا على حبسه , قاله عليّ رضي الله عنه. قال قتادة: زاد على
كل شيء خمسة عشر ذراعاً. وروي عن ابن عباس أنه قال: ما أرسل من
ريح قط إلا بمكيال. وما أنزل الله من قطرة قط إلا بمثقال , إلا
يوم نوح وعاد , فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه فلم يكن لهم
عيله سبيل , ثم قرأ: (إنا لما طغى الماء) الآية. وإن الريح طغت
على خزانها يوم عاد فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ. (بريح صرصر
عاتية سخرها عليهم) الآية. {حملناكم في الجارية} يعني سفينة
نوح , سميت بذلك لأنها جارية على الماء. وفي قوله حملناكم
وجهان:
(6/79)
أحدهما: حملنا آباءكم الذين أنتم من
ذريتهم. الثاني: أنهم في ظهور آبائهم المحمولين , فصاروا معهم
, وقد قال العباس بن عبد المطلب ما يدل على هذا الوجه وهو قوله
في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
(من قبلها طِبتَ في الظلال وفي ... مُستودع حيث يُخْصَفُ
الورقُ.)
(ثم هبطتَ البلادَ لا بشرٌ ... أنت ولا مُضْغةٌ ولا عَلَقُ.)
(بل نطفةٌ تركب السَّفينَ وقد ... ألجَمَ نَسراً وأهلَه
الغرقُ.)
{لنجْعلهَا لكم تذكِرةً} يعني سفينة نوح جعلها اللَّه لكم
تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم في قول قتادة , وقال
ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي. {وتَعِيَها أُذُنٌ
واعِيةٌ} فيه أربعة أوجه: أحدها: سامعة , قاله ابن عباس.
الثاني: مؤمنة , قاله ابن جريج. الثالث: حافظة , وهذا قول ابن
عباس أيضاً. قال الزجاج: يقال وعيت لما حفظته في نفسك , وأوعيت
لما حفظته في غيرك. وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال عند نزول هذه الآية: (سألت ربي أن يجلعها أُذُنَ عليٍّ)
قال مكحول: فكان عليٌّ رضي اللَّه عنه يقول: ما سمعت من رسول
الله شيئاً قط نسيته إلا وحفظته. الرابع: [أنالأذن الواعية]
أُذن عقلت عن اللَّه وانتفعت بما سمعت من كتاب اللَّه , قاله
قتادة.
(6/80)
فَإِذَا نُفِخَ فِي
الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ
وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ
وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ
يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا
وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
(17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ
(18)
{فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض
والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء
فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ
ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}
(6/80)
{فيومئذٍ وقَعَتِ الواقعةُ} فيها ثلاثة
أقاويل: أحدها: القيامة. الثاني: الصيحة. الثالث: أنها الساعة
التي يفنى فيها الخلق. {وانْشَقّت السماءُ فهِي يومئذٍ واهيةٌ}
في انشقاقها وجهان: أحدهما: أنها فتحت أبوابها , قاله ابن
جريج. الثاني: أنها تنشق من المجرة , قاله عليّ رضي الله عنه.
وفي قوله (واهية) وجهان: أحدهما: متخرقة , قاله ابن شجرة ,
مأخوذ من قولهم وَهَى السقاءُ إذا انخرق , ومن أمثالهم:
(خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤه ... ومَن هُريق بالفلاةِ
ماؤهُ)
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه. الثاني: ضعيفه , قاله يحيى
بن سلام. {والملَكُ على أَرجائها} فيه وجهان: أحدهما: على
أرجاء السماء , ولعله قول مجاهد وقتادة. الثاني: على أرجاء
الدنيا , قاله سعيد بن جبير. وفي (أرجائها) أربعة أوجه: أحدها:
على جوانبها , قاله سعيد بن جبير. الثاني: على نواحيها , قاله
الضحاك. الثالث: أبوابها , قاله الحسن. الرابع: ما استدق منها
, قاله الربيع بن أنس. ووقوف الملائكة على أرجائها لما يؤمرون
به فيهم من جنة أو نار. {ويَحْمِلُ عَرْشَ ربِّك فوقهم يَومئذٍ
ثمانيةُ} يعني أن العرش فوق الثمانية وفيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: ثمانية أملاك من الملائكة , قاله العباس بن عبد المطلب.
(6/81)
الثاني: ثمانية صفوف من الملائكة , قاله
ابن جبير. الثالث: ثمانية أجزاء من تسعة , وهم الكروبيون ,
قاله ابن عباس , وروى أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم: (يحمله اليوم أربعة , وهم يوم القيامة ثمانية). وفي
قوله {فوقهم} ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم يحملون العرش فوق
رؤوسهم. الثاني: أن حملة العرش فوق الملائكة الذين على
أرجائها. الثالث: أنهم فوق أهل القيامة. {يومئذٍ تُعْرَضونَ}
يعني يوم القيامة , روى الحسن عن أبي موسى قال: قال النبي صلى
الله عليه وسلم: (يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات , أما
عرضتان فجدال ومعاذير , وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف من
الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله) {لا تَخْفَى منكم خافيةٌ} فيه
ثلاثة تأويلات: أحدها: لا يخفى المؤمن من الكافر , ولا البر من
الفاجر , قاله عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. الثاني: لا تستتر
منكم عورة , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس
حفاة عراة) الثالث: أن خافية بمعنى خفيّة كانوا يخفونها من
أعمالهم حكاه ابن شجرة.
(6/82)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ
كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا
كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ
(20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
(22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا
بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)
{فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم
اقرؤوا كتابيه إني ظننت أني ملاق
(6/82)
حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية
قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام
الخالية} {فأمّا مَنْ أُوتي كتابَه بيمينه} لأن إعطاء الكتاب
باليمين دليل على النجاة. {فيقول هاؤم اقْرَؤوا كِتابيهْ} ثقة
بسلامته وسروراً بنجاته , لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرج
, والشمال من دلائل الغم , قال الشاعر:
(أبيني أفي يُمْنَى يديكِ جَعَلْتِني ... فأفرح أم صيرتني من
شِمالِك)
وفي قوله (هاؤمُ) ثلاثة أوجه: أحدها: بمعنى هاكم اقرؤوا كتابيه
فأبدلت الهمزة من الكاف , قاله ابن قتيبة. الثاني: أنه بمعنى
هلموا اقرؤوا كتابيه , قال الكسائي: العرب تقول للواحد هاءَ
وللاثنين هاؤما وللثلاثة هاؤم. الثالث: أنها كلمة وضعت لإجابة
الداعي عند النشاط والفرح روي أن أعرابياً نادى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بصوت عالٍ فأجابه هاؤم بطول صوته. والهاء من
(كتابيه) ونظائرها موضوعة للمبالغة , وذكر الضحاك أنها نزلت في
أبي سلمة بن عبد الأسد. {إني ظننتُ أني مُلاقٍ حِسابِيَهْ} فيه
وجهان: أحدهما: أي علمت , قال الضحاك: كل ظن في القرآن من
المؤمن فهو يقين , ومن الكافر فهو شك , وقال مجاهد: ظن الآخرة
يقين , وظن الدنيا شك. الثاني: ما قاله الحسن في هذه الآية ,
أن المؤمن أحْسن بربه الظن , فأحسن العمل , وأن المنافق أساء
بربه الظن فأساء العمل. وفي الحساب ها هنا وجهان: أحدهما: في
البعث. الثاني: في الجزاء. {فهو في عِيشَةٍ راضيةٍ} بمعنى
مَرْضيّة , قال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري
(6/83)
يرفعانه: إنهم يعيشون فلا يموتون أبداً ,
ويصحّون فلا يمرضون أبداً , ويتنعمون فلا يرون بؤساً أبداً ,
ويشبّون فلا يهرمون أبداً. {في جنة عالية} يحتمل وجهين:
أحدهما: رفيعة المكان. الثاني: عظيمة في النفوس. {قطوفها
دانيةٌ} يحتمل وجهين: أحدهما: دانية من الأيدي يتناولها القائم
والقاعد. الثاني: دانية الإدراك لا يتأخر حملها ولا نضجها.
(6/84)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ
كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ
كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا
لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي
مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ
فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي
سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)
إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا
يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ
الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ
غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)
{وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني
لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما
أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم
في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله
العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ها هنا حميم
ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون} {وأمّا من أُوتي
كتابه بشماله} يحتمل وجهين: أحدهما: أنه كان يقول ذلك راجياً.
الثاني: أنه كان مستوراً فافتضح , ومن عادة العرب أن تفرق بين
القبول والرد وبين الكرامة والهوان , باليمين والشمال , فتجعل
اليمين بشيراً بالقبول والكرامة , وتجعل الشمال نذيراً بالرد
والهوان. {ولم أَدْرِ ما حِسابِيَهْ} يحتمل وجهين: أحدهما: لما
شاهد من كثرة سيئاته وكان يظنها قليلة , لأنه أحصاه اللَّه
ونسوه. الثاني: لما رأى فيه من عظيم عذابه وأليم عقابه. {يَا
لَيْتَها كانت القاضيةَ} فيه وجهان: أحدهما: يعني موتاً لا
حياة فيه بعدها , قاله الضحاك.
(6/84)
الثاني: أنه تمنى أن يموت في الحال , ولم
يكن في الدنيا أكره إليه من الموت , قاله قتادة. {ما أغْنَى
عَنيِّ مالِيَهْ} يحتمل وجهين: أحدهما: أن كثرة ماله في الدنيا
لم يمنع عنه في الآخرة. الثاني: لأن رغبته في زينة الدنيا
وكثرة المال هو الذي ألهاه عن الآخرة. {هَلَكَ عني
سُلْطانِيَهْ} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: معناه ضللت عن حُجّتي ,
قاله مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك. الثاني: سلطانه الذي تسلط
به على بدنه حتى أقدم به على معصيته , وهذا معنى قول قتادة.
الثالث: أنه كان في الدنيا مطاعاً في أتباعه , عزيزاً في
امتناعه , وهذا معنى قول الربيع بن أنس. وحكي أن هذا في أبي
جهل بن هشام , وذكر الضحاك أنها نزلت في الأسود ابن عبد الأسد.
{فليس له اليومَ ها هنا حَميمٌ} الحميم: القريب , ومعناه ليس
له قريب ينفعه ويدفع عنه كما كان يفعل معه في الدنيا. {ولا
طعامٌ إلا مِنْ غِسْلين} فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه غسالة
أطرافهم , قاله يحيى بن سلام , قال الأخفش: هو فعلين من الغسل.
الثاني: أنه صديد أهل النار , قاله ابن عباس. الثالث: أنه شجرة
في النار هي أخبث طعامهم , قاله الربيع بن أنس. الرابع: أنه
الحار الذي قد اشتد نضجه , بلغة أزد شنوءة.
(6/85)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَا
تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ
رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا
مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)
{فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه
لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول
كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين} {فلا أُقْسِمُ بما
تُبصِرون} قال مقاتل: سبب ذلك أن الوليد بن المغيرة قال: إن
محمداً ساحر , وقال أبو جهل: إنه شاعر , وقال عقبة بن معيط:
إنه كاهن فقال
(6/85)
اللَّه تعالى قسماً على كذبهم (فلا
أُقْسِم) أي أقسم , و (لا) صلة زائدة. {وَما لا تُبْصِرونَ}
فيه وجهان: أحدهما: بما تبصرون من الخلق وما لا تبصرون من
الخلق , قاله مقاتل. الثاني: أنه رد لكلام سبق أي ليس الأمر
كما يقوله المشركون. ويحتمل ثالثاً: بما تعلمون وما لا تعلمون
, مبالغة في عموم القسم. {إنه لَقْولُ رسولٍ كريمٍ} فيه قولان:
أحدهما: جبريل , قاله الكلبي ومقاتل. الثاني: رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم , قال ابن قتيبة: وليس القرآن من قول الرسول ,
إنما هو من قول اللَّه وإبلاغ الرسول , فاكتفى بفحوى الكلام عن
ذكره.
(6/86)
وَلَوْ تَقَوَّلَ
عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ
بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ
لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ
مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى
الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
{ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه
باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه
لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على
الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم} {ولو تَقوَّل
علينا بَعْضَ الأقاويل} أي تكلّف علينا بعض الأكاذيب , حكاه عن
كفار قريش أنهم قالوا ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم.
{لأخْذنا منه باليمين} فيه خمسة تأويلات: أحدها: لأخذنا منه
قوّته كلها , قاله الربيع. الثاني: لأخذنا منه بالحق , قاله
السدي والحكم , ومنه قول الشاعر:
(إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لمجدٍ ... تَلَقّاها عَرابةُ
باليَمينِ)
أي بالاستحقاق. الثالث: لأخذنا منه بالقدرة , قاله مجاهد.
الرابع: لقطعنا يده اليمنى , قاله الحسن.
(6/86)
الخامس: معناه لأخذنا بيمينه إذلالاً له
واستخفافاً به , كما يقال لما يراد به الهوان , خذوا بيده ,
حكاه أبو جعفر الطبري. {ثم لَقَطَعْنا مِنه الوَتينَ} فيه
أربعة أقاويل: أحدها: أنه نياط القلب ويسمى حبل القلب , وهو
الذي القلب معلق به , قاله ابن عباس. الثاني: أنه القلب
ومراقّه وما يليه , قاله محمد بن كعب. الثالث: أنه الحبل الذي
في الظهر , قاله مجاهد. الرابع: أنه عرق بين العلباء والحلقوم
, قاله الكلبي. وفي الإشارة إلى قطع ذلك وجهان: أحدهما: إرادة
لقتله وتلفه , كما قال الشاعر:
(إذا بَلَّغْتِني وَحَمَلْتِ رحْلي ... عرابة فاشربي بدَمِ
الوَتينِ)
الثاني: ما قاله عكرمة أن الوَتين إذا قطع لا إن جاع عَرَق ,
ولا إن شبع عَرَقَ. {وإنه لتَذْكرةٌ للمُتّقِينَ} يعني القرآن
, وفي التذكرة أربعة أوجه: أحدها: رحمة. الثاني: ثَبات.
الثالث: موعظة. الرابع: نجاة. {وإنّا لَنَعْلَمُ أنَّ منكم
مُكذِّبينَ} قال الربيع: يعني بالقرآن. {وإنّه} يعني القرآن.
{لَحسْرةٌ على الكافرين} يعني ندامة يوم القيامة. ويحتمل وجهاً
ثانياً: أن يزيد حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته
عند تحدّيهم أن يأتوا بمثله.
(6/87)
{وإنّه لَحقُّ اليقينِ} فيه وجهان: أحدهما:
أي حقاً ويقيناً ليكونن الكفر حسرة على الكافرين يوم القيامة ,
قاله الكلبي. الثاني: يعني القرآن عند جميع الخلق أنه حق , قال
قتادة: إلا أن المؤمن أيقن به في الدنيا فنفعه , والكافر أيقن
به في الآخرة فلم ينفعه. {فَسَبِّحْ باسْمِ ربِّكَ العظيم} فيه
وجهان: أحدهما: فصلِّ لربك , قاله ابن عباس. الثاني: فنزهه
بلسانك عن كل قبيح.
(6/88)
سورة المعارج
بسم الله الرحمن الرحيم
(6/89)
سَأَلَ سَائِلٌ
بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ
يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)
{سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع
من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه
قريبا} قوله تعالى: {سأَل سائلٌ} قرأه الجمهور بهذين الحرفين
في سأل سائل , وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: معناه استخبر مستخبر عن
العذاب متى يقع , على التكذيب. الثاني: دعا داع أن يقع البلاء
بهم على وجه الاستهزاء , قاله مجاهد. الثالث: طلب طالب.
{بعذابٍ واقعٍ} وفي هذا الطالب ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهالنضر
بن الحارث , وكان صاحب لواء المشركين يوم بدر , وقد سأل ذلك في
قوله {اللهم إن كان هذا هو الحقَ من عندك فأمطِرْ علينا حجارةً
من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32] قاله ابن عباس
ومجاهد.
(6/89)
الثاني: أنه أبو جهل: وهو القائل لذلك ,
قاله ربيع بن أبي حمزة. الثالث: أنه قول جماعة من قريش. وفي
هذا العذاب قولان: أحدهما: أنه العذاب في الآخرة , قاله مجاهد.
الثاني: أنها نزلت بمكة وعذابه يوم بدر بالقتل والأسر , قاله
السدي. وقرأ نافع وزيد بن أسلم وابنه (سأل سايل) غير مهموز ,
وسايل واد في جهنم , وسمي بذلك لأنه يسيل بالعذاب. {مِن
اللَّهِ ذي المعارج} فيه خمسة تأويلات: أحدها: ذي الدرجات ,
قاله ابن عباس. الثاني: ذي الفواضل والنعم , قاله قتادة.
الثالث: ذي العظمة والعلاء. الرابع: ذي الملائكة , لأنهم كانوا
يعرجون إليه , قاله قتيبة. الخامس: أنها معارج السماء , قاله
مجاهد. {تَعْرُجُ الملائكةُ والروحُ إليه} أي تصعد , وفي الروح
ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه روح الميت حين يقبض , قاله قَبيصة بن
ذؤيب , يرفعه. الثاني: أنه جبريل , كما قال تعالى: (نزل به
الروح الأمين). الثالث: أنه خلق من خلق اللَّه كهيئة الناس
وليس بالناس , قاله أبو صالح. {في يوم كان مِقدارُه خمسينَ
ألْفَ سنةٍ} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه يوم القيامة , قاله
محمد بن كعب والحسن. الثاني: أنها مدة الدنيا , مقدار خمسين
ألف سنة , لا يدري أحد كم مضى وكم بقي إلا اللَّه , قاله
عكرمة. الثالث: أنه مقدار مدة الحساب في عرف الخلق أنه لو تولى
بعضهم محاسبة بعض لكان مدة حسابهم خمسين ألف سنة , إلا أن
اللَّه تعالى يتولاه في أسرع مدة.
(6/90)
وروى معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: (يحاسبهم اللَّه بمقدار ما بين الصلاتين ولذلك سمى نفسه
سريع الحساب , وأسرع الحاسبين). {فاصْبِرْ صَبْراً جَميلاً}
فيه أربعة تأويلات: أحدها: أنه الصبر الذي ليس فيه جزع , قاله
مجاهد. الثاني: أنه الصبر الذي لا بث فيه ولا شكوى. الثالث:
أنه الانتظار من غير استعجال , قاله ابن بحر. الرابع: أنه
المجاملة في الظاهر , قاله الحسن. وفيما أُمر بالصبر عليه
قولان: أحدهما: أُمر بالصبر على ما قذفه المشركون من أنه مجنون
وأنه ساحر وأنه شاعر , قاله الحسن. الثاني: أنه أُمر بالصبر
على كفرهم , وذلك قبل أن يفرض جهادهم , قاله ابن زيد. {إنهم
يَرَوْنه بعيداً} فيه قولان: أحدهما: أنه البعث في القيامة.
الثاني: عذاب النار. وفي المراد بالبعيد وجهان: أحدهما: مستحيل
غير كائن. الثاني: استبعاد منهم للآخرة. {ونراه قريباً} أي
كائناً , لأن ما هو كائن قريب.
(6/91)
يَوْمَ تَكُونُ
السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ
(9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ
يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ
بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ
الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ
يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً
لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)
وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)
{يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال
كالعهن ولا يسأل حميم حميما
(6/91)
يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب
يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض
جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى
وجمع فأوعى} {يومَ تكونُ السّماءُ كالمُهْلِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: كدرديّ الزيت , قاله ابن عباس. الثاني: كمذاب الرصاص
والنحاس والفضلة , قاله ابن مسعود. الثالث: كقيح من دم , قاله
مجاهد. {وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ} يعني كالصوف المصبوغ ,
والمعنى أنها تلين بعد الشدة , وتتفرق بعد الاجتماع.
{يُبْصّرُونَهم} فيه أربعة أوجه: أحدها: أنه يبصر بعضهم بعضاً
فيتعارفون , قاله قتادة. الثاني: أن المؤمنين يبصرون الكافرين
, قاله مجاهد. الثالث: أن الكافرين يبصرون الذين أضلوهم في
النار , قاله ابن زيد. الرابع: أنه يبصر المظلوم ظالمه ,
والمقتول قاتله. {يَوَدّ المجْرِمُ} فيه وجهان: أحدهما: يحب.
الثاني: يتمنى , والمجرم هو الكافر. {لو يَفْتَدِي مِن عَذابِ
يومِئذ} يعني يفتدي من عذاب جهنم بأعز من كان عليه في الدنيا
من أقاربه , فلا يقدر. ثم ذكرهم فقال: {ببنيه}. {وصاحبته} يعني
زوجته: {وأخيه}. {وفصيلته} فيه وجهان: أحدهما: عشيرته التي
تنصره , قاله ابن زيد. الثاني: أنها أمه التي تربيه , قاله
مالك , وقال أبو عبيدة: الفصيلة دون القبيلة. {التي تؤويه} فيه
وجهان:
(6/92)
أحدهما: التي يأوي إليها في نسبه , قاله
الضحاك. الثاني: يأوي إليها في خوفه. {كلا إنها لَظَى} فيه
وجهان: أحدهما: أنها اسم من أسماء جهنم , سميت بذلك لأنها التي
تتلظى , وهو اشتداد حرها. الثاني: أنه اسم الدرك الثامن في
جهنم , قاله الضحاك. {نَزّاعة للشّوَى} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أنها أطراف اليدين والرجلين , قاله أبو صالح , قال
الشاعر:
(إذا نَظَرْتَ عَرَفْت الفخر منها ... وعَيْنيها ولم تعْرِفْ
شَواها.)
الثاني: قال الضحاك: هي جهنم تفري اللحم والجلد عن العظم ,
وقال مجاهد: جلدة الرأس ومنه قول الأعشى:
(قالت قُتَيْلَةُ ما لَه ... قد جُلِّلَتْ شيْباً شَواتهُ.)
الثالث: أنه العصب والعقب , قاله ابن جبير. الرابع: أنه مكارم
وجهه , قاله الحسن. الخامس: أنه اللحم والجلد الذي على العظم ,
لأن النار تشويه , قاله الضحاك. {تَدْعو مَنْ أَدْبَرَ
وتَوَلّى} وفي دعائها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها تدعوهم بأسمائهم
فتقول للكافر: يا كافر إليّ , وللمنافق: يا منافق إليّ , قاله
الفراء. الثاني: أن مصير من أدبر وتولى إليها , فكأنها الداعية
لهم , ومثله قول الشاعر:
(ولقد هَبَطْنا الوادِيَيْن فوادياً ... يَدْعو الأنيسَ به
العَضيضُ الأبكمُ.)
العضيض الأبكم: الذباب , وهو لا يدعو وإنما طنينه ينبه عليه ,
فدعا إليه.
(6/93)
الثالث: الداعي خزنة جهنم أضيف دعاؤهم
إليها , لأنهم يدعون إليها. وفي ما {أدبر وتولى} عنه أربعة
أوجه: أحدها: أدبر عن الطاعة وتولى عن الحق , قاله مجاهد.
الثاني: أدبر عن الإيمان وتولى إلى الكفر , قاله مقاتل.
الثالث: أدبر عن أمر اللَّه وتولى عن كتاب اللَّه , قاله
قتادة. الرابع: أدبر عن القبول وتولى عن العمل. {وجَمَع
فأوْعَى} يعني الذي أدبر وتولى جمع المال فأوعى , بأن جعله في
وعاء حفظاً له ومنعاً لحق اللَّه منه , قال قتادة: فكان جموعاً
منوعاً.
(6/94)
إِنَّ الْإِنْسَانَ
خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ
(22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ
بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ
رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ
مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ
(29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ
ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)
أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
{إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا
وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون
والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون
بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير
مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم
العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم
قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون}
{إنّ الإنسانَ خُلِقَ هَلُوعاً} قال الضحاك والكلبي: يعني
الكافر. وفي الهلوع ستة أوجه: أحدها: أنه البخيل , قاله الحسن.
الثاني: الحريص , قاله عكرمة. الثالث: الضجور , قاله قتادة.
الرابع: الضعيف , رواه أبو الغياث. الخامس: أنه الشديد الجزع ,
قاله مجاهد. السادس: أنه الذي قاله الله تعالى فيه: {إذا مسّه
الشرُّ ... } الآية , قاله ابن ابن عباس.
(6/94)
وفيه وجهان: أحدهما: إذا مسه الخير لم يشكر
, وإذا مسه الشر لم يصبر , وهو معنى قول عطية. الثاني: إذا
استغنى منع حق اللَّه وشح , وإذا افتقر سأل وألح , وهو معنى
قول يحيى بن سلام. {الذين هُمْ على صَلاتِهم دائمونَ} فيه
ثلاثة أوجه: أحدها: يحافظون على مواقيت الفرض منها , قاله ابن
مسعود. الثاني: يكثرون فعل التطوع منها , قاله ابن جريج.
الثالث: لا يلتفتون فيها , قاله عقبة بن عامر. {والذين هم
لأماناتِهم وعَهْدِهم راعُونَ} فيه وجهان: أحدهما: أن الأمانة
ما ائتمنه الناس عليه أن يؤديه إليهم , والعهد: ما عاهد الناس
عليه أن يَفيَ لهم به , قاله يحيى بن سلام. الثاني: أن الأمانة
الزكاة أن يؤديها , والعهد: الجنابة أن يغتسل منها وهو معنى
قول الكلبي. ويحتمل ثالثاً: أن الأمانة ما نهي عنه من
المحظورات , والعهد ما أمر به من المفروضات. {والذين هُم
بشهاداتِهم قائمونَ} فيه وجهان: أحدهما: أنها شهادتهم على
أنبيائهم بالبلاغ , وعلى أممهم بالقبول أو الامتناع. الثاني:
أنها الشهادات في حفظ الحقوق بالدخول فيها عند التحمل ,
والقيام بها عند الأداء. ويحتمل ثالثاً: أنهم إذا شاهدوا أمراً
أقاموا الحق للَّه تعالى فيه , من معروف يفعلونه ويأمرون به ,
ومنكر يجتنبونه وينهون عنه.
(6/95)
فَمَالِ الَّذِينَ
كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ
الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ
أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا
خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ
الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى
أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ
(41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا
يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ
الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ
(43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ
الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)
{فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين
وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ
(6/95)
منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما
يعلمون فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل
خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا
يومهم الذي يوعدون يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب
يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون}
{فما للذين كَفَروا قِبلَكَ مُهْطِعينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مسرعين , قاله الأخفش , قال الشاعر:
(بمكةَ دارُهم ولقد أراهم ... بمكةَ مُهطِعين إلى السماع)
الثاني: معرضين , قاله عطية العوفي. الثالث: ناظرين إليك
تعجباً , قاله الكلبي. {عن اليمين وعن الشِّمال عِزِينَ} فيه
خمسة أوجه: أحدها: متفرقين , قاله الحسن , قال الراعي:
(أخليفةَ الرحمنِ إن عشيرتي ... أمسى سَراتُهُمُ إليك عِزينا.)
الثاني: محتبين , قال مجاهد. الثالث: أنهم الرفقاء والخلطاء ,
قاله الضحاك. الرابع: أنهم الجماعة القليلة , قاله ابن أسلم.
الخامس: أن يكونوا حِلقاً وفرقاً. روى أبو هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حِلَق فقال: (ما لي أراكم
عزين) قال الشاعر:
(6/96)
(ترانا عنده والليل داج ... على أبوابه
حِلقاً عِزينا.)
{يوم يَخْرجون من الأجداثِ سِراعاً} يعني من القبور. {كأنهم
إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} في (نصب) قراءتان: إحداهما بتسكين
الصاد , والأخرى بضمها. وفي اختلافهما وجهان: أحدهما: معناهما
واحد , قاله المفضل وطائفة , فعلى هذا في تأويله أربعة أوجه:
أحدها: معناه إلى علم يستبقون , قاله قتادة. الثاني: إلى غايات
يستبقون , قاله أبو العالية. الثالث: إلى أصنامهم يسرعون ,
قاله ابن زيد , وقيل إنها حجارة طوال كانوا يعبدونها. الرابع:
إلى صخرة بيت المقدس يسرعون. والوجه الثاني من الأصل أن معنى
القراءتين مختلف , فعلى هذا في اختلافهما وجهان: أحدهما: أن
النُّصْب بالتسكين الغاية التي تنصب إليها بصرك , والنُّصُب
بالضم واحد الأنصاب , وهي الأصنام , قاله أبو عبيدة ومعنى
(يوفضون) يسرعون , والإيفاض الإسراع , ومنه قول رؤبة:
(يمشين بنا الجد على الإيفاض ... بقطع أجواز الفلا انفضاض.)
(6/97)
سورة نوح
مكية بسم الله الرحمن الرحيم
(6/98)
إِنَّا أَرْسَلْنَا
نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ
إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ
ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ
أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (4)
{إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من
قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن
اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى
أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون} قوله عز
وجل: {إنا أَرْسَلْنا نُوحاً إلى قَوْمِه} روى قتادة عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول نبي أُرسل نوح) قال قتادة:
بعث من الجزيرة. واختلف في سنه حين بعث: قال ابن عباس: بعث وهو
ابن أربعين سنة. وقال عبد اللَّه بن شداد: بعث وهو ابن
ثلاثمائة وخمسين سنة. وقال إبراهيم بن زيد: إنما سمي نوحاً
لأنه كان ينوح على نفسه في الدنيا. {أنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن
قَبْلِ أن يأتيَهم عَذابٌ أَليمٌ} فيه وجهان: أحدهما: يعني
عذاب النار في الآخرة , قاله ابن عباس. الثاني: عذاب الدنيا ,
وهو ما ينزل عليهم بعد ذلك من الطوفان , قاله الكلبي،
(6/98)
وكان يدعو قومه وينذرهم فلا يرى منهم
مجيباً , وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه , فيقول: رب اغفر لقومي
فإنهم لا يعلمون. {يَغْفِرْ لكم مِن ذُنوبكم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن (من) صلة زائدة , ومعنى الكلام يغفر ذنوبكم , قاله
السدي. الثاني: أنها ليست صلة , ومعناه يخرجكم من ذنوبكم ,
قاله زيد بن أسلم. الثالث: معناه يغفر لكم من ذنوبكم ما
استغفرتموه منها , قاله ابن شجرة. {ويُؤَخِّرْكم إلى أجَلٍ
مُسمى} يعني إلى موتكم وأجلكم الذي خط لكم , فيكون موتكم بغير
عذاب إن آمنتم. {إنّ أَجَلَ اللَّه إذا جاءَ لا يُؤخَّرُ لو
كنتم تَعْلَمونَ} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني بأجل اللَّه
الذي لا يؤخر يوم القيامة , جعله اللَّه أجلاً للبعث , قاله
الحسن. الثاني: يعني أجل الموت إذا جاء لم يؤخر , قاله مجاهد.
الثالث: يعني أجل العذاب إذا جاء لا يؤخر , قاله السدي. وفي
قوله: (لو كنتم تعلمون) وجهان: أحدهما: أن ذلك بمعنى إن كنتم
تعلمون. الثاني: لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل اللَّه إذا جاء
لا يؤخر , قاله الحسن.
(6/99)
قَالَ رَبِّ إِنِّي
دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ
دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ
لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ
وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا
اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ
إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ
كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ
خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ
اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ
فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ
أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ
فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا
فِجَاجًا (20)
{قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم
يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا
أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا
ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت
استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم
بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون
لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات
طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا
(6/99)
والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم
فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها
سبلا فجاجا} {قال رَبِّ إنّي دَعَوْتُ قَوْمي ليلاً ونهاراً}
فيه وجهان: أحدهما: دعوتهم ليعبدوك ليلاً ونهاراً. الثاني:
دعوتهم ليلاً ونهاراً إلى عبادتك. {فلم يَزدْهم دُعائي إلاّ
فِراراً} يحتمل وجهين: أحدهما: إلا فراراً من طاعتك. الثاني:
فراراً من إجابتي إلى عبادتك. قال قتادة: بلغنى أنه كان يذهب
الرجل بابنه إلى نوح , فيقول لابنه: احذر هذا لا يغرنك فإن أبي
قد ذهب بي غليه وأنا مثلك , فحذرني كما حذرتك. {وإنِّي كلما
دَعَوْتُهم لِتَغَفِرَ لهم} يعني كلما دعوتهم إلى الإيمان
لتغفر لهم ما تقدم من الشرك. {جعلوا أصابعهم في آذانهم} لئلا
يسمعوا دعاءه ليؤيسوه من إجابة ما لم يسمعوه , قال محمد بن
إسحاق: كان حليماً صبوراً. {واستغْشَوا ثيابَهم} أي عطوا رؤسهم
وتنكروا لئلا يعرفهم. {وأَصَرُّوا} فيه ثلاثة تأويلات: أحدها:
أنه إقامتهم على الكفر , قال قتادة: قدماً قدماً في معاصي
اللَّه لالتهائهم عن مخافة اللَّه حتى جاءهم أمر اللَّه.
الثاني: الإصرار: أن يأتي الذنب عمداً , قاله الحسن. الثالث:
معناه أنهم سكتوا على ذنوبهم فلم يستغفروا قاله السدي.
{واستكْبَروا استكباراً} فيه وجهان: أحدهما: أن ذلك كفرهم
باللَّه وتكذيبهم لنوح , قاله الضحاك. الثاني: أن ذلك تركهم
التوبة , قاله ابن عباس , وقوله (استبكارا) تفخيم.
(6/100)
{ثم إنّي دَعْوتُهم جِهاراً} أي مجاهرة يرى
بعضهم بعضاً. {ثم إني أعْلَنْتُ لهم} يعني الدعاء , قال مجاهد:
معناه صِحْتُ. {وأسَرَرْتُ لهم إسْراراً} الدعاء عن بعضهم من
بعض , وفيه وجهان: أحدهما: أنه دعاهم في وقت سراً , وفي وقت
جهراً. الثاني: دعا بعضهم سراً وبعضهم جهراً , وكل هذا من نوح
مبالغة في الدعاء وتلطفاً في الاستدعاء. {فقلتُ استغْفِروا
ربّكم إنّه كان غَفّاراً} وهذا فيه ترغيب في التوبة , وقد روى
حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الاستغفار ممحاة
للذنوب). وقال: الفضيل: يقول العبد استغفر اللَّه , قال:
وتفسيرها أقلني. {يُرْسِلِ السماءَ عليكم مِدْراراً} يعني
غيثاً متتابعاً , وقيل إنهم كانوا قد أجدبوا أربعين سنة , حتى
أذهب الجدب أموالهم وانقطع الولد عن نسائهم , فقال ترغيباً في
الإيمان. {ويُمْدِدْكم بأموالٍ وبنينَ ويَجْعَل لكم جَنّاتٍ
ويَجْعَل لكم أنهاراً} قال قتادة: علم نبي اللَّه نوح أنهم أهل
حرص على الدنيا , فقال هلموا إلى طاعة اللَّه فإن من طاعته درك
الدنيا والآخرة. {ما لكم لا ترجون للَّه وقاراً} فيه خمسة
تأويلات: أحدها: ما لكم لا تعرفون للَّه عظمة , قاله مجاهد ,
وعكرمة. الثاني: لا تخشون للَّه عقاباً وترجون منه ثواباً ,
قاله ابن عباس في رواية ابن جبير. الثالث: لا تعرفون للَّه حقه
ولا تشكرون له نعمه , قاله الحسن. الرابع: لا تؤدون للَّه طاعة
, قاله ابن زيد. الخامس: أن الوقار الثبات , ومنه قوله تعالى:
{وقرن في بيوتكن} [الأحزاب: 33] أي اثبتن , ومعناه لا تثبتون
وحدانية اللَّه وأنه إلهكم الذي لا إله لكم سواه , قال
(6/101)
ابن بحر: دلهم على ذلك فقال: {وقد خلقكم
أطواراً} في وجهان: أحدهما: يعني طوراً نطفة , ثم طوراً علقة ,
ثم طوراً مضغة , ثم طوراً عظماً , ثم كسونا العظام لحماً , ثم
أنشأناه خلقاً آخر أنبتنا له الشعر وكملت له الصورة , قاله
قتادة. الثاني: أن الأطوار اختلافهم في الطول والقصر , والقوة
والضعف والهم والتصرف , والغنى والفقر. ويحتمل ثالثاً: أن
الأطوار اختلافهم في الأخلاق والأفعال. {ألمْ تَروْا كيف خَلَق
اللَّهُ سَبْعَ سمواتٍ طِباقاً} فيها قولان: أحدهما: أنهن سبع
سموات على سبع أرضين , بين كل سماء وأرض خلق , وهذا قول الحسن.
والثاني: أنهن سبع سموات طباقاً بعضهن فوق بعض , كالقباب ,
وهذا قول السدي. {وجَعَل القَمَرَ فيهنّ نُوراً} فيه قولان:
أحدهما: معناه وجعل القمر فيهن نوراً لأهل الأرض , قاله السدي.
الثاني: أنه جعل القمر فيهن نوراً لأهل السماء والأرض , قاله
عطاء. وقال ابن عباس: وجهه يضيء لأهل الأرض , وظهره يضيء لأهل
السماء. {وجَعَل الشّمْسَ سِراجاً} يعني مصباحاً لأهل الأرض ,
وفي إضافته لأهل السماء القولان الأولان. {واللَّه أَنْبَتكُم
مِنَ الأرضِ نَباتاً} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني آدم خلقه من
أديم الأرض كلها , قاله ابن جريج , وقال خالد بن معدان: خلق
الإنسان من طين , فإنما تلين القلوب في الشتاء. الثاني: أنبتهم
من الأرض بالكبر بعد الصغر , وبالطول بعد القصر , قاله ابن
بحر. الثالث: أن جميع الخلق أنشأهم باغتذاء ما تنبته الأرض
وبما فيها , وهو محتمل. {ثم يُعيدُكم فيها} يعني أمواتاً في
القبور.
(6/102)
{ويُخْرِجُكم إخراجاً} لنشور بالبعث.
{واللَّهُ جَعَل لكم الأرضَ بِساطاً} أي مبسوطة , وفيه دليل
على أنها مبسوطة. {لِتَسْلُكوا منها سُبُلاً فجاجاً} فيه ثلاثة
أوجه: أحدها: طرقاً مختلفة , قاله ابن عباس. الثاني: طرقاً
واسعة , قاله ابن كامل. الثالث: طرقاًً أعلاماً , قاله قتادة.
(6/103)
قَالَ نُوحٌ رَبِّ
إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ
وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا
(22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ
وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا
ضَلَالًا (24)
{قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده
ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم
ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا
ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} {قال نوحٌ ربِّ إنهم عَصَوْني}
قال أهل التفسير: لبث فيهم ما أخبر الله به ألف سنة إلا خمسين
عاماً داعياً لهم , وهم على كفرهم وعصيانهم , قال ابن عباس:
رجا نوح الأبناء بعد الآباء , فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى
بلغوا سبعة قرون , ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم , وعاش بعد
الطوفان ستين سنة , حتى كثر الناس وفشوا. قال الحسن: كان قوم
نوح يزرعون في الشهر مرتين. {واتّبَعوا مَنْ لم يَزِدْه مالُه
ووَلدُه إلاّ خَساراً} قرىء ولده بفتح الواو وضمها , وفيهما
قولان: أحدهما: أن الولد بالضم الجماعة من الأولاد , والولد
بالفتح واحد منهم , قاله الأعمش , قال الربيع بن زياد:
(وإن تكَ حَرْبُكم أمست عواناً ... فإني لم أكُنْ مّمن جَناها)
(ولكن وُلْدُ سَوْدةَ أرَّثوها ... وحَشّوا نارها لمن اصطلاها)
{ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً} أي عظيماً , والكبّار أشد
مبالغة من كبير. وفيه وجهان , أحدهما: ما جعلوه للَّه من
الصاحبة والولد , قاله الكلبي.
(6/103)
الثاني: هو قول كبرائهم لأتباعهم: {وقالوا
لا تَذَرُنَّ آلِهتكم ولا تَذَرُنَّ وَدّاً ولا سُواعاً}
الآية، قاله مقاتل. وفي هذه الأصنام قولان: أحدهما: أنها كانت
للعرب لم يعبدها غيرهم ويكون معنى الكلام: كما قال قوم نوح
لأتباعهم لا تذرن آلهتكم , قالت العرب مثلهم لأولادهم وقومهم
لا تذرنّ وداً ولا سُواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً , ثم عاد
الذكر بعد ذلك إلى قوم نوح. واختلف في هذه الأسماء , فقال عروة
بن الزبير: اشتكى آدم وعنده بنوه ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ,
وكان ود أكبرهم وأبرهم به , وقال غيره: إن هذه الأسماء كانت
لرجال قبل قوم نوح , فماتوا فحزن عليهم أبناؤهم حزناً شديداً ,
فزين لهم الشيطان أن يصورهم لينظروا إليهم ففعلوا , ثم عبدها
أبناؤهم من بعدهم. وقال محمد بن كعب: كانوا قوماً صالحين بين
آدم ونوح فحدث بعدهم من أخذ في العبادة مأخذهم , فزين لهم
إبليس أن يتصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم , ثم عبدها من
بعدهم قوم نوح , ثم انتقلت بعدهم إلى العرب فعبدها ولد
إسماعيل. فأما ود فهو أول صنم معبود , سمي بذلك لودهم له ,
وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل من قول ابن عباس وعطاء
ومقاتل , وفيه يقول شاعرهم:
(حيّاك ودٌّ فإنا لا يحل لنا ... لهْوُ النساءِ وإنّ الدينَ قد
عزمَا.)
وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر , في قولهم , وأما يغوث فكان
لغطيف من مراد بالجوف من سبأ , في قول قتادة , وقال مقاتل: حي
من نجران. قال أبو عثمان النهدي: رأيت يغوث وكان من رصاص
وكانوا يحملونه على جمل أجرد , ويسيرون معه لا يهيجونه , حتى
يكون هو الذي يبرك فإذا برك نزلوا وقالوا: قد رضي لكم المنزل ,
فيضربون عليه بناء وينزلون حوله. وأما يعوق فكان لهمدان ببلخع
, في قول قتادة وعكرمة وعطاء.
(6/104)
وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير في قول
عطاء ونحوه عن مقاتل. {وقد أَضَلّوُا كثيراً} فيه وجهان:
أحدهما: يريد أن هذه الأصنام قد ضل بها كثير من قومه. الثاني:
أن أكابر قومه قد أضلوا كثيراً من أصاغرهم وأتباعهم. {ولا
تَزِدِ الظّالمينّ إلاَّ ضَلالاً} فيه وجهان: أحدهما: إلا
عذاباً , قاله ابن بحر واستشهد بقوله تعالى: {إن المجرمين في
ضَلالٍ وسُعُرٍ} [القمر: 47]. الثاني: إلا فتنة بالمال والولد
, وهو محتمل.
(6/105)
مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ
أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ
عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ
إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا
فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ
وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا
(28)
{مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم
يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من
الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا
كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين
والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا} {وقال نوحٌ ربِّ لا
تَذَرْ على الأرضِ مِنَ الكافرين دَيّارا} اختلفوا في سبب دعاء
نوح على قومه بهذا على قولين: أحدهما: أنه لما نزلت عليه قوله
تعالى: {لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} [هود: 36] دعا عليهم
بهذا الدعاء , قاله قتادة. الثاني: أن رجلاً من قومه حمل ولده
صغيراً على كتفه , فمر بنوح , فقال لابنه: إحذر هذا فإنه يضلك
فقال: يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجّهُ , فحينئذٍ غضب نوح
ودعا عليهم. وفي قوله {ديّاراً} وجهان: أحدهما: أحداً , قاله
الضحاك. الثاني: من يسكن الديار , قاله السدي. {ربِّ اغْفِرْ
لي ولوالدّيّ} فيه قولان:
(6/105)
أحدهما: أنه أراد أباه , واسمه لمك , وأمه
واسمها منجل , وكانا مؤمنين , قاله الحسن. الثاني: أنه أراد
أباه وجده , قاله سعيد بن جبير. {ولمن دَخَل بَيْتِيِ
مُؤْمِناً} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني صديقي الداخل إلى
منزلي , قاله ابن عباس. الثاني: من دخل مسجدي , قاله الضحاك.
الثالث: من دخل في ديني , قاله جويبر. {وللمؤمنين والمؤمنات}
فيه قولان: أحدهما: أنه أراد من قومه. الثاني: من جميع الخلق
إلى قيام الساعة , قاله الضحاك. {ولا تَزِدِ الظالمينَ} يعني
الكافرين. {إلا تباراً} فيه وجهان: أحدهما: هلاكاً. الثاني:
خساراً , حكاهما السدي.
(6/106)
|